المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضة

إعداد

فضيلة الشيخ محمد عبده عمر

باحث بالمركز اليمني للأبحاث الثقافية عدن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم.. وبعد:

فهذا بحث في زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة، مقدم إلى الدورة السادسة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي - جدة.

وقبل الدخول في مقدمة البحث يجب التنبيه على أن مسار البحث يقتضي الإشارة إلى أن الأجنة المجهضة عمداً كعملية تجارية كما هو اليوم في غالب الغرب الرأسمالي أو حتى بدون عملية تجارية ليست داخلة في بحثنا كونها معلومة التحريم من الدين بالضرورة. وإنما الذي يدخل في بحثنا هذا إنما هي الأجنة التي تعطى حكم انعدام الحياة بالضرورة ويكون إجهاضها من الأمور الطبيعية التي لا دخل فيها للإنسان قطعا لباب سد الذرائع، فهذا هو مناط البحث ومتعلقه؛ وهذا أوان الشروع:

المقدمة:

نظراً لكون الموضوع من الأمور المستجدة بعد أصحاب المذاهب الأربعة حيث لا يوجد فيها - حسب علمي - نص من كتاب ولا سنة ولا قول إمام من أئمة علماء الإسلام. بالإضافة إلى كونه من المواضع التي قد تلتبس أبعاده وغاياته الشرعية. لذا فلا بد من بسط الموضوع في هذه المقدمة تطبيقاً للقاعدة الأصولية التي تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره. من هنا يمكننا أن نتصور إنساناً قد تعرض لحادث مفجع وخرج منه مجدوع الأنف مقطوع الأذن مكسور الرأس مبتور الذراع والساق مفقوء العين مهشم الأسنان والفكين مشلولا في أحد الطرفين فاقداً لبعض دمائه وجلده وعظامه إلى آخر هذه العاهات التي تترك بصماتها وتشوهاتها على الإنسان المصاب. ولو فرضنا بأن هذا الإنسان يمكنه أن يعيش، فإنه عندئذ سيكون أشبه بحطام كائن حي لا فائدة فيه ولا مأرب في حياته؟ ما رأي الإسلام وشريعته الخالدة بعد أن تجاوز العلم هذه الصورة المأساوية التي كانت في الماضي لا علاج لها إلا الموت؟ لكنها لن تكون كذلك في عصرنا الحاضر أو المستقبل، حيث أصبح العلم اليوم يصلح عيوبه ويرمم ما تهدم منه، وبالتالي تختفي كل إصابة حلت به ويعود إلى الحياة بدون عاهات. لقد كانت هذه المنجزات العلمية بالماضي أضغاث أحلام أو شطحات خيال، لكنها أصبحت في عالم اليوم حقيقة بفضل التقدم المذهل الذي حققته وتحققه العلوم التجريبية خاصة فيما يتعلق بقطع الغيار البشري التي بدأت تغزو أسواق العالم وتنتشر فيها كتجارة رابحة تدر آلاف ملايين الدولارات كل عام.

ص: 1460

فلم يعد الطبيب أو الجراح أو الصيدلي هو المسؤول الوحيد عن مشاكل الجسم البشري بل دخلت في ميدانه تخصصات أخرى جديدة لم يكن أحد يسمع بها أو عنها من قبل ذلك، لقد أثبت العلم بأن الجسم البشري ينطوي على أسرار مذهلة وأحكام متقنة، وكأنما هو قد جمع في داخله كل أساسيات العلم أو التكنولوجيا الحديثة، ولكي ندرك كيف يشتغل فلا بد أن نتعلم منه الشرائع والأحكام والقوانين التي تهيئ له من أمره رشداً، ولا شك بأن ذلك يستلزم جيشا متكاملاً من العلماء ومن كل التخصصات حتى لكأنما هذا الجسم قد أصبح كوناً قائما بذاته أو كأنما ينطبق عليه قول المتصوف الإسلامي محيي الدين بن عربي: أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟ تلك نظرة تصوفية شاعرية صحيحة ولا شك أنها قد سبقت زمانها، ذلك أن البعض ينظر إلى الجسم كآلة حية على درجة هائلة من التعقيد والكفاءة والتنظيم وبحيث يتعلم منها العلماء كل يوم جديد فيرون فيها آيات من الخلق المذهل الذي يستحق الإعجاب والتأمل والدراسة، ولا يختلف في ذلك المتخصصون في العلوم الطبية أو البيولوجية من علماء الكيمياء أو الفيزياء والهندسة والكهربة والإليكترونيات، وعلى علماء الرياضيات الذين يحاولون استنباط المعادلات أن يعلموا بأن فن صناعة الجسم البشري والأسرار العلمية التي لا زالت مجهولة فيه والمودعة في كيانه والتي لو وصل العلم إليها لاحتارت عقول علماء كنا نعدها رائدة في هذا المجال، عليهم أن يعلموا بأن هذا الجسم هو من صناعة العليم الخبير الذي أتقن كل شيء صنعاً، والقائل:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} علهم يدركون بمعادلاتهم التنسيق المتقن والتوازن المقدر بحيث يضعون أمام تخصصاتهم الأخرى نتائج معادلاتهم التي قد تنبئهم بما خفي عليهم من أسرار في داخل الجسم الإنساني. ولا غرو إذاً أن تظهر في عصرنا الحديث علوم عديدة يجتمع فيها أكثر من تخصص ليخدم بعضها بعضأ، وبهذا تنجز ما لا يمكن أن ينجزه تخصص واحد، فخرجت إلى الوجود تخصصات جديدة تعرف بأسماء شتى إلا أن هدفها واحد هو خدمة الجسم البشري في أمراضه وعاهاته وتشوهاته وبهذا أصبحنا نسمع اليوم عن درجات علمية تمنحها المعاهد والجامعات لخيرة أبنائها.

ص: 1461

كل هذا وغيره تكون فيما بينه فريقاً متألفاً من العلماء ليتعاونوا فيما بينهم فتأتي ثمرات هذا التعاون بتطورات طبية عظيمة لم تكن تحلم بها الإنسانية من قبل وتمخض عن ذلك قطع غيار بشرية لتحل محل الأجهزة الطبيعية التي توقفت عن العمل. فأصبحنا نسمع عن عدسات وعيون صناعية أو تلفزيونية وقلوب ورئات وكلى صناعية وتوصيلات إلكترونية ومفاصل وأطراف صناعية وسبائك معدنية وغير ذلك من أجهزة ومواد تدخل في الجسم البشري كبدائل لتحل محل أعصابه ولحمه وعظمه ومرافقه الحيوية التي يؤدي عطبها إلى موت أكيد، لكن قطع الغيار البشرية أو الصناعية التي أخذت من أسلاك ومعادن وأجهزة كهربائية قد تقوم بوظيفة الجزء المعطوب وتدفع بالجسم إلى مواصلة الحياة وتبعث الأمل في نفوس الملايين من المرضى والمعذبين، وقد جرت سنة الله أن كل شيء يبدأ متواضعاً ثم يتطور إلى الأحسن دائما. وذلك بفضل الأفكار الخلاقة وتقدم فروع العلم المختلفة والتعاون المثمر بين علماء من تخصصات متباينة. ففي بداية القرن العشرين ظهرت إلى حيز الوجود محاولات جادة لإنتاج أسنان صناعية وعيون صناعية وأرجل صناعية وما شابه ذلك إلا أن النوعيات كانت متواضعة ثم تطورت الأمور إلى الأحسن وتحولت اهتمامات العلماء إلى إنتاج قطع الغيار للأعضاء الداخلية الحيوية وتم فعلاً إنتاج أول كلية صناعية في الأربعينات من هذا القرن وتبعها في أوائل الخمسينات أول إنتاج لقلب ورئة صناعيين يستخدمان أثناء إجراء العمليات الجراحية في القلب لفترة محدودة ثم الاستعاضة عن المفاصل الطبيعية التالفة بأخرى معدنية أو خزفية. والآن ظهرت إلى حيز الوجود شركات طبية آخذة بالتنافس لتطوير تلك الأعضاء وجعلها أكثر كفاءة وأطول عمراً وأقل تكلفة وأتقن أداة وواقع الأمر يجد المتتبع لتطور العلوم الطبية في هذا المجال بأن بحوث قطع الغيار البشرية تسير في طريقين إلا أنهما في النهاية يخدمان نفس الهدف، أي تغيير العضو المعطوب بأجزاء أخرى سليمة، فطريق منها يستخدم الأنسجة والأعضاء الطبيعية السليمة من إنسان لزرعها في إنسان آخر يحتاج إليها، والطريق الآخر يعتمد على تصنيع قطع الغيار من خامات مختلفة بحيث تؤدي نفس الهدف ولأطول فترة ممكنة.

ص: 1462

وطبيعي بأن الطريقين اللذين يسلكهما العلماء في التعامل مع قطع الغيار الطبيعية والصناعية تعترضهما عقبات شتى وعويصة، وأكبر مشكلة تواجه زراعة الأعضاء الطبيعية هي مقاومة الجسم الحي لأي نسيج أو عضو غريب حيث إن الجسم لا زال يستخدم أسلحة المناعة في ضرب الجزء المزروع حتى يلفظه أو يبيده من ميدانه ولم يتغلب العلماء على مقاومة الجسم أو تعطيل أسلحته الدفاعية إلا أنهم حققوا بعض النجاح في هذا الميدان خاصة في زارعة الكلى وصمامات القلب وبعض الأنسجة، ولكي تعيش فإنما يعتمد ذلك على من يعطي هذا العضو أو يهبه، فالعقبة هنا هي عدم توافر هذه الأعضاء الطبيعية لكل من يطلبها. من أجل هذا لجأ العلماء إلى فكرة تصنيع بدائل عن الأنسجة والأعضاء البشرية، وعلى الرغم من أنهم قد حققوا في هذا المجال أهدافاً رائعة إلا أن الشيء الصناعي لا يقارن بالشيء الطبيعي لا في كفاءته ولا في تحمله أو حجمه أو وزنه وتكلفته. لو أخذنا الكلية الصناعية - على سبيل المثال - نجد أن المصاب بالفشل الكلوي المزمن ترتبط حياته بجهاز معقد وكبير ومكلف، ويحتاج إلى رعاية طبية طالما كان أسير هذا الجهاز الذي يزوده مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع وتظل دورته الدموية تدور في هذا الجهاز لمدة تتراوح ما بين 4 - 6 ساعات في كل مرة حتى يتمكن تخليص دمه من السموم والنفايات التي تجمعت فيه لو قورنت بالكلية الطبيعية التي لا يزيد وزنها عن 150 جرام وهي مزودة بحوالي مليون وحدة ترشيح دقيقة وكفاءتها لا يعلى عليها لدرجة أن نصف أو حتى ربع كلية طبيعية سليمة تكفي لتخليص الجسم من نفاياته الذائبة في دمائه وتلك نعمة كبرى لا يشعر بها حقاً إلا كل من افتقدها وما أكثر النعم التي زودت بها أجسامنا ولا نقدرها حق قدرها ولمعظم أجزاء الجسم التالفة الآن قطع غيار كثيرة تم تصنيعها من مواد مختلفة. وبحوث قطع الغيار البشرية لازالت تقدم لنا كل عام علم جديد بحيث يصبح الإنسان في المستقبل القريب أو البعيد يجمع في تكوينه أجهزة طبيعية من شحم ودماء وعظام وأخرى من بلاستيك ومعادن وخزف وتوصيلات كهربائية

إلخ.

ص: 1463

فهناك الآن عشرات من قطع الغيار البشري الصناعية التي يمكن أن تحل محل الأجهزة التالفة، فالقلب وحده له أكثر من قطعة غيار، وهناك الآن مئات الألوف من البشر أو ربما الملايين قد عطبت أجزاء من قلوبهم لسبب أو لآخر وهم يعيشون الآن بعد تغيير الأجزاء المعطوبة بأخرى طبيعية أو صناعية، فالمنظم الطبيعي لنبضات القلب عقدة عصبية صغيرة قد يفشل في إمداد القلب بالشحنة الكهربائية التي تجعله ينبض باستمرار وانتظام وبمعدلات أكبر عند بذل المجهودات الجسدية، وقد أمكن استبداله بمنظم صناعي صغير يزرع تحت الجلد ويشتغل ببطارية دقيقة، وهناك الآن عشرات الألوف يعيشون بمنظمات قلوب صناعية ولسنين طويلة خاصة بعد أن أدخل العلماء تحسينات أساسية على البطاريات لتعيش لأطول فترة ممكنة كما حدثت أيضاً تطورات في التوصيلات الكهربية الدقيقة التي تصل البطاريات بعضلة القلب، إذ كانت في الماضي تنهار بفعل التآكل والتفاعل الحاد بينها وبين الجسم. إلا أن عملية الانهيار الآن أصبحت غير واردة بعد اختراع مادة جديدة من المطاط السيليكوني الرملي الذي يستخدم الآن كثيراً في أغراض طبية شتى، إضافة إلى تحسين آخر حدث أضيف إلى هذا المنظم وأصبح مبرمجاً عن طريق حاسب إليكتروني وليس معنى ذلك أن البحوث لن تتناول مرافق الجسم الحيوية الأخرى بحيث لن يكون لمن قطعت يده أو ذراعه أو ساقه أمل في استعادتها، بل هناك أمل. ذلك أنه أمكن التوصل إلى إنتاج بنكرياس صناعي ليمد الجسم بالأنسولين وبداية كبد صناعي ليقوم بكثير من وظائف الكبد وأذن صناعية تسمع الأصم ونواة عين صناعية تجعل الأعمى بصيراً وطرف يتحرك بإيحاء من المخ

إلخ. هذه الإنجازات الهامة والمثيرة في عالم العلوم الطبية التجريبية يعطي المؤشر نحو مستقبل العلم في هذا المجال الحيوي الهام، وأن ما قد نفشل فيه اليوم قد ننجح فيه غداً خاصة وأن الأفكار والبحوث والكشوفات تتطور بسرعة مذهلة، وقد قصدت بهذه المقدمة ما أشرت إليه في بدايتها، وهو أيضاح أبعاد الموضوع لكون الحكم أو الفتوى لا تكون إلا في موضوع واضح، وهذا ما قصدت من الإسهاب فيه وسوف نثبت مراجع النقل في قائمة المراجع.

ص: 1464

البحث الشرعي في الموضوع:

لا شك بأن تصدي مجمع الفقه الإسلامي لمثل هذه المواضيع المستجدة وبيان حكم الشرع فيها يعتبر خطوة جبارة لها وزنها العلمي والحضاري في عالم اليوم ولبنة جديدة في صرح الفقه الإسلامي الشامخ الذي اعتصرت فيه عقول جهابذة العلماء من السلف والخلف - رضوان الله عليهم أجمعين -. لقد تقدمت الإشارة إلى أن هذه النازلة من النوازل التي لم يرد بشأنها نص من كتاب أو سنة. ومن هنا أطلق علماء الأصول على أمثال هذه الحالة اسم المصالح المرسلة: وعرفوها بأنها "كل مصلحة غير مقيدة بنص من الشارع يدعو إلى اعتبارها أو عدم اعتبارها، وفي اعتبارها مع هذا جلب نفع أو دفع ضرر" والشارع الإسلامي هو الذي يستهدف في أحكامه تحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم وهو أيضاً الذي يقدر ما إذا كان عملاً معيناً يحقق لهم مصلحة، أي يجلب لهم نفعاً أو يدفع عنهم ضرراً والمصالح التي أدخلها الشارع في اعتباره قسمها الأصوليون إلى ثلاثة أقسام: مصالح معتبرة، أي قام الدليل على اعتبارها. مصالح ملغاة، أي قام الدليل على إلغائها. مصالح مرسلة، أي لم يقم دليل على اعتبارها أوإلغائها، وهذ االقسم الثالث - أي المصالح المرسلة - هو الذي ينطبق على موضوعنا لكننا قبل أن نلج الموضوع نشير هنا بإيجاز إلى الصنفين السابقين - أي المصالح المعتبرة والمصالح الملغاة - حتى يتجلى صلب البحث للمصالح المرسلة. فنقول: بأن المصالح المعتبرة تنقسم على نفسها إلى ثلاثة أقسام:

ا - مصالح ضرورية: وهي التي تتوقف عليها حياة الناس في الدنيا والآخرة، وبدونها تتوقف الحياة وتنحصر في المحافظة على خمسة أمور، هي: الدين، النفس، العقل، النسل، المال. وهي ما يعرف عند الفقهاء بالكليات الخمس.

2 -

مصالح حاجية: وهي التي لا تحقق مصلحة ضرورية، ولكنها تدفع الحرج والمشقة عن الناس، مثل: إباحة بعض صور المعاملات.

3 -

مصالح تحسينية: وهي التي لا تستهدف المحافظة على مصلحة ضرورية ولا حاجية، ولكنها تستهدف الأخذ بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق والوصول بالمجتمع إلى الكمال الإنساني. ومصالح ملغاة: أي قام الدليل على إلغائها مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا رهبانية في الإسلام)) .

ص: 1465

أما المصالح المرسلة: فهي التي تعتبر دليلاً مستقلاً تبنى عليه الأحكام عند القائلين بها إذا كانت تحقق نفعاً للناس أو تدفع عنهم ضرراً. ويتبين من التعريف السابق بأن المصالح التي شهد لها الشارع بحكم معين لا تعتبر من قبيل المصالح المرسلة، بل يعتبر حكمها ثابت بنص الشارع. كما أن الأسباب التي تدعونا إلى الاعتماد على قاعدة المصالح المرسلة في استحداث الأحكام الشرعية يمكن إجمالها في أربع قواعد، هي: جلب المصالح، درء المفاسد، سد الذرائع (أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال الأحكام الشرعية والتحايل عليها) تغير الزمان (وهو ما يعبر عنه بالقاعدة الشهيرة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان) والمصالح المرسلة؛ وإن كانت تتفق مع الاستحسان في الغاية إلا أنهما يختلفان من حيث إن الاستحسان صوروه على أنه استثناء من القواعد التي يوجبها القياس، وخاصة استحسان الضرورة كما نص الأصوليون على ذلك. أما المصالح فهي أعم من ذلك لأنها تشمل الاستحسان، وتشمل أيضاً الحالات التي توجب المصلحة إقرارها، ولا يقوم دليل من الشارع على اعتبارها أو عدم اعتبارها، فتكون المصلحة هنا هي الدليل الوحيد الذي تبنى عليه الحكم. ومن هنا اعتبرها المالكية أصلاً مستقلاً بذاته تبنى عليه الأحكام. ذلك أن المصلحة المرسلة عند المالكية تطبق في حالتين: الأولى: إلا يكون في الموضوع قياس محمول على نص وحينئذ تكون المصلحة هي الدليل وحدها. والحالة الثانية: هي ما إذا كان اطراد القياس يؤدي إلى الوقوع في حرج أو ينافي مصلحة ظاهرة، فحينئذ يترك القياس لهذا النفع المجتلب، ولذلك الضرر المجتنب وإن سمي هذا النوع الذي قوبل بالقياس استحسانا، ومن هنا نجد جوهر الاستحسان عند الحنفية والقائلين به يتفق مع جوهر المصالح المرسلة عند المالكية والقائلين به أيضاً. غير أن المالكية بنوا نظريتهم في المصالح المرسلة في تاريخ لاحق لنظرية الاستحسان عند الحنفية، فجاءت نظرية المالكية أوفى وأوسع وحظيت بصياغة فنية دقيقة برزت في مذهبهم واشتهروا بها، وواقع الأمر أن الحنفية عندما سلموا بالاستحسان الذي يقضي بالعدول عن القواعد القياسية إلى الأخذ بما هو الأوفق للناس وأيسر لهم والالتفات إلى المصلحة والعدل قد اعتمدوا على المصالح المرسلة في تقدير هذه الاستثناءات وإن سموا هذا الاستنباط استحساناً، وهو أيضاً الذي يسميه بعض الأصوليين باستحسان الضرورة. أما المالكية فلم يقفوا في الاعتماد على المصالح المرسلة عند حد ترك القياس الذي يؤدي اطراده إلى خلاف المصلحة، بل جاوزوا ذلك النطاق إلى حد اعتبار المصلحة المرسلة دليلاً مستقلاً تبنى عليه الأحكام، فتكون هي الدليل عندما لا يوجد دليل سواها.

ص: 1466

شروطها: اشترط الفقهاء القائلون بالمصلحة المرسلة كمصدر للتشريع عدة شروط أجملها الشاطبي في ثلاثة: أحدها: الملاءمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته. الثاني: أن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل منها وجرى على المناسبات المعقولة التي إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول فلا مدخل لها في التعبدات وما يجري مجراها من الأمور الشرعية لأن عامة التعبدات لا يعقل لها معنى على التفصيل. والثالث: أن حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري ورفع حرج لازم في الدين. ويتبين من ذلك بأن القائلين بالمصلحة المرسلة كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي قد اشترطوا لاعتبارها كذلك شروطاً، منها: أن يكون ذلك في مجال المعاملات لا العبادات، لأن هذه الأخيرة ثابتة لا تتغير فضلاً عن أنه لا يجوز إعمال العقل والفكر فيها؛ ومنها: أن يستهدف بناء التشريع على المصلحة جلب نفع أو دفع ضرر؛ ومنها: أن تكون المصلحة التي يشرع من أجلها حقيقة وكلية، ومن ثم تستبعد المصلحة المتوهمة وتستبعد الجزئية، فلا يشرع حكم بناء على مصلحة خاصة بفرد معين بغض النظر عن بقية الناس، بل لا بد أن تشمل المصلحة أكبر عدد من الناس فتجلب لهم النفع وتدفع عنهم الضرر؛ ومنها: إلا يعارض التشريع الذي بنى على المصلحة مقصداً من مقاصد الشريعة ولا دليلاً من أدلتها.

والمتتبع لأحكام الشريعة يجد أنها قد رتبت هذه المقاصد وما شرع لها من أحكام على أساس أن الضروريات تأتي في المرتبة الأولى ثم تليها الحاجيات ثم التحسينيات. وبالتالي ترتب على ذلك أن كل مصلحة تختلف درجة طلبها قوة وضعفا تبعاً لقوة وضعف ما تحققه من مقاصد بحسب موقعها من الأقسام الثلاثة سالفة الذكر، ويتدرج الحكم من الوجوب إلى الندب إلى الإباحة وكل فعل ينافي مقصداً من المقاصد الثلاثة يعتبر مفسدة ينهى عنها الشرع، وتتوقف درجة المنع على نوع المقصد الشرعي الذي تخل به ويتدرج الحكم من التحريم إلى الكراهية، ومن المعلوم أن كل فعل من أفعال الناس يتضمن تحقيق مصلحة أو وقوع مفسدة أن يحقق نفعا أو يجلب ضرراً واعتبار الفعل مشروعاً أو ممنوعاً يتوقف على رجحان نفعه أو ضرره. وتقدير ذلك متروك للشارع وليس لأهواء الناس ومقياس الصلاح والفساد يستفاد من قواعد الشريعة ومقاصدها.

ص: 1467

إن حفظ الكليات الخمس واجب شرعاً عند العلماء، ومن ذلك حفظ النفس بإنقاذ حياة نفس أخرى أو سلامة عضو من أعضائه بنقله من حي أو ميت بحيث يقدمان صورة متكاملة من المعالجة التشريعية الدقيقة لهذا الموضوع وفقاً لأحكام الشريعة. قال الإمام الشاطبي: لما كانت المصالح الدنيوية لا يتخلص كونها مصالح محضة، وإنما تكون على مقتضى ما غلب، فإن كانت المصلحة هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتبار فهي مقصودة شرعاً، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. وقريب من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده حيث قال: وما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كانت الغالبة السلامة، فإنه يجوز قطعها. وهكذا كان الحكم صراحة في جواز قطع عضو إنسان لضمان استمرار سلامة البدن ونظيره شق بطن المرأة على الجنين المرجو حياته لأن حفظ حياة الجنين أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه. فالمصلحة ما دامت هي المقصودة من التصرف لا تمنع بمجرد وقوع المفسدة مادام أن المصلحة هي الراجحة. ويقول العز بن عبد السلام: ربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح المحققة. والشريعة الإسلامية إنما تهدف بالجملة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وحيثما تكون المصلحة راجحة، فثم شرع الله تعالى. والنفس البشرية معصومة ومحترمة، ولذا تعلق بها حق الله تعالى حتى لا يبلغ بها أصحابها في وقت من الأوقات أو في بلد من البلدان إلى مرتبة السلعة تباع وتشترى ولا يخفى ما في ذلك من إهدار الآدمية الإنسانية وهدم لبنيان الرب كما جاء في الأثر: الجسم بنيان الرب، ملعون من هدمه: أي ظلما وعدواناً من غير وجه حق. ومما تقدم نخلص إلى القول بأن الإيصاء بعضو من الأعضاء في حال الحياة على أن يفصل من الموصي بعد الوفاة لينتفع به آخر تتوقف حياته عليه، أو عضو من أعضاء الجنين في موضوع البحث الذي أجهض بدون أي اعتداء على حياته بقصد الاستفادة منه، سواء أكان ذلك الجنين ميتاً أو فيه حياة أثبت الطبيب الشرعي بأن الحياة التي فيه في حكم العدم، وأن من مثله لا يمكن أن يعيش. فإن مما يرتبط بهذا المبدأ عدم جواز المتاجرة بأعضاء الإنسان، والبعد عن كل ما يؤدي إلى التشويه والمثلة والمحافظة على حياة الإنسان والتنديد بكل ما يضره ويؤذيه وترتيب الأجزية الرادعة على كل عدوان عليه بقتله، أو إتلاف عضو من أعضائه مما هو معروف في أحكام القصاص والديات، وأن مما ينسجم مع هذا المبدأ جواز الانتفاع بعضو الإنسان الآخر إذا كان يحفظ حياة المنتفع به دون أن يضر بالمنتفع منه، وأن ذلك لا يجوز في حالة الإضرار بالمنتفع منه أو تسبب هلاكه، لأن حق الحياة في الناس في نظر الشريعة واحد، والضرر لا يزال بالضرر ولا بمثله، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

ص: 1468

ولا شك بأن الشريعة الإسلامية قد حثت على التداوي ودعت إليه، وبينت أن لكل داء دواء، وما على الإنسان إلا أن يبحث وينقب ليكشف المرض والعلاج؛ والأحاديث النبوية في ذلك معروفة. إن من مقاصد الشريعة وأهدافها السامية والأساسية في المجتمع الإنساني رعاية المصالح وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن هذه الرعاية للمصالح تقوم على نظر متكامل يقدم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات، بل إنها في إطار الضروريات تقيم نسقاً دقيقاً للمفاضلة بين المصالح عندما تتعارض: - الضرورات تبيح المحظورات؛ والضرورة تقدر بقدرها؟ والحاجة تنزل منزلة الضرورة.. إلى غير ذلك. وأن إقراره عليه الصلاة والسلام بأن لكل داء دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، يفتح باب العلاج على مصراعيه ويمهد السبل أمام الباحثين لاستكشاف الأدواء وما لم يعلم بالأمس ربما يعلم اليوم أو غداً هذا مع أن الإسلام جاء لعلاج الأرواح من ظلمات الأخلاق والسلوكيات التي تجعل الجسم يعيش معتلاً. وهذا ما يصلنا إلى الاستدلال في هذا الموضوع بعموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبعد ذلك القواعد الفقهية والمبادىء العامة التي استنبطها الفقهاء المسلمون من تلك العموميات والإطلاقات لنفرع عليها من الأحكام في موضوعنا، وسوف نشير إلى بعض تلك الآيات والأحاديث في صفحة واحدة ملحقة بهذا البحث كمؤيدات على وجه العموم للمعنى الفقهي الواسع وتوحيداً لنظرية التطابق مع القواعد الأصولية التي سقناها في صلب الموضوع كنظرية تبنى عليها الأحكام الشرعية عندما لا يوجد دليل غيرها كدليل ينص على مأخذ الحكم الشرعي من الدليل. علما بأن إحياء النفوس مطلب شرعي صرحت به الآية الكريمة. قال تعالى:{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائدة: الآية 32] . لقد استبط الفقهاء قواعد فقهية وضوابط أصولية تعتبر بمثابة الأصول لمسائل تفرعت عليها الأحكام، ومن ذلك قولهم: المشقة تجلب التيسير: وهي القاعدة الرابعة من قواعد الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي. ويخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، وعد منها المرض ومن رخصة التداوي بالنجاسات وبالخمر على أحد القولين وتخرج على هذه القاعدة قولهم: الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق. وسوف نشير إلى بعض هذه القواعد العامة في المؤيدات بعد الإشارة إلى الآيات والأحاديث النبوية وبعض الأقوال الفقهية في نهاية البحث إن شاء الله.

ص: 1469

إن تنويه الإسلام بقدسية الإنسان وكرامته ورعاية الشريعة الإسلامية المطهرة لذلك في سائر الأحكام الشرعية حقيقة ثابتة لا يرتاب فيها باحث أو فقيه يتمتع بملكة فقهية تؤهله لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية حتى يظهر له بأن رعاية الكرامة الإنسانية داخلة دخولاً أولياً في المقاصد أو المصالح التي هي محور الشرع الإسلامي الحنيف. ومن هنا أيضاً فإن إنقاذ حياة الإنسان أو تمتعه بعضو أصيل في جسمه أصبحت ضرورة راجحة في سلم المصالح المعتبرة شرعاً. وتأسيساً على هذه القواعد الأصولية والفقهية المترابطة والآخذة بعضها بحجز البعض الآخر، والتي يدور محورها على مقصد الشرع في ضرورة حفظ النفس، وبما أن أوسع هذه القواعد شمولاً وأرسخها في البنيان الفقهي الإسلامي هي قاعدة المقاصد الخمس والترتيب الذي صنفت من حيث الأمية على وفقه، وهي: مقاصد: الدين، فالحياة، فالعقل، فالنسل، فالمال. وبما أن ما وصل إليه الطب في عالم اليوم يرقى إلى درجة استعادة مقومات الحياة بعد فقدها أو بعد الإشراف على فقدها، فإن جواز العلاج بالأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة بشروطها الشرعية يدخل في دائرة الجواز في إنجاز أهم المقومات الضرورية لمصلحة الحياة، ويدخل حكمها في دائرة القاعدة الأولى من القواعد أو الكليات الخمس الضرورية، وهي: الحياة: أي الكلية الثانية إذا ما أخذ الترتيب بعين الاعتبار، وهي: الدين، الحياة، العقل، النسل، المال. والله أعلم.

المؤيدات للبحث الشرعي في الموضوع:

النصوص من الكتاب الكريم. لقد أرست بعض الآيات الكريمة القواعد التي تحفظ على النفس البشرية حياتها، والتي تنهى عن تعريضها للهلاك. قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء: الآية 29] .

وفي قصة نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه السقيم وأعياه المرض نادى ربه "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " فأمره تعالى بما كان سبباً في شفائه، وهو القادر على أن يشفيه بلا سبب. قال تعالى:{واذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وشَرَابٌ} [الآيتان 41 و42 من سورة ص] . وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة: الآية 95 ا] .

ص: 1470

كما أن لجذور هذه المسألة مستنداً أصيلاً من السنة النبوية الشريفة، بالإضافة إلى القواعد الفقهية التي تشكل أساس الاجتهاد في هذه المسألة كما أشرنا إلى ذلك. فقد ثبت بالسنة أن أعرابياً قال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: " نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " رواه أحمد. وفي رواية: "نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحد " قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: (الهرم) . وفي لفظ: "إلا السام"، وهو الموت.

قواعد دفع الضرر ورفع المشقة: (1) الضرر يزال، (2) الضرورات تبيح المحظورات، (3) يرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما، (4) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، (5) الضرورة تقدر بقدرها، (6) المشقة تجلب التيسير، (7) الأمر إذا ضاق اتسع. ثم الضرورات إذا حصلت فإن الضرر يزال. والضرورة تبيح المحظور. والمشقة تجلب التيسير. وتأسيساً على هذه الفواعد المترابطة الآخذة بعضها بحجز بعض جالت أنظار العلماء المتقدمين في عدد من الفروع الفقهية في غذاء الآدمي عند الاضطرار أو دوائه وأشياء أخرى. كلها واردة على مقصد الشرع في ضرورة حفظ النفس بين الجواز والمنع والقبول والكراهة.

4 -

اتفق الفقهاء على أن وصل الجسد بعظم من حيوان طاهر للتداوي به أو للاستعاضة به عن عضو أو عظم فقده صاحبه جائز، وإن وصل بعظم نجس مع وجود الطاهر أو بدون ضرورة تدعو إلى ذلك، فهو غير جائز ويجب نزعه عند الجمهور في هذه الحالة، إلا إن خيف من هلاك أو عطب. أما إن تعين العظم النجس فلا مانع من الاستفادة منه عند الضرورة.

5 -

إن الطب الحديث قد بلغ اليوم شأواً بعيداً عما كان عليه بالأمس فقد تجاوز مرحلة تثبيت أنف أو أنملة أو سن اصطناعي أو وصل الجسم بعظم إنسان أو حيوان آخر تجاوزه إلى زراعة كلية مكان أخرى، وتركيب قلب مكان قلب آخر، وإلى استبدال عين سليمة بأخرى تالفة. وهو بهذا التقدم الذي بلغه اليوم إنما يعيد الأمل إلى الإنسان ويضع في الوقت نفسه أسمى امتحانات التعاون والإيثار.

ص: 1471

خلاصة البحث إجمالاً

ا - بعد استعراض آيات وأحاديث الأحكام من الكتاب والسنة وأمهات مراجع الكتب الفقهية وجدت حشداً كبيراً من نصوص الكتاب والسنة، ومن القواعد والأدلة الفقهية قد استعرضت في البحوث التي قدمت إلى المجمع في مواضيع زراعة الأعضاء من حي إلى حي أومن ميت إلى حي

إلخ. ونظراً لكون تلك الأدلة من باب العموميات على الموضوع محل البحث، فقد وجدت بأن استعراض تلك الأدلة من باب التكرار الذي لا يضاف إليه جديد، اللهم إلا إذا كان ذلك من باب المؤيدات للأدلة الأخرى التي تكون أقرب إلى مدرك الحكم الشرعي، وقد أشرت إلى ذلك.

2 -

عرضت موضوع البحث وأوضحت أبعاده وغاياته الشرعية، وأن الطب قد بلغ اليوم شأواً بعيداً عما كان عليه بالأمس، وأن التقدم الذي بلغه الطب في عالم اليوم إنما يعيد الأمل بعد استيئاس الإنسان. ويضع في الوقت نفسه أسمى امتحانات التعاون والإيثار.

3 -

عرضت المصالح المرسلة ووجه الدلالة منها، حيث لا يوجد دليل من الكتابة والسنة والإجماع والقياس دليل مباشر على مدرك الحكم الشرعي في الموضوع.

4 -

إن الشرع الإسلامي قد رتب المصالح وجعل الحفاظ على الحياة ثاني الكليات الخمس الضرورية تبنى عليها الأحكام الشرعية.

5 -

ان الاستدلال بالمصالح المرسلة وجعلها دليلاً مستقلاً بذاته حيث لا يوجد دليل غيرها هو الذي يمد الفقه الإسلامي بمعين لا ينضب من الأحكام التي تتطلبها مستجدات الحياة في شتى الميادين.

6 -

جواز الانتفاع بالأجنة المجهضة بالشروط المعتبرة شرعاً والمستندة إلى عدالة الطبيب الشرعي.

والله الهادي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.

محمد عبده عمر 1968

ص: 1472

أهم المراجع

1 -

القرآن الكريم.

2 -

السنة المطهرة.

3 -

قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام. الجزء الأول، ص 84 - 99.

4 -

المغني، لابن قدامة. الجزء التاسع، ص 415 - 420.

5 -

محمد يوسف موصى: المدخل، ص 18.

6 -

محمد زكريا البرديس: أصول الفقه، ص 21 وما بعدها.

7 -

الإمام الشاطبي: الاعتصام، الجزء الثاني، ص 111 - 114.

8 -

مصطفى الزرقاء: المدخل، ص 88 - 89.

9 – شفاء التباريح لليعقوبي. ص 45 -74.

10 -

ابن نجيم الحنفي: الأشباه والنظائر، ص 88.

11 -

الدكتور محمد علي البار: خلق الإنسان بين الطب والقرآن.

12 -

الدكتور محمد علي البار: طفل الأنبوب والتلقيح الصناعي.

13 -

الدكتور محمد أيمن صافي: غرس الأعضاء في جسم الإنسان.

14 – الشيخ خليل محيي الدين الميس: انتفعاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً.

15 -

الدكتور محمد سعيد البوطي: انتفاع الإنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً.

ص: 1473

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم (58/ 7/ 6)

بشأن

"استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء "

ان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،

قرر:

ا - لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا في حالات بضوابط لا بد من توافرها:

(أ) لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، بل يقتصر الإجهاض عل الإجهاض الطبيعي غير المتعمد والإجهاض للعذر الشرير ولا يلجاً لإجراء العملية الجراحية لاستخراج الجنين إلا إذا تعينت لإنقاذ حياة الأم.

(ب) إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها، لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء، وإذا كان غير قابل لاستمرار الحياة فلا يجوز الاستفادة منه إلا بعد موته بالشروط الواردة في القرار رقم (1) للدورة الرابعة لهذا المجمع.

2 -

لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.

3 -

لا بد أن يسند الإشراف على عمليات زراعة الأعضاء إلى هيئة متخصصة موثوقة.

ص: 1474