الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضَه إِذَا اسْتَثْنَى شَيْئًا (1) مِنْ جُمْلَتِهِ رُبْعًا أَوْ خُمْسًا أَوْ سُدْسًا.
4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ
764 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (2) عبد الله بن يزيد مولى
(1) قوله: شيئاً، معّينا من جُملته بأحد من الكسور كالثلث ونحوه، وأما إذا استثنى شيئاً مجهولاً فلا يجوز لجهالة المبيع بجهالة المستثنى، وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثُنْيَا في البيع إلا أن تُعْلَمَ، أخرجه الترمذي وغيره. ويجور أيضاً إذا استثنى نخلاً معيّنة معدودة لأن الباقي معلوم مشاهدةً فلا تُفضي الجهالة إلى المنازعة. وأما إذا باع ثماراً واستثنى أرطالاً معلومة، فإن كانت مجذوذةً جاز، فإن الباقي يُعرف بكيله على الفور، وإن كانت على الشجر فعند الشافعي وأحمد لا يجوز، خلافاً لمالك ولأبي حنيفة في رواية الحسن عنه، وعلى ظاهر الرواية عند الحنفية يجوز، لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه انفراداً يصح استثناؤه بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان فإنه لا يجوز بيعه فكذا استثناؤه، كذا في "الهداية" وشروحها.
(2)
قوله: أخبرنا عبد الله بن يزيد
…
إلخ، قد أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والحاكم والدارقطني والبيهقي والبزار كلهم من حديث زيد بن عيَّاش أنه سأل سعد بن أبي وقاص، الحديث. وذكر الدارقطني في "العلل" أن إسماعيل بن أمية وداود بن الحسين والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد وافقوا مالكاً على إسناده. وذكر - ابن المديني أن أباه حدّثه عن مالك، عن داود بن الحصين، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن عياش أبي عياش، وسماع أبي، عن مالك قديم، قال: فكأن مالكاً كان علّقه عن داود، ثم لقي شيخه عبد الله بن يزيد، فحدّثه به، فحدّث به مرة عن داود، ثم استقر رأيه على التحديث، ورواه البيهقي من حديث ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، هو مرسل قويّ، كذا ذكره الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير".
الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَّ زَيْدًا (1) أَبَا عيَّاش مولى لبني
(1) قوله: أن زيداً، قد أعلّ أبو حنيفة هذا الحديث من أجله، وقال: مداره على زيد بن عيّاش وهو مجهول، وكذا قال ابن حزم، وتعقّبوهما بأن الحديث صحيح، وزيد ليس بمجهول، قال الزرقاني: زيد كنيته أبو عيّاش واسم أبيه عيّاش المدني، تابعي، صَدوق، نقل عن مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص، وقيل: إنه مولى بني مخزوم، وفي "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني: زيد بن عيّاش أبو عيّاش الزُرْقي، ويقال: المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس، ذكره ابن حبان في "الثقات" وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور، وقال الدارقطني: ثقة، وقال الحاكم في "المستدرك": هذا حديث صحيح لإِجماع أئمة النقل على إمامة مالك، وأنه محكم في كل ما يرويه إذ لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصاً في رواية أهل المدينة، والشيخان لم يخرجاه لما خَشِيا من جهالة زيد. انتهى.
وفي "فتح القدير شرح الهداية": قال صاحب "التنقيح": زيد بن عيّاش أبو عيّاش الزرقي المدني ليس به بأس، ومشائخنا ذكروا عن أبي حنيفة بأنه مجهول، ورُدَّ طعنه بأنه ثقة، وروى عنه مالك في "الموطأ" وهو لا يروي عن مجهول، وقال المنذري: كيف يكون مجهولاً، وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس، وهما مما احتجّ بهما مسلم في "صحيحه" وقد عرفه أئمة هذا الشأن، وأخرج حديثه مالك مع شدّة تحريه في الرجال، وقال ابن الجوزي في "التحقيق": قال أبو حنيفة: إنه مجهول، فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل. انتهى. وفي "غاية البيان شرح الهداية": نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفة ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث، فمن ادّعى فعليه البيان. انتهى. وفي "البناية" للعيني عند قول صاحب "الهداية" زيد بن عيّاش ضعيف عند النقلة: هذا ليس بصحيح، بل هو ثقة عند النقلة. انتهى. وفي "التلخيص الحبير": قد أعلّ هذا الحديث جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بجهالة زيد، والجواب أن الدارقطني قال: إنه ثقة ثبت، وقال المنذري: روى عنه اثنان ثقتان، وقد اعتمده مالك مع شدة
زُهْرَةَ (1)، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَمَّنِ اشْتَرَى الْبَيْضَاءَ (2) بالسُّلت (3) ؟ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أيُّهما أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْبَيْضَاءُ، قَالَ: فَنَهَانِي عَنْهُ (4)، وَقَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِل عمّنْ اشْتَرَى التَّمْرَ بِالرُّطَبِ؟ فقال (5) : أ (6) ينقص الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْهُ (7) .
تحريه، وصححه الترمذي والحاكم وقال: لا علم أحداً طعن فيه. انتهى. وبالجملة فالجهالة عن زيد مرتفعة، جهالة العين وجهالة الوصف كلاهما بتصريح النُّقّاد (وفي بذل المجهود 15/19: والأصل أنه وقع الاختلاف في جرح زيد بن عيّاش وتعديله بين أبي حنيفة ومالك - رحمهما الله - فرواية مالك تقتضي تعديله ضمناً وتبعاً، وثبت الجرح عن أبي حنيفة صراحةً فلا يُقاوم تعديل مالك بجرح أبي حنيفة خصوصاً لم يخالف الإِمام في زمانه أحد فلا عبرة بمن بعده في ذلك والله أعلم) .
(1)
بضم الزاء قبيلة: يُنسب إليها الزهري.
(2)
أي الشعير كما في رواية، ووهم وكيع، فقال: عن مالك الذُّرَة ولم يقله غيره، والعرب تطلق البيضاء على الشعير، والسمراء على البُرّ، كذا قال ابن عبد البر.
(3)
بضم السين وسكون اللام: ضرب من الشعير لا قشر له يكون في الحجاز، قال الجوهري.
(4)
أي عن بيع أحدهما بالآخر للتفاوت في المنفعة (ونهيُ سعد عن التفاضل في السلت بالبيضاء يقتضي أنهما عنده جنس واحد، ولذلك أخذ حكمهما من منع التفاضل في الرطب بالتمر، وهذا مذهب مالك أن السلت والحنطة والشعير جنس واحد في الزكاة وفي منع التفاضل. المنتقى 4/243. وأما عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد فهما صنفان انظر لامع الدراري 6/117. وفي البذل 15/19: أما بيع البيضاء بالسلت فما قال فيه سعد رضي الله عنه من النهي إن كان محمولاً على البيع يداً بيد فهو على الورع والاحتياط، لمشابهته بالحنطة أوقعت الشبهة فيه فنهاه احتياطاً لكن الحكم فيه أنهما نوعان مختلفان فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً إذا كان يداً بيد، وأما إذا حمل على النسيئة فذلك لا يجوز انظر الأوجز 11/137) .
(5)
أي لمن حوله من الصحابة كما في رواية.
(6)
بهمزة الاستفهام.
(7)
لعدم التماثل.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (1) نَأْخُذُ. لا خَيْرَ فِي أن يشتري الرجل
(1) قوله: وبهذا نأخذ، وبه قال أحمد والشافعي ومالك وغيرهم، قالوا: لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلاً ولا متماثلاً يداً بيد كان أو نسيئة، وأما التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلاً لا متفاضلاً يداً بيد لا نسيئة، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوّز بيع التمر بالرطب متماثلاً إذا كان يداً بيد لأن الرطب تمر، وبيع التمر بالتمر جائز متماثلاً من غير اعتبار الجودة والرداءة، وقد حُكي عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا، وكانوا أشداء عليه بمخالفته الخبر، فقال: الرطب إما أن يكون تمراً أو لم يكن تمراً، فإن كان تمراً جاز، لقوله صلى الله عليه وسلم: التمر بالتمر مثلاً بمثل، وإن لم يكن تمراً جاز، لحديث: إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم. فأوردوا عليه الحديث، فقال: مداره على زيد بن عياش وهو مجهول، أو قال: ممن لا يقبل حديثه، واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك: كيف يُقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث، وهو يقول: زيد ممن لا يُقبل حديثه، قال ابن الهمام في "الفتح" (فتح القدير 6/168 - 169) : رُدّ ترديده، بأنّ ههنا قسماً ثالثاً، وهو أنه من جنس التمر ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما فكذا الرطب والتمر لا يسوّيهما الكيل، وإنما يسوّي في حال اعتدال البدلين، وهو أن يجفّ الآخر، وأبو حنيفة يمنعه، ويعتبر التساوي حال العقد، وعُروض النقصِ بعد ذلك لا يمنع من المساواة في الحال إذا كان موجبه أمراً خلقياً، وهو زيادة الرطوبة
قَفِيز (1) رُطَبٍ بقفيزٍ مِنْ تمرٍ، يَدًا بِيَدٍ (2) ، لأَنَّ الرُّطَب يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ فَيَصِيرُ أَقَلَّ (3) من قفيز، فلذلك فسد البيع فيه.
بخلاف المقلية بغيرها، فإنه في الحال يُحكم بعدم التساوي لاكتناز أحدهما، وتخلخل الآخر. ورُدَّ طعنه في زيد بأنه ثقة كما مرّ، وقد يُجاب أيضاً بأنه على تقدير صحة السند، فالمراد النهي نسيئة، فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة "نسيئة" أخرجه أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أنّ أبا عيّاش أخبره أنه سمع سعداً يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، وأخرجه الحاكم والطحاوي في "شرح معاني الآثار"، ورواه الدارقطني، وقال: اجتماع هؤلاء الأربعة أي مالكٍ وإسماعيل بن أمية والضحاك ابن عثمان وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الرواية يجب قبولها، لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة وإن لم يروِها الأكثر إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس، فإن مثله مردود كما كتبناه في "تحرير الأصول" وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد، لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة: أينقص الرطب إذا جفّ، عرياً عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة. انتهى كلام ابن الهمام. وهذا غاية التوجيه في المقام مع ما فيه الإِشارة إلى ما فيه وللطحاوي كلام في "شرح معاني الآثار"(2/199 وبسط شيخنا على هذا الحديث في الأوجز 11/37 فارجع إليه) مبنيّ على ترجيح رواية النسيئة وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضاً، ولعل الحق لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور.
(1)
القفيز مكيال يسع اثني عشر صاعاً، كذا في "المنتخب".
(2)
أي وإن كان قبضاً بقبض وإن كان أحدهما نسيئة، فظاهر عدم جوازه لحرمة النسأ في الأموال الربوية.
(3)
أي فيدخل فيه الربا.