الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى بَعْضٍ، وحُسْن الخُلُق، فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَلا يُجْبَرون عَلَى ذَلِكَ. بَلَغَنَا أَنَّ شُريحاً اختُصِم (1) إِلَيْهِ (2) فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لِلَّذِي وَضَعَ الْخَشَبَةَ: ارفَعْ رِجْلَك (3) عَنْ مطيَّة (4) أَخِيكَ. فَهَذَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، والتوسُّع أَفْضَلُ.
29 - بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ
804 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الحُصين، عَنْ أَبِي غَطَفَان بْنِ طَرِيفٍ المُرّي (5) ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَن وهب (6) هبةً لصلةِ رحم،
(قال صاحب "المحلى": أمر ندب عند أبي حنيفة، وأمر إيجاب عند أحمد وإسحاق وأهل الحديث، وللشافعي وأصحاب مالك قولان: أصحهما الندب كذا في الأوجز 11/227. وقال الموفق: أما وضع الخشبة إن كان يضرُّ بالحائط لضعفه عن حمله لم يجز بغير خلاف نعلمه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وإن كان لا يضرّ به إلَاّ أن به غنية عنه لإِمكان وضعه على غيره، فقال أكثر أصحابنا: لا يجوز أيضاً، وهو قول الشافعي وأبي ثور، لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه فلم يجز، وأشار ابن عقيل إلى الجواز لحديث الباب، فأما إنْ دعت الحاجة إلى وضعه بحيث لا يمكنه التسقيف بدونه فإنه يجوز له وضعه بغير إذنه، وبهذا قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد: ليس له وضعه، وهو قول أبي حنيفة ومالك المغني 4/555)
والأولوية، لاستحباب التوسع على الناس، وحُسْن الخلق في ما بينهم، الذي مقتضاه عدم المنع، فأما في الحكم الشرعي الظاهر الذي يتعلق بالقضاة فليس فيه جبر، فإن منع فله المنع، وإن لم يمنع فهو أحسن.
(1)
بصيغة المجهول، أي تخاصم بعضهم بعضاً عنده.
(2)
في نسخة: عنده.
(3)
كناية عن رفع الخشبة عن الجدار.
(4)
أي مركبه. وهذا من قبيل الأمثال الدائرة.
(5)
نسبة إلى مُرَّة، بطن من غطفان.
(6)
قوله: من وهب هبة (بسط الكلام عليه الباجي في المنتقى 6/116) ، أي شيئاً موهوباً، أو المعنى من فعل هبة على
أَوْ عَلَى وَجْهِ صدقةٍ، فَإِنَّهُ لا يَرْجِعُ (1) فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى (2) أنَّه إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ (3) ، فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ، يَرْجِعُ فِيهَا إِنْ لَمْ يرضَ مِنْهَا (4) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. مَنْ وَهَبَ (5) هِبَةً لِذِي رَحِمٍ محرم،
طريق التجريد، بقصد صلة رحم، أي قرابة، أو وهبة للفقير على وجه الصدقة في سبيل الله فلا يجوز للواهب الرجوع فيه، ومن وهب هبة مجرَّدةً لقصد الثواب دون الصلة والتصدُّق يجوز له الرجوع، وهذا في "الموطأ" موقوف على عمر، قال الحافظ في "التلخيص": ورواه البيهقي من حديث ابن وهب عن حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر نحوه، قال: ورواه عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم، عن حنظلة مرفوعاً، وهو وهم، وصححه الحاكم وابن حزم، وروى الحاكم من حديث الحسن، عن سمرة مرفوعاً: إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع. وأخرجه الدارقطني ومن حديث ابن عباس بسندٍ ضعيف.
(1)
أي لا يجوز له ولا يعمل برجوعه.
(2)
بصيغة المعروف، أي يظن الواهب، أو بصيغة المجهول.
(3)
أي الجزاء والمكافأة الدنيوية والعوض.
(4)
أي من تلك الهبة.
(5)
قوله: من وهب هبة إلخ، تفصيله بحيث تظهر فوائد قيوده، على ما في "الهداية" وشروحه: أن الهبة لا تخلو إما أن تكون مقبوضة، أو غير مقبوضة، فإن كانت غير مقبوضة يجوز للواهب الرجوع فيها ويعمل برجوعه لأن الهبة غير (في الأصل "الغير" وهو تحريف) المقبوضة لا تفيد ملكاً كما قال النخعي: لا يجوز الهبة حتى تُقْبض، والصدقة تجوز قبل أن تقبض، ويدل على اشتراط القبض حديث نحلة أبي بكر الصديق كما سيأتي، وإن كانت مقبوضة، فلا يخلو إما أن يكون لذي رحم محرم، أي لذي قرابة
أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ، فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَبَضَهَا، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِنْ لَمْ يُثَبْ (1) مِنْهَا، أَوْ يُزَدْ (2) خَيْرًا (3) فِي يَدِهِ (4) ، أَوْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكه (5) إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
المحرمية، كالأصول والفروع، وإما أن يكون لغيره سواء كان أجنبياً محضاً أو كان ذا قرابة، ولم يكن محرماً كبني الأعمام، أو كان محرماً ولم يكن ذا رحم كالأخ الرضاعي، فإن كان الأول فلا يصح الرجوع فيه، لأن المقصود صلةُ الرحم، وقد حصل، وكذلك في هبة أحد الزوجين للآخر ويدل عليه حديث سمرة مرفوعاً: إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها، اخرجه الحاكم وقال: على شرط البخاري، والدارقطني والبيهقي في سُنَنيْهما، وضعَّفه ابنُ الجوزي بالكلام في أحد رواته عبد الله بن جعفر وخطأه ابن دقيق العيد، وقال: هو على شرط الترمذي، وإن كان الثاني فإن كان على سبيل الصدقة على الفقير يُقصد بها وجه الله فحسب فلا رجوع أيضاً، وإلَاّ فله رجوع، إلَاّ أن يمنع مانع، نحو أن يعوِّض عنها الموهوب له، فحينئذٍ تنقلب الهبة لازمة، وكذا إذا زاد الموهوب له في الموهوب خيراً، كالغرس والبناء وكذا إذا خرج من ملكه بالبيع أو الهبة، وكذا إذا هلك الموهوب أو مات أحدهما، وفي المسألة أبحاث استدلالاً واختلافاً مذكورة في مظانها.
(1)
مجهول من الإِثابة بمعنى العود والرجوع أي إن لم يعوض.
(2)
أي ذلك الشيء الموهوب.
(3)
أي منفعةً وزيادة.
(4)
أي الموهوب له.
(5)
أي الموهوب له.