المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

‌القبض:

أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامى

إعداد

فضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف القبض:

القبض الأخذ قبض الشيء: أخذه. وصار الشيء في قبضتك وفي قبضتك أي: صار في ملكك وقبضه المال: أعطاه إياه (1) . هذا معنى القبض في اللغة.

أما تعريف القبض في الاصطلاح فيمكن القول أنه: حيازة الشيء حقيقة أو حكمًا.

فوضع اليد على الشيء حقيقة كأخذ الشيء وتسلمه، أما حيازة الشيء حكمًا فإنه التخلية بين مستحق الشيء وحقه، فإنه في حكم المقبوض وإن لم يقبض حقيقة.

الواقع أن القبض من المسائل المهمة بالنسبة للأموال. فهو تارة يكون صحيحًا وتارة غير صحيح هذا من جهة. ومنه جهة أخرى يكون للقبض تأثيره في انعقاد العقود وتمامها. ومن جهة ثالثة فإن صوره متعددة وقد اختلف فيها حسب طبيعة الأموال ذات العلاقة. ومن ثم فإن للقبض أثره في تقييد تصرفات المالكين في أملاكهم.

وقد عقدت للبحث في هذه الأمور أربعة مباحث:

(1) مختار الصحاح للرازي: ط 2، ص 519

ص: 352

المبحث الأول

القبض من حيث الصحة وعدمها

(1)

.

القابض لمال غيره لا يخلو: إما أن يقبضه بإذن مالكه أو بغير إذنه. فإن قبض المرء أموال غيره بدون إذن المالك، فهذا القبض إما أن يكون مستندًا إلى إذن شرعي أو عرفي، أو لا يستند إلى مثل هذا الإذن.

فإذا كان القابض يستند إلى إذن شرعي فإن قبضه قبض صحيح لا يترتب عليه ضمان لمالكه الأصلي، كما هو حال ملتقط اللقطة، فإنه يقبض اللقطة بدون إذن مالكها لكنه مستند إلى إذن شرعي بأخذه اللقطة لحفظها فلا ضمان عليه ما لم يكن مقصده أخذ اللقطة لتملكها.

وقد يكون الإذن للقابض أموال غيره عرفيًا. مثاله من قبض أموال غيره لينقذها من التلف. فهذا القبض يكتسب الصحة فلا ضمان على القابض ما لم يقترن بالأخذ القصد السيئ.

أما إذا افتقر القبض إلى الإذن الشرعي أو العرفي، فإن مثل هذا القبض قبض المتعدي كالغاصب والسارق وأمثالهما، وفي هذه الحال وجب على الآخذ رد المال إلى مالكه مع تحمل مسئولية الضمان.

إن دوام القبض واستمراره بدون إذن له أحوال ثلاثة:

أولًا: امتناع من وجب عليه تسليم ما وجب تسليمه إلى مستحقه بدون وجه حق. ومثاله امتناع البائع عن تسليم المبيع للمشتري بلا مبرر شرعي، وحكم البائع الممتنع هنا حكم الغاصب فعليه تبعة الضمان.

(1) قواعد الأحكام في مصالح النام للعز بن عبد السلام، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت: 2/71، القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب الحنبلى، ط. دار المعرفة – بيروت: قاعدة 43، ص 55 وما بعدها

ص: 353

ثانيًا: استمرار المال المعقود عليه الذي وجب رده بسبب انتهاء العقد أو فسخه تحت يد من وجب عليه رده إلى مستحقه. مثاله بقاء العين المستأجرة تحت يد المستأجر مع أن مدة الإجارة قد انتهت. ومنه بقاء المبيع المعيب الموجب للفسخ تحت يد المشتري. ومثاله أيضا طلاق المرأة القابضة لصداقها قبل الدخول وجب عليها رد نصفه.

وفي وجود الضمان على أمثال هؤلاء خلاف بين العلماء.

ثالثا: حصول القبض بدون فعل القابض ومثاله: من مات مورثه وكان في يده لهذا المورث أموال مودعة أو أموال شركة أو مضاربة. ومنه أيضًا من ألقت الريح في بيته ثوبًا أو ألقى النهر في حوضه مالًا.

إن الإمساك في مثل هذه الأحوال يفتقر إلى إعلام المالك، لأن المالك لم يأتمن هؤلاء على حفظ الأموال وهذه الحكم على خلاف بين العلماء أيضا.

والقول بعدم ضمان هؤلاء أولى، إلا إذا قارن استدامة القبض ما يفيد توجه نيتهم إلى تملك أموال الغير.

أما إذا أخذ القابض أموال غيره بإذن المالك، فله نوعان:

النوع الأول: يفيد نقل ملكية المقبوض إلى القابض كقبض المشتري للمبيع وقبض الموهوب له الهبة.

النوع الثاني: لا يحصل بأخذ القابض ملك المال المقبوض وهو أقسام:

1-

قسم يتم قبضه لمنفعة القابض كقبض المستعير العين المستعارة. فإذن المعير بالقبض متعلق بالانتفاع بالعين.

وضمان المستعير قد اختلف الفقهاء فيه فالشافعية والحنابلة على مشهور المذهبين يكون المستعير ضامنًا وعند الحنفية تقرر أمانة المستعير فلا يضمن إلا بالتعدي، والمالكية لهم تفصيل بين ما يمكن تغييبه فيضمن كالحلي وما لا يمكن تغييبه كالدواب فهو أمانة.

2-

قسم يتم القبض فيه لمصلحة المالك لا القابض كالوديع فإنه أمين لا يضمن إلا بالتعدي.

3-

قسم يتم القبض فيه لمنفعة القابض والمالك معًا وهو نوعان:

الأول: قبض على وجه الملك كالمقبوض بعقد فاسد. أو ما قبض على سوم الشراء. وفي ضمان القابض هنا خلاف العلماء.

الثاني: ما قبض لمصلحتهما لا على وجه التمليك. كما في المضاربة والشركة والوكالة. فالقابض أمين وفي أمانة قابض الرهن خلاف.

ويلاحظ أخيرًا أن هناك مقبوضات يجب تخليتها ولا مالك لها من الناس، مثاله صيد الحرم إذا قبضه المحرم.

كما أن هناك مقبوضات وهي لمالك غير معين كالزكاة الواجبة في العين يجب أن تدفع لمستحقها.

* * * *

ص: 354

علاقة القبض بالعقد

(1)

للقبض علاقة وثيقة بالعقد وانعقاده. وله بهذا الاعتبار حالان:

الحال الأول: يكون القبض أثرًا من آثار العقد وواحدًا من موجباته. كما هو الحال في البيع اللازم والرهن اللازم والهبة اللازمة.

فإذا تم انعقاد هذه العقود وأمثالها وجب على البائع تسليم المبيع إلى المشتري ووجب على الواهب تسليم الهبة إلى الموهوب له.

ويلاحظ هنا أن العقد تم بإيجاب وقبول تولد عنهما التزام يوجب الإقباض.

الحال الثاني: يكون القبض من تمام العقد كقبض الثمن في السلم، والتقابض يدًا بيد في الأموال الربوية، فإذا تفرق العاقدان بدون القبض بطل العقد.

وهنا يلاحظ أن القبض لو تم قبل التفرق فإنه يستند إلى سبب صحيح وهو الإيجاب والقبول فالقبض شرط تمام لا انعقاد.

كما أن القبض معتبر في تمام عقود التبرعات كالهبة غير اللازمة والرهن والوقف والوصية والإعارة على خلاف بين العلماء.

يثور جدل بين الفقهاء حول القبض هنا. هل هو شرط لزوم العقد واستمراره أو أنه شرط انعقاد العقد وإنشائه؟

فمنهم من يرى أن القبض شرط لزوم العقد واستمراره وهو ليس ركنًا فيه، لأن العقد تراض في نظر الشرع وهو يتم بالإيجاب والقبول، لكنه عقد غير لازم يفتقر إلى القبض مع خلاف بين العلماء بين عقد وعقد.

(1) قواعد ابن رجب: قاعدة 49، ص 71

ص: 355

ومنهم من يرى أن القبض ركن في العقد لأنه تمام الرضا فلا ينعقد العقد ولا ينشأ إلا بحصول القبض، وعلى هذا فلا أثر للإيجاب والقبول في تكوين العقد.

لكن هذا الرأي محل نظر شديد، لأن المعنى الشرعي للعقد: ارتباط الإيجاب بالقبول على وجه يظهر أثره الشرعي في محله.

وهذا المعنى للعقد يتحقق بالإيجاب والقبول.

كما يقال هنا إن العقود التي تضاف إلى المستقبل قد قال العلماء فيها إنها تنعقد حالا، أما التصرف فيكون حين تحقق ما أضيف إليه العقد من الزمن. فمن قال لآخر: أعرني سيارتك للغد فرضي فجاء الغد فأخذ المستعير السيارة فإنه آخذ مستندًا إلى سبب صحيح من الإيجاب والقبول، فكيف يقال إن القبض ركن في العقد؟ لأن الركن جزء من الماهية وليس كذلك القبض.

على أن الإمام مالك رحمه الله في مشهور مذهبه وسار عليه فقهاء مذهبه أن عقود التبرعات تلزم بالإيجاب والقبول وعلى المتبرع إقباض ما تبرع به – إلى المتبرع له – بناء على قاعدة مالك الشهيرة:

(من ألزم نفسه معروفا لزمه إلا من موت أو فلس) .

فالقبض ليس ركنًا في العقد كما أنه ليس شرط لزوم وتمام بل إنه أثر للعقد. وهذا هو الذي يبدو لي راجحًا والله أعلم.

ص: 356

البيع والقبض

تقدم أن البيع من عقود المعارضات الناقلة للملكية. لكن ورود بعض الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع المبيع قبل قبضه أثارت كلامًا عند العلماء في مسألة استقرار الملكية المترتبة على عقد البيع.

ويشير ابن رجب إلى روايتين في مذهب الحنابلة بهذا الخصوص:

الرواية الأولى: أن البيع لا ينعقد فيما يعتبر فيه القبض كالمكيلات والموزونات فلا ينعقد البيع لا بالكيل أو الوزن إذا كان معلومًا، أما إذا كان صبرة وجب نقله، فعلى هذه الرواية لا ينتقل الملك ولا الضمان إلى المشتري بل هو ملك البائع وفي ضمانه.

وهذا منتقد حسب ما ذكرنا قبل قليل من أن مثل هذا القول يدخل في ماهية.

العقد (الإيجاب والقبول) ما ليس منه. فالكيل والوزن شرط لا ركن على الصحيح.

الرواية الثانية: أن البيع ينعقد وينقل الملك إلى المشتري بدون القبض، إلا أن ضمان التلف على البائع قبل القبض في المكيل والموزون المعلوم.

وهذه الرواية هي الراجحة وينبغي المصير في تقرر رأي المذهب إليها.

* * *

ص: 357

المبحث الثالث

صور تحقق القبض

(1)

.

لما كان للقبض أهمية في نقل الضمان واستقرار المالكية، فجدير بنا أن نقف عند الصور التي يتحقق بها حسب ما نظرها فقهاؤنا رحمهم الله. ومجمل هذه الصور أنها تخضع لعرف الناس وعاداتهم مع مستثنيات يرد ذكرها بإذن الله.

أولا – المناولة:

مناولة الشيء إلى مستحقه يعتبر إقباضًا له كالحلي والجواهر والأقلام والكتب وغير ذلك من السلع. وهذه الصورة أكثر أنواع القبض وأقواها.

ثانيًا – التخلية ورفع الحائل

إذا خلى البائع بين المشتري وبين المبيع على وجه يتمكن من قبضه من غير حائل وكذلك تسليم الثمن، فإن ذلك يعتبر قبضًا وينتقل الضمان معه والملك إلى المشتري وينبغي أن يقترن ذلك بثلاثة أمور:

الأول: أن يقول البائع خليت بينك وبين المبيع.

الثانى: أن يكون المبيع بحضرة المشتري على صفة يتأتى فيه القبض من غير مانع.

الثالث: أن يكون المبيع مفرزًا غير مشغول بحق غيره.

وعلى هذا فلو دفع المفاتيح للمشتري يعتبر قبضًا، وإن كانت مشغولة بمتاع البائع لم يكن قبضًا، وإن كان متاع غير البائع صح القبض وكان المتاع وديعة عند المشتري.

وإذا بيعت الدار غائبة فقال: سلمتك إياها، لا يصير قبضًا، وإذا كانت قريبة أي بحال يقدر المشتري على إغلاقها فإنه قبض على رأي. وفي رأي آخر التخلية قبض وإن كان المبيع ببعد عنهما.

وفي البيع الفاسد تكون التخلية قبضًا على بعض النقول. وفي نقول أخرى أن الأصح أن التخلية ليست قبضًا هذا مذهب الحنفية فلا فرق بين مكيل أو موزون وغيره.

(1) انظر للحنفية: فتح القدير: 5 / 109 و 230 و 264، وانظر للمالكية: الخرشي وحاشية العدوي: 5/85 و 158 و 163، وانظر للشافعية: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 2/72، والغاية القصوي في دراية الفتوى للبيضاوي: 1/483 – 484، وللحنابلة: المغني والشرح الكبير: 4/220 قواعد ابن رجب: قاعدة 43، وقاعدة 51.

ص: 358

أما مذهب المالكية:

فإن البيع إذا كان صحيحا، فإن الضمان يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد، فإذا كان المبيع حاضرًا وليس فيه حق توفيه من وكيل أو وزن أو عدد كحيوان وكتان فإن ضمانه ينتقل إلى المشتري بمجرد العقد. أما إذا كان فيه توفيه مما ذكر أو كان المبيع غائبًا، أو كانت السلعة محبوسة بسبب تأخر دفع ثمنها أو للإشهاد على حكم من أحكام البيع كتأجيل الثمن أو حلوله. ففي هذه الأحوال وأمثالها لا ينتقل الضمان إلى المشتري إلا بالقبض.

وبناء على ما تقدم فإن التخلية تكون تحصيلا لحاصل في غير المستثنيات.

لكنه يلاحظ أن التخلية كصورة للقبض إنما يظهر أثرها في العقد الفاسد، فإن الأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر يدخل في ضمان المشتري في البيع الفاسد بمجرد التخلية بين المشتري وبين المبيع إذ أن العقد الفاسد لا يقوى على نقل الضمان بمجرد التخلية ولا يشترط هنا الإخلاء من أمتعة البائع. ثم إن من لوازم التخلية هنا – كما في الدار مثلا – إعطاء المفاتيح للمشتري، فلو مكن البائع المشتري من التصرف بأن فتح الأبواب ومكنه من السكنى ومنعه المفاتيح، فإن في كون ذلك قبضا نظرًا.

كما يلاحظ أن قبض المثليات في البيع الفاسد إنما يكون بالكيل ومثله.

ورأي المالكية في الشيء الغائب يشترى بناء على الصفة أو على رؤية سابقة متقدمة، فإن الضمان لا ينتقل إلى المشتري إلا بالقبض، وهذا في غير العقار. أما العقار فإنه يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد ما لم يوجد شرط يغيره.

كما أن بيع الثمار بدا صلاحها قبل طيبها يبقي الضمان في ذمة البائع إلى أن تطيب فينتقل الضمان إلى المشتري.

ص: 359

ومذهب الشافعية:

أن ما لا يمكن نقله مثل العقار، فإن التخلية وتمكين القابض وإزالة يد المقبض يعتبر قبضًا.

أما ما جرت العادة بنقله فإنه ضربان:

الأول: ما استحق كليه أو وزنه من السلع، فإن قبضه بالكيل أو الوزن، ثم نقله بعد تقديره.

الثاني: ما جرت العادة بنقله دون كيل أو وزن كالأمتعة والأدوات، فإن قبضه يكون بنقله إلى مكان لا يختص ببائعه فلا تكفي فيه التخلية على الأصلح، فإن اختص بالبائع يطلب إذن المشتري ليكون الشيء بيد البائع بطريق الإعارة.

على أن مجرد التخلية في المنقول والمقدر ينقل الضمان إلى المشتري ولكنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل القبض بالتقدير والنقل.

وفي الثمار إذا بيعت بعد بدو صلاحها وينعها تكون التخلية قبضًا.

ويقبض الوالد لولده أو حفيده، ويقبضه من نفسه عن ولده لنفسه، ولو كان للمدين حق في يد الدائن فأمر المدين دائنه ليقبضه من يده لنفسه، فإن في وقوعه قبضًا خلافًا.

ولو كان المقبوض غائبًا فلابد أن يمضي زمان يمكن المضي اليه. ولو كان ما يستحق قبضه بيد القابض وهو غائب فلابد من مضي الزمان. وفي اشتراط رؤية الغائب خلاف، فإذا اشترطت الرؤية ففي اشتراط النقل لتحقق القبض خلاف.

أما الحنابلة:

فإن الروايات تعددت عندهم.

فعلى إحدى الروايات: أن التخلية إذا كان الشيء مميزًا معينًا ولو مشاعا يعتبر قبضًا على الصحيح. لأنه ليس على البائع إلا التمكين، أما القبض والنقل فإنه واجب المشتري فلو فرط المشتري في نقله سقط الضمان عن البائع.

ويقابل الصحيح طريقة أخرى في غير المعين في كون تخليته للمشتري قبض فلهم فيه روايتان.

وقيل إن الإمام أحمد رحمه الله فرق بين المبهم فجعل قبضه كيله. أما الصبرة فإن قبضها نقلها.

وهناك رواية أخرى اعتمدها الخرقي أن قبض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلًا أو موزونًا فإن قبضه بكيله ووزنه.

وما عدا المكيلات والموزونات وما في حكمها، فإن الأعيان المتميزة تدخل في ضمان المشتري بالعقد على ظاهر المذهب.

ويلاحظ أن حكم الغائب كحكم الحاضر لا بد من قبضه لأن الغيبة مانعة من القبض أى أن التخلية لا تكفي في قبضه إلا في العقار.

وهناك رواية في المذهب أن القبض يشترط في جميع الأعيان فلا تكفي التخلية فلا ينتقل الضمان إلا بالقبض سواء كان مكيلًا أو موزونًا أو غيره.

والمنافع لا تدخل في ضمان المستأجر بدون قبض العين المستأجرة أو التمكين منه أو بتفويت المستأجر باختياره.

والوصية تملك بالقبول بدون القبض. أما الهبة والصدقة فعلى روايتين:

الأولى: أنها تجري مجرى البيع في كون التخلية فيها قبضًا.

ص: 360

الثانية: لا بد من نقلها.

وسنرى في المبحث القادم أن مرد الخلاف الحاصل في بعض المسائل بين الفقهاء إنما مرده إلى اختلاف الأخبار والآثار.

وبعد الذي عرضناه من أقوال الفقهاء في صور تحقق القبض يتلخص لنا:

أولا: أن الحنفية اعتبروا التخلية قبضًا في العقار وغيره سواء كان مكيلا أم موزونًا، وهذا بخلاف غيرهم إذ أن الراجح في مذهب المالكية والشافعية والحنابلة أن المكيل والموزون وما في حكمهما لا يتم قبضة إلا بالوزن أو الكيل سواء كان حاضرا أم غائبًا. والحنفية لا يرون لزوم بيع الغائب بل يعطون الخيار للمشتري وبيع العقار الغائب لا يحتاج إلى القبض لنقل الضمان إلى المشتري بل يكفي العقد والتخلية هذا عند المالكية والحنابلة وهو كذلك عند الشافعية مع اشتراط مضي الزمن الكافي للقبض.

ثانيا: أما غير المكيلات والموزونات، فإن مذهب المالكية متوسع في وقوع الملكية وانتقال الضمان بمجرد العقد ويحظى هذا القول تأييدًا عند بعض الحنابلة.

ثالثا: بناء عليه فإن ما يجري في الأسواق من التخلية بين المشتري والسلع من غير المكيلات والموزونات وما في حكمها صحيح وهي في ضمان المشتري.

أما المكيلات والموزونات فإن قبضها تقيد بتقديرها عن طريق النصوص الواردة في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

والتخلية حسب العرف سواء كانت بإذن شفهي أو بكلام مكتوب أو بكل ما تعارف الناس في انه تخلية.

وسيأتي مزيد كلام في المبحث القادم.

* * *

ص: 361

المبحث الرابع

أثر القبض في تقييد تصرفات المالكين

تبرم العقود وتترتب عليها أحكامها. وقد يتأخر القبض عن وقت العقد وربما يرغب من وجب له القبض أن يتصرف في الشيء قبل قبضه. فهل له ذلك؟ وما هي التصرفات التي يمكن أن يجريها؟

إن التصرفات التي يجريها مستحق القبض على المقبوض قد تكون من نوع المعاوضات كالبيع والإجارة وقد تكون من التبرعات أو غيرها.

وقد اختلفت كلمة الفقهاء على النحو التالى:

أولا: مذهب الحنفية

(1)

يفرق الحنفية بين العقار بين المنقول.

فبيع العقار قبل قبضه أجازه أبو حنيفة وأبو يوسف. بناء على أنه بيع تحقق ركنه من أهله في محله ولا احتمال للغرر في العقار لأن هلاكه نادر.

وخالفهما محمد بن الحسن فذهب إلى عدم جواز بيعه قبل قبضه عملًا بإطلاق أحاديث المنع فلا فرق بين عقار وغيره. وهو مذهب زفر ورواية عن أبي يوسف.

أما المنقول فقد اتفق فقهاء المذهب على أن لا يجوز بيعه قبل قبضه لمنع النبي صلى الله عليه وسلم بين الطعام حتى يستوفي، ولأن ابن عباس رضي الله عنه قال: أحسب كل شيء مثل الطعام.

وقد تقرر في المذهب هنا أصل وهو:

أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة إذا كانت عينًا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينًا فلا يجوز بيع شيء من ذلك ولا أن يشرك فيه غيره، أما ما لا ينفسخ بهلاك العوض فإن التصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر إذا كان عينًا وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد فكل ذلك إذا كان عينًا يجوز بيعه وهبته وإجازته قبل قبضه وسائر التصرفات.

على أن الإمام محمد بن الحسن يرى أن كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض فإنه يجوز إجراؤه في المبيع قبل القبض إذا سلطه البائع على قبضه فقبضه لأن تمام هذه التصرفات بالقبض والمانع قد زال بخلاف البيع والإجارة، فإنه لازم بنفسه.

وهذا الاتجاه عند محمد لا يلقى تأييدًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف.

ويلاحظ أن الحنفية يجيزون التصرف في الثمن قبل قبضه استبدالًا في غير الصرف والسلم.

(1) انظر فتح القدير والعناية شرح الهداية: 5/264 – 265، بدائع الصنائع: 5/181

ص: 362

ثانيا – مذهب المالكية

(1)

:

يرى المالكية أن كل شيء يجوز بيعه قبل قبضه إلا الطعام وذلك بناء على أن العقد قد نقل الملك والضمان إلى مستحق القبض.

ولا خلاف في مذهب مالك في منع بيع الطعام قبل قبضه اذا كان ربويًّا موزونًا أو مكيلًا أو غيرهما. أما إذا لم يكن ربويًّا فعن مالك روايتان: إحداهما: المنع وهي الأشهر وبها – كما يقول ابن رشد – قال أحمد وأبو ثور إلا أنهما اشتراطا الكيل والوزن والرواية الأخرى عن مالك: الجواز.

كما يمنع بيع كل مأخوذ بالمعاوضة سواء كان طعامًا أو غيره قبل قبضه كالفواكه المأخوذة معاوضة، والمأخوذ صداقًا أو خلعًا فلا يجوز بيعه قبل قبضه. أما ما أخذ جزافًا فيجوز بيعه قبل قبضه إلا إذا كان ضمانه على البائع كلبن الشاة. ويلاحظ أن الطعام لو كان سبب استحقاقه صدقة أو قرضًا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، كذلك لو كان استحقاقه بالميراث أو الهبة. ويجوز الإقالة والتولية والشركة في المبيع قبل قبضه. وهذا خلاف ما يراه الحنفية والشافعية.

ثالثا – مذهب الشافعية، وبه قال الثوري

(2)

.

يتشدد الشافعية في هذا الباب أكثر من غيرهم، فلا يجوز عندهم بيع المبيع قبل قبضه سواء كان منقولًا أم عقارًا وإن أذن البائع في قبض الثمن وذلك للخبر الذي استدل به الحنفية ولقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام ((لا تبيعن شيئًا قبل قبضه)) ، رواه البيهقي وقال حسن الإسناد متصل، ولأن الملك ضعيف قبل القبض بدليل انفساخ العقد بالتلف قبل القبض.

والأصح في المذهب أن بيع المبيع إلى بائعه هو ذات الحكم في بيعه لغيره إلا إذا كان بذات الثمن الذي باع به فيكون التصرف إقالة وهي صحيحة. ويقابل الأصح صحة البيع من البائع قبل القبض قياسًا على بيع المغصوب من الغاصب.

وعلى الأصح في المذهب لا يجوز إجارة المبيع ولا هبته ولا رهنه ولا جعله صداقًا ولا إقراضه ولا جعله عوضًا في نكاح قبل القبض.

ومقابل الأصح يجوز وفاقًا للمالكية.

أما التولية والشركة فلا يجوز إجراؤها على البيع قبل القبض، وفاقًا للحنفية وخلافًا للمالكية.

ولا يجوز في نظر الشافعية التصرف في الثمن قبل قبضه فحكمه حكم المبيع قبل قبضه:

ما ثبت تملكه بالميراث جاز بيعه قبل قبضه. كما أن المشاع إذا اشتراه مشتر وطلب قسمته قبل قبضه يجاب إليه.

(1) الخرشي: 5/163- 164، بداية المجتهد: 2/108- 110، القوانين الفقهية: 221- 222، الفروق وتهذيبه الفرق: 198

(2)

مغني المحتاج: 2/68، الغاية القصوى: 1/469، 483، بداية المجتهد: 2/108

ص: 363

رابعا: مذهب الحنابلة

(1)

قال في المغني إن كل ما يحتاج إلى قبض إذا اشتراه لم يجز بيعه حتى يقبضه لقول النبى صلى الله عليه وسلم ((من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه)) متفق عليه. ولأنه من ضمان بائعة فلم يجز بيعه كالسلم.

أما إذا لم يحتج إلى قبض فإنه يجوز بيعه قبل قبضه في أظهر الروايتين.

ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق.

أما الرواية الأخرى فلا يجوز بيع شيء قبل قبضه وهي اختيار ابن عقيل.

ودليله أن العقد الأول لا يتم إلا بعد أن تستوفي أحكامه فلا يرد عليه عقد آخر قبل انبرامه. وبهذا قال ابن المسيب (فقه سعيد بن المسيب: 4/15) ، وهو مذهب الشافعية كما سبق.

وهناك روايات في المذهب متعددة أوردها ابن رجب منها أن الشيء إذا كان متعينًا جاز بيعه قبل قبضه. أما غير المتعين وهو المبهم فلا يجوز بيعه قبل قبضه. ولا يجوز ما منع بيعه قبل قبضه للبائع فهو كغيره لعموم الخبر.

ويذكر الحنابلة ضابطا كما هو عند الحنفية: فكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لم يجز التصرف فيه قبل قبضه كالذي ذكر في المكيلات والموزونات ومثله الأجرة وبدل الصلح إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود. أما ما لا ينفسخ العقد بهلاكه جاز التصرف فيه قبل قبضه كعوض الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد وأرش الجناية وقيمة المتلفات.

وما امتنع بيعه تمنع الشركة فيه والتولية وكذلك حوالته وهذا وفاق الشافعي.

أما ما يجوز بيعه قبل قبضه فيجوز.

أما هبة المبيع ورهنه وإجارته قبل القبض فللحنابلة وجهان.

أما ثمن المبيع، فإن كان معينًا جاز التصرف فيه سواء كان المبيع مما يمنع بيعه قبل قبضه أم لا. وإن كان مبهمًا لم يجز التصرف فيه قبل تعيينه.

(1) القواعد لابن رجب: ص 52، ص 78 وبعدها، المغني والشرح الكبير: 4/220- 223.

ص: 364

خامسا – ذهب أبو عبيد بن سلام وإسحاق إلى أن كل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس من بيعه قبل قبضه (1) وهو موافق لرواية عند الحنابلة وعليه بعض الإمامية (2) .

ودليل هذا الرأي أن الضمان لا ينتقل فيما يكال أو يوزن إلا بكيله أو وزنه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن، وهذه رواية عن سعيد بن المسيب.

سادسا – وذهب ابن حبيب وعبد العزيز بن أبي سلمة وربيعة إلى أن كل شيء لا يكال ولا يوزن ولا يعد فيجوز بيعه قبل قبضه وهو كالرأى السابق مع إضافة المعدود (3) .

سابعا: نقل عن عثمان البتي أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه (4) وهو قول عطاء بن أبي رباح (5)

وقد رد ابن عبد البر هذا الرأي بالسنة والحجة والمجمعة على منع بيع الطعام قبل قبضه. وقال: أظن أنه لم يبلغهما الحديث.

إن سبب اختلاف الفقهاء على هذا الشكل سببه توارد الأحاديث الكثيرة بهذا الخصوص وهي في درجة الصحة سواء، إنما اختلفت الروايات في بعض ألفاظ اعتمدها كل فقيه لدعم مذهبه.

ولكن الذي يقال إن الأيسر من كل هذه المذاهب هو ما ذهب إليه فقهاء المذهب المالكي من أن كل شيء يمكن بيعه قبل قبضه ما عدا الطعام سواء كان مكيلًا أو موزونًا لو لم يكن – وذلك لتوافق الروايات واتفاق الفقهاء على منع بيعه قبل قبضه.

وغير الطعام يجوز بيعه قبل قبضه إن كان مقدرًا أو جزافًا.

فهذا الرأي يمكن المصير إليه مع تطور حركة البيع والشراء في أسواقنا وتنوع صور البيع وسرعتها يجعلنا نرجح هذا المذهب.

وعلى هذا المذهب تخرج صور القبض الدائرة في أسواقنا من حيث صحتها وعدمها توافقًا مع أحكام الفقه الإسلامي. والله أعلم.

وهو الهادي إلى سبيل الصواب والرشاد.

الدكتور محمد رضا عبد الجبار العافي

(1) انظر بداية المجتهد: 2/108

(2)

نفس المصدر

(3)

المغنى: 4 / 220

(4)

الزرقاني: 3/ 287، سبل السلام: 3/ 15

(5)

القواعد والفوائد للعاملي: 2/ 263، أما الرأي الآخر فهو منع بيع الطعام قبل قبضه وهو كقول المالكية.

ص: 365

مراجع البحث

1-

بدائع الصنائع، للكاساني.

2-

فتح القدير والعناية شرح الهداية

3-

بداية المجتهد، لابن رشد.

4-

الفروق وتهذيبه، للقرافي.

5-

القوانين الفقهية، لابن جزي.

6-

شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه.

7-

قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام.

8-

العناية القصوى في دراية الفتوى للبيضاوي.

9-

مغني المحتاج، للخطيب الشربينى.

10-

المغني والشرح الكبير، لابن قدامة المقدسي.

11-

القواعد الفقهية، لابن رجب الحنبلى.

12-

القواعد والفوائد للعامرى.

13-

سبل السلام، للصنعاني.

14-

مختار الصحاح، للرازي.

ص: 366