الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضة
في زراعة الأعضاء وإجراء التجارب
إعداد
سعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة
رئيس المجلس العربي لاختصاص أمراض النساء والولادة
ورئيس قسم أمراض النساء والولادة بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز – جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الأجنة المجهضة
تقديم:
إذ تتبعناً مصير حمل حدث في رحم سيدة.. نجد أن مصير حوالي 20 % من الأجنة للإجهاض التلقائي أو الطبيعي.. وإذا ما تتبعنا نسبة الإجهاض العام - أي نسبة الإجهاض الطبيعي والإجهاض الجنائي أو المتعمد - نجد أن النسبة ترتفع، وقد تصل إلى حوالي 40 % من كل حمل!
وتجدر الإشارة هنا إلى أن في أمريكا وحدها قد تم إجهاض أكثر من 25 مليون حمل في عام واحد، كما أوردت مجلة (Human Rights) عام 1983م، وأشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 1984م أن حالات الإجهاض الجنائي أو المتعمد قد بلغت أكثر من 25 مليون حالة سنوياً.
والإجهاض - الآن - إما أن يكون تلقائياً - أي طبيعياً - بمعنى أن الأرحام (تمج) تخرج ما بداخلها.. ويكون ذلك عادة لكون الجنين أو البويضة الملقحة غير قادرة على النمو والاستمرار.. وهذا مصداقاً لقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} . [سورة الحج: الآية 5] . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (اذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكاً فقال: يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دماً) .
فالمضغة غير الصحيحة تمجها الأرحام.. وهو أكثر أنواع الإجهاض التلقائي.
وإما أن يكون الإجهاض إجهاضاً جنائياً أو متعمداً.. وفي هذه الحالة فإن نمو الجنين داخل الرحم يكون طبيعياً واستمرار الحمل يكون عادياً، ولكن لأسباب من صنع الأسرة أو المجتمع أو الطبيعة.. يجهض هذا الحمل.. أي أن الإجهاض يكون عادة لنطفة مخلقة.
إذن فالأجنة المجهضة تكون على نوعين:
(أ) نوع غير مخلق، وبالتالي ليس مكتمل النمو، وفي أغلب الأحيان ليس بها أولها أعضاء يمكن نقلها أو الاستفادة منها.
(ب) النوع الآخر، أجنة مخلقة، وهي قد تكون قد وصلت إلى مراحل من النمو، وتكون لها أوبها أعضاء قابلة للنقل والزراعة في الغير.
إمكانية الاستفادة من الأجنة المجهضة:
إذا تجاوزنا السبب الذي أدى إلى الإجهاض (حيث إن بعض الأجنة المجهضة التي يمكن الاستفادة من بعض أعضائها.. والتي نتحدث عنها الآن في معظم المراكز الطبية، هي الأجنة المجهضة جنائياً أو متعمداً) .
فإنه طبياً، يمكن أن يقال: إن بعض تلك الأجنة يمكن الاستفادة منها.. ولكن الاستفادة من أعضاء الأجنة تتوقف - إلى حد كبير - على مدى نمو ذلك العضو في الجنين، فكما هو معروف أن الجنين في الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل (طور النطفة والمضغة والعلقة) ليس له أعضاء أو أنسجة يمكن الاستفادة من نقلها.. وبعد تلك الفترة - أي بعد مرور 6 -8 أسابيع (شهرين من الحمل) - تأخذ أعضاء الجنين وأطرافه في النمو.. ويستمر النمو إلى مراحل متقدمة من الحمل، وكلما كان عمر الجنين عند إجهاضه كبيراً أو متقدماً في الحمل، كلما كانت أعضاؤه أكثر نمواً، والاستفادة منها أكبر.. بمعنى أن الأجنة المجهضة في الأشهر الأولى من الحمل لا تكون صالحة كثيراً لزراعة الأعضاء، ولكن الأجنة التي تستخرج من الرحم بعد الشهر الرابع أو أكثر - أي بعد مرحلة نفخ الروح - تكون أكثر فائدة في عملية نقل الأعضاء.
والخلاصة:
يمكن أن نوجز القول بالتالي: ان زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضة ممكن طبيعياً ومفيد علمياً، ولكن لكي نحصل على الفائدة المرجوة، لا بد أن يكون الجنين المجهض قد وصل من النمو داخل الرحم إلى مرحلة كبيرة.. أي قد تعدت في نموه داخل الرحم مرحلة نفخ الروح (أربعة شهور) .. والمطلوب فيه أن يظل حياً أو أن تظل أنسجته حية إلى حين نقلها أو فصلها أو تجميدها.
والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الموضوع هي:
ا - من يملك حق التصرف في هذه الأجنة؟ الأبوان؟ أو المركز الطبي؟ أم أن هذا الجسد (جسد الجنين) ملك لله وليس لأحد الحق في التصرف فيه؟
2 – هل الوسيلة التي تم بها إجهاض الجنين تؤثر في مشروعية الاستفادة منه؟ لأنه قد تتخذ عملية الاستفادة من نقل أعضاء الأجنة ذريعة لعملية الإجهاض؟!
3 – الأعضاء التي تؤخذ للزراعة يجب أن تؤخذ من أجنة حية أو أجنة خرجت من بطون أمهاتها حية، وفي هذه الحالة نقل الأعضاء من الأجنة قد يؤذي تلك الأجنة أو بعضاً من حياتها.
ثانياً: الأجنة الفائضة
لا شك أن عملية طفل الأنابيب – أو علاج العقم بالتلقيح الاصطناعي الخارجي - التي تتم الآن في مراكز كثيرة من العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ينتج عنها أجنة فائضة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نتج من عملية طفل الأنابيب التي أجريت لـ (432) امرأة في مركز واحد، نتج من تلك العمليات (208 1) جنين فائض أودع الثلاجة أو جمد!
وفي كل مركز من مراكز طفل الأنابيب الآن يوجد العديد من الأجنة الفائضة، حيث إن عملية طفل الأنابيب تتطلب الآن استنبات العديد من البويضات من المبيض عند المرأة تصل في عددها في المتوسط ما بين (4 -8) بويضات، وفي بعض الأحيان وصل عدد تلك البويضات إلى أكثر من 50 بويضة.. وفي العادة تسحب كل تلك البويضات عن المبيض وتلقح في المعمل، وينقل منها 3 أجنة فقط إلى رحم الأم، والفائض من تلك الأجنة يحتفظ به بعد تبريده وتجميده.
وبالتالي أصبح مصير الأجنة الفائضة يشكل قضية طبية وفقهية وشرعية مهمة، يضيق نطاق البحث - هنا - عن الخوض في كل أوجه تلك المشكلة، ولكن نكتفى بأن نشير إلى جانب واحد منها، وهو إمكانية الاستفادة من تلك الأجنة الفائضة في التجارب العلمية أو أخذ أعضاء منها لزراعتها، وقبل ذلك يجب أن نعرف من هو ذاك الجنين، أو من هي الأجنة الفائضة التي سوف تستفاد منها؟
من هو الجنين.. أو: ما صفات الأجنة الفائضة؟
بعد استخراج البويضة الناضجة من المبيض.. وإضافة الحيوانات المنوية إليها في أنبوبة الاختبار، ينتج عن ذلك بويضة ملقحة، نصف خلاياها من الأم والنصف الآخر من الأب.. وبعد ساعات (4 – 6 ساعات) تأخذ هذه البويضة الملقحة في الانقسام فتتحول الخلية الواحدة إلى خليتين ثم أربع ثم ثماني خلايا، وهكذا. وعلمياً أثبت أنه لو أخذت من هذه الخلايا خلية واحدة في هذه المرحلة لأمكن لهذه الخلية وحدها أن تتكاثر وينتج عنها شخص متكامل.. إذن في هذه المرحلة (المرحلة الأولى) من الحياة الإنسانية في المعمل يمكن أن نستخلص من البويضة الملقحة المنقسمة في هذا الطور، يمكن أن نحصل على 8 أشخاص بدلاً من شخص واحد.
وأثبت علمياً أيضاً، أنه لو أخذت خلية من هذه المرحلة - من جنين – وضمت إليها خلية من جنين آخر لنتج عن ذلك شخص بالغ كامل..!
إذن، فالجنين في مرحلته الأولى هو عبارة عن سلة بها خلايا متشابهة كل خلية منها لها القدرة الكاملة على النمو، وبعد تلك المرحلة - أي بعد مرحلة 8 خلايا في الجنين - تتكاثر الخلايا وتتحول من 8 إلى 16 و 32 خلية، وهكذا
…
وعندما تصل إلى هذه المرحلة من التكاثر تفقد الخلايا تلك الخواص الكامنة، أي القدرة على صنع شخص.. وتصبح لتلك الخلايا تخصصات، فكل خلية يصبح لها دور في صناعة الإنسان، أو الشخص الناتج.
وأطلق على تلك المرحلة من النمو (مرحلة التكاثر من خليتين، إلى أربع، إلى ثمان، إلى اثنين وثلاثين) .
مرحلة ما قبل الجنن (Preembryo) :
وهي مرحلة الأسبوع الأول من الحياة. وبعد الأسبوع الأول من الحياة، وبعد أن يصل عدد الخلايا داخل الجنين 32 خلية، تأخذ الكتلة البشرية أو الجنين في التشكل، وتظهر داخله فراغات وتكتلات في الخلايا، ويصبح لتلك الخلايا خصائص وتخصصات، وتكرر هذه المرحلة - في الأسبوع الثاني من الحياة - وفي هذه المرحلة يطلق على الناتج اسم الجنين (Embryo) ، هذه التسمية هي السائدة في العرف الطبي الغربي.
إذن فالأجنة الفائضة، إما أن تكون في:
ا - مرحلة ما قبل الجنين (Preembryo) ، والتى هي عبارة عن مجموعة من الخلايا تصل إلى 8 أو 16 خلية، ولكل خلية قدرة كاملة على مواصلة الحياة وأن تكون شخصاً كاملا.
2 -
مرحلة الجنين، وبها حوالي (32 خلية) أو أكثر، وهي مرحلة ما يسمى: الجنين.
والأجنة - في مرحلتها الأولى - ليس لها مظهر إنساني، إنما هي بويضة ملقحة في طريقها إلى العلق، ويقال علمياً إن 30 % إلى 40 % فقط من هذا النوع من الأجنة لو أتيحت لها الفرصة لواصلت النمو ليكون طفلاً، وهناك ثلاث وجهات نظر في حرمة هذه المرحلة توصل إليها لجان القيم والأخلاق والعلم في العالم الغربي:
ا – تعتبر هذه المرحلة - مرحلة ما قبل الجنين - مرحلة حياة إنسانية، ولها كل حقوق الحياة الإنسانية، وبالتالي فإن من حق كل هذه الأجنة في هذه المرحلة أن تنقل إلى رحم أمهاتها، ويمنع أي إجراء يؤذيها، ولا مانع من معالجتها بالتجميد والحفظ، ولا مانع من البحث عن مكوناتها إن كان البحث للاستدلال على وجود خلل خلقي بها من عدمه!!
2 -
وجهة النظر الأخرى، تقول: إن هذه المرحلة - مرحلة ما قبل الجنين - لا حرمة لها، وإنما مثلها مثل أي نسيج من الجسم البشري، وبالتالي فإنه - وبموافقة أولياء أمرها - يمكن التصرف فيها كيفما نشاء!
3 -
والرأي الثالث.. وهو الأكثر تداولاً.. فقد اتخذ أصحابه موقفاً وسطاً، ويقول: إن الجنين في هذه المرحلة يجب أن يحترم، وأن يكون له حقوق أكثر من النسيج المأخوذة من الجسم (Human Tissue) ، ولكن يجب أن لا يعامل معاملة الإنسان (Person ودليلهم في ذلك أن الجنين في هذه المرحلة له من الصفات والخصائص أكثر مما للنسيج، ولكنه أيضاً لم يصل - في تكوينه بعد - إلى خصائص الإنسان. عن محضر (The Ethic Committee of American Fertility Society 1986) .
(بعد الأسبوع الأول) :
وبعد الأسبوع الأول، فإن الجنين يكون جنيناً متكاملاً قابلاً إلى مواصلة الحياة وإنتاج إنسان، وهو في هذه المرحلة أكثر تعقيداً، وخلاياه أكثر تخصصاً، لذا - وفي عرف لجان القيم والأخلاق والعلم الغربية - له حرمة وحقوق، ولكن حقوقه وحرمته تقل عن حرمة الطفل أو الشخص البالغ.
وأقر بعضهم إجراء التجارب عليه إلى ما قبل الرابع عشر من عمره، حيث تظهر على الجنين بعد ذلك بداية الجهاز العصبي، أي ما يسمى (Premittive Stuk) ، أما بعد ذلك فسيكون للجنين جهاز عصبي.. يحس من خلاله، وقد يتألم.
الاستفادة من الأجنة الفائضة:
مما تقدم، يتضح أن الأجنة الفائضة (الفائضة عن عملية التلقيح الاصطناعي)، هي: عبارة عن (سلة) من الخلايا عمرها أسبوع وأكثر قليلاً، وهي في مرحلة التكون، ولم يصل النمو فيها إلى مرحلة تكوين أعضاء.. مثل الكلى أو القلب الكامل أو الأطراف، حيث إنه لم يحصل إلى الآن أن نما أو نبت جنين في المعمل إلى مرحلة متقدمة.. وقد لا يحدث ذلك، فالأجنة في المعمل تنمو إلى مرحلة (8 -32) خلية فقط، ثم تنقل إلى أرحام الأمهات، أو تحفظ مجمدة في الثلاجة.
لذا، فإني: لا أرى - في الوقت الحاضر على الأقل - إمكانية الاستفادة من الأجنة الفائضة في عملية زراعة الأعضاء لعدم وجود أعضاء قابلة للنقل، ولكن قد يمكن الاستفادة من نقل بعض من خلايا تلك الأجنة الفائضة.
فكما ذكرت سابقاً: إن كل خلية من تلك الخلايا النامية تحمل في طياتها القدرة الكاملة على تكوين أنسجة الإنسان، فقد يكون في نقلها إلى الإنسان نوع من المعالجة لبعض معاناته وأمراضه، وإذا تم ذلك، فإنه سوف يكون له مردود علمي كبير على الإنسان.
وفي رأيي: إن الاستفادة من تلك الأجنة الفائضة - في مثل هذه الأمور - (نقل بعض الخلايا وزراعتها في إنسان آخر) أفضل بكثير من إتلاف تلك الأجنة، ففي إتلافها أو قتلها نوع من الوأد لها!!
فمن مشاكل الأجنة الفائضة أو المجمدة، أنها إذا لم تستعمل فقد تكون عرضة لإجراء التجارب عليها أو إتلافها.
إجراء التجارب على الأجنة:
طرحت، وتطرح هذه القضية على مختلف الهيئات الدولية العلمية العالمية،
فإجراء التجارب على الأجنة (الإنسانية) مجال جدل كبير، لما لها من نتائج علمية، والرأي السائد عالمياً (في أمريكا وبريطانيا وغيرهما) هو الموافقة على (استخدام الأجنة في البحث العلمي حتى اليوم الرابع عشر من نموها أو من عمرها) ، باعتباره في بداية لتكوين الجهاز العصبي، حيث يظهر - منذ ذلك اليوم، كما ذكرنا سابقاً – ما يسمى (Primitive Stuk) ، الذي هو بداية الميزاب العصبي.
وعل ما ذكر لم تصدر فتوى شرعية فيما يختص بإجراء التجارب على الأجنة الإنسانية، ولكن بالنسبة لي: ليس في الأمر غموض كبير، فالإسلام قد كفل حرمة الأجنة منذ تعلقها بالرحم، ولا شك أن التجارب العلمية على الأجنة تعد نوعاً من الإتلاف للأجنة أو القضاء عليها.. والجدير بالذكر أن المالكية والإمام الغزالي من الشافعية وابن رجب الحنبلي يحرمون الاعتداء على الأجنة حتى وهي نطفة، ويعتبرون هذه المرحلة أول مراتب الوجود، مما تجدر الإشارة إليه أنه لا توجد في الأديان الأخرى نصوص تدل أتباعها على حرمة الأجنة.. وبداية الحياة الإنسانية.. ومتى تحل الروح
…
الخ.
إذن، فإجراء التجارب على الأجنة الحية - أو الأنسجة التي بها حياة - (حيث إجراء التجارب على الأجنة الميتة أو الأنسجة عديمة الحياة.. لا يفيد.) ، يعد نوعاً من الإتلاف أو القضاء عليها.. وهو - بالتالي - اعتداء على حرمتها.
والله من وراء القصد.
أ. د / عبد الله حسين باسلامة