المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعة

رحم امرأة في رحم امرأة أخرى

إعداد

الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

مكلف بمهمة بالديوان الملكي – بالرباط

بسم الله الرحمن الرحيم

في إطار تعامل الإنسان مع مستجدات الحياة، نبهه الباري جل وعلا، بأنه سيفاجأً من حين لآخر بمظهر من مظاهر انفراد رب الكون، وخالقه، بإبراز الدليل على عظمته من خلال ما يبديه للعقل البشري من كنوز معرفته، ويسمح له بأن يصل إليه في فترة ما، من فترات تعاقب الأجيال على درب مرور الإنسانية بساحة هذه الحياة الفانية.

لقد أتى هذا التنبيه واضحاً في آيات قرآنية، منها: قول الله عز وجل:

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1) وقوله: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2) إنما يملأ الكون من تطور ظل يثبت أن الله يخلق في كل فترة ما لا يعلم أسلاف من على قيد الحياة، وهذه نعم من الله على عباده، وهي تجعلهم تحت محك الاختبار الدائم لمعرفة مدى تحكم الإيمان في نفوسهم، ومدى استعدادهم لتفهم كتاب الله، وتدبرهم لآياته وتعاملهم مع آيات عظمة الله وانعكاس ذلك على مدى تحكم الإيمان في نفوسهم.

ولله در عمنا الشيخ محمد الإمام، من علماء المغرب، حين قال:

أما أخو الإيمان إن ير آية

تزد لديه قوة الإيمان

أما الذي في قلبه مرض فقد

يزداد خسراناً على خسران

من هذه المبادىء العامة نتخلص إلى محاولة الدخول في صلب موضوع هذا البحث الأقرب إلى تساؤلات عن أوجه الحكم في إمكانية: زرع الغدد التناسلية، والأعضاء التناسلية من رحم امرأة إلى أخرى.

(1){وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} [الآية 85 من سورة الإسراء] .

(2)

{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الآية 8 من سور النحل] . لقد بدأت هذه السورة بتحديات علم الإنسان، سواء فيما يرجع للظواهر والكائنات التي شاهد أو يشاهد، أو تلك التي لازالت قائمة.

ص: 1643

والحقيقة أنه، وكما أشار الكثيرون قبلي، فإن أحكام هذه المواضيع ستبقى اجتهادية في مجملها، نتيجة تقدم العلم اليوم ودهشة العلماء أنفسهم أمام النتائج التي توصلهم إليها تجاربهم من حين لآخر.. وهي نتائج لا بد من الإشادة بها، فهي مشرفة للتقدم الفكري للإنسانية بصفة عامة، إلا أنها مهما كانت سامية، فينبغي أن لا تكون حافزاً على محاولة إرغام المبادىء الإسلامية على تقبل كل آثارها، لأن العلماء أنفسهم أثناء تجاربهم لا تهمهم إلا الظاهرة العلمية البحتة، حتى إذا ما توصلوا إلى النتيجة تدخلت القواعد الأخلاقية والزجرية لمحاولة إمكانية الملاءمة بين الإخترإع وضوابط هذه القواعد التي أصبحت مع الأسف الشديد في كثير من المجتمعات اسما بدون مسمى، نظراً لاستخفاف إنسان اليوم بقيم أمس الدينية، والاجتماعية، وحتى الإنسانية.

وبناء على ذلك، فإن التقدم العلمي، إذا كان الإسلام حث عليه، وابتكر كثيراً من قواعده، وأمر بتدبر القرآن لاستخراج أحكام شريعة الله من هديه حسب استطاعة كل جيل، وذلك بقوله:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [الآية 24 من سورة محمد]، وقوله جل وعلا:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الآية 85 من سورة الإسراء]، وقوله جل جلاله:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الآية 109 من سورة الكهف] .

فالأولى حثت على طلب الفهم، واستخدام العقل لاستخراج ما يصلح به الإنسان دينه ودنياه من هذا الكتاب الذي جمع علم الأولين والآخرين بكل تطوراته، واختراعاته، ولكن ليس بمستطاع البشر مهما بلغ أن يحيط بكل معانيه.

والثانية توضح الواقع الذي ظلت الحياة تثبته، فكل أمة أو شعوب تواجدوا على البسيطة في فترة من فترات الحياة اكتشفوا سراً من أسرار الكون يبرز مظهراً من مظاهر عظمة الخالق، ما اهتدى إليه أسلافهم، ومن ثم أصبح المتداول من العلوم قليلاً إذا ما قيس بالخفي والمجهول منها.

ص: 1644

والثالثة أوضحت بأن أسرار كلمات الله أعظم من أن يحيط بها المخلوق الضعيف العاجز عن تحصين نفسه مما خلقت مهددة به من مرض، وموت وعقم.

ومن هنا يكون من حسنات المؤسسات الإسلامية العلمية اليوم ملاحقة المستجدات العصرية، التي تبرز للإنسان باستمرار اختراعات علمية تجنبه كثيراً من الأمراض والعاهات والأضرار.

إلا أنه من واجب علماء الإسلام في كل مكان الوقوف بشجاعة وحزم أمام ما لا يتقيد بأوامر الله منها، ومن هنا وجب علينا الشكر الجزيل للمجمع الفقهي بجدة وللمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، على تنظيم هذه الندوة للنظر في حالات أصبحت شائعة، من حيث التجارب العلمية، دون أن يعرف الكثيرون حكم الله في بعضها. ولا بد من القول بأن أحكام الكثير منها لا بد أن تبقى اجتهادية بسبب جدة الواقعة نفسها، وهذا أيضاً يسوق إلى القول بضرورة فتح باب الاجتهاد من جديد، لأن أسباب فتحه في الماضي توفرت اليوم، فأيام دولة الإسلام المشرقة خلفت للإنسانية تراثاً علمياً رائعاً أتى نتيجة غناء تعاليم الإسلام وعمق نظرياته وصلاحيتها لكل زمان ومكان وأيضاً بعد اختلاط الأجناس، وامتزاج الحضارات مع بعضها البعض في تلك الفترة عقب انتشار الإسلام، واختلاطه، بالحضارات الأجنبية عليه، وما تبع ذلك من مواجهة مشكلات لم تحفظ نصوص في شأنها، مما حمل العلماء على الاجتهاد، واستخدام شتى وسائل المعرفة والعقل، والحكمة والتبصر حتى استخرجوا لها أحكاماً من فحوى خطاب الشرع، هذه حقائق نعتز بها نحن المسلمين، لأنها مكنتنا من التعمق في فهم كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.. وبذلك أدرك المسلمون المعاني البعيدة على عقول البشر، لحظة نزول قول الله عز وجل:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الآية 38 من سورة الأنعام]، وقوله جل جلاله:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الآية 109 من سورة الكهف] .

ص: 1645

من هذه المقدمة العامة نتخلص إلى البحث في شأن نقل بعض الأنسجة، أو خلايا الرحم، أو هو كله، من إنسان إلى إنسان؟ لنقول بأنه حرام، في نظرنا، ولا ينسجم مع روح قداسة الإنسان في الشريعة الإسلامية. وما دامت الآراء فيه ما زالت شخصية بحسب استنباطات كل مهتم على حدة، فإن ذلك يتطلب التأني، والبحث الدقيق، حتى لا تهدر أحكام الشريعة من جهة، ومن جهة ثانية لما في التريث من فرصة تمكن من استفسار المراجع، والتعمق في الفهم حسب تجدد الوقائع، ليدرك البشر بناء عليها ما كان بعيداً عليهم من المعاني السامية لكتاب الله، فبناء على هذا كله تستطيع الجهات العلمية في الأمة الإسلامية أن تفتي بالموقف الشرعي الصحيح.

ومن هنا، فإن هذا الذي أكتبه، أضعه بين يدي أساتذتنا العلماء، لتصحيح ما فيه من خطأ لا يخدم الشريعة الإسلامية، لأكون أنا أول من يبرأ منه، وليؤخذ ما هو ملائم لروح النصوص الإسلامية، ليسهم ولو إسهاماً ضعيفاً في القرار الذي يتخذه العلماء - جزاهم الله خيراً - في شأن هاته المستجدات، التي ستصبح في يوم ما بفضل التقدم العلمي المطرد، من السهولة بمكان ومن الكثرة والانتشار ما لم يخطر على بال أحد اليوم.

إن نقل بعض أنسجة الرحم من امرأة إلى امرأة، أو بعبارة أصح الجهاز التناسلي من إنسان إلى إنسان، ما زال البحث فيه مبكرأ، والآراء فيه فردية، والنصوص لم تستخدم كما ينبغي لإخراج الحكم الصحيح منها، لذا فما يكتب فيها يبقى مجرد رأي حتى يبت المجمع الفقهي فيه برأي إسلامي موحد.

وما أقدمه في هذا الموضوع، قد أعتمد فيه على آية من كتاب الله وحديث مجمع على صحته، إضافة إلى إشارت يعثر عليها الباحث في حنايا كثير من المراجع الإسلامية لمختلف المذاهب، وعليه فسيكون هذا البحث يتمحور حول المواضيع التالية:

أولاً: تغيير خلق الله.

ثانياً: الإخصاء.

ثالثاً: خاتمة نستخلص منها التبريرات التي اعتمدناها لما رأيناه حكما شرعياً في الموضوع.

ص: 1646

المبحث الأول

تغيير خلق الله والحكم بحرمته

قال الله جل جلاله؟ {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [الآية 119 من سورة النساء] . قال الطبري عند تفسيره لقول الله عز وجل: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، قال بعضهم: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله بالإخصاء.

قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال هو: الإخصاء (1)

لقد ورد في هذا الأثر الإخصاء بصفة عامة.

إذن فعملية استئصال الغدد التناسلية لا يمكن أن تخرج عن نوع من الإخصاء، وتغيير خلق الله.

قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية ما ملخصه أنها إخبار عن محاولة الشيطان لصد جماعة من عباد الله عن اتباع أحكام الله، واتباع الهوى والأماني فيحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم اتباعاً للشيطان، فيشرعون غير الذي شرع الله باتباعهم الشيطان ومخالفتهم الله جل جلاله.

ثم أوضح حالات تغيير الخلق في البهائم، ومنها: البتك، وهو القطع ومثل له بالبحيرة (التي تقطع أذنها) ، وإذا حرم الشارع هذا في البهائم ففي الإنسان من باب أحرى.

ولا بد من الإشارة إلى أن البتك في الآية ورد على صيغة العموم، وأن التفسير هو الذي مثل بالبحيرة.

كما أورد قضية ابن مسعود مع المرأة التي أتته متسائلة عن اللعنة التي دعا بها على المغيرات لخلق الله بتقشير الوجه، فقال لها: كيف لا ألعن من لعن الله؟ فقالت: إني مررت على ما بين اللوحين فلم أجد ما قلت، قال لها: إن كنت قرأت ما بين اللوحين فقد مررت على ما قلت في قول الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:((لعن الله الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة)) ، وفي رواية بالجمع المغيرات لخلق الله كما سيأتي قريباً بحول الله. وبعد تحليل طويل لجميع التأويلات المفسرة لخلق الله قال بالحرف:

وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قول من قال: معناه ولأمرنهم فليغيرن خلق الله، قال: دين الله، وذلك لدلالة الآية الأخرى. على أن ذلك معناه، وهي قوله:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه، من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهي عن وشمه ووشره، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كل ما أمر الله بتركه لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته، فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه (2)

(1) في معاجم اللغة الخصا الثلاثية، وفي كتب المحدثين والرواة الإخصاء ثلاثياً ورباعياً (من تفسير الطبري: 5/282) .

(2)

الطبري: 5/286، في تفسيره للآية المذكورة.

ص: 1647

ومن مختلف الأقاويل التي أوردها يعلم أن كل تغيير يحذف شيئاً من الجسم، ويضيف إليه شيئاً آخر هو تغيير لخلق الله، وإذا حصل التغيير في الشعر والأظافر والأسنان، فما بالك بجهاز حساس، من مواضع المقاتل، ومن خلايا تكوين الإنسان. وبصرف النظر عن الخطر والتهلكة التي يسببها والمحرمة بحكم قول الله عر وجل:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .

فإنه حرام من جهتين:

أولاهما: تبديل خلق الله في المرأة التي استؤصل رحمها، وتسببها في العقم بصفة عمدية، وجعل حد لإمكانية الإنجاب بصفة أبدية.. وهذا حرام، وسبق للمجمع الفقهي أن أصدر قراراً يحرم التسبب في العقم الأبدي والذي ليس هو تنظيم النسل. فصاحبة الرحم الصالح للإنجاب وتلفي المني، ارتكبت محرمات، منها:

ا - تبديل خلقة جسمها نقصاً بنقل أحد الأجهزة المهمة منه.

2 -

عرضت نفسها للعقم الأبدي باختيار وعمد وتصميم فهي مغيرة خلق الله، وتابعة للشيطان بحكم قول الله عز وجل:{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [الآية 119 من سورة النساء] .

وقد قال الإمام الطبري كما مر أنه يحرم تغيير الأجسام بأية طريقة وقع التغيير، ولأي سبب من غير الحدود. وقد ارتكبت محرماً ثالثاً بتعريض نفسها للهلاك بصفة محتملة جداً، إذ الطب ما زال يحكم بصعوبة هذا النوع من العمليات، التي تعيش مراحلها الأولى، مما يصعب التحكم في نتائجها، على الباذلة، وعلى المتلقية وأقل درجات مضارها، بأن تعد نوعاً من الإخصاء، وذلك أمر مجمع على تحريمه بالنسبة للإنسان، خصوصاً وأن جميع أصحاب التفاسير رجحوا بأن من بين تغيير خلق الله الخصاء، والحديث صريح في قوله المغيرات خلق الله، والتغيير يأتي من قبيل الزياده والنقص على حد سواء.

وهذا العمل محاولة استدراك الإنسان على فعل الله في عباده، وهو أمر مستحيل، إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن الاستئصال من واحدة والزرع في الأخرى من مشاكل اجتماعية كثيرة، ومن بينها اختلاط الأنساب في بعض الحالات، وما يصاحبه من الأزمات النفسية التي تصاحب صاحبة الرحم المزال هي وأهلها وزوجها، علما بأن المتلقية لن تكون أكثر ارتياحاً.

ص: 1648

وأيضاً فلا يمكن أن يحسب هذا العمل إلا من باب الاستخفاف بحرمة أوامر الله الذي كرم الإنسان وحرم النيل من عرضه أو جسمه، وأيضاً إلا يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية إيجاد الملاءمة بين عملية استئصال الرحم أو بعض الغدد التناسلية منه، وبين إجراء عملية للعقم المتعمد؟

إن هذا النوع من العمليات لا ينسجم وتقسيم الله العادل في الأرحام، وإذا كان بدون شك مظهراً من مظاهر التقدم العلمي، فإنه سيجر إلى مشاكل بشرية من المصلحة التخلي عنها سداً للذرائع، وما يمكن أن تجر إليه من انتهاك تغيير خلق الله في البشرية. لقد اعتبر الطبري كل التغييرات التي تجري على جسم الإنسان حراماً ولا تجوز، إلا في الحدود المحدودة شرعاً، ورأى أن كل عمل يمس الأجسام من غير ذلك يعتبر كبيرة، واستند في ذلك على الأحاديث الكثيرة، التي وردت بصيغة لعنة المغيرات خلق الله، وإذا جرى خلاف في علة تلك اللعنة، هل هي لعلة التدليس، أم الغش أم الزور، فإن الإجماع حاصل بلعنة من فعلت ذلك.

ونص الحديث بالعموم الذي ورد عليه لا يترك مجإلا للشك في أن كل عمل حقير أو جليل استهدف تغيير خلق الله في الآدمي استوجب فاعله لعنة الله بحكم دعاء سيد الوجود محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري ومسلم:((لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة)) ، واللفظ لمسلم. ووصل المرأة شعرها هو أن ينضاف إليه شيء آخر يكثر به، والواصلة هي التي تفعل ذلك، والمستوصلة هي التي تستدعي من يفعل ذلك بها.

والمزروع فيها الرحم لا شك أنها داخلة في لعنة الواصلة، فقد غيرت خلق الله بنزع خلية في جسمها، واستبدالها بأخرى من غيره، ثم هي واصلة لأنها ضمت جسما غريبا عن جسمها إليه، والوصل في اللغة ضم شيء إلى شيء، وتغيير الخلق لا يعني ما ظهر من الجسم فقط، بل إنما يعني ما قاله الطبري بأنه كل عمل نتج عنه تغيير خلق الله أصبح فاعله تابعاً للشيطان ضالا بحكم الآية الكريمة.

ص: 1649

ولمزيد من الإيضاح نعرف بالوصل في اللغة والتغيير ليسهل تتبع الأصول، والقواعد في شأنهما.

قال الفيروزابادي في القاموس: (وصل) الشيء بالشيء وصلاً وصلة - بالكسر والضم - ووصله لامة، ووصلك الله - بالكسر - لغة والشيء وإليه وصولاً ووصلة وصلة بلغه وانتهى إليه وأوصله واتصل لم ينقطع والواصلة المرأة تصل شعرها بشعر غيرها والمستوصلة الطالبة بذلك ووصلة وصلاً وصلة وواصلة مواصلة ووصإلا كلاهما يكون في عفاف الحب ودعارته، والوصلة بالضم الاتصال وكل ما اتصل بشيء فما بينهما وصلة) .

وفي البخاري: عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:"لعن الله النساء الواصلات والموصلات، والواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات المغيرات خلق الله تعالى "، فأتته أم حبيب، وكانت تقرأ القرآن فقالت: ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقال: ما لي لا ألعن من لعن الله في كتابه، فقالت: لقد مررت على ما بين اللوحين فلم أجد ما قلت، فقال: إن كنت مررت عليه فقد وجدته، أما قرأت قول الله عز وجل:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية، فاقتنعت (1)

(1) لقد سقت ملخص القصة ولم أتقيد بالعبارات.

ص: 1650

وقال البخاري بالحرف: "عن عائشة أن جارية تزوجت فمرضت وتساقط شعرها، فأرادوا أن يصلوا شعرها بشعر آخر، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:((لعن الله الواصلةوالمستوصلة)) .

قال القسطلاني في إرشاد الساري، وتابع المحاملي هذه الرواية، فقال في أماليه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وساق نفس الرواية وأوردها بسند آخر عن فضيل بن سليمان، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، حدثتني أمي صفية عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن ((امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمزق شعرها وزوجها يستحثني بها أفأصل رأسها؟ فسب رسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة)) وفيه أن معاوية سماه الزور، ثم قال: وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الشعر زوراً لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى، والأحاديث صريحة في الوصل مطلقاً وهو الظاهر المختار.

قال القسطلاني أيضاً وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر الآدمي فهو حرام بلا خلاف، لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته (1)

ولما وصل لتغيير خلق الله قال: " المغيرات خلق الله " وحكى قصة ابن مسعود المتقدمة، ثم قال: "وسبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع، ولو رخص فيه لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع الفساد، ولعله قد يدخل في معناه صنعة الكيمياء، فإن من تعاطاها يروم أن يلحق الصنعة بالأجسام والخلقة فهو خطر عظيم يجر كثيراً من المفاسد (2)

وقال النووي على شرح مسلم ما ملخصه بحرمة تغيير الخلق، وساق قصة الأنصارية التي أرادت أن توصل شعر ابنتها، مع استحسان الزوج لذلك، فأجابها النبي عليه صلاة الله وسلامه بلعنة من تفعل ذلك، ومضى في شرح الوصل المتقدم إلى أن قال:" لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزاء جسمه"(3)

وفي الأبي على شرح صحيح مسلم أيضاً بعد أن ساق لفظ حديث الوصل المتفق عليه في جميع كتب الحديث، قال: لا يجوز للمرأة أن تغير شيئاً من خلقها، بزيادة فيه أو نقص منه قصد التزوج أو غيره " (4)

وعندما ساق الترمذي الحديث في صحيحه تحت باب ما جاء في مواصلة الشعر، قال الأحوذي ما نصه: ((عن عمر، لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة

)) : الحديث.

قال ابن العربي: "هذا الحديث صحيح ثابت من طرق في كل كتاب شرط الصحيح أو لم يشترطه، وذلك حرام بإجماع الأمة "(5) يعني الوصل، وساق رواية ابن مسعود عن المرأة التي قالت له: سمعت عنك رواية

وقد تقدم تفصيل ذلك. ومضى في هذا السياق إلى أن قال: " إن الله سبحانه وتعالى خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيأة الأصلية ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها، ويبطل حكمته بها فهو ملعون، لأنه أتى ممنوعاً ".

وقد أورد الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث بروايتين عن عائشة وبأخرى عن أسماء بنت أبي بكر، ولكنه لم يذكر: المغيرات خلق الله (6)

(1) إرشاد الساري: 8/ 323.

(2)

إرشاد الساري: 8/ ص 480، ونفس القول قاله أبو الوليد الباجي في شرحه للموطأ.

(3)

النووي شرح مسلم بهامش إرشاد الساري: 8/433.

(4)

الأبي شرح صحيح مسلم: 5/407.

(5)

حاشية الأحوذي على صحيح الترمذي: 7/263.

(6)

مسند الإمام أحمد: 6/ 111.

ص: 1651

المبحث الثاني

الإخصاء

أورد الطبري في تفسيره، والقرطبي، وابن العربي؟ وكذلك شراح الحديث كشرح ابن حجر للبخاري المسمى فتح الباري، وشرح القسطلاني المسمى إرشاد الساري، وحاشية الأحوذي على صحيح الإمام الترمذي، كلهم قالوا بأن من بين معاني الآية الكريمة:{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} الآية المتقدمة، هو: الخصاء، وعزاه ابن العربي لابن عباس.

وبعد أن استعرض الإمام الطبري كثيراً من التفاسير بالمأثور للآية الكريمة المتقدم ذكرها آية تغيير الخلق، قال:"وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه، ووشره وغير ذلك من المعاصي "(1)

إلى أن قال: (وبعضهم وجد معنى هذا إلى الخصاء والوشم دون غيرهما، وإنما فعل ذلك أن معناه عنده كل ما يتعلق بتغيير الأجسام) .

قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن بنفس الأقوال التي ساقها الطبري في تأويله لمعنى الآية الكريمة، وبين أن التغيير كل عمل يجعل هيأة الجسم على غير الحالة التي خلقه الله عليها، وحكم بأن من يفعل ذلك، قد عرض نفسه للعنة الله.

وعند تفسيره لقول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الآية 30 من سورة الروم] .

قال القرطبي: "يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملاً بريئاً من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطراً عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان وهو

تشبيه واقع ووجه صحيح وواضح " (2)

(1) الإمام الطبري في الصفحات المتقدم ذكرها.

(2)

القرطبي: 14/ 29، تفسير الآية 30 من سورة الروم.

ص: 1652

وقد أورد في تفسيره لهذه الآية نفس الكلام الذي قاله في تفسيره للآية 119 من سورة النساء، وخصوصاً ما أورده تحت النقطة الخامسة، حيث قال:

" الخامسة: وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة، فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته عكس المحيوان، وانقطع نسله، وخالف قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) ، وفي رواية: ((فإني مكاثر بكم الأمم)) . ثم إن فيه أمراضاً كثيرة، وألماً وخطراً ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك، فيكون فيه تضييع مال وإذهاب نفس وكل ذلك منهي عنه، ثم هذه مثلة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة وهو صحيح، وقد كره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم، وقالوا: لو لم يشتروا منهم لم يخصوا، ولم يختلفوا أن إخصاء ابن آدم لا يحل ولا يجوز لأنه مثلة وتغيير لخلق الله تعالى وكذلك قطع سائر أعضائه في غير حد ولا قود. قاله أبو عمر ".

وأقل درجات استئصال خلية جهاز الولادة من امرأة وزرعها لأخرى أن يكون إخصاء للمزال منها، وتغييراً ووصلاً عند المزروع فيها، إضافة إلى اختلاط الأنساب التي يؤدي إليها في بعض الحالات حسب الدراسات التي أتحفنا بها الأساتذة الأطباء، جزاهم الله عن الإسلام والعلم خيراً.

ص: 1653

الخاتمة

قال الباجي في المنتقى على الموطأ: "عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه المس بتمام الخلقة، ولعله قال أبو الوليد كان يعنى من البهائم ما لم تكن فيه منفعة وحرم مالك إخصاء الآدمي بأية طريقة لما فيه من انقطاع النسل، وكره شراء الخصي من الصقالبة، وقال: إذا لم يشر من عندهم فلن ينزلوا به تلك العملية، وروى الباجي أيضاً أن عبد الله بن عباس فسر قول الله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، فقال: هو الإخصاء. وقال أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود: هو الوشم. وقال مجاهد والنخعي: فليغيرن خلق الله دين الله "(1)

وفي المنتقى أيضاً حديث المغيرات خلق الله.

وفي الأبي أن المرأة التي كانت ستوصل شعر ابنتها كان ذلك بعلم زوجها، وقد منعت منه، مما يحرم زرع الرحم حتى ولو رضي الزوج، لأن اللعنة واضحة والحرمة صريحة، فلم توقف على شرط ولم يرد فيها استثناء، خصوصاً وأن الأمر تعلق بتبيين الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مجال بعد قوله المغيرات خلق الله، لأي تبرير يبيح إجراء تعديلات على جسم المرأة.

وهنا كلاهما غيرت خلق الله، فصاحبة الرحم المزال غيرت خلق الله بنقص جسمها وإزالة أهم أجهزة أنوثتها منه.

والمتلقية واصلة، وصلت جزءاً من جسمها بجهاز غريب عليه، ستظل مؤثراته النفسية والصحية تصاحبها حتى الموت.

وفي المنتقى أيضاً أن من تعاطى الكيمياء يريد تغيير الخلقة، فقد ارتكب مفسدة عظيمة (2) إن تعبيره بتغيير الخلقة كان متقدماً على زمانه.

والحال أن تقدم الطب اليوم أصبح قادراً على تغيير الكثير وإجراء تعديلات جوهرية على جسم الإنسان، حتى أصبحنا نسمع من حين لآخر بأن الرجل يحاول التخلي عن ذكوريته، ليصبح أنثى، وهي تفعل مثل ذلك أيضاً.

(1) المنتقى للإمام الباجي: 7/268.

(2)

المنتقى للإمام الباجي: ص 480.

ص: 1654

وإذا فتح المسلمون الباب لمثل هذا النوع من العمليات الحساسة في تغيير الخلقة، وأعني نقل الغدد التناسلية، فما عليهم إلا أن يستعدوا لتفشي كثير من هذه العمليات التي تغير خلق الله.

فعندما قال الله: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، منح البشر إمكانية مباشرة ذلك، فلم ينف إمكانية وصول العلم إلى تغيير الخلق، ولكنه جعل فعله مما يقود إليه الشيطان، ويستوجب صاحبه لعنة الله.

وإذا كنا لا نجاري أبا الوليد في موقفه من التجارب الكيميائية، فإننا نقول برأيه فيما يرجع للإقدام على التجارب العلمية لمحاولة تغيير خلق الله في الإنسان.

وبالتالي فلا نستطيع أن نقيس زرع الغدد التناسلية أو الجهاز التناسلي على غيره من عمليات زرع الأطراف الجسمية الأخرى، أو غيرها من سائر الأعضاء المكونة لجسم الإنسان.

لأن لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم أتى اللفظ فيها عاماً حين قال: الواصلة، والمستوصلة.. إلى قوله: المغيرات خلق الله، في كثير من الروايات.

فأية امرأة أقدمت على ذلك حتى ولو كان بإذن الزوج تعتبر واصلة، ومغيرة لخلقة الله تعالى، فالشعر الذي كان سيوصل به إذا كنا نجهل عنه كل شيء حسب اطلاعي المتواضع فإنه لا يعدو أن يكون جزءاً من إنسان أريد تركيبه لإنسان آخر، ومن ثم يسهل القول بأن الوصل على هذا الشكل يمكن أن يقاس على وصل الشعر لتشابه العلة من حيث إيصال جزء غريب على الإنسان بجسمه، ومن حيث ما فيه من صور تغير الخلق.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإننا لا نعارض الفتاوى الصادرة من دور الإفتاء، سواء بمصر أو السعودية أو المجمع الفقهي، في المواقف التي صدرت منهم في شأن زرع بعض الأعضاء مثل القلب والكلية، ولسنا ضد عمليات الطب في هذا المضمار، لأنه حقيقة تقدم علمي مشرف للإنسانية، وإنقاذ روح بشرية من الموت، والله قال:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .

ص: 1655

إلا أن التبريرات التي يمكن أن تعطى لذلك لا بد أن "تلف في نظرنا من حالة إلى أخرى، ومن عضو إلى عضو.. فالمتبرع بكليته مثلاً، أو يده، أو عينه، أو أذنه، أو أحد الأعضاء المزدوجة في الجسم البشري؟ إنما يعتبر قدم به عملاً إنسانياً وحسنة خالدة، وجهداً مشكوراً، لأنه أعطى ما ينفع غيره، وينقذه، ولا يعرض حياته للخطر، أو صحته لعاهة مستديمة؟ إذ يستطيع الحياة والعمل بالطرف الذي بقي عنده، ويصبح المتلقي متمتعاً بجزء مهم من حياته، وإمكانية الاستفادة الدائمة من العضو المزروع، وهذا خير وعمل صالح وإنقاذ نفس.

لقد كان المجمع الفقهي حذراً في فتواه الصادرة في عام 1408 هـ عندما أجاز زرع الأعضاء لذات الشخص التي انفصلت عنه، وأجاز نفس الزرع إن تبرع شخص بعضو منه، إذا كان هذا الشخص كامل الأهلية، ولا يضره العضو المبتور ليزرع في الشخص المتلقي، إلى بقية الشروط المتعلقة بزرع الأعضاء من ميت إذا كان قد تبرع بها في حياته، أو أذن أهله، أو ولي الأمر بالنسبة لمجهولي الهوية.

وقولي بأن المجمع كان حذراً، قصدت به نص القرار على عدم مضرة صاحب العضو المزال إذ اشترط عدم المضرة.

إن الله تبارك وتعالى شجع على إنقاذ الإنسان من أي خطر يهدد حياته وأمنه، فقال الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .

وإن إدخال البهجة والسرور على العقيم من الجنسين بصفة مشروعة خدمة لا يمكن أن تقدر بثمن، أجر لا يعدله أجر.

إلا أن أي عمل يفضي إلى ذلك يجب أن ينسجم مع الأوامر الصريحة للكتاب والسنة، وعدم تناقضه مع غاية المشرع الإسلامي في بعض الحالات، التي تعرضت إليها النصوص بصفة مجملة لغاية استخدام العقل البشري مدعما بزاد العلم والفهم، ليستخلص منها أحكام الشارع، حسب كل زمان ومكان، لتبقى شريعة الله هي النظام ولتدوم نظم الإسلام تلبي حاجات الإنسان مهما بلغ من التطور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلم يفرط الله في كتابه من شيء:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .

ص: 1656

إن نقل الجهاز التناسلي من امرأة إلى أخرى لم تحصل لحد الآن في شأنه نتائج تقنية مشجعة لأولئك الذين لا تهمهم الناحية الشرعية، ولذا فيجب في نظري إصدار فتوى إسلامية بتحريمه على كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله للأسباب المبينة وللمضار التي تنجم عنه ففي الحالات التي يتم نقل الأنسجة التي لا تؤدي إلى أية صفات وراثية، فإنها تؤدي إلى التهلكة سواء فيما يرجع لمضاعفات الأدوية في المرأة والجنين أو فيما يرجع لصعوبة العملية، وقلة من يستطيع القيام بها، وهذه حالات تستوجب التروي في الحكم.

إضافة إلى أنها لا تحل مشكلة الأسرة التي حاولت الإنجاب عن طريقها، إذ العقم سينتقل، إما إلى الأم، أو إلى الأخت. وإذا كانت النتائج الطبية التي أتحفنا بها الأساتذة الباحثون علماء الطب أفادت بأن نقل الأنبوبة لا يؤدي إلى نقل الصفات الوراثية، وبالتالي لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فإن النتائج الصحية، وما يسببه من عقم للمرأة المزال منها، كل ذلك ناتج عن عملية تشبه الإخصاء بالنسبة للرجل فيحرم تعاطيه، في نظرنا المتواضع، على كل مسلم بسبب هذه المبررات.

والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.

الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

ص: 1657