الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرق المشروعة للتمويل العقاري
إعداد
فضيلة القاضي محمد تقي العثماني
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن السكن من الحاجات الأصلية التي لا يمكن المرء أن يعيش بدونها. قال الله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}
وروي عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ((ثلاث من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الهنيء)) (1)(1) .
وإن الحصول على المسكن الواسع المناسب أصبح اليوم في مقدمة المشاكل التي يجابها المرء في حياته، ولا سيما في المدن الكبيرة المزدحمة بالعمران، وذلك لتعقد الحياة وكثرة السكان، وغلاء الأسعار، والذين يستطيعون أن يشتروا أو يبنوا لأنفسهم مسكنا يفي بحاجاتهم قلة قليلة بالنسبة إلى الذين لا يستطيعون ذلك.
ونظرا إلى هذا، ظهرت في معظم البلاد مؤسسات تقوم بتمويل الناس لشراء المساكن أوبنائها، ولكن أكثرها إنما تعمل في إطار النظام الربوي، فتقدم إلى عملائها قروضا، وتطالبهم على ذلك بالفائدة المعينة المتفق عليها في عقد التمويل، وبما أن هذا العقد يقوم على أساس الربا، وهو من أكبر المحرمات التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد، فأنه لا يجدر بأي مسلم أن يدخل في عقد يقوم على هذا الأساس الفاسد.
وحينئذ، يجب على علماء المسلمين أن يقترحوا للناس طرقا للتمويل العقاري لا تعارض أحكام الشريعة الغراء، والتي يمكن أن تتخذ كبديل للتمويل الذي يقوم على أساس الربا المحرم شرعا.
(1) أخرجه أحمد والبزاز والطبراني في الكبير والأوسط. وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح راجع مجمع الزوائد: 4/272، وكشف الأسرار عن زوائد البزاز: 2/156، رقم (1412) .
ونريد في هذه العجالة أن نذكر طرقا شرعية للتمويل العقاري، مع ذكر أدلة إباحتها، وبيان الثمرات الناتجة عنها، والله سبحانه هو الموفق للصواب.
إن الأصل في الدولة الإسلامية أن تقوم بواجبها في توفير الحاجات الأساسية لشعبها، وتهيئ لهم هذه الحاجات، دون أن تطالبهم على ذلك بربح. وبما أن السكن من الحاجات الأساسية لكل إنسان، فمن حقه أن يحصل عليه في حدود إمكانياته المالية، ومن كانت إمكانياته ضيقة لا يستطيع بها أن يشتري مسكنا أو يبنيه من جيبه، فعلى الدولة أن تقوم بقضاء حاجته إما بأن تساعده من صندوق الزكاة، إن كان مستحقا لها، وإما بأن تبيع إليه المسكن على أساس التكلفة الفعلية، دون أن تطالبه على ذلك بربح، وإما بأن توفر له قرضا حسنا لا تتقاضى عليه أية فائدة.
وإن هذه الطرق الثلاثة هي الأصل في التمويل العقاري، وهي التي توافق الروح الإسلامية، وطبيعة المجتمع الإسلامي الذي يقوم على أساس المواساة، والمساعدة على الخير، والتعاون على البر، والتألم بألم الآخرين، والارتياح براحتهم، والأخذ بأيدي الضعفاء ليرتفعوا إلى مستوى معيشة مقتصدة هنيئة.
ولكن العمل بهذه الطرق الثلاثة، أو بواحدة منها، إنما يمكن لدولة تكون لديها موارد ضخمة ووسائل جمة، فإن كلا من هذه الطرق يتطلب أموالا غزيرة، ولاسيما في عصرنا هذا الذي تضاعف فيه عدد السكان، وغلت فيه الأسعار، ولا شك أن إمكانيات الدولة يمكن – وينبغي – أن تزداد بالتقليل في مصاريف غير منتجة، والتحرز عن النفقات الباهظة التي لا يقصد منها إلا الرياء أو الترف، ولكن معظم الدول اليوم لا تستطيع أن توفر السكن لجميع سكانها بهذه الطرق، ولو بتخفيف مثل هذه النفقات.
فحينئذ، لا بد من اختيار بعض الطرق التي لا تكلف الدول بالتبرع المحض لتوفير المساكن، ولا بتحمل النفقات التي لا تطاق، وتكون في الوقت نفسه سالمة من الربا، أو المحظورات الشرعية الأخرى، وهي كالتالي:
1-
البيع المؤجل:
فالطريق الأول هو أن يتملك الممول بيتا، ثم يبيعه إلى العميل (1) بربح بيعا مؤجلا ويستلم منه الثمن بأقساط معلومة في عقد البيع، يمكن أن يعفيه هذا البيع المؤجل مطلقا عن بيان نسبة الربح، وحينئذ يكون تعيين تلك النسبة بيد الممول. ويمكن أيضا أن يعقد البيع عن طريق المرابحة، وذلك بأن يصرح في العقد بنسبة الربح الذي يتقاضاه الممول زائدا على تكاليفه الفعلية.
فإن كان البيت موجودا عند التمويل، ولا يحتاج إلى بناء، فللممول أن يشتريه، ويبيعه إلى العميل بالطريق المذكور، وإن لم يكن هناك بيت مبني، ويريد العميل أن يبنيه، فحينئذ يستطيع الممول أن يوكل العميل ببناء البيت، ويكون بناؤه على ملك الممول، وإنما يشرف عليه العميل كوكيل له، وحينما يتم البناء يبيعه الممول إلى العميل بيعا مؤجلا.
هذا إذا كان العميل لا يمكن له أن يستخدم شيئا من ماله نقدا في شراء البيت أو بنائه.
أما إذا كان العميل يستطيع أن يقدم حصة من تكاليف البيت نقدا، غير أن السيولة الموجودة عنده لا تفي بجميع النفقات اللازمة للشراء أو البناء، فيريد أن يطلب من الممول الحصة الباقية فقط، كما هو الحال في أكثر التمويلات العقارية اليوم، فيمكن له أن يتملك جزءا من البيت بمال نفسه، بأن يقع شراء البيت مشتركا من الممول والعميل، فيقدم الممول نصف ثمن البيت مثلا، ويقدم العميل نصفا أخر، ويكون البيت بينهما مشاعا بالنصف، ثم يبيع الممول نصفه إلى العميل بيعا مؤجلا بثمن أكثر من الثمن الذي دفعه إلى بائع البيت.
أما إذا كان المقصود بناء البيت على أرض خالية، فيمكن استخدام نفس الطريق في شراء الأرض، بأن يقع شراؤها على سبيل الاشتراك من الممول والعميل، ثم يبيع الممول حصته في الأرض إلى العميل مؤجلا بثمن أكثر.
فإن كانت الأرض مملوكة للعميل، أو صارت ملكا له بهذا الطريق وأراد العميل التمويل للبناء عليها، فإنه يمكن للممول والعميل أن يبنيا البيت على أساس المشاركة، فيدفع هذا نصف نفقة البناء، ويدفع ذلك النصف الآخر، فيقع البناء مشاعا بينهما بالنصف، وحينما يتم البناء يمكن للممول أن يبيع حصته من البناء إلى شريكة العميل مؤجلا بربح، وبيع الرجل حصته من البناء إلى شريكه مما لا نزاع في جوازه، وإن كان هناك خلاف في بيعها إلى الأجنبي، يقول ابن عابدين في رد المحتار:
(1) إننا في هذه المقالة نستعمل لفظ "الممول " لمن يريد أن يقدم التمويل العقاري ولفظ " العميل " لمن يريد أن يستفيد بذلك التمويل.
" ولو باع أحد الشريكين في البناء حصته لأجنبي، لا يجوز، ولشريكه جاز "(1) .
ولضمان أداء الثمن المؤجل يجوز أن يطلب الممول رهنا من العميل، وبالإمكان أن يمسك مستندات ملك البيت كرهن عنده، وإن هذا الطريق لا غبار عليه شرعا، غير أن الممول لا يستطيع أن يقدم مثل هذه التمويلات إلا إذا كان على ثقة كاملة بأن العميل سوف يشتري منه ما سيتملكه الممول من البيت أو البناء، لأنه إن امتنع العميل من الشراء بعدما أنفق عليه الممول نفقات باهظة، فإن ذلك لا يحدث ضررا بالممول فحسب، بل سوف يخيب هذا النظام بأسره.
وبما أن البيع لا يجوز أن يضاف إلى زمن مستقبل، فلا بد لنجاح هذا الطريق أن يتعهد العميل مسبقا، بأنه يلتزم بشراء حصة الممول بعدما يمتلكها.
وإن هذا التعهد من العميل، وإن كان وعدا محضا، والوعد عند أكثر الفقهاء لا يكون ملزما في القضاء، ولكنَّ هناك عددا من الفقهاء جعلوا الوعد ملزما في الديانة والقضاء جميعا، وهو المذهب المشهور عند مالك رحمه الله، فإنه يجعل الوعد ملزما، لاسيما إذا دخل الموعود له بسببه في مؤنة، يقول الشيخ محمد عليش المالكي رحمه الله تعالى:
" فالوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف. واختلف في وجوب القضاء بها على أربعة أقوال حكاها ابن رشد في كتاب جامع البيوع، وفي كتاب العارية، وفي كتاب العدة، ونقلها عنه غير واحد. فقيل: يقضى بها مطلقا، وقيل: لا يقضى بها مطلقا، وقيل: يقضى بها إن كانت على سبب، وإن لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء كقولك أريد أن أتزوج. . . فأسلفني كذا. . . والرابع: يقضى بها إن كانت على سبب، ودخل الموعود بسبب العدة في شيء وهذا هو المشهور من الأقوال "(2)
وقال القرافي رحمه الله تعالى: " قال سحنون: الذي يلزم من الوعد: اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به، أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو اشتر سلعة، أو تزوج امرأة وأنا أسلفك، لأنك أدخلته بوعدك في ذلك. أما مجرد الوعد، فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق. (3) .
(1) رد المحتار: 3/365- كتاب الشركة.
(2)
فتح العلي المالك، للشيخ محمد عليش: 1/256، مسائل الالتزام.
(3)
الفروق، للقرافي 4: 25، الفرق الرابع عشر بعد المائتين.
وقال ابن الشاط في حاشيته:
" الصحيح عندي القول بلزوم الوفاء بالوعد مطلقا، فيتعين تأويل ما يناقض ذلك. . . إلخ "(1) .
وكذلك اختار المتأخرون من الحنفية لزوم الوعد قضاءً في عدة من المسائل، كما في مسألة البيع بالوفاء، قال قاضي خان رحمه الله في البيع بالوفاء:" وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد لأن المواعدة قد تكون لازمة فتجعل لازمة لحاجة الناس "(2)
وقال ابن عابدين رحمه الله:
" وفي جامع الفصولين أيضا: لو ذكرا البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العقد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد إذا المواعيد قد تكون لازمة، فيجعل لازما لحاجة الناس (3) .
فبناء على هذه النصوص الفقهية، يجوز أن تجعل مثل هذه المواعيد لازمة في القضاء، فإذا تعهد العميل في الاتفاقية الموقع عليها من قبل الفريقين أنه سوف يشتري حصة الممول من البناء أو العقار، فإنه يكون ملزما بوفاء هذا الوعد قضاءً وديانةً.
ولكن يجب أن لا يقع البيع إلا بعدما يمتلك الممول حصته ‘فإن البيع لا يضاف إلى المستقبل، وعلى هذا يجب أن يقع عند ذلك عقد البيع بالإيجاب والقبول.
(1) حاشية الفروق لابن الشاط: 4/24 و25
(2)
الفتاوى الخانية: 2/138، فصل في الشروط المعدة في البيع
(3)
رد المحتار: 4/135 – باب البيع الفاسد، مطلب في الشرط الفاسد إذا ذكر بعد العقد.
2-
الشركة المتناقصة:
والطريق الثاني للتمويل العقاري يبتنى على أساس الشركة المتناقصة. وإن هذا الطريق يتلخص في نقاط تالية:
إن الممول والعميل يشتريان البيت على أساس شركة الملك، فيكون البيت مشاعا بينهما بنسبة حصة الثمن التي دفعها كل واحد منهما، فإن دفع كل منهما نصف الثمن، يكون البيت مشاعا بينهما بالنصف، وإن دفع أحدهما الثلث والآخر الثلثين، كان البيت بينهما أثلاثا، وهكذا.
ثم يؤجر الممول حصته من البيت إلى العميل بأجرة شهرية أو سنوية معلومة بينهما.
ج- وتقسم حصة الممول على سهام متعددة معلومة، كالعشرة مثلا.
د- وبعد كل فترة دورية متفق عليها بين الفريقين (كستة أشهر مثلا) يشتري العميل سهما من هذه السهام بحصة من الثمن، فإن كانت حصة الممول مثلا تساوي ستة أشهر يشتري العميل سهما بعشرين ألف ربية.
هـ – وبعد شراء سهم من حصة الممول تنتقص ملكيته في البيت، وتزداد ملكية العميل.
و وبعد شراء كل سهم من حصة الممول تنتقص الأجرة بحساب ذلك السهم، فإن كانت أجرة حصة الممول بكاملها ألف ربية مثلا، فإنها تنتقص بعد شراء كل سهم بقدر مائة ربية،، فتصير الأجرة بعد شراء السهم الأول تسعمائة ربية، وبعد شراء السهم الثاني ثمانمائة ربية، وهكذا.
ز- حتى إذا اشترى العميل سهام الممول كلها صار البيت كله مملوكا للعميل، وانتهت الشركة والإجارة معا.
وإن هذا الطريق من التمويل العقاري، يشتمل على عقود ثلاثة:
العقد الأول: لإحداث شركة الملك.
والثاني: إجارة حصة الممول.
والثالث: بيع السهام المتعددة من حصة الممول إلى العميل. فلنتكلم أولا على كل عقد على حدة، ثم لنبحث عن مدى شرعية هذا الطريق بمجموعه.
أما شراء البيت بمالهما المشترك، فلا مانع منه شرعا، ويحدث بذلك شركة الملك بينهما، فإن شركة الملك عرفها الفقهاء كالتالي:
" شركة الملك هي أن يملك متعدد عينا أو دينا بإرث أو بيع أو غيرهما "(1) .
فهذه الشركة في البيت قد حدثت بالشراء بمالهما المشترك.
(1) تنوير الأبصار، مع رد المحتار: 3/364 و365
وأما إجارة حصة الممول من العميل، فهذه إجارة جائزة أيضا. لأن إجارة المشاع من غير الشريك وإن كان في جوازه خلاف بين الفقهاء، فلا خلاف في جواز إجارة المشاع من الشريك. قال ابن قدامة رحمه الله:
" ولا تجوز إجارة المشاع لغير الشريك، إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي حنيفة وزفر، لأنه لا يقدر على تسليمه فلم تصح إجارته. . . واختار أبو حفص العكبري جواز ذلك، وقد أومأ إليه أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد، لأنه معلوم يجوز بيعه، فجازت إجارته كالمفروز، ولأنه عقد في ملكه يجوز مع شريكه، فجاز مع غيره "(1) وجاء في الدر المختار للحصكفي: " وتفسد – أي الإجارة – أيضا بالشيوع. . . إلا إذا آجر كل نصيبه أو بعضه من شريكه، فيجوز، وجوازه بكل حال "(2)
وبما أن إجارة الحصة المشاعة تقع في الطريق المذكور من الشريك، فإنها جائزة بإجماع الفقهاء.
أما بيع الحصة الشائعة من الدار، فإنه يجوز أيضا، فإن كان المبيع حصة في العرضة والبناء كليهما، فلا خلاف في جواز البيع، وأما إذا كان المبيع الحصة الشائعة في البناء فقط، فيجوز البيع مع شريكه بالإجماع، وفي جواز البيع من الأجنبي خلاف، وقدمنا ما ذكره ابن عابدين في رد المحتار من قوله " ولو باع أحد الشريكين في البناء حصته لأجنبي لا يجوز، ولشريكه جاز "(3) وبما أن البيع ههنا لا يقع إلا من الشريك، فلا خلاف في جوازه، فظهر بهذا أن هذه العقود الثلاثة من المشاركة في الملك، والإجارة، والبيع، كل واحد منها صحيح في حد ذاته، فإن وقعت هذه العقود من غير أن يشترط أحدها في الآخر، بل يعقد كل منها مستقلا، فلا غبار على جوازها.
وأما إذا وقعت هذه العقود باتفاق سابق بين الفريقين، فربما يبدو أن ذلك لا يجوز، لكونه صفقة في صفقة، أو لكون العقد الواحد شرطا زائدا في العقد الآخر، وإن الصفقة في الصفقة لا تجوز، حتى عند من يجوز بعض الشروط في البيع، كالحنابلة، قال ابن قدامة رحمه الله:
(1) المغني، لابن قدامة رحمه الله: 6/137.
(2)
الدر المختار، مع رد المحتار: 6/47 و48.
(3)
رد المحتار: 3/365، كتاب الشركة.
" الثاني – أي النوع الثاني من الشرط – فاسد، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: أن يشترط على صاحبه عقدا آخر، كسلف أو قرض، أو بيع أو إجارة، أو صرف الثمن أو غيره، فهذا يبطل البيع، ويحتمل أن يبطل الشرط وحده، المشهور في المذهب أن هذا الشرط فاسد يبطل به البيع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يحل بيع وسلف، ولا شرطان في بيع)) .
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ((ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة)) حديث صحيح وهذا منه، قال أحمد:" وكذلك كل ما في معنى ذلك، مثل أن يقول: على أن تزوجني بابنتك، أو على أن أزوجك ابنتي. فهذا كله لا يصح، قال ابن مسعود صفقتان في صفقة ربا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور العلماء، وجوزه مالك وجعل العوض المذكور في الشرط فاسدا "(1) .
ولكن هذا المحظور إنما يلزم إذا كان العقد الواحد مشروطا بالعقد الآخر في صلب العقد، أما إذا وقعت هناك مواعدة بين الفريقين، بأنهما يعقدان الإجارة في الوقت الفلاني، والبيع في الوقت الفلاني، وانعقد كل عقد في وقته مطلقا عن أي شرط، فالظاهر أنه لا يلزم منه الصفقة في الصفقة وقد صرح به الفقهاء في عدة مسائل ولا سيما في مسألة البيع بالوفاء وقدمنا عن الفتاوى الخانية:
(وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة جاز البيع، ويلزمه الوفاء بالوعد، لأن المواعدة قد تكون فتجعل لازمة لحاجة الناس) .
وبمثله صرح علماء المالكية في مسألة البيع بالوفاء الذي يسمى عندهم " بيع الثنايا "، فإنه لا يجوز عندهم في الأصل. قال الحطاب:" لا يجوز بيع الثنايا، وهو أن يقول: أبيعك هذا الملك، أو هذه السلعة على أن آتيك بالثمن إلى مدة كذا، أو متى آتيك به فالبيع مصروف عنى "(2)
ولكن إذا وقع البيع مطلقا عن هذا الشرط، ثم وعد المشتري البائع بأنه سوف يبيعه إن جاءه بالثمن، فإن هذا الوعد صحيح لازم على البائع، قال الحطاب رحمه الله:
" قال في معين الحكام: ويجوز للمشتري أن يتطوع للبائع بعد العقد بأنه إن جاء بالثمن إلى أجل كذا، فالمبيع له ويلزم المشتري متى جاءه بالثمن في خلال الأجل أو عند انقضائه أو بعده على القرب منه، ولا يكون للمشتري تفويت في خلال الأجل، فإن فعل ببيع أو هبة أو شبه ذلك نقض إن أراده البائع، ورد إليه "(2)(3)
(1) الشرح الكبير على المقنع لشمس الدين ابن قدامة: 4/53، وبمثله ذكر الموفق بن قدامة في المغني: 4/290
(2)
تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب: ص 233.
(3)
المصدر السابق: ص 239.
هذا إذا انعقد البيع مطلقا من غير شرط ووقعت المواعدة بعد انعقاد البيع، وقد صرح عدة من الفقهاء بأن الحكم كذلك لو وقعت المواعدة قبل انعقاد البيع، ثم انعقد البيع مطلقا من غير شرط. قال القاضي ابن سماوة الحنفي رحمه الله: " لو شَرَطا شرْطًا فاسدًا قبل العقد، ثم عَقَدا، لم يبطل العقد، ويبطل لو تقارنا) (1) .
وقال في مسألة البيع بالوفاء:
" وكذا لو تواضَعَا الوفاء قبل البيع، ثم عقَدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة بالمواضعة السابقة "(2) .
وحكاه ابن عابدين في رد المحتار، واعترض عليه، قال:" في جامع الفصولين أيضا: لو شرطا شرَطًا فاسدًا قبل العقد ثم عقدا، لم يبطل العقد. اهـ. قلت: وينبغي الفساد لو اتفقا على بناء العقد عليه كما صرجوا به في بيع الهزل كما سيأتي آخر البيوع "(3) .
ولكن تعقبه العلامة محمد خالد الأتاسي رحمه الله تعالى بقوله:
" أقول: هذا بحث مصادم للمنقول (أي ما هو منقول في جامع الفصولين) كما علمت، وقياسه على بيع الهزل قياس مع الفراق، فإن الهزل، كما في المنار، هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ولا ما يصلح له اللفظ استعارة، ونظره بيع التلجئة، وهو كما في الدر المختار، أن يظهرا عقدًا وهما لا يريدانه. وهو ليس ببيع في الحقيقة، فإذا اتفقا على بناء العقد عليه فقد اعترفا بأنهما لم يريدا إنشاء بيع أصلا، وأين هذا من مسألتنا؟ . . . وعلى كل حال، فاتباع المنقول أولى "(4) .
ولهذا أفتى جماعة من متأخري الحنفية بأن المواعدة المنفصلة عن عقد البيع، سواء كانت قبل العقد أو بعده، لا يلتحق بأصل العقد، ولا يلزم عليه البيع بشرط، أو صفقة في صفقة، فلا مانع حينئذ من جواز العقد (5)
وربما يقع هاهنا إشكال، وربما يقع هاهنا إشكال، وهو أن المواعدة إذا وقعت قبل العقد، فالظاهر أنها ملحوظة عند العقد لدى الفريقين ولو لم يتلفظا بها صراحة عند الإيجاب والقبول، وأنهما لا يبنيان العقد المطلق إلا على أساس ذلك الوعد السابق، فلم يبق هناك فرق بين هذا العقد المطلق الذي سبقه مواعدة من الفريقين، وبين العقد الذي شرط فيه العقد الآخر صراحة، وينبغي أن يكون الحكم دائرًا على حقيقة المعاملة دون صورته، وأن تكون المواعدة السابقة في حكم الشرط في البيع في عدم الجواز.
(1) جامع الفصولين: 2/237
(2)
جامع الفصولين: 2/237
(3)
رد المحتار: 4/135
(4)
شرح المجلة للأتاسي: 2/61.
(5)
راجع عطر الهداية، للعلامة فتح محمد اللكنوي، رحمه الله.
والجواب عن هذا الإشكال على ما ظهر لي – والله سبحانه أعلم – أن الفرق بين المسألتين ليس في الصورة فحسب، بل هناك فرق دقيق في الحقيقة أيضا وذلك أن العقد الواحد إن كان مشروطا بالعقد الآخر، والذي يعبر عنه بالصفقة في الصفقة، لا يكون عقدا باتا، وإنما يتوقف على عقد آخر بحيث لا يتم العقد الأول إلا به، فكان في معنى العقد المعلق أو العقد المضاف إلى زمن مستقبل، فإذا قال البائع للمشتري بعتك هذه الدار على أن تؤجر الدار الفلانية لي بأجرة كذا، فمعناه: أن البيع موقوف على الإجارة اللاحقة، ومتى توقف العقد على واقع لاحق، خرج من حيز كونه باتًّا، وصار عقدا معلقا، والتعليق في عقود المعاوضة لا يجوز، ولو حكمنا بمقتضى هذا العقد، وامتنع المشتري من الإجارة، فإن ذلك يستلزم أن يرتفع البيع تلقائيا، لأنه كان مشروطا بالإجارة، وعند فوات الشرط يفوت المشروط.
فالعقد إذا شرط معه عقد آخر، كان ذلك في معنى تعليق العقد الأول على العقد الثاني، وصار كأنه قال:(إن اجرتني الدار الفلانية بكذا فداري بيع عليك بكذا) . وهذا مما لا يجيزه أحد، لأن البيع لا يقبل التعليق.
وهذا بخلاف ما لو ذكرا ذلك على سبيل المواعدة في أول الأمر، ثم عقدا البيع مطلقاً عن شرط، فإن البيع ينعقد من غير تعليق بيعا باتا ولا يتوقف تمامه على عقد الإجارة، فلو امتنع المشتري من الإيجارة بعد ذلك، فإنه لا يؤثر على هذا البيع البات شيئا، فيبقى البيع تامًّا على حاله. وغاية الأمر أن يجبر المشتري على الوفاء بوعده على القول بلزوم الوعد. لأنه أدخل البائع في البيع بوعده، فلزم عليه أن يفي بذلك الوعد قضاء عند المالكية. وهذا شيء لا أثر له على البيع البات الذي حصل بدون أي شرط، فإنه يبقى تامًّا، ولو لم يف المشتري بوعده.
وبهذا تبين أن البيع إذا اشترط فيه العقد الآخر مترددًا بين التمام والفسخ، وإن هذا التردد يورث فيه الفساد، بخلاف البيع المطلق الذي سبقه الوعد بالشيء، فإنه لا تردد في تمام البيع، فإنه يتم في كل حال، وغاية الأمر أن يكون الوعد السابق لازمًا على المشتري على قول من يقول بلزوم الوعد.
فالطريق المشروع للشركة المتناقصة الذي لا غبار عليه أن تقع هذه العقود الثلاثية في أوقاتها مستقلة بحيث يكون كل عقد منفصلا عن الآخر، ولا يشترط عقد في عقد، نعم، يجوز أن تحدث بينهما اتفاقية يتواعدان فيها بالدخول في هذه العقود، فيتفقان على أنهما يشتريان الدار الفلانية بمالهما المشترك، ثم يؤجر الممول حصته إلى العميل بأجرة معلومة، ثم يشتري العميل حصة الممول بأقساط متعددة إلى أن يتملك الدار كلها.
ولكن هذه الاتفاقية لا تكون إلا وعدًا من الفريقين بإنشاء هذه العقود، ولا ينشأ أحد من هذه العقود إلا في وقته الموعود بإيجاب وقبول، ويقع العقد حينئذ مطلقًا من أي شرط فلا يشترط الإجارة في البيع، ولا البيع في الإجارة.
القاضي محمد تقي العثماني
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
الرئيس:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعمال هذه الدورة مجدولة أمامكم، والظاهر أنه لا اعتراض على ترتيب أعمال هذا الجدول، وكذلك بالنسبة للعارضين والمقررين عرضت عليكم أو زُوِّدتم بها في بيان يضم أسماء العارضين وأسماء المقررين وتعداد الباحثين لكل قضية فقهية ستدرس في هذه الدورة بإذن الله تعالى.
في هذه الجلسة الصباحية لدينا موضوع " التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها " وكان من المقرر أن يكون العارض هو فضيلة عضو المجمع الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور، لكن لشيء من الصداع ألم به – شفاه الله – سيكون العارض فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني.
قبل أن يتفضل الشيخ محمد تقي بالعرض أحب أن أعيد إلى ذاكرة أصحاب الفضيلة أن الوقت محدد وأن المناقشات أحيانًا تتكرر وتتسع وتخرج عن الموضوع، فمثلا إذا كان البحث في قضية عينية لها تعلق بالمصارف الإسلامية يأتينا البحث من أحد الإخوان – وهو مشكور على كل حال – في قضية المصاريف الإسلامية ككل أو في قضية الربا ككل أو في أي قضية من القضايا التي تخرج عن ذات الموضوع إلى الإطار الكلي، وهذا لا يخدم الموضوع لأن المراد هو بيان المدرك الفقهي لذات القضية المبحوثة محافظة على الوقت ومحافظة على قيمة البحوث، وأنتم تعلمون أن المداولات والمناقشات تسجل وتنشر وهي تعطي انطباعًا عن نفس الباحث أو المناقش في أي موضوع من هذه الموضوعات.
لهذا أرجو أن تجدوا لي عذرًا حينما يتبين – وحسب رغبة كثير من أصحاب الفضيلة الأعضاء – أن بعض الأخوة في المناقشة قد يطيل وقد يكون هناك خروج عن الموضوع مما يكون على حساب وقت هذه الجلسة، فأرجوا أن تجدوا لي عذرًا في أن نشير إلى الاختصار ونعطي الكلمة لأحد الباحثين من أصحاب الفضيلة المشايخ وشكرًا.
الشيخ محمد تقي، تفضل.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبى الأمي وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فإن الموضوع المطروح لدى هذه الجلسة هو موضوع " التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها " وإن البحوث المقدمة في هذا الموضوع أربعة: بحث للدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، وبحث لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي، وبحث للأستاذ الدكتور عبد الله إبراهيم، وبحث لهذا العبد الضعيف عفا الله عنه.
أريد في هذا العرض أن آتي بخلاصة ما كتب في هذه الأبحاث الأربعة. ويدور الكلام في هذا الموضوع على نقاط ثلاثة: الأولى التعريف بالموضوع، والثانية الطرق المستخدمة في البنوك العقارية التقليدية وبيان ما يجري فيها من الحكم الشرعي من الناحية الشرعية، والثالثة ذكر الحلول الشرعية والبدائل الشرعية التي بها أتى الباحثون في بحوثهم لغرض التمويل العقاري.
فأما التعريف بالموضوع: فإن التمويل العقاري يتعلق بحاجة من الحاجات الأصلية للإنسان وهي السكن التي لا يمكن للمرء أن يعيش بدونها، قال سبحانه وتعالى:{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} وروي عن عائشة – رضي الله تعالى عنها – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ثلاث من السعادة، المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الهنيء)) ، وأن الحصول على المسكن الواسع المناسب أصبح اليوم في مقدمة المشاكل التي يجابهها المرء في حياته ولا سيما في المدن الكبيرة المزدحمة بالعمران، وذلك لتعقد الحياة وكثرة السكان وغلاء الأسعار، ونظرًا إلى هذا ظهرت في معظم البلاد اليوم مؤسسات تقوم بتمويل الناس لشراء المساكن أو بنائها، ولكن أكثرها إنما تعمل في إطار النظام الربوي، فتقدم إلى عملائها قروضًا وتطالبهم على ذلك بالفائدة المعينة المتفق عليها في عقد التمويل. وبما أن هذا العقد يقوم على أساس الربا وهو من أكبر المحرمات التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد، فإن لا يجدر بأي مسلم أن يدخل في عقد يقوم على هذا الأساس الفاسد، وأن البحوث الأربعة المقدمة في هذا الموضوع كلها متفقة على أن هذا الطريق الذي تتعامل به البنوك العقارية التقليدية لا يجوز شرعا، ومحرم على كل مسلم أن يتعامل بها، وحينئذ يجب على علماء المسلمين أن يقترحوا للناس طرقًا للتمويل العقاري لا تعارض أحكام الشريعة الغراء، والتي يمكن أن تتخذ كبديل للتمويل الذي يقوم على أساس الربا المحرم شرعًا، وإن الأصل في الدولة الإسلامية أن تقوم بواجبها في توفير الحاجات الأساسية لشعبها، وتهيئ لهم هذه الحاجات دون أن تطالبهم على ذلك بربح أو فائدة وبما أن السكن من الحاجات الأساسية لكل إنسان فمن حقه أن يحصل عليه في حدود إمكانياته المالية، ومن كانت إمكانياته ضيقة لا يستطيع بها أن يشتري مسكنًا أو بينيه، فعلى الدولة أن تقوم بقضاء حاجته، إما بأن تساعده من صندوق الزكاة إن كان مستحقًا لها، وإما بأن تبيع إليه المسكن على أساس التكلفة الفعلية دون أن تطالبه على ذلك بربح، وإما بأن توفر له قرضًا حسنًا لا تتقاضى عليه أية فائدة، وإن هذه الطرق الثلاثة هي الأصل في التمويل العقاري، وهي التي توافق الروح الإسلامية وطبيعة المجتمع الإسلامي الذي يقوم على أساس المواساة والمساعدة على الخير والتعاون على البر، ولكن العمل بهذه الطرق الثلاثة أو بواحدة منها إنما يمكن لدولة تكون لديها موارد ضخمة ووسائل جمة، فإن كلًّا من هذه الطرق يتطلب أموالا غزيرة ولا سيما في عصرنا هذا الذي تضاعف فيه عدد السكان وغلت فيه الأسعار، ولا شك أن إمكانيات الدولة يمكن وينبغي أن تزاد بالتقليل من المصاريف غير المنتجة، والتحرس من النفقات الباهظة التي لا يقصد منها إلا الرياء أو الترف، ولكن معظم الدول اليوم لا تستطيع أن توفر السكن لجميع سكانها بهذه الطرق ولو بتخفيض مثل هذه النفقات، فحينئذ لابد من اختيار بعض الطرق التي لا تكلف الدولة بالتبرع المحض لتوفير المساكن، ولا بتحمل النفقات التي لا تطاق، وتكون في الوقت نفسه سالمة من الربا أو المحظورات الشرعية الأخرى، وإن البدائل التي تقدم بها الباحثون – البدائل لهذا النظام الربوي 0 تتلخص في ستة بدائل، وهي:
الأول: البيع المؤجل.
الثاني: الشركة المتناقصة (وهذان البديلان عما اللذان ركزت عليهما في بحثي) .
الثالث: (وقد أتى به الأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور) وهو الاستصناع.
الرابع: التأجير المنتهي بالتمليك (وهو الذي ذكره الأستاذ الدكتور عبد الله إبراهيم) .
الخامس: ذكره أيضًا (الدكتور عبد الله إبراهيم) باسم الإقراض برسم التمليك.
السادس: ذكره كذلك (الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور) ، وهو رائج في بعض البنوك العقارية السورية.
فلنتحدث عن البدائل الستة:
*أما البديل الأول: فهو (البيع المؤجل) وهو أن يتملك الممول بيتًا ثم يبيعه إلي العميل – وإني في عرضي هذا حينما أستعمل كلمة الممول أريد به من يقدم التمويل العقاري، وحينما أستعمل لفظ العميل فإني أقصد من يستفيد بذلك التمويل – فالبيع المؤجل هو أن يتملك الممول بيتًا ثم يبيعه للعميل بربح بيعًا مؤجلا، ويستلم منه الثمن بأقساط معلومة في عقد البيع، ويمكن أن يعقد هذا البيع المؤجل مطلقًا عن بيان نسبة الربح، وحينئذ يكون تعيين تلك النسبة بيد الممول، ويمكن أيضا أن يعقد البيع عن طريق المرابحة وذلك بأن يصرح في العقد بنسبة الربح الذي يتقاضاه الممول زائدا على تكاليفه الفعلية، فإن كان البيت موجودا عند التمويل ولا يحتاج إلى بناء، فللممول أن يشتريه ويبيعه إلى العميل بالطريق المذكور، وإن لم يكن هناك بيت مبني ويريد العميل أن يبنيه فحينئذ يستطيع الممول أن يوكل العميل ببناء البيت، ويكون بناؤه على ملك الممول وإنما يشرف عليه العميل كوكيل له، وحينما يتم البناء يبيعه الممول إلى العميل بيعا مؤجلا، وهذا إذا كان العميل لا يمكن له أن يستخدم شيئا من ماله نقدا في شراء البيت أو بنائه، أما إذا كان العميل يستطيع أن يقدم حصة من تكاليف البيت نقدا غير أن السيولة الموجودة عنده لا تفي بجميع النفقات اللازمة للشراء أو للبناء فيريد أن يطلب من الممول الحصة الباقية فقط كما هو الحال في أكثر التمويلات العقارية اليوم، فيمكن له أن يتملك جزءا من البيت بمال نفسه، بأن يقع شراء البيت مشتركا من الممول والعميل، فيقدم الممول نصف ثمن البيت – مثلا – ويقدم العميل النصف الآخر ويكون البيت بينهما مشاعا بالنصف، ثم يبيع الممول نصفه إلى العميل بيعا مؤجلا بثمن أكثر من الثمن الذي دفعه إلى بائع البيت، أما إذا كان المقصود بناء البيت على أرض خالية فيمكن استخدام نفس الطريق في شراء الأرض، بأن يقع شراؤها على سبيل الاشتراك بين الممول والعميل ثم يبيع الممول حصته في الأرض إلى العميل مؤجلا بثمن أكثر، فإن كانت الأرض مملوكة للعميل أو صارت ملكًا له بهذا الطريق المذكور وأراد العميل التمويل للبناء عليها، فإنه يمكن للممول والعميل أن يبنيا البيت على أساس المشاركة فيدفع هذا نصف نفقة البناء ويدفع ذاك النصف الآخر فيقع البناء مشاعا بينهما بالنصف، وحينما يتم البناء يمكن للممول أن يبيع حصته من البناء إلى شريكه العميل مؤجلا بربح، وبيع الرجل حصته في البناء إلى شريكه لانزاع في جوازه ـ ولضمان أداء الثمن المؤجل يجوز أن يطلب الممول رهنًا من العميل وبالإمكان أن يمسك مستندات ملك البيت كرهن عنده، وإن هذا الطريق لا غبار عليه شرعًا، غير أن الممول لا يستطيع أن يقدم مثل هذه التمويلات إلا إذا كان على ثقة كاملة بأن العميل سوف يشتري منه ما سيتملكه الممول من البيت أو البناء، لأنه إن امتنع العميل من الشراء بعدما أنفق عليه الممول نفقات باهظة فإن ذلك لا يحدث ضررا بالممول فحسب بل سوف يخيب هذا النظام بأسره، وبما أن البيع لا يجوز أن يضاف إلى ثمن المستقبل فلا بد لنجاح هذا الطريق أن يتعهد العميل مسبقًا بأنه يلتزم بشراء حصة الممول بعدما يمتلكها. وإن هذا التعهد من العميل، إن كان وعدًا محضًا، والوعد عند أكثر الفقهاء لا يكون ملزما في القضاء، ولكن هناك عددًا من الفقهاء جعلوا الوعد ملزمًا في الديانة والقضاء جميعًا، وهو المذهب المشهور عند مالك رحمه الله، فإنه يجعل الوعد ملزما، وقد أتيت ببعض النصوص الفقهية في هذا الصدد، لا حاجة بنا أن نقرأها لأن هذا الموضوع قد فرغ منه في الدورة السابقة للمجمع.
فبناء على هذه النصوص الفقهية، يجوز أن تجعل مثل هذه المواعيد لازمة في القضاء فإذا تعهد العميل في الاتفاقية الموقع عليها من قبل الفريقين أنه سوف يشتري حصة الممول من البناء أو العقار، فإنه يكون ملزمًا بوفاء هذا الوعد قضاء وديانة، ولكن يجب ألا يقع البيع إلا بعدما يمتلك الممول حصته، فإن البيع لا يضاف إلى المستقبل، وعلى هذا يجب أن يقع عند ذلك عقد البيع بالإيجاب والقبول.
وهناك نقطة أخرى في هذا الموضوع قد أثارها وتناولها بالبحث الدكتور عبد الله إبراهيم في بحثه وهي مسألة تتعلق بتحديد نسبة الربح التي يتقاضاها الممول من العميل، وقد أشار فضيلته إلى أن المعمول به في أكثر المصارف الإسلامية في عمليات المرابحة، أنها تحدد نسبة الربح على نفس الأساس الذي يحدد به البنوك الربوية نسبة فوائدها وهذا شيء ينبغي أن تبتعد عنه المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية التي تسير على أسس شرعية، لأنها تشابه عقد الربا ولا سيما في التمويل العقاري، فإن التمويل المقدم فيه إنما يقدم لسد حاجة أصلية وليس للاستثمار، فلا ينبغي للممول أن يطالب عميله بنفس المبلغ الذي تتقاضاه الجهات المرابية. هذا بالنسبة للبديل الأول وهو (البيع المؤجل) .
* والبديل الثاني: هو (الشركة المتناقصة) وإن هذا الطريق يتلخص في النقاط التالية:
1-
إن الممول والعميل يشتريان البيت على أساس شركة الملك، فيكون البيت مشاعا بينهما بنسبة حصة الثمن التي دفعها كل واحد منهما، فإن دفع كل منهما نصف الثمن، يكون البيت مشاعا بينهما بالنصف، وإن دفع أحدهما الثلث والآخر الثلثين، وكان البيت بينهما أثلاثا، وهكذا.
2-
ثم يؤجر الممول حصته من البيت إلى العميل بأجرة شهرية وسنوية معلومة بينهما.
3-
وتقسم حصة الممول على سهام متعددة معلومة، كالعشرة مثلا.
4-
وبعد كل فترة دورية متفق عليها بين الفريقين (كستة أشهر مثلا) يشتري العميل سهما من هذه السهام بحصتها من الثمن. فإن كانت حصة الممول مثلا تساوي مائتي ألف روبية، فإن كل سهم من سهامها العشرة يقوم بعشرين ألف روبية فبعد كل ستة أشهر يشتري العميل سهما بعشرين ألف روبية.
5-
وبعد شراء كل سهم من حصة الممول تنتقص ملكيته في البيت، وتزداد ملكية العميل.
6-
وبعد شراء كل سهم من حصة الممول، تنتقص الأجرة بحساب ذلك السهم، فإن كانت أجرة حصة الممول بكاملها ألف روبية مثلا، فإنها تنتقص بعد شراء كل سهم بقدر مائة روبية، فتصير الأجرة بعد شراء السهم الأول تسعمائة روبية، وبعد شراء السهم الثاني ثمانمائة روبية، وهكذا.
7-
حتى إذا اشترى العميل سهام الممول كلها صار البيت كله مملوكا للعميل، وانتهت الشركة والإجارة معا.
وإن هذا الطريق من التمويل العقاري يشتمل على عقود ثلاثة:
العقد الأول: لإحداث شركة الملك.
والثاني: إجارة حصة الممول.
والثالث: بيع السهام المتعددة من حصة الممول إلى العميل.
فلنتكلم أولا على كل عقد على حدة ثم لنبحث عن مدى شرعية هذا الطريق بمجموعه:
أما شراء البيت بمالهما المشترك، فلا مانع منه شرعًا، ويحدث بذلك شركة الملك بينهما، فإن شركة الملك عرفها الفقهاء كالتالي:" شركة الملك هي أن يملك متعدد عينًا أو دينًا بإرث أو بيع أو غيرهما ". فهذه الشركة في البيت قد حدثت بالشراء بمالهما المشترك، فكان البيت مشتركًا بينهما بشركة الملك.
وأما إجارة حصل الممول من العميل، فهذه إجارة جائزة أيضًا، لأن إجارة المشاع من غير الشريك وإن كان في جوازه خلاف بين الفقهاء ولكنه لا خلاف في جواز إجارة المشاع من الشريك. وذكرت النصوص الفقهية في هذا الشأن عن المغني لابن قدامة وعن رد المحتار وما إلى ذلك.
فظهر بهذا أن هذه العقود الثلاثة من المشاركة في الملك، والإجارة، والبيع، كل واحد منها صحيح في حد ذاته، فإن وقعت هذه العقود من غير أن يشترط أحدها في الآخر، بل يعقد كل منها مستقلًا، فلا غبار على جوازها.
وأما إذا وقعت هذه العقود باتفاق سابق بين الفريقين، فربما يبدو أن ذلك لا يجوز، لكونه صفقة في صفقة، أو لكون العقد الواحد شرطًا زائدًا في العقد الآخر، وإن الصفقة في الصفقة لا تجوز، حتى عند من يجوز بعض الشروط في البيع، كالحنابلة، وقال ابن قدامة رحمه الله: " الثاني (أى النوع الثاني من الشرط) فاسد، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يشرط على صاحبه عقدًا آخر، كسلف أو قرض، أو بيع أو إجارة أو صرف الثمن أو غيره، فهذا يبطل البيع ". والنص مذكور بكامله في بحثي.
ولكن هذا المحظور – يعني محظور الصفقة في صفقة – إنما يلزم إذا كان العقد الواحد مشروطًا بالعقد الآخر في صلب العقد، أما إذا وقعت هناك مواعدة بين الفريقين، بأنهما يعقدان الإجارة في الوقت الفلاني، والبيع في الوقت الفلاني، وانعقد كل عقد في وقته مطلقًا من أي شرط، فالظاهر أنه لا يلزم منه الصفقة في الصفقة وقد صرح به الفقهاء في عدة مسائل، ولا سيما في مسألة البيع بالوفاء، وقد ذكر في الفتاوى الخانية:" وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة، جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد، لأن المواعدة قد تكون لازمة فتجعل لازمة لحاجة الناس ".
فالبيع بالوفاء كان غير جائز عند الحنفية، ولكنهم جوزوا أن تقع المواعدة قبل البيع أو بعده فينعقد البيع مطلقًا عن الشرط ثم يقع الوعد الملزم، وهذا ما صرح فقهاء الحنفية بجوازه، وبمثله صرح علماء المالكية في مسألة البيع بالوفاء الذي يسمى عندهم " بيع الثنيا " فإنه لا يجوز عندهم في الأصل.
ولكن إذا وقع البيع مطلقًا عن هذا الشرط، ثم وعد المشتري البائع بأنه سوف يبيعه إن جاءه بالثمن، فإن هذا الوعد صحيح لازم على البائع، كما ذكره الحطاب وذكرت نصه.
هذا إذا انعقد البيع مطلقًا من غير شرط، ووقعت المواعدة بعد انعقاد البيع. وقد صرح عدة من الفقهاء، بأن الحكم كذلك لو وقعت المواعدة قبل انعقاد البيع، ثم انعقد البيع مطلقًا من غير شرط، قال القاضي ابن سماوة الحنفي رحمه الله:" شَرَطا شرطًا فاسدًا قبل العقد، ثم عقدا، لم يبطل العقد، ويبطل لو تقارنا ". وقال في مسألة البيع بالوفاء: " وكذا لو تواضعا الوفاء قبل البيع، ثم عقدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة بالمواضعة السابقة ". وحكاه ابن عابدين في رد المحتار واعترض عليه، ولكن أجاب عنه العلامة محمد خالد الاتاسي – رحمه الله – في شرح المجلة، وقد ذكرت نص كل واحد منهما.
ولهذا أفتى جماعة من متأخري الحنفية بأن المواعدة المنفصلة عن عقد البيع، سواء كانت قبل العقد أو بعده، لا تلتحق بأصل العقد، ولا يلزم منها البيع بشرط أو صفقة في صفقة، فلا مانع حينئذ من جواز العقد.
وربما يقع ههنا إشكال، وهو أن المواعدة إذا وقعت قبل العقد، فالظاهر أنها ملحوظة عند العقد لدى الفريقين ولو لم يتلفظا بها صراحة عند الإيجاب والقبول، وإنهما لا يبنيان العقد المطلق إلا على أساس ذلك الوعد السابق، فلم يبق هناك فرق بين هذا العقد المطلق الذي سبقه مواعدة من الفريقين وبين العقد الذي شرط فيه العقد الآخر صراحة، وينبغي أن يكون الحكم دائرًا على حقيقة المعاملة دون صورتها، وأن تكون المواعدة السابقة في حكم الشرط في البيع في عدم الجواز، وهذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عابدين – رحمه الله – في رد المحتار.
والجواب عن هذا الإشكار على ما ظهر لي – والله سبحانه أعلم – أن الفرق بين المسألتين ليس في الصورة فحسب، بل هناك فرق دقيق في الحقيقة أيضًا – وهذا شيء مهم – وذلك أن العقد الواحد إن كان مشروطًا بالعقد الآخر، والذي يعبر عنه بالصفقة في الصفقة، لا يكون عقدًا باتًّا، وإنما يتوقف على عقد آخر بحيث لا يتم العقد الأول إلا به، فكان في معنى العقد المعلق أو العقد المضاف إلى زمن مستقبل، فإذا قال البائع للمشتري – مثلًا – بعتك هذه الدار على أن تؤجر الدار الفلانية لي بأجرة كذا، فمعناه: أن البيع موقوف على الإجارة اللاحقة، ومتى توقف العقد على واقع لاحق، خرج من حيز كونه باتًّا، وصار عقدًا معلقًا، والتعليق في عقود المعارضة لا يجوز، ولو حكمنا بمقتضى هذا العقد، وامتنع المشتري من الإجارة، فإن ذلك يستلزم أن يرتفع البيع تلقائيًّا، لأنه كان مشروطًا بالإجارة، وعند فوات الشرط يفوت المشروط.
فالعقد إذا شُرِط معه عقد آخر، كان ذلك في معنى تعليق العقد الأول على العقد الثاني، وصار كأنه قال: إن آجرتني الدار الفلانية بكذا فداري بَيْع عليك بكذا. وهذا مما لا يجيزه أحد؛ لأن البيع لا يقبل التعليق.
وهذا بخلاف ما لو ذكرا ذلك على سبيل المواعدة في أول الأمر، ثم عقدا البيع مطلقًا عن الشرط، فإن البيع ينعقد من غير تعليق بيعًا باتًّا ولا يتوقف تمامه على عقد الإجارة، فلو امتنع المشتري من الإيجار بعد ذلك، فإنه لا يؤثر على هذا البيع الباتّ شيئًا فيبقى البيع باتًّا على حاله وغاية الأمر أن يجبر المشتري على الوفاء بوعده، على القول بلزوم الوعد، لأنه أدخل البائع في البيع بوعده، فلزم عليه أن يفي بذلك الوعد قضاء عند المالكية. وهذا شيء لا أثر له على البيع الباتّ الذي حصل بدون أي شرط، فأنه يبقى تامًّا ولو لم يف المشتري بوعده.
وبهذا يتبين أن البيع إذا اشترط فيه العقد الآخر يبقى مترددًا بين التمام والفسخ، وإن هذا التردد يورث فيه الفساد، بخلاف البيع المطلق الذي سبقه الوعد بالشيء، فإنه لا يتردد في تمام البيع، فإنه يتم على حال. وغاية الأمر أن يكون الوعد السابق لازمًا على المشتري على قول من يقول بلزوم الوعد.
فالطريق المشروع للشركة المتناقصة الذي لا غبار عليه أن تقع هذه العقود الثلاثة في أوقاتها مستقلة بحيث يكون كل عقد منفصلًا عن الآخر، ولا يشترط عقد في عقد.
نعم، يجوز أن تحدث بينهما اتفاقية يتواعدان فيها بالدخول في هذه العقود، فيتفقان على أنهما يشتريان الدار الفلانية
بمالهما المشترك، ثم يؤجر الممول حصته إلى العميل بأجرة معلومة، ثم يشتري العميل حصة الممول بأقساط متعددة إلى أن يتملك الدار كلها.
ولكن هذه الاتفاقية لا تكون إلا وعدًا من الفريقين بإنشاء هذه العقود، ولا ينشأ أحد من هذه العقود إلا في وقته الموعود بإيجاب وقبول، ويقع العقد حينئذ مطلقًا من أي شرط، فلا يشترط الإجارة في البيع، ولا البيع في الإجارة، هذا بالنسبة للبديل الثاني وهو (الشركة المتناقصة) ،
* والبديل الثالث: الذي ذكره الأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور هو (الاستصناع) والفرق بين هذا العقد – يعني عقد الاستصناع – وبين ما ذكرناه من البيع المؤجل، أن البيع المؤجل إنما يكون بعد تمام البناء أو بعد شراء الأرض أو البيت من قِبَل الممول، وأما الاستصناع فيمكن عقده قبل أن يشتري الممول الأرض أو البناء، وإن الاستصناع عقد مقبول شرعًا وقد ذكر الأستاذ عبد اللطيف الفرفور شروطًا لجوازه وهي الشروط التي ذكرها الفقهاء في كتبهم ويمكن استخدام هذا الطريق بعد توفير هذه الشروط ولكن الذي أراه أن هذا العقد إنما يمكن في الصور التي يبذل فيها الممول كل المبلغ المطلوب لبناء المسكن أو شرائه. وأما في الصور التي يتقدم فيها الممول بجزء من المبلغ المطلوب فقط، والجزء الآخر يتقدم به العميل بنفسه فإنه من العسير استخدام هذا الطريق في تلك الصور.
*والبديل الرابع: الذي ذكره الأستاذ الدكتور عبد الله إبراهيم، هو (التأجير المنتهي بالتمليك) وهذا موضوع لعنا قد فرغنا منه في الدورة السابقة فلا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.
* وبالنسبة للبديل الخامس: هناك صورة ذكرها أيضًا الأستاذ عبد الله إبراهيم وهي (الإقراض برسم التمليك) وقد ذكر أنه لا يجوز شرعًا، ولكنني لم أستطع أن أفهمه حق الفهم لأنه طريق يتبع في ديار ماليزيا ولم أتمكن من فهمه تمامًا، فيمكن لسيادة الدكتور أن يشرحه في مناقشته.
أما البديل السادس: الذي ذكره الأستاذ محمد عبد اللطيف الفرفور فإنه متبع في البنوك العقارية السورية، وهو أيضًا لم أتفهمه حق الفهم، فألتمس من فضيلته حينما يتدخل في مناقشاته أن يشرح لنا هذه الصورة.
وهذا ما أردت أن أبينه وألخصه لكم من البحوث الأربعة. والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبد الله إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرًا لفضيلة الرئيس ولأصحاب الفضيلة، وأحب أن أشارك في العرض فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني، خاصة وقد أشار إلى أحد الأوجه للتمويل باسمي، وهو (الإقراض برسم التمليك) فإنه – كما سمعنا – يطلب أن يفهم طريقة تطبيق هذا الوجه.
والواقع أن هذا الوجه ليس تطبيقًا ماليزيًّا، لا يوجد في ماليزيا هذا التطبيق وإنما ذكرت ذلك نقلًاعن بحث للدكتور أوصاف أحمد، وهو بحث قدمه في المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت – عمان) ما بين 18-21/6/1987م. فقد ذكر الدكتور أوصاف أحمد هذا الوجه باسم (الإقراض برسم التمليك) كوجه من أوجه التمويل، وهذا يعني أن البنك يتملك أشياء منقولة أو غير منقولة ويؤجرها للعميل مقابل تعهد الأخير بدفع أقساط متساوية في آجال معينة، ولمدة يتفق عليها في حساب توفير يفتحه البنك لهذه الغاية، ويعطي البنك تفويضًا بحق استثمار موجدات الحساب، ويمكن إضافة الأرباح إلى هذا الحساب، وعندما تتكامل الأقساط يلغى العقد وتنتهي الإجارة وتنتقل الملكية من البنك إلى العميل، هذا ما ذكره الأستاذ الدكتور أوصاف أحمد، تعريفًا لهذا الوجه وهو (الإقراض برسم التمليك) ، ولكني كما قلت هنا لا أدري ما إذا كان المشتركون بالمؤتمر قد تناولوا هذا الوجه من أوجه التمويل بالمناقشة واتخاذ موقف معين سابق؟
ومهما كان الأمر فإنني وجدت – كما يظهر لي – أن هذا الوجه لا يخرج عن دائرة القروض بالفائدة الربوية، لأن الشيء حينما يؤجر بتلك الأقساط المدفوعة في تلك الآجال المعينة، وباعتبار أنها إقراض يكون الرسم المضاف إلى القرض فائدة عليه، وما دام العقد يتم باعتبار أنه إقراض، وهناك رسم يضاف باسم الفائدة، فهذا طبعًا وجه لا يخرج عن التطبيق الربوي.
ولهذا أرى أن هذا الوجه لا يكون صالحًا لتطبيقه في مسألتنا (مسألة تمويل بناء المساكن وشرائها) ، اللهم إلا إذا صحح مساره ويعقد عقد بربح أو يعقد عقد بيع بثمن آجل على أقساط متساوية لآجال معينة بقيمة التكلفة المضاف إليها المقدار المناسب من الربح، فإذا صحح على هذا، فأنا أوافق أن يكون هذا الوجه صالحًا بأن يكون أحد أوجه التمويل الشرعي. وشكرًا.
الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرًا أيها السيد الرئيس، كان بودي أن أقرأ العرض لولا ما تفضلتم به من العذر الذي أسأل الله بدعواتكم ودعوات زملائي في المجمع أن يعجل لنا جميعًا بالشفاء.
بالنسبة لما تفضل به أخي وزميلي فضيلة القاضي الأستاذ الشيخ محمد تقي العثماني من الحلول التي أوردها عن بحثه القيم وعن بحث زميلي الأستاذ عبد الله إبراهيم، هذا لا كلام لي ولا تدخل لي فيه، ولكن ربما نسي فضيلته بحث الأستاذ السيد طنطاوي وأنا لم أقرأه ولم أتشرف بقراءته. ولعلكم أنتم تنظرون في هذه المسألة.
أما بالنسبة لبحثي بالذات فربما العجلة حالت دونه ودون تعمقه في هذا البحث المتواضع. فأنا – العبد الضعيف – بالنسبة لهذا البحث قسمت المسألة قسمين: قسمًا يعالج الموضوع كأمر واقع – وقسمًا أرتئي فيه من الحلول أو أقترح حلولًا لأمور في المستقبل.
أما بالنسبة للبحث حول الأمر الواقع فجعلت ما هو واقع الآن إما أن يكون استصناعًا – كما تفضل أخي الأستاذ القاضي حفظه الله – بشروطه، وإما أن يكون بيعًا بالتقسيط إلى أجل – أيضا – بشروطه وضوابطه، هذا فيما هو واقع. ثم بينت أن ما هو واقع إذا جعلناه استصناعًا أو جعلناه بيعًا بالتقسيط أو جعلناه أيًّا ما كان، فأنه لا يخلو أبدًا عن شبهة الربا إن لم تكن حقيقة الربا، هذا ما بينته بشكل واضح جدًّا وحتى ربما بتوسع، فإن المسألة في بلادنا – حسب ما هو موجود الآن – عبارة عن مدخل إلى العقد ثم هناك شبهة الربا، فتظل هذه المسألة حتى يخصص البيت أو المنزل من الجمعية السكنية - لأنه تقوم جمعيات سكنية بإشراف الدولة، وليست هي الدولة التي تقوم ولكن بإشراف إداري – ثم إما أن تظل شبهة الربا وهو اختلاط الأموال الربوية واستقراض الجمعية من البنوك الربوية بالفائدة، وحينما يخصص المنزل يقال للشاري: إما أن تأتينا بما بقي من المال ويتخلص من حقيقة الربا – تقريبا – وتبقى الشبهة، أو ربما وَكَّلَهُم الشاري فقال لهم: ادفعوا لي أنتم استقرضوا لي من البنك وأنا أدفع لكم الكمالة، في جميع الأحوال حتى لو أننا كيفناه بعقد استصناع أو ببيع إلى أجل فلا يخلو الأمر أبدًا من شبهة الربا إن لم يكن حقيقة الربا. لذلك اقترحت في بحثي – وهذا جهد المقل – حالتين:
الحالة الأولى: أن تتولى الدولة حصرًا حل مشكلة الإسكان بأن تلتزم الدولة باعتبارها ولي الأمر – وأنها يجب عليها أن توفي الناس مساكنهم لأن المسكن هو الحاجة الدنيا أو الحاجة الأولى، على الأقل مسكن عادي جدًّا، ليس شرطًا أن يكون فيه ترف أو رفاهية – وأن يكون ذلك بيعًا بالتقسيط وعلى الدولة أن تتلخص من المعاملات الربوية قدر الاستطاعة، لأن الربا هنا مسألة تداخلت في الموضوع وليست أصلًا فيه، فيمكن تخليص العقد من الربا.
الحالة الثانية: وهذا لم يتوفر في بلدنا وهو وجود بنوك إسلامية ولعله توفر في المملكة العربية السعودية وفي الأردن – كما سمعت – وفي مصر، ونرجو الله أن يتوفر في بلدنا، فإذا قامت البنوك الإسلامية على هذا الموضوع فإنها تلخص المشكلة كلها من الربا وتجعل له – لهذا الموضوع – حلًّا إيجابيًّا فقهيًّا إسلاميًّا مثمرًا على أحد الطريقين: إما الاستصناع، أو البيع إلى أجل.
هذا ما اقترحته في بحثي، وهذا مجرد رأي، وكما قال الإمام أبو حنيفة – رضي الله تعالى عنه – فيما تعلمون علمًا:" هذا رأي وهو أحسن ما استطعنا أن نأتي به، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه ". والله تعالى أعلم، وشكرًا.
الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
شكرًا سيادة الرئيس. فيما ذكره الشيخ تقي العثماني – حفظة الله - في الطريقة الأولى للتمويل العقاري وهو البيع المؤجل، ذكر الطريقة الأولى ولا غبار عليها أن يتملك الممول ثم يبيع بربح أو مرابحة إلى أجل مسمى.
أما الطرق الأخرى التي بناها على الوكالة، فالحقيقة أن هذا ليس مسلمًا، وذلك لأن الوكالة عقد غير لازم، وإدخاله في مثل هذه المعاملة لا يجدي نفعًا، ثم إن الموكل هنا يوكل في بناء دار، والموكل المفروض فيه أن يدفع الثمن أو يثبت الثمن في ذمته، والأمر هنا ليس متحققًا إنما سيبيع الوكيل القائم بالعمل لمن وكله، وهذه الطريقة لا تسلم هنا أيضًا.
الحل الثاني – أيضًا – في هذا الباب ذكر الوعد، والوعد هنا أيضًا كما دار في المناقشات السابقة وعند المالكية – بالذات – أنهم يلزمون في التبرعات لا في المعاوضات، فبناء المسألة على الوعد – أيضًا – لا يسلم.
بالنسبة للطريق الثاني في قضية شركة الملك، والملك المشاع ثم التأجير، ثم بيع الملك أقساطًا أو أجزاءً: الحقيقة نحن أمام مسألة خطيرة جدًّا، ونفترض ثلاثة عقود ثم نقول إنه ينبغي أن يكون كل عقد منها مستقلًّا، كيف يتم هذا؟ تتم شركة ثم إجارة ثم بيع لأجزاء، ويريدها أيضًا على طريق المواعدة، وهذا الحل محل نظر شديد لأنه لكي تسلم المعاملة لابد من أن تكون العقود الثلاثة في عقد واحد وملزمة، وهذا طبعًا سيكون صفقات في صفقة وليس صفقة، ثم بناها أيضًا على المواعدة مرة أخرى، وأتى بالمواعدة في بيع الوفاء وأنها تلزم عند الحنفية، والحقيقة أن هذه خاصة في بيع الوفاء وليس في بيع العقار هنا على هذه الطريقة.
لذلك لا يكون مسلَّمًا هنا إلى القول بأن الممول يشتري ثم يبيع بربح أو على طريقة المرابحة. والله أعلم، وشكرًا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فيما يتعلق بالنقطة التي طرحها فضيلة الرئيس في البداية، وهي موضوع عام أرجو أن أشير فيه إلى أنه لعله نستطيع في هذه الجلسة – أقصد في هذه الدورة – أن نتفق على أسلوب لإعداد البحوث حيث تخرج توجيهات للباحثين تطلب منهم التركيز على القضايا المطلوب التركيز عليها، لتحقيق ما تفضلتم به بحيث يكون البحث في إطار بيان الحكم الشرعي، لأنه يلاحظ على بعض البحوث أنها تخرج عن الموضوع وتقدم عرضًا لقضايا أخرى لا علاقة لها بصلب الموضوع، يجب في الواقع أن نميز في هذا الأمر بين أمرين: من حيث المساكن ومن حيث الجهات التي تتولى هذا الموضوع أيضًا بين جهتين.
فيما يتعلق بموضوع المساكن هنالك مساكن للفقراء الذين لا يجدون ما يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة – كما عبر ابن حزم – أي بعبارة أخرى تأمين حد الكفاية من حاجة السكن الذي لا يصح أن لا يوفر للإنسان في المجتمع الإسلامي، والأمر الآخر الذي هو مساكن فوق هذا الحد مما يحرص عليه الناس لمزيد من الراحة والتمتع، وهذا – ما دام لم يخرج إلى إطار الترف – لا تجد الشريعة فيه حرجًا.
أما من حيث الجهات: - جهة الدولة كما أشارت بعض البحوث وجهة المؤسسات الاستثمارية التي تعالج هذا الموضوع وتشتغل به – فيما يتعلق بأمر الدولة هنا لا نستطيع أن ننيط بها أكثر من النوع الأول من المساكن، وهو مساكن الذين لا يجدون ما يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، باعتبار مسؤولية الدولة في تحقيق الحد الأدنى أو حد الكفاية بالنسبة للحاجات الأساسية ضمن التشريعات المقررة في هذا المجال ويقف على رأسها تشريع الزكاة كما نعلم جميعًا.
لذلك أنا مع أستاذنا الشيخ محمد العثماني من حيث إن من الأمور التي يجب أن نركز عليها في مجتمعاتنا المعاصرة موضوع تحصيل الزكاة، وبالتالي يكون الإعطاء من الزكاة لحاجة السكن، باعتبار أن حاجة السكن حاجة أساسية يجب أن توفر للناس الذين لا يستطيعون أن يجدوا ذلك من الفقراء والمساكين، ويمكن أن تقوم الدولة بهذا الأمر عن طريق مؤسسة الزكاة أو صندوق الزكاة ببناء مشاريع توزع على الفقراء أو تدفع إليهم أموالًا منها لغرض بناء المساكن كما أن للدولة إمكانية استخدام مواردها الأخرى بأن تبني أو توزع على الفقراء ما يمكنهم من تأمين هذه الحاجة، وكذلك صورة القرض الحسن أيضًا في هذا المجال ممكنة، لكن الموضوع الآخر، إذا لم تجد الدولة المال الذي يكفيها لتحقيق هذه الحاجة الأساسية للفقراء، فمن المعلوم أن فقهاءنا قد عالجوا هذه القضية ونصوا بكل وضوح على أن من حق الدولة أن تفرض على الأغنياء ما يفي بحاجات الفقراء الأساسية، ومنها حاجة السكن، ولعل هذه الموضوع – موضوع فرض ضرائب جديدة – من الموضوعات التي يمكن أن تعالج باستفاضة في دورات قادمة، وقد أوضحت في إحدى الدراسات الخاصة بي حول هذا الموضوع أن حق الفقراء – حق الفقراء بالكفاية ومنها كفاية المسكن – متعلق بأموال الأغنياء، وأن للدولة أن تضع من التشاريع والأنظمة لتحقيق هذا الجهد.
هذا في إطار الحاجة الأساسية لكل إنسان في المجتمع فيما يتعلق بحاجة السكن، ولكن فيما يتعلق بالموضوع الآخر: وهو تأمين مساكن فوق ذلك وتحقيق هذا عن طريق جهات تمويلية سواء أكانت من القطاع الخاص أو مؤسسات متخصصة بهذا الغرض تشرف عليها الدولة.
ذكر الإخوة مجموعة من الصور بعضها في ظني محل اتفاق من حيث الجواز كأن تبني الشركة العقارية أو المؤسسة مشروعًا عقاريًّا وتبيعه بالتقسيط – والبيع بالتقسيط من الموضوعات المطروحة في هذه الدورة ولعله يصل فيها المجمع إلى قرار واضح – شريطة أن يكون السعر كما هو معلوم عند كثير من الذين أجازوا هذا من البداية ملحوظًا على أساس الكلفة والربح بدون أي إضافات مستقبلية إذا تم العجز عن تسديد الأقساط.
وكذلك الصورة الثانية التي حاول أستاذنا الشيخ الفرفور أن يستفيد من عقد الاستصناع فيها وهي بيع بناء لم يقم بعد وفق مخططات ومواصفات واضحة، وهذا أيضًا في ظني من الصور الجائزة.
هنا أريد أن أشير لقرارات الدورة الماضية التي يبدو أنها لم تلحظ في بحث الأستاذ العثماني عندما تحدث عن المرابحة للآمر بالشراء في هذا الموضوع، في ظني أن موضوع الرابحة للآمر بالشراء من الموضوعات التي يجب أن نحذر باستمرار ونحن نتحدث عنها حتى لا نكون أداة ووسيلة للربا، وفي الصورتين اللتين طرحتا لم يُنْتبه إلى هذا، لا في صورة المشاركة المتناقصة ولا في صورة المرابحة للآمر بالشراء، لأنه إذا تم الاتفاق مسبقًا على كل هذه الترتيبات، فيمكن أن تكون الصيغة ملحوظًا فيها عملية تمويلية زائد فوائد ربوية، فيكون الظاهر أنها عقود تستخدم الاصطلاحات الشرعية في عرضها، ولكن حقيقتها أن المؤسسة العقارية كل ما تريده أن تمنح هذا الإنسان قرضًا من المال ثم تضيف عليه فائدة معينة وتستوفيه على أقساط، لذلك لابد من التنبيه هنا – خاصة إذا أخذنا بلزوم الوعد – إلى أن العملية لا تنقلب إلى وسيلة للربا، وفي ظني أنه إذا تم الاتفاق مسبقا على هذا الترتيب، وبخاصة في عقود المرابحة التي محلها العقارات، أي مخاطرة تقع على الممول هنا فيما إذا قام بشراء أرض طلبت منه أو عقار، طلب منه أحد الأشخاص شراءها فقام بشرائها وتسجيلها باسمه ثم نقلها إلى ملك ذلك الإنسان بزيادة على ما دفع من ثمن لهذا العقار؟ في الواقع العملية أخرجت بهذه الصورة بدلا من أن يدفع المال مباشرة للآمر بالشراء دفع إلى صاحب العقار وما كانت الصورة إلا لإخراج هذا الأمر من إطار شكلية معارضته للربا.
أما في موضوع المشاركة المتناقصة فيبدو أن الأستاذ العثماني قد طرح القضية خارج الاصطلاح الذي استقر عندنا في معنى المشاركة المتناقصة، وقد ركز في بحثه على قضية صفقة في صفقة، وكنت أود أن يركز أيضًا على أنه: كيف تحمى هذه الصورة من أن تقع في الربا أيضًا؟ لأن العملية عندما يقسط المبلغ الذي دفعه الشريك لتجري عملية سداده أولًا بأول على أقساط على أساس أنه ثمن لحصته في الشركة، هذا المبلغ إذا أضيف إليه ربح لحظ معدلات الفائدة ولحظ أن 0الأجرة جزء منها يسدد كأجرة ثم حسم الأمر على هذا الأساس وأخرج كمعاملة أساسها قرض يجر نفعًا أو يجر فائدة، كيف يمكن أن نجيزه؟
لذلك الذي أرجوه أن يعاد النظر في النقطتين: نقطة المرابحة للآمر بالشراء، والمشاركة المتناقصة، ملاحظين ما تم إقراراه من شروط في بيع المرابحة للآمر بالشراء في الدورة الماضية، وخاصة فيما يتعلق بالحيازة والتملك وتحمل تبعة الهلاك، هذه القضايا التي تجعل العقد في إطار المخاطرة والتجارة الحلال، وملاحظين أيضًا التمييز الذي انتهى إليه المجمع في الدورة الماضية بين الوعد والمواعدة، والصورة التي أشير إليها في اتفاق فريقين على الوعد فهذه هي المواعدة وهذا ما نبه إليه المجمع في المرة الماضية.
هنا أيضًا أحب أن أشير إلى الإقراض برسم التمليك. في ظني بشأن الإقراض برسم التمليك هناك استعجال من الأستاذ الكريم الدكتور عبد الله بالتحريم، وإذا تم الإمعان في هذه الصورة فإنه يمكن أن تكون جائزة شرعًا بشروط معينة، وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه، وبعد:
فالبحث الذي أتشرف بتقديمه إلى المجمع في دورته هذه، موضوعه (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها) . هذا البحث يشمل على عدة نقاط:
النقطة الأولى: عبارة عن مقدمات أرجو أن تكون مسلمة عندنا جميعًا.
النقطة الثانية: وجدت أن الأمانة العلمية تقتضيني عندما أتكلم عن موضوع كهذا الموضوع، لابد أن أذهب إلى البنك العقاري المصري وأن أطلع على لوائحه وأن أجلس مع العاملين فيه وأن أتفهم الموضوع تفهمًا تامًّا لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقولون.
النقطة الثالثة: أغراض البنك العقاري كما جاء في نظامه الأساسي.
النقطة الرابعة: الوسائل التي يستخدمها البنك لتحقيق أغراضه، وبينت ما هو جائز منها وما هو ليس كذلك.
* النقطة الأولى: وهي المقدمات أمر عليها مرًّا سريعًا، لأني أعتقد بأنها من المسلمات وأولها أن العقلاء في كل زمان وفي كل مكان يتحرون الحلال في جميع تصرفاتهم وثانيها أن العقلاء. . .
الرئيس:
يا شيخ سيد، على كلٍّ بحث فضيلتكم هو بين أيدينا، وإذا تكرمتم والكلام لبقية الإخوان، العارض ما اختير عارضًا إلا حتى يستغني به عن قراءة أي بحث كان أو تلخيص أي بحث كان، وإنما بعد العرض هي مناقشة فقهية محددة لذات الصور، ماذا يجوز منها، وماذا لا يجوز؟ هذا هو المراد.
الدكتور محمد سيد طنطاوي:
نعم حاضر.
بعد هذه المقدمات قلت بأن كلامي في هذا البحث ينصب على المعاملات التي يجريها البنك العقاري المصري الذي يعتبر – كما جاء في التعريف به – أقدم البنوك المصرية قاطبة. فقد تم إنشاؤه في 15 فبراير 1880 م، أي منذ أكثر من مائة سنة، ثم نقلت نصًّا أو بعض النصوص من نظامه الأساسي وهو موجود أمامكم، ثم انتقلت بعد ذلك بعد أن نقلت جملة من مواد هذه النصوص، قلت: بعد هذا العرض لجانب من النظام الأساسي للبنك العقاري المصري يتبين لنا بوضوح أن الأغراض والأهداف التي قام من أجلها متعددة الأنواع وأنها تشمل ما يأتي:
أولًا: المساهمة في تمويل عمليات استصلاح الأراضي وتمويلها. . . إلخ. وهذا شيء حسن.
ثانيًا: المساهمة في تمويل بناء المساكن التي تأوي من هم في أشد الحاجة إلى الإيواء والستر. وهذا شيء حسن أيضًا.
ثالثًا: المشاركة مع الأفراد والهيئات في إقامة المشروعات المتنوعة.
رابعًا: تقديم المساعدات الفنية والخبرة النافعة لمن يقومون بأعمال التعمير.
هذه هي أهم الأغراض التي قام من أجلها البنك وتلك أهم وظائفه، وهي – كما سبق أن قلنا – أغراض شريفة في ذاتها، ولكن يأتي بعد ذلك سؤال هام وهو:
ما الوسائل التي يستخدمها البنك في تحقيق هذه الأغراض وتلك الوظائف؟
وللإجابة على ذلك أقول: هناك وسائل متعددة تسلكها تلك البنوك لتحقيق أغراضها، وهذه الوسائل منها ما هو جائز شرعًا ومنها ما ليس كذلك، فأما الوسائل التي اتفق الفقهاء على جوازها شرعًا، فمن أبرزها أن تقدم الدولة للبنوك العقارية ما هي في حاجة إليه من أموال كافية لتلبية مطالبها الذاتية كأجور العمال والموظفين، وتكون وظيفة البنوك العقارية في تلك الحالة هي الوكالة عن الدولة في تنظيم وتنسيق وتنفيذ تقديم هذه الأموال لأصحاب تلك المشروعات، ثم استردادها منهم بعد ذلك على أقساط لا تزيد في مجموعها على ما قدمته لهم من أموال، بل ربما تتنازل الدولة عن جزء كبير منها في بعض الأحيان، وهذه الطريقة تتبعها في العادة الدول الغنية الرشيدة لكي تساعد أبناءها على امتلاك المسكن المناسب وعلى التوسع في إحياء الموات من الأرض، وقد ترتب على هذه السياسة الحكيمة أن زاد العمران، وكثر عدد العاملين في مجالات النشاط الاقتصادي، وأنفقت الأموال في وجوه الخير، كما ترتب على هذه السياسة الحكيمة أيضًا أن كثرت المساكن وصار المعروض منها أكثر من المطلوب فرخصت أسعارها وأصبح المسكن الذي كان يؤجر منذ عشر سنوات في المملكة العربية السعودية – مثلًا بثلاثين ألف ريال في السنة أصبح الآن كما بلغني يؤجر بأقل من هذا المبلغ بنسبة قد تصل إلى الثلث، ومما لا شك فيه أن هذه الطريقة التي اتبعتها بعض الدول هي السنن الحسنة التي لأصحابها من أولي الأمر أجرها وأجر من عما بها من بعدها.
* الطريقة الثانية من الطرق التي اتفق العلماء على إباحتها: هي أن تقدم البنوك العقارية لأصحاب مشروعات استصلاح الأرض وتشييد المساكن، تقدم لهم الأموال التي هم في حاجة إليها لإقامة مشروعاتهم ولكن على سبيل المشاركة لهم بالنصف أو بالثلث أو بغير ذلك، وأتينا بالأدلة:
الطريق الثالثة التي يمكن للبنوك العقارية أن تسلكها لتمويل المشروعات العقارية النافعة تتلخص في الرهن، وتكلمنا عن الرهن، وبينا أنه جائز وأن من حق البنوك أن تقوم برهن أشياء من أصحابها ضمانًا لحقها، وأتيت أيضًا بالنصوص الموجودة في نفس النظام الأساسي للبنك.
كذلك من الوسائل التي نرى إباحتها للبنوك العقارية التي تقدم الأموال اللازمة لأصحاب تلك المشروعات العقارية النافعة، أن تأخذ منهم في مقابل خدماتها لهم مبالغ مناسبة يقدرها الخبراء العدول، كأجور للموظفين وللعمال ولغير ذلك من المرافق التي تكلف البنوك الكثير من الأموال والتي تخلت الدولة عن دفعها، وأذنت للبنوك في تحصيلها من المتعاملين معها نظير ما تقدمه لهم من خدمات متنوعة لا تستطيع القيام بها إلا بتحصيل تلك المبالغ، ويبدو لي أنه لا يوجد مانع شرعي يمنع البنوك من أن تأخذ تلك المبالغ من المتعاملين معها ما دامت هذه المبالغ مقدرة من جهة الخبراء العدول ولا جشع معها ولا استغلال وما دامت تؤخذ على أنها في مقابل خدمات معينة يقدمها البنك للمتعاملين معه على سبيل تبادل المنافع المشروعة.
هذه في نظري أبرز الوسائل التي أرى أن البنوك العقارية يجب عليها أن تأخذ بها أو ببعضها عند تمويلها للمشروعات التي وجدت من أجل المساهمة في تحقيقها وهي التعمير والبناء إلى آخره، لأن هذه الوسائل مع جوازها من الناحية الشرعية سيترتب عليها – بإذن الله – ما يأخذ بالأمة إلى طريق الخير والرقي.
وأما الوسائل التي اتفق العلماء على حرمتها وعلى وجوب التخلي عنها فهي كل وسيلة تسلكها هذه البنوك في تعاملها مع غيرها وتكون هذه الوسيلة مصحوبة بالغش أو بالتدليس وبالاستغلال أو بالربا أو بغير ذلك من المعاملات المحرمة، فمثلًا ما تأخذه هذه البنوك من فوائد باهظة على المبالغ التي تقرضها لمن هم في حاجة إليها لسد ضرورات حياتهم هي من قبيل الظلم والاستغلال والربا المحرم، وما تأخذه من فوائد مضاعفة على المعسرين هو أيضًا من قبيل الظلم البين والربا الجلي الذي أعلن القرآن الكريم حرب الله ورسوله لمن يتقاضاه {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} .
وهنا أنبه إلى أن الوسائل المنحرفة عن الحق في التعامل هي ليست محرمة على البنوك فقط، بل هي محرمة شرعًا سواء أصدرت عن البنك أم عن المتعاملين معه بقصد استغلاله لمصالحهم الخاصة وبقصد أخذ جزء من أمواله التي هي ملك للأمة لا من أجل حاجتهم الماسة إليها وإنما من أجل الزيادة في ثرواتهم الضخمة ومن أجل إشباع مطامعهم التي لا نهاية لها.
ويحضرني بهذه المناسبة أن رجلًا أرسل إلى دار الإفتاء المصرية سؤالًا ملخصه: أنه يأخذ من أحد البنوك التي هي ملك للدولة مبالغ معينة بفائدة معينة، ثم يضع هذه المبالغ في بنك آخر بفائدة أعلى وأكبر، ثم يسأل هل عليه زكاة على هذا المال؟ ولا شك أن هذا السلوك القبيح يمثل لونًا من أبشع وأقبح ألوان التحايل الذي يدل على انطماس البصيرة وضعف الدين وسوء الخلق.
انتهيت بعد ذلك بأن هذه الكلمة عن التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، ذكرنا فيها بعض المقدمات التي لا بد منها ثم ثنينا بكذا وكذا، وأن التمويل العقاري لبناء المساكن وما يشبهها لهو في ذاته عمل جليل إذا قامت به البنوك وفق الأحكام الشرعية التي سبق أن بينّاها والتي لا ظلم فيها لأحد لأنها من عند أحكم الحاكمين.
وبالله التوفيق.
الدكتور وهبه مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
لي ملاحظات ثلاث، الأولى: هي ما ورد في كلمة الأخ الشيخ تقي العثماني من أن الشركة التي تتم بين الممول والعميل إنما هي شركة ملك، والحقيقة أنها ليست بشركة ملك، شركة الملك هي شركة جبرية وهي لا يترتب عليها أي حكم من أحكام الشركات المعروفة في الفقه الإسلامي وهي تحدث تبعًا، هذا الاشتراك الجبري يحدث تبعًا عقب شراء شركة، أن يشتري اثنان شاة بقصد الذهاب إلى الصحراء لذبحها وشوائها وأكلها، فهذه هي صورة البيع التي تكون مدخلة تحتها شركة الملك.
إذن الشركة التي تتم في بيوع العقارات والأراضي، ليست من قبيل شركة الملك، وإنما هي شركة عقد حتى يتمكن الشريكان من إجراء أحكام الشركات على هذا النوع من القصد الواضح من إقامة شركة بينهما في الأرض عند شرائها. هذا شيء.
الشيء الثاني، هذه الصورة – البدائل – التي ذكرها الأخوة الكرام هي كلها يراد بها البعد عن الربا، وأي لون من الأوان التي تقوم بها البنوك العقارية في البلدان العربية والإسلامية كلها لا تخلو من الربا؟ ولذلك تحسين الظن بالمعاملات الربوية بهذه البنوك هو في رأيي غير واقعي، والصورة الواقعية هي ما تقوم به الدول الغنية من إقامة مبان متعددة كليبيا والسعودية، تبيعها بأقساط لمدة عشرين سنة ويدفع كل متملك لبيت اشتراكًا شهريًّا جزئيًّا بسيطًا خمسة عشر أو عشرين جنيهًا مثلًا ثم في نهاية العشرين سنة يتملك هذا البيت، هذا الذي تقوم به الدول الغنية لا غبار عليه إطلاقًا، لأنه من قبيل مساهمة الدولة بتحقيق التكافل الاجتماعي المفروض على الدولة، وهذا لا نقاش لنا فيه، كل ما في الأمر أن النقاش ينبغي أن يكون بين الجهات التي تقصد الربح من تصرفاتها وأعمالها وهي إما شركات وإما أفراد، وهؤلاء لا يستغنون بحال من الأحوال عن الربح أيًّا كانت صورة الربح، الذي نريد أن نكيفه لهم ونسبغ عليه صبغة المشروعية. فالحقيقة أنهم يريدون الربح بأي صورة من الصور، ومن تلك الصور الكثيرة الوقوع مع هؤلاء من أجل إيجاد بناء سكني للإنسان هي الصورة التي يتم فيها بيع صوري، لأن أغلب الدول الآن لا تعترف بالعقود الفردية في العقارات إلا بتسجيلها بالسجلات العقارية، والمملك التاجر، المقاول الباني الذي يبني هذه المباني لا يعقد إلا عقدًا خاصًّا بينه وبين هذا الشخص، والدولة لا تعترف بهذا القدر. فإذن هو يضمن حقه، ولذلك أغلب هذه الصور تتم فيها صورة تمليك صوري ومرهون برهن شديد، أنه لا يملك العميل – كما قال أخونا الشيخ تقي – إلا بعد أن تسدد أقساط ملكية هذا البيت، وحينئذ تنتقل الملكية، وبعدئذ يقوم صاحب البناية بإفراغ هذه الملكية في السجل العقاري وبعد أن يستوفي كامل حقوقه. فالملكية المصحوبة برهن لا شك أنها جائزة، من البدائل التي لم تذكر في كلمات الإخوة السادة الأفاضل وأظنهم خشية المساس بقضية الربا وهي قضية الاقتراض بفائدة للمضطر أو للمحتاج، وقد نص على ذلك صراحة فقهاء الحنفية، وينبغي أن لا يفهم من كلامي أن الضرورة بالمعنى الذي يشيع فيما بين الناس، كل واحد يريد أن يوسع بيته أو متجره أو غيره فيقول: أنا مضطر. هذا الكلام مردود عليه، إن وجدت قيود الضرورة الشرعية بضوابطها المعروفة وهي التي يترتب عليها إن لم يقع في المحظور يهلك، بمعنى أنه لم يقترض من البنك بفائدة يصبح يعيش في الشارع إما في كوخ كالبلاد الهندية وجنوب شرق آسيا في الأكواخ والشوارع يولدون ويموتون وهم في الشوارع، وأيضًا بيوت العرب في بعض البلاد العربية يعيش في البيت من الشعر فإن أصبح في مثل هذه الحالة من الضرورة القصوى بحيث إن لم يقترض من البنك بفائدة لبناء سكن يصبح في الشارع أو في كوخ أو في خيمة، عندئذ ما المانع من أن نجيز ذلك بحدود ضيقة جدًّا وحالات نادرة جدًّا وليست على سبيل الاستقصاء ولا على سبيل الفتوى العامة، فنحن إن قررنا هذا إنما نظهر ما هو موجود لدى فقهائنا في مثل هذا الأمر. . . والسلام عليكم.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أعلق على نقطة جاءت على لسان أستاذنا الدكتور وهبه، واعترض فيها على ما جاء في بحث الشيخ تقي العثماني، حيث كان غائبًا فأردت أن أنوب عنه فإذا لم يكف فهو صاحب الأولوية.
الدكتور وهبه يقول إن الشركة هنا ليست شركة ملك وإنما هي شركة عقد، والواقع أنها شركة ملك لأن شركة العقد يلزم فيها خلط الأموال وأن تكون قائمة على الوكالة والكفالة، كل من الشركاء وكيل وكفيل عن الآخر، أما هنا الشركة شركة ملك صحيح أن معظم صور شركة الملك تكون جبرًا أو بتملك جبري كالميراث أو نحوه لكن يمكن أن تقع ابتداء، يعني أنا أشتري نصف البيت والآخر يشتري نصف البيت فنلتقي على هذا الاشتراك وليس عندنا نية الاستثمار، شركة العقد نشتري البيت لنبيعه ونستربح فيه أو لنستغله فترة من الزمن ثم نبيعه، يعني نية البيع موجودة لأن هذه هي الشركة أن يشتري برأس المال ثم يقلب رأس المال في البيع والشراء ويحقق ربحًا، فالشركة هنا شركة ملك على وجهها، والله أعلم.
الدكتور عبد العزيز الخياط.:
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا أريد أن أكرر الملاحظات التي أبداها بعض الإخوة، إنما بقي عندي بعض الملحوظات وتأكيد على أمر ذكر في بحث الدكتور عبد الله إبراهيم.
الملحوظة الأولى: في بحث الشيخ القاضي محمد تقي الدين العثماني، في الصفحة الثانية ذكر إحدى طرق ثلاثة لقضاء حاجة الإنسان للمساكن وهو أن يعطي من الزكاة لبناء البيوت، أرجو أن يوضح لنا الدليل الشرعي على ذلك، المسألة قد يكون فيها خلاف.
في الصفحة الثالثة من بحثه كذلك ذكر موضوع البناء على الأرض الخالية أن يشتريها الممول والعميل فما العمل في حالة ما إذا كانت الأرض الخالية ملكًا للعميل واتفقا على البنيان ولم يذكر الأرض، هو لم يذكر موضوع الأرض في هذا البحث، هل تبقى على ملك العميل أو أن الممول يشتري بحسب الاتفاق نصفها أو ربعها لأنه إذا بنى الممول البناء على هذه الأرض التي هي مملوكة للعميل لا يكون له حق في تملك الأرض، فمن هذه الناحية أرجو أن يبين موضوع الأرض، ونحن نعلم أن البناء على أرض مملوكة لأحد فإن القوانين في بعض البلدان تعتبر البناء عليها ملكًا لصاحب الأرض، ولا يعتبره ملكًا للممول أو شراكة الممول فيه.
وفي الصفحة السادسة ذكر أن الممول يؤجر حصته من البيت للعميل بأجرة شهرية أوسنوية معلومة:
سؤالي هنا: هل تخصم الأجرة من ثمن البناء أو لا تخصم. فإذا كانت لا تخصم كما أراد هو: أليس في ذلك إرهاقًا للعميل؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يستطيع العميل أن يسدد الثمن الباقي من البيت، لأنه لو كان بالأجرة كان يستأجر بناء ولا حاجة له أن يشترك في هذا البناء لذلك أرى أن موضوع الأجرة يجب أن يعاد النظر فيه مرة أخرى وفي رأيي أنها إرهاق.
نعم من حق الممول أن يؤجر هذا البيت، ولكن المقصود بذلك الوفاء بحاجة هذا الإنسان المحتاج للمسكن، فإذا ألزمناه بدفع الأجرة وألزمناه كذلك بأن يأتي بتحصيل المال لسداد الباقي من ثمن البيت فإني أعتبر أن في ذلك إرهاقًا كبيرًا جدًا. . هذه ملحوظات ثلاث.
أما في بحث الدكتور عبد الله إبراهيم فقد أشار إلى قضية هامة: تحديد مقدار الربح المضاف إلى قيمة التكلفة وكيفية حسابه، فأعتقد أن هذه قضية مهمة أرجو أن تدرج في أبحاث المجمع القادمة. وشكرًا
الدكتور على محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع أن كثيرًا مما كنت أريد أن أقوله قد سبقني إليه الأساتذه خاصة الدكتور عبد السلام العبادي والدكتور رضا والدكتور الزحيلي، خاصة حول بحث الأستاذ القاضي العثماني، ولذلك يمكن أن أعلق على بعض التعليقات البسيطة المتواضعة على بحث أستاذنا الجليل فضيلة المفتي.
فضيلة المفتي أشار أو أراد أن يكيف مسألة البنك العقاري على أنه يقوم بمشروعات استثمارية، بينما نصوص البنوك ونص هذا البنك كذلك ينص على أن البنك لا يستثمر أمواله مباشرة، كما هو في المقدمة ذكر فضيلته في الهدف بأن البنك أساسًا – هذه أهدافه – للبنك في سبيل تحقيق أغراضه القيام بما يأتي:
منح القروض.
قروض أو تسهيلات.
حقيقة وظيفة البنك كما هو منصوص عليه في جميع الدول بالنسبة للبنوك الربوية ليس من وظيفتها ولا من أهدافها الاستثمار، وإنما القروض وبفوائد معينة، ومن هنا ما قاله فضيلته من أنه لا يرى بأسًا في إباحة ما تأخذه إذا كان هناك شروط، وشرط حقيقة عدة شروط – جزاه الله خيرًا – لكن ما اشترطه من شروط، وهو أن يكون يقدره العدول وما أشبه ذلك شيء والواقع الذي يسير عليه البنك العقاري المصري شيء أخر. فالبنك العقاري المصري حسب معلوماتي عن هذا البنك وغيره، ينص على نسبة معينة، بينما لو كانت القضية قضية العمولة حسب العمل فلا بد أن تكون على قدر العمل وليس على قدر المال، فقد تكون عملية وصفقة واحدة عدة ملايين فحينئذ لا يجوز أن يأخذ البنك عليها إلا بمقدار معين بينما الواقع أن البنك يأخذ عليها مقدارًا نسبيًا محددًا.
ومن هنا حقيقة لا بد من توضيح هذه المسألة لأن القارئ العادي يفهم من هذا البحث أن فضيلة الشيخ ركز على تكييف لما يدور في البنك أو المصرف المصري العقاري ولم يرد أن يعطي لنا بديلًا إسلاميًا لما يمكن أن يقوم عليه التنوير بالنسبة للشريعة الإسلامية، فنرجو من فضيلته توضيح ذلك سواء كان في بحثه أو سواء كان في مداخلاته، لأن الموضوع منصب على ما يقوم به هذا البنك من ثلاث وسائل.
ومن هنا أكرر وأثني على ما قاله الأستاذ الدكتور الزحيلي من أنه لا ينبغي لنا أن نظن الظن الحسن بالبنوك مطلقًا ولا سيما بالبنوك الربوية بل إن هناك بنكًا يسمي نفسه بالبنك الإسلامي ومع ذلك يلاحظ كل إنسان في قضية هذه المسألة في كل سنة يجدد نسبة معينة حسب الأرباح والفوائد الدورية، فالقضية لابد أن لا نحسن الظن في مثل هذه الأمور وعلينا أن ندرس الواقع دراسة صحيحة، وبالإضافة إلى ذلك نأتي بالبديل.
هذا بالنسبة لهذا البحث الجليل.
ثانيًا: بالنسبة لقضية (اشترط فيه ألا تكون الفوائد باهظة أو مضاعفة) – فما أدري يعني إن شاء الله هو طبعًا بالتأكيد ليس من أنصار أن يكون هذا القيد له مفهوم مخالف ويكون على مذهب الحنفية الذين لا يعتبرون ولا يقولون بمفهوم المخالفة – فهل يعني ذلك أنه لو كانت الفوائد بسيطة هل يجوز؟ هذا سؤال في الحقيقة موجه إلى فضيلة المفتي.
شيء آخر بالنسبة لما أشار إليه الدكتور عبد الله فعلًا كما ذكره الدكتور عبد السلام وأنا أيضًا أقول الإقراض برسم التمليك يمكن تكييفه بأنه حرام ويمكن كذلك تكييفه بأنه حلال على صورة العقد الذي يجرى. فمن هنا يمكن إطلاق القول بالحرمة يعني أنه ليس دقيقًا، والذي أريد أن أصل إليه أننا في الواقع نريد في كثير من الأحيان والأحوال أننا نرقع بعض الأحوال الموجودة، بينما في مثل هذه التجمعات يجب أن تتجه أنظارنا إلى البديل الحقيقي للإسلام وليس ترقيع الصور – وردت إلينا من الخارج صور تقوم بها البنوك الإسلامية – ولاسيما مع متطلبات الصحوة الإسلامية وإقامة نظام اقتصادي عادل، فإقامة هذا النظام الاقتصادي العادل يجب الآن أن ننتهي من قضية الانبهار والاندفاع وإنما ننتقل إلى مرحلة البناء والهجوم الفكري إن صح التعبير، فهذا حقيقة ما أرجو من أصحاب الفضيلة ووفق الله الجميع لخدمة دينه، وسلام عليكم، ومعذرة للإخوة إذا كنا قد أسأنا الأدب.
الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحل الثاني في بحث الدكتور القاضي محمد تقي العثماني عن الطرق المشروعة للتمويل العقاري استحوذ على اهتمامي حقيقة لأمور عديدة:
أولًا: أن الشركة المتناقصة تتوافر فيها جوانب عملية مقبولة من قبل البنوك وليس لهذا أثر كبير في موضوع الحكم وإنما على الأقل الطرف الثاني يكون الحل له مقبولًا ومعقولًا، وذلك الشركة المتناقصة. وتحليل هذه الشركة موجود عندنا في الورقة إنما الشيخ القاضي تقي العثماني حلل هذا العقد أو هذه الشركة إلى ثلاثة أمور: العقد الأول إحداث شركة الملك، الثاني إجارة حصة الممول، الثالث بيع سهام متعددة من حصة الممول إلى العميل. التحليل هذا قد يكون مقبولا عنده إلا أن الثالث بيع السهام المتعددة وإجارة حصة الملك هذا أمر ضروري من أمور الشركة، وهو إذا كانت هناك شركة فلابد فيها من استثمار، هذا الاستثمار سواء كان عن طريق استثمار المنفعة أو عن طريق الربحية، والربحية هذه سواء كانت بصورة تأجير أو بصورة أخرى.
إذن أنا أعتبر هذا العقد هو عقد شركة ملك فحسب، وأما التحليلان الآخران فأظنهما من ضروريات هذا العقد، لأنهم إذا تملكوا هذا المال واشتركوا فيه لا يريدون أن ينظروا إليه فقط وإنما يريدون أن يستثمروه والاستثمار بأي عقد من العقود وإلا دخل علينا المحظور الذي قال عنه بأنه هو عقد بيعتين في بيعة أو أكثر من عقد، ثم مما يحرر هذا الكلام لو افترضت تنزلًا مع القاضي العثماني بأن فيها هذين الأمرين: إجارة حصة الممول – وهو من ضرورة شركة الملك – وبيع السهام، وهو من ضرورة الشركة، فهناك قاعدة ذكرها الإمام الشافعي " إذا تم العقد صحيحًا فلا يفسده شرط باطل قبله ولا بعده، وإذا تم العقد فاسدًا فلا يصححه شرط صحيح قبله ولا بعده " وأظن أن هذا يساعدنا كثيرًا في موضوع الشركة المتناقصة وفي هذا الحل.
ثانيًا: لو افترضنا تنزلًا مع الشيخ القاضي العثماني بأن هذا العقد يتضمن هذه الأمور الثلاثة – وأنا أخالفه في هذا – فالأمران الأخيران هما ضروريان للشركة وليست أشياء خارجة، إذا كان فيها بيع أسهم فلا أدري هناك قاعدة فقهية أخرى – ولا أظن أننا نستطيع أن نتوسع في هذا – " لا تلزم الوقاية مما لا يمكن التوقي منه "، فإذا كان عقد شركة الملك يوجب تأجيرًا – وهو استثمار مباح – وبعد ذلك هذا الإيجار مع ما أتى به من ربح يوزع بين الاثنين، ثم بعد ذلك يعطى صاحب الشركة جزءًا من قسطه فهذا لا يلزم التوقي منه، إذا كان هذا التحليل ضروريًا ولا أرى أنه ضروري فهو يدخل تحت هذه القاعدة " لا تلزم الوقاية مما لا يمكن التوقي منه " وشكرًا.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أولًا أن أعلق على مسألتين ذكرهما الدكتور وهبه الزحيلي:
الأول: موضوع شركة الملك وقد أغناني الدكتور عبد الستار، ولكن أريد أن أضيف إليها شيئًا قليلًا إلى ما قاله الأخ عبد الستار، فالدكتور وهبه يقول إن شركة الملك هي شركة جبرية، هذا ليس شرطًا في شركة الملك، قد تكون جبرية وقد تكون اختيارية، تكون اختيارًا كما في المثال الذي أورده القاضي العثماني، أرضًا فأصبحت بينهما شركة ملك، وتكون جبرية إذا ورث أخوان أرضًا – هذه شركة جبرية – أما شركة الملك الاختيارية فهي اشتراك طرفين بماليهما وعملهما على أن يشتريا ويبيعا ويكون الربح بينهما مناصفةً أو أثلاثًا، فالفرق واضح بين الأمرين.
أنتقل إلى النقطة الثانية هي النقطة المهمة. الدكتور وهبة الزخيلي أضاف بديلًا إلى ما ذكره القاضي العثماني وهو القرض بفائدة للمضطر، وهذا لا يدخل في موضعنا بتاتًا، أحكام الضرورة معروفة (الضروريات تبيح المحظورات) فإذا كان شخص إذا لم يقترض بفائدة يهلك أو يقارب الهلاك، وأضيف هذا: الضرورة ليس شرط فيها أن يتأكد من الموت، لا، حتى ولو اعتقد أنه سيقارب الهلاك يجوز له أن يقترض بفائدة لمسكن، لأكل، لأي شيء، على أن تحكم الضرورة، في حالة المسكن قد يكون بعيدًا بعض الشيء، لكن الذي أريد أن أقوله هو أن هذا المثال لا دخل له بموضوعنا لأننا نريد بديلًا شرعيًا بالنسبة للمقترض وللمقرض، وليس للمقترض فقط. فلابد أن يكون هذا البديل جائزًا أيضًا بالنسبة للممول، فكيف تتطور الضرورة في حالة الممول؟ ممكن أتصورها أنا في حالة العميل، هذا في المقترض، لكن سيقترض مِنْ مَنْ؟ فهذا لا يمكن أن نتصوره في حالة الضرورة، ولذلك فهذه النقطة ينبغي أن تحذف إذ لا محل لها كبديل، البديل الذي يمكن أن ينظر فيه هو ما قاله الشيخ الطنطاوي بالنسبة لموضوع القرض أو غيره على أن يتحمل هو (المشترط هذا) يتحمل.
الأخ العثماني البدائل التي ذكرها، المسكن الذي يراد التعامل فيه قد يكون مملوكًا للممول، فإذا كان مملوكًا له صار طريقه التي لا شبهة فيها هي أن يبيعه بالتقسيط لمن يطلبه، وهذا ما قاله الدكتور العثماني. ويمكن هذا البيع أن يكون مساومة من غير اعتماد على رأس المال ويمكن أن يكون مرابحة بأن يقول له الممول: هذا المنزل كلفني مائة ألف وأبيعه لك بزيادة عشرة في المائة أو عشرين في المائة، هذا لا شبهة فيه في رأيي، ويمكن أيضًا أن يكون إجارة منتهية بالتمليك، وهو المنزل المملوك للممول، أجره لطالبه وجعل له الحق في أن يشتري هذا المنزل أو جزءًا منه في أي وقت يشاء لكن على أن يكون العميل بالخيار في الشراء، ليس هناك التزام من الجانبين، يكون العميل بالخيار ويشتري بسعر الوقت الذي يريد الشراء فيه، يعني في أي وقت أراد هذا العميل أن يشتري له أن يساوم الممول صاحب المنزل ويتفقا على شراء المنزل كله أو جزء منه، ربعه أو عشره، حسب استطاعة العميل. أما لو دخل من أول الأمر كما قال الشيخ العثماني وأصبح التزامًا من الجانبين، فإن هذا لا يجوز في رأيي واعتماده على مذهب المالكية غير صحيح، وقد تطرقنا لهذه المسألة في المرة الماضية، فالمالكية لهم قاعدة واضحة في هذا، هم يقولون: إن الوعد من طرف واحد ملزم، أما مثل هذه الحالة فيسمونها " المواعدة "، والمواعدة عندهم لا تجوز فيما لا يجوز إنشاؤه في الحال، فهذه لا تصح في مثل هذه الحالات، لا في هذه الحالة ولا في الحالة التي بعدها، يعني كل الأحوال التي ذكرها الشيخ العثماني واستدل عليها بمذهب المالكية غير مقبوله عندي.
الحالة الثانية أن يكون المسكن غير مملوك ويطلب منه العميل شراء المنزل وبيعه له، هذه هي طريقة بيع المرابحة للآمر بالشراء بشروطها التي اتفقنا عليها في الاجتماع السابق، ويمكن أن تكون شركة منتهية بالتمليك، العميل عنده بعض المال يشتريان سويًّا المنزل – شركة ملك كما قال الشيخ العثماني – ثم يعطيه شريكه – الذي هو الممول – يعطيه الحق في أن يشتري أيضًا أي جزء يشاء من نصيبه في أي وقت شاء بالثمن الذي يتفقان عليه من غير إلزام على هذا العميل، وهنا أيضًا الإلزام غير ممكن هذه صورة.
هناك صورة أيضًا هي أن تكون الأرض مملوكة للعميل ويريد البناء عليها، وهذه حادثة واقعة عندنا في السودان ومعمول بها، الإنسان قد يكون عنده الأرض لكنه لا يستطيع البناء فيذهب إلى البنك أو الممول، وهذه ليس لها طريقة سوى الاستصناع، فمع التوسع في مفهوم الاستصناع وعدم حصره في الدائرة الضيقة التي وضعه فيها الحنفية يمكن أن نعتبر بناء المساكن منه، وصورته أن يقدم للبنك الخارطة، ويقول: أريد البناء على هذه الأرض بهذه الصفقة ويتفقان على الثمن مقدمًا، لابد من الاتفاق على ثمن البيع، لا يصح أن يقول له البنك: أبيعه لك بثمن التكلفة زائدة عشرة في المائة، هذا لا يجوز لأن الثمن مجهول، لابد من العلم بالثمن وقت عقد الاستصناع فالممول يعمل هو حسابه ويرى أرباحه وكم يكلفه ويضع عليه الأرباح ويقول له: سأبني لك هذا المنزل بهذه الصورة بمبلغ مائتي ألف ريال مقسطه والاستصناع لا يشترط فيه، ليس كعقد السلم وإن كان هو شبيهًا به في أن المبيع مؤجل لكن لا يشترط فيه أن يكون الثمن حالًّا فيمكن أن يكون بالتقسيط، وهذه هي التي حلت المشكلة بالنسبة للبنوك العقارية التي كانت تقرض بفائدة، هذه هي الصور التي أرى أنها مقبولة ولا اعتراض عليها، وشكرًا.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
بالنسبة للبحوث التي سمعناها بحوث كلها قيمة وكلها تحتاجها المصارف الإسلامية أو المصارف العادية التي تريد أن تنهج النهج الإسلامي. وأود أن أبين بأنه بالنسبة للبنوك العقارية فإنها لا تقوم في موضوع الخدمات، بمجرد خدمات وتأخذ مقابلًا فقط على ما تقوم به من خدمة إنما هي إذا أخذت بمسمى الخدمات تنظر إلى القرض المالي وإلى المدة، فالتسمية في الحقيقة لا تقلب المواضيع، البديل الذي قاله الشيخ الضرير الآن بالنسبة إلى أن البنوك تقوم بالخدمات، هذه بنوك مخصصة إذ يجوز أن تخصص الدولة بنوكًا لهذه الخدمات، فالدولة يمكن أن يكون عندها بنك ويريد أن يخدم الناس ويأخذ على الخدمة حاجة بسيطة وأما إعطاء الأموال كقرض حسن فهذا شيء في الحقيقة لا تدخل لي فيه، إنما البنوك العادية الخاصة حين تسمي هذه خدمات فالحقيقة هذا مسمى مغلوط ما هو حقيقي، إنما تلحظ – وإن سمّت ذلك خدمات، إنما تلحظ المال المقدم والقرض والفائدة للمال وليست الأجرة على الخدمات البنوك الإسلامية الآن تقوم في بيوع الأجل في الوقت الحاضر وهو المعمول فيه سواء عن طريق المرابحة أو عن طريق المساومة، والاستصناع أيضًا عند قيام البنك بالبناء.
عندي سؤال للشيخ تقي الدين وبودّي أن أسأله عن الملكية المتناقصة في السهم، هذا متى يحدد سعره، يعني متى يحدد سعر السهم؟ هذا السؤال الذي أحب أن أسأله، والحقيقة الآن بدر في ذهني توصية أود من المجمع الفقهي الإسلامي أن يوصي البنوك الإسلامية – يعني نحن ليست مهمتنا فقط إصدار الفتاوى بل يجب علينا أن نتابع هذه المصارف الإسلامية حتى لا تقع في الزلل عند الممارسة – فلو أن مجمع الفقه الإسلامي يوصي بالبنوك الإسلامية بما أنها أصبحت قوة اقتصادية فاعلة منتشرة في المعمورة وليست في البلاد الإسلامية فقط إنما هي منتشرة في المعمورة، يعنى أود أن يوصي مجمع الفقه الإسلامي بأن يكون في كل بنك إسلامي فقيه يوجه ويراقب ويدقق في إجراء العمليات حتى لا يقع بالبنك الإسلامي في الزلل والخطأ، وشكرالله لكم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
هذه من المشاكل أو من القضايا التي جاء بها العصر نتيجة أوضاع الانفجار السكاني أولًا، وثانيًا العقلية الجديدة التي أصبحت للفرد وفي العائلة الجديدة من الاستقلال، وثالثًا الإمكانات المادية للدول الإسلامية التي هي إمكانات ضعيفة فهي لا تستطيع أن تلبي حاجات المسلمين وأن تعطي لكل عائلة سكنًا، وحل هذه المشكلة يقع على صورتين:
الصورة الأولى: وهي بناء مساكن كثيرة وكراءها، وهو أمر اتخذه كثير من الناس وكثير من الشركات وكثير من البنوك تبني وتكري أو أن يرغب الإنسان – وهي رغبة أكيدة عند كل إنسان – أن يكون له سكن خاص. وقد أردت بهذه المقدمة أن أبين أن الحل ليس فقط هو أن الناس ليسوا في ضرورة تامة إلا أنه لابد من الملك، فالملك هو رغبة، رغبة في تحسين الحال وليست رغبة ضرورية.
ما تفضل به الشيخ تقي الدين العثماني من عرض عدة صور لحل هذه المشكلة المعروضة، هذه الحلول لابد أن ننظر فيها، ليس فقط من الناحية الشرعية وحدها، ولكن لابد من أن ينظر إلى القوانين الموجودة في العالم الإسلامي، وأعني بهذه القوانين التي تقرها الشريعة كقانون، أنه لابد أن يكون كل عقد من العقود مؤثقًا ومسجلًا، وأن الأرض لا يمتلكها الشخص إلا بعقد مسجل ولا تنتقل من شخص إلى شخص آخر إلا بعقد مسجل، فهذه هي واقعة حقيقة لا بد من أن ينظر الفقيه فيها وأن يكيف فتواه حسب ما هو موجود في العالم الإسلامي.
وبناء على ذلك، فإن البيع (الصورة الأولى) وهو البيع المؤجل مقاصة إما مع بيان الربح أو مع بيان النسبة الزائدة في الربح أو بيع صفقة واحدة بدون معرفة أصل ثمن التكلفة والربح، فهذه مقبولة ولا ينبغي أن يقع فيها إشكال.
كذلك قضية التأجير المنتهي بالتمليك، هي قضية واضحة، التأجير المنتهي بالتمليك وهو أن يتفق صاحب المشروع أو الممول والمستفيد من هذا المشروع يتفقان على أن القيمة الأصلية المعروضة قطعًا هي نتيجة تكلفة زائد الربح الذي يريد أن يربحه الشخص الباعث للمشروع ويتفقان على أن الصفقة واقعة ويأخذ المشتري العقار ويسكنه ثم يدفع أقساطًا هي إيجار، هذا الإيجار ينتهي بالتمليك. ههنا قضية التمليك: كيف تنتقل الملكية؟ وهي مشكلة، هل يجوز أن يكون القسط الآخر أخر قسط هو ثمن الملكية؟ فإن وضع العقار في ذلك الوقت غير معروف ولا يجوز أن يباع الشيء وهو مجهول، لأنه لا يستطيع أن يخلص من جميع الأقساط إلا بعد عشرين سنة، فكيف يكون حال العقار بعد عشرين سنة؟ ولذلك كان المخرج الذي اتفق عليه في كثير من المؤتمرات، هو أن يكون وعد بهبة، أن يعده بأن يهبه، فهذا ملك عند نهاية الأقساط، ويترتب على هذا قضية أخرى موجودة في العالم الإسلامي وفي قوانين العالم الإسلامي وهو أن كل نقل ملكية وإن كانت على طريق الهبة فلابد لها من رسوم، وهذه قضية أخرى أيضًا لابد من اعتبارها.
ولذلك أراد كثير من الناس أن يقع البيع من الأول، وأن تكون الملكية من أول الأمر باسم الشخص الباعث للعقار ويكون الرسم مرهونا عنده - عند باعث العقار - باسم الشخص الذي يؤجر وينفقان على الإيجار وينتهي في النهاية إلى التمليك بدون رسوم عقارية جديدة، وعلى هذه الطريقة لا أرى في ذلك مانعًا.
عندنا الاستصناع، هل الاستصناع حل بديل؟ أنا حسب ما أعرف من المذهب الحنفي أن عقد الاستصناع هو عقد ليس ملزمًا وللطرف أن يتخلى عن العقد، وعقد كهذا لا يصح أن يقوم عليه التعامل بين الباعثين وبين المستفيدين.
الأمر الذي أريد أن أؤكد عليه هو أن صورة العقد إذا كانت حلالًا بمعنى أننا استطعنا أن نكيفه تكييفًا شرعيًا، فينبغي أن لا يقع فيه خلاف لأن العقود إذا افترضنا أن تكون في صورتها حلالًا وفي بواطنها حرامًا وهو أن الشخص الذي قام بها يقصد الحلال في كل عملية من معاملاته وليس يتحايل على ذلك فإننا لا نصل إلى نهاية، لأن قضية الباطل هي قضية عند الله.
قضية جمع عقدين في عقد تكاثر الحديث عنه، وجمع عقدين في عقد أصله الحديث الذي روي ((عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن بيعتين في بيعة)) وتأويل هذا الحديث هو عند الفقهاء تأويل كثير، فالحنفية يئولونه تأويلًا والحنابلة يئولونه تأويلًا والمالكية يئولونه تأويلًا، وبذلك فإن جمع العقدين في عقد هي عقود خاصة نص عليها المالكية أنها لا تجمع، أما الإجارة فإنه يجوز جمعها مع البيع، وأما عند أشهب فهذه العقود كلها يجوز أن تجمع مع بعضها.
قضية أن الضرورة قد تبيح للشخص أن يأخذ بالربا والتي أثارها فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي ثم عقب عليه الشيخ الدكتور الصديق، أعتقد أن ما ذكره الشيخ وهبة الزحيلي ثم ما ذكره الدكتور الضرير فيه نظر لأن الشيخ الضرير يفترض أنه لا يجود من يقرض بالربا لكن قد يكون الإنسان في حالة ضرورة ولا يجد من يقرضه بالربا، والقضية هي هل يعتبر بناء مسكن ضرورة من الضرورات؟ لأنه المندوح عنها هو في الكراء أولًا، وثانيًا ما جاء في الآية فلم يجعل القرآن البيوت هي فقط البيوت المسكونة المبنية الكاملة {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل 80] . فسماها ربنا سبحانه وتعالى بيوتًا، والإنسان إذا رغب في الحلال ليس مشروطًا عليه أنه لابد أن يبني بيتًا بربا، فالبيت يستطيع أن يأخذه بالكراء ويستطيع أن يأخذه بغير الكراء بطريقة أخرى، لكن كونه لابد أن يبني بيتًا وأنه في حالة الضرورة فإنما يكون ذلك في حالات نادرة لا تتجاوز واحد في المائة ألف من أن يكون مريضًا وحالته متعبة ولا يجد مالًا ولا يجد من يكريه ثم بعد ذلك نقول له: إذا كنت في هذه الحالة تخاف على نفسك هلاكًا لك أن تقترض بالربا إذ ذاك! فهي قضية لا ينبغي أن تذكر في الأصل في قرار المجمع، ولكنها قضية خاصة عينية تعرض على الفقيه فيجد لها حلًا إذا ما عرضت بعد عشرات الآلاف من المشاكل.
قضية مقابل الخدمات وهذا أمر خطير جدًا، لأن مقابل الخدمات كنت تحدثت عنه مع جماعة من إخواننا في أحد البنوك الإسلامية التي ترغب في التعامل بالحلال، ووجدنا أن مقابل الخدمات 2.5 % وهو القيمة الربوية التي يدفعها الياباني منذ ثلاث سنوات، ففي اليابان القيمة الربوية هي 2.5 %، ثم إنها رفعت الآن بعد تدخل أميركا إلى 4.25 %، فمقابل الخدمات حسب الحساب الذي قمنا به هو لا يتجاوز 0.90 %، فلابد أن يقال، إذا أردنا أن نأخذ هذا بقرار المجمع، ألا يتجاوز 1 % حتى يكون الأمر مضبوطًا وحتى لا يؤخذ من هذا ذريعة للوصول إلى الربا بطرق غير صحيحة.
كلمة سمعتها كثيرًا، الفوائد الباهظة والفوائد المضاعفة وهذا حرام، هذه جاءتنا من الغرب فقبل أن تقوم المجموعات لحصانة المستهلك ما سموه بحصانة المستهلك من جمعيات وقوانين كانت الفائدة كلها تسمى فائدة (INTERET) ، بالفرنسية وبالإنجليزية كلمة تقابل هذا، فلما قامت جمعيات الدفاع عن حقوق المواطنين انقسم عندهم مفهوم الفائدة إلى قسمين إلى ما يعبر عنه (INTERET) ، إلى ما يعبر عنه (UZUR) ، فجعلوا أن الفائدة إذا تجاوزت المقدار الذي تحدده الدولة فهي من النوع المحرم الممنوع وإذا كانت الفائدة مما تحدده الدولة فهي فائدة وربا ولكنه عندهم حلال وجائز، فإذا أخذ بما جاء على لسان الغرب الذي يبيح الربا ووصف الربا عندنا بكونه ربا باهظًا وبكونه مضاعفًا إلى آخر ما جاء من الكلام فإذًا هذا انحدار إلى تصور غير إسلامي لأن التصور الإسلامي يقول:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} . فكل مقدار زائد عن الحد الأصلي هو ربا حرام لا يجوز.
أما سعر السهم قد يكون الاتفاق على أن سعر السهم ثابت ويكون الكراء ما يتفق عليه، ويكون الربح الذي يريد أن يحققه الممول، ولا بد له من أن يحقق ربحًا وهو ما يتقاضاه من الكراء الذي يمثل ما دفعه والربح الذي أضافه، والكراء المنتهي بالتمليك على هذا الطريق أو الكراء المعين ثم الأقساط التي يدفعها المستفيد هو أمر جائز، فأرجو أن تأخذ لجنة الصياغة مجموعة الاحتياطات كلها والتصور الكامل لهذه القضايا. وشكرًا والسلام عليكم ورحمه الله.
الشيخ خليل محي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لا شك أن سماحة الشيخ المختار عرج على أمر خطير، على البيوت التي أشار بأنها يمكن أن تكون بيوتًا في الظعن وفي الإقامة وربما غاب عن ذهنه أنه في كثير من البلاد حتى الظعن لابد له من إذن، ولا بد من استئجار أرض، فقد ذهبت أيام الظعن التي أشارت إليها الآية الكريمة، وحتى البيت الذي بالاستئجار، لقد وصلت الأمة في مستواها الاقتصادي إلى أن كثيرًا من الناس لا يمكنهم حتى أن يستأجروا.
الرئيس:
ذهبت في البعض يا شيخ، حتى نكون أدق في العبارة ذهبت في البعض وليس في الكل، القرآن ما نستدرك عليه.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
نعم، إن هذا الاستئجار في كثير من الدول مُكْلِف، إن مشكلة الشباب في الزواج ليست مشكلة التملك التي يصبو إليها سماحة الشيخ إنها مشكلة الاستئجار وبينها وبين التمليك شوط بعيد.
ثم إن ما ذهب إليه فضيلة القاضي العثماني من البند الثاني في عقد التمليك والتنزل الذي وصل إليه لا شك أن فيه الحل المعقول ولا ضير فيه وأنه بسطه بسطًا كافيًا، والله أعلم، وشكرًا.
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أن ما كنت أريد أن أقوله قيل الكثير منه في تدخلات السادة العلماء.
المهم هو أن حديثي يؤيد ما دار في حديث الشيخ عبد السلام العبادي من أنه ينبغي على الدولة أن تكون هي الواسطة بين المستفيدين الذين يرغبون في الحصول على المنازل وبين الشركات التي تريد أن تبنيها، وأيضًا أؤيد ما قال إنه من أموال الزكاة يمكن في كل بلد من البلاد الإسلامية أن ترصد للأولويات ومن أهمها بناء المساكن للفئات المستضعفة، وعندما، وعندما نرجع إلى تفسير الآية الكريمة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
…
} إلى آخر الآية، عندما قال تعالى {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ} نجد أن الخلاف حصل بين جمهور العلماء ولكنهم حددوا حدًّا أدنى يمكن أن يعطى للشخص منه، منهم من قال: يكون له دار وجواد إذا كان من أهل الجهاد، ومكتبة إذا كان من أهل العلم، وخادم يخدمه، هذا يدلنا على أن الضروريات منها بيت للسكنى وأنه يمكن أن يعطى له من متحصل الزكاة، ثم عندنا هؤلاء الذين عبر عنهم بالمضطرين، وأنا أشاطر الأستاذ وهبة الزحيلي في كثير من تدخله لكني لا أشاطره في الضرورة الملحة لأن سيدنا عمر لما أتاه أحد الصحابة وقال له إني رجل أعرج ولا أستطيع الصلاة في المسجد فأمر واليه على العراق بأن يبنى له بيتًا بقرب المسجد حتى يؤدي الصلاة من قريب.
فالأضطرار هنا ينبغي أن لا يكون عاملًا على أن نهدر أحكام الربا والاستثناء لم يرد في القرآن، ولم يرد في السنة، فالحرب من الله أعظم مما يتساهل فيه حتى تكون الضرورة الملحة تبيح أن نبيح لهذه الشركات التعامل مع الأشخاص، أما فيما يرجع لعقود الإيجار والتي قيل إنه يمكن أن يكون آخر حصة منها هي التي تؤدي إلى تمليك العقار ولم تكن هناك وثائق موثقة، فهذا نوع من التحايل ونوع من بيع العينة التي قالت فيها عائشة لزيد: (أبلغي زيدًا أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم ينظم العقار ويثبت في الوثائق الرسمية اليوم في مختلف أقطار العالم – وأؤيد ما قاله الشيخ المختار السلامي – فإنه لا يعتبر مملوكًا أمام المحاكم حتى ولو كان أدى ثمنه كاملًا، والدليل على ذلك أنه في حالة موت هذا الذي واعد بالتمليك عند نهاية القسط الأخير من مبلغ الإيجار تكون ورثته متحللة من هذا العقد، ومن يضمن لنا حسن نيته.
فالذي أريد أن أخلص إليه – وإن كان كلامي سبق أن قاله الإخوة – هو أنه في نظري يجب أن لا نفتح المجال للتعاقد بين ضعيف لا يملك شيئًا وشركة تمويل تحاول أن تربح على حسابه، بل ينبغي أن تكون الدولة هي المتدخلة في الموضوع حتى تحمي المعاملات التي تقع بين ضعفائها وبين شركات المساهمة من الربا. وشكرًا.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرى من بعض التدخلات التي أدركتها، أولًا: مسألة الوعد الملزم – كما قال الشيخ الضرير – هذا الوعد ليس موجودًا في المعاوضات عند المالكية وإنما الوعد الملزم هو بتبرعات أكدتها للشيخ العثماني ولكن اعترفت بأن الفروع التي نقلها عن ابن عابدين قد تكون سندًا صالحًا ووافق على ذلك، فقضية الوعد الملزم أرجو أن يبت فيها وألا تبقى دائمًا حجة وليست بحجة.
في مسألة الزيادة مقابل خدمات لا أضيف الكثير على ما قاله – أبو مقبل – أحمد بازيع الياسين وهو أن هذه البنوك ليست بنوك خدمات، الفتوى كانت في بنك التنمية الإسلامي على ما أذكر، وكان بنك التنمية الإسلامي لا يربح بمعنى أن الممولين لا يتلقون ربحًا ، فإذا كانت هذه البنوك العقارية لا تتلقى ربحًا ، وإنما تقوم بخدمة المجتمع وفي نظير هذه الخدمة توظف رسومًا ولا تربح، معناه أن رأس المال لا يزداد، يمكن أن ينظر في هذه القضية. إني أخاف كثيرًا من أن تصدر من مجمعنا فتوى بهذا الصدد يمكن أن تفسر تفسيرًا خاطئًا وأن تفتح بابًا للربا، أعتقد أن مجمعنا لا يريد أن يفتحه وأن النوايا – إن شاء الله – طيبة.
مسألة ثالثة: مسألة الضرورة، كما قال الشيخ الضرير، ليست واردة في مسألة المساكن إلا بعسر، والضرورة كما قال: هي الأمر الذي إذا لم يرتكبه المضطر أو إذا لم يستعمله في الأطعمة هلك أو قارب الهلاك، ما سوى ذلك فإنه من باب الحاجة، والصحيح أن الحاجة لا تبيح محرمًا كما قال الشافعي رحمه الله تعالى:" الحاجة لا تبيح أخذ مال الغير " هذا هو الصحيح وإن كان ابن نجيم والسيوطي فرَّعَا في قاعدة مستقلة بعد أن ذكرا أن الحاجة لا تبيح حرامًا، فرَّعَا على أن الحاجة العامة أو الحاجة الكلية قد تنزل منزلة الضرورة، والمالكية لهم قولان في ذلك، قال صاحب المنهج
" تبيح محظورا ضرورة كما
لذي اضطرار وخلاف علما
فِي كسفاتج ربا وسائس
بسالم وأخصر بيابس"
إلا أنهم افترضوها في مسائل محدودة كمسألة الذي يريد أن يسافر فيأخذ من دار الضرب دراهم أو دنانير ويعطيها تبرًا. إذن الحاجة لا تبيح محرمًا، هذا هو الأصل الذي يجب أن يعتد به.
سمعت كلمة من الشيخ العبادي وهي مسألة الأخذ من الأغنياء للبناء للفقراء، هذه أيضًا تسير في هذا النسق – لا أقول اشتراكي – ولكن النسق الذي يريد أن يساعد الفقراء ولكن أعتقد أن نظرة المسلمين يجب أن تكون نظرة شاملة لسد خدمات الفقراء، بإنشاء المشاريع الكبيرة وبتشغيل العاطلين حتى نجد حلولًا جذرية للفقر، أما أن نأخذ من مال الأغنياء غير الزكاة لبناء مساكن، هذا لا أعرفه جائزًا وأعتقد أنه لا ينبغي أن يصدر عن مجمعنا هذا، وشكرًا.
الشيخ محمد على التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرًا سيدي الرئيس. هناك بعض النقاط أقولها بكل اختصار:
النقطة الأولى: الحقيقة لكي نخرج من مأزق التحايل على الربا علينا أن نوضح العرف الذي هو المقياس في تعيين مصاديق المفاهيم، علينا أن نوضح الفرق بين هذه الصور المعقدة وبين العملية الربوية، وإلا وجدنا العرف يوسع مفهوم حرمة الربا القرض الربوي لتشمل هذه العقود أيضًا رغم أنها بشكلها الموجود ليست قروضًا ربوية، ومن هنا فالذي أعتقده لكي نوضح أمام العرف أن الربا غير موجود في حقيقته ولا في شبهته، علينا إما أن نحذف عنصر الإلزام بالوعد حتى ولو كنا ممن يؤمنون بإمكان الإلزام في الوعود المحضة، ومع ذلك عنصر الإلزام يجب أن يحذف حتى يتأكد العرف أن العملية عملية تبعد عن الربا، وكما قلت العرف هنا يشخص لنا المصداق وليس كما تصور البعض للتشريع، هو يشخص لنا مصداق الأمر وطبعًا إذا حذفنا الإلزام يقل إقبال الممولين على مثل هذه العقود ولكن الهدف الإسلامي يبقى هو الأصل ويكون لكل منهما حقه الاختياري حين إجراء كل عقد، يعني حين إجراء العقد التالي يكون لكل منهما – للممول والعميل، كما عبر سماحة الشيخ العثماني – الحق في أن يقدم على هذا العقد أو لا يقدم، أو أن علينا إبقاء الفواصل الزمنية بين هذه العقود والالتزام بكل مقتضياتها، فإذا اشترى العميل العقار بالوكالة وكان هناك فاصل زمني معقول وتم التلف كان ذلك من ملك الممول أو البنك الذي دفع هذا المال وحينئذ فهناك فارق عرفي معقول بين هذه العملية والعملية الربوية، أما أن نرتب عقودًا كثيرة ونطيل الطريق، فالحقيقة هي أننا نقوم بعملية ربوية ولكن نطليها بطلاءات معقدة حتى تخرج عن حرمتها، الظاهر أننا نسير في هذا السبيل.
النقطة الثانية: ألاحظ أن هناك إبهامًا كبيرًا في قاعدة " بطلان البيعتين في بيعة "، في مفهوم هذه القاعدة وبالتالي في مصاديق تحقق هذه القاعدة، وهل تشمل كل شرط في العقد؟ هل تختص بالشرط العقدي؟ هل تتجاوز حدود البيع إلى كل عقد؟ هل لنا الحق بإلغاء خصوصية البيع والتوسع لكل عقد؟ لذلك أقترح، والبحث مبنائي ومؤثر ونلجأ إليه دائمًا في استدلالاتنا، أقترح أن يطرح كبحث مستقل في هذا المجمع لتعرف حدود هذه القاعدة حتى لا نقع في التطبيقات التي توجب الكثير من التساؤلات.
النقطة الثالثة: أؤيد سماحة الشيخ السلامي في قضية بدل الخدمات، أعتبر أن هذا الطريق طريق وعر وطريق خطير، ويمكنه أن يبرر الكثير من الربا، صحيح أن بدل الخدمات أمر صحيح ولكن يجب أن يحدد طبعًا لا بالحد الرقمي الذي اقترحه فضيلة الشيخ السلامي وإنما بالحد الذي لا يشتبه العرف بربويته. نحن عندما ناقشنا قضية هذا البنك الذي كان يأخذ 2.5 % كبدل خدمة عندما قلنا له ما هي الأموال التي صرفتها في الخدمات؟ هو بيَّن هذه الأموال، وما هي القروض؟ أيضًا بيَّنها، عندما قُسِّمت تبيَّن لنا أنه – كما تفضل - 0.90 %، أيضًا اللجنة اقترحت على البنك أن ينزل إلى حد النصف بالمائة، حتى يتأكد العرف من أن هذا البدل هو بدل خدمات وليس ربا، وهذه نقطة مهمة جدًّا.
النقطة الرابعة: التي أؤكد عليها هي أن الدولة الإسلامية – طبقًا لنصوص لدينا – عليها أن تحقق حد الغنى لكل فرد، يعني هذا هو الهدف الأقصى لها في المجال الاقتصادي، حد الغنى، تعطيه حتى تغنيه، فحد الغنى هنا يعنى حد الاكتفاء الطبيعى للفرد، والاكتفاء الطبيعي بلا ريب يشمل المسكن الطبيعي، ولذلك على الدولة أن توفر هذا المعنى من الزكاة وإن أمكن من الأنفال، وكل الأموال التي تدخل في ملك الدولة وهي في الواقع ملكية عامة والدولة تنوب بها عن الشعب، وإذا لم يمكن ذلك فإن ذلك يصبح مبررًا لضرائب علمة يمكن أن تسنها لتحقق هذا الاكتفاء – طبعًا – مع ملاحظة النمو الاقتصادي العام، وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله.
الدكتور عبد الله الركبان:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابة أجمعين.
لدى بعض الملاحظات. أولًا: أود أن ألفت نظر رئيس المجمع والمسئولين إلى أن تأخر البحوث حال بيننا وبين قراءتها قراءة فاحصة فضلًا عن استيعابها، وأظن أن ذلك ينعكس على تصورنا للموضوعات وما قيل عنها تصوُّرًا جيدًا، ومن ثم تكون المناقشات في الجملة يغلب عليها السطحية.
الأمر الثاني: أود أن أثني على ما تفضل به الدكتور العبادي حول ضرورة التركيز على موضوع البحث بالذات وغض النظر عن الاستطرادات لأنها تضيع فائدة الموضوع.
جانب آخر واقع ولفت انتباهي كثيرًا وهو لا شك ينبع من حرص الذين تكلموا هو أنهم يجنحون كثيرًا على الأخذ بالأحوط، الأخذ بالأحوط أمر جيد والذمة تبرأ به، لكن ذلك لا يؤدي إلى حل المشكلات التي أنشئ المجمع لحلها، وتتطلع الأمة الإسلامية إلى حلول آنية للمشاكل التي تعايشها، وما يقوله البعض من أننا ينبغي أن ننطلق من منطلق إسلامي كامل وأن نأتي بنظام اقتصادي كامل، هذا هدف عظيم والكل يسعى إليه، لكننا ينبغي أيضًا أن نتعامل مع الواقع وأن ننظر إلى حلول مرحلية وهذا لا يمنع أبدًا من أن نعمل في نفس الاتجاه لنعدّ اقتصادًا إسلاميًّا كاملًا، هذا من جانب.
من جانب آخر، وهو يتعلق بما تفضل به الدكتور العثماني حول الوعد الملزم، أو أخذ بوجهة المالكية وقال إنهم يرون أن هذا الوعد ملزم، أو أن بعضهم يرى ذلك، فقد تكلم عنه الدكتور الضرير وتكلم غيره من أن ذلك لا ينصب إلا على التبرعات، أما المعاوضات فلا ينصب عليها، لكن مع ذلك بالنسبة لما تفضل به القاضي العثماني لم يبين وجه ترجيحه لهذا القول، هذا لو فرضنا أنه ينطبق على المعاوضات، ثم ما الفرق بينه وبين الربا ما دام ملزمًا وما دام أن النسبة قد حددت وعلمت؟ . وشكرًا.
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع ما وددت أن أقوله قد تكلم عنه كثير من إخواني ممن سبقوني بالكلام ولكن لي كلمة بسيطة أذكرها بهذا الصدد.
أقول: نحن بصدد إيجاد نظام اقتصادي متكامل فينبغي في الواقع أن نلاحظ ما يلي:
إن بناء المسكن – كما ذكر الفقهاء رحمهم الله وبيَّنه أخواني من قبل – واجب من واجبات الدولة، ولا نغفل دور بيت المال في هذا المضمار، فينبغي مناشدة مؤسسات الدول الإسلامية ذات العلاقة المسئولة بتوفير السكن لكل من يحتاجه.
إن سوء توزيع الثروة في البلاد الإسلامية هو الذي أدى إلى حرمان كثير من الأفراد الذين يقطنون في بلاد فقيرة من أبسط حقوقهم وهو السكن.
إن البنوك الإسلامية المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين تستطيع أن تقوم بمثل هذه المهام في حدود إمكانياتها، وكذلك بإمكاننا أن ننشئ جمعيات إسكان تتولى هذه المهمة على أساس التكافل الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام الحنيف وبيع تلك المسكن بأقساط معلومة مريحة لمن يحتاج ذلك، والله أعلم. وشكرًا.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
إنني أعرض لنقطتين، النقطة الأولى: أود أن أقول إن من جملة صور التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها وتأمينها صورة ذكرها الفقهاء وهي الإجارة مع تعجل الأجرة، إجارة جزء من العقار مع تعجيل أجرته، أو إجارة أشياء أخرى يملكها هذا الشخص، هذه القضية من الناحية الشرعية لا أرى أي غبار عليها لكن ربما الذي يستحق البحث هنا في صدد هذا المقترح هو قضية مدة هذه الإجارة، مدة التعليل، وأن هذه المدة إذا طالت فإن الشخص ربما يلجأ إلى الشراء بدلًا من الاستئجار، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية في بحث الأستاذ العثماني – جزاه الله خيرًا – هناك نقطة لم أجد أنه تعرض إليها وهي مهمة في الحكم الشرعي، فعندما تعرض إلى بيع السهام العميل عندما يريد أن يشتري سهام الممول، كأنني فهمت أنه يشتريها بحصتها من الثمن، والمقصود هنا بالثمن كما فهمته هو ثمن الشراء، ترى هنا أن المسألة مهمة لمعرفة الحكم الشرعي؟ هل الأمر يتعلق بتمويل أم يتعلق ببيع؟ أنا أرى أن الأسلم شرعًا والواجب شرعًا أن يكون البيع هنا بثمن السوق لا بثمن الشراء. وشكرًا.
الدكتور بشار عواد:
بسم الله الرحمن الرحيم.
إخواني، سير المناقشات يسير باتجاه معين وهو ما يسمى بإيجاد الحلول للمشكلات التي يعاني منها المسلمون وتطرح الآراء، وفي هذا الاتجاه مخاطر حقيقية كبيرة، إذ إن الأخوة ينظرون إلى إيجاد الحلول في بعض الأحيان مما قال به بعض الفقهاء أو مما قال به بعض العلماء، ويستندون إليه ويستدلون بأدلتهم.
أعتقد أننا يتعين علينا في هذا المجمع الموقر أن نسير على المبادئ الأساسية، المبدأ الأساسي وهو أن هذا المجمع مؤسسة كبيرة وخوفي من أن تصدر بعض القضايا من المجمع مما يخاف أن يستدل به أو بما يستفاد منه مستقبلًا على حلية بعض القضايا ولا سيما في هذه القضايا الربوية التي يتطلع إليها أصحاب الأموال وكثير من المنتفعين بمثل هذه الأمور.
طرح قبل قليل القول بجواز الاستقراض بالفائدة عند الاضطرار مما نسب إلى الحنفية في بناء المساكن مثلًا، وهذا شيء كما تعلمون مما انفرد به الأحناف وليس لهم فيه سلف، ودليلهم الذي استدلوا به ليس بالقوي، ونحن نقول إذا كان هذا الضعيف المسكين الذي يستقرض لسبب مرضه أو بسبب عجزه كيف سيسد هذه الأموال؟ كيف سيقوم بسداد هذه الأموال التي يستقرضها إن كان ذلك صحيحًا؟ فريما بقاؤه على هذا الحال أفضل له من أن يستقرض ولا يستطيع السداد بعد ذلك.
هذه الفتوى أذكرها لأنه قد استغلت من قِبَل بعض الناس – عندنا كما أذكر في العراق في الخمسينات – حيث أفتى بعض ذوي المذاهب الفاسدة بجوازها عمومًا ومطلقًا وليس على المضطر، وحصلت فيها مشاكل كثيرة، حتى إن كثيرًا من المسلمين بدأوا يأخذون بهذه الفتوى ويستقرضون من البنوك الربوية لبناء مساكنهم وهم ليسوا بحاجة لهذا الأمر.
فرجائي أن يبتعد المجمع ابتعادًا كاملًا عن أي مجال يمكن أن ينفذ إليه لتحليل أي نوع من أنواع الربا، حتى ولو حددت هذه النسبة بنصف بالمائة أو بواحد بالمائة كما تفضل الشيخ السلامي، فهذا لا يجوز لأن هذا شيء قد حدد، مجرد التحديد هو ربا، فرجائي أن نبتعد عن ذلك ابتعادًا كاملًا وأن يبتعد المجمع عن كل ما فيه شبهة.
أقول إن الأخذ بالأحوط هو الأفضل ليس بالنسبة للفرد كفرد، ولكن بالنسبة لهذا المجمع، الأخذ بالأحوط هو الأفضل لأن هذا المجمع مسئول ليس أمام شخص أو شخصين بل هو مسئول أمام الأمة الإسلامية، فينبغي أن لا يصدر هذه الفتاوى إلا بعد دراسة وتمحيص، وصحيح أن هناك بعض الحلول التي ربما يجد الإنسان لنفسه العذر في ارتكابها أو في الأخذ بها لنفسه أو لبعض الحالات الخاصة ولكن لا ينبغي أن يصدر ذلك عن مجمع فقهي يمثل جميع الدول الإسلامية، نحن نقصد من ذلك أننا نريد حلولًا ناجعة نابعة من الفهم السوي للكتاب والسنة وأن نبتعد جهد المستطاع حقيقة عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتهويل الجاهلين. بكل صراحة نقول إن هذا المجمع ينبغي أن يكون حازمًا، لأن المرحلة التي نمر بها اليوم هي مرحلة عصيبة، هي مرحلة العالم كله يتغير فيها، ومما يتغير في هذا العالم تتغير المجتمعات العربية والمجتمعات الإسلامية، فواجب المسلمين الأخذ بالأحوط وإيجاد الحلول الإسلامية لكل مسألة من المسائل. نعم نحن مسئولون أمام الله أولًا ثم أمام المسئولين في دولنا بأن نقدم لهم ما هو متفق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس ما هو متفق مع رأي فقيه من الفقهاء.
الناحية الأخرى أعتقد أن هذا المجمع بحكم تكوينه كفرع متفرع من منظمة المؤتمر الإسلامي الممثلة لجميع الدول الإسلامية يتعين عليه أن يناشد هذه الدول الإسلامية بأن تعمل على حل هذا الإشكال، والحل بسيط وقد جرب في كثير من الدول، نحن لا نقصد بذلك الدول الغنية، ما تفعله الدول الغنية، لا يحتاج إلى دراسة ولا يحتاج إلى مساعدة وإن هذه الدول أنعم الله سبحانه وتعالى عليها بأن قدمت المعونات فجزى الله سبحانه وتعالى القائمين عليها بما وفروه للبلاد والعباد من الخدمات ولكن كيف تعمل الدول الفقيرة؟ إلا ما ينبغي أن يتوجه إليه المجمع باعتباره جهة فقهية، وأعتقد أن هناك حلًّا من الممكن أن يستفاد منه وهو البنوك العقارية التابعة للدولة، نحن نطالب كل دولة من الدول مهما كانت فقيرة الدولة حينما تكون فقيرة لا بد لها من أموال أن تضع في ميزانيتها مبلغًا ثابتًا من المال لا ينقص، يعني يبقى ثابتًا ولمرة واحدة، هذا المال يوظف لخدمة بناء المساكن ومساعدة المحتاجين فمن يستطيع أن يبني على نفقته فليبن، لكن هذا يكون للمحتاج المعسر الذي لا يستطيع أن يبني دارًا له وهو محتاج، وتستطيع الدولة أن تنشىء مصرفًا (بنك) لهذا الغرض يوضع فيه شيء من المال الثابت لا تأخذ عليه أي فوائد بأي شكل من الأشكال، هذا لا تعجز عنه الدولة بل نستطيع - نحن أيضًا - أن نناشد المسلمين المحسنين بأن يساعدوا البنوك عن طريقة أن يقرض هذا البنك قرضًا حسنًا لمدة معلومة من ماله ويعاد إليه ماله بعد ذلك وفي الحديث الصحيح:((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ، فنحن نستطيع أن ننهض بالهمم الإسلامية في نفوس كثير من الأغنياء بدلًا من أن نأخذ من مال الغني، لا يجوز ذلك بأي حال من الأحوال، هناك حدود وضعها الله سبحانه وتعالى على هذا المال ويعطي المال لمن يشاء لكن نستطيع أن نقول له يا أخي هذا أخوك في حاجة إلى مسكن نرجوك أن تتبرع بنصف مليون أو بربع مليون أو بعشرة دنانير أو بعشرين دينارًا في هذا البنك تسهم فيه تقول أضع هذا المال حسبة لله تعالى لمدة سنة أو سنتين أو ثلاث سنين لينفق على بناء هذه المساكن، وهذه المسألة سهلة ويسيرة، لماذا نحن نبتعد ابتعادًا؟ نحن نناقش القضايا التي تقام في الدول الإسلامية والدولة مهما كانت بعيدة عن التطبيق الإسلامي من الممكن أن تستجيب لطلب المسلمين في إنشاء مصرف لا يكلفها الكثير من الأموال، اليوم ميزانيات الدول بمئات وآلاف الملايين، ماذا يكون للدولة إذا وضعت مرة واحدة في حياتها عشرة ملايين أو عشرين مليون في مصرف ثم يساهم فيه المحسنون، لا يساهمون فيه من مالهم يعطونه عطاء نهائيًا بل يساهمون فيه لمدة معلومة.
قصدي من كل ذلك أن نبتعد عن إيجاد الحلول المبسطة وكأن الناس قد انتهوا وكأن المحسنين لم يعد منهم من يعين أخاه في شدته ((لا يؤمن أحدكم)) كيف يكون ذلك؟ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يكون الإيمان – طبعًا – ناقصًا في هذه المسألة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ورجائي الأخير أن يبتعد المجمع عن هذا – لأننا نشعر فيه بخطر كبير – عند إصدار أي فتوى فيها أدنى شبهة فليصدر الأفراد منفردين، أما المجمع فرجائي أن يلتزم الالتزام الكامل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الدكتور درويش جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أريد أن أتكلم في ثلاثة موضوعات: الموضوع الأول هو مسألة النظم العقارية، في كل دولة أو معظم الدول لديها بنوك عقارية تختلف أنظمتها من دولة لأخرى، وكما رأينا، في مصر كيف تكلم الشيخ طنطاوي عن الوضع هناك وحقيقة مسألة أن كل دولة لها نظامها، فكنت أود لو تمت دراسة مقارنة لهذه النظم في ضوء الالتقاء أيضًا بالبنوك الإسلامية، وقدمت للمجمع دراسة لنرى ما هي الأشياء التي يمكن أن نستفيد منها من كل نظام وبالتالي يمكن أن تعتبر موافقة للشريعة الإسلامية وتعتبر حلًّا للمشكلة.
فيما يتعلق بالبنك المصري – مثلًا البنك العقاري – في صفحة سبعة من بحث الشيخ مفتي مصر تكلم عن منح القروض، فإذن هي مسألة قروض ويقول في نفس الصفحة: " كما يجوز للبنك المشاركة في مشروعات التعمير والإسكان واستصلاح الأراضي في إطار الشريعة الإسلامية، ولم يبين ما هي الأطر في هذه الشريعة الإسلامية فكأنه أساسًا يقول إنها هي قروض والقروض تعلمون أنها بفوائد وأيضًا يجوز له، فإذن هنا في رأيي نوع من التفرقة.
النقطة الأخرى التي أريد أن أتكلم فيها أيضًا الإقراض برسم التمليك وهي في صفحة خمسة في بحث الدكتور عبد الله إبراهيم وهذه أيضًا في نفسي منها شيء، في صفحة خمسة يقول: " إن الإقراض برسم التمليك أن المبالغ التي تدفع وتوضع في حساب خاص تستثمر لحساب المشتري وهذا تعقيد، أعتقد – أنا رجل اقتصاد – لكن علماء الشريعة يستطيعون أن يقولوا هذا الكلام، وإذا أنا دفعت له هذه على أنها أجرة فكيف يستثمر المبلغ لحسابه ويبيعني هذه الدار؟ إذن هذا نوه من التعقيد يجب أن ننظر إليه.
فيما يتعلق بالإقراض برسم التمليك، أيضًا تكلم الدكتور عبد الله إبراهيم عن تحديد الربح في صفحة سبعة وكأنه يقول إن للدولة أن تحدد أرباحًا في مشروعات معينة، وأنا أقول نعم ولكن ليس أرباحًا لكن خدمات كما يحدد بنك التنمية الصناعي السعودي خدمة معينة، كما يحدد بنك التنمية الإسلامي خدمة معينة، ولكن هذه الخدمة ليست ربحًا وإلا انقلبت إلى قرض وإلى فائدة ربوية، أما الربح على إطلاقه فهذه مسألة تتعلق بالعرض وطلب النقود بأموال المستثمرين، وأنا كأني أرى أن هناك خلطًا في أذهان البعض فيما يتعلق بدور الدولة، هل نحن هنا في المجمع نريد أن نقول ينبغي على الدولة أن تعمل مشاريع إسكان؟ لا، نحن نريد أن نقول شيئًا واحدًا إذا كان هناك تمويل، التمويل هذا يأتي من قطاع خاص، أكيد لأنهم هم الذين يبحثون فيما يتعلق بتشييد المشروعات العمرانية، صحيح، الدولة لها دور لكن كأني أنا في ذهني أن هنا المطلوب هو ما يتعلق بالقطاع الخاص، تشجيع الأموال على الدخول في مجال التنمية العقارية، هذا يتطلب أن يحسب الإنسان الذي يدخل في هذا المجال تكلفة رأس المال بالنسبة له وبالتالي يريد أن يوظف رأس المال على عشرين سنة، لابد أن يحسب التكلفة بحسب الأسعار الحالية والمتوقعة وبالتالي يخرج بنوع من النسبة المناسبة له في الربح ويدخل في المشروع، هذا فيما يتعلق بتحديد الربح، ونحن لا نستطيع أن نقول لأحد حدد ربحك بكذا أو بكذا.
فيما يتعلق أيضًا بمسألة البناء في أرض لا يملكها، يعني واحد يملك أرضًا ولا يملك التمويل الكافي يذهب لبنك، فالبنك كيف يعطي له، هل يعطي له قرضًا أو يبني له، البنوك لا تبني، البنوك العادية التجارية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية لا تدخل في البناء ولكن تدخل في تمويل المشروعات.
فعندي حل اقترحته من البداية وهو أن نُكوِّن دراسة فيها صور لما يمكن أن يقبل وفيها صور للواقع الموجود في الدول الإسلامية، فأنا عندي حل: يتقدم للبنك ويقول له ابن لي بكذا حسب المواصفات وبعد ذلك أنا أستأجر منك هذا لمدة عشرين سنة أو لمدة خمسين سنة حسب الاتفاق فيعطيه ما يستطيع أن يبني به حسب الاتفاق وتكون الأجرة معروفة سواء يدفعها مالك الأرض أو أن مستأجرًا آخر يأتي ويستأجر الأرض، بمعنى أن هناك حلولًا عملية فلو تكونت بعض الأفكار نستطيع أن نقدم دراسة جيدة للمجمع.
وشكرًا.
الرئيس:
في الواقع إن الوقت تجاوز بنحو نصف ساعة، ويوجد من الذين يطلبون الكلام والذين مقيدة أسماؤهم أحد عشر من أصحاب الفضيلة الأعضاء، فهل ترون أن نختم الجلسة
الأعضاء والخبراء:
موافقون:
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من خلال هذه المداولات ومجموع الأبحاث التي قدمت في موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن تبين أمامنا ثماني صور، والصورة التاسعة التي أشار إليها الشيخ بشار، جائز أن تكون صورة تاسعة، وجائز أن تكون هي على سبيل المناشدة للدول.
الذي أحب أن ألخصه في هذا أن هناك ثلاثة صور: الصورة الأولى وهي البيع بالأجل أو البيع بالتقسيط هذه داخلة في إطار موضوع الجلسة المسائية، البيع بالتقسيط، الشركة المتناقصة، وبعض الصور كذلك داخلة في بعض جزئياتها تحت بحث المواعدة أو الوعد هل هو ملزم أو غير ملزم – وأذكركم بهذا بأن قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت توصل في قراره إلى أن الوعد غير ملزم – وأما ما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك سبق أن صدر قراره المجمع الفقهي بذلك في قراره السادس في دورته الثالثة إضافة إلى هذا هنالك بعض الصور حصل حولها شيء من المناقشات وبعضها لم يحصل حوله شيء من المناقشات فيما يحضرني الآن لأنني لم أقيد حولها شيئًا إلا إذا كان فات علي.
النقطة المهمة هو أنه ينبغي أن يلاحظ في صياغة وإعداد القرار أن لا تكون الحلول نظرية وإنما يكون لها واقع عملي لمعرفة مدى إمكانيات أو الوضع للعالم الإسلامي ومدى انسحاب هذه الحلول وتطبيقها في دول العالم الإسلامي أو في بعض دول العالم الإسلامي، نظرًا لارتباط هذا الموضوع ببيع التقسيط في بعض صوره فقد ترون الموافقة على تأليف لجنة من كل من: الشيخ تقي العثماني، الشيخ الصديق الضرير، الشيخ المختار السلامي، الشيخ رفيق المصري، الشيخ العاني، الشيخ أحمد بن حميد. هل أنتم موافقون على هذا؟ هي صورة ثمانية التي تلخصت لدينا منها الاستصناع ومنها الإقراض برسم التمليك، وقلت أنا إنه جرى حولها مناقشات ولكن لم أذكر أعيانها إنما ذكرت الصور التي برزت في هذا الموضوع.
إذن تمت الموافقة على ذلك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (52/1/6)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن هذا مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها)
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
1-
إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قلت أو كثرت، هي طريقة محرمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا.
2-
هناك طرق مشروعة يستغنى بها عن الطريق المحرمة، لتوفير المسكن بالتملك (فضلًا عن إمكانية توفيره بالإيجار)، منها:
أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن قروضًا مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساط ملائمة بدون فائدة سواء أكانت الفائدة صريحة أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم (1) للدورة الثالثة لهذا المجمع
أن تتولى الدول القادرة على إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالأجل والأقساط بالضوابط الشرعية المبينة في القرار (53/2/6) لهذه الدورة.
أن يتولى المستثمرون من الأفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالأجل.
أن تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع – على أساس اعتباره لازمًا – وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل جميع الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم.
ويوصي:
بمواصلة النظر لإيجاد طرق أخرى مشروعة توفر تملك المساكن للراغبين في ذلك.
قرار التأجيل للدورة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (7)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ/10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد عرض موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها)
قرر:
تأجيل النظر في موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها) لإصدار القرار الخاص به إلى الدورة السادسة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.
والله الموفق.