المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

‌زراعة خلايا المخ

مجالاته الحالية وآفاقه المستقبلية

إعداد

سعادة الدكتور مختار المهدي

رئيس قسم جراحة الأعصاب

بمستشفى ابن سينا التخصصي - القاهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

بالرغم من أنه لم تمض غير سنوات قليلة على بداية علم زراعة الأعضاء البشرية كعلم حديث من علوم الطب، إلا أنه مثل غيره من العلوم في الأعوام الأخيرة، أصبح معدل التقدم فيه ليس بالاطراد المعتاد من قبل في أي وقت مضى، بل أصبح تقدماً سريعاً مركباً يلهث الإنسان ليدرك مداه إذا نظر إلى مجال واحد من مجالاته وهو ما لاحظته عند كتابة هذا البحث، ومرجع ذلك في رأيي هو الاتساع الشديد في مجالات المعرفة في العلوم المختلفة والتي يخدم بعضها بعضاً.

فمثلاً التقدم في العلوم الكيميائية والفيزيائية والإلكترونية والبصرية يخدم بعضها بعضاً في حل مشاكل تعترض نموها، كما أنها كلها مجتمعة تساعد التقدم في العلوم الطبية وتحل الكثير من مشاكلها وتفتح الكثير من الثغرات في العقبات التي تعترض هذا التقدم. فإذا أضفنا لذلك أيضاً سهولة انتشار وسائل المعرفة بين مختلف دول العالم من خلال المجلات العلمية المتخصصة، والتي يمكن أيضاً نقلها عبر الأقمار الصناعية في فترات زمنية وجيزة إلى كل مكان، ووجود أعداد غفيرة من العلماء الباحثين في جميع مجالات المعرفة في كل منها لأدركنا سر هذه السرعة غير العادية في التقدم العلمي الآن. فكل بحث يحل مشكلة ما في بلد ما يتم من خلاله تطبيقات كثيرة في بلاد أخرى ويتفرع عنها بحوث جديدة وهكذا

فنحن نعيش الآن عصراً يمكن تسميته بعصر الانفجار العلمي.

هذا النوع من التقدم يتطلب منا كجهة معنية بالتوجيه العلمي أو بالأصح بنقد التقدم العلمي بميزان الشريعة الإسلامية ووضع علامات الاستحسان والتحذير.. يتطلب منا هذا أيضاً، ليس فقط أن نسرع في عملنا لنلاحق هذه السرعة بسرعة مماثلة، وأن نضع العلامات الصحيحة والمطلوبة فقط، ولكنه يتطلب منا الآن أيضاً أن نشرك الإعلام الإسلامي الواعي بوسائله المختلفة في بلاده المختلفة لحضور هذه الندوات. إن ذلك ليس للاشتراك في مناقشة المواضيع المطروحة في الجلسات فقط، فالإعلاميون قطاع هام من جمهور المسلمين يهمنا أن نعرف انعكاسات آرائنا عليهم، وليبدأ عملهم من حيث تنتهي هذه الندوات من وضع توصياتها النهائية وذلك لعرض وجهات النظر التي تم عليها الاتفاق على جماهير المسلمين ومناقشتها إعلامياً ونشر الأبحاث والمناقشات التي تمت في قنوات الإعلام إلى الملايين.

ص: 1316

إن تسجيل أحداث ومناقشات الندوات لهو مجهود وعمل شاق يستحق التقدير والإعجاب، ولكن الانتشار الجماهيري في دول العالم المختلفة عن طريق ممثلي الإعلام من مختلف الدول الإسلامية المشاركة يضيف الكثير إلى هذا العمل الجليل والذي نرغب له أن يخرج خارج نطاق المشاركين الحاليين ومجال الكتب التي تعقب الندوة، فهي مهما كثر عددها فإن تكلفتها تجعلها باستمرار محدودة الانتشار.

إن المتتبع للصحافة والتلفزيون المصري في مطلع هذا العام ليحز في نفسه ما تم من معارك على صفحاتها عقب حديث تلفزيوني في مجال زراعة الأعضاء البشرية. شارك فيها كل من يعرف ومن لا يعرف وجرح فيها عن قصد أو غير قصد بعض علمائنا الأفاضل تجريحاً قد يقصد به ذواتهم أو ما يمثلونه من فكر وتمادى البعض في ذلك واستمرت أسابيع وأسابيع.

لقد كان ذلك بعد أكثر من عام من عقد ندوة المركز الإسلامي بخصوص زراعة الأعضاء التي تم فيها وضع التوصيات السليمة والآراء الفقهية المدروسة التي شارك فيها ثلاثة من مفتي الدول الإسلامية المشاركة، وأيضاً بعد نشر كتاب الندوة الذي حوى كل الآراء والمناقشات، ولقد كان من الممكن تنظيم مثل هذه المناقشات على قنوات الإعلام الثلاث (الصحافة والإذاعة والتلفزيون) جماهيرياً وتحجيمها في النطاق المقبول بعد الندوة مباشرة.. كان ذلك ممكناً لو كنا خططنا له مسبقاً بدعوتنا إعلاميين مسلمين واعين ليحضروا جلساتنا ويتفهموا أهدافنا.. إنها دعوة لإدخال عنصر الإعلام في هذه الندوات جنباً إلى جنب مع العناصر الطبية والشرعية والقانونية والاجتماعية لتعم الفائدة وتنتشر، وهو أحد أهدافنا، وهو أيضاً ما يقطع الطريق على كل مغرض خبيث.

إن دين " اقرأ " هو دين العلم والمعرفة وليس للأقزام التي تتمسح بقشور العلم أن تتطاول عليه.

ص: 1317

هل هناك ما يسمى بزراعة المخ؟

أما وقد تم حتى الآن زراعة كل شيء بشري في جسم الإنسان تقريباً من أطراف كالأيدي والأرجل ومن أعضاء كالقلب والرئة والكبد والعظام والبنكرياس والغدد

إلخ. فإنه لم يبق ما لم يزرع إلا المخ، والطبيعي أن يكون تفكير البعض أنها الخطوة التالية.

إن هذه النظرة قد تبدو منطقية؛ فالمخ هو أحد أعضاء جسم الإنسان من الناحية التشريحية، ويقوم بوظائف نعرفها عندما يصاب بعض أجزائه بالتلف أو المرض أو تستأصل لوجود ورم بها.. ولكن هل هذه النظرة هي فعلاً منطقية؟

إننا نعرف أن من مبادىء زراعة الأعضاء أن العضو الذي ينقل لزراعته لا بد أن يكون عضواً سليما حياً لنقله مكان عضو تلف، ونعرف أيضاً أن وفاة الإنسان تكون لتلف مخه واستئصال مخ سليم من شخص هو قتل له لأن وفاة الإنسان الآن تعرف بوفاة المخ وتكون الترجمة الحرفية لهذا العمل إذن، هي: "قتل إنسان لنقل مخه لإنسان آخر متوفى.

ويمكننا إذن أن نقول إن الإنسان الحي هو الذي يملك مخاً حيًّا مهما تلف أحد أعضاء جسمه، فإن هذا العضو يمكن تعويضه بطريقة أو أخرى.. فمثلاً الكلية يمكن أن نستعاض عنها بجهاز كيميائي للغسيل الكلوي أو بزراعة كلية من متبرع وكلاهما يقوم مقام الكلية التي تلفت بدون أن يضار أحد ولو من الناحية النظرية، ولا يمكن أن يقال نفس الشيء عن المخ لأن الذي توفي بتلف مخه لا يمكن لبشر أن يبعثه بنقل مخ حي إليه، وما يقال عن زراعة المخ ما هو إلَّا من قبيل الخيال العلمي، وعلى الفرض الجدلي إذا أمكن نقل مخ من إنسان حي إلى إنسان متوفى، ففي هذه الحالة يقال: إن الجسد قد نقل إلى المخ وليس العكس.

ما هو المخ البشري وكيف يعمل؟

قبل أن نسترسل في هذا البحث يلزم لنا أساساً أن نعرف مكونات مخ الإنسان تشريحيًّا وما هو عمله حتى نتعرف على ما نتحدث عنه، ونتفق على تعريفات محددة، وما أسرده هنا هو مبادئ طبية معروفة في صورة مبسطة ومختصرة.

ص: 1318

إن المخ الذي نتحدث عنه هو ليس فقط ذلك العضو الذي تحتويه الجمجمة، ولكن يدخل في تكوينه أيضاً أطراف أخرى متصلة به تكون جميعاً ما يعرف بالجهاز العصبي المركزي، فهي أساساً أجزاء منه، مثل شبكية العين والعصب البصري (الجزء المبصر من العين) ، وكذلك الأذن الداخلية والعصب السمعي (الجزء الذي يسمع من الأذن) ، وكذلك الخلايا الحساسة للروائح، ويصلها بالمخ عصب الشم وخلايا التذوق في اللسان والاتصال العصبي، وأيضاً النخاع الشوكي داخل الفقرات وجميع الأعصاب التي تتفرع منه والتي تجلب إحساس اللمس من سطح الجسم، وكذلك تنقل أوامر الحركة والتنفيذ إلى أجزاء الجسم المختلفة.

إن هذه الزوائد هي جزء لا يتجزأ من المخ تشريحياً ووظيفياً، فإذا انقطعت إحساسات النظر والسمع واللمس

إلخ عن المخ، حتى مع بقاء المخ حياً، فإنه ينقطع عن العالم الخارجي، لا يعلم عنه شيئا وينعزل عنه ويصبح للجماد هو أقرب منه للإنسان، وكلنا يذكر معجزة الدكتور هيلين كلير، التي فقدت إحساس السمع والبصر منذ ولادتها، وكانت حاستا اللمس والشم عندها هي فقط التي تربطها بالعالم الخارجي.

كانت حياتها بهذا الأسلوب تشبه المعجزة، حيث كانت تعيش في عالم كله ظلام وصمت رهيب، وكان اللمس بأصابعها على وجوه الناس هو أسلوب التعرف عليهم، واللمس على حناجرهم وشفاههم هو أسلوب السمع لديها، وهو ما يشكل عظمة مقدرة هذه الإنسانة التي تمكنت برغم ذلك من الدراسة لتحصل على درجة الدكتوراه، فلو تصورنا أنها أيضاً فقدت حاسة اللمس، إذن لانقطعت كل اتصالاتها بالعالم الخارجي ككل، وأصبحت فعلاً أقرب للجماد من الإنسان.. إن هذه الزوائد الحسية- كما سبق وذكرنا- هي جزء أساسي من المخ كعضو، لا يستطيع أن يؤدي وظائفه بدونها.

أما عن المخ ذاته فهو عبارة عن نسيج هلامي ضعيف؛ ولذلك خلق الله له هذه العلبة العظيمة المسماة بالجمجمة ليحتمي بصلابتها مثلما تحتمي الحيوانات الرخوة داخل صدفات المحار.. بل إن المخ أيضاً يطفو داخل الجمجمة في السائل النخاعي المحيط به، فهو أقل منه كثافة مما يشكل زيادة في الحماية، وإن طبيعة تكوين هذا المخ الهلامي الذي لا يأخذ شكله الطبيعي إلا في وسط هذا السائل الذي يطفو فيه يشبه الحيتان تعيش في المياه العميقة، فإذا انحسر عنها الماء في المياه الضحلة فإنها لا تتحمل وزنها ويتفلطح شكلها وقد تهلك.

ص: 1319

ويخرج من المخ عشرات الأطراف العصبية (الأعصاب) من خلال ثقوب في الجمجمة والعمود الفقري، كما أن الكثير من الشرايين والأوردة تنقل إليه ومنه الدم اللازم لتغذيته.

إن الجهاز العصبي المركزي والمخ بصفة خاصة لا يتحمل تغيرات فيزيائية أو كيميائية في محيطه الذي يعيش فيه إلا في نطاق محدود جداً، فمثلاً التغير في درجات الحرارة بالنسبة لأعضاء أخرى كالجلد يمكنه أن يتحمل درجات تصل إلى عشر أو عشرين درجة مئوية صعوداً أو هبوطاً من الدرجة العادية وهي 37 درجة، إلا أن المخ لا يتحمل انخفاضاً أكثر من درجتين وإلا ابتدأ عمله في التأثر، فقد يغيب الإنسان عن وعيه فيما يشبه النوم، وهو ما حدث لجيوش نابليون في هجومها على روسيا في الشتاء القارس البرد مما سبب اندحاره وهزيمته، وإذا زادت الحرارة عن درجتين أو ثلاث، فإنه يفقد الوعي كذلك ويصاب بما يسمى ضربة شمس.

كذلك التغييرات الكيميائية لا يتحملها المخ بعد نطاق محدود، وكذلك بالنسبة لتركيز سكر الجلوكوز أو الأوكسجين في الدم، فإذا انقطع سريان الدم مثلاً عن المخ لأي سبب من الأسباب ولو لثوان قليلة، فقد الإنسان وعيه، وإذا زاد ذلك عن دقائق أربع فقد يعني هذا نهاية خلايا المخ وبالتالي الإنسان ككل.

إذا كان هذا مدى رقة هذا العضو في تكوينه ومدى حساسيته المرهفة للظروف البيئية التي يعيش فيها، فما هو العمل الذي يؤديه؟.. إن جميع أعضاء جسم الإنسان الأخرى يمكن تقسيم الأعمال التي تقوم بها إلى أعمال كيميائية أو ميكانيكية في النهاية.. فالكلى والكبد والغدد تؤدي أعمال كيميائية لفصل الأملاح الضارة والتمثيل الغذائي، وأما أعضاء أخرى كالقلب والعضلات والعظام فعملها أساساً هو عمل ميكانيكي، وهناك ما هو مزدوج العمل، كالجهاز التنفسي والأمعاء

ولكن ما هو عمل المخ؟ إنه يختلف تماماً.. إن عمله يمكن أن نلخصه في مجالات ثلاثة، هي:

الإحساس.. الوعي والإدراك والابتكار.. رد الفعل أو التنفيذ. فإذا دققنا النظر في هذه الوظائف لوجدناها تمثل كيان الإنسان وذاته، وأن الإنسان هو مخ حي.. خلقت الأعضاء الأخرى لتقوم على خدمته من هضم الغذاء وتقديمه وطرد الفضلات والتنقل به من مكان لآخر، والأكثر من ذلك أن المخ يسيطر على جميع الأعضاء الأخرى وجميع خلايا الجسم بصورة أو أخرى.

ص: 1320

ا- الإحساس:

يقوم المخ عن طريق أطرافه التي دفعها على سطح الجسم بأن يتلقى المعلومات ويجمعها، وهي ما نسميه بالحواس الخمس، ما بين موجات ضوئية للنظر، أو ترددات سمعية أو كيماويات تنتشر في الهواء لتصل إلى الأنف أو تحسها خلايا التذوق على سطح اللسان أو ما يلامس سطح الجسد بتفاصيل مختلفة من الإحساس الخشن أو الناعم، الساخن أو البارد

الخ، فتقوم أعصاب الإحساس بنقل هذه الأحاسيس إلى المخ، ويقوم هو بإدراكها.. هذه الحواس الخمس لم تتغير من عصر آدم حتى الآن فلم يستطع الإنسان أن يخلق لنفسه حواس أخرى.. ليدرك ما لم يأذن الله له أن يدركه مما يحيط به.. ولكنه استطاع عن طريق العلم الذي هداه الله له أن يوسع مدارك هذه الحواس ويضاعف قدراتها من ناحية الكيف، فإذا أخذنا إبصار العين مثلاً سنجد أن العين أصبحت تدرك وترى الجسيمات المتناهية في الصغر التي تقرب من الذرات عن طريق المجهر الضوئي أو الإلكتروني.. وترى الأجسام التي تبعد عنها بملايين الأميال من الأجرام السماوية عن طريق التلسكوب مما يستحيل على العين أن تدركه، وتتمكن العين أن ترى أكثر من ذلك وضوحاً سبع مرات عن طريق التلسكوب الذي يقوم العلماء بتركيبه خارج الغلاف الجوي.. بل استطاع الإنسان أن يطوع للرؤية موجات خلاف موجات الضوء، أصبح يرى عن طريق الموجات تحت الحمراء والليزر، والإلكترونات والموجات فوق الصوتية.

2-

الوعي والإدراك والابتكار:

إن وصول الأحاسيس للمخ تترجم داخله إلى معان يعيها ويتعرف عليها، كما أنه يقارنها بما هو مخزون لديه من آلاف الخبرات السابقة، خبرات مختزنة لكل حاسة على حدة منذ ولادته كطفل وما تعلمه في مراحل التعليم المختلفة، وما قرأه وما سمع عنه، وما تعلمه من ممارسات في الحياة، وكلما زاد المخزون من الخبرات كلما كان تقويمه وتحليله لما يقابله في الحياة أكثر دقة، ويكون قراره في النهاية أكثر حكمة واتزاناً، ويقدر ما أنبأته به الأحاسيس من احتمالات الخير أو نذر الشر، فيتأهب لها.

ص: 1321

3-

رد الفعل وتنفيذ القرار:

يقوم المخ بالرد أو التجاوب والانفعال لما تثيره وصول هذه الأحاسيس في نفسه وبداهة ليستطيع المخ أن يقوم بالرد يلزمه أن يكون مسيطراً على كل إمكانيات الجسم، بما فيه من أعضاء وأنسجة وخلايا وهذه السيطرة من رد فعله منها ما هو على المستوى الواعي وتحت السيطرة المباشرة، كما في الجهاز الحركي من نشاط عضلي أو كلام أو إشارات أو أفعال

ومنها أيضاً ما هو دون مستوى الوعي عن طريق الجهاز العصبي اللامركزي أو الجهاز السمبثاوي وغير السمبثاوي من سيطرة على ضربات القلب وحركة الأمعاء وتنظيم التنفس، كما أنه عن طريق السيطرة على الغدة النخامية يقوم بالسيطرة على الغدد المختلفة من النمو والتمثيل الغذائي والنمو الجنسي، وتنظيم الدورة الشهرية للإناث، وتنظيم الحمل.

من هذا الإيجاز في شرح تركيب وعمل المخ يبدو لنا من هذا الجهاز الرقيق، المعقد التركيب، شديد الحساسية المتناثر في أنحاء الجسم مدى الصعوبة الشديدة، ولا أقول استحالة نقله، فلفظ المستحيل يصعب استعماله في هذا العصر لأن الكثير من ممكنات اليوم كانت أصلاً مستحيلات الأمس.

زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخ:

منذ عدة سنوات ابتدأت فكرة زراعة خلايا وأنسجة داخل المخ من مختلف الأنواع من البحوث الأكاديمية في عمليات تجريبية على حيوانات المعامل من فئران وغيرها لتجربة تأثير عقاقير مختلفة عليها، وكذلك مراقبة تصرف هذه الخلايا في الظروف البيئية المختلفة، كذلك في مجال دراسة الأورام السرطانية وإجراء الدراسات عليها.

وكان اختيار المخ بالذات كمكان للزراعة لما اكتشف له من ميزات لا تتوافر لأماكن أخرى (خلاف الغرفة الأمامية للعين) ، فهو يوفر حماية للخلايا المزروعة، والتي تكون أقل عرضة للطرد عن طريق الجهاز المناعي للجسم، وذلك لميزات معينة في طبيعة تكوين الدورة الدموية للمخ ووجود ما يسمى بالحاجز الدموي للمخ، وهو الذي يفصل بين مكونات الدم والأنسجة العصبية للمخ (Blood Brain Varner) .. وأخيراً ومع اطراد النجاح للزراعة داخل المخ أصبح التساؤل: ولم لا للزراعة للأغراض العلاجية لأمراض ومشاكل المخ المختلفة؟ توطئة للتطبيق على الإنسان فيما إذا نجحت مثل هذه التجارب على الحيوان.

ص: 1322

وقد تم ذلك بالفعل، وكانت لبلاد مثل: السويد والمكسيك وبلاد أخرى قصب السبق في هذا المجال، وصدرت عنهم المئات من التقارير والأبحاث، بل إنه قد تمت بالفعل بعض التطبيقات على الإنسان.

ويمكننا الآن تقسيم هذه التجارب، والتي يقصد بها العلاج إلى اتجاهين مختلفين اعتماداً على نوع المرض، أحدهما يعتمد على العلاج الهرموني أو توفير ما يسمى بالهرمونات العصبية (Neuro Transmitie)، مثل: الدوبامين والكولين والكاتيكولامين.. وغيرها عن طريق زراعة خلايا داخل المخ لإنتاجها، وهناك تجارب أخرى الغرض منها مختلف تماماً، وهو محاولة عبور التليفات داخل المخ والنخاع الشوكي، والتي تحدث بعد الإصابات والالتهابات، وقد أظهرت التجارب أن النتائج تختلف كثيراً اعتماداً على عوامل عدة، منها نوعيات الأنسجة المستخدمة في الزراعة ومصادرها، وكذلك أسلوب نقلها وأماكن زراعتها في المخ كما تعتمد أيضاً على عمر الخلايا المزروعة.

أولاً- زراعة الأنسجة العصبية بغرض توفير الهرمونات العصبية:

- ربما كان هذا هو أول الأهداف التي قصد بها الزراعة لعلاج مرض باركنسون أو الشلل الرعاش، وفكرة هذه الزراعة هو أن هناك من الخلايا العصبية ما هو مختص بإنتاج هرمون بالمخ، وأنه في هذا المرض يكون عادة المريض في سن متقدمة أو بفعل تصلب وضيق شرايين المخ، فتضمر هذه الخلايا التي تعيش أساساً في جذع المخ، فتبدأ عوارض المرض في الظهور مثل اهتزاز الأطراف والتيبس في حركة المفاصل، وهذا الهرمون يسمى بالدوبامين. هذا المرض يعالج حالياً بعقار يحتوي على المادة المطلوبة، هذا العقار ولو أنه يحسن الكثير من الجوانب المرضية، لكنه لا يحل كل المشاكل بالنسبة للمرض فضلاً عما له من آثار جانبية. وكثيراً ما يكون من الكثرة بحيث يقلل من فائدته في العلاج. وقد بدأت هذه الجراحة بزراعة خلايا من نفس الحيوان استؤصلت من الغدة فوق الكلوية الخاصة به، والتي تفرز هذا الهرمون أيضاً. وبالرغم من أن بعض هذه الحيوانات أظهرت بعض التحسن، إلا أنه وجد أن زراعة خلايا جنينية من المادة السوداء بجذع المخ (Substantia Nigra) ، تعطي نتائج أكثر إيجابية وأكثر استمراراية، وعلى أن تكون قد أخذت من أجنة ما بين الأسبوع الثامن والعاشر من الحمل.

ص: 1323

وعند نجاح هذه التجارب على الحيوانات بدرجة كبيرة، بدأ بالفعل في كل من السويد والمكسيك إجراء هذه العمليات على مرضى متطوعين في حالات متأخرة من هذا المرض. وقد تمت الجراحة أولاً باستخدام أجزاء من النسيج العصبي للغدة فوق الكلوية بعد استئصالها من جانب واحد فقط، ثم زراعة أجزاء منها داخل مخ نفس المريض. ولقد تبين منها نفس النتائج التي تم الوصول إليها بالنسبة للحيوان بعد إجراء نفس الجراحة باستخدام خلايا إنسانية جنينية، غير أنه في الحالة الأخيرة يكون العلاج في صورة عملية واحدة بدلا من عمليتين كبيرتين إحداهما لاستئصال الغدة والأخرى عملية فتح الرأس لزراعة الخلايا، ولقد تمت أولى هذه العمليات في السويد عام 1983م.

- وقد اتضح أيضاً أن نفس الهرمون العصبي "الدوبامين، عن طريق زراعته في حيوانات تجارب المعمل قد أمكنه تحسين مظاهر شيخوخة المخ.

وقد أجريت التجارب على الفئران المسنة، والتي لا تستطيع أن تمشي بتوازن على عصا رفيعة ممتدة بين سطحين، وأنها تنزلق وتسقط من فوقها بخلاف الفئران الشابة التي تستطيع ذلك بسهولة.

وقد أمكن لهذه الفئران المسنة أن تظهر كفاءة واتزاناً أكبر بعد زراعة الخلايا الجنينية لها.

- كما أنه هناك هرمون عصبي آخر هو هرمون الكولين، وقد وجد أن الهرمون يمكنه علاج ضعف الذاكرة أيضاً في الفئران التي أتلف فيها عن عمد أجزاء من المخ ليحدث لها حالة مشابهة تصيب الإنسان وهو مرض (الزهايمر) وهو أحد أنواع عته الشيخوخة، وهذا المرض ليس له أي علاج حالياً.

ففي إحدى التجارب لتعليم الفئران الطبيعية بعض الحركات التي تتطلب بعض التركيز أمكن لهذه الفئران تأديتها بنسبة مائة في المائة بعد فترة تدريب مدتها أسبوعان، ولكن إذا أعطيت بعض أجزاء المخ التي تؤدي إلى إضعاف الذاكرة، فإن هذه الفئران لا يمكنها أن تتعلم على الإطلاق.

ص: 1324

ولكن التجارب أيضاً أثبتت أن نفس الفئران يمكنها العودة إلى التعلم وتؤدي الحركات بنسبة دقيقة توازي ثمانين بالمائة إذا زرعت بها الخلايا العصبية الجنينية التي تفرز هرمون "الاستيلكولين "، وهنا يجب أن تلاحظ أنه على الرغم من أن الزراعة تنجح في بعض هذه الحيوانات، إلا أن هذا النجاح لا يؤدي إلى نفس النتيجة في كل حالة ويستنتج الباحثون بأنه ولو أن هرمون الكولين مهم لاستعادة الذاكرة، ولكن ربما هناك عناصر أخرى غير معروفة وضرورية لتكون النتائج كاملة.

قام بهذه البحوث عالم يدعى جوركلند بالسويد في الأعوام القليلة الماضية، وحتى الآن لم تنشر أي تطبيقات لمثل هذه العمليات على الإنسان.

وقد أُجْرِيَت أيضاً عمليات زراعة خلايا " الوِطَاء" أو (Hypothalamus) ، في بعض الحيوانات القارضة والتي تشكو من أمراض وراثية (Genetie) ، وأمكن للخلايا المنزرعة أن تسبب إفراز الهرمون الذي يحفظ أيونات الصوديوم والماء (Antiainretic H.) ، ويعالج حالات مرض السكر الكاذب.

وكذلك الهرمونات المؤثرة على الغدد الجنسية، وأمكنها أن تقوم بالتبويض مرة أخرى.

- وتأتي أكثر التجارب جراءة من تشيكوسلوفاكيا في أغسطس 1988م، حيث أجريت ثلاث عمليات لزراعة خلايا بشرية جنينية على ثلاثة مرضى مصابين بمرض " الشزوفرنيا" أو مرض الفصام.. وقد جاء في تقرير الباحث أنه اعتماداً على ما لوحظ من أن نقص الهرمونات العصبية المسماة بالكاتيكولامين (Catecolmines) ، ومدى ارتباط ذلك بمنشأ مرض العظام، واعتماداً على مدى الخبرة في زراعة الخلايا الجنينية الإنسانية، فإنه قد تم زراعة ما مقداره ستة مليمترات مكعبة من هذه الأنسجة بالأسلوب الجراحي المجسم من خلال ثقب صغيرة بالجمجمة وهذه الخلايا قسمت إلى نصفين زرع كل منهما في الحاجز الأوسط لكل من النصفين الكرويين.

ص: 1325

وقد كان تعليق الباحث في النهاية على هذه الجراحات بأنها قد أدت إلى تحسين واضح في العلامات المرضية الإكلينيكية لهؤلاء المرضى، وبالذات في ناحية الذاكرة. أما من ناحية احتمال التغير في شخصية أو ذاتية أي مريض تجرى له عملية الزراعة فهو أمر ليس له أساس علمي يبرره. ولكن قد يحدث أن يتم إنتاج هرمون الدوبامين أو غيره بصورة مفرطة قد تؤدي إلى عدم توازن الشخصية وقد ينتج نفس الشيء نتيجة تلف المخ من زيادة نمو الأنسجة داخل المخ والضغط عليه.

ثانياً- العلاج لعبور تلف في مجرى الألياف العصبية الناقلة للحس والحركة:

كان من الأمور المسلم بها طبيًّا منذ زمن طويل أن تلف خلايا وأنسجة الجهاز العصبي المركزي (المخ والنخاع الشوكي) لا يمكن تعويضها والأعصاب التالفة لا تنمو لتصل ما انقطع، وتعيد العمل الوظيفي للجزء التالف، كما يمكن أن يحدث في الأعصاب الطرفية خارج المخ والنخاع الشوكي، وكان هذا ما يلقي ظلاً من اليأس والتشاؤم في علاج الأمراض العصبية ككل.

ولقد أثبتت بعض التجارب، والتي كانت تجرى منذ مدة أنه باستخدام وزراعة بعض الأعصاب الطرفية من نفس الحيوان وزراعتها داخل المخ بجوار الجزء التالف أو المصاب، فإنه يمكن للألياف المصابة النمو من خلال أنابيب الأعصاب الطرفية المزروعة، ولكنه وحتى الآن لم يستطع جعل نهايات الأعصاب النامية أن تتشابك عصبيًّا وتؤدي إلى اتصالات وظيفية مع الأنسجة التي وجهت لها لتعوض ما نتج عن الإصابة أو التلف.

ولكن ظهرت لنا الآن مقدرة الخلايا والأنسجة الجنينية أولاً للبقاء حية بعد زراعتها ثم إمكانياتها في النمو ويظهر لها تشعبات، ثم تتصل بعد ذلك بالاشتباكات العصبية مع الأنسجة العصبية المضيفة، وبالتالي يكون لها المقدرة على تأسيس وتأدية أعمال كهروفسيولوجية أو إفراز الهرمونات العصبية في نهايتها، وقد وجد أيضاً عن طريق البحث والتجربة أن الأنسجة العصبية المزروعة تكون أكثر قابلية للنجاح إذا زرعت في جوار أنسجة أخرى متجانسة معها تركيبيًّا ووظيفيًّا في المخ المضيف، وتزداد كذلك فرص النجاح إذا كان الجزء المجاور للأنسجة المزروعة قد تلف أو أصيب قبيل عملية الزراعة. ومن الممكن أن نتخيل أننا يمكن أن نستفيد من تجارب زراعة الأعصاب الطرفية داخل المخ في نفس الوقت بجوار الأنسجة الجنينية لاحتمال إمكان نقل أطراف الأعصاب الجنينية لتتشابك عصبياً مع الأجزاء المستهدفة من العلاج في الجهاز العصبي المضيف، على سبيل المثال النقل من قشرة المخ الحركية إلى ألياف الحركة في النخاع الشوكي بعيداً عن المرور داخل تشابكات معقدة داخل المخ.

ص: 1326

كل ما سبق ذكره قد تم بالفعل أو يمكن أن يتم على مستوى حيوانات التجارب داخل المعامل، فهل يعني هذا بارقة أمل في علاج أمراض عصبية مستعصية لا يوجد لها علاج حتى الآن؟

إن مرضى التليف العصبي المنتشر (D. S.) ، وجلطات المخ التي تؤدي إلى تلف الألياف العصبية الناقلة للحس والحركة، وينتج عنها الشلل لا أمل لها في علاج أو شفاء.. وكذلك إصابات المخ في الحوادث، وإصابات النخاع الشوكي مع كسر الفقرات في حوادث السيارات وغيرها.. يقضي على آلاف الشباب أن يمضي ما بقي له من حياة على الكراسي المتحركة.. هل معنى ما وصلنا إليه الآن أن الطب سيتمكن أخيراً أن يفعل شيئاً في هذا المجال، ويعيد الأمل إلى الملايين؟

ثم هناك تساؤل آخر بل هو حلم للبشرية الذي طالما داعب خيالها من مئات الأجيال وهو: هل لهذه الجراحات المقدرة على إعادة الصحة والشباب، فتعالج المخ الذي هرم، والجسد الذي وهن؟

وهل يمكن للمرأة العجوز أن تعود إلى نضارتها والى إنجاب الأولاًد من جديد؟ إنها تساؤلات اليوم، ربما نجد الإجابة عليها بعد سنوات قليلة

ولن أدهش إذا كان هناك في مكان ما من العالم من يملك الإجابة عليها الآن.

القيم والسلوكيات الطبية في زراعة الأنسجة العصبية:

بعد أن رأينا أن الكثير من التجارب التي تتطلب زراعة خلايا عصبية على مستوى حيوانات معامل الأبحاث، قد انتهت إلى نتائج مشجعة، وقد بدأ الباحثون فعلاً في التفكير في المضي قدماً في استكمال أبحاثهم على بني الإنسان، قد تكون هناك بعض العقبات أو المشاكل التي تحتاج لبعض الحلول، ولكن أين هذا من المارد العلمي الذي يكتسح في طريقه المشاكل والعقبات؟.

لقد وضح من الأبحاث والتجارب أن الخلايا العصبية الجنينية هي الأساس في هذا النوع من الجراحة، وبدونها تهدم كل الآمال التي تتعلق بهذا الحلم في شفاء كل ما هو مستعص من الأمراض، والسبب في ذلك أن الخلايا العصبية تامة النمو لا يمكنها الانقسام، ولا يمكنها أن تمتد وتتفرع وتكون نقط الاشتباك العصبية (Synapses) مع خلايا أنسجة الأهداف، وتؤدي ما هو مطلوب من هذه الجراحة.

ص: 1327

وقد وجد أن الخلايا الجنينية المطلوبة هي التي تتواجد في الأجنة قبل بلوغها الاثني عشر أسبوعاً، أي قبل اكتمال نمو مخ الجنين (سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية - يناير 1985 م - الجزء الثاني- ميلاد المخ 62- 73) . والأغلب يفضل ما بين الأسبوع العاشر والحادي عشر وألا يكون قبل ذلك، لأن الخلايا العصبية قبل ذلك لا تكون قد ابتدأت في التميز من ناحية العمل المستقبلي، فخلايا الدوبامين قد تختلط بغيرها ويكون تركيزها بعد النضوج أقل مما هو مطلوب في العينة المطلوب زراعتها.. والمشكلة الرئيسية في هذا المجال هي كيفية الحصول على هذه الخلايا من الجنين، إن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الحصول عليها من الأجنة المجهضة في هذا الوقت.. وعدد هذه الحالات ليست قليلة، فحالات الإجهاض القهرية (Inevitable abosiion) ، تكثر باقتراب الشهر الثالث، ولكن هنا يجب أن نعلم أن هذا الجنين الذي يقرب حجمه من تسع سنتيمترات طولاً، قد تمضي فترة بين إجهاضه وانفصاله عن الأم، وبين الحصول عليه لاستخراج الأنسجة المطلوبة، ونحن نعلم مدى تأثير الدقائق على حرمان المخ من الأوكسجين واحتمال بدء التحلل للأنسجة مما يؤثر على حيويتها واحتمال نجاح زراعتها.

من هذا يتضح أهمية الحصول على الأنسجة فور الإجهاض مباشرة، ويصل البعض في التشدد للحصول على هذه الأنسجة في حالة جيدة بأن ينصح بالإجهاض بجراحة يشق فيها الرحم ويحصل على الخلايا والجنين في رحم أمه

ولكن أليس الوصول إلى هذا الحد في العلاج هو أكثر مما تطيقه القيم والممارسات الأخلاقية في الطب؟ وهل يعيد هذا إلى الأذهان قصص الخرافات القديمة عن دراكولا، مصاص الدماء، الذي يحظى بالحياة الأبدية بامتصاص دماء الأبرياء؟.

وإذا افترضنا أن مثل هذه الجراحات قد عمت وانتشرت، فهل سيكون هناك انعكاسات تجارية.. لذلك؟ ليس فقط بازدياد حالات الإجهاض، وإنما أيضاً بازدياد حالات الحمل التي يقصد منها إنتاج هذه الأنسجة المطلوبة؟.

ص: 1328

إن ما نناقشه الآن هو من سبيل استقراء المستقبل، فإن حالات زراعة الأنسجة العصبية قد تم منها حتى الآن حوالي مائة حالة في المكسيك والصين والسويد والولايات المتحدة، وفيها تم أخذ الأنسجة من الغدد فوق الكلوية لنفس المرضى، أما الحالات التي استخدمت فيها أنسجة عصبية جنينية، فهي نحو خمس حالات تمت في مكسيكو سيتى وستوكهولم ولندن.

وحتى يكون عرضنا للأمور واضحاً في كل جوانبه، ونحن نعلم أيضاً أن الأجنة التي تستخدم هي أجنة مجهضة في الأسبوع الحادي عشر، وهي فترة المضغة.. أي قبل نفخ الروح.

فإن تقويم القيم في الممارسات الطبية تبنى عادة على شروط ثلاثة:

أولاً: أن يحترم الإنسان وتحترم ذاته في كل مراحل أي عمل من الأعمال.

ثائياً: أن يؤدي العمل المطلوب فائدة تبرره وأن تكون احتمالات الفائدة قوية وواضحة.

ثالثاً: إلا يؤدي هذا العمل إلى ضرر أو أذى يصحب أحد الأطراف، وفي حالة الأضرار البسيطة يمكن التغاضي عنها في سبيل فائدة أعم وبموافقة الطرف المضار.

وفي كثير من بلاد الغرب يعتبر الإجهاض من شؤون المرأة الحامل، ولها القرار فيه، فهي التي تعتبر أضيرت في هذا المجال.

وفي إحصاء من الولايات المتحدة نشر: بأن عدد حالات الإجهاض الاختياري تصل كل عام إلى مليون وثلاثمائة ألف حالة اجهاض، وتكون الحالات التي تقل عن اثني عشر أسبوعاً حوالي ثلاثة أرباع العدد.

وحيث إن عمليات الإجهاض هناك تتم بأكثر الطرق أماناً وهي طريقة الإجهاض بالشفط وفيها تتحطم أجزاء الجنين أثناء مرورها في أنابيب الشفط، وفي هذه الأجزاء يمكن العثور على الأنسجة المطلوبة في حالة من كل عشر حالات، ويمكن استعمالها في الزراعة بطريقة معقمة.. وعليه فإن في الولايات المتحدة يمكن توفير أنسجة للزراعة لنحو 90 ألف عملية زراعة بالسنة، وهي ما تكفي احتياجاتهم وتزيد.

ص: 1329

ويرى البعض أن عملية الزراعة في هذه الحالة من حطام الأجنة لا تشكل مشكلة قيم وأخلاق لأنها توازي تماماً عملية زراعة الأعضاء البشرية من متوفين حديثاً.

ويرى البعض الآخر أن هذا العمل يضفي على القائمين به مسحاً من القسوة والوحشية، وإن كان ليس هناك في الواقع ما ينم عن أن هؤلاء العلماء والأطباء والممرضات القائمين بهذا العمل قد تدنى إحساسهم بقيمة الحياة الإنسانية، كما أنه لا يوجد ما يرغم إنساناً على عمل ضد رغبته الشخصية.

وفي إحدى مجلات القيم والسلوك في الولايات المتحدة سؤال عن موقف الأطباء من سيدة تطلب الإجهاض والتبرع بالأنسجة لعلاج شخص ما، وهل يجوز لهم رفض هذا الطلب؟ بينما هم أنفسهم يقبلون إجراء الإجهاض ذاته بناء على طلب السيدة التي تريد أن تحدد نسلها.

ويبدو أن الأمر سينتهي بالولايات المتحدة إلى تحريم بيع الأنسجة الجنينية أو التبرع بها لشخص محدد، وهو ما يتم هناك بالنسبة للمتبرعين بالأعضاء البشرية. ومن جانب آخر يجب إلا ينسى أنه بالنجاح المتزايد في استعمال عقار السيكلوسبورين، والذي أدى وبدرجات كبيرة إلى إمكان زراعة أنسجة من فصائل مختلفة عن الإنسان- كالقرد مثلاً- بتقليل رفض الجسم لها، فهل يمكن زراعتها بدلاً من الخلايا الجنينية الإنسانية؟

وقد ينشاً حل وسط فيما نشر عن إمكان استزراع الخلايا الجنينية الإنسانية في صورة مزارع خلوية إنسانية على نطاق واسع، وذلك بعد الحصول عليها من جنين حي، ولمرة واحدة في البداية فقط، وربما أيضاً إنشاء بنوك لهذه الخلايا يمكن الأخذ منها بل والاختيار منها لما هو أنسب لكل مريض.

وتؤخذ الأنسجة الأولى من حالة تستدعي إجراء الإجهاض شرعاً، فتكفي هذه الحالة مئات أو آلاف المرضى.

الدكتور مختار المهدي

ص: 1330

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم (56/ 5/ 6)

بشأن

"زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي"

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/10/1990م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،

وفي ضوء ما انتهت إليه الندوة المشار إليها من أنه لا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر، وإنما الغرض من هذه الزراعة علاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فتودع في موطنها خلايا مثيلة من مصدر آخر، أو علاج فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات،

قرر:

ا - إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول المناعي لأن الخلايا من الجسم نفسه، فلا بأس من ذلك شرعاً.

2 -

إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني، فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية. وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.

ص: 1331

3-

إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر) فيختلف الحكم على النحو التالي:

(أ) الطريقة الأولى: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحياً وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، ويحرم ذلك شرعاً إلا إذا كان بعد إجهاض طبيعي غير متعمد أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم وتحقق موت الجنين، مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة في القرار رقم (59 /8/ 6) لهذه الدورة.

(ب) الطريقة الثانية: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع للإفادة منها ولا بأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً، وتم الحصول عليها على الوجه المشروع.

4 -

المولود اللادماغي: طالما ولد حياً، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة وغيرها مما تضمنه القرار رقم (1) من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع. ولا مانع شرعاً من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن تشخيصه) للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المشار إليها.

ص: 1332