المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

‌السوق المالية

إعداد

فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه هداة الشرع وأعلام الدين وبعد:

فهذا بحث يتناول حكم الإسلام في أهم المعاملات المعاصرة التي تتم فيما يسمى بالبورصة أو السوق المالية.

والمقصود بالبورصة هنا مجموعة العمليات التي تتم في مكان معين بين مجموعة من الناس لإبرام صفقات تجارية حول منتجات زراعية أو صناعية أو أوراق مالية، سواء أكان محل الصفقة حاضرا – وجود نموذج أو عينة منه – أو غائبا عن مكان العقد، أو حتى لا وجود له أثناء التعاقد (معدوم) لكن يمكن أن يوجد (1) . فيكون التعامل به أمرا احتماليا، أو ما يسمى في فقهنا غررا.

وليست البورصة في الحقيقة سوقا بالمعنى المفهوم الشائع من كلمة السوق، لأن البورصة تختلف عن السوق في ثلاثة أمور:

1-

تتم الصفقات في الأسواق على أشياء موجودة بالفعل، أما في البورصة فيتم التعامل بالنموذج (عينة) أو بالوصف الشامل لسلعة.

2-

التعامل في السوق يحدث في جميع السلع، أما في البورصة فلا بد من أن تتوافر في السلعة: القابلية للادخار، وأن تكون من المثليات، وتكرار التعامل، وكون أثمانها عرضة للتغير في فترة زمنية معينة بسبب ظروف العرض والطلب أو الأحوال المناخية.

3-

تكون الأسعار في الأسواق ثابتة لا تؤثر الأسواق فيها لقلتها، بينما تؤثر البورصات على مستوى الأسعار، لكثرة ما يعقد فيها من صفقات ولذلك وصفت البورصة بأنها كجهنم.

ومن أهم وظائف البورصة المضاربة، أي المخاطرة بالبيع أو الشراء بناء على التنبؤ بتقلبات الأسعار بغية الحصول على فارق الأسعار، والبورصة ثلاثة أنواع:

1-

بورصة البضاعة الحاضرة: وهي التي يتم التعامل فيها بناء على عينة، ثم يدفع غالب الثمن عند التعاقد، والباقي عند التسليم.

2-

بورصة الأوراق المالية: وهي التي تباع فيها أسهم الشركات المختلفة، أو السندات بسعر بات أو بسعر البورصة في تصفية محددة بتاريخ معين. وهذه الأوراق قد تكون حاضرة، وقد تكون على المكشوف، أي لا يملكها بائعها.

3-

بورصة العقود أو بورصة (الكونتراتات) : وهي التي يتم البيع فيها السلع غائبة غير حاضرة بسعر بات أو بسعر معلق على سعر البورصة في تصفية محددة، ويكون البيع فيها على المكشوف، أي بيع مقدور التسليم في المستقبل لا في الحال.

(1) الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية: 5/391.

ص: 985

وعمليات البورصة ذات أشكال ثلاثة هي:

1-

العمليات العاجلة: ويلجأ إليها الراغبون في استثمار أموالهم بشراء أوراق مالية، ويتم بيعها عند توافر فرصة للربح، أو وجود أمل في الحصول على الجوائز التي تعطي لبعض السندات بطريق السحب للأرقام.

2-

العمليات الآجلة: وهي ثلاثة أنواع:

(أ) العمليات الشرطية البسيطة: وهي التي يكون الخيار للمضارب بين فسخ العقد في ميعاد التصفية أو قبله، أو تنفيذ العملية إذا رأى تقلب الأسعار لصالحه، على أن يدفع تعويضا متفقا عليه سلفا.

(ب) العمليات الشرطية المركبة: وهي التي يكون فيها الخيار للمضارب بين أن يكون مشتريا أو بائعا، وأن يفسخ العقد، إذا رأى مصلحة له في ذلك عند التصفية أو قبلها، مقابل تعويض أكبر مما يدفع في العمليات البسيطة، يدفعه لصاحبه.

(ج) العمليات المضاعفة: وهي التي يكون فيها الحق للمضارب في مضاعفة الكمية التي اشتراها أو باعها، بسعر التعاقد، إذا رأى مصلحة في التصفية، على أن يدفع تعويضا مناسبا متفقا عليه، يختلف بنسبة الكمية المضاعفة.

ويختلف معنى المضاربة في البورصة عن معناها الشرعي، فمضاربة البورصة، هي المخاطرة على سعر السلعة في البورصة في تصفية معينة، وهي إما مضاربة على الصعود: وهي أن المضارب يشتري السلعة بسعر، وهو يخاطر في أنه سيرتفع، فيبيع حالا ما اشتراه مؤجلا بالسعر المرتفع، ويقبض الفرق. وإما مضاربة على الهبوط: وهي أن يبيع الشخص سلعة بسعر، وهو يخاطر في أنه سينخفض يوم التصفية، حيث يبيع بالثمن الحال، ويشتري ما اتفق عليه مؤجلا، ويقبض الربح.

وفي كلتا الحالتين قد يحدث خلاف المتوقع فيخسر المضارب، ويتم البيع على المكشوف، فلا تكون السلعة في حيازة البائع، ولا الثمن في حيازة المشتري وقت التعاقد، ولا يتم تسليم أو تسلم إلا يوم التصفية. وهذا كله حرام شرعا.

أما المضاربة الشرعية أو القراض فهي عقد يقوم على تقديم المال من أحد طرفي العقد، والعمل من الطرف الآخر.

***

خطة البحث:

يتضمن البحث قسمين:

القسم الأول: أحكام بورصة الأوراق المالية.

والقسم الثاني: أحكام بورصة العقود (الكونتراتات) .

*

**

ص: 986

القسم الأول

أحكام بورصة الأوراق المالية

الأوراق المالية هي الأسهم والسندات.

أما الأسهم: فهي حصص الشركاء في الشركات المساهمة، فيقسم رأس مال الشركة إلى أجزاء متساوية، يسمى كل منها سهما، والسهم: جزء من رأس مال الشركة المساهمة، وهو يمثل حق المساهم مقدرا بالنقود، لتحديد مسئوليته ونصيبه في ربح الشركة أو خسارتها، فإذا ارتفعت أرباح الشركة ارتفع بالتالي ثمن السهم إذا أراد صاحبه بيعه، وإذا خسرت انخفض بالتالي سعره إذا أراد صاحبه بيعه.

ويجوز شرعا وقانونا بيع الأسهم، بسعر بات، أما إذا كان السعر مؤجلا لوقت التصفية فلا يجوز البيع لجهالة الثمن، لأن العلم بالثمن شرط لصحة البيع عند جماهير العلماء. وأجاز الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم البيع بما ينقطع عليه السعر، قياسا على القول بمهر المثل في الزواج، وأجر المثل في الإجارة، وثمن المثل في البيع، وعملا بالمتعارف، وبما يحقق مصالح الناس.

أما بيع الأسهم على المكشوف أي إذا كان البائع لا يملكها في أثناء التعاقد، فلا يجوز، للنهي الثابت شرعا عن بيع ما لا يملك الإنسان.

أما السندات: فهي أوراق مالية، ضمانا لديه على الدولة، أو على إحدى الشركات، ويقدر لها فائدة ثابتة أو ربح ثابت، كما يكون هناك خصم في إصدار السندات بمعنى أن يدفع المكتتب أقل من القيمة الاسمية على أن يسترد القيمة الاسمية كاملة عند الاستحقاق، علاوة على الفوائد السنوية، والخلاصة: أنها قرض بفائدة سنوية، لا تتبع الربح والخسارة.

والرأي الراجح المتعين في حكم هذه السندات أنها حرام شرعا، ولا يجوز التعامل بها بيعا أو شراء، لأن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وهذا قرض جر نفعا، فهو من الربا الواضح. والبديل لاستمرار الشركات التي تصدرها أن تتحول هذه السندات إلى أسهم، وأن تباع أو تشتري بعقد حال، بحيث يشارك حاملوها في الربح والخسارة، لأنها ترتب لحاملها فوائد ثاتبة، دون تحمله في الخسارة، وهذا يناقض المبدأ الشرعي:(لا ضرر ولا ضرار) ويناقض قاعدة: (الغنم بالغرم) وتكون المساهمة في الربح والخسارة عدلا، والعدل واجب، وغيره ظلم، والظلم حرام شرعا وعقلا وعرفا وقانونا، ولأن التعامل بالسندات يعتمد على الفكر الربوي الرأسمالي وهو أن المال يولد المال، أما الفكر الإسلامي فهو أن العمل هو الذي يثمر المال.

أما الذين أجازوا التعامل بالسندات من المعاصرين كالشيخ محمد عبده والأستاذ عبد الوهاب خلاف بالاعتماد على أن تحديد الفائدة أو الربح أصبح ضروريا بعد فساد ذمم الكثير من الناس، فإنهم يصادمون صراحة النصوص التي تحرم الفائدة الثابتة أو الربا، ويعتمدون على مصالح تصادم النص، فلا تعتبر كما أنه لا تتوافر ضوابط الضرورة الشرعية التي تسوغ الاستثناء.

*

**

ص: 987

القسم الثاني

أحكام بورصة العقود (الكونتراتات)

الكلام في هذا القسم يتناول حكم بيع الإنسان ما لا يملك، وبيع الشيء قبل القبض، والعقد دون تحديد السعر، والعمليات الآجلة الشرطية البسيطة، والعمليات الآجلة الشرطية المركبة، والعمليات المضاعفة، وحكم بدل التأجيل للتسليم والتسلم، وبيع الدين بالدين، وعمولات المصارف مقابل الخدمات أو الضمانات.

أولا- حكم بيع الإنسان ما لا يملك (بيع المعدوم وبيع معجوز التسليم في الحال وبيع الغرر) :

اشترط جمهور العلماء لانعقاد العقد أن يكون محل العقد موجودا وقت التعاقد، فلا يصح التعاقد على معدوم، كبيع الزرع قبل ظهوره لاحتمال عدم نباته، ولا على ما له خطر العدم، أي احتمال عدم الوجود كبيع الحمل في بطن أمه، لاحتمال ولادته ميتا، وكبيع اللبن في الضرع، لاحتمال عدمه بكونه انتفاخا وكبيع اللؤلؤ في الصدف، ولا يصح التعاقد على مستحيل الوجود في المستقبل، كالتعاقد مع طبيب على علاج مريض توفي، فإن الميت لا يصلح محلا للعلاج، وكالتعاقد مع عامل على حصاد زرع احترق، فكل هذه العقود باطلة.

هذا الشرط مطلوب عند الحنفية والشافعية (1) ، سواء أكان التصرف من عقود المعاوضات أم من عقود التبرعات، فالتصرف بالمعدوم باطل، سواء بالبيع أو الهبة أو الرهن، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة (2) ونهيه عن بيع المضامين والملاقيح (3)، وعن بيع ما ليس عند الإنسان فيما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) .

واستثنى هؤلاء الفقهاء من قاعدة المنع من التصرف بالمعدوم عقود السلم والإجارة والمساقاة والاستصناع، مع عدم وجود المحل المعقود عليه حين إنشاء العقد، استحسانا مراعاة لحاجة الناس إليها، وتعارفهم عليها، وأذن الشرع في السلم والإجارة والمساقاة ونحوها.

واكتفى المالكية باشتراط هذا الشرط في المعاوضات المالية، دون التبرعات كالهبة والوقف والرهن (4) .

(1) المبسوط: 12/194، البدائع: 5/138، فتح القدير: 5/192، مغني المحتاج: 2/30، المهذب: 1/262.

(2)

أي بيع ولد ولد الناقة أو بيع ولد الناقة، والحديث رواه مسلم والترمذي عن ابن عمر.

(3)

المضامين: ما في أصلاب الإبل، والملاقيح: ما في بطون النوق، والحديث رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر.

(4)

الشرح الصغير: 3/305، القوانين الفقهية: ص367.

ص: 988

ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط، واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع، كبيع الحمل في البطن دون الأم، وبيع اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، وأجازوا فيما عدا ذلك بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة، كبيع الدار على الهيكل أو الخريطة، لأنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم، لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد النهي عن بيع الغرر: وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجودا أم معدوما، كبيع الفرس الهارب والجمل الشارد، فليست العلة في المنع، لا العدم ولا الوجود، فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر، لا للعدم. بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع التمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، والعقد في هذه الحالة ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد. وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان المتقدم، فالسبب فيه هو الغرر، لعدم القدرة على التسليم، لا أنه معدوم (1) .

وعلى أي حال فقد اتفقت المذاهب الثمانية (2) وجميع الفقهاء، ومنهم ابن حزم وابن تيمية وابن القيم على أن بيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز، إما لأنه معدوم أثناء العقد عند الأغلبية الساحقة، وإما لأنه غرر عند الحنابلة للأحاديث الثلاثة التالية:

1-

حديث حكيم بن حزام الذي أخرجه أصحاب السنن قال: ((قلت: يا رسول الله، يأتيني الرجل، فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال: لا تبع ما ليس عندك)) .

2-

حديث عبد الله بن عمرو المتقدم الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والدرامي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) .

3-

حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة)) .

(1) المغني: 4/200، 208، نظرية العقد لابن تيمية: ص224، أعلام الموقعين: 2/8.

(2)

فتح القدير والبدائع، المكان السابق، المقدمات الممهدات: 3/202، الشرح الصغير والقوانين الفقهية، المكان السابق، مغني المحتاج والمهذب، المكان السابق، المغني، المكان السابق، المحلي: 9/363، منهاج الصالحين: 2/24، البحر الزخار: 3/291.

ص: 989

واتفقت المذاهب الأربعة على بطلان بيع معجوز التسليم أي ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء، والسمك في الماء والجمل الشارد والفرس الهارب والمال المغصوب في يد الغاصب، وكبيع الدار أو الأرض تحت يد العدو، لأن النبي صلى الله عليه وسلم – كما تقدم – ((نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر)) وهذا غرر (1) .

واتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر، كبيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللؤلؤ في الصدف، والحمل في البطن، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه قبل ملكه له، لأن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال، سواء أكان السمك في البحر أم في النهر، أم في حظيرة لا يؤخذ منها إلا باصطياد، وسواء أكان الغرر في المبيع أم في الثمن (2) .

ثانيا- بيع الشيء المملوك قبل قبضه من آخر:

اتفق الفقهاء من حيث المبدأ على عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه من مالك آخر، ولكنهم اختلفوا في مدى عموم الحكم إطلاقه وتقييده، لاختلاف روايات الأحاديث المانعة منه، أو بسبب تأويل معنى الحديث، أو للعمل بظاهر الحديث فقط.

فمنهم كالشافعية، ومحمد وزفر من الحنفية من منع التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقا، ومنهم من منع منه في المنقولات دون العقارات وهو مذهب الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف، ومنهم من جوزه في غير الطعام وهم المالكية، ومنهم من جوزه في غير المعدود والموزون والمكيل من الطعام (أي غير المقدرات) وهم الحنابلة، وقريب منهم الإمامية والزيدية، ومنهم من جوزه في غير القمح خاص وهم الظاهرية.

وأما الشافعية ومحمد بن الحسن وزفر فقالوا: لا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه مطلقا قبل قبضه، عقارا كان أو منقولا، لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، في حديث أحمد وغيره المتقدم عن حكيم بن حزام:((لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) وهذا من باب بيع ما لم يضمن، ومعناه: ما لم يقبض، لأن السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري، وإذا تلفت فضمانها من مال البائع، ولعدم القدرة على التسليم، ولأن ملكه عليه غير مستقر لأنه ربما هلك، فانفسخ العقد، وفيه غرر من غير حاجة، فلم يجز، فالعلة في منع البيع هي الغرر (3) .

وأما المعتمد عند الحنفية وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف فهو التفصيل، وهو أنه لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع ما لم يقبض، والنهي يوجب فساد المنهي عنه، ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود، أي إنه يحتمل الهلاك، فلا يدري المشتري: هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض، فيبطل البيع الأول، وينفسخ الثاني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر، كما تقدم.

(1) البدائع: 5/295، بداية المجتهد: 2/156، المهذب: 1/263، المغني: 4/202.

(2)

المجموع للنووي: 9/280، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 2/76، نيل الأوطار: 5/148.

(3)

مغني المحتاج: 2/68، المهذب: 1/264.

ص: 990

وأما العقار: كالأراضي والدور، فيجوز بيعه قبل القبض، استحسانا استدلالا بعمومات البيع من غير تخصيص، ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، ولا غرر في العقار، إذ لا يتوهم هلاك العقار، ولا يخاف تغيره غالبا بعد وقوع البيع وقبل القبض، أي إن تلف العقار غير محتمل، فلا يتقرر الغرر (1) . والخلاصة: أن العلة في مذهب الحنفية في عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه هي الغرر، كما قال الشافعية.

وبما أن السلع التي تباع في البورصة (بيع الكنتراتات) هي منقولات لها مقدرات مثلية، وليست عقارات، فلا يجوز بيعها قبل قبضها عند الحنفية والشافعية.

ويكون البيع فاسدا عند الحنفية باطلا عند الشافعية، لأنه يتم فيه البيع قبل القبض وبثمن مختلف.

أما المالكية: فإنهم قصروا المنع في بيع الشيء قبل قبضه على بيع الطعام (2) خاصة، إذا بيع الكيل أو الوزن أو العد، أما غير الطعام أو الطعام المبيع جزافا: فيجوز بيعه قبل قبضه، لغلبة تغير الطعام بخلاف ما سواه، ولمفهوم حديث ابن عمر الذي رواه أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يقبضه)) . والعلة في منع بيع الطعام قبل قبضه عندهم: هي أنه قد يتخذ ذريعة للتوصل إلى ربا النسيئة، فهو شبيه ببيع الطعام بالطعام نسيئة، فيحرم سدا للذرائع (3) .

وأما الحنابلة: فقالوا: لا يجوز بيع الشيء قبل قبضه إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا أي المقدرات، لسهولة قبض المكيل والموزون والمعدود عادة، فلا يتعذر عليه القبض، واستدلالا بمفهوم حديث الطعام السابق، فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه، يدل على إباحة البيع، فيما سواه ولم يصح غيره من الأحاديث. واشتراط الكيل أو الوزن أو العد، لأن الكيل والموزون والمعدود لا يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إلا بالكيل أو الوزن أو العدد، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن. فالعلة في منع البيع عندهم هي الغرر كما قال الحنفية (4) .

وأما غير المكيل والموزون والمعدود، أي غير المقدرات، فيصح عند الحنابلة بيعه قبل قبضه.

وبناء عليه يصح عند المالكية للمشتري التصرف في المبيع قبل قبضه، سواء كان البيع أعيانا منقولة أو أعيانا ثابتة كالأرض والنخيل ونحوها إلا الطعام المكيل أو الموزون أو المعدود. ويصح عند الحنابلة بيع غير المكيل أو الموزون أو المعدود. فلما يجري داخل البورصة من بيع العقود قبل قبضها يصح في هذين المذهبين بالتخلية، أي بتسليم البائع المبيع وقبض المشتري برفع الحوائل وإزالة المانع.

وأما الظاهرية: فأجازوا بيع الشيء قبل قبضه إلا القمح خاصة، سواء بيع كيلا أو وزنا أو جزافا، عملا بظاهر النهي في الحديث، والطعام عندهم لا يكون إلا في القمح. ومعنى القبض: أن يطلق البائع يد المشتري في المبيع، بألا يحول بينه وبينه (5) .

(1) فتح القدير: 4/193، البدائع: 5/139.

(2)

يشمل الطعام عندهم كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والأدم بجميع أنواعها كالزيت والعسل ونحوها.

(3)

المنتقى على الموطأ: 4/279، بداية المجتهد: 2/142.

(4)

المغني: 4/110، 113 وما بعدها.

(5)

المحلي: 1/292، 597.

ص: 991

وأما الإمامية: فقالوا: لا بأس ببيع ما لم يقبض، ويكره فيما يكال أو يوزن، وتتأكد الكراهية في الطعام، وقيل: يحرم (1) .

وأما الزيدية: فأجازوا بيع الشيء قبل القبض إن كان مما لا يكال ولا يوزن، ومنعوا في الأظهر البيع بالربح فيما يكال أو يوزن قبل القبض (2) .

والظاهر رجحان رأي الشافعية، لعموم النهي عن بيع الشيء قبل قبضه في حديث حكيم بن حزام، دون قصره على الطعام، ويكون حديث النهي عن الطعام في حالة من حالات النهي لا تمنع غيرها، وهو احتجاج بالمفهوم المخالف من الحديث، والمنطوق في حديث حكيم بن حزام مقدم عليه، ويؤيده حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، ثم إن الملكية في الشيء قبل القبض ضعيفة، وفيها غرر أي احتمال الحصول وعدم الحصول، ويترجح عدم الحصول في حال احتكار المنتجين للسلع وإيقاع البائعين على المكشوف في حرج.

ثالثا- البيع دون تحديد سعر (أو البيع بما ينقطع عليه السعر) :

اتفقت المذاهب الثمانية على اشتراط معرفة الثمن في عقد البيع حال العقد أو قبله، فلا يجوز البيع بثمن مجهول، ولا بد من بيان جنس الثمن وقدره وصفته (3)

وعليه فلا يصح عندهم البيع بما ينقطع عليه السعر أو بسعر السوق في يوم معين أو في فترة محددة.

لكن روي عن الإمام أحمد جواز البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين من غير تقدير الثمن أو تحديده وقت العقد، لتعارف الناس، ولتعاملهم به في كل زمان ومكان. وقد رجح ابن تيمية وابن القيم هذا الرأي، وأرادوا به سعر السوق وقت البيع، لا أي سعر في المستقبل (4) .

وبه يتبين أن جميع المذاهب لا تجيز البيع الحالي في البورصة حيث تباع السلع الحاضرة بثمن السوق في يوم محدد أو في خلال فترة محددة هي فترة التصفية، حتى عند ابن تيمية وابن القيم ورواية عن أحمد الذين يجيزون البيع بما ينقطع عليه السعر، فإنهم أرادوا كما بينا سعر السوق وقت البيع، لا أي سعر في المستقبل، كمن يشتري شيئا من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم، بسعر يومه، ثم يحاسبه في نهاية الشهر ويعطيه ثمنه، وهذا ما يسمى ببيع الاستجرار.

(1) المختصر النافع في فقه الإمامية:ص148.

(2)

منهاج الصالحين: 2/51.

(3)

المبسوط: 13/49، البدائع: 5/158 ، فتح القدير: 5/113 ، رد المحتار: 4/30 ، الشرح الكبير للدردير: 3/15 القوانين الفقهية: ص257، مغني المحتاج: 2/17، المهذب: 1/266، المغني: 4/187، المحلي: 9/19، المختصر النافع: ص143، منهاج الصالحين: 2/25.

(4)

غاية المنتهى: 2/14، 26، نظرية العقد لابن تيمية: ص220، أعلام الموقعين: 4/5-6

ص: 992

وقد تورط بعض الأساتذة المعاصرين برأي بعض الحنابلة، فأجازوا البيع بسعر السوق يوم كذا، أو بسعر الإقفال في بورصة كذا، لرضا المتعاقدين بذلك، ولأن جهالة الثمن حينئذ لا تؤدي إلى المنازعة، واحتجاجا بقول ابن تيمية بأنه عمل الناس في كل عصر ومصر، وقوله: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة، يقول: لي أسوة بالناس.

وكل ذلك في رأيي محل نظر وتأمل، فإن ما أراده ابن تيمية غير ما يحدث في بورصة العقود الحالية، كما أن بيع الاستجرار ونحوه روعي فيه حاجة بعض الناس، وأين مثل هذه الحاجة في البورصة؟!

رابعا – العمليات الآجلة الشرطية البسيطة:

وهي كما عرفنا أن يكون من حق المضارب فسخ العقد في ميعاد التصفية أو قبله إذا أحس بانقلاب الأسعار في غير صالحه، على أن يدفع أولا تعويضا للطرف الآخر، ولا يرد إليه، ويسمى هذا بالشرط البسيط.

ويمكن معرفة حكم هذه العمليات في ضوء ما يعرف في فقهنا بشرط الخيار، وقد أجاز جميع الفقهاء ما عدا الظاهرية خيار الشرط (1)، ولكنهم اختلفوا في مدة الخيار المشروع:

فقال أبو حنيفة وزفر والشافعي: يجوز شرط الخيار في مدة معلومة لا تزيد على ثلاثة أيام عملا بحديث حبان بن منقذ الذي أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن عمر، فقد شكا أنه يُغْبَن في البياعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:((إذا بايعت فقل: لا خلابة (2) ، ولي الخيار ثلاثة أيام)) .

وأجاز أبو يوسف ومحمد والحنابلة والإمامية والزيدية اشتراط مدة الخيار حسبما يتفق عليه البائع والمشتري من المدة المعلومة، قلت مدته أو كثرت، لأن الخيار يعتمد الشرط، فيرجع في تقديره إلى مشترط كالأجل.

وأجاز المالكية الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، فخيار الشرط في الفاكهة يوم، وفي الثياب والدابة ثلاثة أيام، وفي الأرض أكثر من ثلاثة أيام، وفي الدار ونحوها مدة شهر.

(1) المبسوط: 12/40، البدائع: 5/174، المدونة 3/223 المنتقي عن الموطأ: 5/108، المهذب: 1/258، مغني المحتاج: 2/47، المغني: 3/585، غاية المنتهى: 2/30، بداية المجتهد: 2/207، الدردير والدسوقي: 3/91، 95، المحلى: 9/328، المختصر النافع: ص145، منهاج الصالحين: 2/32، البحر الزخار: 3/349.

(2)

أي لا خديعة ولا غبن، والمعنى: لا يحل لك خديعتي، أولا تلزمني خديعتك.

ص: 993

وبناء على هذا الرأي للمالكية والحنابلة ومن وافقهم تجوز العمليات الآجلة الشرطية البسيطة إذا كانت مدة استعمال حق الخيار معلومة على النحو المذكور، ومدة الخيار في هذه العمليات معلومة وهي الفترة ما بين وقت العقد إلى وقت أقرب تصفية. ويجوز دفع المال بشرط متفق عليه أو التبرع به لاستعمال حق الخيار، لأن المسلمين على شروطهم، ولأن دفع المال يؤيد ما شرعه الشرع من حق الخيار. لكن لا يجوز الاتفاق على إسقاط حق الخيار بعوض، فقد نص فقهاؤنا على أنه لو صالح شخص بعوض عن خيار في بيع أو إجارة، لم يصح الصلح، لأن الخيار لم يشرع لاستفادة مال، وإنما شرع للنظر في الأحظ، فلم يصح الاعتياض عنه (1)

خامسا- العمليات الشرطية المركبة:

وهي العمليات التي يكون للبائع الحق فيها في أن يتحول إلى مشتر وأن يفسخ العقد، أو أن يظل بائعا حسبما يتراءى له من تقلبات الأسعار عند التصفية أو قبلها، مقابل تعويض أكبر مما يدفع في العمليات البسيطة يدفعه لصاحبه.

وهي جائزة كالعمليات الشرطية البسيطة (2) ، عملا بما يراه الجمهور من اشتراط مدة في خيار الشرط حسب الحاجة أو الأحوال.

سادسا- العمليات المضاعفة:

وهي التي يكون فيها الحق لأحد العاقدين: البائع أو المشتري في مضاعفة الكمية التي باعها أو اشتراها، بسعر يوم التعاقد، مقابل تعويض يدفعه الراغب في المضاعفة عند اتضاح الأسعار، ولا يرد إليه، وتختلف قيمة التعويض حسب كمية الزيادة وموضوع التخزين. وهذا أيضا جائز إذا كانت الكمية المضاعفة معلومة (3) ، لأنه لا يجوز تعديل العقد بشرط إضافي، ويعتبر التعويض مضافا إلى أصل الثمن، والمسلمون عند شروطهم.

سابعا- حكم بدل التأجيل:

إذا تم تسليم المبيع والثمن في وقت التسليم، فلا إشكال وتنتهي الصفقة، أما إذا اتفق العاقدان على تأجيل التسليم والتسلم لوقت لاحق هو وقت التصفية القادمة مقابل تعويض يدفعه إلى الآخر الذي يقبل نقل الصفقة إليه، وهو شخص آخر غير العاقدين، فهذا ربا واضح، لأنه يبيع دينا حالا بثمن مؤجل مع زيادة، كربا الجاهلية: إما أن تدفع أو تربي، لأن مشتري الصفقة الذي يحل محل المشتري، إنما يأخذ فائدة المبلغ الذي سيدفعه إليه العاقد الأصلي، وهذا ربا محقق، لأن الدافع للتعويض يدفعه مضطرا لنقل تصفية صفقته إلى وقت مؤجل، يأمل فيه تغير الأسعار لمصلحته، ولم يدفعه متبرعا كالعمليات الثلاثة السابقة، كما أن الآخذ لم يأخذ التعويض مقابل حق تنازل عنه كما هو الحال في العمليات المتقدمة.

(1) العقود المسماة في القانونين الإماراتي والأردني للباحث: ص205، التقنين الحنبلي (م264)، كشاف القناع: 3/687.

(2)

الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية: 5/425.

(3)

المرجع السابق.

ص: 994

ثامنا – بيع الدين بالدين:

الدين هو الشيء الثابت في الذمة، كثمن مبيع، وبدل قرض، وأجرة مقابل منفعة، وغرامة متلف ومسلم فيه في عقد السلم (بيع آجل بعاجل) .

وبيع الدين: إما أن يكون لمن في ذمته الدين، أو لغير من عليه الدين، وفي كل من الحالين إما أن يباع الدين في الحال، أو نسيئة مؤجلا.

وبيع الدين نسيئة: هو ما يعرف ببيع الكالئ بالكالئ، أي ببيع الدين بالدين، وهو بيع ممنوع شرعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الدارقطني عن ابن عمر، والطبراني عن رافع بن خديج نهى عن بيع الكالئ بالكالئ (1) . ومع أن الحديث ضعيف لكن أجمع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين، سواء أكان البيع للمدين، أم لغير المدين.

مثال الأول- وهو بيع الدين للمدين: أن يقول شخص لآخر: اشتريت منك هذه السلعة بدينار على أن يتم تسليم العوضين بعد شهر مثلا، أو أن يشتري شخص شيئا إلى أجل، فإذا حل الأجل، لم يجد البائع ما يقضي به دينه، فيقول للمشتري: بعني هذا الشيء إلى أجل آخر بزيادة شيء، فيبيعه ولا يجري بينهما تقابض، فيكون هذا ربا حراما تطبيقا لقاعدة:(زدني في الأجل، وأزيدك في القدر)، كما تقدم في النوع السابق: سابعا.

ومثال بيع الدين لغير المدين: أن يقول رجل لغيره: بعتك السلعة التي لي عند فلان بكذا تدفعها لي بعد شهر. وهذا أيضا حرام.

وإذا كانت أغلب عمليات البورصة تتم في صورة بيع الدين بالدين دون تسليم ولا تسلم كما هو ملاحظ، فلا تجوزه هذه العمليات، ولا بد من تعجيل تنفيذ الصفقة دون تأخير.

أما بيع الدين نقدا في الحال: فمختلف فيه، فقد أجاز جمهور الفقهاء غير الظاهرية بيع الدين لمن عليه الدين أو هبته له، ولم يجز الجمهور غير المالكية بيع الدين لغير المدين، وأجازه المالكية بشروط ثمانية تبعده عن الغرر والربا وأي محظور آخر كبيع الطعام قبل قبضه (2) . ولا داعي لتفصيل الكلام في هذا النوع من البيع في الحال، لأنه غير موجود في البورصة، لاعتماد أغلب العمليات بها على التأجيل.

تاسعا: عمولات المصارف (البنوك) مقابل الخدمات أو الضمانات:

إن ما يأخذه المصرف (البنك) مقابل خدمات الحراسة، واستئجار الأرض، واستعمال المخازن (التخزين) وأجرة إعداد الفواتير وكتابة الحسابات، جائز مشروع لا شبهة فيه، لأنه مقابل منفعة، وإجارة المنافع والأعمال جائزة شرعا.

أما ما يأخذه المصرف من الفوائد على المال المودع زيادة على الخدمات، أو مقابل القروض أو الضمانات غير المغطاة فعلا، فهو غير مشروع، إلا إذا دخل البنك مع المضارب في شركة صحيحة، أو مضاربة شرعية، في الحالات التي لا يجوز فيها البيع أو الشراء داخل البورصة وهي حالات البيع الحال أو الشراء الحال. أما المؤجل فقد بينا عدم جوازه للغرر والتصرف فيما لا يملك، وبيع الشيء قبل القبض (3) .

والخلاصة: إن حكم عمليات العقود داخل السوق المالية أو البورصة ما يلي:

1-

إذا كانت البضاعة حاضرة (أي وجود عينة) ، والسعر بات، فهذا حلال.

2-

إذا كانت البضاعة حاضرة، والسعر مؤجل ليوم التصفية، فهذا غير جائز عند جماهير العلماء، وأجازه بعض المعاصرين عملا برأي الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم في البيع بما ينقطع عليه السعر.

3-

العقود المؤجلة: وهي الحاصلة في بعض عمليات البورصة، فهذه غير جائزة، لأنها بيع الإنسان ما ليس عنده، وهو غير جائز بسبب وجود الغرر فيه، ولأنها بيع للشيء قبل قبضه، وهو الرأي الذي رجحناه من مذهب الشافعية ومن وافقهم، وهي بيع دين بدين.

والبديل الشرعي عن العقود المؤجلة هو عقد السلم الجائز شرعا، وهو بيع آجل بعاجل، أو بيع شيء موصوف في الذمة ببدل عاجل يجب قبضه عند الجمهور في مجلس العقد، ويجوز تأخيره مدة قليلة كيوم أو ثلاثة أيام عند المالكية، ويصح عقد السلم بلفظ البيع، ولا يشترط كون المعقود عليه موجودا عند التعاقد، ولا أن يكون في ملك البائع المسلم إليه، وإنما يكفي وجوده عند التسليم، وإنما يشترط فيه ألا يكون العقد مشتملا على ربا النسيئة، أي ألا يكون مطعوما أو نقدا في مقابل مطعوم أو نقد، ويصح أن يكون مطعوما مؤجلا في مقابل نقود.

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

(1) إلا أنه حديث ضعيف.

(2)

البدائع: 5/148، تكملة ابن عابدين: 2/326، الشرح الكبير للدردير: 3/63، بداية المجتهد: 2/146، المهذب: 1/262، المغني: 4/120، 130، غاية المنتهي: 2/80، كشاف القناع: 4/237، المحلي: 9/7، أصول البيوع الممنوعة للشيخ عبد السميع إمام: ص19، الغرر وأثره في العقود للدكتور الصديق محمد الضرير: ص315.

(3)

الموسوعة السابقة: 5/426.

ص: 995

حكم أعمال البرصة

في الفقه الإسلامي

إعداد

فضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم أعمال البرصة (1) . في الفقه الإسلامي

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونسأله عز وجل السداد والرشاد. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فإن ديننا العظيم الذي شرع العبادات كان موقفه من المعاملات أنه نظمها، فجاء والناس يتعاملون، فأخذ ينظم هذه المعاملات: حرم منها ما حرم، وأحل منها ما أحل، وعدل منها ما عدل.

أحل البيع وحرم الربا، ووجدت أسواق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هو بنفسه عليه الصلاة والسلام يمر على هذه الأسواق، وأرسل من يراقب الأسواق في مكة لما كان في المدينة.والخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم كانوا أيضا يراقبون الأسواق. ونعرف أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان لا يسمح لتاجر بأن يدخل سوق المسلمين إلا إذا كان عالما بفقه المعاملات حتى لا يقع في الربا، وكان يلاحظ عندما يدخل السوق ألا يكون ضرر بالمشترين ولا بالبائعين، ليست المسألة حماية المشترين فقط كما قد يتبادر إلى الأذهان، وإنما أيضا بالنسبة للبائعين فيذكر أن أحد البائعين أراد أن يبيع أقل من السوق فقال له: إما أن تبيع مثلهم وإما أن ترحل عن سوقنا. إذن هنا حماية للمشترين وحماية البائعين، وفرق بين أولئك البائعين الذي يستحقون الحماية، وبين بائعين محتكرين مستغلين جشعين.

وضعت القواعد العامة في البيوع، ولما تطورت الأسواق في ظل النظام الإسلامي كان التطور في حضانة الإسلام، ولذلك عندما نشأت عقود جديدة ومعاملات مستحدثة في تلك العصور: في القرن الثاني مثلا تعتبر مستحدثة بالنسبة للقرن الأول، وعقد ينشأ في القرن الثالث يعتبر مستحدثا بالنسبة لما قبله، وهكذا، كانت النشأة في حضانة الإسلام، ولذلك ما كان يأتي عقد من العقود، أو تنشأ معاملة من المعاملات إلا في ظل الإسلام، فإذا كانت تتفق مع كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ضوء المبادئ الإسلامية العامة أخذ بها، وإلا فلا يؤخذ بها.

ولهذا انتظمت الأسواق، وظهرت وظيفة المحتسب: والمحتسب كانت الوظيفة الأساسية له وظيفة دينية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أنه أيضا كان يراقب الأسواق، فيمنع الغش في الكيل أو الوزن أو البضاعة وهكذا.

ولهذا وجدنا أن البائع يستفيد وأن المشتري يستفيد، وبين البائع والمشتري محبة ومودة وأخوة إسلامية، لا عداوة كالتي نراها بين المقامرين، لا يكسب هذا إلا على حساب ذاك، إذا خسر هذا ربح ذاك، أما في البيع الحلال فالبائع يبيع للمشتري ويدعو له، والمشتري يأخذ من البائع ويدعو له. والبائع إذا عرف أن المشتري أخذ يتاجر فباع فكسب يفرح لهذا ولا يغضب، إنما المقامر ربحه مرتبط بخسارة غيره لا يربح إلا إذا خسر غيره.

(1) البرصة: فتق في الغيم يرى منه أديم السماء، وبقعة في الأرض لا تنبت شيئا. وفي علم الاقتصاد السياسي: المصفق، وهو سوق يعقد فيها صفقات القطن والأوراق المالية، الجمع: براص، وبرص (انظر المعجم الوسيط) .

ص: 996

من هنا وجدنا في البيوع أن ما فيه قمار فهو حرام أو ما هو شبيه بالقمار، فأكثر العقود مرد فسادها إلى أمرين أساسيين: الربا والميسر، وما في معنى الربا ومعنى الميسر.

لهذا وجدنا بيوعا ينهي عنها الإسلام كبيع الثمار قبل بدو صلاحها، لأنه لا يدري أتصلح أم لا تصلح؟ وكبيع الجمل الشارد، والعبد الآبق لأن هنا من باع إنما يبيع بثمن بخس، إذا كان هذا يساوي ألفا يمكن أن يبيعه بمائة، فإذا اشترى المشتري بمائة ثم بحث فوجده قال البائع له: قمرتني لأنك أخذت ما قيمته ألف بمائة، وإذا بحث المشتري ولم يجد وضاع عليه المائة أيضا قال للبائع: قمرتني.

الآن مثلا لو فرضنا أن سيارة ضائعة ومالكها يقول أنا أبيعها قيمتها خمسون ألفا وأبيعها بعشر آلاف. واشتراها شخص بعشرة آلاف بالتراضي بين الطرفين، المشتري راض والبائع راض، فإذا أخذ المشتري يبحث عن السيارة فوجدها في مكان قريب فهل التراضي الذي كان موجودا أهو فعلا لا يزال موجودا؟ إذا كان المشتري يبحث ولا يجد السيارة وخسر العشرة آلاف فهل يرضى؟ ولذلك مثل هذه البيوع حرمها الإسلام تماما.

والأصل في البيوع أن الإنسان يبيع الشيء أو يشتري لأنه في حاجة إلى المال أو السلعة أو في غنى عن السلعة، ولذلك يتم التقابض، وهناك بيوع لا بد فيها من هذا التقابض وهي تبادل الأجناس الربوية الستة وما يلحق بها، فاستبدال طعام بطعام، أو نقود بنقود، لا بد فيه من التقابض في المجلس. ولكن يمكن أن يكون هناك البيع الآجل، وهو بيع السلعة والثمن المؤجل، ويمكن أن يكون ما يسمى في الفقه الإسلامي بيع السلع، ندفع الثمن الآن والسلعة نتسلمها في وقت لاحق:(من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) . وعند وضع الإسلام هذه القاعدة وضعها للتيسير على الناس، ولذلك إذا كان في البيع الآجل زيادة في الثمن فيها غبن فاحش وظلم بين كان البيع حراما.

في السلم المشتري يدفع الثمن ويستغني عنه ويستفيد البائع من هذا الثمن، وفي نظير ذلك قد تكون السلعة أرخص، ولكن لا يتخذ من هذا وسيلة للتجارة قبل أن يتسلم السلعة: لذا أجمع الفقهاء على أن من اشترى سلما لا يجوز له أن يبيع السلعة قبل قبضها، وفي الحوالة يقولون بأنه لا يجوز الحوالة إلا بدين مستقر، ويضربون مثلا على ذلك دين السلم، فيقولون لا يجوز الحوالة به لأنه دين غير مستقر، ما معنى دين غير مستقر؟ أنه إذا جاء الوقت الذي استحق فيه المشتري السلعة، ولأي سبب من الأسباب لم توجد، وأخذ الثمن يأخذ الثمن الذي دفعه ويفسخ العقد، والثمن دفعه بقي شهورا نرى هنا أنه لا يأخذ أكثر من الثمن.

وبعض الذين قرءوا لشيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه شيئا عن دين السلم بعضهم قرأ جزءا ولم يقرأ باقي الأجزاء، وقرأ شيئا متعلقا بموضوع معين ولم يفهم المقصود، ولم يجمع الموضوعات الأخرى، لأن شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى نجد الموضوع الواحد قد يكون في أكثر من جزء، ولذلك هذا يستدعي التثبت، وبعض المعاصرين قرءوا لشيخ الإسلام بأنه يجوز للمشتري الاعتياض عن دين السلم بأن يأخذ مكانه شيئا آخر، وأن هذه مسألة خلافية ولكنه أيد هذا الاعتياض: فقالوا إذن هنا يجوز بيع دين السلم، واقترحوا فعلا في عصرنا أن نستفيد من هذا، فنصدر صكوكا بألف وبعد شهر بألف وعشرة، وبعد شهرين بألف وعشرين وهكذا.

ص: 997

هؤلاء الذين قرءوا لابن تيمية هذا القول لم يقرءوا له ما كتبه في مكان آخر من أن الأئمة الأربعة أجمعوا على أنه لا يجوز بيع دين السلم، ولم يفرقوا بين كلمتي بيع واعتياض: فالبيع للربح أما الاعتياض فمعناه أن يأخذوا بمثل السلعة أو بأقل، فلا يجوز الربح.

هذه قواعد عامة لاحظها فقهاء سابقون، بعد هذا نأتي إلى عصرنا، نظم الاقتصاد في العالم المعاصر بعيدا عن الإسلام، ونشأت المعاملات بعيدة عن الإسلام، ولذلك رأينا في المحاضرات السابقة كيف أن البنوك نشأت نشأة يهودية ربوية، فدخلت بلاد الإسلام كما هي يهودية ربوية، ولا تزال إلا ما نسمعه الآن عن المصارف الإسلامية.

ولننظر إلى البرصة: وهي تختلف عن الأسواق في بعض الأشياء، فصفقاتها مثلا عمليات كبيرة في أشياء مثلية متجانسة

إلخ لا نريد أن نقول كثيرا في هذا، وإنما نريد أن نقف عند الصفقات التي تعقد في البرصة لنرى جانب الحل والحرمة. إذن البرصة هذه ما دامت نشأت في غير ظل الإسلام لا نتوقع أن تكون إسلامية. لا نتوقع هذا، قد يكون فيها شيء يتفق مع الإسلام، ولكن لا نتوقع أن تكون إسلامية خالصة، بل إننا عندما ننظر في أعمال البرصة فإننا سنجد أن أكثر أعمالها بعيدة عن الإسلام.

فعندنا مثلا بورصة الأوراق المالية: ماذا يباع فيها؟ السندات والأسهم، وبورصة سلع حاضرة، وآجلة، وبرصة النقود يباع فيها النقود. ننظر إلى ما يتم في تلك البرص.

السندات التي تباع، ما حقيقة هذه السندات؟ السندات سواء أكانت حكومية أم تصدرها هيئة أم شركة عبارة عن قروض طويلة الأجل أو قصيرة الأجل، وهذه القروض الهيئة أو الشركة أو الحكومة التي أصدرتها ضامنة لها، فتدفع فائدة سنوية محددة، سند مثلا بمائة وله فائدة سنوية عشرة، فلو فرضنا مثلا أن شركة من الشركات هي التي أصدرت السندات فإنها في نهاية العام قبل توزيع الأرباح على المساهمين تخرج الزيادة الربوية للمقرضين، وما يتبقى يوزع على المساهمين، إذا لم تربح الشركة أخذ من أصولها، إذا أفلست الشركة دخل أصحاب السندات مع الدائنين، والمساهمون لا يأخذون شيئا إلا بعد الديون.

إذن لا خلاف حول أن السندات قرض بزيادة في مقابل الزمن، وهذا هو ربا الديون الذي حرمه الإسلام. كأن البرصة إذن عندما تبيع سندات إنما تبيع قروضا ربوية. أمر عجيب أن القرض نفسه يباع. وأيضا قد يباع ربويا في الحال وقد يباع بالأجل كما سنرى في طريقة البيع، إذن هنا ما دام السند له فائدة محددة مقابل الزمن بالقيمة الاسمية فهذه الزيادة الربوية تجعل السند قرضا ربويا، وما دام قرضا ربويا فلا يحل بيعه ولا شراؤه ولا تملكه ولا إصداره ولا حيازته. كل من تعامل في سندات فقد أذن بحرب من الله ورسوله.

ص: 998

هذا بالنسبة للسندات، ونأتي للأسهم: الأسهم عبارة عن ماذا؟ مثلا وجدنا اثنين أو ثلاثة يكونون شركة بينهم، وكل دفع جزءا من رأس المال في شركة صغيرة عادية، غير أننا نجد بعض الشركات وبالذات في عصرنا. رأس المال يكون كبيرا، ولذلك نسمع عن اكتتاب لشركة تحت التأسيس، أو بيع أسهم شركة كذا، معنى بيع أسهم يعني أن رأس مال الشركة قسم إلى أجزاء، السهم يمثل جزءا من هذه الأجزاء.

فلو فرضنا أن الشركة طرحت ألف سهم واشترى واحد عشرة أسهم، إذن هو يملك من الشركة عشرة في الألف (1 %) ، الشركة هذه التي تكونت من الأسهم أصبح المساهمون يمثلون أصحاب رأس المال.. أصحاب رأس مال الشركة. ومعنى هذا أن الربح للمساهمين والخسارة أيضا على المساهمين والغنم بالغرم.

وأحيانا نجد شركة تريد أن تزيد في رأس المال، فتصدر أسهما جديدة، أيضا من اشترى هذه الأسهم أصبح شريكا بنسبة أسهمه إلى مجموع الأسهم.

ولكن الشركة أحيانا تصدر سندات بدلا من الأسهم، لماذا؟ لأن الشركة تنظر بتفكير ربوي معاصر، الأفضل السند بفائدة كذا أم إصدار أسهم؟ فإذا وجدت أن السند بفائدة يحقق للمساهمين أرباحا أكثر أصدرت سندات، وإذا وجدت أن الأسهم تحقق أرباحا أكثر أصدرت أسهما. وقد تكون السندات لوقت قصير حتى يعاد القرض ويبقى عدد الأسهم كما هو.

إذن الفرق بين الأسهم والسندات أن السندات قرض ربوي وأن الأسهم جزء مشاع في شركة، ومعنى هذا أن من اشترى أسهما أصبح شريكا في الشركة. وهل هذا يعني أن شراء الأسهم في البرصة حلال؟. ننظر هنا: الأسهم هذه لأي شركة؟ لا بد أن ننظر أولا للشركة التي أصدرت الأسهم.

فلنفرض أنها شركة تتعامل بالحرام، شركة مصنع خمور وتجارة خمور، إذن من اشترى أسهما أصبح تاجر خمور. شركة لإنشاء بنك ربوي إذن شراء سهم من أسهم البنك الربوي يعين أن المشتري أصبح أحد المرابين. إذن لا بد أن ننظر إلى عمل الشركة. لنفرض أن الشركة تتعامل في الحلال، شركة نقل بحرية مثلا، أو شركة صناعية، ولكن هذه الشركة فائض أموالها أين تستثمره؟ إنها عادة تضع في البنوك الربوية بفائدة ربوية، ولذلك المشترك في هذه الشركة سيكون من كسبه هذا الجزء من الربا.

ص: 999

ولهذا حتى لا يلتبس الأمر، وحتى نضع حدا فاصلا لمن أراد أن يشتري الأسهم، وضعت هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي شرطين لا بد من تحققهما إذا أراد المصرف شراء أسهم أي شركة، وهذان شرطان هما:

أن تكون الشركة مالكة الأسهم شركة إسلامية، ولها رقابة شرعية. فإذا نظرنا إلى البرصة فأين الشركات المساهمة الإسلامية التي لها رقابة شرعية وتتعامل في البرصة؟ إذا وجدت هذه الشركات يكون الاشتراك في الشركات حلالا أما إذا لم توجد وقد لا توجد إلا إذا وجدت سوق إسلامية؟

معنى هذا أن الأسهم في البرصة معظمها إن لم يكن كلها حرام التعامل فيها: الشراء والبيع والحيازة وهكذا ما دامت الشركة ليست إسلامية.

أمر آخر: لو فرضنا أن الأسهم في الشراء حلال فكيف يتم البيع والشراء في البرصة؟

من المعلوم عند عقد البيع وجوب قبض البدلين كليهما أو أحدهما. فإما أن نقبض السلعة والثمن أو نقبض الثمن في السلم، أو نقبض السعلة في البيع الآجل، أما أن نبيع ولا ثمن ولا سلعة الآن فهذا ما يسمى ببيع الكالئ بالكالئ، أو الدين بالدين، والأئمة يمنعونه.

الشراء كيف يمنعونه في البرصة؟ البيع في السوق العاجل: يشتري ويبيع ويقبض، فإذا كان السهم حلالا فالعقد صحيح حلال، ولكن نأتي إلى البيع الآجل سواء أكان هذا في أسواق الأوراق المالية، أم البضائع، أم النقود، هذا البيع الآجل ماذا يعني؟

له صور مختلفة، منه ما يسمى بالبيع البات وهو بيع آجل وبات، يعني نهائي، بمعنى أن المشتري والبائع يتفقان على شراء أسهم معينة محددة تسمح بها نظم البرصة، فالبرصة تجعل البيع لعدد معين ومضاعفاته، وتتم الصفقة في أول تصفية، فوقتها هو موعد التقابض، فالثمن لا يدفع الآن، والأسهم لا تسلم الآن، ثم عندما يأتي الوقت ينظر إلى الثمن الحال في وقت التصفية كم هو؟ أزاد عن وقت الاتفاق أم قل أم بقي كما هو؟ فإذا كان أكثر أو أقل ننظر هنا: ألصالح البائع أم المشتري؟

نضرب مثلا: البائع والمشتري اتفقا على شراء أسهم معينة بسعر مائة، معنى هذا أن البائع ملتزم ببيع أسهم من هذا النوع في وقت التصفية بسعر مائة، وأن المشتري يلتزم بشراء هذه الأسهم بسعر مائة، فإذا كان السعر السائد في وقتها مائة انتهى الأمر بلا كسب ولا خسارة إلا بقدر ما يخسره المتعاملون في البرصة، وهو ما يدفع للإدارة والسماسرة. إذن يسلم الأسهم ويأخذ الثمن، ولكن لا حاجة إلى هذا، لأنه لا بيع ولا شراء أصلا في الواقع، وإنما هو ما يسمى بالمضاربة.

والحقيقة البرصة فيها أسماء تلتبس على المسلمين مثل كلمة مضاربة ومرابحة: المضاربة في الإسلام تعني شركة رأس المال من جانب والعمل من جانب والربح يقسم بين الأثنين بالنسبة المتفق عليها، إنما المضاربة في البرصة تعني المقامرة. كيف هذا؟ المشتري عندما اشترى بمائة اشترى لأنه يضارب (يقامر) على الزيادة، والبائع عندما باع بمائة إنما باع لأنه يتوقع النقصان: مثلا السهم الذي اتفق عليه بمائة في موعد التصفية أصبح يباع حالا في السوق العاجلة بمائة وعشرة، والمسألة اشترى بمائة.. إذن هنا معناه أنه يأخذ من البائع بمائة ويبيع هو بمائة وعشرة، والمسألة لا تحتاج إلى تعب وتسليم وتسلم، وإنما الوسيط الذي يقوم بالعلميتين يسجل العملية الأولى بأن المشتري اشترى مثلا ألف سهم بسعر مائة، ثم الآن له الألف هذا في مائة وعشرة، إذن المكسب عشرة آلاف، فيقيد لحسابه، وهذه تعني أنها تخصم من حساب البائع، ولذلك قلت بأنه لا كسب لأحد إلا على حساب الآخر، تماما كالمقامرين.

ص: 1000

لنفرض أن هذا السهم جاء على غير ما توقع المشتري، المشتري توقع أن تزيد فإذا به ينخفض كما توقع البائع. فأصبح بخمسة وتسعين إذن البائع يستطيع أن يشتري من السوق الحال بخمسة وتسعين ويبيع بمائة، ولكن الوسطاء والقائمون على البرصة يسهلون المسألة، لا حاجة إلى تسليم وتسلم، ما جاء به الإسلام من مسألة القبض والتسليم والتسلم هذا أمر لا حاجة إليه عند هؤلاء، أنت الآن بعت واتفقت على أن تبيع بمائة والسعر الآن أصبح خمسة وتسعين، يعني إذن إذا اشتريت بخمسة وتسعين تبيع بمائة وتكسب خمسة، إذن لك خمسة آلاف، فيكون هذا كسبا لمن باع خصما من حساب المشتري. هذه حالة، فهل مثل هذا يمكن أن يعد بيعا وشراء.

شيء آخر: المشتري قد يحتاط لنفسه، يخشى أن تنخفض الأسعار لدرجة كبيرة جدا، فيشتري مع خيار شرطي، وهو إما أن يتم الصفقة أو يدفع تعويضا للبائع، أوضح هذا: المشتري يشتري ويجعل لنفسه الخيار: يتفق مع البائع بأن له الخيار إما أن يتم البيع أو يدفع له تعويضا، يعني مثلا في الحالة السابقة المشتري قد يشتري بمائة مع شرط التعويض بخمسة إذا رغب في عدم إتمام الصفقة، فعندما يأتي الوقت إما أن يشتري بمائة، أو يترك الصفقة ويدفع خمسة عن كل سهم، فلو فرضنا أن السعر في وقتها أصبح بمائة يشتري حتى لا يخسر، وإن كان بمائة وعشرة فهي فرصة للكسب، لأنه يشتري بمائة ويبيع بمائة وعشرة، وإن كان بخمسة وتسعين استوى عنده إتمام الصفقة وعدم إتمامها، فهو خاسر حتما، والخسارة واحدة: إذا اشترى بمائة وباع بخمسة وتسعين خسر خمسة، وإذا لم ينفذ العملية خسر خمسة، فإذن هنا الوسيط يقيد عليه عدد الأسهم وخسارتها، ولو أن قيمة الأسهم قلت عن هذا فأصبحت مثلا بثمانين فإنه يخسر عشرين في كل سهم إذا أتم الصفقة، ولهذا فإنه لا يتمها، ويكتفي بدفع التعويض للبائع.

هذا بالنسبة للمشتري، أما البائع فإنه على عكس هذا، يتوقع انخفاض السعر فيبيع مع شرط الخيار له أيضا في أن يتم الصفقة أو يدفع تعويضا. فهنا اتفق بمائة، ثم أصبح سعر السهم عند التصفية بتسعين، إذن يشتري بتسعين ويبيع بمائة ويربح عشرة، وإذا أصبح بمائة ويبيع ويشتري ولا يدفع تعويضا، ولا يربح ولا يخسر إلا الخسارة التي أشرت إليها من قبل وهي ما يأخذه السماسرة وإدارة البرصة. وإذا وصل سعر السهم إلى مائة وخمسة، وهو اتفق أن يبيع بمائة، إذن لو اشترى من السوق العاجل بمائة وخمسة وباعه بمائة خسر خمسة، والتعويض أصلا خمسة، إذن التعويض يدفعه وانتهى الأمر. وإذا ارتفع السعر أكثر من هذا، أصبح مائة وعشرة أو مائة وعشرين، هنا لا ينفذ العملية وإنما يدفع التعويض وهو خمسة.

فهذا كما نرى شرط للمشتري أو شرط للبائع، ولا ثمن ولا سلعة، ولا تسليم ولا تسلم، وإنما هي مسألة أن هذا يتوقع أن يكون السوق في اتجاه الارتفاع، والآخر يضارب – أي يقامر – في اتجاه الانخفاض، فإذا جاء كما توقع أحدهما ربح على حساب الآخر الذي جاء على خلاف توقعه، وهكذا.

ص: 1001

قد يأتي واحد ويقول هنا: البيع في الإسلام فيه خيار الشرط، وأجازه الأئمة الأعلام؟ نعم يوجد خيار الشرط، ولكن ما معنى خيار الشرط في البيع في الفقه الإسلامي؟ عندنا خيار المجلس وخيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب وهكذا، خيارات مختلفة، البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.

إن خيار الشرط يعني أن البائع عندما يبيع السلعة يسلم ويتسلم المشتري، قد يشترط المشتري الخيار مدة يوم أو يومين أو ثلاثة مثلا، بحيث إنه في هذه المدة يشاور، قد يكون اشتراه لغيره فيسأل غيره، قد يكون على غير دراية بالسوق، فيقول هنا لي خيار يوم أو يومين أو ثلاثة حتى أبحث هل السعر مناسب أم لا؟ والبائع كذلك قد يجعل خيارا لنفسه، وخيار الشرط يعني أن المدة إذا انقضت ولم ينفسخ البيع فإن البيع تام كما هو، لا زيادة ولا نقصان ولا تعويض، إذا جاء المشتري في مدة الخيار وفسخ البيع أخذ البائع سلعته وأخذ المشتري الثمن. إذا جاء البائع وكان له حق الخيار – خيار الشرط – وأراد أن يسترد سلعته أخذها ورد الثمن.

هذا معنى خيار الشرط، إنما خيار بمعنى إلا سلعة ولا ثمن، وأن هناك تخمينا وتظننا أن السعر قد يكون كذا، فهذا أشبه في الحقيقة بموائد القمار، لأن الهدف الأساسي هنا هو المضاربة كما يقولون، ولكن الواقع أنها المقامرة: المترجمون ترجموا الكلمة إلى العربية بكلمة مضاربة، لأن المترجمين أيضا لا يعرفون معنى المضاربة الإسلامية، ولذلك وجدنا أن بعض المسلمين الذين فهموا معنى مضاربة إسلامية عندما جاءوا للترجمة قالوا نسمي هذه متاجرة، وأقول: إنها ليست متاجرة، إلا إذا اعتبرنا القمار نوعا من التجارة، فإنه لا تسلم ولا تسليم وتسليم ولا بيع ولا شراء، وإنما كل واحد يضارب الآخر على الصعود أو الهبوط، أي يقامره.

وأنتقل بعد هذا لبيان صورة أخرى من صور التعامل في البرصة وهي: أن يحدد سعر أدنى وأعلى للبيع أو الشراء، على أن يكون للمشتري أو للبائع الخيار

في ماذا؟ السعر مثلا اتفق على أنه من سبعين إلى ثمانين والخيار للمشتري، والخيار للمشتري يعني إما أن يبيع بسبعين وإما أن يشتري بثمانين. معنى هذا أن المشتري عندما يأتي وقت التصفية إما أن يظل مشتريا، وإما أن يتحول إلى بائع، والبائع يتحول إلى مشتر.

ص: 1002

فإذا كان السعر سبعين باعه بسبعين، وإذا كان ثمانين اشترى بثمانين، وإذا كان السعر بين السبعين والثمانين فإن البائع يربح، لأن المشتري إذا اختار أن يكون بائعا فسيبيع له بسبعين، يعني لو فرضنا مثلا أنه كان بخمسة وسبعين، فالمشتري الذي له الخيار إذا قال أنا أبيع فإنه يبيع بسبعين، إذن كان بخمسة وسبعين، فالمشتري الذي له الخيار إذا قال أنا أبيع فإنه يبيع بسبعين، إذن يخسر خمسة، أو يشتري بثمانين، فالبائع يشتري بخمسة وسبعين ويبيع بثمانين، يعني إذن البائع في حالة الخيار للمشتري يربح إذا كان السعر بين السعرين: السبعين والثمانين، أما إذا زاد عن الثمانين أو قل عن السبعين فإن البائع لا بد أن يخسر، والمشتري الذي قامره يكسب بقدر خسارة خصمه، بأن يتحول إلى بائع أو يظل مشتريا، والعكس بالنسبة للبائع لو أن الخيار كان له.

ونترك المضاربة ونأتي إلى مايسمى في البرصة بالمرابحة: قد يأتي الوقت المحدد للتصفية ولا يستطيع المشتري أن يتم الصفقة لأن الأسعار تطورت تطورا كبيرا على خلاف ما توقع، مثلا اشترى بمائة وثلاثين فإذا به يصل إلى مائة، فعليه أن يشتري الأسهم بمائة وثلاثين، ويبيع بمائة، فيخسر ثلاثين في كل سهم، ويمكن أن يكون اشترى مجموعة كبيرة من الأسهم، ونستطيع أن نتصور هنا الخسائر التي يمكن أن تقع، فإذا وجد المشتري أنه لا يستطيع أن يتم الصفقة في الموعد، هنا يمكن أن يؤجل هذه الصفقة إلى التصفية التالية عن طريق التأجيل بالمرابحة.

وقد يختلط الأمر عند سماع كلمة المرابحة، ونحن نعرف أن المصارف الإسلامية تبيع بالمرابحة، ولكن الأمر مختلف تماما كالمضاربة في البرصة والمضاربة في الإسلام، فالمرابحة في البرصة لا تعني المرابحة في المصارف الإسلامية، لأن المرابحة في المصارف الإسلامية تعني أن المصرف له الحق في بيع السلعة متى اشتراها وامتلكها وحازها، وضمن هلاكها قبل التسليم، ثم يقع على المصرف تبعه الرد بالعيب الخفي بعد البيع، إنما هنا التأجيل بالمرابحة معناه أنه يبحث عن ممول مما يخرجه من ورطته هذه مقابل زيادة (مقابل فائدة)، فسمي هذا: زيادة بالمرابحة.. تأجيل بالمرابحة، أي قرض ربوي مقابل التأجيل.

والبائع قد يخسر ولا يستطيع تنفيذ الصفقة فهنا يؤجل بالوضيعة، الوضيعة أيضا نعرفها في الإسلام، فعندنا في الفقه الإسلامي البيع مساومة وبيوع أمانة. البيع مساومة وهو البيع الشائع الذي يتم به الشراء دون إشارة إلى ربح البائع أو عدم ربحه أو خسارته.

أما بيوع الأمانة فإنها تعتمد على أمانة البائع، وتنقسم إلى مرابحة وتولية وحطيطة أو وضيعة: فالمرابحة تكون عندما يتفق البائع مع المشتري على البيع مع تحديد ربح معين، كأن يقول، هذه كلفتني مائة وأبيعها لك بمائة وعشرة. هذا بيع مرابحة، وقد يكون التاجر عنده سلعة ويريد أن يتخلص منها فيقول أنا أبيعها بسعر التكلفة، فهذا بيع التولية: يعني لا ربح ولا خسارة. وقد يخشى التاجر على البضاعة أن تتلف أو لسبب ما فيقول: أنا أبيعها وأخسر فيها عشرة في المائة مثلا، فهنا يسمى ببيع الحطيطة أو الوضيعة.

إنما بالنسبة للبرصة الوضيعة لا تعني هذا، إنما تعني أن البائع إذا ارتفعت الأسعار، وأصبحت خسارته كبيرة، فأراد تأجيل الصفقة، فعليه أن يجد متعاملا يملك النوع المطلوب من الأوراق المالية، فيشتريها منه، ثم يبيعها له مرة أخرى على أساس موعد التصفية التالي حسب التقاص، أي تتم إعارة هذه الأوراق لقاء فائدة ربوية تسمى (وضيعة) .

ص: 1003

إذن المرابحة – في البرصة – قرض ربوي للمشتري، والوضيعة قرض ربوي للبائع.

وأحيانا تكون العملية مركبة بحيث يشترط أكثر من شرط، أو يدخل ليشتري هنا ويبيع هناك، حتى إذا كان الاتجاه في الصعود يقلل من الخسارة، وكذلك إذا كان الاتجاه في الهبوط.

البيع الآجل في الواقع لا يعني بيعا ولا شراء، ولا تسليما ولا تسلما، فعلى سبيل المثال فبورصة نيويورك عندما قاموا بإحصائية وجدوا أن القبض الفعلي لا يكاد يصل إلى اثنين في المائة، معنى هذا أن الداخلين إلى سوق البيع الآجل إنما هم مريدون للمضاربة، أي المقامرة، فلا يريدون الشراء، ليسوا في حاجة إلى أسهم، وإنما هم يدخلون السوق من أجل المقامرة، بمعنى أنه إذا رأى أن السعر سيرتفع من وجهة نظره اشترى، وإذا رأى أنه سينخفض باع بسعر معين.

ويذكرون مما يحدث أشياء عجيبة، يذكرون أشياء يلجأ إليها هؤلاء أحيانا، حيل للتلاعب بالأسعار، كأن تتفق مجموعة مثلا على حيازة سلعة معينة أو أسهم معينة، ثم تشتري بالأجل، فإذا جاء وقت الأجل يبحث البائع عن السلعة فلا يجدها، لأن المجموعة احتفظت بها، ويسمون هذا (الكورنر) . يعني وضعه (الكورنر) .. يعني وضعه هكذا بحيث لا يستطيع أن يتحرك.. ما هذا؟ هل هذا هو البيع الذي أحله الإسلام؟ هل هذا هو الذي يحقق المصلحة التي من أجلها أحل الله البيع وحرم الربا؟

ولذلك الأسواق المالية هذه لا يجوز لمسلم أن يدخلها بائعا أو مشتريا إلا إذا كان يريد بالفعل أن يشتري أسهما إسلامية، وأن يتسلم الأسهم، ويدفع الثمن، أو يدفع الثمن ويتحدد موعد الأسهم، إنما لا ثمن ولا أسهم.. لا (بيع الدين بالدين) .. لا.

وهنا كذلك الأسهم إذا كانت تمثل نقودا فمن شروط بيع النقود بعضها ببعض – وهو ما يسمى بالصرف في الفقه الإسلامي – التقابض في المجلس، فلا يجوز التأجيل.

بالنسبة للسلع كذلك نفس العمليات التي قلناها هناك هي هنا، وأحيانا يقوم بعمليات مركبة.. فعالم البرصة هذا عالم عجيب، لأنه كما قلنا نشأ بعيدا عن حضانة الإسلام، وعن أحكام الإسلام.

هناك أنواع من البرص تبيع سلعا حاضرة بحيث إن الإنسان يشتري ويتسلم السلعة ويدفع الثمن، لا شيء في هذا. ومن قبل كانت برص فعلا تقوم بهذا مثل بورصة مينا البصل، وبرص معينة كانت تقوم بهذا البيع فعلا، وتيسر البيع والشراء، لأن الكميات كبيرة فيمكن شراء كميات كبيرة أو بيع كمية كبيرة، أو جمع كمية كبيرة وبيعها ما دام الاتجاه للشراء الفعلي.

ولو فرضنا أنه اشترى معادن بالأجل، وتسلم المعادن والثمن مؤجل، أو باع المعادن والثمن مؤجل، هل هذا حلال أم حرام؟

ص: 1004

قلنا في الفقه بيع آجل وسلم، إذن هنا تبعا للبيع الآجل ممكن، أو تبعا للسلم هذا أيضا ممكن، ولكن يبقى هنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح يدا بيد سواء بسواء مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)) . معنى هذا تبادل ذهب بذهب لا بد أن يكون بنفس الوزن، والنقود كذلك تلحق بالذهب والفضة. ولذلك قلنا في محاضرة النقود بأننا أصبح عندنا الآن أجناس كثيرة، ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان جنسان: جنس الذهب وجنس الفضة، أما في هذه الأيام تجد الفضة والذهب والعملات الورقية، كل دولة لها عملة، فكل دولة عملتها تعتبر جنسا: ريال قطر جنس، درهم الأمارات جنس، الريال السعودي جنس، وهكذا، فيمكن التبادل:((إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) .

وقول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الذهب بالورق (العملة الفضية) ربا إلا هاء وهاء)) (خذ وهات) ، ولذلك كانت الفتوى الإجماعية للمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بأنه (لا يجوز إلا بالتقابض الفوري، وأن البيع الآجل هو من الربا المحرم، ومعنى هذا أننا إذا أردنا أن نشتري سلعا: والسلعة ستتأجل، أو الثمن سيتأجل، فإن هذا يمكن في غير الذهب والفضة، ولكن وجدنا في عصرنا من الباحثين المسلمين من قال بأن الذهب كما يجوز أن نشتريه ونقبضه يجوز مع الأجل. لماذا؟ قال: بالنسبة للذهب الرسول عليه الصلاة والسلام جعل القبض يدا بيد في البيع لأنه كان ثمنا، والعلة الثمنية، والأثمان في عصرنا هي النقود الورقية لا الذهب.

ولتوضيح ما يتصل بالعملة في الذهب أقول: الفقهاء اختلفوا في التعليل، فبعضهم قال العلة الوزن، وقال: كل ما يوزن لا بد أن يكون التقابض في المجلس، فيلحق بالذهب النحاس والرصاص والحديد وغير ذلك مما يوزن. وبعضهم قال بالثمنية، والفقهاء الذين قالوا بالثمنية قالوا بأن هذه العلة قاصرة، ومعنى قاصرة أي أنها لا تتعدى الذهب ولا الفضة، بمعنى أن هذا الحكم قاصر على الذهب والفضة. ولماذا إذن أدخلنا النقود؟ قالوا: ربما شارك الأصل شيء فيلحق به، ولذلك المالكية قالوا بالعلة القاصرة، فلما ظهرت في عصرهم النقود النحاسية وراجت وأصبحت نقودا، قال الإمام مالك قوله المشهور:(لو أن الناس اتخذوا الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة) ، يعني أكره أن تباع بالذهب والورق مع التأجيل، والكراهة عند الأقدمين ليس معناها ما نسمعه من أن الحكم الشرعي خمسة أقسام: حلال وحرام ومستحب ومكروه ومباح، لا، الكراهة إذا أطلقت عند الأقدميين فإنما تعني التحريم.

ص: 1005

إذن الجلود في ذاتها لا تلحق بالذهب والفضة، ولكنها إذا أصبحت نقودا ألحقت بالذهب والفضة، الورق الآن لا يلحق بالذهب والفضة، فإذا أصبح هذا الورق ريالات قطرية أو سعودية أو غيرها ألحق بالذهب والفضة لا لأنه ورق، ولكن لأنه نقود. أما الذهب والفضة فالحكم باق بالنسبة لهما سواء أكانا نقودا أم غير نقود.

ومن المعلوم في أصول الفقه أننا عندما نبحث عن العلة للقياس، فإنها إذا وجدت في فرع ألحقناه بالأصل قياسا عليه، أما الأصل فهو ثابت بالنص لا بالاجتهاد، وعلى أي حال النص والإجماع مدة أربعة عشر قرنا على أنه لا يجوز التأجيل أبدا بالنسبة للذهب.

وبعض الاقتصاديين أيضا (أفتوا) بجواز التأجيل. قالوا: الآن الذهب لم يعد هناك علاقة بينه وبين النقود بعد أن ترك الدولار القاعدة الذهبية منذ عام 1972 فأصبح الذهب ليس ثمنا. فما دام الدولار تخلى عن الذهب، فلم يعد الذهب نقدا ولا ثمنا، إنما أصبح سلعة كأي سلعة.

وهذا القول لا يصح فقها ولا اقتصادا:

فمن الناحية الفقهية لا يجوز الخروج على النص والإجماع، لا يجوز أبدا، ومسألة العلة إنما هي للإلحاق لا لإخراج الأصل، فأنا أبحث عن العلة لماذا؟ لألحق شيئا بالأصل لا لأخرج الأصل وأدخل الفرع، فالعلة إذا وجدت في حكم لم ينص عليه فهل نلحقه بحكم المنصوص عليه وأخرج الحكم المنصوص عليه؟ كيف هذا؟ فقها كيف هذا؟

وأما من الناحية الاقتصادية فبعض الاقتصاديين الذين لم يتحرجوا عن التصدي للإفتاء، والقول بعلم أو بغير علم، قالوا: الذهب الآن يباح أن يباع مع التأجيل لأنه سلعة بعيدة عن الثمنية. وإذا بحثنا وجدنا هذا القول الذي لا يصح فقها غير صحيح من الناحية الاقتصادية.

الاقتصادي عندما يقول هذا ألا يعلم مثلا أن صندوق النقد الدولي يشترط بالنسبة لحصص الأعضاء أن يكون الربع من الذهب الخالص والباقي بالعملة المحلية؟ وأن هناك هيئات دولية كثيرة تشترط مثل هذا الشرط، حتى أوروبا الشرقية عندما ارتبطت بالروبل ربطته بالذهب وقدرته بالذهب. فإلى جانب صندوق النقد الدولي نجد بنك التنمية الآسيوي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهيئات التنمية الدولية، والبنك الدولي للتعاون الاقتصادي لدول أوربا الشرقية، كل هؤلاء يشترطون جزءا معينا من الذهب، والفرق بين الذهب وباقي العملة أن العضو المشترك في صندوق النقد الدولي له أن يأخذ قروضا ميسرة مثل نصيبه من الذهب، وإن زاد عن النصيب من الذهب يأخذ بالقروض التي يفرضها البنك.

إذن أيهما أكثر ثمنية ونقدية: الذهب أم النقود الإلزامية؟ ولو أن أي واحد منا عرض عليه أو أي دولة عرض عليها ذهب أو نقود ورقية فأيهما تفضل؟ ولو أن النقود الورقية لم تكن إلزامية من كان يأخذها؟ فيكف إذن أخرجت الذهب وهو الأصل؟ ولذلك أعجبني هذا الإعلان عن شركة إسلامية قامت لإعادة التعامل بالدينار الذهبي والدرهم الفضي، وأرباح المشتركين ستكون بالدينار الذهبي والدرهم الفضي.

وأذكر هؤلاء الاقتصاديين بأن فرنسا لا تزال مرتبطة بالذهب ارتباطا كليا، وأن بلادا أخرى تحتفظ بأرصدة ذهبية بنسبة معينة من قيمة عملتها.

ص: 1006

وأذكر للاقتصاديين والفقهاء أيضا أنه في وقت ما كانت قاعدة المدفوعات في مصر بالنحاس، بحيث كان الذهب يقوم بالنحاس. العملة كانت نحاسية في وقت ما الأوقات، ومن كان عنده ذهب أو عملة ذهبية فإن قدر العملة يقدر بالنسبة للنحاس، وخسر الناس وقتها كثيرا لأن النحاس أصبح هو القاعدة. يعني من يملك نحاسا أفضل ممن يملك ذهبا، ومع هذا ما وجدنا فقيها يقول: أخرجوا الذهب من النص وأدخلوا النحاس، ما وجدنا هذا. ثم ما استمر هذا، وإنما فترة معينة كواحد مغتصب ثم عاد الذهب إلى وضعه الطبيعي مرة أخرى.

ولذلك احتمال أن يعود الذهب، ولو فرضنا أنه لا يعود فعندنا نص وإجماع، فلا نستطيع أن نخرج على النص ولا على الإجماع إطلاقا، وعلى الاقتصاديين أن يتوقفوا عن الإفتاء، وعلى الفقهاء الذين أفتوا أن يبحثوا الجانب الاقتصادي بحثا دقيقا، ثم عليهم أيضا ألا يخرجوا على إجماع أو على نص، والحمد لله كما قلنا هنا بأن الفتوى التي صدرت في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي صدرت بالإجماع، مع أن هناك من حاول أن يثير مسألة الذهب وأنه أصبح سلعة عادية، وبالمناقشة هو نفسه صوت مع الباقين على هذا القرار. إذن من قال بهذا لعله رجع أو يرجع، لأن هذه قضية خطيرة.

بعد هذا العرض السريع أقول:

إذا دخلنا في برصة السلع لنشترى بالسعر الحال، إنما مسألة أشترى في موعد التصفية القادمة، ولا سلعة تقبض ولا ثمن يقبض فهذا لا يبيحه الإسلام، وعلى ذلك ما دمنا قد عرفنا هذا أعتقد لو أننا أصبح في مقدورنا كمسلمين ونحن نمثل أكثر من خمس العالم ، لو أصبح في مقدورنا أن ننشئ بورصة إسلامية (سوق إسلامية) لاستطعنا أن ننشئها كما كانت في الإسلام، ننشئها في ظل عقود المعاملات في الفقه الإسلامي، ولا نتخطى هذه العقود.

وأوضح مثل على هذا عندما وجدنا المسلمين يخرجون على هذه القاعدة، ويسايرون غيرهم، ويتعاملون بمثل هذا التعامل غير الشرعي، وجدنا في دولة شقيقة وهي الكويت وجدنا الكارثة التي حدثت في سوق المناخ: ربا وميسر، معاملات إذا أردنا أن نقومها فهي مجموعة من الربا والميسر، إلى أن تدخلت الدولة، واهتز الاقتصاد هناك، ثم لا تزال تعالج وتعاني من هذا.

إذن نحن كمسلمين لا حياة لنا حياة كريمة كمسلمين إلا إذا تمسكنا بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وآمنا أننا في جميع المعاملات لا يمكن أن ننجح إلا إذا تعاملنا كمسلمين، لأننا في أي مجال.. في الحرب.. في السلم.. في أي مجال ما لم نتعامل كمسلمين: نقود الحرب كمسلمين.. نبيع كمسلمين.. نشتري كمسلمين، فلا خير فينا ولا في أموالنا، نسأل الله تعالى أن يزكي نفوسنا، وأن يزكي أموالنا، وأن يقنعنا بالحلال ويغنينا به، وأن يجنبنا الحرام ويبعده عنها ويبعدنا عنه، هو نعم المولى ونعم النصير، وشكر الله لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور علي أحمد السالوس

ص: 1007