الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدوات المالية الإسلامية
والبورصات الخليجية
إعداد
سعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة
مدير بنك فيصل الإسلامي البحريني
بسم الله الرحمن الرحيم
• مقدمة:
• أولا – واقع البورصة الخليجية للأوراق المالية:
1-
حداثة العهد بتنظيم أسواق الأوراق المالية.
2-
عدم تنوع ومحدودية الأدوات الاستثمارية.
3-
غياب المؤسسات الفاعلة في السوق.
• ثانيا- الأدوات المالية الإسلامية:
1-
نماذج من الأدوات المالية الإسلامية.
(أ) سندات المقارضة.
(ب) شهادات الاستثمار.
(ج) أسهم المشاركة.
(د) نماذج أخرى.
2-
الأسس الشرعية للأدوات المالية الإسلامية.
(أ) استناد الأوراق المالية على قاعدة لقاء رأس المال والعمل.
(ب) اتخاذ الأوراق المالية صفة رأس المال المضارب.
(ج) إمكانية تداول الأوراق المالية.
(د) جواز التعهد بإعادة شراء الأوراق المالية.
• خاتمة
سبل التعاون بين البورصات الخليجية والبنوك الإسلامية.
مقدمة
شهد العالم الإسلامي في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري أهم حدث في تاريخه المعاصر ألا وهو ظهور البنوك الإسلامية. وبذلك تحولت الآمال العريضة لتنظيم وضبط حركة المجتمع وفقا لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية من مجرد أطروحات نظرية إلى بداية واقع ملموس تركزت فيه أولى اللبنات لبناء صرح النظام المالي الإسلامي.
وقد استهدف العمل المصرفي الإسلامي في نشأته أساسا إلغاء مختلف الأشكال الربوية في المعاملات المالية وإرساء وسائل بديلة مشروعة تتفق مع ظروف العصر، وشاءت رعاية الرحمن أن يتحقق لهذه التجربة المباركة نجاح باهر وانتشار سريع في مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.
وتزامن بروز هذا المولود مع إحدى الفترات الدقيقة التي كان يعيشها النظام المالي الغربي حيث إن هذا الأخير بالرغم من بنائه المتكامل وتمتعه بشيوع مؤسسات وأجهزة وأدوات مالية تخدم أهدافه وبالرغم كذلك من تجربته العريقة، بل وهيمنته المطلقة على أسواق المال العالمية، فقد شهد في هذه الفترة هيكلية عميقة نتيجة تفاعله مع تحديات الواقع. كما اتسمت نفس الفترة بضعف أدوات وأجهزة الأسواق المالية العربية عموما جعلها أسواقا ضيقة وغير عميقة، وقد استأثرت في السنوات الأخيرة بقدر كبير من اهتمامات الباحثين وانعقد في شأنها العديد من الندوات والمؤتمرات بهدف دعمها وتطويرها.
وفي هذا المناخ المالي الدولي المتحرك، كان لابد للبنوك الإسلامية في انطلاقتها أن تفرض نفسها وأن تثبت للجميع إمكانية قيام نظام مالي لا يتعامل بالفائدة المصرفية. إلا أن وجود البنوك الإسلامية لا يمثل في حد ذاته نهاية المبتغي إذ إن النشاط المالي الإسلامي كما يقول الشيخ صالح عبد الله كامل:(لا يبدأ بتحريم الربا ولا ينتهي عنده)(1) ، وقيام البنوك الإسلامية ليس إلا خطوة أولى في تركيز أركان النظام المالي الإسلامي المعاصر. ولعل الحاجة إلى سوق إسلامي للأوراق المالية بكامل أجهزته ومختلف أدواته يمثل أولى التحديات المطروحة على البنوك الإسلامية.
ومن هذا المنطلق أنشئت شركتا التوفيق للصناديق الاستثمارية والأمين للأوراق المالية من قبل مجموعة البركة لكي تساهما في تقديم أدوات استثمارية تقوم بدور الأدوات المستعملة في سوق رأس المال، وذلك مع مراعاة الضوابط التي تخضع لها المعاملات الإسلامية من حيث اجتناب الربا والمحرمات وتطبيق القواعد الفقهية العامة في البيوع والعقود.
ونحاول في هذه الورقة التعرض إلى واقع البورصات الخليجية قبل الخوض في مبررات قيام سوق الأوراق المالية الإسلامية وإجلاء بعض الأضواء على الأدوات الاستثمارية المستحدثة لهذا الغرض لننتهي إلى بيان الدور المستقبلي لهذه التجارب الإسلامية وعلاقتها بالأسواق المالية في دول الخليج.
*
**
(1) ندوة (البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وآفاق تعاونهما مع البنوك التقليدية) المنعقدة بتونس.
أولا
واقع البورصة الخليجية للأوراق المالية
تكمن أهمية الأسواق المالية فيما تقوم به من دور هام ولازم لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، والذي يتمثل في تعبئة المدخرات النقدية وتوجيهها نحو المشاريع الاستثمارية المختلفة، غير أن نجاح هذه الأسواق وتطورها يبقى رهين أسواق الأوراق المالية التي يتم فيها تداول الأوراق المالية بعد مرورها بالسوق الأولى أي بعد أن أصبحت في أيدي المستثمرين.
وتعتبر البورصات أهم أجهزة السوق المالية، وهي تمثل المكان الذي يتم فيه تداول الأوراق المالية وفقا لقواعد ونظم معينة تهدف إلى وضع هذا التعامل على أسس سليمة. وبقدر ما يكون هذا الجهاز منظما ونشطا بقدر ما ييسر عملية تحويل الاستثمارات طويلة الأجل إلى أصول سائلة عند الحاجة وهو ما يشجع المدخرين ويدفعهم إلى مزيد توظيف أموالهم وبالتالي يرتبط الادخار بالاستثمار والعرض بالطلب.
وتتميز دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا دولة الكويت بعد قيام أسواق منظمة يتم فيها تداول الأوراق المالية، وكان يجب الانتظار إلى منتصف السنة الحالية لنرى افتتاح التداول الرسمي المنظم في بعض الدول واستعداد بعض الدول الأخرى للنهوض بأسواقها والتحول إلى مرحلة جديدة لنظامها المالي.
ونذكر فيما يلي ثلاثة متغيرات أساسية جديدة حدثت بالمنطقة خلال الثمانينات دفعت هذه البلدان إلى مزيد من الاهتمام بتطوير وتنظيم أسواقها.
• تقلص المواد المالية نتيجة انخفاض العوائد النفطية حيث وصل إجمالي العجز في موازين الحساب الجارية لدول مجلس التعاون حوالي 8 مليارات و 773 مليون دولار عام 1986م ومليارين و 609 ملايين دولار في عام 1987م.
• سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز قاعدتها الصناعية وزيادة مشاركة القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية وإعطاء المزيد من الأهمية لمسالة اختيارات الاستثمارات المجدية.
• تزايد المخاطر التي يتعرض لها الاستثمار في الأسواق المالية العالمية إثر الأزمات الأخيرة التي تعرضت لها أسواق الأسهم مما يترتب عن ذلك استعادة المزيد من الأرصدة في الخارج وتوجيهها إلى قنوات استثمارية محلية.
1-
حداثة العهد بتنظيم أسواق الأوراق المالية:
يعتبر أول سوق ثانوي منظم تنظيما كاملا في المنطقة هو سوق الكويت للأوراق المالية، وقد جاء هذا التنظيم على أثر تدهور الأوضاع في السوق نتيجة التلاعب والممارسات غير المشروعة مما أدى إلى تعدد الأزمات وإلى انهيار كامل للسوق (أزمة المناخ) ، تصديا لهذا الواقع تم إصدار المرسوم الأميري في 14/8/1983م لإيجاد التشريعات والضوابط الضرورية لتوفير سلامة المعاملات في سوق الأسهم.
كما انطلق السوق المنظم في نشاطه مباشرة بعد هذا المرسوم وما أعقبه من لوائح داخلية.
أما في دولة البحرين وسلطنة عمان فلم يدخل السوق الثانوي فيها مرحلة التنظيم القانوني إلا متأخرا بإصدار – على التوالي – المرسوم رقم 4 سنة لسنة 1987م والمرسوم السلطاني في شهر يونيه (حزيران) 1988م. كما استوجب إعداد وإصدار اللوائح الداخلية لهذين السوقين فترة طويلة أخرى حيث رأت السلطة المعنية ضرورة التأني في مثل هذا الموضوع والقيام بدراسات معمقة ومطولة للاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها الأسواق الأخرى وبذلك تأخرت المسيرة الفعلية للتداول المنظم إلى غاية الشهر السادس من سنة 1989م بالنسبة لدولة البحرين والشهر الخامس من نفس السنة بالنسبة لسلطنة عمان.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فإن السوق الثانوي لا يزال غير منظم تنظيما كاملا بالرغم من الوضع الاقتصادي والمالي الهام الذي تتميز به، وكل القوانين والضوابط المنظمة لعملية التداول تنحصر في (القواعد التنفيذية) التي صدرت سواء في سنة 1983م (المنظمة لتداول أسهم الشركات عن طريق البنوك التجارية) أو في سنة 1987م (المنظمة للتداول في القاعة المركزية والتي قد أغلقت بعد ثلاثة أسابيع من فتحها) .
أما في دولة الإمارات وقطر فلا تكاد تجد فيها تنظيما لأسواقها الثانوية ولا تزال الدراسات تجرى حاليا لبحث إمكانية إقامة سوق للأوراق المالية.
2-
عدم تنوع ومحدودية الأدوات الاستثمارية المعروضة:
في حين يتم التداول في الأسواق المالية العالمية بعدد ضخم من الأوراق المالية التي توفر فرصا وبدائل استثمارية متنوعة لتوظيف الأموال، فإن أدوات الاستثمار المالي لا تزال في دول مجلس التعاون تتخذ أشكالا تقليدية محدودة تكاد تنحصر في التعامل بالأسهم العادية للشركات المحلية كما نجد إضافة لذلك سوقا للسندات ولأسهم الشركات غير المحلية في كل من الكويت والبحرين.
(أ) التعامل بالأسهم العادية للشركات المحلية:
يعتبر التعامل بالأسهم العادية للشركات المحلية أهم أشكال الاستثمار في منطقة الخليج إلا أن هذه الأسواق تتسم بكونها ضيقة وغير عميقة نتيجة لعدم توفر عرض كاف ومنتظم من الأوراق المالية ويرجع سبب ذلك إلى:
- سيطرة الحكومات على نسبة عالية من أسهم الشركات وعدم طرحها للاكتتاب العام، وتتجه سياسة دول المنطقة في هذه السنوات الأخيرة إلى التفويت في الشركات العامة للمستثمرين الخواص بغية تنشيط الحركة المالية.
- قلة عدد شركات المساهمة التي لديها أسهم قابلة للتداول، ويناهز هذا العدد حوالي 60 شركة مدرجة في سوق الكويت بينما يقل العدد حسب بعض البيانات الأخيرة لسوق البحرين إلى 29 شركة فقط.
أما بالنسبة لسلطنة عمان، فإن التقديرات تشير إلى أنه سيتم تداول من 2 إلى 3 % من رءوس أموال الشركات العمانية وهي بداية متواضعة لعمل السوق حيث إن مجموع الشركات المساهمة العمانية التي طرحت أسهمها في اكتتاب عام لا يتجاوز 48 شركة.
كما أكدت دراسة حديثة أعدها المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية التابع لوزارة المالية السعودية بأنه يوجد في بالمملكة 64 شركة عامة يمكن التداول في أسهمها ويصل رأس مالها إلى 54 بليون ريال.
(ب) التعامل بأسهم الشركات غير المحلية:
تتميز القوانين السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي بتشدد كبير بخصوص طرح وتداول أوراق مالية غير محلية في أسواقها، فإذا تواجد في جميع هذه الدول بعض المنافذ لطرح إصدارات أوراق مالية جديدة لشركة غير محلية في أسواقها الأولية وذلك عند توفر شروط معينة وموافقة مسبقة من الجهات المختصة فإن الأمر يختلف بالنسبة لتداول الأوراق المالية غير المحلية (عربية أو أجنبية) في الأسواق الثانوية حيث يبقى غير مسموح به أصلا في كل هذه الدول ما عدا الكويت ومؤخرا البحرين اللذين يشترطان موافقة مجلس إدارة السوق المسبقة لإدراج أسهم الشركات الأجنبية في بورصة الأوراق المالية.
هذا ومن خلال بعض الدراسات التي تناولت البحث في تداول أسهم الشركات غير المحلية في دولة البحرين قبل افتتاح السوق الرسمي يتبين بأن عدد الأسهم المتداولة لهذا النوع من الشركات بلغ 18.5 مليون سهم قدرت قيمتها الإجمالية بحوالي 3.3 مليون دينار خلال النصف الأول من 1988م.
أما في دولة الكويت فقد جاء في التقرير الاقتصادي السنوي لسوق الكويت للأوراق المالية بأنه تم تداول حوالي 730 مليون سهم للشركات غير المحلية أي بنسبة 22 % من مجموع الأسهم المتداولة في السوق، وأشار التقرير بأن قيمة الأسهم المتداولة لهذه الشركات بلغ حوالي 59 مليون دينار كويتي في سنة 1987م.
(ج) التعامل بالسندات:
لا يجد سوق السندات إقبالا يذكر من طرف عدد هام من المستثمرين حيث يسجل عزوفهم عن توظيف أموالهم في سندات الدين العام والخاص إما بسبب التأثير السلبي للتضخم وإما لأسباب دينية. لذلك فإننا لا نكاد نجد مثل هذه الأسواق في الإمارات وعمان وكذلك في المملكة السعودية التي منعت أصلا إصدار هذا النوع من الأوراق المالية.
أما في دولة البحرين يكاد يقتصر التعامل على سندات التنمية دون سندات الدين الخاصة، ورغم ما تتضمنه تلك السندات من ميزة التداول فقد بقيت السوق الثانوية الخاصة بها قليلة النشاط.
وتعتبر سوق السندات القائمة في الكويت أهم أسواق السندات في المنطقة وقد بلغت قيمة التداول الاسمية على السندات المسجلة في السوق خلال 1987م حوالي 4.8 مليون دينار موزعة على 35 صفقة.
(د) التعامل بأوراق مالية أخرى:
تميز السنوات الأخيرة ببروز أداة استثمارية جديدة في أسواق المال وهي عبارة عن صناديق استثمارية تمثل صيغا مختلفة للاستثمار بمخاطر متفاوتة وبمردود متفاوت ولآجال متفاوتة.
وتغطي هذه الصناديق نطاقا واسعا من الاستثمارات مثل الأسهم والسندات المختلفة، والعملات، والعقارات والذهب وغيره.
ويتقيد تداول الشهادات أو الصكوك الممثلة لحصص معينة في الصناديق بحسب الشروط المنصوص عليها في البيانات المخصصة لكل صندوق، ولا يتم هذا التداول في إطار سوق معينة بل يقتصر الأمر على توجيه طلب استرداد الأموال المستثمرة إلى الشركة المصدرة والمديرة للصندوق في مدة التداول المنصوص عليها والتي تتعهد بإعادة الشراء.
ونستخلص من ذلك أن نشاط الأسواق المالية في دول الخليج يتسم بعدم تنوع ومحدودية الأدوات الاستثمارية المعروضة حيث يكاد يقتصر التداول على الأسهم فقط وهو ما يقلل من حرية المستثمر المتمثلة في توفر فرصة اختيار الاستثمار بالأشكال التي تتناسب وإمكانياته ومعتقداته وتوجهاته.
3-
غياب المؤسسات الفاعلة في السوق:
من المعلوم أن وجود الإطار القانوني والتنظيمي الخاص بالبورصات وتوفر أدوات استثمارية متنوعة غير كاف لوحده لقيام سوق مالي مستمر ودائم، لذلك كانت الحاجة إلى أجهزة فنية معاونة تساعد على تنشيط الحركة في السوق تتمثل بالخصوص في الدور الهام الذي يقوم به الوسطاء في تسيير وتوجيه الأشغال اليومية للسوق وكذلك في دور المؤسسات المالية والاستثمارية بصفتها صانعة السوق التي تعمل على توفير السيولة للسوق وإيجاد التوازن الدائم بين العرض والطلب لتفادي أي هزات ممكنة.
والملاحظ في أسواق دول الخليج أن دور الوسطاء لا يزال يقتصر على تنفيذ أوامر العملاء فقط بحيث يعملون بصفة وكلاء للمستثمرين دون أن يساهموا في ترشيد قرارات المستثمرين وتقديم التوصيات اللازمة لهم.
وبالنسبة لصناع السوق فلا تزال هذه الوظيفة غير قائمة على الوجه الأكمل في دول المنطقة ما عدا الكويت وذلك نتيجة لعدم وجود أسواق منظمة فيها أو لحداثة تنظيمها. كما أننا نسجل وجود شركتين فقط في دولة الكويت تقومان بتأدية مهام منظمي السوق وهما شركة مجموعة الأوراق المالية وشركة بيت الأوراق المالية حيث توافرت فيهما الشروط اللازمة المنصوص عليها في قرار لجنة السوق رقم 16 لسنة 1986م بشأن شروط إدراج وتنظيم عمل صناع السوق، وقد بلغت كمية الأسهم المتداولة لدى الأولى نسبة 6.44 % من مجموع الأسهم التي تداولت في السوق سنة 1987م، كما بلغت هذه النسبة 6.9 % بالنسبة للشركة الثابتة.
*
**
ثانيا
الأدوات المالية الإسلامية
تسعى البنوك والمؤسسات الإسلامية إلى تحقيق حلقة جديدة في تطورها وهي الانتقال بالعمل المصرفي الإسلامي من مرحلة اجتذاب الودائع واستثمارها بالطرق الشرعية إلى مرحلة أرقى تتمثل في إيجاد سوق ثانوي يتم فيه تداول أوراق مالية إسلامية. ويهدف هذا التوجه بالخصوص إلى:
1-
استقطاب المزيد من الأموال العاطلة ودفعها للمساهمة في عملية النمو الاقتصادي، ذلك أن توفير فرص الاستثمار عبر أوراق مالية قابلة للتداول يشجع المدخرين ويدفعهم لمزيد الاستثمار.
2-
فتح المجال أمام البنوك والمؤسسات المالية وبيوت التمويل ذات الالتزام الشرعي لاستثمار السيولة الفائضة لديها عبر الأوراق المالية التي تحقق لها ربحا في فترة الاقتناء وتكون قابلة للتسييل عند الحاجة إلى نقود.
ولقد شهدت هذه السنوات الأخيرة اهتمام العديد من المؤسسات الإسلامية بموضوع تطوير أدوات مالية إسلامية تخدم أغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتعود أولى المحاولات – حسب علمنا – إلى وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية التي بدأت منذ 1977م بإجراء الدراسات الاقتصادية والشرعية اللازمة.
وتوقفت إلى إصدار قانون سندات المقارضة في سنة 1981م.
ونحاول في هذه الورقة إبراز أهم خصائص هذه السندات وأسسها الشرعية كما نتعرض إلى محاولة أخرى لبنك التنمية الإسلامي الذي قام بإصدار شهادات تمثل ملكية المستثمرين في محفظة البنوك الإسلامية وننتهي إلى عرض الأداة الاستثمارية التي استنبطتها مجموعة البركة والمتمثلة في أسهم المشاركة لشركتي التوفيق والأمين.
1 -
نماذج من الأدوات المالية الإسلامية:
(أ) سندات المقارضة:
كان إصدار أول قانون لسندات المقارضة مستمدا من الشريعة الإسلامية السمحة نتيجة لجهود وزارة الأوقاف الأردنية التي سعت إلى إيجاد وسائل مشروعة لإعمار الوقف الإسلامي تكون بديلة عن القروض الربوية.
وقد باركت الحكومة الأردنية هذا المجهود فاعتمدت الفتاوى الشرعية المتعلقة بشأن سندات المقارضة وأصدرت القانون المؤقت رقم 10 لسنة 1981م كما أن سمحت للمؤسسات العامة ذات الاستغلال المالي وللبلديات بالإضافة إلى وزارة الأوقاف للاستفادة بهذا القانون وإصدار سندات المقارضة.
وقد جاء في المادة الثانية لهذا القانون تعريف سندات المقارضة بأنها (الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه يقصد تنفيذ المشروع واستغلاله وتحقيق الربح) . كما جاء في هذه المادة بأن سندات المقارضة لا تنتج أي فوائد بل يحصل مالكو السندات على نسبة محددة من أرباح المشروع وتحدد هذه النسبة في نشرة الإصدار.
وتتميز هذه السندات بعنصرين اثنين:
أولا: عدم تحمل المكتتب في سندات المقارضة ما يصيبه من خسارة. فقد جاء في المادة 12 من القانون بأن الحكومة تكفل تسديد قيمة سندات المقارضة الاسمية الواجب إطفاؤها بالكامل في المواعيد المقررة.
وتستند هذه المادة إلى الفتوى الشرعية الصادرة بتاريخ 17/1/1978م التي تجيز كفالة الحكومات لسندات المقارضة المخصصة لإعمار أراضي الأوقاف باعتبارها طرفا ثالثا وذلك على أساس الوعد الملزم حيث إنه يجوز للحكومة بما لها من ولاية عامة أن ترعى شئون المواطنين ولها أن تشجع أي فريق عمل القيام بما يعود على المجموع بالخير والمصلحة.
ثانيا: قابلية سندات المقارضة للتداول: فقد جاء في المادة 18 من القانون بأنه (يتم تداول سندات المقارضة في سوق عمان المالي حسب أحكام قانونه وأنظمته وتعليماته كما يتم نقل ملكيتها حسب هذه الأحكام) .
ونشير هنا إلى أن سندات المقارضة بالشكل المشار إليه أعلاه لم يتم – حسب علمنا – بعد إصدارها بصفة فعلية.
(ب) شهادات الاستثمار:
يقوم البنك الإسلامي للتنمية منذ سنوات بجهود حثيثة لتطوير أدوات مالية جديدة وتتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية بهدف تعبئة موارد إضافية تلبي الاحتياجات المتزايدة لتمويل المشروعات من الدول الأعضاء.
وتمكن البنك خلال سنة 1987م من إنشاء وتشغيل محفظة البنوك الإسلامية التي تتولى إصدار شهادات تمثل ملكية المستثمرين، وقد تم الاستناد لإصدار هذه الشهادات الاستثمارية على البيان الختامي لندوة (سندات المقارضة وسندات الاستثمار) الذي عقدها البنك بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي في الفترة بين 30 أغسطس و2 سبتمبر 1987م.
وقد جاء وصف شهادات الاستثمار في محفظة البنوك الإسلامية التي يديرها البنك الإسلامي للتنمية بأنها (المستندات التي تمثل نصيبا في ملكية المحفظة ويصدرها البنك الإسلامي للتنمية وتسجل في سجل الشهادات بأسماء مالكيها) .
وتعتبر المحفظة استثمارا مخصصا أساسا لتمويل تجارة الدول الإسلامية وتكون موجوداتها تحت يد البنك بصفته مضاربا.
هذا وتمتاز هذا الشهادات بما يلي:
أولا – وجود نوعين من الشهادات:
- النوع الأول: هو مجموع الشهادات التي تصدر عند تأسيس المحفظة وتقتصر ملكيتها على البنك الإسلامي للتنمية والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى وهي ما تسمى بشهادات الإصدار الأساسي.
- النوع الثاني: هو مجموع الشهادات التي تصدر بعد تأسيس المحفظة وتطرح للاكتتاب العام وهي ما تسمى بشهادات الإصدار اللاحقة.
ونشير إلى أن المحفظة التي أصدرها البنك الإسلامي للتنمية هي حاليا محفظة مغلقة أي أنها تقتصر على البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية دون غيرها.
ثانيا- تمتع الشهادات بإمكانية التسييل:
وتتحقق السيولة بالنسبة لشهادات المحفظة التي تم إنشاؤها بإحدى الوسيلتين:
- البيع إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بالسعر الذي يتفق عليه (وذلك بعد فترة الاكتتاب وبعد التشغيل الفعلي لعمليات المحفظة) .
- تعهد البنك الإسلامي للتنمية بشراء ما قد تعرض البنوك الإسلامية بيعه مما تملكه من شهادات وذلك بحد أقصى 50 % مما يملكه البنك الواحد من الإصدار الأساسي، ويسري هذا التعهد عند كل إعلان للأسعار على ألا يقل ما يحتفظ به البنك المشارك في الإصدار الأساسي – في أي وقت – عن 500 ألف دولار أمريكي.
(ج) أسهم المشاركة:
استجابة لتطلعات مختلف المستثمرين – أفرادًا ومؤسساتٍ – وسعيا للوفاء باحتياجاتهم المختلفة إلى تنوع استثماراتهم من حيث السيولة والمدة والمخاطرة، سعت مجموعة البركة إلى استنباط وإيجاد أدوات مالية إسلامية مشروعة مناسبة لإرساء سوق رأس المال الإسلامي.
وقد بارك الله في المجهودات الضخمة التي قامت بها المجموعة إذ توقفت لجنة العلماء المشاركين في ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الإسلامي (تونس 4-7 نوفمبر 1984م) إلى إصدار عدد من الفتاوى تخص شرعية تداول حصص استثمارية لحالات المرابحة والإيجار والسلم والمشاريع، كما أن المولى سبحانه وتعالى يسر عملية نقل هذه الأفكار من الإطار النظري إلى الواقع العملي حيث صدر في سنة 1986م قرار وزاري رقم 17 في دولة البحرين يسمح لأول مرة في تاريخ التشريع القانوني السائد في البلاد العربية والإسلامية بتأسيس شركات مساهمة تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وتصدر نوعين من الأسهم أحدهما يملك حق التصويت والإدارة (أسهم الإدارة) والثاني يملك حق المشاركة في الأرباح دون حق التصويت (أسهم المشاركة) .
وعلى أثر ذلك تم تأسيس شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية في 5 يناير 1987م وشركة الأمين للأوراق المالية في 28 يونيو 1987 اللتين تهدفان إلى طرح أدوات مالية جديدة لجمهور المكتتبين وهي تتمثل في أسهم المشاركة في مختلف الصناديق الاستثمارية التي تنشئها الشركتان ويكون مالكو هذه الأسهم بمثابة رب المال في المضاربة الشرعية بشروطها. كما تتخذ الصناديق الاستثمارية أشكالا متنوعة من حيث الربحية والمخاطرة والمدة وإذ يمكن لها أن تكوّن صناديق مرابحات أو تأجير أو سلم أو مشروعات وغيره، ويتم تحديد خصائص كل صندوق في نشرة الإصدار الخاصة به.
وتمتاز أسهم المشاركة بما يلي:
1-
انفتاح أسهم المشاركة لجمهور المدخرين: بالإضافة إلى البنوك والمؤسسات المالية التي تجدد في أسهم المشاركة ملاذا شرعيا لاستثمار سيولتها الفائضة فإن هذه الإدارة المالية تتيح أيضا الفرصة لأصحاب المدخرات البسيطة للمشاركة برأس مال قليل في عمليات كبيرة لم يكن باستطاعتهم المشاركة فيها لولا توزيعها في صورة أسهم المشاركة حيث إن الحد الأدنى للاشتراك لا يزيد عن 1000 دولار أمريكي وهو مبلغ – حسب اعتقادنا – في متناول القاعدة العريضة من المستثمرين.
2-
قابلية أسهم المشاركة للتداول: تمتاز الاستثمارات بأسهم المشاركة التي تطرحها شركتا التوفيق والأمين بالضمان والسيولة النقدية إذ تلتزم مجموعة بنوك وشركات البركة والبنوك الإسلامية الأخرى المتعاونة معها بضمان إعادة شراء الأسهم طبقا للسعر المعلن وقت البيع، وبالتالي توفير السيولة النقدية اللازمة عند الطلب.
(د) نماذج أخرى:
تعرض العديد من الباحثين والمفكرين المسلمين في الفترة الأخيرة إلى محاولة بحث صور شرعية بديلة لسندات الدين العام وسندات التنمية وغيرها من الأدوات الاستثمارية الأخرى وقد تمكن بعضهم من ابتكار صيغ تمويلية بديلة تتفق مع الشريعة الإسلامية وتساهم في بناء سوق رأس المال الإسلامي غير أن هذه المحاولات لم تجد لها بعد موضعا للتنفيذ.
2-
الأسس الشرعية للأدوات المالية الإسلامية:
تتفق الأوراق المالية الإسلامية المبتكرة في اعتمادها على أسس شرعية مشتركة نذكر منها مايلي:
(أ) تستند الأوراق المالية الإسلامية على قاعدة تزاوج رأس المال والعمل:
تشترك الأدوات المالية الإسلامية من كونها لا تنتج أي فوائد كما لا تعطي مالكيها الحق في المطالبة بفائدة سنوية محددة، حيث إن الأساس الشرعي الذي تبنى عليه هذه الأوراق يتمثل في لقاء رأس المال مع العمل المنتج، لذلك يحصل المكتتب في هذه الأوراق على نسبة محددة من أرباح المشروع والتي تحدد مسبقا في نشرات الإصدار.
(ب) تمثل الأوراق المالية رأس مال المضاربة:
تمثل الأوراق المالية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت لأجل تمويله ذلك أنه يجوز شرعا أن تجتمع أموال مملوكة لعدد كبير من الناس في يد شخص واحد – طبيعيا كان أم اعتباريا – ليستثمرها كمضارب، وتكون ملكية هذه الأوراق لأصحابها طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته ويترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في بنكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها.
(ج) إمكانية تداول الأوراق المالية الإسلامية:
يجوز تداول الأوراق المالية باعتبارها تمثل حصصا شائعة في موجودات المشروع وبعد ذلك من قبيل بيع وشراء للحصة التي يمتلكها المستثمر والمتمثلة في شكل ورقة مالية فهي بذلك تكون من التجارة الحلال بشرط أن تكون موجودات الإصدار حقيقية وغير مقتصرة على النقود والديون أو أحدهما وقد قيد مجمع الفقه الإسلامي ذلك بأن يكون غالب الموجودات أعيانا ومنافع.
(د) جواز التعهد بإعادة شراء الأوراق المالية:
يجوز للبنك الإسلامي الذي يعرض إيجابا عاما بشراء الحصص أو الأسهم المعروضة أن يشرك معه غيره من البنوك والمؤسسات الإسلامية في الإيجاب بنفس الشروط، شريطة أن يتم الإعلان عن اسم البنك أو المؤسسة المنظمة كلما طرأ تغيير على أسماء المشاركين بالإيجاب.
*
**
خاتمة
بعد هذا العرض الموجز لكل من:
أولا – واقع البورصات الخليجية: والذي حاز في الفترة الأخيرة اهتمام العديد من الجهات الرسمية منفردة ومجتمعه، وتتوجه النية حاليا لمزيد تطويره واستكمال تنظيمه.
ثانيا – نماذج من الأدوات المالية الإسلامية: والتي تتميز جميعها بكونها ابتكارات جديدة تعمل بجدية لإتاحة عرض متنوع من الأدوات المالية أمام المستثمرين لاختيار ما يناسبهم من الأوراق المعروضة بما يتفق مع إمكاناتهم ومعتقداتهم.
نحاول أن نستخلص من هذه الخاتمة آفاق التعاون المرتقب مستقبلا بين الأسواق المالية الخليجية والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التي قامت بالخصوص بإصدار الأوراق المالية المبتكرة، ونقتصر هنا على عنصر أساسي يمثل حسب اعتقادنا أهم المتطلبات للمرحلة القادمة وهو ضرورة قيام الأسواق المالية الخليجية بتشجيع انتشار الأوراق المالية الإسلامية لما تقدمه من مزايا مذكورة أعلاه ويكون ذلك بتيسير تسجيل هذه الأوراق وتداولها في أسواقها المنظمة.
إن ميزة التداول التي تتمتع بها الأوراق المالية الإسلامية الجديدة يتم تحقيقها حاليا بتعهد الشركة المصدرة بشراء الورقة المالية حسب الأسعار التي تعلنها، غير أن هذا الوضع يبقى مؤقتا إلى حين إدراجها في أسواق مالية منظمة.
وتحقيق هذا الهدف يمثل خطوة هامة في مسيرة التعاون العربي الإسلامي حيث يتيسر لقاء العرض المتمثل في الأموال المتدفقة من البلاد الإسلامية والتي ستستثمر بهذه الأوراق المالية الجديدة بالطلب المتمثل في المشاريع والعمليات المنتجة لبلدان إسلامية أخرى والتي تشكل مكونات الصناديق أو المحافظ التي طرحت الأوراق المالية لأجلها.
الدكتور محمد فيصل الإخوة