المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدرا لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدرا لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج

(ب) الوليد عديم الدماغ

مصدراً لزراعة الأعضاء الحيوية

إعداد

الدكتور حسان حتحوت

المركز الإسلامي لجنوب كاليفورنيا

بسم الله الرحمن الرحيم

(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج

يخطىء من يظن أن الرأي في هذا الموضوع قد استقر أو أوشك على الاستقرار، وعلى الرغم من أنه قد دخل حيز التطبيق في مجالات كثيرة إلا أن حرارة النقاش حوله لم تخمد، لأن الاعتبارات التي تكتنفه تبدو متعارضة باختلاف التطبيق، فله ما يدعو إليه في باب حفظ النفس وعلاج المرض والوفاء بمصالح الناس المرسلة، إلا أن له كذلك محاذير لدى من يأخذون بالنظرة القيمية لا المنفعية ويدينون بحرمة اللحم الإنساني حياً أو ميتاً.

ولعل من أول استعمالات أنسجة الأجنة وأبعدها عن الخلاف استزراع سلالات خلوية باستنبات قطعة ضئيلة من الجنين وامتدادها أجيالاً متعاقبة بل دائمة، وقد كان لذلك مردود إيجابي كبير في مجال أبحاث الفيروسات واستنباط اللقاحات الواقية منها ومن أمثلتها اللقاح الواقي من مرض شلل الأطفال.

ثم عاد الموضوع إلى بؤرة الاهتمام عندما اكتشف بعض العلماء مؤخراً أن لبعض أنسجة الجنين فوائد علاجية مباشرة في بعض الأمراض. ومن أمثلة ذلك وضع النسيج العصبي الذي يكون قشرة الغدة الكظرية في مكان معين من مخ المريض بمرض باركنسون، فإن المادة التي يفرزها هذا النسيج تجبر نقصاً وتصلح خللاً وتفضي إلى انحسار أعراض المرض وإطالة معدل حياة المريض، ومن الأمراض المقترحة كذلك لهذا المنحى من التداوي مرض السكر، بزرع خلايا البنكرياس والدمار الإشعاعي لنخاع العظام الذي يعتمد في أصناف من سرطانه، فربما كان العلاج أفتك من الداء لولا محاولة زرع نخاع جديد من جنين طازج، وإنما فضل الجنين مصدراً لأن خلاياه ناشطة النمو ماهرة التكيف عديمة الإثارة لردود الفعل المناعية الرافضة أو قاب ذلك.

وإلى هنا يبدو في ظاهر الأمر أن الموضوع لا يعدو أنه نوع من زراعة الأعضاء وأنه لذلك أهل لعرض من أهل الشريعة ومن غير أهلها على السواء، وكاد ذلك يصح لولا أن المصدر هنا هو الإجهاض، وأن الأغلبية الغالبة من تلك الأجنة اجتلبت بطريق التجهيض الجراحي العمد، وارتفعت أصوات الذين يحرمون التجهيض شرعاً أو إنسانياً، ثم أصوات الذين خشوا أن تشيع تجارة الإجهاض، فتحمل المرأة بقصد أن تجهض فتبيع جنينها أو تهبه لعلاج قريب أو مبتاع، وهو منحنى خطير في السلوك الإنساني، فإن الطبيعي أن المرأة إن قصدت إلى الحمل برضاها فإنما تنوي الميلاد لا الإجهاض، وإنشاء الحياة بقصد قتلها مرفوض – ولا ريب - وأثبتت الوقائع أن هذه المحاذير قد ولغ فيها من ولغ سواء من الأطباء الذين يعالجون بأنسجة الجنين، أو الأطباء الذين يقترفون الإجهاض، أو النساء بائعات أجنتهن.

ص: 1376

من أجل سد هذه الذرائع وتوقي تلك المحاذير قامت هيئات ولجان تحاول أن تضبط هذه الممارسة بضمانات وشروط تحول دون سوء استغلالها على ما ورد، فكان من أهم تلك الضمانات ما يلي:

ا - تحريم عملية التجهيض إن كان القصد منها استعمال الجنين، ونرى أنه تحريم لا عبرة به ولا جدوى منه في بلاد تبيح للمرأة أن تنال الإجهاض بدون إبداء أسباب على أنه حق لها.

2 -

تحريم عملية البيع أو أية استفادة مادية للأم صاحبة الجنين.

3 -

تحريم أن يقوم الطبيب المجهض بإزالة الأعضاء أو الأنسجة المطلوبة.

4 -

تحريم الاشتراك في البحث العلمي بين الطبيب المجهض والطبيب المداوي أو ظهور اسميهما معاً في المنشورات العلمية في هذا الباب.

5 -

لا يقبل من امرأة تطلب الإجهاض أن تطلب استعمال جنينها لعلاج مريض بذاته.

6 -

اقتراح بإنشاء هيئة مستقلة تتلقى المجاهيض من أطباء الإجهاض وتتولى توزيعها على الأطباء الذين يحتاجونها للبحث أو العلاج دون اتصال مباشر بين الفريقين. وارتفعت أصوات تقول إن نسبة الإجهاض التلقائي غير المفتعل تبلغ عشرة إلى عشرين بالمائة من حالات الحمل عامة، وتنادي بأن في ذلك ما يفي بحاجة العلاج الطبي أو البحث العلمي من الأجنة، وتنادي بقصر هذا الباب على الأجنة المجهضة تلقائياً، ولكن يبدو أن هذا الرأي المنطقي في ظاهره رأي معيب، فمن المعروف أن نسبة الأخطاء (الكروموزدمية) عالية في حالات الإجهاض التلقائي، ولعلها هي التي أفضت إلى الإجهاض، وهي تصيب خمسين بالمائة من الأجنة الساقطة تلقائياً خلال الأشهر الثلاثة الأولى وعشرين بالمائة من الإسقاطات التلقائية فوق هذا العمر، كذلك وجد أن الإسقاط التلقائي مصحوب في نسبة عالية منه بتلوثات جرثومية يحرم من أجلها أن تستعمل في العلاج وأن تودع أنسجتها أبدان المرضى.

ص: 1377

ورغم هذا الخلاف الجذري بين الفريقين، فقد ظلت بينهما مساحة مشتركة وإن كانت كالشريط الضيق، فإن عملية الإجهاض العمد إن كان القصد منها انقاذ حياة الأم من خطر يتهددها إن استمر الحمل، فهو تجهيض مباح ومشروع ولا بأس إذن ولا ضير من استعمال أنسجة هذا الجنين في العلاج أو في البحث العلمي، وفي كافة الأحوال فهناك إجماع على وجوب معاملة اللحم البشري بالاحترام اللائق به، فلا يهان ولا يلقى في القمامة، وإنما يستر ويوارى كما يليق بالإنسان، ونرى أنه إن كان بلغ مرحلة نفخ الروح زدنا على ذلك غسله وكفنه والصلاة عليه.

على أن واقع الحال أقسى فيما يبدو من كل من هذين الفريقين على بعد الشقة فيما بينهما، فما زالت مسيرة عالمنا المعاصر تتجه إلى اعتماد المنافع ولو فرطت في القيم، وعندما يكون القصد إبراء جسم الإنسان من أمراضه وعلله، فإن التعلل بحرمة الإنسان حياً وميتاً يبدو أمراً عاطفياً بعيداً عن الواقع، وجنوحاً إلى معتقدات بالية آن أن تزول، مع أن الاستقراء يعلمنا أن المجتمع الإنساني لو تشبع بفكرة حرمة الإنسان لكان من آثار ذلك تقليص الجريمة والعزوف عن العدوان الفردي أو الجماعي سواء في المجال الاجتماعي أو السياسي أو العسكري، ولكن من سمات هذا العصر أن النتائج السريعة والمحسوسة أكثر جاذبية من النتائج التي لا تؤتي ثمارها إلا على المدى الطويل وبالتدريج الذي لا يصاحبه بريق، إن عصرنا يتميز بأن الإنسان برع في التكتيك وضل في الاستراتيجية، ونعود إلى موضوعنا وهو استعمال الأجنة في البحث والعلاج فنقول برغم الضوابط والتحفظات فإن أرض الواقع شهدت عجباً، فهناك بالفعل تجارة واسعة وخفية في الأجنة المجهضة تقوم بها جهات محترمة، وهي تجارة محلية ودولية، وكانت إزاحة الستار عنها بالصدفة عندما لاحظ قسيس على أطراف الأرض التي تقوم عليها كنيسته صندوقين كبيرين ظل أياماً، ويظهر أنهما وضعا هنالك بالخطأ وأنهما كانا يخصان معهداً للأبحاث مجاوراً له وفتحهما ليجد فيهما عدة مئات من الأجنة البشرية المحنطة، وعلم بالأمر أحد رجال الصحف فالتقط طرف الخيط وتحرى الأمر ليعلم أن هناك اتفاقاً تجاريا مع متعهد في إحدى دول جنوب شرق آسيا ليشحن لهم دفعات من الأجنة لزوم الأبحاث، واتسعت تحرياته فكان من طريف ما وجده أن مستشفيات محترمة في أمريكا تعتمد في مخصصات الشاي والحلوى للأطباء أو ربما دعوة أستاذ زائر لإلقاء محاضرة على الريع الآتي من بين ما يجهض فيها من أجنة.

ص: 1378

وأجريت تجارب على الأجنة الحية في أرحام أمهاتها اللاتي كن ينوين الإجهاض بسبب أو لآخر، وعللوها بأنه ما دامت الأم قررت الإجهاض على أية حال وأن الجنين محكوم عليه إذن بالإعدام، فقد حقنت السيدات بمواد دوائية وكيميائية لمعرفة تركيزها في الجنين وآثارها عليه بدراسته بعد إجهاضه. والقياس هنا ظالم لأنه لو حكم على إنسان بالإعدام لما جاز أن يباح للتجارب قبل اعدامه بحجة أنه آيل إلى موت على أية حال.

وقامت تجارب على أجنة حية بعد إجهاضها وبقائها أو استبقائها على قيد الحياة لفترة من الزمن فعرضت للإشعاعات لدراسة آثارها، وعرضت للسموم لدراسة مفعولها، بل ان إحدى الشركات التي تصنع مستحضرات التجميل كانت تدرس مفعول المواد الكيميائية على الجلد البشري مستخدمة الإسقاطات أو الإجهاضات الحية.

واستخدمت المجاهيض الحية فور إجهاضها في تجارب تقتضي إجراء جراحات لها وهي حية وبغير مخدر، منها ما أخذت قشرته الكظرية، ومنها ما أدخلت إبرة في قلبه النابض، ومنها ما حقن بالمستحضرات لرؤية آثارها على أجهزته، مع أنها أجنة متقدمة تشعر بالألم وإن لم تستطع له دفعاً.

كل هذا مبرر بأنه من أجل الإنسانية ومن أجل البحث العلمي الهادف إلى شفاء الأمراض، وما دامت الغاية نبيلة فالوسيلة مبررة وما دامت المعركة ضد المرض فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

يبقى بعد ذلك أن نشير إلى أمر آخر وأخير. وهو أمر الأجنة الباكرة في هيئة بويضات ملقحة، أو الجنين ذي العدد المحدود من الخلايا والتي تبقى فوائض عن الحاجة أثر عمليات الإخصاب خارج الرحم وهو ما اشتهر بأطفال الأنابيب، ذلك أن الطبيب يسحب عديداً من البويضات من المبيض، ثم يعرضها للمني فلا يعلم كم منها يلقح، ثم يودع منها الرحم عدداً ولا يعلم كم يعلق، وقد تبقى بعد ذلك فوائض تختزن لإعادة التجربة في دورة قادمة إن لم تسفر الأولى عن حمل، فإن حملت السيدة فالباقيات فوائض زوائد لا يحتاج إليها لانه كان في الإمكان حفظها حية لفترات طويلة بعملية تبريد خاصة.

ص: 1379

وهنا كان من المنطقي أن ينظر الفهم العلمي والشغف التجريبي إلى هذه الأجنة بفهم جديد، فمن طول ما كشفت التجارب من أن النتائج والمشاهدات في أجنة الحيوانات قد لا تكون بالضرورة مطابقة لما يحدث في الإنسان، تهلل الباحثون فها هو ذا جنين الإنسان نفسه وفي أبكر أطواره وغير محتاج إليه وهو بين أيديهم وفي خزائنهم، إنها إذن الفرصة الثمينة لدراسة النمو الباكر والتكون السوي وغير السوي وأثر الكيماويات والإشعاعات وتناول المادة الوراثية بالحذف منها أو الإضافة لها من مواد الوراثة في الإنسان أو الحيوان، هذا إذن بشير كنز من المعارف عن التخلق السوي وأسباب العيوب الخلقية ومحاولات إحداثها أو مداواتها دراسة مباشرة على الإنسان لا استقراء من الحيوان قد لا يصدق على الإنسان، وتحمس لهذه الفكرة قوم وتحمس ضدها قوم آخرون، أصحاب المدى السريع يرون باباً للوقاية من مرض، ومعارضوهم يرون على المدى الطويل أن استخدام الإنسان حيوان تجارب وخامة بحوث يطفىء الهالة من حوله وينال من الحرمة التي ينبغي أن تصونه - وإن فتش العلماء في قواميسهم عن معنى كلمة حرمة فلم يجدوا للكلمة أصلاً – وتوسطوا في بريطانيا فأوصت لجنة وارنوك بجواز التجارب في الأيام الأربعة عشر الأولى على اعتبار أن تكون الجهاز العصبي يبدأ بعدها، ولكن بقي الأمر يفور ويمور حتى بتت فيه ألمانيا الغربية حديثاً جداً بقرارها الذي صك أسماع العالم، فقد قررت ألمانيا الغربية حظر جميع التجارب على جنين الإنسان، أما بالنسبة للأجنة الفائضة في عمليات أطفال الأنابيب فإنها لم تكتف بمنع التجارب عليها فقط، وإنما حظرت إنشاءها أصلاً فعلى الطبيب ألا يعرض للمنويات إلا البويضات التي ينوي فعلاً إيداعها الرحم اذا افترض وأخصبت جميعاً ولا يتجاوز هذا العدد، فإن كان أكبر عدد يودعه الرحم أربعاً، فلا يعرض للإخصاب إلا أربعاً، فإن أخصب منها شيء أودعها جميعاً وإن هافت جميعاً أعاد المحاولة في الدورة التالية وهكذا، والذي يختزنه بالتبريد هو البويضات غير الملقحة إذن ليسحب منها، ولكن ليس الأجنة الباكرة حتى لا يكون الإنسان في أبكر أدواره حبيس المبرد إن لم يحتج إليه أو شهيد الإلقاء في البالوعة أو مادة للتجربة العلمية كما تكون حيوانات التجارب.

ولعل ألمانيا الغربية كانت أسبق إلى هذا القرار من فرط حساسيتها بشأن التجارب الطبية التي كانت تمارس على الأسرى والمعتقلين أيام الحكم النازي، فأكسبتها السوابق إحساساً خاصاً بقيمة الإنسان وحرمته، ولا ندري إن كانت ستتبعها دول أخرى فلا تخلو دولة من المنادين بمثل ذلك، ولكن قرارها يظل جريئاً ولو وحيداً وأرى نفسيتي الإسلامية والإنسانية تستريح إليه. والله أعلم.

ص: 1380

(ب) الوليد عديم الدماغ

مصدراً لزراعة الأعضاء الحيوية

مثلما يحتاج الكبار إلى زراعة عضو حيوي في حالات مرضية بعينها كذلك يحتاج الأطفال الصغار ممن يولدون بعيوب خلقية في عضو حيوي فلا أمل في النجاة والحياة إلا باستبدال عضو جديد بالعضو التالف، وكان التقدم العلمي والتقني في فن جراحة الأطفال حافزاً على خوض غمار عمليات زراعة الأعضاء لهؤلاء المواليد، وكان النجاح فيها مغرياً بالمزيد منها، لولا أن حال دون ذلك شح المصادر وندرة المطلوب بالقياس إلى الطلب على هذه الأعضاء الصغيرة، وجرب الأطباء استخدام أعضاء الحيوانات من قلوب وكلى وأكباد اعتماداً على أن الجهاز المناعي لدى المواليد لم يكتمل بعد فاحتمالات لفظ الزرعة أقل، ولكن التجارب لم تسفر عن النجاح المطلوب والأمل المنشود.

من أجل ذلك بدت فكرة استخدام الوليد عديم الدماغ فرجاً من ضيق ومخرجاً من هم، وبدا أنها سد حاجة وسداد رأي، فهو آدمي كالمريض المستقبل لأعضائه، وهما متشابهان في حجم العضو المنقول، والوليد عديم الدماغ مقضي عليه بالموت إن عاجلاً وإن آجلاً فلا أمل له في حياة ممدودة، وهيأته أن ليس له قبو رأس وليس له فصان مخيان، وإنما له جذع مخ يقوم على الوظائف الحيوية الأساسية من دورة دموية وتنفس بعد الانفصال حيا بالميلاد، ولكنها حياة محدودة موقوتة ثم يموت بعد ساعات أو أيام أو أسابيع، فجذع المخ المكشوف للهواء عرضة للعدوى المتلفة فضلاً عن التلف الناتج عن انضغاطه خلال رحلة الميلاد، وغياب الغدة النخامية وهي جزء من المخ الغائب يفضي إلى انهيار هرموني عام، فالنخامية هي سند الغدد الهرمونية الأخرى، وهو عرضة لعيوب خلقية أخرى قد تكون مستورة ولكنها قتالة، فلا يلبث حتى ينهار جهازه التنفسي والدوري ويفارق الحياة.

ص: 1381

والمرأة التي يولد لها مثل هذا المولود تحس ولا شك بالفجيعة وتندب حظها العاثر، ولكن موته ليس فجيعة في عزيز غال كما لو فقدت وليداً صحيحاً سوياً، وربما وجدت الأم بعضاً من عزاء إن أفهمت أن وليدها بطبيعة الحال لا رجاء فيه ولكنها إن أذنت أن يؤخذ عضو من أعضائه لزرعه في طفل آخر محتاج إليه فهو رجاء في دفع موت واستبقاء حياة، وتستجيب أمهات لذلك وما يسري عنهن أن طفلهن عديم الدماغ لم يمت كله بل ظل له عضو حي في جسم طفل آخر، وإن الحمل لم يضع سدى وإنما ساهم في شفاء مريض وإنقاذ حياة.

لكن التجربة - وليس كالتجربة من معلم - سرعان ما كشفت عن أن الأمر في واقعه ليس على ما ينبىء ظاهره من بساطة واستقامة، وبدأت المحاذير الأخلاقية والعملية تبدو واحدة إثر أخرى، فإن شرط موت المخ الذي لا يجوز اقتلاع عضو حيوي إلا به ينص تعريفه على أنه: التوقف الكامل لوظائف المخ بكامله، والوليد الذي نحن بصدده ما زال لديه جذع مخ يؤدي وظيفته، فهو إذن غير ميت فلا يجوز بالتالي اقتلاع قلبه مثلاً، فإذا ترك ليموت تلقائياً فسرعان ما يدب التلف إلى أعضائه الحيوية فلا تعود تصلح للزرع وكذلك الحال إذا ولد ميتاً.

وكان المحذور الأول أن قام من بين الأطباء من يدعو لجعل غياب المخ مساوياً لموت المخ حتى وإن كانت منطقة الجذع حية، ولكن قام الاعتراض على ذلك لأن أخذ عضو حيوي من إنسان حي يعتبر قتلاً فضلاً عن أنه إن شاع بين الناس العلم به فسيفقدون ثقتهم في الأطباء، وسيكف الناس عن الوصية بأعضائهم ويكف الأهالي عن السماح بأخذ عضو من فقيدهم حذر أن يفعلها الأطباء وما زال على قيد الحياة، مما سيكون ضربة لبرامج زراعة الأعضاء من ضحايا الحوادث استناداً إلى تشخيص موت المخ ما دام هذا التشخيص أصبح محل شك الجمهور.

كذلك تبين أن تشخيص موت المخ في الوليد عديم الدماغ من الصعوبة بمكان، فليس في الإمكان القياس الكهربائي لنشاط المخ كما في الكبار، فإن الفصين المخيين غير موجودين، أما الاعتماد على غياب المنعكسات العصبية للعين وهو في الكبار حاسم فلا يعتمد عليه هنا نظراً لتفشي اختلالات شبكية العين والعصب البصري في هذه المواليد لتبدو النتيجة كما في الموت وإن كان على قيد الحياة.

ص: 1382

وزاد الأمر تعقيداً أن التشريح الدقيق أثبت وجود بقايا نسيج مخي متلبسة بجذع المخ، وأن جذع المخ في بعض الأحيان يكتسب القدرة على القيام ببعض وظائف المخ الغائب.

وتنادى بعض الأطباء بالسماح بأخذ الأعضاء من ذلك المولود ولو حياً ما دام أنه وشيك على الموت، ولكن أنى ذلك، والمريض حتى في النزع له حرمته فمن قتله ولو قبل موته بلحظات كان قاتلاً.

وطالب آخرون بأن تعتبر هذه المواليد بذاتها هدراً مباحاً أي أنه ليس لها أهلية وجوب ناقصة كسائر الأجنة ولا هي كسائر المواليد، ولكن ذلك لم يجد سنداً من شريعة أو قانون، فضلاً عن أن التساهل في هذا الأمر قد يكون بداية منزلق، فقد يوسع تحت إلحاح الحاجة إلى الأعضاء ليشمل مواليد أخرى بعاهات أقل فداحة أو بأمراض يتوسم أن تكون، وقد يفضي إلحاح الحاجة أيضاً إلى الفكرة الشيطانية لإقامة مزارع لتفريخ الأجنة عديمة الدماغ بأن يتم التلقيح تحت تأثير مادة كيميائية تنتج هذه العاهة وتندب من تقبل إيواء هذا الحمل في رحمها لحين الميلاد لقاء أجر أو لقاء شكر.

وإزاء كل تلك المحاذير تفتقت أذهان الجراحين في جامعة لومالند بولاية كاليفورنيا عن فكرة جديدة - لن يطالبوا بتغيير التعريف القانوني لموت المخ ولن يمارسوا الغش فيه - إذا قاربت الحامل بالجنين عديم الدماغ موعد ولادتها نقلت إلى المستشفى، وتم توليدها بالجراحة القيصرية ثم يوضع الوليد الحي فوراً بأجهزة الإنعاش ويتم فحصه دوريا حتى يدركه الموت ويكون تشخيص الموت - وموت المخ - إذن صادقا وإن أبقت أجهزة الإنعاش على ظواهر الحياة في جثته، وهنا يكون أخذ أعضائه مباحاً وفي نطاق القانون. وقد أجروا تحت تلك الظروف عملية نقل قلب من وليد عديم الدماغ إلى وليد مصاب بعاهة في قلبه، وكان لهذه العملية صيتها وضجتها على الصعيدين المحلي والعالمي، ونجحت العملية في بادىء الأمر ولكنه كان نجاحاً موقوتاً فقد مات الطفل الذي تلقى القلب بعد فترة من الزمن.

ص: 1383

ومع ذلك فقد أعلن رئيس فريق جراحي الأطفال في لومالند إيقاف هذا البرنامج وتخلى عن الجنين عديم الدماغ مصدراً لأعضاء الزراعة، لقد تغلب على المحاذير الأخلاقية والتعقيدات التقنية، ولكنه راجع حساباته من الناحية العملية فوجد أن الصفقة في مجملها لن تقدم الحل الوافي أو الكافي، وأن مردودها العملي أضأل من أن يسد الحاجة القائمة بدرجة تبرر ما تستدعيه من جهد ونفقة، فقد وجدوا بالحساب أنه حتى لو لم توجد محاذير أخلاقية أو قانونية:

- فإن نسبة المواليد عديمة الدماغ بين سائر المواليد تضاءلت إلى واحد كل أربعة آلاف وما زالت آخذة في التضاؤل، ومعنى هذا أن بلداً كالولايات المتحدة يشهد ثلاثة ملايين وثلاثة أرباع المليون ولادة سنوياً ينتج 1125 جنين عديم الدماغ.

- فإذا قدرنا أن عشرين بالمائة من الحوامل يشملهن المسح التشخيصي بالموجات فوق الصوتية والتحليلات الكيميائية التي تشخص هذه العاهة في مرحلة الحمل الأولى وأن خمساً وتسعين بالمائة من اللاتي يحملن جنيناً مصاباً يختزن الإجهاض فالباقي 911 وليد عديم الدماغ.

- وإذا علمنا أن ثلثي تلك الأجنة تولد ميتة فلا تصلح أعضاؤها للزرع بقي لنا 304 وليد.

- من هذه يولد نحو الثلثين قبل الأوان وبحجم صغير مما يجعل أعضاءها غير قابلة للزراعة، فإن تماثل الحجم في أعضاء المصدر والمتلقي مهم في جراحة الأطفال، وإذن ينزل العدد إلى 122 وليد صالح.

- ولكن أكثر من ثلث الأمهات ترفض أخذ عضو من وليدها مما يهبط بالعدد إلى 81.

- وزيادة على ذلك فليست كل الأعضاء الصالحة للزراعة تستعمل:

* فحيث يراد القلب نجد أن 15 % من الأجنة عديمة الدماغ معيبة القلب.

* وحيث يراد الكبد نجد أن 25 % منها معيبة الكبد.

* أما الكلى فقد وجد أن النتائج أفضل كثيراً لو بقي الطفل على عملية غسيل الكلى سنوات وبعد ذلك تزرع له كلوة.. وآنذاك تكون الكلوة التي يحتاج إليها أكبر كثيرا من كلوة وليد حديث الميلاد.

- ثم تأتي بعد ذلك مسألة تطابق الفصائل بين المعطي والمتلقي.

- ومسألة الفاصل الزمني بين وجود المعطي والمتلقي بسبب الفاصل المكاني..

- ونسبة نجاح العملية وهي خمسون بالمائة للقلب وعشرون بالمائة للكبد وقدر أن اعتماد الجنين عديم الدماغ مصدراً لزراعة الأعضاء يكتنفه من الإشكالات الأخلاقية والعملية والمادية ما يحول دون الأخذ به والاستمرار فيه ونميل إلى التوصية بتبني هذا الحكم وإن كنا نرى جوازه من حيث المبدأ شرط أن يتم أخذ العضو بعد موت المخ فعلاً وليس قبله.

الدكتور حسان حتحوت

ص: 1384