المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضة

أو الزائدة عن الحاجة

إعداد

فضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم المبعوث رحمة للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن التزم بشرعه إلى يوم الدين.. وبعد:

(1)

فإن التوجه لدراسة القضايا الطبية المعاصرة بنظر شرعي أصيل يستحق كل دعم وتشجيع، لأنه يحدد الحكم الشرعي في هذه القضايا، ويعيد البحث العلمي إلى أطر أخلاقية تصونه من الانفلات والإضرار بالحياة الإنسانية.

ورغم التقدم الطبي الهائل الذي تحقق في العقود الأخيرة إلا أنه يلاحظ قدر كبير - من الخروج على الأطر الخلقية والدينية في مجالات البحث والتجارب والعلاج- يهدد مسير الحياة الإنسانية ويعرضها لأفدح الأخطار.

فلا بد أن تعلو الصيحات والتحذيرات وتهتم اللقاءات والقوانين والدراسات بتأصيل المسيرة الطبية الإنسانية على هدي من الإلتزام بأحكام الله تعالى وقواعد الأخلاق التي ما كانت إلا لخير الإنسان ومصلحته في الدنيا والآخرة.

والإسلام إذ يدعو إلى النظر في الكون والحياة والإنسان ويشجع كل بحث علمي مفيد يهتم في الوقت نفسه بالمحافظة على حياة الإنسان وصيانتها، ويندد بكل أنواع الاعتداء عليها، بهدف صيانة كرامة الإنسان والاهتمام بحق الحياة في كل إنسان، والاحترام لسائر أعضائه ومكوناته، والحرص على منع الاختلاط بين الأنساب والحماية للأسرة والمجتمع من كل ما يعود عليها بالإفساد والضرر.

ويعالج هذا البحث حكم الاستفادة من الأجنة في التجارب العلمية والعلاج وزراعة الأعضاء

وهو موضوع يظهر فيه بكل وضوح التقاء البحث العلمي المبدع والتقدم الطبي الفذ مع نماذج من التفلت من أحكام الشريعة الإسلامية بخاصة وتوجيهات الأديان بعامة وقواعد الأخلاق والقوانين، ويتمثل ذلك في الاعتداء على الأجنة وانتزاع الأعضاء منها لأغراض علاجية، وفي الحصول على الولد بصرف النظر عن أي اعتبار تلزم به القيم والمبادىء والأخلاق

بل ودون رقابة كافية تمنع الفساد والانحراف حتى وصل الأمر إلى استنبات الأجنة واستيلادها لغرض الحصول على أعضائها تجارة غير مشروعة في حياة الإنسان.

ص: 1357

لذا فإن من الأمور التي يجب أن يهتم بها في المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تبحث مثل هذه المواضيع هو الخروج بتوصيات عملية محددة تحفظ مسيرة الحياة الإنسانية وتصونها من العبث والانحراف سواء أكان ذلك بمعالجة الأمور من النواحي العلمية أو التشريعية أو الاجتماعية أو عن طريق الاتفاقات الدولية أو في إطار المؤسسات والمنظمات القائمة محلية وإقليمية ودولية.

تقسيم:

(2)

وواضح أن هذا البحث يدور على تصرفين في مجالين.

أما التصرفان فهما:

ا- الاستفادة من الأجنة بأخذ أجزاء أو أعضاء منها لمصلحة إنسان آخر لأغراض علاجية.

2-

الاستفادة من الأجنة بإجراء التجارب عليها لأغراض علمية.

والمجالان هما:

ا- الأجنة التي حملت بها المرأة لفترة ثم أجهضت.

2-

الأجنة الفائضة من الاستنبات في المختبر لأغراض عمليات أطفال الأنابيب.

ونبين فيما يلي حكم كل من التصرف في كل مجال من المجالين على حدة.

أولاً- حكم الاستفادة من الأجنة المجهضة:

(3)

المقصود بالجنين هنا الحمل المستكن في الرحم في أي مرحلة كانت قبل الولادة، والمقصود بالإجهاض إخراج أو إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة أو هو إسقاط الحمل بعد استقراره في الرحم قبل التخلق، وبعده (1) وميز مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط بين الإسقاط والإجهاض، فجعل الإجهاض في خروج الجنين قبل الشهر الرابع والإسقاط بين الشهر الرابع والشهر السابع، أما بعد ذلك فخروج الجنين يسمى ولادة، وهناك ثلاث مراحل رئيسة يمر بها الجنين في رحم أمه قبل الولادة:

ا- المرحلة السابقة لتخلق الجنين.

2-

مرحلة تخلق الجنين وتصوره.

3-

مرحلة اكتمال نمو الجنين قبل الولادة.

(1) الفيومي، المصباح المنير: 1/139، د. إيناس عباس إبراهيم، رعاية الطفولة في الشريعة الإسلامية ص 107، الموسوعة الفقهية: 2/ 56.

ص: 1358

(4)

والإجهاض قد يكون تلقائياً أو طبيعياً، وقد يكون غير تلقائي أو غير طبيعي، والمقصود بالإجهاض التلقائي أو الطبيعي خروج الجنين من الرحم لعدم قدرته على النمو والاستمرار لأسباب طبيعية بحتة، فالله سبحانه وتعالى يقول:{وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [سورة الحج: الآية 5] .

فدلالة الآية واضحة على أنه ليس كل جنين يتكون في الرحم يستمر ليخرج طفلاً.

وأما الإجهاض غير الطبيعي أو غير التلقائي فهو الإجهاض الذي يعود لأسباب خارجة عن نمو الجنين نفسه واستمراره في الرحم، إنما يعود لأسباب خارجة أي بفعل فاعل، وهذا الإجهاض قد يتم خطاً وقد يتم عمداً وعدواناً، وهو عندما يتم عمداً وعدواناً قد يكون لغرض الاستفادة من الجنين وقد يكون للاعتداء عليه أو على أمه فحسب.

(5)

والواقع أنه عند التدقيق في مسألة الاستفادة من الأجنة المجهضة فإن الحكم يختلف باختلاف نوع الإجهاض من الأنواع السابقة، وباختلاف المرحلة التي جرى فيها الإجهاض من حياة الجنين في رحم أمه.

فإذا كان الجنين المجهض غير مخلق فلا تتصور الاستفادة من هذا الجنين في مجال زراعة الأعضاء، إنما تتصور الاستفادة منه في العلاج الطبي وفي إجراء التجارب العلمية، أما الجنين المخلق أو المكتمل نموه فإن صور الاستفادة الثلاث متصورة.

فإذا كان الإجهاض قد تم عمداً لأغراض الاستفادة من الجنين في صورها أعلاه فإن الإجهاض نفسه محرم، والاستفادة من الجنين محرمة سداً للذريعة ودرءاً للفساد وتفويتاً لقصد الجاني، وحماية لحياة الجنين.

وأما إذا كان الإجهاض قد تم تلقائياً " أو خطأ أو عمداً" بقصد الاعتداء عليه أو على أمه فحسب دون قصد الاستفادة (1) فلا بد من النظر إلى المرحلة التي وصلها نمو الجنين: فإن كان مكتمل النمو وخرج حياً فلا يجوز المساس به أو الاعتداء عليه وتهديد حياته بأي صورة من الصور وكل فعل من ذلك يعتبر قتلاً له أو شروعاً في قتله، وهو حرام قولاً واحداً.

(1)(1) وواضح حرمة الإجهاض هنا في حالة العمد، ولكن الحديث عن الاستفادة من الجنين.

ص: 1359

وأما إذا كان مكتمل النمو ولم يخرج حياً أو كان غير مكتمل النمو (مخلقاً أو غير مخلق) وهناك قطع طبي باستحالة حياته فيجوز الاستفادة منه لأغراض العلاج الطبي الموثوق للأحياء وضمن الشروط المقررة لجواز الاستفادة من أعضاء جسم الإنسان لمصلحة إنسان آخر مثل ضرورة موافقة الولي وأن يكون ذلك دون مقابل مادي، وأن تتعين هذه الاستفادة لصيانة حياة المستفيد أو وظيفة أساسية من وظائف الجسم على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً، أما الاستفادة من هذه الأجنة لأغراض إجراء التجارب العلمية فإن ذلك يجوز في حدود الضرورة تحقيقاً للمصالح الشرعية المعتبرة، ودون مثلة أو اعتداء على كرامتها الإنسانية، أما إجراء التجارب لأغراض الترف العلمي أو دون هدف مشروع واضح فإنها لا تجوز حماية لكرامة الإنسان وحرصاً على الاستعجال في دفنها كما هو مقرر شرعا.

حكم الاستفادة من الأجنة الفائضة عن الحاجة في عمليات أطفال الأنابيب:

(6)

المقصود بالأجنة الفائضة عن الحاجة في عمليات أطفال الأنابيب كما بين ذلك الأطباء المختصون: الأجنة التي تم الحصول عليها بالتلقيح الاصطناعي خارج الرحم ذلك أن عملية طفل الأنبوب تتطلب استخراج عدد من البويضات من مبيض المرأة، وتلقيحها خارج الرحم بالحيوانات المنوية وتتراوح في العادة من 4- 8 بويضات وقد تجاوز ذلك، ثم يقوم الأطباء بنقل ثلاثة من هذه اللقائح إلى الرحم بعد أن تبدأ في النمو، وأما الفائض فيحتفظ به بعد تبريده وتجميده انتظاراً لنتيجة الزرع في الرحم: هل ستنجح أم لا؟ فإذا لم تنجح تكرر العملية وبعد ذلك وفي العادة تظل هذه الأجنة مجمدة أو تتلف.

وموضوع الاستفادة من الأجنة الفائضة في غير زرعها في رحم الأم قضية مهمة ينظر لها من زوايا عديدة طبية وشرعية وقانونية واجتماعية.

(7)

ويتعلق بموضوع الأجنة الفائضة عن الحاجة بحث الأمور التالية:

ا- حكم استنبات العدد الزائد.

2-

حكم تنميتها في غير رحم الأم.

3-

حكم الاستفادة منها في التجارب العلمية.

4-

حكم الاستفادة منها في أغراض العلاج الطبي.

والواقع أن النقطتين الأولى والثانية ليستا من مشتملات هذا البحث المباشرة، ولكنهما وثيقتا الصلة به

فأساس البحث في مشروعية الاستفادة من هذه الأجنة: هو القول بجواز استنبات العدد الزائد، أو أن هذا الزائد تمليه ضرورات هذه العملية، وهو محل البحث في النقطة الأولى: وعلى أساس القول بجواز الاستمرار بتنمية هذه الأجنة خارج الرحم وهو محل البحث في النقطة الثانية يرد البحث في موضوع الاستفادة من هذه الأجنة في مراحل نموها المختلفة وبخاصة بعد تكون الأعضاء.

ص: 1360

(8)

وقد كنت نبهت في مناقشات موضوع أطفال الأنابيب في الدورة الثانية لمجمع الفقه الإسلامي التي عقدت في جدة سنة 1407 هـ- 1986م إلى ضرورة بحث حكم الأجنة الفائضة عن الحاجة، فقلت في أثناء المناقشة (في الواقع لا أريد أن أكرر ما دار من نقاش، فقط أحب أن أشير إلى موضوع لم يوقف عنده في المناقشة، وهو الأمر الذي يجري الآن بالنسبة لأطفال الأنابيب بأخذ أكثر من بويضة وإعداد أكثر من جنين لتسهيل عملية الحصول على الولد، والتي تسمى الأجنة المجمدة: ما وقفنا عند هذه القضية

وهي موضوع بداية الحياة

هناك كثير من الآراء الفقهية الآن خاصة في موضوع الحديث عن الإجهاض تصر على أن بداية الحياة هي من لحظة اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة، وبالتالي إذا أخذنا اللقيحة الأولى المرشحة ووضعناها في الرحم وتم الإنجاب، تلك ستتلف أو ستذهب إلى الاختبارات العلمية: فما هو حكم الإجهاز عليها؟ هل هذا يرشح قيداً جديداً على الذين أجازوا (أي عملية أطفال الأنابيب) بأن تتم العملية بالتدريج، بويضة بحيوان منوي، فإذا فشلت بدأنا بالعملية من جديد، وأنه لا يجوز أن تحضر مجموعة كبيرة من الأجنة، نقتل غير الناجح منها أو غير ما تم زرعه في الرحم وتم منه الولد، خاصة أن عملية الإجهاض الآن عملية نعاني منها معاناة كبيرة، وأيضاً تسبب محاذير كثيرة، فإذا أجزنا عملية قتل الأجنة في هذه الحالة بعد أن نأخذ منها واحداً (أو أكثر) وتتم عملية الولادة فإننا يجب أن. نأخذ هذا المنحى أيضاً في موضوع الإجهاض، أنبيح عملية قتل الأجنة في المراحل الأولى، وهو ما يتحفظ بعض العلماء عليه كثيراً في هذه الأيام؟) (1)

والواقع أن القرار قد صدر في الدورة الثالثة في موضوع أطفال الأنابيب دون إشارة لموضوع الأجنة المجمدة

وقد قلت في الدورة الرابعة منبهاً إلى ضرورة بحث أو وضع بعض القيود على القول بالجواز بخصوص أطفال الأنابيب (بالإضافة إلى ما قرر من شروط) : قضية اللقائح المرشحة- وهذا تحفظ كنت أشرت إليه في بحث أطفال الأنابيب (في الدورة الثانية ولم ينبه عليه في الدورة الثالثة) - لا بد من إضافة قيد: أن لا يكون هنالك ترشيح لعدد كبير من اللقائح، لأنه حتى لو لم نستخدم منها في زرع الأعضاء فإننا قد ندخل في دائرة القتل فيما إذا سمحنا للأطباء بعد ذلك أن يتلفوها، أو لابد أن تكون اللقائح المرشحة بالقدر الذي يفي بعملية أطفال الأنابيب حتى لا تتولد عنها لقائح فيها الحياة، ثم بعد ذلك نقتلها أو نتيح للأطباء أن يفكروا في عملية الاستفادة منها في زرع الأعضاء (2)

ذلك أن احترام الحياة الإنسانية يقتضي باتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة لمنع ظاهرة الأجنة الفائضة بحيث لا يلقح من البويضات إلا ما سوف يزرع في الرحم.

(1) مجلة الفقه الإسلامي، العدد الثاني: 1/367- 368.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع: 1/ 470.

ص: 1361

(9)

ويبين الأطباء (1) أن الأجنة الفائضة عن الحاجة في هذه الأيام وعلى ضوء التقدم الطبي الذي تم على ثلاثة أنواع:

الأول: لقائح قبل مرحلة تكون الجنين وتشكله وتكون اللقيحة دون مظهر إنساني، فهي عبارة عن مجموعة خلايا تصل إلى 8 أو 16 خلية ولكل خلية قدرة كاملة على مواصلة الحياة وتكوين إنسان كامل.

الثاني: مرحلة بدء تصور الجنين وتشكله حيث تبدأ الخلايا باكتساب خصائص معينة ترتبط بأدوار هذه الخلايا في الجسم الإنساني مستقبلاً، وهي تبدأ من بلوغ مجموع الخلايا 32 خلية فأكثر.

الثالث: مرحلة بداية تكون الجهاز العصبي في الجنين الذي يحس من خلاله وقد يتألم وهي تبدأ بعد مرور أسبوعين على الجنين في الغالب، وهذه المرحلة الثالثة من النادر ترك الأجنة للنمو إليها، فقد اقترحت لجنة وارنك البريطانية المكونة من أطباء ورجال دين وقانونيين السماح بتنمية هذه الأجنة إلى اليوم الرابع عثر وذلك قبل ظهور الشريط الأولي والميزاب العصبي في الجنين، وذلك لأن الجهاز العصبي هو البداية الإنسانية الواضحة المعالم للإنسان (2) لذا فإن عملية زرع الأعضاء غير متصورة من هذه الأجنة، لعدم وجود أعضاء قابلة للنقل ولكن قد يستفاد من نقل بعض خلايا من تلك الأجنة لأغراض العلاج الطبي.

(10)

والسؤال الآن بخصوص هذه الأجنة (3) ما حكم الاستفادة منها لأغراض العلاج الطبي أو في مجال إجراء التجارب العلمية؟ الواقع أن إجابة هذا السؤال ترتبط بأمرين:

الأول: حكم استنبات العدد الزائد وهو ما أشرنا إليه سابقاً، فإن انتهينا بمنعه أو تحريمه فلا يجوز الاستنبات الزائد ولا يجوز الاستقاله منها حتى لا يقع الاستنبات الزائد لهذا الغرض، ولكن إذا قلنا بجواز الاستنبات الزائد لضرورات عملية أطفال الأنابيب فقط فهل يجوز الاستفادة منها؟ الإجابة على هذا السؤال ترتبط بالأمر الثاني.

(1) انظر بحث الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامه المقدم لهذه الندوة: ص 6- 8.

(2)

انظر محمد علي البار: بحث التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب المقدم لمجمع الفقه، مجلة المجمع، العدد الثاني: 1/ 274، 301.

(3)

الأولى أن يقصر تعبير الجنين والأجنة على ما يكون في رحم الأم فالجنين: المستور من كل شيء والحمل في بطن أمه. مجمع اللغة العربية- معجم ألفاظ القرآن: 1/223، قال تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [صورة النجم: الآية 32] ، وليستعمل لفظ لقيحة أو لقائح مثلاً قبل الزرع في الرحم.

ص: 1362

الثاني: هل لهذه الأجنة حرمة باعتبار كونها إنساناً مآلاً؟ فهل يجوز إتلافها وقتلها؟ وهل تجوز الاستفادة مها قبل ذلك أم أن اللازم هو انتظار زرعها في رحم الأم حتى تحين الفرصة المناسبة؟

(11)

لم يتعرض علماؤنا لحكم القتل أو الإتلاف لهذه اللقائح أو الأجنة لأنها من القضايا الحادثة ولكنهم تعرضوا لما هو مثلها من الأجنة وهي الأجنة التي تتكون في رحم الأم في المراحل الأولى. فقد بين فقهاؤنا حكم الاعتداء عليها، واختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب:

الأول: أن الجنين إذا أسقط بضرب ونحوه مضغة كان أو علقة أو ما يعلم أنه ولد ففيه الغرة

والغرة باتفاق الفقهاء (1) هي الواجب في الجناية على الجنين الذي ترتب عليها انفصال الجنين عن أمه ميتاً عمداً كان أو خطأ، ومقدارها نصف عشر الدية الكاملة، مما ليس هنا مجال تفصيله.

الثاني: أن الجنين إذا أسقط لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء.

الثالث: أن الجنين إذا أسقط لا شيء فيه حتى تنفخ فيه الروح، وذلك إذا بلغ عمره (120 يوماً) ، وقد ذهب إلى المذهب الأول جمهور المالكية، وذهب إلى المذهب الثاني الشافعية والحنبلية وجمهور الحنفية، وذهب إلى المذهب الثالث ابن رشد من المالكية وبعض الحنفية (2) وفيما يلي ذكر لبعض النصوص التي توضح هذه المذاهب:

(أ) قال ابن قدامة في المغني: (فإن أسقطت- أي الأم- ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه لأنا لا نعلم أنه جنين، وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان: أحدهما: لا شيء فيه لأنه لم يتصور، فلم يجب فيه كالعلقة، ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك، والثاني فيه غرة لأنه ابتداء خلق آدمي فأشبه ما لو تصور

وهذا يبطل بالنطفة والعلقة) (3)

(ب) وقد أوضح القرطبي المذهبين الأول والثاني فقال: (النطفة ليست بشيء يقيناً، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم، فهي كما لو كانت في صلب الرجل

فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال ما يتحقق به أنه ولد، وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل تبرأ به الرحم وتنقضي به العدة، وهذا مذهب مالك رضي الله عنه وأصحابه، وقال الشافعي: لا اعتبار بإسقاط العلقة وإنما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط، فإن خفي التخطيط وكان لحما، فقولان بالنقل والتخريج. والمنصوص أنه تنقضي به العدة) (4)

(1) الموسوعة الفقهية: 2/ 59.

(2)

القرطبي، التفسير: 12/ 10؛ ابن قد امة، المغني: المهذب: 17/ 383؛ ابن عابدين، الحاشية: 6/ 59.

(3)

ابن قدامة، المغني: 8/ 406.

(4)

القرطبي، التفسير: 12/ 9.

ص: 1363

(ج) وقال ابن العربي بعد استعراض بعض الأحكام التي تثبت للجنين إذا أسقط: (لا يرتبط به شيء من هذه الأحكام إلا أن يكون مخلقاً)(1) وقال أيضاً: (وما لم يتبين خلقه فلا وجود له)(2) والمقصود الوجود الشرعي بحيث نرتب عليه الأحكام المقررة للجنين من صلاة عليه وتسمية وتغسيل وتكفين.

(د) وقال ابن رشد في بداية المجتهد مرجحاً المذهب الثالث: (واختلفوا في هذا الباب في الخلقة التي توجب الغرة، فقال مالك: كل ما طرحته من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة) . .. وقال الشافعي:

لا شيء فيه حتى تستبين الخلقة: والأجود أن يعتبر نفخ الروح فيه، أعني أن يكون تجب فيه الغرة إذا علم أن الحياة قد كانت وجدت فيه (3)

(هـ) وفي حاشية ابن عابدين عن عدد من الفقهاء (أن الغرة لا تجب إلا باستبانة بعض الخلق، ولا تأثم المرأة في الإجهاض إذا لم يستبن بعض خلقه)(4)

(12)

وقد وردت بعض الأحاديث النبوية التي تتحدث عن بداية تكون الجنين في مرحلة ما قبل التخلق ومرحلة ما قبل نفخ الروح:

(أ) فعن حذيفة بن أسيد الغفاري: ((إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يارب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك

الخ)) (5)

(ب) وعن عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)) (6)

قال ابن رجب هذا الحديث متفق على صحته وتلقته الأمة بالقبول (7) وقال:

(فهذا الحديث يدل على أنه يتقلب في مائة وعشرين يوماً في ثلاثة أطوار: في كل أربعين يوماً منها يكون في طور. فيكون في الأربعين الأولى نطفة، ثم في الأربعين الثانية علقة، ثم في الأربعين الثالثة مضغة، ثم بعد المائة وعشرين يوماً ينفخ فيه الملك الروح)(8)

(1) انظر ابن العربي أحكام القرآن: 3/ 1261، القرطبي، التفسير: 12/ 10.

(2)

انظر ابن العربي أحكام القرآن: 3/ 1261، القرطبي، التفسير: 12/ 10.

(3)

ابن رشد، بداية المجتهد: 2/ 345.

(4)

ابن عابدين، الحاشية: 6/ 59.

(5)

أخرجه مسلم وغيره، انظر المنذري، مختصر صحيح مسلم: 249/2.1831

(6)

أخرجه البخاري ومسلم وغيرها واللفظ لمسلم، انظر المنذري مختصر صحيح مسلم: 248/2؟ ابن حجر، فتح الباري: 7/ 114؟ محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان: 3/ 206 - 207.

(7)

ابن رجب، جامع العلوم والحكم: ص 103.

(8)

ابن رجب، جامع العلوم والحكم: ص 103.

ص: 1364

(13)

وقد أشار عدد من الآيات الكريمة إلى ذلك، نذكر منها:

(أ) قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون: الآيات 12 – 14] .

(ب) وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [سورة غافر: الآية 67] .

(ج) وقال جل من قائل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [سورة الإنسان: الآية 2] . ذهب كثير من المفسرين أن معنى نطفة أمشاج أي أخلاط بين ماء الرجل وماء المرأة (1)

(د) وقال سبحانه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [سورة عبس: الآيات 17 – 19] .

(هـ) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [سورة الحج: الآية 5] .

(و) وقال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [سورة الزمر: الآية 6] .

(ز) وقال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [سورة القيامة: الآية 38] .

(ح) وقال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [سورة العلق: الآية 2] .

(ط) وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [سورة فاطر: الآية11] .

فهذه الآيات تشير إلى مراحل الخلق وتوضح أن مراحل النطفة والعلقة والمضغة قبل مرحلة خلق الإنسان وهو ما يعنيه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} ، وقد استدل ابن حزم بالحديثين السابقين على أن العلقة هي أول خلق الولد قائلاً:(معناه خلق الجملة التي تنقسم بعد ذلك سمعاً وبصراً وجلداً ولحما وعظاماً - فصح أن أول خلق الولد كونه علقة لا كونه نطفة وهي الماء)(2) ويبين العلماء أن نفخ الروح يكون بعد المائة والعشرين يوماً قال القرطبي: لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوماً (3) وقال النووي واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر (4)

(1) القرطبي، التفسير:19/120 - 121.

(2)

ابن حزم، المحل: 11/ 640.

(3)

القرطبي، التفسير: 12/ 8.

(4)

شرح مسلم:191/16.

ص: 1365

قال الجصاص: وإنما ذكرنا أنه خلقنا من المضغة والعلقة، كما أخبر أنه خلقنا من النطفة ومن التراب

ومعلوم أنه حين أخبرنا أنه خلقنا من المضغة والعلقة فقد اقتضى ذلك أن لا يكون الولد نطفة ولا علقة ولا مضغة، لأنه لو كانت العلقة والمضغة والنطفة ولداً لما كان الولد مخلوقاً منها إذ أن ما قد حصل ولداً لا يجوز أن يقال قد خلق منه ولد، وهو نفس ذلك الولد، فثبت بذلك أن المضغة التي لم يستبن فيها خلق الإنسان ليس بولد (1)

(14)

فإذا كان الخلق الإنساني لم يتم في مرحلة النطفة والعلقة والمضغة فما وضع اللقائح قبل نفخ الروح؟

هذا، وقد ذكر ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن وابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن علامة نفخ الروح في الجنين هو ظهور الإحساس والحركات العضلية الإرادية، ولا يكون ذلك إلا بتكوين الجهاز العصبي، ولا تظهر بوادره إلا في اليوم الأربعين أو الثاني والأربعين من عمر الجنين (2)

فابن القيم يقول: (فإنه قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟ قيل: كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات، ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة. فلما نفخت (الروح) انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه) (3)

وقال ابن حجر: (ولا حاجة له (أي الجنين) حينئذ إلى حس ولا حركة إرادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات، وإنما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به) . فالعلماء يميزون بين الحياة النباتية والحياة الإنسانية، فالأولى فيها النمو والاغتذاء والثانية تتميز بوجود الحس والإرادة أي بتكون الجهاز العصبي.

(15)

ولكن هل الحياة النباتية محترمة كالحياة الإنسانية؟ لقد بين العلماء أن احترام الحياة الإنسانية أهم وأولى من احترام الحياة النباتية، ولكن هذا لا يعني أن الحياة النباتية غير محترمة.

(1) الجصاص، أحكام القرآن: 58/5.

(2)

محمد علي البار، التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، مجلة المجمع، العدد 2، 1/ 301 - 302.

(3)

ابن القيم، التبيان في أقسام القرآن: ص 255.

ص: 1366

يقول الإمام الغزالي: (وليس هذا (أي العزل) كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت نطفة فعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً

ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حياً) .

(وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المني في الرحم لا من حيث الخروج من الإحليل لأن الولد لا يخلق من مني الرجل وحده بل من الزوجين جميعاً)(1)

(16)

وعدم القول بالغرة لا يعني جواز الاعتداء، لأن الغرة تتعلق بوجود الإنسانية وفي هذه المراحل المتقدمة لم تبدأ الإنسانية، لذا لم تفرض دية الجنين وإن كان الاعتداء حراماً، فجماهير العلماء على تحريم الإجهاض، بمعنى إسقاط الجنين في أي فترة من فترات نموه سواء كان ذلك قبل نفخ الروح أم بعده إلا إذا كان هناك عذر قاهر.

وخالف بعض الحنفية وبعض الشافعية فأجازوا للأم اسقاط ولدها قبل الأربعين يوماً الأولى أي قبل أن يستبين، وقيل قبل المائة والعشرين يوماً الأولى أي قبل نفخ الروح، جاء في حاشية ابن عابدين:(قال في النهر: هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق فيه شيء ولن يكون ذلك إلا بعد المائة والعشرين يوماً، ثم ناقش هذا وذكر أقوال العلماء بكراهية إسقاطه في هذه الفترة، فإن الماء بعدما وقع في الرحم مآله حياة إنسان وبين جواز الإسقاط لعذر ما دام الحمل مضغة أو علقة ولم يخلق له عضو، وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين يوماً، وذكر أنه جاز لأنه ليس بآدمي وفيه صيانة الآدمي (2)

(1) الغزالي، احياء علوم الدين: 2/ 65.

(2)

انظر حاشية ابن عابدين: 6/ 429 0 الدكتورة إيناس عباس إبراهيم، رعاية الطفولة في الشريعة الإسلامية: ص 109 - 110.

ص: 1367

وبعد هذا الاستعراض لأقوال العلماء في موضوع إتلاف الأجنة في مراحلها الأولى فقد اتجه العلماء المعاصرون إلى التأكيد على ما ذهب إليه جماهير العلماء من المنع والتحريم لاعتبارات أخرى - في هذه الأيام - حماية للأسرة وصيانة للأخلاق، ولكن لا بد من القول هنا انه إذا كان من جملة التشديد في هذا العصر على تحريم الإجهاض اتخاذه وسيلة لتسهيل الزنا والاعتداءات الجنسية المحرمة حيث يخفي الإجهاض آثار ذلك فإن هذا الأمر غير متصور في الأجنة الزائدة عن الحاجة.

والواقع أن القضية في رأيي ترجع إلى أصل المسألة، فإذا أمكن منع هذه الظاهرة أصلاً فهذا أولى وأجدر بحيث لا تكون أجنة زائدة عن الحاجة إبقاءً لاحترام الحياة الإنسانية ومنعاً للأطباء الذين لا يلتزمون بالمبادىء والقيم الدينية والخلقية من العبث في هذه الحياة.

ولكن إذا وجدت هذه الأجنة الزائدة عن الحاجة لسبب أو لآخر، فيجب أن يكون طريقها ما خلقت له وهو العلوق في رحم أمها إذا فشلت عملية الزرع الأولى، وإذا نجحت فليتم زرع جديد في الوقت المناسب، ولكن لا يجوز قتلها ولا الاستفادة منها ما دامت أنها ستكون إنساناً كاملاً ولو احتمالاً. فهذه الأجنة مستقبلة للحياة ومستعدة لها بخلاف الأجنة المجهضة إذا قطع باستحالة حياتها.

وأخيراً أرجو من الله سبحانه وتعالى أن تتمكن الندوة من الوصول إلى الرأي السليم في هذا الموضوع الشائك على ضوء البحوث الأخرى والمناقشات التي ستجرى. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

"وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".

الدكتور عبد السلام العبادي

ص: 1368