الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زراعة الأعضاء البشرية
الأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.
الغدد والأعضاء التناسلية.
زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.
زراعة خلايا الجهاز العصبي.
إعداد
سعادة الأستاذ أحمد محمد جمال
أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة أم القرى
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة: زراعة الأعضاء البشرية المنقولة من حي أو ميت إلى جسم مريض محتاج إلى عضو منها كالكلية أو القلب أو الكبد
…
إلخ - سبق أن بحث فيها العلماء الأجلاء - في العالم الإسلامي - وأصدرت المجامع الفقهية فتاويها في جوازها وإباحتها بصفة عامة مع بعض القيود والشروط.
فأولاً: أصدرت هيئة كبار العلماء - بالرياض - قراراً برقم (99) في 6/11/1402 - بجواز نقل عضو أو جزء منه من إنسان حي أو ميت مسلم أو ذمي إلى نفسه أو غيره إذا اضطر إلى ذلك، وأمنت الفتنة في نزعه لمن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه ممن سيزرع فيه - كما يجوز كذلك تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك.
وثائياً: أجاز المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي - بمكة المكرمة - نقل الأعضاء البشرية وزراعتها، في دورته الثامنة المنعقدة بين 28/ 4/ 1405 و 7/5/1405 هـ على النحو السابق في قرار هيئة كبار العلماء.
وثالثاً: أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته المنعقدة في جدة سنة 1408 - نقل الأعضاء البشرية وزراعتها على النحو السابق في قراري هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
رابعاً: أفتى فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر بإباحة الاستفادة بجميع أعضاء جسد المتوفي في حادث أو بطريقة عادية إذا كانت هناك ضرورة ومنفعة للمريض المنقول إليه العضو من المتوفي شريطة أن يحكم بذلك طبيب ثقة متخصص، ودون الرجوع إلى الورثة أو النيابة العامة لأن الضرورات تبيح المحظورات - وأضاف فضيلته: أن بيع الأعضاء البشرية كالكلى والعين حرام شرعا، لأن جسم الإنسان ليس ملكاً له، بل هو ملك لله عز وجل، أما التبرع بها فجائز شرعاً، دون مقابل مادي (1)
إذن فيكاد يكون هناك اتفاق بين أكثرية علماء المسلمين (2) في العصر الحاضر على جواز زراعة الأعضاء البشرية بعد نقلها من أجسام حية أو ميتة لمصلحة المنقولة إليهم من المرضى.
خلاف العلماء بين البيع والتبرع:
ولكن هناك خلاف أو اختلاف بين التبرع بالعضو المنقول أو المزروع، وبين بيعه، فبعضهم يحرم البيع ويبيح التبرع، وبعضهم كالشيخ محمد متولي الشعراوي يمنع التبرع والبيع معاً بحجة أن الإنسان لا يملك جسده، وأن ملكه لله وحده، وما لا يجوز بيعه لا يجوز التبرع به.
وقد تكرر الحوار والجدل بين العلماء والأطباء حول مسألة البيع والتبرع بالأعضاء البشرية لزرعها في الأجسام المريضة المحتاجة إليها.
* فالدكتور علي عبد الفتاح - عميد كلية طب عين شمس بالقاهرة – يعرض الظاهرة الجديدة في حياة المسلمين اليوم، وهي اضطرار بعض المرضى لاستبدال أعضاء من أجساد أخرى بأعضائهم التالفة - كالكلى مثلاً - وفي البداية كان أقارب المرضى يتبرعون لهم بكلاهم، ثم أصبحت المسألة تجارة ومساومة ومطالبة بأثمان عالية من أصحاب الأعضاء الصحيحة يرهقون بها المرضى وأهاليهم.
(1) جريدة "الأهرام، المصرية في 17/11/1407 – 13/7/1987م
(2)
يلاحظ أن مجمعي الفقه الإسلامي الرابطي والدولي يضمان أعضاء من كافة دول العالم الإسلامي.
ووصل الجشع ببعض الأزواج إلى حد الضغط على زوجاتهم لبيع إحدى كلاهن بثمن عال من اجل رفع مستوى معيشة الأسرة.. حتى أقارب المرضى بدأوا يطمعون في مقابل تبرعهم لمريضهم بإحدى كلاهم أن يتنازل عن قطعة أرض أو مصنع أو عقار
…
ويضيف الدكتور عبد الفتاح: أن الأطباء أصبحوا في حيرة من أمرهم.. هل ما يفعلونه حرام أم حلال، ويريدون من العلماء أن يقولوا رأيهم في المسألة؟
وكانت هناك إجابتان على هذه المسألة - الأولى من فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.. فقد أفتى فضيلته بأنه لا يجوز إطلاقاً أن يتصرف الإنسان في جسده لا عن طريق التبرع ولا عن طريق البيع.. لأن التبرع بالشيء فرع للملكية فيه، فأنت تتبرع بما تملك أو بجزء منه، ولا تستطيع أن تتبرع بشيء لا تملكه والإنسان لا يملك ذاته " (1)
وحجة الشيخ الشعراوي هي قوله عز وجل: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} (2) من سورة يونس، وأن الإسلام حرم الانتحار على المسلم لأنه لا يملك نفسه.
والإجابة الثانية من فضيلة مفتي مصر الدكتور سيد الطنطاوي.. فقد قال فضيلته: اتفق الفقهاء على بطلان البيع والشراء بالنسبة لبدن الإنسان أو لأي عضو من أعضائه، لأن المالك الحقيقي هو الله خالقه عز وجل، والإنسان إنما هو أمين على هذا الجسد، ومأمور بأن يحافظ على هذه الأمانة بما يصلحها لا بما يفسدها.
ثم يضيف الدكتور الطنطاوي - مفتي مصر - "بأن هناك فريقاً من العلماء يرى جواز التبرع من الإنسان بعضو من أعضائه لإنسان آخر - بشروط، أهمها أن يصرح الطبيب الثقة بأن نقل هذا العضو من شخص لآخر لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع، وإنما تترتب عليه حياة الشخص المتبرع له، أو إنقاذه من مرض عضال - وأنا أميل إلى هذا الرأي الأخير القاتل بجواز التبرع ما دامت هناك ضرورة ملحة تدعو إليه وما دام الطبيب يحكم بأن نقل هذا العضو من الإنسان إلى المريض لن يضر المنقول منه ضرراً بليغاً، ولكنه يفيد المنقول إليه افادة كبيرة "(3)
(1) مجلة "اللواء الإسلامي" في 6/2/1977.
(2)
سورة يونس: الآية 31.
(3)
جريدة "عكاظ " في 27/1/1408 هـ
وقد قرأت آراء أخرى لبعض العلماء ترى جواز التبرع بالأعضاء البشرية، وتمنع بيعها متفقة مع وجهة نظر الدكتور الطنطاوي مفتى مصر.
وجهة نظري:
* ووجهة نظري في المسألة: أن منهج الشيخ الشعراوي في فتواه. سليم.. لأنه يرى أن المتبرع بعضو من أعضاء جسده هو في الحقيقة مالك له، لأن غير المالك لا يتبرع بشيء لا يملكه واذن فالبيع والتبرع سواء في هذه المسألة - وإذا كان البيع لا يجوز فكذلك التبرع لا يجوز أيضا.
فأنا أتفق معه في المنهج دون المبدأ.. وهو التحريم المطلق للبيع والتبرع، واختلف مع الدكتور الطنطاوي في المنهج لتفريقه بين البيع والتبرع، وفي مبدأ تحريم البيع أيضاً..
كما أني أرى أن الإنسان يملك جسده، ويملك التصرف فيه بما لا يفسد حياته أو صحته.. لأن الإنسان مطالب دينياً أن يحافظ على حياته والمحافظة على الحياة تقتضي المحافظة على سلامة النفس جسداً وعقلاً.
ولو كان الإنسان لا يملك جسده أو نفسه لما شرع الله له حق القصاص والدية في القتل والجروح، كما أجاز له ولورثته العفو أيضاً.
فمبدأ حق القصاص والدية في الشريعة الإسلامية يؤكد ملكية الإنسان لنفسه ولذلك وجبت حمايتها منه ومن غيره.
وتبرع الإنسان بدمه أو إحدى كليتيه أو إحدى عينيه أو أي جزء من جسده لا يضره انفصاله عنه - لا يعد جريمة أو وإثماً في حق نفسه - والبيع مثله، وبخاصة إذا كان فقيراً أو محتاجاً إلى المال احتياجاً قاهراً.
والقول بملكية الله عز وجل للإنسان أمر مفروغ منه من حيث العموم.. عموم ملكية الله تبارك وتعالى لأنفسنا وأموالنا وأولادنا وللكون كله. ولكن هذه الملكية الإلهية لا تتعارض مع تصرفنا في أنفسنا وأموالنا وأولادنا وكل شؤوننا بما يحقق حفظ المصالح الخمس المقررة شرعاً: (وهي النفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض) .
ويجب أن يلاحظ العلماء المانعون للبيع: أن الناس قد قست قلوبهم.. حتى الأقرباء - كما قرر ذلك الأطباء أنفسهم - فهم يتاجرون بأعضائهم ويساومون عليها.. وحاجة المرضى من أقربائهم شديدة وماسة إلى شراء هذه الأعضاء للحفاظ على حياتهم، فلا داعي للتشدد في الفتوى بمنع البيع وجواز التبرع الذي قد لا يتحقق كما أسلفنا.. ما دامت الملكية واحدة والتصرف واحداً، والتفريق بين البيع والتبرع غير وارد في معقول ولا منقول.
زراعة الأعضاء من الأجنة:
وما قيل في نقل الأعضاء البشرية وزراعتها من جواز وإباحة - يقال كذلك في نقل هذه الأعضاء من الأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة شريطة أن لا يكون الإجهاض متعمداً من أجل المتاجرة بهذه الأجنة واستغلال أعضائها في حاجة المرضى، ويجب أن يستفاد من أعضاء الأجنة التي تجهض تلقائياً بسبب ضعف الأمهات أو الخلل الحادث في أرحامهن.
زراعة الغدد والأعضاء التناسلية:
أما زراعة الغدد والأعضاء التناسلية فقد دار حوار بين العلماء والأطباء - في جريدة المسلمون - ومن عجب أن يمنعه الأطباء ويبيحه العلماء، والحق مع الأطباء لأنهم ذوو خبرة بحقيقة الأعضاء التناسلية وتكوينها، وما تحتفظ به من اختصاص ذاتي في تكوين النطفة بخلاف الأعضاء الأخرى - كالكلية مثلاً - فإنها لا تحمل شخصية المنقول عنه بخصائصه الخلقية، ولو فرضنا - جدلاً - أنها تحمل شخصية المنقول منه، فإنها ليست ذات تأثير كالخصية في اختلاط الأنساب بما تنقل من موروثات عن الشخصية الأولى إلى الشخصية الثانية.
وعلى ذلك - أي ما بينه الأطباء من أن الخصية تحتفظ بشخصية المنقول منه - فإن نقل الخصى وزراعتها لا يجوز مطلقاً، مع ملاحظة أنه يجب على رجال القضاء والإفتاء - كما هو معلوم من اعتبار الخبرة في أهلها - أن يأخذوا بعين الاعتبار شهادات الخبراء والعلماء من ذوي الاختصاص الطبي والتشريحي في مثل هذه الأمور، ولا يكتفون بظواهر الأدلة والحجج الشرعية.
وقد ذكرت في تعقيبي على العلماء الذين أباحوا نقل الخصى وزراعتها: أن القضاء الإسلامي احترم شهادة المرأة الواحدة في ما يخص النساء لأنها ذات خبرة بأحوالهم التي لا يطلع عليها سواهن - كالرضاعة والولادة والبكارة - بل قدم القضاء الإسلامي شهادتها على شهادة الرجل في مثل هذه الأحوال.
زراعة الأعضاء المستأصلة في الحدود:
هذه مسألة أثيرت من قبل، وجرى حولها كلام كثير، وأيد كثيرون إعادة اليد المقطوعة في حد السرقة إلى صاحبها رحمة به - بزعمهم -.
والدعوة إلى إباحة زراعة اليد المقطوعة في حد إلى صاحبها دعوة عاطفية لا تستند إلى عقل ولا نقل، وهي وليدة المزاعم القديمة التي يرددها العلمانيون في اتهامهم للحدود الإسلامية بالقسوة والوحشية.
وإذا تأملنا أن قطع يد السارق - أو يد المحارب ورجله من خلاف - إنما أوجبه الله تبارك وتعالى للاعتبار والاتعاظ، وامتناع الآخرين عن تكرار حوادث السرقة، وقطع الطريق، وإرهاب الآمنين.. من أجل تحقيق الطمأنينة والأمان في المجتمع المسلم على الأموال والأنفس والأعراض - إذا تأملنا حقيقة الحكمة من تشريع هذه العقوبات أدركنا أن المطالبة أو الدعوة إلى إعادة يد السارق أو رجل المحارب إليهما بعد قطعهما لا يحقق ما أراده الشارع من زجر للعصاة الخارجين على نظام المجتمع، المثيرين في أرجائه الخوف والرهبة، ومن عظة تمنع الآخرين من مقارفة العدوان نفسه، وما أعظم وأحكم ما وجه إليه القرآن الكريم في مثل قوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، وقد كانت العرب - في جاهليتها تعرف ذلك حتى إنها أرسلت مثلاً مشهوراً قالت فيه:(القتل أنفى للقتل) ولا داعي لأن نورد الحكمة الإنجليزية القائلة: (لا يفل الحديد إلا الحديد) .
ان إعادة يد السارق ورجل المحارب إلى جسد كل منهما بطريقة الزراعة الطبية الحديثة: يلغي حكمة الشارع من قطعهما كما أسلفنا، ويبطل أثره كأن لم يكن - أي القطع وهو العقوبة الشرعية الإلهية - أي نكون بهذه الإعادة - أو الزراعة حسب التعبير الحديث - كأن لم نقم بتطبيق الحد الشرعي على السارق أو المحارب، وإنما قمنا بدور تمثيلي بحت.
ويسري ذلك على الأعضاء الأخرى كالأنف والعين والأذن والإصبع والسن التي جاء حكم القصاص فيها في قوله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [سورة المائدة: الآية 45] .
وفي ختام البحث لا بد من التعقيب على ما نشر أخيراً عن دعوة منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة إلى حظر بيع الأعضاء البشرية نظراً لما شاع من استغلال شنيع للمتاجرة بها، وتصديرها من دولة إلى دولة واتخاذها وسيلة للكسب، وبخاصة الدول الفقيرة التي يجد فيها هؤلاء التجار اللأخلاقيون سوقاً رخيصة لبيع الأعضاء ثم تصديرها إلى المستشفيات العالمية.
أريد أن أقول في هذا التعقيب: إن هذه المتاجرة بالأعضاء البشرية مسألة أخلاقية تنطبق على كل عمل فيه مصلحة إنسانية، فلا ينبغي أن نحرم هذه المصلحة من أجل انحراف طائفة من الناس نحو استغلالها استغلإلا سيئاً ينحرف بها عن طريقها السليم.
هذا ما يسر الله من بحث ودراسة لهذه المسألة زراعة الأعضاء البشرية على اختلاف مجالاتها واختصاصاتها المشار إليها آنفاً. والله الموفق والمستعان.
أحمد محمد جمال
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
زراعة عضو استؤصل في حد
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
موضوع هذه الجلسة هو: "زراعة عضو أو إعادة عضو استؤصل في حد أو قصاص "، والعارض هو فضيلة الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي والمقرر هو الشيخ علي التسخيري.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا رسول الله، وبعد:
قدم في هذا الموضوع ستة بحوث ووجدت بحثاً سابعاً هو بحث الأستاذ أحمد محمد جمال في ثنايا كلامه عن زراعة الأعضاء البشرية، وجدت صفحة يتكلم فيها عن هذا الموضوع وهو زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص، فأضحت البحوث سبعة، وهذه البحوث توزعت في أقوال ثلاثة: قول يمنع هذا الأمر مطلقاً، وقول يجيزه مطلقاً، وقول ثالث يفصل بين حقوق الله فيجيزها لأنها مبنية على التسامح، أما في حقوق العباد فلا يجيزونها نظراً لوجود المشاحة ووجود عوامل الغيرة والحقد والمنازعات والخصومات فيما إذا رأى المجني عليه أن الجاني قد أعاد يده أو عضوه إلى الحالة السابقة التي كان عليها، مما يدفعه إلى حب الانتقام والثأر وإثارة المنازعات، فلذلك، سداً للباب في أمور حقوق العباد لم يجز هذا الرأي الثالث إعادة العضو المستأصل بحد أو قصاص. وأبدأ بتلخيص هذه البحوث السبعة.
أولها بحث فضيلة الدكتور بكر أبو زيد، فإنه حرم في بحثه إعادة العضو الذي قطع في حد أو قصاص لأدلة ستة لأن ذلك فيه استدراك على حكم الشارع وصيرورة العضو المقطوع حقاً لله تعالى لا لصاحبه، ولأن إعادة العضو إفتيات على الشرع في حكمه ولا يوجد بعد القطع في السنة إلا الحسم وتعليق اليد في العنق، ولأن كون الإعادة في القصاص مناف لمبدأ المثلية على الدوام. ثم نبه الباحث إلى عدم ضرورة بحث هذا الموضوع وعدم الإفتاء به لعدم تطبيق الحدود الشرعية في غير البلاد السعودية
والبحث الثاني هو بحث فضيلة الشيخ القاضي محمد تقي العثماني، فإنه نقل عن المالكية أن إعادة المجني عليه في القصاص عضوه إلى محله لا يسقط به القصاص عن الجاني، أما الأرش ففيه ثلاث روايات: يسقط، ولا يسقط، ويسقط في الأذن لا في السن، لأن المنفعة في السن لا تعود إلى هيئتها أبداً، أما في الأذن فتعود، ونقل عن محمد بن الحسن، من الحنفية، أن إعادة العضو في الجناية الخطأ لا يسقط الأرش عن الجاني. ومذهب الشافعية في تقديره، كالمالكية، أن إعادة العضو لا يسقط القصاص ولا الأرش. وعند الحنابلة وجهان اختار القاضي أنه لا يسقط القصاص. فالقول الراجح، كما ذكر الأستاذ تقي، عند الجمهور، أن زرع المجني عليه لا يسقط القصاص ولا الأرش عن الجاني، وبناء عليه لو قطع العضو المزروع مرة ثانية فلا قصاص فيه عند الأكثرين من الفقهاء. ثم أوضح أن الشافعي جزم بأن إعادة العضو إلى محله لا يلغي استيفاء القصاص السابق، فلا يقتص منه مرة ثانية، ولا يخالف ذلك أمر القصاص، وللحنابلة وجهان الراجح عند القاضي أبي يعلى أن لا يقتص منه مرة ثانية، ورأى أشهب وابن المواز من المالكية أن إعادة الجاني عضوه لا يؤثر في القصاص إذا كان المجني عليه أعاد عضوه أيضاً فإن لم يعده يغرم الجاني الأرش، والحنفية يرون أنه ليس من حق المجني عليه أن يبقي العضو فائتاً على الدوام، فهم كالشافعية.
والخلاصة أن الجمهور يرون ألا يحكم بإعادة القصاص وينتهي القصاص بإعادة العضو.
ثم تكلم القاضي الشيخ تقي عن كون العضو المزروع نجساً أم لا؟ وذكر أن الراجح عند الشافعية أنه طاهر، وكذلك عند متأخري الحنفية بسبب حلول الحياة في العضو بعد الزرع، وكذلك الشأن عند المالكية ليس ما أبين من الآدمي نجساً بل هو طاهر. وعند الحنابلة روايتان والراجح الطهارة عند الأكثرين.
والخلاصة أن الراجح في المذاهب الأربعة طهارة هذا العضو الذي أعيد إلى محله مرة ثانية.
أما إبانة العضو في حد فلم يجد الشيخ العثماني نصاً في المسألة عند الفقهاء، وقال لعل الفقهاء لم يتصوروا إعادة اليد إلى محلها بعد الإبانة، والوضع في الطب الحديث لا يزال مشكوكاً في نجاح هذه العملية، لذلك لا يرى الأستاذ العثماني البت في المسألة حتى تقع عيانا ويحتمل قياس الحد على القصاص، ويحتمل وجود فرق بينهما.
البحث الثالث هو بحث فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، بعد أن ذكر الحكمة من تشريع الحدود وهي الزجر وحماية حقوق الجماعة ومصالحها، وقمع الجرائم، والنكال والعقوبة عل الجريمة لا مجرد الأمن من المعاودة، ناقلاً ذلك - أي الحكمة من تشريع الحدود - عن مختلف الكتب القديمة والحديثة. وبعد أن أوضح أنه لا يجوز العفو عن الحد من أحد مطلقاً، وأن أحكام الشريعة يراد بها الحفاظ على المقاصد الخمس الكلية الضرورية المعروفة وهي: الدين والنفس أي الروح والعقل والعرض والمال وغيرها، بعد أن ذكر الحكمة وبعد أن ذكر هذه المقاصد، استخلص من ذلك أسباب قطع اليد في الحدود والقصاص وهي ثلاثة عشر سبباً، ثم ذكر مراتب حفظ المصالح وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وانتهى إلى أن الغرض من الحدود دوام أثرها ليرتدع الناس والجاني برؤية يد الجاني مقطوعة، ومعنى هذا عدم جواز إعادة العضو المقطوع بالحد أو القصاص، وانتهى إلى ما انتهى إليه قرار هيئة كبار العلماء في السعودية بعدم جواز إعادة هذا العضو المقطوع في حد أو قصاص.
البحث الرابع: بحث فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري، حرر المسألة وأبان ضرورة بحثها وأوضح أنها قديمة غير مستحدثة، ثم ذكر أقوالا ثلاثة في شأنها: المنع مطلقاً، والجواز مطلقا، والتفصيل بين حقوق الآدميين، فلا يجوز في حقوق الآدميين، ويجوز ذلك في حقوق الله، وذكر أدلة كل قول على حدة جاعلاً للمنع تسعة أدلة، وللجواز دليلاً واحداً وهو (الأصل في الأشياء الإباحة) ، وذكر للقول بالتفصيل في حال الجواز دليل الاستحسان والمصلحة الضرورية، وذكر هذا التفصيل مأخوذاً من بحثي الذي قدم في الندوة الطبية التي انعقدت في الكويت.
ثم بين أن مجال المنع في حقوق الآدميين، وهذا موافق لما أخذه من بحثي، وناقش أدلة كل قول من المانعين والمجيزين، وضعف رواية عند الإخوة الشيعة لم يجد لها دليلاً قويا في هذا الموضوع، ثم رجح ما رجحته في بحثي وهو القول بالتفصيل، وقال عنه بالحرف الواحد: إنه الرأي المتعين ولا مجال للرأي الأول الذي يمنع من الإعادة مطلقاً.
البحث الخامس، بحث الشيخ محمد بن عبد الرحمن أل الشيخ، يشبه هذا البحث بحث الشيخ عبد الله بن منيع، قرر فيه أن الحكمة من الحدود الزجر والردع ومنع الفساد والإجرام، ثم رتب على ذلك أنه لا يجوز شرعاً إباحة زرع العضو الذي استؤصل في حد أو قطع في قصاص لمنافاة ذلك لحكمة منع المجرم عن المعاودة إلى عدوانه وردع غيره عن ارتكاب مثل جريمته، ولأن ذلك يتصادم مع حكمة القصاص وهي كونه وسيلة للمحافظة على حياة كل من القاتل والمقتول، واستشهد بقول ابن تيمية وغيره من العلماء بأنه يجب إقامة الحد في السرقة وغيرها، ومعنى ذلك المفهوم من كلامه أن إقامة الحد يتطلب بقاء أثر هذه الإقامة وأن ذلك يعني أنه لا يجوز إعادة العضو الذي قطع في حد أو قصاص.
البحث السادس، ما وجدته في بحث ثنايا الأستاذ أحمد محمد جمال عن زراعة الأعضاء البشرية. ذكر مسألة زراعة الأعضاء المستأصلة في الحدود، وانتهى إلى ما انتهى إليه العلماء السعوديون من أن العبرة من الحدود هي الاتعاظ ومنع تكرار حوادث السرقة وقطع الطريق وإرهاب الآمنين، ورتب على ذلك أن المطالبة بإعادة يد السارق أو رجله بعد القطع لا يحقق إرادة الشارع من زجر العصاة الخارجين عن نظام المجتمع.
هذه هي البحوث الستة لخصتها.
أما بحثي فقد قدمت له بأن هذا الموضوع في تقديري جديد، والكلام فيه محض اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، ثم أوضحت الحكمة من تشريع الحدود، كما ذكر غيري، وهي الزجر والردع عن اقتراف الجريمة وصيانة. المجتمع عن الفساد والانحراف والتطهر من آثار الذنب والمعصية. وأبنت أن تنفيذ الأمر الإلهي بالقطع يتحقق بامتثال الحكم مرة واحدة دون تكرار لأن الأمر عند الأصوليين يدل على مجرد طلب الماهية في رأي جماعة، ويدل، في رأي جماعة أخرى، على المرة الواحدة عند أصوليين آخرين، فإذا نفذ الحكم أو القصاص، فقد تحقق الأمر القرآني وبرىء الحاكم مما يجب عليه من تطبيق الحدود. ثم وضحت بأن المراد بالحسم المذكور في السنة مجرد قطع النزيف الدموي حتى لا يؤدي ذلك إلى تلف النفس وهلاك الإنسان بسبب قطع يده أو رجله، فهذا هو المقصود من الحسم وليس المراد منه أنه لا يمكن إعادة هذا العضو، والسبب في هذا أن الله أمر بالإحسان في كل شيء، ثم إن مقتضى الاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية لا يمنعان من القول من إعادة اليد لأن إعمال النص بالحدود قد تحقق بقطع اليد أو القصاص وما وراء ذلك على الإباحة، كذلك مبادىء السياسة الشرعية لا تمانع من إعادة اليد إذا كان ذلك علاجاً لحالات معدودة نادرة وليس ذلك ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين وقطاع الطرق على ارتكاب الجرائم، فإذا كان الأمر لا يعدو مجرد حالات نادرة محدودة دون أن يصبح ذلك ظاهرة عامة تجرىء اللصوص والمجرمين فلا مانع - في تقديري - من إعادة اليد، ثم فصلت في الأمر فذكرت التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى، فلم أجز إعادة العضو المقطوع في القصاص كاليد وغيرها، إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد، وهو يقوم على مبدأ المماثلة في الفعل والمحال والمنفعة، ثم إن في إعادة اليد إثارة لغيظ المجني عليه مما يدفعه إلى حب الانتقام والثأر، فسداً للذرائع ودفعاً للخصومات والمنازعات لم أجز إعادة العضو المقطوع في مجال القصاص أي في حقوق العباد، أما في حقوق الله - تعالى - المبنية على التسامح في حد السرقة والحرابة فيجوز إعادة اليد إن ثبت موجب الحد بالإقرار لأن الرجوع عن الإقرار جائز في السنة قبل الحد وفي أثنائه وبعد إقامته، وتعد إعادة اليد من هذا الشخص الذي ثبت عليه الحد بإقراره تعد إعادة اليد رجوعاً منه عن الإقرار، ولا مانع من هذا الرجوع، أما إذا ثبت موجب الحد، أي الجريمة بالشهادة فيجوز، في رأيي، إعادة اليد إذا تاب السارق أو المحارب، بأربعة شروط:
بأن يتوب السارق أو المحارب، وأن يكون الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح، وأن تكون الإعادة حالة قليلة أو نادرة، وأن يقوم السارق بإعادة المال المسروق إلى صاحبه.
فإذا توافرت هذه الشروط الأربعة فلم أجد مانعاً - في اجتهادي وهو محل للصواب والتخطئة - لإعادة اليد، وذكرت لإثبات الجواز بهذه الشروط الأربعة، ذكرت أحد عشر دليلاً، وأذكر هذه الأدلة بالرغم من وجودها في البحث بإيجاز لإلقائي على مسامع السادة الحضور.
الدليل الأول للجواز في هذه الحالة: أنه قد تم إعمال النص التشريعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر، فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية، فيمكن أن نستفيد في عصرنا من معطيات تقدم الطب العلمي، وأما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائما على ما هو عليه بسبب العجز عن مثل هذا التصور، وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به كما لا يحتج بالوقائع التي لم تتعلق بها نصوص شرعية، وذكرت قول السرخسي في هذا الموضوع مبيناً مذهب الحنفية في أنه لا يجمع بين الحد وضمان المال المسروق، وقوله يفيدنا في بيان مدى إعمال النص، وذكر قوله تعالى:{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وأن القطع هو جميع موجب الفعل لأن لفظ (الجزاء) إشارة إلى الكمال، فلو أوجبنا الضمان معه لم يكن القطع - أي قطع يد السارق - جميع موجب الفعل، فكان نسخاً لما هو ثابت بالنص، ثم ذكر السرخسي حديثاً عن عبد الرحمن بن عوف أنه لا غرم على السارق بعد ما قطعت يده، لكن إذا اجتمع في يد الجاني قطع في السرقة والقصاص بدىء بالقصاص وضمن السرقة، هذا مضمون الدليل الأول من كلام السرخسي، فإذا اجتمع في اليد حقان أحدهما حق لله تعالى والآخر للعبد فيقدم حق العبد لحاجته إلى ذلك. الدليل الثاني: أنه لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر السارق أو المحارب إلى إعادة يده أو رجله التي دفنت أو رميت أو ما شاكل ذلك، بعمل جراحي، هل يحق لهذا الحاكم أن يتابعه ويتدخل في شأنه؟ كما لا يحق له أن يتابعه إذا أراد إقامة أو تركيب يد صناعية أو رجل صناعية، فتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.
الدليل الثالث: لقد تحققت أهداف الحد المادية والمعنوية بمجرد تنفيذه، ففي القطع إيلام وتعذيب وزجر ونكال وتشهير وإساءة سمعة ووخز للاعتبارات الأدبية والإنسانية، وكل ذلك تحقق بمجرد إقامة الحد دون النظر إلى ما يعقب ذلك من أعمال يقوم بها الجاني بأفعال من عند نفسه.
الدليل الرابع: إن زراعة العضو من إنسان آخر كالقلب والكلية والرئة والعين أمر جائز للضرورة لإنقاذ حياة الإنسان، كما قرر مجمع الفقه (مجمعنا) فيجوز بالأولى لأي إنسان إعادة ما قطع من أعضائه أثناء إقامة الحد عليه، فهو أولى بيده من أن تنقل إليه يد أخرى أو عضو آخر، فلم نجيز الحالة الأولى ولا نجيز الحالة الثانية؟.
الدليل الخامس: أن التوبة تسقط جميع الحدود التي هي حق لله تعالى في مذهب الحنابلة، كما يقولون: يقول ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله: ليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب البتة، لقوله عليه الصلاة والسلام:((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) فهذا الذي أقر ثم أقيم الحد عليه ثم تاب، كيف لا نوافقه على تمكينه من إعادة يده؟ الدليل السادس: أنه لو نبتت سن جديدة أو أصبحت جديدة بعد القصاص أو الحد لا تستأصل مرة أخرى، في الراجح لدى الفقهاء لأن النابت نعمة جديدة من الله تعالى أو هبة مجددة ليس للمجني عليه قلعه وليس هو في حكم المقلوع أو المقطوع.
الدليل السابع: لا شك أن إعادة اليد أو غيرها مصلحة ضرورية لصاحبها، ولا تتصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعية الآمرة بتطبيق الحدود والقصاص، إذ أن النص قد أعمل وفرغ منه، وهو ساكت عن ما وراء تنفيذ مقتضاه الواضح.
الدليل الثامن: إن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة خلافاً لحقوق الآدميين.
الدليل التاسع: ليس في إعادة اليد أو أي عضو، قطع حداً، ليس في ذلك عبث أو تحايل على أحكام الشريعة، لأن العبث والتحايل في الوضع القائم الذي يفر من تطبيق الحدود الشرعية ويعطل النصوص الآمرة بها، ويمكن تطهير اليد المقطوعة بالماء قبل تركيبها، علما بأنني ذكرت عن الشيخ التقي أن المذاهب الأربعة تعتبر هذه اليد المعادة، ما دام زرع العضو مرة أخرى، المذاهب الأربعة تقرر أن هذا العضو يكون طاهراً وليس نجسا.
الدليل العاشر: ليس المراد من حسم موضع القطع إلا التداوي وقطع النزيف الدموي، كما أوضحت سابقاً، ولا يقصد به الاستئصال الأبدي إلا من ناحية الواقع فقط، لا من ناحية الإمكان العلمي، فذلك أمر مسكوت عنه في النصوص، والأصل في الأشياء الإباحة.
الدليل الأخير: أن الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد، والله أعلم.
الخاتمة: تبين لدينا أن إعادة أي عضو قطع في قصاص لا يجوز شرعاً ما لم يأذن المجني عليه ويسقط حقه، منعاً من إثارة الأحقاد والضغائن، أما إعادة العضو المستأصل في حد كإعادة اليد أو الرجل بعد قطعها في السرقة أو الحرابة، فذلك أمر جائز في رأيي بالشروط والضوابط المتقدمة، ما لم يؤد الأمر إلى فساد عام وشر شامل وظاهرة شائعة فيؤخذ حينئذ بما يحسم الفساد بالحكم الأشد. والله ولي الأمر والتوفيق. وشكراً.
الدكتور عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
نشكر الشيخ الزحيلي على هذا التفصيل وعلى عرضه القيم لجميع البحوث ولكن في بحثه ذكر فيما يتعلق بحقوق العباد في القصاص أنه لا يجوز إعادة اليد إلا بعد الاستئذان من المجني عليه، هناك صورة لم يذكرها وأنا أذكرها على سبيل الاستفسار فقط وهي: لو كان المجني عليه قد مات فما الحكم في هذه الحالة؟ أما فيما يتعلق بحقوق الله كالسرقة والحرابة، الخوف من أن تشكل عصابات يهونون على السراق المسألة ويقولون: إذا ما أقيم عليك الحد عملنا لك عملية وأنفقنا عليك حتى تعود كما كنت، فيكون هناك نوع من الجرأة وخصوصاً أننا نعلم بأن طرق الجرائم التي يكون خلفها أناس أو هيئات أو جماعات مهمتها الإفساد والاعتداءات وما إلى ذلك. وشكراً.
الشيخ عبد الله الركبان:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
الموضوع الذي كتب عنه الكاتبون في هذا اليوم موضوع له أهميته ويكثر التساؤل عنه في هذه الأيام، والأدلة التي طرحها الباحثون ما يتعلق بأدلة المجيزين أو بأدلة المانعين هي أدلة كما لا يخفى قابلة للمناقشة، والذي يظهر أنها غير كافية في أن يعتمد عليها في الحل أو عدمه، ولكن إذا رجعنا للآية الكريمة بالنسبة للسرقة {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ظهر لنا أن قطع اليد وإعادتها بعد القطع مباشرة لا يحقق هذا الغرض، فليس فيه نكال وان كان فيه جزاء، فالأمر لا يظهر إلا إذا تركت يده مقطوعة وعلم الناس بذلك فاشتهر أمره ليرتدع غيره، ولكن لا أجد ما يمنع من أن يمكن الشخص من أن يعيد يداً أخرى لأن اليد التي هي وسيلة للسرقة والتي استخدمت عوقب بقطعها وحرمانه منها، ليس هناك ما يمنع أن يعيد يداً أخرى، هذا بالنسبة إلى الحد.
أما بالنسبة للقصاص، فينبغي أن يفرق بين ما إذا كان الجاني منع المجني عليه من إعادة يده أو لم يمنعه، فإذا كان قد منعه من إعادة يده، بأسلوب أو بأخر، فلا يمكن الجاني من إعادة يده، معاملة بالمثل، أما إذا لم يمنعه بأن قال له: هذه يدك، فإن شئت فأعدها. وكان في وضع يتمكن من إعادتها، لكن المجني عليه أبى، فلا أرى وجهاً لمنع الجاني، إذا قطعت يده، من إعادتها مرة أخرى، هذا فضلاً عن أن لكل من المجني عليه والجاني أن يضع يداً أخرى لأن الغرض من القصاص قد تحقق بالنسبة للمجني عليه والجاني على حد سواء.
نقطة أخيرة أود أن أستفسر من الدكتور الزحيلي فرق بين الإعادة في الحالات الفردية وبين الإعادة العامة، وفي ظني أن التعليلات التي علل بها وثنى عليها أحد المتحدثين لا تكفي للمنع، ومن المعلوم أن من يحترف الجريمة سيستطيع إذا قطعت يده أن يذهب إلى مكان آخر وأن يعيد يده إذا وجد الوسيلة إلى إعادة يده. وهذه أمور قليلة. فالغرض من الحدود هو الردع، والردع يتحقق بالقطع، ثم إن الإعادة ليست من الأمور السهلة، كما أن الدكتور الزحيلي ذكر أن إعادة السارق ليده يعتبر بمثابة الرجوع عن الإقرار، ولا أظن ذلك كذلك. وشكراً.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع إن أستاذنا الصديق الشيخ وهبة قد عرض علينا خلاصة البحوث ومن جملتها بحثي أيضاً، ولكني أريد أن أركز على نقطة واحدة تقدم بها هو في بحثه وهي التفريق بين حقوق العباد وبين حقوق الله، فذكر أن القصاص بما أنه من حقوق العباد فلا سبيل للمسامحة فيه، فإن إعادة العضو المبان في القصاص اعتداء على حق المجني عليه ولكن النقطة الأساسية هنا هل حق المجني عليه هو استيفاء القصاص مرة واحدة؟ أومن حقه أن يظل عضو الجاني منفصلاً عن جسده على سبيل الدوام بصفة دائمة؟ فإن ذهبنا إلى الأول، يعني أن وفاء حقه يتحقق باستيفاء القصاص مرة واحدة، فإن هذا الحق قد استوفي وقد انتهى أمره، فلا يمنع ذلك من أن يعيد الجاني عضوه إلى جسده بعملية طبية، وأما إذا قلنا بالثاني، يعني أن من حق المجني عليه أن يظل عضو الجاني منفصلاً عن جسده طول حياته، فهذا يصادم مبدأ المساواة في القصاص، فإن المجني عليه يجوز له إعادة عضوه ولا خلاف في ذلك، ولا يقول أحد: إن المجني عليه لا يجوز له إعادة عضوه، فإن قلنا إن الجاني لا يجوز له الإعادة والمجني عليه يجوز له، فإن هذا مناف لمبدأ المساواة بينهما.
وأن هذا الحكم قد صرح به الفقهاء، وقد ذكرت نصوص الفقهاء القدامى وكنت أعتقد حينما شرعت في هذا البحث أني لا أجد نصاً صريحاً في هذه المسألة إذ هي مسألة مستجدة ولكني وجدت نصوصاً صريحة في جميع المذاهب، من الإمام مالك ومن الإمام الشافعي ومن محمد بن الحسن الشيباني رحمهم الله، كلهم ذكروا هذه المسألة. فمثلاً يقول الإمام الشافعي في كتابه الأم:"وإن لم يثبته المجني عليه أو أراد اثباته فلم يثبت واقتص من الجاني عليه فأثبته فثبت لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة. وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه بالجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود لأنه قد أتى بالقوة مرة، إلا أن يقطعه لأنه ألصق به ميتة"، يعني أتى بعلة أخرى. لكنه صرح بأن حق المجني عليه قد استوفي باستيفاء القصاص مرة. وكذلك القاضي أبو يعلى يقول: إذا قال المجني عليه: ألصقوا أذنه، بعد أن أثبتها، أزيلوها عنه، قلنا بقولك لا نزيلها لأن القصاص وجب بالإبانة فقد وجد ذلك، فالفقهاء أيضاً قد صرحوا بهذا.
ففي نظري أننا لو أجزنا للجاني أن يعيد عضوه، فإن هذا لا ينافي مبدأ المساواة ولا مبدأ التحفظ بحقوق العباد.
وأما مسألة إعادة العضو المقطوع في حد فإني متوقف في هذه المسألة لأن إعادة اليد أو الرجل كما ذكرت في بحثي، قد ذكر الأطباء أنه لم ينجح حتى الآن أحد في هذه العملية، والأطباء موجودون ربما يفيدونا في هذا السبيل، فإذا كانت هذه العملية غير ناجحة فلا أرى أنه من المناسب أن نبحثها ونصرف أوقاتنا فيها. وشكراً.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود قبل كل شيء أن أشكر الأستاذ الدكتور الزحيلي على تلخيصه الجيد، ولكني أذكر ببعض النقاط.
النقطة الأولى: هو جعلني في صف من قالوا بالتفصيل في حين أن ممن يقولون بالجواز المطلق، ولكني في نهاية بحثي قلت:"فلو لم نقبل الجواز المطلق فإن القول بالتفصيل هو المتعين "، معنى ذلك أنني أقول بالتفصيل وفق رأيي المتواضع ولكن على سبيل الترتب يعني بعد عدم القول بالجواز المطلق أنتقل إلى التفصيل.
خلاصة الرأي المتواضع هو أن الأدلة المذكورة للمانع أكثرها استحسانية، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها في حكم شرعي، من قبيل القول بأن العضو المقطوع، مثلاً، تمت الجريمة به فيجب أن تبقى عقوبته مؤبدة، هذا استحسان لا نستطيع أن نجعله دليلاً شرعياً على حكم شرعي، وباقي الأدلة المذكورة رأيت أنها استحسانية في غالب الأحيان، إلا أن هناك رواية رويت في كتب الإمامية عن الإمام الباقر:"أن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً فرفع إلى علي عليه السلام فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه بدمه فالتحمت وبرئت فعاد الآخر إلى علي فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت وقال: "إنما يكون القصاص من أجل الشين". الرواية من حيث الدلالة تامة إلا أن سندها غير قوي ولا يمكن الاعتماد عليها. هناك ادعاء للإجماع وهو ادعاء غير تام ذكرته وناقشته، التفصيل أيضاً لم أقبله لأني وجدت أن دليل المنع في مجال حقوق الناس أيضاً دليل استحساني، وهو يقول به الأستاذ الدكتور الزحيلي خوفاً من الضغائن، ومن الطبيعي أن هذا أمر عارض، أمر ثانوي يجب أن يمنعه القانون أن يقوم القانون بحمايته. ثم الصورة التي طرحها الأستاذ الشيخ محمد، من حالة الموت بالنسبة للطرف الآخر فلا نستطيع أن نتصور حالة طبيعية ونمنع بشكل كامل نقول لا يجوز له ذلك.
خلاصة الرأي: أنه لم يقم دليل على المنع من إعادة اليد، وحينئذ فلا يجوز قطعها لو أعيدت، ومحور الكلام أن الأمر بالقطع يتعلق بالطبيعة، وواضح أن الأمر المتعلق بالطبيعة ينفذ عندما نأتي بأول فرد من الطبيعة، كما يقول الأصوليون، يعنى الأمر بالطبيعة يسقط عند الإتيان بأول فرد والنهي عن الطبيعة يبقى قائما مع كل فرد، وقد تحقق الفرد الأول وسقطت الطبيعة المأمور بها وحينئذ لا نجد دليلاً على المنع من الإعادة أو القطع.
هذه خلاصة لما أردت بيانه.. وشكراً.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم. ان القصد من الحد أو القصاص فصل العضو وإبانته، فلو أعيد لم يعد فصلاً ولا إبانة، هذا من وجه، ومن وجه آخر، الحد كما هو معلوم هو عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى، والقصاص هو عقوبة مقدرة شرعاً وجبت حقاً للعبد، يا ترى هذه اليد بعد قطعها أو العضو الذي قطع حداً أو قصاصاً هل يبقى من حق الفرد أو تمحض حقاً لله تعالى، ومن حقه إذ ذاك أن يدفن أو يتصرف فيه على الوجه المأذون به شرعاً، ثم التعليل بالتوبة بعد القطع، كل الناس كل المسيئين بعد العقوبة يتوبون، وهذا لم يقل به أحد. قياسهم الوصل على الزرع، ذاك زرع لعضو ذهب، قياس مع الفارق، لأن زرع عضو غير الجاني أو المجني عليه، الذي تكلمنا عنه، لم يذهب عقوبة، لم يذهب هذا العضو عقوبة، وحبذا لو نبهنا فضيلة الدكتور، إلى مسألة عند زرع الأعضاء أن نقول هذه الأعضاء التي بترت أو ذهبت، ألا تكون ذهبت بحد أو قصاص، إذن لنبهنا بهذه المسألة إلى أمر هام، إذن القول بالإعادة وأنها من حق الإنسان أن يعيدها هي، والله أعلم، أن هذا العضو بعد ابانته تمحض حقاً لله تعالى ولا ينبغي إعادته، سواء في حد أو في قصاص، لأنه حتى في آية العقوبة {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} من المعروف هنا أن هذه الرأفة أن الناحية الإنسانية هنا في العلاج ينبغي أن تكون مستبعدة، وكما ذكر الأخوة الذين سبقوني التشهير مقصود، كما أن القطع مقصود، إذن المقصود أمران: القطع والتشهير والله أعلم.
الدكتور سعود مسعد الثبيتي:
الحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يتجاوز كلامي أن يكون تكملة لكلام الشيخ خليل الميس، فمن المعلوم أن حد السرقة مقصود منه الجزاء والنكال، جزاء للسارق على ما اقترفت يده من أخذ أموال الناس وترويعهم فيها، ونكإلا وعبرة وعظة لغيره، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، فالجزاء مقصود في حد السرقة للسارق وقد حصل، والنكال مقصود لغيره، لغير السارق، وكما عرف من النكال أنه يصنع بالسارق أو بغيره صنعاً يمنع غيره من الاقتراف الذي اقترفه، والله سبحانه وتعالى يقول:{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} .
فلا شك أن قطع يد السارق وتركها بدون إعادة من الأمور التي يتعظ بها غيره ممن تسول له نفسه أن يعمل مثل عمله، وإلا إذا قطعت وأعيدت فلا يكون نكالا لغيره بل قد ينسى هذا العمل في فترة وجيزة، وقد يكون من الدواعي لهذا السارق أن يسرق مرات ومرات أخرى، وكل ماسرق مليوناً أو مليونين من الريالات، أعاد يده بخمسين ألف ريال أجرة عملية جراحية، وهذا يعود على الغرض الذي شرع لأجله والهدف الذي شرع لأجله حد القطع في السرقة.
فلذلك لا أرى أنه تعاد يد السارق بعد قطعها تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى:
{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا} ، والنكال لا يكون إلا إذا امتنع غيره ورأى غيره ما آلت يده إليه فامتنع عن مثل عمله. وشكراً.
الشيخ أحمد محمد جمال:
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أريد أن أقول في البداية إن القول بإباحة إعادة اليد المقطوعة أو الرجل المقطوعة في المحاربة سخرية بأحكام الله عز وجل، كأنا نستهزىء بالله وبما قرره وبما حكم به، هذه واحدة.
والثانية الشيخ التسخيري - أصلح الله بالي وباله - قال إن القائلين بالمنع قالوا به استحساناً، وأنا أقول له إنهم قالوا بالمنع تطبيقاً لنص آيات القرآن الكريم، الله عز وجل يقول في السرقة:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، فالله تبارك وتعالى يعلل هنا الحكم بالنكال، وقطع اليد لإعادتها سخرية وهزء وضحك على الله عز وجل وعلى الناس. فهذا تطبيق لعلة الحكم "نكال" ينبغي للسارق والمحارب أن تبقى يده أو رجله مقطوعة ليستمر النكال، وأيضاً جاء في آية المحاربة:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} ، هذا تعليل إلهي رباني لا يمكن أن يجادل فيه أحد وإنما هو تطبيق للنص. فلا بد من ملاحظة ذلك بالنسبة للقائلين بالمنع، هذه حجتنا نحن القائلين بالمنع. ثالثاً، هناك بعض الآراء تقول: إن إعادة الأيدي المقطوعة والأرجل قليلة الاحتمال أو قليلة الوقوع وينبغي أن يهمل إصدار قرار فيها، هذا غير صحيح، المسألة مطروحة في الصحف والمجلات الإسلامية حول إعادة اليد المقطوعة والرجل المقطوعة في الحدود والقصاص، فينبغي أن يصدر المجلس حكما ولو كان سابقاً لما يحدث، ليجد الناس حكما صريحاً واضحاً للاستناد إليه. وشكراً.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
إن هذا الموضوع قد جعلت الأمانة العامة بينه وبين موضوع بعد ظهر أمس فاصلاً بجلسة اليوم، وكان من حقه أن يلحق به باعتبار أنها تمثيلية جديدة، ذلك أن أخذ العضو - قطع يد السارق - لا يقصد أبداً تعذيبه، ولذلك كل ما كان أمراً للتعذيب لا يعذب به، واليوم - ولله الحمد - وقد تقدم الطب تقدماً كبيراً فيؤخذ السارق إلى مستشفى من المستشفيات الممتازة، وقد يكون خيراً من بيته وتجري عليه ما يمنعه من الإحساس، ثم تعاد اليد طبياً ويخرج بعد أسبوع وإقامة في مستشفى بعناية تامة وأطباء من جميع الجهات ويقال إنه قد أقيم عليه الحد. في الحقيقة أن وضعاً كهذا أعتقد أنه أبعد ما يكون عن قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني، أعتقد أن إقامة الحد بقطع اليد موضوع بحث فيه، ولكن هو موضوع لا يهم العالم الإسلامي اليوم بكل أسف، العالم الإسلامي اليوم في معظم بلدانه فيما أعلم ما عدا المملكة العربية السعودية، هناك عقوبات أخرى تقع عوضاً عن قطع يد السارق والعضو الذي استؤصل في حد، فليس هناك عضو ولا هناك قطع وإنما هو السجن، والبلاد التي تقيم الحدود ثلاثة، أعتقد أنها لما قصدت من ذلك إنما قصدت منع داء الجريمة، وإنه لو عادت هذه الأيدي بهذه السهولة إلى الناس لكان الحد الإسلامي أخف الحدود ولا يؤثر في الجاني شيئاً إذا لم يتأثر قلبه بالرجوع وبالتوبة إلى الله، فضمان الأموال الذي من أجله وقع الحد لا يتحقق إلا إذا كان القطع تاماً.
الأمر الأخر هو أن قطع اليد هذا حكم حكم به الله فإرجاع اليد هو حكم جديد يخالف استمرارية الحكم الأول، والمخالفة لا بد لها من دليل يساوي النص الأصلي، وهو نص القطع، أي نص قرآني أو نص يقيني، ولذلك أعتقد أصولياً لا يمكن أن نقول: إنه يجوز أن تعاد اليد إلى ما كانت عليه، لأن استمرار الحكم هو من أصل ثابت أخذاً من قوله نعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} . فإذا أردنا إرجاع هذه اليد فلا بد أن يكون نص في مستوى الأصل الذي أوجب الفصل وإلا ما كان هناك فصل، هذا ما ظهر لي والله أعلم. وشكراً.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
لا شك أننا نسلم جميعاً بأن الإسلام جاء للتطبيق لكل زمان وكل مكان، وأنه وقت نزول الحكم، ما كان أحد يستطيع أن يعيد اليد إلى مكانها، فما عرفنا في وقت التشريع أنه أمكن أن تعاد يد، وفي علم الله عز وجل أن هذا النص القرآني سيبقى لمرحلة يصل فيها البشر إلى إمكان إعادة اليد، فلو أن الحكم أريد منه الإيلام والتعذيب لكان أمراً غير قطع اليد، وكان يمكن أن يكون شيئاً آخر وإلا معنى هذا أن الحكم وقت نزول النص القرآني تقطع اليد والآن تعاد اليد، اذن هنا لا توجد مساواة في تنفيذ الحكم الشرعي، وقت نزول النص، وفي عصر وصلت فيه البشرية إلى هذا المستوى من العلم وعلم الله بها من قبل أن يخلقها، يكون هناك فرق كبير بين من يعاقب في وقت نزول النص ومن يعاقب في عمر تقدم الطب، فإذا كان الأمر هو مجرد الإيلام والتعذيب، فهذا يكون شيئاً آخر، ما أكثر أنواع الإيلام والتعذيب، وكان يمكن أن يكون شيئاً آخر غير قطع اليد.
ولذلك أظن - والله تعالى أعلم - أن إعادة اليد إهدار للحكم الشرعي والله عز وجل هو الأعلم بالصواب. وشكرا.
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قيل بالتفصيل في الإعادة بين ما إذا كان القطع حقاً لله أو قصاصاً، فأجيز إذا كان القطع حقاً لله، لأن حقوق الله مبناها على التسامح، ومنع إذا كان القطع قصاصاً للمشاحة في حقوق الآدميين، وأرى العكس وهو المنع مطلقاً إذا كان القطع حداً لما سمعنا من الأدلة والتعليل، وأنه ليس المقصود بالقطع مجرد الإيلام بل المقصود النكال والعقوبة المستمرة، وهذا لا يتحقق إذا أعيد العضو المقطوع بعد قطعه إنما يتحقق الإيلام فقط، وأما الجزاء والنكال فإنه لا يتحقق مع هذا، وأخشى مع تطور العلم والعمل أن يتخذ وسيلة إلى عدم القطع - قد يقع وإن كان الاحتمال ليس قريباً - وذلك أن يتخذ إجراء القطع في المستشفيات ثم يجلس الجاني في المستشفى مدة بحجة أنها قطعت يده وهو في دور النقاهة وهي لم تقطع ولم يجر عليها أي مشرط، ثم يخرج بعد فتره وجيزة سليم العضو لم ينفذ عليه حكم الله سبحانه وتعالى. وشكراً.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود فقط أن أقول أن المحور يدور حول كلمة (نكالأ) ، وأن النكال لاً يتحقق إلا إذا بقيت هذه اليد مقطوعة بشكل مؤبد، أرجو أن نلاحظ بدقة أننا مأمورون بقطع اليد لغرض النكال، قطع اليد قد حصل بلا ريب، طبيعة أمر بها طبيعة قطع اليد، وقد نفذ هذا الأمر، وكل علماء الأصول يقولون: إن الأمر إذا تعلق بطبيعة عامة وتحقق فرد منها فقد سقط الأمر، يعني لا أمر في البين، فالغرض هو النكال، والنكال هنا، كما يصرح لسان العرب: العقوبة التي تكون عبرة للغير، قطع اليد أو قطع اليد والرجل عبرة للغير، يشعر المجتمع بأن الرجل الفلاني قطعت يده ورجله، وأنا لا أدري كيف يتصور الأستاذ عبد الكريم أنه يجلس في المستشفى ويتحايل على القانون، هذا ما يمكن أن يستدل به لإصدار حكم شرعي، تحايل على القانون، وما أكثر الذين لا يقطعون أصلاً، يقولون: لقد صار القطع حكما رجعياً يعبر عن ذلك هؤلاء المجددون المنحرفون عن الإسلام. لا، هذا أمر يجب أن نلغيه من الحساب، النكالى قد حصل، يد قطعت، قطعت يده ورجله أمام الناس أمام الملأ، قطعت يده ورجله حصل النكال، حصلت العبرة. الكلام: أننا هل علينا، كما يقول الأستاذ الشيخ السلامي، يقول: يخالف استمرارية. الكلام كله في الاستمرارية. نحن نبحث عن استمرارية هذا الحكم، تقولون: يخالف استمرارية الحكم، فيحتاج إلى حكم مخالف، الكلام في الاستمرارية، لو كنا نؤمن بالاستمرارية لما كنا احتجنا إلى هذا البحث. الكلام أنه هل أن الله تعالى أراد لهذه اليد المقطوعة أن تبقى إلى الأبد مقطوعة؟ هذا أول الكلام، ولذلك لسنا في حاجة إلى دليل، نبقى على أصل الإباحة في العودة.
هذه هي النقطة التي أرجو التركيز عليها، يعني النكال هو العبرة، والعبرة قد حدثت، حصلت قطعت يد ورجل أمام الناس. وشكراً.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وجدت أن أكثر المتحدثين يتجهون إلى القول بالمنع وليس ذلك هزيمة للقائلين بالجواز، وقول المانعين، يتفق - كما صرحت سلفاً - مع قرار هيئة كبار علماء السعودية، والذي أحس به أن الاتجاه هو ضرورة التنسيق بين قرار مجمعنا وبين مثل هذه القرارات المجمعية أو الصادرة من هيئات كبار العلماء، وهذا لا أعارضه وإنما هي وجهة نظر أبديناها واجتهدنا فيها.
أما القول بحصر تطبيق الحد في السعودية - إن شاء الله – نرجو أن يعم هذا كل البلاد الإسلامية، وقد أخبرني الدكتور محمد ميكو في مجلس وزراء العدل العرب أن القانون الجزائي الذي وضعته الجامعة العربية هو قريباً سائر نحو التنفيذ وقال لي: هذا القانون يشتمل على أبواب ثلاثة: الباب الأول في الأحكام العامة في الجرائم، الباب الثاني الحدود، والباب الثالث التعزيرات. فلمإذا نتشاءم من أن تطبيق الحدود لن يعود إلى الساحة مرة أخرى؟ والدول العربية متجهة في قرارها إلى أن تعود إلى حظيرة الشريعة وتطبيق القانون الجزائي وأصبح القانون جاهزاً إلى أن يصدر فيه قرار للتنفيذ والتطبيق، كما هو الشأن في قانون الأحوال الشخصية.
فلذلك، القول بأن السلبية وعدم إصدار قرار بهذا الشأن هو في الحقيقة ليس من صالحنا، نريد أن يكون لنا رأي، أنا لست من المتعصبين لرأي معين، لا ضد المانعين ولا ضد المجيزين، المهم أن يكون لنا رأي في الموضوع فهذا شييء أساسي وهو مطلوب ولا نتهرب من مواجهة الواقع كما أشار الشيخ الأستاذ أحمد جمال.
أما التساؤلات التي وجهها الأخوة إلى بحثي فالدكتور عبد الله حفظه الله إذا مات المجني عليه أنا قلت: ان عدم السماح للجاني بإعادة يده هو منع المشاحنات وإثارة الأحقاد وإطفاء الغيظ إذا مات المجني عليه فالقضية تنتهي، أما ما ذكره من أن المحذور من إعادة اليد هو إغراء الجاني وتطمينه بأن يده ستعود، أنا قلت: إذا اتخذ ذلك سبيلاً ليكون ظاهرة عامة وشاع بين الناس أن كل يد ستعود عندئذ نحن مع القائلين بسد الذرائع ومنع المؤدي إلى كل فساد.
أما الاستفسار الذي قدمه الدكتور عبد الله علي، وهو التفرقة بين الإعادة الفردية ومنع الحالة الجماعية، فكل ما أدى إلى الشر فهو شر لمبدأ سد الذرائع، وهذه التفرقة مبنية على قضية مبدأ سد الذرائع، كل ما أدى إلى المباح فهو مباح وكل ما أدى إلى الفساد فهو فاسد وممنوع، فهذا سندي في التفرقة بين الأمرين.
وأما قوله: "إعادة اليد إقرار لفعل السارق " فهو، طبعاً، رأيه لا يوافق على هذه الإعادة، هو إذن ينضم مع طائفة القائلين بالمنع، والأخ الشيخ تقي العثماني، حفظه الله، أوضح بجلاء أن القضية مبحوثة عند الفقهاء ونقل لكم رأي الشافعي في الموضوع والقاضي أبي يعلى، والشيخ التسخيري أيضاً ذكر ذلك صراحة وأن المسألة قديمة، فإذن نحن لا نعالج أمراً جديدا من كل جوانبه وإنما كلام الفقهاء رحمهم الله لم يتركوا مجالا لنا في أن نقول إلا القليل، قول الشيخ التسخيري أنه يقول بالجواز المطلق لا لمجرد التفصيل إلا على سبيل الترتب، أيضاً، توضيح لا بأس به، ودليله بالأخذ بالاستحسان حجة قوية ولا يمكن مقاومتها من أحد، ولكننا نريد المقارنة بين المصالح والمفاسد، فالقضية إعادة اليد مصلحة واستحسان، كل أدلة الاستحسان وكل مبنى الاستحسان يؤيد هذا الاتجاه، وهو القول بالجواز فلا يستطيع أن يوجه أحد نقداً إلى أن إعادة اليد ليست استحساناً، وأنها ليست مصلحة ضرورية أو حاجية لهذا الجاني، فإذن نقض الاستحسان، في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يهدمه، لأن كل ما ذكر فيه ينطبق علينا وإنما القضية مقارنة بين مصلحة ومفسدة، هل إعادة اليد فيها مصلحة وإلا يغلب عليها المفسدة فهذه مقارنة بين المصالح والمفاسد.
الشيخ خليل يتجه أيضاً إلى أن الإعادة تنافي الفصل والإبانة وأن العضو أصبح حقاً الله تعالى. أهي روح؟ العضو يرمى في التراب ويرمى مع كل الأعضاء والأجزاء التي تفصل عن الإنسان، يسن دفنها حتى الشعر والظفر وجميع هذه الأجزاء، فالقضية أن هذه اليد أصبحت حقاً لله تعالى في حال الحياة وفي حال الممات، كلنا مملوكون لله عز وجل. وأيضاً إن قوله بأن القياس على الزرع غير سديد، الحقيقة في نظري لا تفرقة في رأيي بين إعادة اليد والزرع بل القول بالإعادة أولى من القول بالزرع، فإذا أجيز البديل وهو أضعف فلأن يجوز الأقوى من باب أولى.
أيضاً الشيخ سعود يتجه إلى القول بالمنع وأن الإعادة تنافي مبدأ الجزاء والزجر والنكال وأنه إذا أعيدت فلا يكون هناك نكال وإذا أعيدت فنعود على أصل الحد بالمنع، وكأننا لم نطبق الحد، وانتهى إلى أنه لا تجوز الإعادة، هذا منطق القائلين بالمنع، ونحن نعارضهم في هذا، هذه وجهة نظر - نحن لا نعدم - كل واحد يستطيع أن يؤيد رأيه بوجهات نظر متفاوتة، فحتى الشر فيه جانب من الخير أحياناً، فليس في الأشياء خير محض ولا شر محض.
أيضاً الشيخ أحمد جمال بإطلاقاته الأدبية المثيرة وهو أن القول بإباحة إعادة اليد سخرية بأحكام الله - معاذ الله أن يقول بهذا مسلم - نحن لا نسخر من أحكام الله عز وجل فهي على الرأس والعينين، وهي محل احترام وتقدير وإذعان، وكلنا نضرع إلى الله عز وجل في أن يثيبنا على تطبيق حكم من أحكام شريعة الله "لحد يقام في الأرض خير من عبادة سبعين سنة،، فلا يمكن أن يقول إنسان أو نوجه النقد لإنسان وأن نقول: القائل بالإعادة هذه سخرية من أحكام الله، هذا لا يقول به مسلم.
الشيخ المختار أيضاً يتجه إلى الإعادة وأيضاً تأثر بالمتحدث السابق الشيخ أحمد جمال ولم يصرح، ولكن كلامه واضح إعادة العضو هو يريد أن يلحقها بفن التمثيل، تمثيلية جديدة، وهي أيضاً إطلاقة من اطلاقاته الأدبية الطريفة، ولكن لا نقره على مثل هذا الإطلاق، فنحن إذ نجيز وهذا اجتهاد وليس مجرد تمثيل، نحترم رأيه فينبغي عليه أن يحترم رأينا، فدائماً المعارضة في الأقوال لا تقتضي تسفيه الرأي أو إلقاء صاحب الرأي الآخر في نار جهنم، لمجرد حكم ظاهري على هذا الأمر. تقدم الطب، نحن كلنا نحس به، وأنه يهيىء إلى إعادة اليد بسهولة، يكفينا هذا القطع أمام ملأ من الناس، {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، وليشهد في كل الحدود، فهو وإن ذكر ذلك في الزنا فهو عند كل الفقهاء يسن أن يكون إقامة الحد على ملأ عام، هذا معروف، ومعروف عند فضيلتك أنه إن نص عليه في الزنا فهو عند الفقهاء في كل الحدود، فإذن إقامة الحد قد طبق، الحكم الشرعي قد نفذ، والنكال قد تحقق، والزجر قد توفر، وشهود الطائفة والتناقل والتشهير والسمعة كل ذلك تناقله الناس، ونحن، حتى العالم الآن عندما يقام حد في السعودية أول ما تبادر بالإعلام به هي إذاعة لندن بأنه أقيم حد في السعودية، فالعالم كله لما يقام حد في بلد إسلامي تصبح الشهرة - طبعاً هم يذكرونه على سبيل النقد - ولكن لم يعد خافياً أن إقامة الحد أمر خطير، والفقهاء قالوا إنه ليس هناك حرص على إقامة تطبيق الحد. ولذلك من النادر تطبيق الحد، ومن هنا، في السعودية في الخمسة والعشرين سنة أو الثلاثين سنة، حيث أقيمت الحدود، لم تقطع إلا ثلاث عشرة يداً، يعني ليس كما يظن، إننا نحن عندنا أنوف تقطع وأعين تفقأ وآذان تسلم وشفاه تبتر وأنوف تجدع وأيد تقطع وتعلق في الآفاق، هذه المناظر التي يتصورها الأعداء والمستشرقون، فالحمد لله ما شاهدنا ذلك في العالم الإسلامي ولا في بلاد الإسلام، فتطبيق الحد حالة نادرة جداً، مما يجعلنا ننظر للأمور برفق ولا يأخذنا التشديد الذي قد يوقعنا في الحرج.
أخونا الدكتور السالوس، أيضاً، قال: لو أريد بالحكم مجرد الإيلام والتعذيب، وأن الحكم، عندئذ يختلف ما بين وقت نزول النص التشريعي وقت نزول الوحي، وفي الأعصر الأخرى، القضية أن الحكم واحد، لم يقل أحد على الإطلاق أن الحكم قد تغير، الحكم هو إقامة الحد ووجوب تطبيق الحد، فكأنه يذكر إننا لا نطبق الحد، وهذا، أيضاً، فيه رد على الشيخ عبد الكريم، والذي ذكره الشيخ التسخيري، القضية ما فيه تحايل، الحد يقام ويحترم، الخلاف في الإعادة وليس في إقامة الحد، فالحكم لا يتغير لا عند نزول الوحي ولا إلى آخر يوم من أيام هذه الدنيا.
أيضاً الشيخ التسخيري وضح نقطة في غاية الذكاء والحكمة وأن القضية هي تحقيق مناط الحكم وهي قضية كلمة النكال، وأن النكال هل سيتحقق من مجرد إقامة الحد وإلا دوام إقامة الحد ودوام قطع اليد؟ السادة الأفاضل العلماء إذا أرادوا أن يوجهوا نقاشهم ليبدأوا من هذه النقطة. وكل الكلام الذي سمعناه هو تأييد لاتجاه المنع. وشكراً.
الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على رسول الله عبدك ورسولك.
السيد الرئيس، في الحقيقة أذكر بعض روايات الحديث وأظنها رواية قضية أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تنفيذ حد السرقة، وهو قطع اليد، علق يد السارق في رقبته، فأنا أرى أن هذه لعلها تلقي كثيراً من الضوء، أنا لست من الباحثين في هذه المسألة ولا أستطيع أن أرى كل البحوث، فلا أدري هل أحدهم أورد هذه المسألة واستدل بها واستدل بدلالتها؟
على كل باختصار شديد، أحب أن أقول أنه لعل في تعليقها، كما نعلم اليوم حتى في الطب الحديث أنه لا بد من المسارعة جداً في الحاق اليد ببقية البدن، فإن أخذها وتعليقها معناه حرمانه ومنعه من أخذها لإلصاقها، ثم إن ذلك التعليق فترة من الزمن، فمعنى ذلك إنه واضح إذا اتبعنا هذه السنة من الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة العضو المقطوع أبداً، وأنا كمسلم، عندما قرأت هذا الموضوع، ولكل إنسان حق التساؤل، قد اقشعر بدني وشعرت أن هذه المسألة غريب أن تتصور أو أن تحصل في الدول الإسلامية بأن يسمح لأحد بعد القطع أن يعيد اليد مرة ثانية، وهذا كما ذكر الأخ جزاه الله خيراً لعله إهدار لأحكام الله تعالى وحدوده، وشكراً.
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الذي أريد أن أتحدث به الآن ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده منهم بأنفسهم وقد قال الله تعالى في حق الزانين: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، وهذا ينطبق على غيرهما من المجرمين، فلا ينبغي أن نتعاطف مع هؤلاء الشرذمة، ونبرر لهم ما يسهل لهم الإجرام. هذه النقطة الأولى.
والنقطة الثانية: التي علق عليها، أنا لم أقل إن خوف التحايل على عدم تنفيذ الحدود هو كل ما يبنى عليه المنع من الإعادة، بل ما ذكر من أدلة المنع يكفي في ذلك، ولكن ما ذكرته وارد، واحتمال وروده ولو على سبيل الندرة يكفي في الخوف منه. والنقطة الثالثة: التفصيل الذي أشرت إليه في كلمتي السابقة في حق العباد، أنه إذا أجاز المجني عليه للجاني إعادة العضو، جاز، لأنه يجوز له أن يعفو عن قطعه وإذا جاز له العفو عن الأصل جاز له العفو عن التبع وإن منع ذلك لم تجز الإعادة تحقيقاً للعدالة وخوفاً من إثارة غريزة حب الانتقام، وشكراً.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير، ولا تجعل في قلوينا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
بعد أن استمعت من فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي الذي أقدر علمه وفضله ودينه، والذي أعتبره من الأفذاذ في العالم الإسلامي، ولا أقول إلا حقاً أنه عندما ترد علي البحوث، البحوث الأولى التي أتخيرها هي ما يكتبه الشيخ وهبة الزحيلي، فاحترام الرأي، أعتقد أنه يقوم عليه أمران في نفسي، أولاً احترام الذات للشيخ وهبة، وثانيا الاحترام الو اجب للإنسان، وأول ما يحترم في الإنسان رأيه، وإذا بينت وجهة نظري بطريقة من الطرق دون أن أتعرض لا لاسم ولا لرأي آخر بالتفنيد الاعتباطي، ولكن بتبيين الحقيقة كما تقع، فليس ذلك تعدياً على رأي، فإذا قلت إنها عملية تمثيلية، فأنا أقصد ما أقول، لم أقل فيه متأثراً بما سبقني الأستاذ أحمد جمال، مع أني كثيراً ما تأثرت به لفصاحته وقوة بيانه وجمال عرضه، ولكني لما رفعت يدي من أول الأمر قبل أن يتكلم الشيخ أحمد جمال بكبير وقت كنت أعي ما سأقوله، ولذلك فأنا لا أرفع يدي إلا عندما أهيىء في نفسي الكلام الذي يجب أن أتكلم فيه، صادف أني وقعت في الحديث بعد الشيخ الأستاذ أحمد جمال، ولكن لم أكن متأثرا بالشيخ أحمد جمال، وليس منهجنا في هذه القضية منهجاً واحداً في العرض.
أما عندما تحدثت عن السعودية فهو من قبيل الإيماء، وأنا أومىء إلى شيء، ذلك أن ما كتبه شكيب أرسلان عن وضع الجزيرة العربية قبل إقامة الحدود، وما سمعته من جدي - رحمة الله عليه - لما ذهب إلى الحج، فحدثني أنه في طريقه من جدة إلى مكة ومن مكة إلى المدينة، كان لا يستطيع أحدهم أن يقضي حاجته البشرية إلا إذا وقف بجانبه ثلاثة مسلحين، هذه الفوضى التي كانت في هذه الأرض المباركة بإقامة الحدود التي شرعها الله رجع الأمن، أنا لا أقول إلا شيئاً واحداً، أرجو أن يعود كل واحد إلى نفسه فيستفتي نفسه لو كانت الحدود التي طبقت ثم تعاد اليد بمجرد ما تقطع، أكانت هذه الحدود رادعة للبشر؟ الذي وقع هو أن الذين يأخذون أموال الناس عندما يرون أن أيديهم تقطع ينصرفون عن هذه الجريمة والاعتداء على أموال الناس.
والأمر الثاني هو أني قلت: إنها عملية تمثيلية، وأعني ما أقول، لأنه إذا مات العضو يستحيل رده، فلا بد من أن يكون في الوقت، ولهذا بنينا في زراعة الأعضاء على أنه كيف يمكن زراعة الأعضاء؟ كيف نبقي للشخص المانح لعضوه حياة صناعية نستطيع بها نقل العضو؟ وأنه بدون هذه الحياة الصناعية يموت العضو وإذا ماتت الكلية ولو لدقيقة واحدة فإنه لا يمكن نقلها، فاليد لا بد أن تبقى فيها الحياة بمعنى أن تكون العملية في غاية السرعة حتى يمكن نقلها وإلا فإنه لا يمكن، وهذا لا يمكن إلا إذا كان قد وضع ذلك في مستشفى بكامل التجهيزات، وكانت اليد لا تأتيها أي جرثومة من الجراثيم. فالقضية هذه ولا تقع إلا على هذا النحو.
ثالثاً: لو تقدم الطب تقدماً بحيث يصبح ما كان بالأمس عجيباً وغريباً ممكناً بعد التقدم الطبي وما يساعد العقول البشرية على التغلب على المشاكل الطبية، فلو قطعت الرقبة حداً وفي الوقت أرجعت، فهل يقال قد نفذ الحد؟
أم أمر الإشهاد: الإشهاد في الزنا هو أمر واجب لقول الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، والحكمة كبيرة في الإشهاد في الزنا، لأن الزاني لا يكون إلا متخفياً، ومتخفياً تخفياً كبيراً وفيه اعتداء فظيع على الأعراض، على فرد من عائلة الرجل أومن عائلة المرأة، فيه خفاء شديد، فالتشهير بهما هو مناقض لمقصدهما الأول، هذا لم تعطه الشريعة لغير ذلك، ولم ينص نصاً واضحاً جريئاً والأولى أن يعرف ذلك في الناس فقط ولم يأت النص الصريح إلا في الزنا.
لهذا ولكل ما ذكرت أعتقد - وهذا ما أؤمن به مع احترامي لجميع الآراء – أن القول بأن يد السارق تعاد، أو رجل قاطع الطريق تعاد، هو جعل الحد الشرعي لا أثر له في نفس الجاني تأثيراً يمنعه من العودة. وشكراً.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع أن المناقشة التي دارت هذا المساء في هذا الموضوع رأيت أن كلها أو معظمها تنصب على موضوع واحد فقط، وهو موضوع العضو المقطوع في الحد مع أن أمامنا جزئيتين: الأولى، هي العضو المقطوع في الحد، والثانية، هي العضو المقطوع في القصاص، وربما تكون هذه المسألة الثانية أكثر أهمية بالنسبة للموضوع الأول لأمرين:
أما الأول: فلأن احتمال وقوعه أكثر من العضو المقطوع في الحد، وثانياً، لأن الفقهاء قد تكلموا عن هذا. فالذي أرجوه من السادة المناقشين الأعضاء أن يبدوا آراءهم في هذه المسألة أيضاً حينما يتكلمون عن الحد، فيبدون آراءهم في مسألة القصاص أيضاً. وشكراً.
الشيخ الطيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إن الذي كنت أريد أن أقوله قد ألمح إليه بعض الإخوان ويجب علي أن أؤكد وأزيد التوضيح.
الواقع أن قضية إرجاع العضو المقطوع في الحد أو في القصاص أمر من الأمور المستجدة ما كان يتحدث الناس في هذا الأمر لولا ما بدت من بوادر إمكانية تقدم الطب، وقد حصل فعلاً، وقبل أن أحضر إلى المؤتمر فقد جرت في تونس عملية إرجاع اليد في حادث شغل وكانت سريعة ويبدو أنها كللت إلى حد الأن بالنجاح، ولكن هذا تطلب - كما قال الأطباء - ظروفاً معينة، هذا في مثل هذا الأمر، طبعا نحن نستبشر للطب ولتقدم الطب، لأن الإنسان في هذه الحالة التي قطعت فيها يده في الشغل هو مالك ليده، يبقى السؤال هل في الحد أو القصاص، بعد أن تفصل يده، هل تبقى اليد من حقه أو هي من حق الحاكم يأمر بدفنها ولا يمكنه منها؟ هذا هو السؤال الأول في هذه القضية.
ثانياً: إذا اخذنا منهج التسامح واعتبرنا أن الحد يكتفى فيه بقطع اليد آنذاك ولا يستلزم الأمر الدوام والإبقاء على المحدود بدون يد، معنى ذلك أننا اعترفنا له بأن له الحق في أن يعيد يده، وإذا اعترفنا له في أن له الحق في إعادة اليد فلا بد أن نوفر له الأسباب التي تعينه على إعادة اليد، وإلا كنا اعترفنا له بالحق من جهة وسلبناه، اعترفنا بالحق قولاً وسلبناه عملاً، ومما يعينه أو مما يمكنه من إرجاع يده النظر في آلة القطع، لأن آلة القطع لا ينبغي أن تكون ملوثة لأنه لا يستطيع الطبيب أن يقول ما يخالف العلم، فلا بد أن تكون آلة القطع معقمة بدون تلوث، ولا بد أن تكون للقطع كيفية معينة حتى يستطيع بها المحدود أن يرجع اليد بأيسر الوجوه، ولا بد أن نتخير وقت القطع، الوقت الذي يوجد فيه الأطباء على ذمة الذي قطعت يده حتى لا يفوت عليه الفرصة، ثم أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ولعلنا إذا مكنا الشخص في المجتمع الإسلامي القادر على أن ينفق على إرجاع يده فما هو ذنب الفقير الذي لا يقدر أن ينفق على إرجاع يده؟
وهل يدخل في بيت مال المسلمين أو هل يدخل في كفالة الجماعة المسلمة أو في ميزانية الدولة أنها تنفق على إرجاع هذه اليد بالنسبة للذي قطعت منه؟ ما أريد أن أقوله أن ذلك يعني قضايا متتابعة لا بد من النظر فيها إذا ما اخترنا القول بأننا نمكن المحدود أو من قطعت يده من الحق في إرجاعها. وشكراً.
الدكتور محمد شريف أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أنني أيضاً أنضم إلى الفريق المانع لا إلى الفريق المجوز، مع أني تأثرت بالعرض اللطيف والفقهي الممتاز لأستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي، ولا أريد أن أكرر ما قاله وتفضل به الأساتذة الأكارم، ولكني وقفت قليلاً عند الأدلة التي تفضل بالاستدلال بها الأستاذ وهبة الزحيلي ووجدت أن هذه الأدلة - بمفردها وبمجملها - لا تنهض لإثبات الجواز، وأنا أقدر فيه علمه وروحه، بلغة العصر، الروح الرياضية. الدليل الأول: تفضل الدكتور فقال: لقد تم إعمال النص الشرعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر أي أن النص الشرعي ينتهي بالتطبيق الشكلي، إن مجرد القطع يكفي لإعمال النص الشرعي، ونحن نعلم - وهو يعلم أيضاً وربما أفضل مني - كما يقول المتكلمون بأن الله حكيم والحكيم لا يعمل إلا لحكمة، وفقهاء الأصول يقولون إن أحكام الشرع معللة بحكم ومصالح فليس التطبيق الشكلي في نظري كافياً لإعمال النص.
الدليل الثاني: يتفضل فيقول لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فلا يحق للحاكم أن يتدخل في شأنه، كما لا يحق له منعه من تركيب يد أو رجل صناعية. هذه أيضاً دعوى ربما لا يكون لها دليل.
عندما يتفضل في النقطة الثالثة يقول: تحققت أهداف الحد بالتنفيذ لأن في القطع إيلاماً وتعذيباً، وكما تفضل الأستاذ الشيخ المختار السلامي الآن في مستشفياتنا هناك وسائل التخدير التي بإمكانها أن تحول دون أي ألم يصيب الشخص الذي تجرى له مثل هذه العمليات.
ثم يتكلم عن التوبة تسقط جميع الحدود، هذا الكلام صحيح ولكننا نفذنا فيه الحد، هذا قبل إقامة الحد يمكن أن نتكلم عن التوبة.
وفي النقطة السادسة يقيسها على فيما إذا نبتت سن جديدة أو أصبع جديد، وهذا قياس لطيف ولكنني لم أر جامعاً بين الأمرين، فأخشى أن يكون هناك قياس مع شيء من الفارق.
ثم يقول في النقطة السابعة: لا شك بأن إعادة اليد مصلحة ضرورية، ونحن نعلم أن هذه المصلحة تعتبر إذا كانت معتبرة ولكن أساساً مقطوع اليد كان في مصلحته أن تبقى اليد، ولكنها قطعت بأمر الشارع، أي أن الشارع هنا ألغى هذه المصلحة، فلا يجوز لنا أن نعود ونعتبر هذه المصلحة التي ألغاها الشارع.
ثم يتفضل فيقول: إن حقوق الله مبنية على الدرء والإسقاط، إن هذا الأمر صحيح أيضاً قبل تنفيذ الحد، إن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكن عندما نفذ الحد لم تبق أي فرصة للدرء والمسامحة.
ثم يتفضل فيقول: ليس في إعادة اليد أو أي عضو قطع حداً عبث أو تحايل، ربما أنا أخالفه في هذه النقطة أيضاً.
ثم الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد. على أي حال مع تقديري لاجتهاد الأستاذ وعلمه وفقهه وملكته الفقهية التي تؤهله حسب نظري في أن يكون مجتهداً في هذه المسائل المستجدة، لم أجد في هذه الأدلة ما يكفي للنهوض بإثبات الدعوى. وشكراً.
الدكتور معروف الدواليبي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الرئيس، أنا عودت نفسي ألا أتكلم عندما أجد أن هناك من عبر عن وجهة نظري، والحمد لله هناك آراء مختلفة ووجدت قضايا بالنسبة لي كلها اجتهادية، وفي القضايا الاجتهادية الأدب عند السادة أئمة الإسلام المجتهدين الكبار معروف، فالإمام مالك سيد فقهاء المدينة ووارث الفقه التقليدي الثابت، لما أراد المنصور أن يعلق كتابه الموطأ ليلزم الناس به فأبى، وقال: يا أمير المؤمنين - فيما يخطر لي - إن صحابة رسول الله قد تفرقوا ولبعضهم آراء وبعضهم حفظ ما لم نحفظ، فامتنع مما ساد عند الأئمة فيما يجتهدون فيه فيقول: أرى في ذلك الصواب ولكنه يحتمل الخطأ، وكل الأئمة ذهبوا إلى هذا المذهب، لذلك أنا كنت وزعت ملاحظة، رجاء بأن نبحث في هذا الموضوع على أساس ان لم يكن هنالك في الدلالة قطعية على المعنى المراد فهي من مواطن الاجتهاد.
وما اجتمع هذا المجمع إلا أمام التحديات التي نحن في حاجة إلى إيجاد حلول لها وبرفقة كبار رجال العلم الذي جمعهم هذا المجمع وفيهم الخير والحمد لله. وأنا شخصياً تصفحت بقدر ما أستطيع، برغم ضيق الوقت لأنه لم توزع علينا الوثائق إلا بعد ما جئنا، فأنا لا أعرف كيف أثني وأشكر الذين أجهدوا أنفسهم في وضع البحوث وتطلبت منهم أياماً وليالي وهيئوها فسهلوا علينا الاطلاع، فلهم الشكر، ولكن هنالك الآراء مختلفة، وما دامت المواطن هي مواطن اجتهادية، فالله سبحانه وتعالى قال مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
والتتمة البديعة: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش في سنوات التشريع التي لم تتجاوز عشر سنوات وفي جزيرة العرب، والمسلمون مقدر لهم أن يمتدوا إلى مشارق الأرض ومغاربها فلا بد أن تحدث إليهم قضايا لم يأت فيها نص من كتاب ولا سنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: كيف تقضي؟ قال بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال أجتهد رأيي، فضرب على صدره امتناناً وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، فإذن من جاء بعدهم من الأئمة العظام من مختلف المذاهب وملأوا لنا هذا التراث والخزانة الإسلامية الكبيرة، في مقابل - كما قال العلماء - لا تتجاوز آيات التشريع من أصل ستة آلاف وخمسمائة آية تقريباً، لا تتجاوز آيات التشريع خمسمائة، بينما نجد هذا التراث العظيم البديع المعجز نتيجة ما أباحه لنا الإسلام من الاجتهاد أمام الأحداث والتحديات التي تأتي من وقت إلى آخر، ونحن في هذا الوقت أمامنا كثير من الأشياء، لأنه وقف الفقه منذ عصور، لا نقول وقف الاجتهاد ولكن وقف الفقه منذ عصور نعلمها ولكن نريد أن نتحدث بها ولكن الآن وقد عادت والحمد لله الدراسات الإسلامية والصحوة الإسلامية فلا بد أن نجيب المستشكل والمستفتي فيما لا نص فيه، من أن يرجع فيه إلى أمثال السادة العلماء الذين تم اختيارهم وهم مجتمعون ليجدوا حلاً، ولا يجوز في القضايا الاجتهادية كما تعلمون جميعاً أن يقول هذا رأيي الحق ورأي الآخر الباطل، مشيراً إلى قوله سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ، فهذا لا يجوز فيما بين المؤمنين في القضايا الاجتهادية، لذلك تمنيت في مذكرة، تكرمت فيها رئاسة المجلس ووزعتها، أننا لو رجعنا إلى هذه الأمور فلنحدد أولاً النص في دلالته إن كانت قطعية فعندئذ كلنا متفقون، وأما إذا لم يكن قطعياً فالباب مفتوح بنص القرآن الكريم، والرسول هو يبين ونرجع إليه ولكن ما لم يبينه مما سيأتي فيما بعد للأجيال الأخرى، حتى في عهد الرسول قال إذا لم يكن كتاب ولا سنة فقال: أجتهد رأيي.
فإذن أنتم أيها السادة الكرام مطلوب منكم أن توجهوا الناس ولكن قد نختلف كلنا في العلل في الحقيقة، لا في النص، والعلل كما تعلمون قد تكون سبباً للاختلاف في الأحكام كما في القضايا الربوية. فهنالك من اعتبر المكيلات هي الأساس وهناك من اعتبر الكيل والوزن، وهناك من اعتبر عللاً أخرى، فباختلاف العلل، لأن العلل كما قال ابن تيمية وابن القيم الجوزية فيما أذكر، أنها هي أدلة غير قطعية إذا لم تكن العلة منصوصاً عليها، فكل إمام بقدر ما وهبه الله استطاع أن يتكلم في العلة، ولكن عندما تختلف في الربويات العلة عند الحنفية مثلاً الكيلي والوزني، بينما العلة عند الآخرين الوزن والطعم، وعند آخرين، فنجد بحسب العلة ما هو مباح عنده، قد يكون محرماً عند الأخر، ولكنه ما دام في اجتهادهم فما أحد من الأئمة رضي الله عنهم، جعلوا ذلك سبباً بالتخيير الذي ابتدأنا نشعر به في هذه الأوقات مع بعض الإخوان الذين في مختلف الأقطار الإسلامية، ما نشك في إيمانهم وإسلامهم، ولكن التوتر في الأعصاب على أن ما فهموه هو الحق، والآخر الباطل، وابتدأوا بالتكفير، وهذه ستكون هزيمة للإسلام في الوقت هذا. وإننا في عصر تفتحت فيه العقول وهي تريد القضاء على الأساطير والأخذ بالعلم وليس هناك من جيل يدعو للاعتماد في دعوته ورسالته وفي أحكامه باسم الإسلام. فالاعتماد أولاً وأخيراً على العقل في أعظم شيء يجب أن نعتقد فيه وهو الله وكذلك على العلم وهو أول آية نزلت في الوحي:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ، نبه العقل أن يعرف أصله:{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
أنا آسف أني تكلمت بين سادة من سادات العلم ولست هنا معلما وإنما متعلم، ولذلك ألح وأرجو أن نتخذ في خلافاتنا هنا مكاناً لنأخذ ما يمكن أن نأخذه من الآراء حسب الأكثرية، ولكن يقال هنالك رأي آخر وله أيضاً وجهة ولم أجد بمثله في كتب أصول الفقه، لأننى عرفت كل البضاعة في الفروع بالاعتماد على الأصول، فالحنبلية هم الوحيدون الذين وجدت في كتبهم من يقول: على المفتي إذا كان مجتهداً في الفرع وفي الحكم بالنسبة للمستفتي لأنه يجب أن تكون الفتوى مصلحة لحال المستفتى، فإذا كان مفتياً عن اجتهاد فيقول: هذا رأيي ولكن هناك رأي آخر، فالمستفتي عندئذ يقع بين أن يجد أمامه فسحة لأن يأخذ بأحد الرأيين ما يصلح به نفسه ولنحذر من أن نعتقد أن الرأي الذي بني على الاجتهاد مما يخالف مثلاً اجتهادنا أن نعتقد بأنه باطل وأن نتهمه كما نتهم أصحاب الكفر {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ، هذا يا أخي في قضايا النصوص.
ولذلك فأرى وألفت النظر مرة ثانية خاصة ونصوص القرآن كما نعرفها، النصوص في الأدلة الشرعية سواء من كتاب أو سنة اختلفت في درجات الوضوح، ففي الوضوح: تبتدىء بالظاهر وأعلاها النص ثم المفسر ثم المحكم الذي لا مجال للاختلاف فيه، وكذلك دون الوضوح تبتدىء بالخفي ثم بالمجمل في الخفاء ثم المشترك وثم أخيراً المتشابه، وهنا مجال عندئذ للرأي ولكل قدرته على التفكير، فإذا اختلفنا في قضايا الاجتهاد فلنسجلها، وليكن بإذن من سيدي الرئيس وإخوانه وإخواننا وزملائنا هنا، فليكن صدرنا واسعاً على أن نسجل فيما كان من قبيل الاجتهاد بكل تقدير لمن يقول برأي يخالف الرأي وهو قطعاً يعتمد على علة، والإيمان والحمد لله قوي في جميع الحاضرين وعلمهم واسع. فنحن نحسن الظن فيهم ولكن ما أخذ برأي أخذ بعلة والعلة لا تكون قطعية ما لم يكن منصوصاً عليها، كما قال الأئمة: الأحكام المبنية على العلة لا تكون العلة فيها قطعية، ولذلك يختلف فيها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله وأعتذر إليهم لأنني أصغرهم وأقلهم بضاعة في هذا الموضوع، وأشكر الرئيس بأن سمح لي بأن أتكلم لأني كنت أريد أن لا أتكلم، خاصة وقد سمعت ما هو من وجهة نظري وما هو من غير وجهة نظري، ولذلك كنت مكتفياً ولا أريد أن أشغل السادة المستمعين بكلماتي أيضاً وأشكركم وأعتذر إليكم والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالقضية المطروحة الآن على بساط البحث وهي قضية " إعادة العضو الذي استؤصل في حد" لا ريب أنها قضية اجتهادية، لعدم وجود النصوص التي تدل عليها، وفي الاجتهاد تراعى مقاصد الشرع كما تراعى قواعده، فاستنباط الحكم إنما يكون بالنظر إلى هذين الجانبين، ولا ريب أن الإسلام الحنيف عندما شرع الحدود على اختلافها، شرعها من أجل التطهير، تطهير الجناة، وتطهير المجتمعات، فهي تحد من الرذيلة، وتمنع من انتشارها، وهذا إنما يتم إذا كان هذا الحد يبقى أثره، فاليد عندما تقطع وتعاد إلى المقطوع منه الذي أقيم عليه الحد، نفس هذا الذي ردت له يده لا يحس بأثر نفسي كما يحس لو بقيت يده مفصولة عنه، لأنه يشعر بأنه رد إليه اعتباره بإعادة اليد اليه، والمجتمع أيضاً لا يستفيد من ذلك، ذلك أن الجناة الذين يسلكون سبيله ويعملون عمله لا يرون هذا الأثر باقياً فيه فلا ينعكس أثر هذا الحد على نفوسهم، بخلاف ما لو بقيت هذه اليد مفصولة فإن بقاءها كذلك يدع أثراً نفسياً في نفس هذا الجاني ويدع أيضاً أثراً نفسياً في نفوس الجناة المختلفين، فعلى الأقل يترددون عندما يريدون أن يقدموا على ارتكاب مثل جريمته.
وسمعت بعض الحديث التي لم يتعرض له في المداولات والمناقشات بالبحث، سمعت في أثناء عرض البحوث أن بعض أصحاب الفضيلة الباحثين تعرضوا لقضية نجاسة العضو المفصول أو طهارته، فنحن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نرى أن الله سبحانه وتعالى يبين أن للإنسان بعد نفخ الروح فيه حكما يختلف عن حكمه قبل ذلك، فبعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الأطوار التي يمر بها الجنين وهو في رحم أمه، قال:{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} إنشاؤه خلقاً آخر، إنما هو بنفخ الروح فيه، فإذا سرت الحياة في هذا الجسم لا أرى مشكلة في ذلك من حيث النجاسة والطهارة، لأن حكم الحياة الطهارة، فلا يكون هذا العضو المفصول بعد عودته وسريان الحياة فيه مرة أخرى في حكم النجاسة. هذا الذي يتبين لي، ولكن بجانب ذلك ألح أن يبقى هذا الأثر ظاهراً بارزاً ليرتدع هذا الجاني نفسه عن العودة وليرتدع غيره عن الاقتداء به. وشكراً لكم والسلام عليكم.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
استجابة لطلب الأخ القاضي العثماني أقول انه يجب التفرقة بين يد قطعت قصاصاً وبين يد قطعت حداً بالنسبة لإعادتها.
ففي الحالة الأولى: يجوز أن تعاد هذه اليد، ولو على الفور، إذا أذن بذلك المجني عليه، لأن هذا، كما قال بعض الأخوة وتحدث عن هذه الجزئية، هذا حق له، وهو كان يستطيع أن يعفو حتى عن القطع، فمن باب أولى له أن يأذن بإعادتها، أو أن يكون المجني عليه قد أعاد يده التي قطعت، في هذه الحالة وهذه أضيفها إلى ما قاله الأخ، يجوز للجاني أن يعيد يده وهذه هي المماثلة في القصاص، هو قطع يد شخص فقطعت يده، المقطوعة يده أعادها، للجاني أن يعيد يده. هذا ما أراه بالنسبة للقصاص.
أما بالنسبة للحد فلا يجوز أبداً عندي أن تعاد اليد، بخاصة إذا علمنا أن هذه الإعادة لا يمكن أن تتم إلا على الفور، وقد تأكدت من هذا من أحد الأخوة الأطباء معنا هنا، ولهذا لا أستبعد بأن يقول بعض المتكلمين بأن هذه تمثيلية أو هذه سخرية أو استهزاء بأحكام الله، إن الآية التي أمرت بقطع اليد ذكرت أمرين: الجزاء والنكال، والنكال لا يتم إلا مع استمرار اليد مقطوعة، كما بين ذلك الشيخ المختار، ثم ما ورد في الحديث وأشار إليه الدكتور محمد عطا السيد، من تعليق اليد على الرقبة هذا من النكال، وهو يعني أن إعادة اليد أصبحت مستحيلة، ثم إن المقصود من العقوبة من حيث هي زجر الجاني وردع الغير من ارتكاب هذه العقوبة، فكيف يتحقق الردع إذا كنا سنقطع اليد ونعيدها في لحظتها، هذا يتنافى مع قصد الشارع من قطع يد السارق، ثم أود أن أسأل الذين يقولون بجواز إعادة اليد: ما الحكم لو سرق هذا السارق مرة أخرى؟ هل تقطع يده اليمنى التي قطعت وأعيدت أم تقطع الأخرى؟ وماذا تفعل لو تكرر هذا مرات؟ كلما قطعت يده جوزت له أن يعيدها هذا في رأيي لا يمكن أن يتفق مع مقاصد الشارع من هذه العقوية، وشكراً.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع بقي عدد غير قليل من الكلمات، والوقت أشرف على النهاية، والآراء ولله الحمد اتضحت وجهات النظر فيها، فإن رأيتم إن نعلن الخلاصة ونؤلف اللجنة، موافقون؟
الأعضاء:
موافقون.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الواقع أن الآراء التي تحصلت من خلال هذه المناقشات هي ثلاثة على سبيل الإجمال، وجائز أن تكون أربعة على سبيل التفصيل.
أما القول الأول فهو المنع مطلقاً سواء قطعت في حد أو قصاص.
وأما القول الثاني فهو الجواز في حد أو قصاص كذلك.
أما القول الثالث فهو الجواز بالتفصيل بالتفريق بين الحد والقصاص.
والقول الرابع إشارة إلى أنه إذا أعيدت يد غير اليد التي قطعت.
والذي ظهر لي أنا من خلال تسجيل الآراء، أن الذين اتجهوا إلى المنع هم عدد، فلننظر لأن هذا قرار ولا بد أن يتخذ قرار برأي محدد، ولا يصح أن يكون برأيين أو بثلاثة، إنما برأي محدد، لأنه قرار حكم شرعي فقهي اجتهادي، فإن رأيتم فأرجو من أصحاب الفضيلة الذين يرون المنع أن يتفضلوا برفع أيديهم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
القضية نحن تحدثنا فقط على الحد ولم نتحدث عن الموضوع الثاني وهو موضوع القصاص، لكن الحديث انصب على الحد وقد كان في مخيلتي هو فقط الحد، ووجدت أنه في النص هو الحد والقصاص، ولكن ما تنبهت إلى القصاص ولذلك ما تحدثنا عن القصاص.
الرئيس:
هو أصلاً الذين قالوا بالتفصيل منعوه في القصاص، يعنى إضافة.
القاضي محمد تقي العثماني:
لا لا يعني الذين قالوا بالتفصيل هم فريقان: الدكتور وهبة يقول إنه يجوز في الحد ولا يجوز في القصاص وأنا عكس ذلك.
الرئيس:
يعني الآراء في الواقع خمسة، الجواز مطلقاً، والجواز إذا كانت يداً غير اليد المقطوعة، والجوازفي الحد والقصاص والعكس، هذا من حيث الجواز، أما من حيث المنع فهما لا تفصيل هناك في الأمرين.
القاضي محمد تقي العثماني:
لو يقع تصويب في مسألتين مستقلاً يعني مثلاً الحد
…
الرئيس:
لا مانع، لا مانع، الذين يرون المنع في إعادة ما قطع في حد.
ما يتعلق بالقصاص، إعادة ما قطع بقصاص الذين يرون المنع؟
الشيخ محمد المختار السلامي:
حسب الضوابط إذا سمحت.
الرئيس:
إذا كان هناك ضوابط ستذكر بدون شك بضوابطه الشرعية، الذين يرون المنع؟ يرفعون أيديهم.
إذن هي الأكثرية.
الذين يرون المنع لإعادة ما قطع بالقصاص؟
…
أكثرية.
بهذا تؤلف اللجنة من أصحاب الفضيلة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
كم صاروا؟ إعرض الرأي الثاني من فضلك. هذه الأكثرية، ما نستفيد من الباقية؟
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
الذين يرون المنع في كل الأحوال؟
الرئيس:
يا شيخ الصديق نحن جرت العادة عندنا بشيء من نظام المجمع على أنه يؤخذ رأي الأكثرية وأن أصحاب الفضيلة الذين لا يرون هذا الرأي في الأكثرية يكتبون وجهة نظرهم ويرفعونها إلى الأمانة وهذا في جميع المسائل.
القاضي محمد تقي العثماني:
هل حصلت الأكثرية؟ هل حصلت أم لا؟
الرئيس:
الأكثرية حصلت حسب الإشارات الموجودة.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
نصوت على الإعادة بالتفصيل، الإعادة بشروط.
الرئيس:
ليس هناك مانع.. يا شيخ عبد الستار: الذين يقولون بالمنع في الحد؟
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
الذين يقولون بالمنع في الحد (22) اثنان وعشرون.
والذين يقولون بالمنع في القصاص سواء بضوابط أو بدون ضوابط (15) خمسة عشر.
الرئيس:
الذين يقولون بالجواز المطلق في الأمرين: في الحد والقصاص: الشيخ علي.. الشيخ إبراهيم.. الشيخ صالح.
الذين يقولون بالجواز في الحد، أظن لا داعي لإعادته، لأن الذين يقولون بالمنع طالما أنهم أكثرية فالذين يقولون بالجواز فهم أقلية، انتهينا من هذا.
الذين يقولون بالجواز في القصاص مع ضوابطه.. (8) ثمانية.
ولجنة الصياغة هي من أصحاب الفضيلة المشايخ: وهبة، التسخيري، محمد علي عبد الله، المختار، جمال، عطا السيد، سعود الثبيتي.
وبهذا ترفع الجلسة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (60 / 9/ 6)
بشأن
"زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق14 - 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص "،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد في الزجر والردع والنكال، وإبقاء للمراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث، فلا يكون ذلك إلا بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبىء عن التهاون في جدية إقامة الحد وفاعليته،
قرر:
ا - لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2 -
بما أن القصاص قد شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
(أ) أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
(ب) أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
3 -
يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.