الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسية
إعداد
سعادة الدكتور مصطفى النابلي
مدير بورصة تونس
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
يهدف هذا البحث أولا إلى تقديم إشكالية الأسواق المالية بصفة عامة ودورها في التنمية وكذلك وصفا لآليتها وكيفية عملها.
ونبين في مرحلة ثانية التجربة التونسية في ميدان السوق المالية مع خصائصها والمشاكل التي تعترض تطورها وكذلك آفاقها الجديدة بمناسبة الإصلاحات التي هي في حيز التطبيق.
الأسواق المالية دورها وآلياتها
يستدعي التعريف بالسوق المالية وأساليب عملها التعرض في مرحلة أولى إلى تحديد موضعها أو منزلتها من إشكالية التنمية وفي مرحلة لاحقة إلى بيان مختلف المفاهيم والآليات المتعلقة بها:
1 -
إشكالية دور السوق المالية والبورصة في التنمية:
من أهم إشكاليات التنمية الاقتصادية هي طريقة الربط بين الادخار من جهة والاستثمار من جهة أخرى، أي الآليات التي تمكن من التوفيق بين:
- توظيف الادخار من طرف الأفراد أو المؤسسات ذات الفائض المالي سواء منها المالية (كمؤسسات التأمين) أو غير المالية من جهة.
- وتمويل المؤسسات ذات العجز المالي بما في ذلك الدولة لفائدة برامجها الاستثمارية من جهة أخرى.
ويمكن تقويم نجاعة هذا الربط الذي يعبر عنه بالوساطة المالية وآلياته عبر معيارين اثنين:
- الأول: هو مدى نجاعة توظيف الموارد نحو الاستعمال الأفضل (الأحسن) ، أي التمكن من تمويل واختيار أحسن المشاريع للاستثمار بما في ذلك اختيار القطاع ونوعية الإنتاج
…
إلخ.
- والثاني: هو التمكن من بعث نسيج اقتصادي ومؤسسات إنتاج متوازنة ماليا وقوية يمكنها أن تجابه التقلبات والصعوبات المالية وغير المالية سواء في السوق الداخلية أو الخارجية.
والهدف الأصلي لكل ذلك هو تطوير الإنتاج القومي وتنشيط التشغيل لليد العاملة وخلق الثروات لفائدة المجموعة. ولئن تشعبت المسائل الخاصة بالأوراق المالية فلا يجب أن ننسى بأن المهمة والدور الأصلي للأوراق المالية يرجع إلى إضفاء أكثر نجاعة وفاعلية لعمليات الاستثمار الاقتصادية التي هي ركيزة التطور الاقتصادي وخلق الثروات الجديدة.
وقنوات الربط بين الادخار والاستثمار في جل البلدان هي ثلاثة:
أولها: التمويل الذاتي، أي أن المدخر يوظف وسائله المالية لفائدة مشاريع يقوم هو نفسه ببعثها على غرار رئيس العائلة الذي يقوم ببناء منزله الخاص أو المؤسسة التي تمول برنامج استثمارها من الأرباح التي تحققها والمدخرات التي تجمعها.
ثانيها: هو الجهاز البنكي والاقتراض، حيث تقوم البنوك بجمع المدخرات وتوظيفها عن طريق القرض لفائدة المؤسسات والأفراد.
وثالثها: هو السوق المالية التي تمكن باعث الاستثمار من التمول مباشرة لدى المدخر.
وتقاس نجاعة اقتصاد ما، بمدى استعمال القنوات الثلاثة للتمويل بصفة متوازنة وبعبارة أخرى فإن السوق المالية ليست السبيل الوحيدة إلى تمويل الاقتصاد بقدر ما هي الوسيلة الأنسب لتمويل الاستثمارات ذات الأمد الطويل خلافا للسوق النقدية مثلا التي هي موجهة لتمويل العمليات قصيرة الأمد.
ويمكن التذكير هنا بأن السوق المالية تنقسم عادة إلى قسمين:
- السوق الأولية أو سوق الإصدارات وهي التي يقع عبرها التمويل المباشر السابق ذكره. ويقع ذلك عن طريق مشاركة المدخرين في شراء مختلف الأوراق المالية كالأسهم والقروض الرقاعية أو السندات التي تصدرها مختلف المؤسسات ذات العجز في التمويل. وتتميز هذه التمويلات بطابع طول أمدها وتوفيرها لأموال قارة للمؤسسات.
- السوق الثانوية أو سوق البورصة وهي التي تمكن حاملي الأوراق المالية الموجودة والتي وقع إصدارها سابقا من تداولها من جديد. ودور هذه السوق هام إذ إنه يمكن من إعطاء الأوراق المالية السيولة التي تمكن بدورها من تنشيط السوق الأولية. وكذلك السوق الثانوية تمثل حافزا للشركات لتطوير تصرفها ونجاعتها، إذ إن السوق تشكل جهاز تقويم متواصل لفائدة المشاركين فيها.
ولهذين الجانبين من السوق المالية ارتباط متين إذ يكيف تطور الواحد منهما تطور الثاني.
2-
السوق الأولية أو سوق الإصدارات:
الإصدارات الجديدة هي مجموع الأوراق المالية من أسهم وسندات وأدوات مالية أخرى التي يقع إصدارها من طرف الشركات أو بقية المؤسسات الأخرى مثل المجالس البلدية ومجالس المحافظات والدولة
…
ويقع اكتتابها من طرف عموم الأشخاص بالمدلول القانوني للكلمة أي الأشخاص الذاتيين والمعنويين.
ومن الناحية الاقتصادية فإن مثل هذه العملية يقع بموجبها استحداث رأس مال، جديد ينشأ عنه استثمار جديد بتجميعه من مدخرات المكتتبين الذين هم في وضع فائض مالي بالنظر إلى حاجيتهم الاستهلاكية عند الاكتتاب ووضعه على ذمة خلايا إنتاجية هي المؤسسات التي عادة ما تكون في وضع عجز مالي لتمويل استثماراتها وبالتالي فإن دور السوق الأولية يتمثل في إرساء مسالك وقنوات الربط والاتصال بين أصحاب العلاقة في هذه الحلقة التي تصل المستثمر المدخر بمحقق الاستثمار الإنتاجي أو الخدمي.
ويستوجب منا تعريف السوق الأولية التعريج على أهم الأوراق المالية التي يقع إصدارها فيها ومواصفاتها القانونية والهيكلية من ناحية وعلى أبرز الطرق المتوخاة في توظيف هذه الأوراق لدى العموم من ناحية أخرى.
2-
1 الأوراق المالية ومواصفاتها:
تنقسم الأوراق المالية عموما إلى صنفين بالنظر إلى شكلها القانوني وهما:
- الأوراق المالية التي تمنح حاملها نصيبا من رأس مال الشركة على قدر مساهمته فيه وتسمى عادة الأسهم وما يرتبط بها.
- الأوراق المالية التي لا تمنح لحاملها إلا حق دين على المؤسسة المصدرة يقع استرجاعه بعد مدة بمقابل.
إلا أن الاستنباط المالي الذي شهد تطورا بنسق منقطع النظير في الفترة الأخيرة وهو ما أصبح يصطلح عليه (بالهندسة المالية) قد توصل إلى استحداث أدوات مالية متنوعة ومتشعبة أحيانا قد يسهل ترتيبها بالقياس إلى طبيعتها كأدوات مساهمة في رأس المال أو كأدوات دين وقد يصعب أحيانا أخرى.
أما الأسهم فهي كما ذكرنا أوراق مالية يتمتع حاملها بحق ملكية لجزء مشاع من رأس مال شركة مساهمة وبقية أصولها وأموالها وينجم عن ذلك تمتعه بكل ما يحصل من زيادة في القيمة إلى هذه الموجودات ويجني ما يعود له من أرباح تحققها الشركة. كما أنه وبالمقابل فإن كل تدهور يحصل في الشركة ويمس موجوداتها ومدخراتها وأصولها وينتج عنه نقص في قيمة السهم أو خسارة، يكون على حساب المساهم ولو وصل الأمر إلى فقدانه لكل المبلغ الذي اكتتب به السهم عند الإصدار.
أما حامل السند، وعلى أساس أن هذا الأخير يمثل وثيقة إقراض للشركة أو أية مؤسسة مصدرة أخرى فإنه يكون في وضعية الدائن حيث إنه لا يتمتع بأية حقوق على أموال الشركة فهو لا يشارك في المرابيح بل يتقاضى فائضا سنويا أو في نهاية المدة يكون قارا أو متغيرا بتغير بعض المؤشرات حسب الحالة ولا ينتفع بالزيادة في القيمة التي تحصل لها وليس له أن يتدخل في شئون الشركة ولا في تسييرها. ولكنه لا يتحمل عادة الخسائر التي تتكبدها الشركة إلا في الحالات القصوى عند إفلاسها إذ قد يخسر حامل السندات جزءا أو كامل رأس المال.
2-
2 آليات السوق الأولية:
يجدر التذكير أولا بأن شركات المساهمة أو الشركات خفية الاسم كما يصطلح عليها في بعض التشريعات العربية تكون من نوعين:
- الشركات التي تقوم بين عدد محدود من المساهمين غالبا ما يكونون من أفراد عائلة واحدة أو مجموعة تسمى شركات المساهمة الخصوصية أو الشركات المقفلة على أساس أنها ترفض دخول مساهمين من غير أفراد العائلة أو أفراد المجموعة وإن تم ذلك فإنه يتم بناء على مصادقة مجلس الإدارة أو الجمعية العامة على المساهم الجديد.
- شركات المساهمة العامة وهي التي تفتح رأس مالها للعموم بغض النظر عن انتسابهم وذلك بطرح رأس مالها للاكتتاب العام وهي ما تسمى بالشركات المفتوحة أو الشركات ذات القاعدة الواسعة للمساهمين حيث إن المساهمة في هذه الشركات تكون من رجال الأعمال ومن الأفراد العاديين كالأجراء وغيرهم
…
إلى جانب المؤسسات الأخرى. وهذا الصنف من الشركات وهو الذي يقع تداول أسهمه في البورصة أو في السوق الثانوية.
وقد توصل الفكر المالي إلى استنباط أساليب عمل وطرق آليات لتسهيل انسياب الأموال من أصحابها إلى الذين هم في حاجة إليها مثلما أسلفنا سابقا. ومن أهم أركان هذه الآليات تجدر الإشارة إلى الوساطة المالية التي تقوم بها دور الوساطة المتخصصة وبنوك الإيداع والاستثمار وبنوك التنمية وغيرها من المؤسسات المهتمة بوصل حلقة الربط بين عارض الأموال وطالبها.
وقد استحدثت في هذا المجال فنيات عديدة ومتطورة لتوظيف الأموال وتغطية الإصدارات الجديدة حيث أصبحت المؤسسات التي ذكرناها تعد دراسة كاملة ومتكاملة لتمويل المؤسسات التي هي بحاجة إلى تمويل ثم تقتحم السوق بإصدار الأوراق والأدوات المالية لفائدة المؤسسة المصدرة (بتغطية) ذلك الإصدار أي أنها تتجمع كمؤسسات توظيف لتحصل على أقصى ما يمكن من الاكتتاب لدى الأفراد والمؤسسات وتتكفل بتغطية ما لم يمكن توظيفه لدى العموم باكتتابه مباشرة من طرفه كمؤسسات مغطية.
وتكون التغطية نفسها من نوعين:
- التغطية بضمان النتيجة، وهي التي يتكفل فيها الوسيط المالي بإنجاز الاكتتاب لفائدة المصدر بالبحث عن مكتتبين وبتحمل تبعة ما لم ينجح في توظيفه باكتتابه مباشرة من أمواله الذاتية.
- التغطية ببذل عناية، وهو العقد الذي بمقتضاه يتولى المغطّى البحث عن مكتتبين لفائدة المصدر مقابل عمولة متفق عليها دون الالتزام باكتتاب ما تبقى من الإصدار في حالة عدم توظيفه بالكامل.
إن مثل هذه الفنيات والوسائل المتبعة في ميدان الوساطة المالية لتهدف إلى بلوغ درجة عالية من مساهمة الأفراد والمؤسسات في السوق المالية عن طريق المشاركة الجماعية في تجميع الموارد الكافية لحاجيات الاستثمار وبما أن هذه العملية أصبحت تمس مصالح الفرد سواء كان عارفا بأصول المهنة وما تفرضه من حذق لأساليب وقواعد التعامل أو كان من غير أهل الاختصاص وهو ما يمثل السواد الأعظم من الناس، فإنه أصبح من المُتَحَتَّم على السّلطة الساهرة على سير الأسواق المالية حماية المتعاملين فيها بإرساء رقابة مختلفة الأوجه عليها سوف نتعرض إليها لاحقا.
3-
السوق الثانوية:
السوق الثانوية هي سوق تبادل الأوراق والأدوات المالية التي سبق إصدارها طبقا للشروط التي أسلفنا ذكرها في السوق الأولية. وبصورة أدق فإن السوق الثانوية تجد تجسيما لها في البورصة وما يدور فيها من تداول للأوراق المالية المملوكة من طرف الأفراد والمؤسسات.
3-
1 دور السوق الثانوية:
من هذا المنطلق فإن الدور الأساسي الموكول للسوق الثانوية أو للبورصة هو تمكين حاملي الأوراق المالية من أسهم وسندات من عرضها على الراغبين في شرائها أو طالبيها بالمفهوم الاقتصادي للسوق وبالتقاء العرض والطلب يتم تحديد السعر وبالتالي فإن السوق الثانوية تمكن المستمر حامل الورقة المالية من ترجمتها إلى نقود أي من تسييلها.
لكن دور السوق الثانوية أو البورصة لا يقتصر على هذه المهمة إذ زيادة على ما يوفره من تجميع لعناصر السوق من عرض وطلب في مكان واحد فإن البورصة تمكن حامل الورقة المالية من تسعيرها بالسوق علما وأن تلك الورقة وقع إصدارها بالسوق الأولية بقيمة اسمية.
وتختلف كفاءة السوق الثانوية أي درجة استجابتها للسيولة وتحديدها للأسعار أقرب ما يمكن إلى السعر الأعدل من بورصة إلى أخرى وترتبط كفاءة السوق الثانوية شديد الارتباط بازدهار السوق الأولية حيث كلما كانت السوق الثانوية عالية السيولة والمردودية والكفاءة وجدت السوق الأولية إقبالا على اكتتاب الإصدارات الجديدة.
3-
2 تنظيم السوق الثانوية وآلياتها:
تختلف تنظيمات الأسواق الثانوية من بورصة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر ولكنها تشترك في أساسيات لعله من المفيد إبرازها.
أولا: تقوم كل سوق أوراق مالية على وسطاء يتولون تداول الأوراق بالسوق لفائدة المتعاملين ويكون هؤلاء الوسطاء إما أشخاص ذاتيين أو شركات مختصة أو مصارف أو الكل معا حسب الأنظمة والبلدان ويحرص هؤلاء الوسطاء على حماية مصالح متعامليهم وتنفيذ أوامر الشراء والبيع التي يتلقونها منهم بما يخدم تلك المصالح.
ثانيا: الشركات أو الأوراق المالية المدرجة: وهنا أيضا يختلف الوضع من تشريع إلى آخر فهنالك الأسواق التي لا تسمح بالتعامل في الأوراق المالية البتة خارجها، وكل تعامل تم خارجها يعتبر لاغيا، وهنالك التشريعات التي تقيم سوقا نظامية لأسهم عدد من الشركات وسوقا موازية لعدد آخر من الشركات. المهم أن الأسواق وإن اختلفت فإنها على الأقل بالنسبة للصنف الأول من الشركات وهي التي عرفناها سابقا بشركات المساهمة العامة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام يتم إدراجها بالسوق النظامية (أو ما يسمى أيضا السوق الرسمية أو السوق الأولى أو السوق القارة
…
) .
ويتم هذا الإدراج أو هذا القيد بناءا على طلب الشركة أو وسيطها وبعد دراسة مستفيضة لموازينها وحساباتها المالية من طرف البورصة طبقا لشروط الإدراج المبينة بالقوانين والنظم واللوائح العامة والداخلية للبورصات.
ثالثا: وجوب التزام الشركات المدرجة بالقواعد العامة لسير السوق والواجبات المفروضة عليها وتعليمات البورصة وتراتيبها خاصة فيما يتعلق بنشر المعلومات والإفصاح عنها بصفة مستمرة وكاملة وما يجب أن توفره من خدمة خاصة للمساهمين أو المشترين لأسهمها بالسوق.
أما القواعد التي تحكم السوق فتدخل ضمن آليات هذه السوق وهي تتمحور حول أساليب وإجراءات التعامل والوفاء والتسليم وطرق التداول وتحديد الأسعار.
4-
مراقبة الأسواق المالية:
تنسحب مراقبة سلطات السوق المالية على السوق بفرعيها الأولي والثانوي لأن مصلحة التعامل تقتضي ذلك باعتبارها مصلحة غير قابلة للتجزئة ويمكن المس منها في أي مستوى كان.
وتستند قضية مراقبة السوق إلى الحرص على أن تكون التشريعات والإجراءات وكل قواعد اللعبة محترمة من طرف الجميع وخاصة من طرف المصدر للأوراق المالية وعلى أن تتم عملية الاكتتاب وبالتالي رصد المدخر لأمواله في مؤسسة ما في كنف الشفافية التامة وبناءً على معلومات مالية وغير مالية صادقة وثابتة ومستفيضة. لذلك فإن أهم التشريعات الرقابية تنص على أن لا يطرح المصدر أوراقه للاكتتاب العام إلا بعد أن يوزع نشرة إصدار يفصح فيها عن نشاط مؤسسته ومركزها المالي والقوانين التي تحكمها ونظامها الأساسي والداخلي وعن آفاقها المستقبلية وعن الفائدة المنتظرة من الاستثمار فيها
…
وتقوم المصالح الساهرة على تطبيق الرقابة وهي عادة بورصات الأوراق المالية أو لجان البورصة بنشر الضوابط التي يتم على مقتضاها إعداد نشرة الإصدار وتوزيعها. كما تتولى هذه المصالح مراجعة المعلومات الواردة بنشرة الإصدار والتثبت من صحتها ومطالبة المصدر بتعديلها أو زيادة شرحها قبل نشرها. ولا يمكن عادة للمصدر أن يمر إلى طرح إصداره للاكتتاب العام قبل الحصول على تأشيرة الجهة المختصة على نشرة الإصدار لترويجها.
وتختلف درجة شدة الرقابة نوعيا من سوق إلى أخرى بخصوص مصداقية المعلومات المالية المنشورة حيث تشترط بعض الأسواق أن تكون تلك المعلومات مراجعة من طرف مدققين حسب أنماط محاسبة معينة. ويمكن لسلطات هذه الأسواق أن تعترض على أي إجراء إذا رأت فيه مساسا بمصلحة المستثمر. وقد مكنت بعض التشريعات ومن بينها التشريع التونسي رئيس بورصة الأوراق المالية من جميع الصلاحيات اللازمة للدفاع عن حقوق المستثمرين والمتعاملين بصفة عامة ومن بين هذه الصلاحيات خاصة حق التقاضي أمام المحاكم باسمهم لمنع الممارسات المخلة بحقوقهم أو إزالة الآثار المترتبة عنها.
فيما يخص السوق الثانوية تهدف المراقبة إلى حسن تطبيق القواعد القانونية والإجرائية التي وقع سنها، وإلى احترام قانون اللعبة من طرف كل المتدخلين حتى تكون الفوائد المحققة والأرباح والفوارق المكتسبة في السعر مشروعة وعلى أساس سليم وهو ما يضمن السلامة والأمن لكل المتدخلين خاصة منهم الأفراد المدنيين الذين لا تسمح لهم وسائلهم ولا تكوينهم بمعرفة المخاطر والأساليب المعقدة التي قد تضر بمصالحهم.
ومهما كانت الجهات المكلفة بالرقابة حسب الأسواق والبلدان فإنها تهدف إلى توفر- على الأقل – ثلاثة عناصر أساسية وهي:
أولا: إرساء أخلاقيات وحد أدنى من المصداقية لدى المهنيين من وسطاء ومسيري مؤسسات واتصاليين
…
وذلك بإرساء قواعد تعامل وشروط أخلاقية وتأديبية وغيرها.
ثانيا: الحرص على توفير المعلومات بالحد الأدنى المطلوب إلى المستثمر والمتعامل بصفة مستمرة ومتواترة وبعد مراقبتها والتصديق عليها من أهل الاختصاص.
ثالثا: حماية المستثمرين والمتعاملين والمتدخلين في السوق بصفة عامة من بعض المتعاملين الذي يستفيدون من معلومات داخلية بحكم وضعهم أو بمناسبة تأدية مهامهم وهو ما ينجر عنه عدم توازن في الاستفادة من المعلومات إذ يصبح تحرك المستفيد من المعلومات السرية بالبورصة غير متكافئ مع من يجهل هذه المعلومات وبالتالي، فإن قيام العلاقة بينهم في السوق تكون منخرمة. لذلك تعتبر بعض التشريعات ومن بينها التشريع التونسي الاستفادة من المعلومات الداخلية جنحة يعاقب عليها القانون كما يعاقب القانون التونسي على جنحة ترويج المعلومات الزائفة بخصوص الأوراق المالية قصد الاستفادة منها بالسوق ويعاقب أيضا على جنحة التناور بالأسعار للغرض نفسه.
وخلاصة القول أن الأوجه الرقابية متعددة ومتنوعة ومختلفة من بورصة إلى أخرى ولكنها بالأساس ترمي إلى صيانة العملية الاستثمارية من وقت مبادرة الاكتتاب إلى حين بيع الورقة المالية وقبض ثمنها مرورا بفترة تملكها والمساهمة في الشركة أو حمل سنداتها.
وكلما كانت العملية الاستثمارية سليمة وكلما كان دور الوسطاء الماليين والهياكل المالية من أسواق ومؤسسات مراقبة ناجعة، كلما ازدادت الدورة الاستثمارية كفاءة واستجابة لتطلعات من هو في حاجة إلى رأس المال ومن هم في فائض يبحثون عن استثماره.
5-
تسعير الأوراق المالية في البورصة ومردوديتها:
5-
1 التسعير:
قد يكون من المفيد أن نتناول بنوع من التفصيل مسألة تسعير الأوراق المالية في الأسواق الثانوية أو البورصات.
من الناحية المبدئية فإن قيمة سهم في شركة ما تعكس آفاق المرابيح المستقبلية لتلك الشركة. فملكية سهم في شركة يعطي من يملكه حقا في الجزء المناسب من مرابيح الشركة ما دامت هذه الأخيرة تتعاطى نشاطها. ولذا تكون قيمة السهم من الناحية الجوهرية تعادل القيمة الآنية لكل المرابيح المستقبلية. وبما أن قيمة السهم من وجهة النظر هذه تعكس ما يتكهنه المستثمرون عن الآفاق المستقبلية للشركة فإن أسعار الأوراق المالية تتأثر كثيرا بتغير المعلومات التي تتوفر للمستثمرين وتجعلهم يغيرون تكهناتهم. ومن هنا نفهم أن أسعار الأوراق المالية تكون عرضة أكثر من غيرها لتقلبات متكررة وقد تكون فَجَئَيَّة.
أما من ناحية آليات السوق فإنه تنظيم يمكّن من تسعير الأسهم حسب قاعدة العرض والطلب لتلك الأسهم وذلك على غرار أي سوق للسلع. لكن خصوصيات الأوراق المالية تجعل هذه الأسواق أكثر حساسية من غيرها. فسعر سهم ما يكون في انخفاض أو في ارتفاع حسب ما تكون عروض البيع تفوق عروض الشراء أو العكس وذلك في مدة التسعير التي تنظم بالسوق. أما العروض نفسها فتنتج كما ذكرنا عن التقويم الشخصي من طرف كل مستثمر لآفاق الشركة. وفي حالة أن السوق طبيعية والحالة الاقتصادية العامة تمتاز بالاستقرار فإن الأسعار السوقية للأسهم تكون عكس قيمتها الحقيقية التي هي تنتج عن مكونات الشركة وآفاقها المستقبلية.
لكن كثيرا ما تدخل في ميدان تسعير الأوراق المالية اعتبارات ظرفية تجعل هذه الأسعار تبتعد عن القيمة الحقيقية. ويمكن الإشارة هنا إلى اعتبارين اثنين:
الأول: يخص النفوذ على الشركة: فإذا كانت الشركة تخضع لنفوذ فرد أو مجموعة مضيّقة فذلك يجعل باقي المستثمرين لا يقبلون عليها وبذلك تكون قيمتها أدنى من القيمة الحقيقية. وفي حالة أن فردا أو مجموعة تريد شراء كمية من الأسهم يمكن من تغيير النفوذ على الشركة من المجموعة القديمة إلى المجموعة الجديدة فالأسعار التي يتم فيها هذا التحول تكون عادة تفوق تلك التي كانت سارية قبل تلك العملية.
والاعتبار الثاني: يخص التأثيرات البسيكولوجية في الأسواق المالية. فالذي لوحظ لدى المتدخلين في الأسواق المالية تأثرهم بما يفكر به البعض أو يأخذه البعض الآخر من القرارات. وبذلك هناك اتجاه نحو التقليد الذي يولد تقلبات مضخمة لأسعار الأوراق المالية. فعندما تكون الأسعار في الارتفاع يميل المستثمرون إلى الاعتقاد بأنها ستواصل الارتفاع وبذلك يتوقعون التحصل على أرباح من ذلك الارتفاع ويزداد الطلب على الأسهم مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بصفة متواصلة ولو أن المعطيات الجوهرية لا تبرر هذه الأسعار المتضخمة. وقد يتواصل هذه الارتفاع لمدة من الزمن حتى يحصل التعثر ويقع انهيار في الأسعار يرجعها إلى مستواها الطبيعي. وبذلك نرى أن الأسعار قد تكون في فترة زمنية ما لا تعكس القيمة الأصلية والحقيقية للأوراق المالية.
5-
2 مردودية الأسهم:
يكون قياس مردودية سهم في شركة ما بمقارنة ما يمكن أن يتحصل عليه المستثمر من مدخول يخوله ذلك السهم في مدة ما مع سعر الشراء لذلك السهم. ويمكن تقسيم المدخول إلى عدة مكونات:
- الربح الذي يوزع من طرف الشركة في تلك الفترة.
- قيمة الحقوق التي قد يتحصل عليها المالك للسهم في تلك الفترة مثل حقوق الاكتتاب أو حقوق الإسناد وهي التي تمكن من التحصل على أسهم بدون مقابل.
- القيمة الإضافية التي يكسبها السهم بمقارنة سعره عند بداية الفترة بالسعر عند نهايتها إذ أنه يمكن للمستثمر بيع السهم في آخر الفترة وبذلك اكتساب هذه القيمة الإضافية كمربوح. وهذه القيمة الإضافية هي في الحقيقة وكما أسلفنا ذكره تعكس تطور المرابيح المستقبلية للشركة وتحسن مركزها المالي منذ بداية المدة وتمثل مردودا للمخاطرة التي يقدم عليها المستثمر.
- ويخصم من المكونات السابقة كل الضرائب والتكاليف.
التجربة التونسية في ميدان السوق المالية
ترجع التجربة التونسية المعاصرة في ميدان الأوراق المالية إلى أواخر النصف الأول من القرن الحادي الميلادي حيث بدأ ظهور إصدار السندات خاصة من طرف البنوك وتكثيف في إصدار الأسهم لشركات المساهمة. وأدى ذلك وفي عهد الحماية إلى تقنين المعاملات المالية عبر بعث الديوان التونسي لتسعير الأوراق المالية أو ما كان يسمى بالقيم المنقولة بأمر 23 أبريل (نيسان)1945.
لقد كان الديوان التونسي للتسعير في شكل مؤسسة خاصة تعمل حسب قانون جمعية الوسطاء المرخص لها من طرف وزارة المالية وشملت هذه الجمعية في سنة 1968 عشر مؤسسات أغلبها بنكية ويديرها مكتب منتخب من مهامه تسيير ومراقبة التداول وتسجيل الإحالات المباشرة الخاصة بأوراق الشركات غير المسعرة وتبين الإحصاءات المتعلقة بنشاط ديوان التسعير. وكانت عمليات التسجيل تمثل 90 % من الحجم الكلي للمعاملات فأصبح شبة قباضة تسجيل مالية وابتعد كل البعد عن الغرض الذي بعث من أجله والذي يرمي أساسا لتشجيع الادخار وتنمية روح المبادرة عند المستثمرين ومواجهة متطلبات تمويل مخططات لتنمية التي فرضتها التحولات التي عرفها الاقتصاد التونسي خاصة مع بداية عهد الاستقلال. وجب عندئذ البحث عن أنجع الطرق لخلق عادات جديدة لرصد الادخار في الدورة الاقتصادية وتغيير عقلية المواطن بتشريكه مباشرة في تمويل المشاريع التي اقتضاها هذا الظرف ومحاربة الأشكال المتوازنة للادخار التي كانت لا تتعدى رصد متبقي الدخل في المجال العقاري أو الفلاحي أو حتى تجميده نقدا.
وفي هذا الاتجاه بالذات وقع تطوير السوق المالية وإحداث بورصة قصد إعطاء هذه السوق فاعلية الكافية وحظوظ النمو بإصدار القانون 13/69 المؤرخ في 28 فبراير (شباط)1969.
1-
السوق المالية والبورصة بين 1969 و 1989:
أوكل القانون الجديد لسنة 1969 اختصاصات جاءت في شكل أهداف يستدعي بلوغها وهو ما نص عليه الفصل الثاني من القانون المشار إليه وهي:
- تنظيم وتسيير سوق الأوراق المالية.
- تحقيق المعاملات بشأن تلك الأوراق في أحسن الظروف من حيث حسن السير والسرعة.
- تسهيل البحثعن رءوس أموال جديدة للشركات
- السعي والتشجيع لجمع وتوفير الادخار برصد المال في الأوراق المالية.
ويمكن درس التجربة التونسية بالتعرض إلى جانبي السوق أي السوق الأولية والسوق الثانوية.
1-
1 السوق الأولية:
يقع إصدار الأوراق المالية من طرف المؤسسات بدون قيود في تونس فيما عدا إلزام إعلام البورصة بذلك. وفيما يخص الأسهم تصدر الأوراق بالقيمة الاسمية، وحسب قانون الشركات يعين القسط الذي يقع دفعه عند الإصدار مسبقا ولا يقل عن ربع القيمة ويقع دفع البقية حسب أقساط تحددها الشركة ولا يتعدى الأجل لتسديد كل قيمة المساهمة الخمس سنوات.
وفي حالة أن القيمة السوقية للأسهم الموجودة للشركة تفوق القيمة الاسمية للأوراق الجديدة المطروحة يقع الإصدار مع دفع المشتري للسهم لقيمة إضافية تحددها الشركة لدى الإصدار وتسمى بعلاوة الإصدار.
وفي الكثير من الأحيان يقع إصدار أسهم جديدة مع تمكين المساهمين القدامى:
أولا: من عدد من الأسهم دون مقابل حسب نسب معينة بالرجوع إلى الأسهم الموجودة التي يملكونها.
وثانيا: من حق الأولوية في اكتتاب الأسهم الجديدة، وقد يختار المساهم أن لا يستعمل هذا الحق في المشاركة الإضافية في رأس مال الشركة وفي تلك الحال يمكن له أن يبيع ذلك الحق في السوق الثانوية. ويقع تداول حقوق الاكتتاب هذه في السوق الثانوية كسائر الأوراق المالية.
وفيما يخص التجربة التونسية فقد تطورت الإصدارات للأوراق المالية بصفة هامة في هذه المدة وأصبحت تمثل حوالي 25 % من قيمة الاستثمار الإجمالي للبلاد. ولكن يجب الملاحظة بأن هذا التطور يرجع أساسا إلى استئثار نوعين من الأوراق المالية بالإصدارات:
الأول: هي السندات والرقاع التي تصدرها الدولة وخاصة منها التي تكتتب إجباريا لدى المؤسسات المالية.
الثاني: هي الأسهم التي تصدرها الشركات المقفلة.
ولذلك لم تلعب السوق الأولية دورا فعالا في توظيف الادخار العام لفائدة مؤسسات مفتوحة للمساهمة العامة إذ قلت العروض للاكتتاب العام الفائدة المؤسسات الإنتاجية.
1-
2 السوق الثانوية:
بحكم قانون 1969 أعطيت البورصة خصوصية تسجيل كل المعاملات في السوق الثانوية للأوراق المالية إذا أوجب على كل المتعاملين في السوق تقديم تلك المعاملات للبورصة لإكسائها الصبغة القانونية ومن هنا جاء تنظيم السوق إلى جزءين أي السوق القارة والسوق غير القارة.
(أ) السوق القارة: هي التي يقع فيها تداول الأوراق المدرجة بالتسعيرة. وتم ضبط بعض الشروط لإدراج الشركة المصدرة للأسهم وهي أن:
- يكون لها رأس مال إسمي يساوي 50000 د على الأقل.
- تكون موجودة منذ ثلاثة أعوام وذلك بتقديمها ثلاث موازنات.
- تكون باشرت توزيع الأرباح مرة واحدة على الأقل منذ انبعاثها.
هذا وقد بلغ عدد الشركات المسعرة في السوق القارة إلى حد سنة 1989 حوالي 50 شركة في حين كان لا يتعدى سنة 1970 سبع عشرة شركة وقع إدراجها مع بداية نشاط البورصة.
فرغم تطور عدد الشركات المسعرة في هذه السوق، فإن نشاطها الكمي والنوعي بقي محدودا. فقد تطور حجم المعاملات في هذه السوق من المليون دينار تونسي سنة 1971 إلى 11 مليون دينار سنة 1988. وهذا التطور يبقى ضئيلا إذا ما قورن بتطور النشاط الاقتصادي العام أو النشاط المالي مثل حجم القروض أو حجم الكتلة النقدية.
وفي نطاق هذه السوق طغت المعاملات التي تهم أسهم القطاع البنكي بينما قلت تلك التي تخص القطاعات الإنتاجية الأخرى. وفي كل الحالات بقي نشاط السوق ضعيفا والأسعار المسجلة في غالب الأحيان دون القيمة الحقيقية للأسهم المتداولة.
(ب) السوق غير القارة: وهي التي يقع فيها تداول الأوراق التي غير المدرجة في السوق القارة وقد بعثت هذه السوق استجابة للمقتضى القانوني الذي يوجب مصادقة البورصة على كل عملية تتعلق بالأوراق المالية.
بصفة عامة تطور حجم المعاملات بصفة ملحوظة وواكب تطور النشاط الاقتصادي والمالي في البلاد حتى إن هذه المعاملات أصبحت تمثل ما يقرب من 80 إلى 90 بالمائة من نشاط السوق الثانوية الإجمالي. لكن هذه المعاملات ليست في غالب الأحيان إلا مجرد تسجيل اسمي لتحويلات يقع الاتفاق عليها خارج السوق وتهم شركات مقفلة.
1-
3 آليات أسواق البورصة بتونس:
يمكن وصف الآليات المستعملة في سوق البورصة في تونس كما يلي:
- يعطي العميل أوامره بالبيع والشراء لوسيط بالبورصة ويحدد له شروط العملية أي كمية الأسهم من جهة والسعر من جهة أخرى، وفيما يخص السعر يمكن له أن يختار أن يحدد السعر الأقصى الذي يقبله كمشتر أو الأدنى إذا كان بائعا أو أن يعطي الصلاحية للوسيط أن يقوم بعملية البيع أو الشراء حسب مقتضيات السوق مع مراعاة مصالح العميل. وتكون هذه الأوامر مكتوبة.
- يجمع الوسيط الأوامر التي يتلقاها من العملاء.
- يجتمع الوسطاء بصفة منتظمة (مرتين في الأسبوع في بورصة تونس) في حصص للتسعير والتداول. وتقع المناداة عن الأوراق واحدة واحدة وفي كل حال تقع المزايدة الشفوية بين الوسطاء بمعية موظف من البورصة. ويعبر كل وسيط عن رغبته في البيع أو الشراء حسب الأسعار التي تعلن حتى يتم الوصول إلى سعر يتفق عليه البائعون والمشترون ويكون السعر الذي تتم فيه الصفقات الممكنة حسب أوامر العملاء.
- يقع تسليم الأوراق المالية بالحاضر مقابل نقد بين الوسطاء الذين يتحصلون على الأوراق أو النقد من عملائهم مسبقا.
- يقع دفع عمولة للوسيط من طرف العميل تقدر بـ0.8 % من قيمة المعاملة من طرف البائع وكذلك من طرف المشتري. ويقع استخلاص أداء لفائدة البورصة يعادل عمولة الوسيط. أي أن كل عميل في معاملة يدفع في الجملة 1.6 % من قيمتها.
1-
4 الوسطاء:
لقد أحدث القانون المنظم للبورصة مهنة الوسيط واشترط فيه العديد من الضمانات المالية والأدبية وفرض عليه أداء القسم ومنحه الاختصاص في إجراء المعاملات المتعلقة بالأوراق المالية بكامل تراب الجمهورية ويؤلف الوسطاء جمعية تسهر على مصالحهم وتحافظ على شرف المهنة وكل وسيط ملزم بالانخراط في هذه الجمعية ويمكن للوسيط أن يكون شخصا معنويا أو ذاتيا أو بنكا تونسيا.
غير أن ضيق السوق التونسية لم تكن حافزا على مباشرة هذه المهنة من طرف الخواص فانحصر النشاط بأيدي البنوك وبعض الشركات المالية التابعة لها.
2-
تقويم التجربة:
2-
1 خصوصيات التجربة:
إذا أجدنا النظر في التجربة التونسية على مدى الثلاثين سنة الماضية في مجال تمويل الاستثمار تتبين لنا عدة خصوصيات يمكن حصرها فيما يلي:
أولا: الاعتماد المفرط على الجهاز البنكي في عملية توظيف الادخار لتمويل الاستثمار وذلك سواء لتمويل المؤسسات الاقتصادية المنتجة أو لتمويل حاجيات القطاع العمومي.
فبالنسبة للدولة اعتمدت ميزانية التجهيز على القروض الخارجية من جهة والقروض الداخلية من جهة أخرى التي تتحصل عليها إلزاما لدى البنوك والمؤسسات المالية الأخرى وذلك فيما عدا مناسبات قلائل اتجهت فيها الدولة إلى إصدار رقاع لدى العموم وكان ذلك خاصة سنة 1986 وأخيرا في 1988.
أما فيما يخص المؤسسات الاقتصادية فهي أيضا تتجه أساسا للبنوك لتمويل مشاريع استثماراتها باللجوء للقروض المتوسطة والطويلة الأمد، وحتى القصيرة الأمد كما سنتعرض إليه لاحقا.
وبهذه الصورة تطور القطاع البنكي بصفة هامة في تونس وتكونت لديه طاقات فنية وبشرية ومادية جعلت منه مركزا متميزا في عملية التمويل التنموي.
ثانيا: الاعتماد على التمويل الذاتي في كثير من الأحيان سواء من طرف الأفراد أو المؤسسات.
ثالثا: وكما تبين سابقا الضعف الفادح المسجل في تطور السوق المالية الذي جعلها لا تقوم بالدور الملائم المناط بعهدتها في توفير المعادلة بين الادخار والاستثمار. فمن جهة المدخرين لم يكن هنالك إقبال على السوق المالية وطلب الأوراق المالية المصدرة. ومن جهة أخرى فالمؤسسات نادرا ما طرحت أوراقا مالية لدى العموم قصد شرائها.
وبصفة عامة لم تلعب السوق دورها لا في توظيف الادخار لعمليات الاستثمار ولا كآلية فعالة للتسعير المحكم للأوراق المالية.
رابعا: ومما انجر عن الاعتبارات السابقة أن المؤسسات الاقتصادية التونسية تركز تمويلها على القروض البنكية وبذلك تقلصت لديها المشاركة سواء من المساهمة الذاتية أو التي تأتي عن طريق السوق المالية، وأصبحت نسبة مديونيتها عالية جدا قد تجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية.
وتدل بعض الدراسات على أن المؤسسات التونسية تعتمد في جميع مواردها على الإفراط في المديونية القصيرة وخاصة منها لدى البنوك مما يجعلها هشة وعرضة للتقلبات المالية والاقتصادية وهذا ما حصل بالفعل منذ سنوات أي منذ الأزمة الاقتصادية الأخيرة وإعلان البرنامج الإصلاحي. فهذه المؤسسات يصعب عليها عادة مواجهة التوجهات الجديدة للاقتصاد من نهوض بالصادرات وقدرة أوفر على مزاحمة الواردات في السوق المحلية.
2-
2 شرح الأسباب:
بما أنه ليس لنا المجال هنا للتعرض وبالتفصيل للأسباب التي أدت إلى التهميش النسبي للسوق المالية وعدم قيامها بالدور الموكول لها في التنمية فسنقتصر على ذكر أهمها وبذلك يمكن أن نتبين تعقد مشكلة السوق المالية إذ تتداخل عديد العوامل في إفرازها.
أولا- العوامل الاقتصادية العامة:
تتمثل الأسباب التي عرقلت تطور السوق المالية في:
- احتكار الدولة لجزء كبير من الإمكانات المالية للبلاد سواء عن طريق الضرائب أو البنوك وذلك بواسطة رقاع التجهيز وغيرها من الوسائل لتمويل مشاريعها ومشاريع المؤسسات العمومية التي قامت بتنفيذ الإنجازات الكبرى في البلاد.
- عدم بروز شركات خاصة لها الحجم والخصائص التي تمكنها من الحصول على التمويل عن طريق السوق المالية. فقد طغت على المؤسسات التونسية الخاصة سمة الإغلاق بين المساهمين فيها وعدم قبولها للمشاركة من طرف العموم. زيادة على عقلية الانكماش يرجع هذا الطابع للمؤسسات لعدة اعتبارات موضوعية تخص الجباية وسوق الشغل والتجارة الخارجية
…
إلخ. فمن ناحية الجباية مثلا بينما يقع خصم محصول الفائدة الذي تدفعه المؤسسة للبنوك من الأرباح التي تطبق عليها الجباية لا يمكن ذلك بالنسبة لمردود الأموال الذاتية، مما يدفع بالمؤسسات للاقتراض.
- السياسة المالية في الميدان البنكي التي تركزت على اختيار التمويل لدى البنوك بوضع أسعار للفائدة ضعيفة ودون مستوى المردودية الجمليّة للاستثمارات زيادة على الحوافز التي تأتي لدى الاقتراض حسب القطاعات ونوعية الاستثمار.
- ثقل الجباية الخاصة بمداخيل الشركات والتي توظف على مداخيل الأوراق المالية وحتى الحوافز الجبائية الممنوحة لم تكن كافية وواضحة بما فيه الكافية بالنظر خاصة إلى إمكانية التهرب الجبائي الذي هو أرفع وأسهل من التعقيدات الإدارية المصاحبة للحافز الجبائي.
ثانيا – العوامل التنظيمية للسوق:
ومن جهة أخرى فالإطار القانوني للسوق وخاصة القانون المحدث للبورصة سنة 1969 والتراتيب التي تلته لم تتطور مع مستلزمات الظرف الاقتصادي ولم تمكن من خلق سوق مالية تتوفر فيها الأرضية الملائمة من:
- شفافية كافية في الإفصاح عن المعلومات وسيولة مرضية في مستوى المعاملات.
- مراقبة كافية وحماية دنيا للادخار ويرجع ذلك إلى سلبيات في قانون الشركات الذي لا يعطي حماية كافية لحقوق المساهمين الأقلية.
- ديناميكية خلاقة لدى وسطاء البورصة تجعلهم يقومون بدفع السوق من خلال مساعدة حرفائهم على اختيار أحسن السبل لتوظيف مدخراتهم.
- ديناميكية لدى البورصة نفسها للنهوض بالسوق وتطويره بالعمل على تحسين وسائله وظروفه.
- ثقل المصاريف المترتبة عن المعاملات في الأوراق المالية، وقد أشرنا إلى أن العميل في عملية بيع وشراء يدفع من قيمتها كعمولة للوسيط وأداء لفائدة البورصة 1.6 % وهذه النسبة عالية جدا.
3-
إصلاح السوق المالية وآفاق تطورها:
في نطاق الإصلاح الاقتصادي العام الذي بدأت فيه السلطات التونسية منذ سنة 1986 يأخذ إصلاح السوق المالية مكانا متميزا حيث إن إضفاء المزيد من النجاعة للاقتصاد القومي يمكن أن تساهم فيه بصفة فعالة سوق مالية متحركة وناجعة للأسباب التي ذكرناها آنفا.
ومن هذا المنطلق أدخلت وخاصة عن طريق قانون 8 مارس (آذار) 1989 المتعلق بالسوق المالية تحويرات جوهرية منذ سنتين على الإطار القانوني والتنظيمي للسوق وهي تخص تطوير الأدوات المالية وتنظيمها من جهة وإعادة تنظيم البورصة وإعطائها الصلاحيات اللازمة من جهة أخرى وباكتمال صدور النصوص القانونية في أواخر 1989 ينطلق العمل لتطوير وتعصير السوق المالية والتي يمكن حصر أهم جوانبه فيما يلي:
أولا: إعادة تنظيم السوق الثانوية لإعطائها المزيد من النجاعة والديناميكية وذلك بإحكام نظام المعاملات وشروط إدراج الشركات ومراقبة الشركات المدرجة في السوق الرسمية.
ثانيا: التخفيض بصفة في تكاليف المعاملات في السوق الثانوية وخاصة في السوق القارة لتحسين مردود الأوراق المالية.
ثالثا: إحكام تنظيم ومراقبة السوق الأولية وخاصة فيما يخص إصدارات شركات الاستثمار وتلك التي تهم أسهم الشركات المساهمة العامة.
رابعا: التكوين والإعلام من أجل تثبيت دور السوق المالية في الاقتصاد وحث الشركة التونسية على فتح رأس مالها للعموم وطرح أوراق مالية في السوق لتمويل برامجها الاستثمارية والعمل على إيجاد أنواع جديدة من الأوراق والأدوات المالية تأخذ بعين الاعتبار المعطيات والخصوصيات الذاتية للشركات والمستثمرين التونسيين.
خامسا: تطوير مهنة الوسطاء لدى البورصة والتشجيع على بروز وسطاء متخصصين في هذا الميدان إلى جانب البنوك. وقد أعطى قانون 8 مارس (آذار) 1989 حوافز جبائية هامة لفائدة هذا النوع من الوسطاء.
سادسا: العمل على تغيير الإطار العام للسياسة الاقتصادية التي كانت عائقا دون تطوير السوق المالية ونخص بالذكر منها الجباية والسياسة النقدية، وقانون الشركات، وتنظيم مهنة مدققي الحسابات.
الدكتور مصطفى النابلي