المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها

إعداد

سماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

مفتي جمهورية مصر العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه.

وبعد: فلعل من المناسب قبل أن أتكلم في الموضوع الذي اخترت الكتابة فيه، وهو:" التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها "، أن أعرض الحقائق التالية، التي أرجو أن تكون محل اتفاق بيننا ألا وهي:

أولاً: إن من شأن العقلاء في كل زمان ومكان، أنهم يتحرون الحلال الطيب، في جميع تصرفاتهم ومعاملاتهم. امتثالاً لقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) } [سورة البقرة]

واستجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما شبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وأن لكل ملك حمى. ألا وإن حمى الله محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة. إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) .

ثانيا: إن من شأن العقلاء – أيضاً - أنهم إذا ناقشوا مسألة فيها مجال للاجتهاد، بنوا مناقشاتهم على النية الطيبة، والكلمة المهذبة، وعلى تحري الحق والابتعاد عن التعصب، وعن الحكم بالهوى وعن سوء الظن بلا مبرر.

ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذين يجتهدون – فيما يقبل الاجتهاد من الأمور – بنية طيبة، بالأجر الجزيل. فقال في حديثه الصحيح:((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) .

والأمم السعيدة الرشيدة هي التي يكثر فيها عدد الأفراد الذين يتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

أما الأمم الشقية الجاهلة فهي التي يكثر فيها التنابذ والتراشق بالتهم بدون دليل أو برهان.

ثالثاً: إن الكلام في الأحكام الشرعية بصفة خاصة، وفي غيرها بصفة عامة، يجب أن يكون مبنياً على العلم الصحيح، والفهم السليم، والدراسة الواسعة الواعية لأصول الدين وفروعه ولمقاصده وأهدافه.

ص: 27

ويجب أن يكون المتحدث في هذه الأمور، غايته الاهتداء إلى الحق والصواب، فإذا خفي عليه شيء سأل أهل العلم والخبرة، استجابة لقوله سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة الأنبياء: الآية 7] .

والمراد بأهل الذكر هنا: الخبراء وأهل الاختصاص في كل علم وفن. ففي مجال الطب نسأل الأطباء، وفي مجال الفقه نسأل الفقهاء. وهكذا في كل علم نسأل الخبراء فيه.

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضى الله عنهما – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضَلُّوا وأَضَلُّوا)) .

رابعاً: إن الأصل في العبادات أنها مبنية على الاتباع والاقتداء بدون زيادة أو نقصان، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تقبل الابتداع أو الاختراع أو الاجتهاد. ففي شأن الصلاة – مثلا – يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) .

أما المعاملات فإنها مبنية على التيسير والتوسعة وتعدد الوسائل، ورعاية مصالح الناس، في حدود شريعة الله تعالى، وفي النطاق الذي لا يتعارض مع آداب الإسلام ومع سماحته.

وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله: الأصل في العبادات: التوقيف أي الدقة في الاتباع، فلا يشرع فيها إلا ما شرعه الله. وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} .

والأصل في المعاملات: العفو والحل. فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا

} (1) الآية (1) . .

(1) الفتاوى الكبرى: 3/ 412.

ص: 28

ولقد قالوا: الأصل في الأشياء الإباحة، وأنه لا تحريم إلا بنص من كتاب الله، أو من السنة النبوية أو من أقوال الصحابة ومن تبعهم بإحسان، الذين استنبطوا من الكتاب والسنة ما استنبطوا من أحكام شرعية.

خامسا: إن تجاربي الشخصية جعلتني أقتنع اقتناعا تاما، بأننا في عصرنا هذا الذي تشابكت فيه المصالح، وتنوعت المقاصد، وتعددت الوسائل، وتعقدت الأمور لا يمكن أن نصل إلى معاملات اقتصادية سليمة، إلا عن طريق التعاون الصادق، بين رجال الفقه ورجال الاقتصاد والقانون وغيرهم، وما خفي على الفقهاء من أمور اقتصادية أو قانونية، سألوا عنها الخبراء في ذلك، وما خفي على هؤلاء من أحكام شرعية، سألوا عنها العلماء وبهذا التعاون الصادق، الذي ينبع عن النيات الطبية، والعزائم القوية، والعقول الراجحة، والنفوس النقية، نحصل على معاملات صحيحة.

سادساً: بعد هذه المقدمات أقول: إن كلامي في هذا البحث ينصب على المعاملات التي يجريها البنك العقاري المصرى، الذي يعتبر – كما جاء في التعريف به – أقدم البنوك المصرية قاطبة، فقد تم إنشاؤه في 15 من فبراير سنة 1880، كشركة مساهمة مصرية، غرضها: إقراض مالكي العقارات في مصر، قروضا مضمونة. وقد رأيت من الخير قبل أن أكتب في هذا الموضوع، أن ألتقي بالمسئولين عن إدارة هذا البنك لكي أحصل منهم على ما أحب الحصول عليه من معلومات، تتعلق بوظيفة هذا البنك وبمجالات نشاطه.

سابعا: وقد جاء في النظام الأساسي للبنك المذكور – الباب الأول – المادة الثانية – ما يلي: (غرض البنك القيام بأعمال الائتمان (1)(1) . العقاري، وما يتصل بها من تمويل مشروعات التعمير، والبناء، والتشييد والإسكان، والمرافق، واستصلاح الأراضي، أو المساهمة فيها.

وللبنك في سبيل تحقيق أغراضه القيام بما يأتي:

(1)

منح القروض وغيرها من التسهيلات (2) . الائتمانية المرتبطة بأغراض البنك، وذلك على الوجه الآتي:

قروض أو تسهيلات ائتمانية لآجال لا تتجاوز خمس سنوات، بضمان رهن عقارى. ويجوز أن يكون الضمان ودائع، أو خطابات (3) . ضمان، أو أوراق مالية – أي: أسهم وسندات.

(ب) قروض أو تسهيلات ائتمانية لآجال تتجاوز خمس سنوات، بضمان رهن عقاري، وأوراق مالية.

(ج) يجوز لمجلس الإدارة منح قروض أو تسهيلات ائتمانية إلى الأشخاص الاعتبارية العامة، ووحدات القطاع العام، والشركات التي تساهم فيها وغيرها من الشركات المساهمة بضمانات أخرى إضافية يحددها المجلس.

(1) الائتمان بصفة عامة هو التنازل عن مال حاضر مقابل مال مستقبل وربط الائتمان بالصفة العقارية يجعله مخصصا لتمويل العمليات العقارية مثل بناء العقارات أو شرائها. وهذه التفسيرات التي بالهامش قام بها سيادة الأخ الفاضل الأستاذ أحمد شاكر أبو العز مدير عام البنك العقاري المصري للشئون القانونية

(2)

التسهيلات الائتمانية تشمل القروض، وفتح الاعتمادات وإصدار خطابات الضمانات والاعتمادات المستندية. . إلخ.

(3)

خطاب الضمان له تعاريف عديدة تدور حول أنه تعهد نهائي من بنك بناء على طلب أحد عملائه نسميه (الآمر) أي من أمر البنك بإصدار خطاب الضمان بأن يدفع لشخص آخر نسميه (المستفيد) مبلغا من النقود أو قابل للتعيين، في خلال مدة معينة، بمجرد أول طلب من المستفيد ودون الالتفات إلى أي معارضة من الأمر ودون توقف هذا الدفع على التحقق من أية شروط خارجة عن خطاب الضمان ذاته ودون حاجة إلى البت من إخلال الآمر بالتزاماته قبل المستفيد، وبعبارة أخرى يعتبر خطاب الضمان في يد المستفيد شأنه شأن النقود كبديل كامل عنها.

ص: 29

وفي جميع الأحوال يجب أن تصرف القروض في الأغراض التي منحت من أجلها.

(2)

استثمار أموال البنك في مختلف أوجه الاستثمار بما يكفل تحقيق أغراضه، وتنمية موارده.

(3)

القيام بدراسات الجدوى المتعلقة بالمشروعات التي يشارك فيها، أو يساهم في تمويلها.

(4)

إدارة القروض والأموال وتسويقها وتوظيفها في حدود أغراض البنك.

(5)

قبول الودائع، وإصدار شهادات الادخار والإيداع ـ وفقا للشروط التي يحددها البنك المركزي المصري.

(6)

القيام بأعمال أمناء الاستثمار (1) .

ويجوز للبنك أن يساهم في تأسيس شركات لتحقيق كل أو بعض أغراضه كما يجوز أن تكون له مصلحة أو أن يشترك بأي وجه من الوجوه مع الهيئات والجهات التي تزاول أعمالا شبيهة بأعماله، أو التي قد تعاونه على تحقيق أغراضه في مصر أو في الخارج أو أن يندمج معها، أو يشتريها أو يلحقها به.

كما يجوز للبنك المشاركة في مشروعات التعمير والإسكان واستصلاح الأراضي في إطار الشريعة الإسلامية.

ثامناً: وبعد هذا العرض لجانب من النظام الأساسي للبنك العقاري المصرى، يتبين لنا بوضوح أن الأغراض والأهداف التي قام من أجلها، متعددة الأنواع، مختلفة الوسائل، مترامية الأطراف، وأنها تشمل ما يأتى:

المساهمة في تمويل عمليات استصلاح الأراضي، وتحويلها من أرض جدباء إلى أرض خضراء، تنبت من كل زوج بهيج، وينتفع الناس والدواب والأنعام والطيور بما تخرجه هذه الأرض المستصلحة من زروع وثمار.

ولا شك أن هذا العمل في ذاته عمل نافع، حضت عليه شريعة الإسلام، في عشرات الآيات القرآنية وفي كثير من الأحاديث النبوية.

أما الآيات القرآنية فمنها قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [سورة الملك: الآية 15] .

ومنها قوله سبحانه: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا

} الآية [سورة هود: الآية 61] .

(1) المراد بأعمال أمناء الاستثمار: إدارة أموال الغير نيابة عنهم بناء على طلبهم لظروف تقتضي ذلك من وجهة نظرهم، وكذلك تسويق عقارات الغير الذين يعهدون إلى البنك بذلك، أو شراء العقارات لصالح عملاء البنك الذين يرغبون في ذلك.

ص: 30

وأما الأحاديث النبوية، فمنها ما أخرجه الشيخان عن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)) .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ((من أحيا أرضا ميتة فهي له ولعقبه)) .

وفي رواية: ((من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العوافي فهو له صدقة)) .

وفي رواية ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق)) ، أي: ليس لمن يغتصب أرض غيره حق فيها.

وبذلك نرى أن العمل على تحويل الأرض من أرض جدباء إلى أخرى خضراء من أجل الأعمال التي تدعو إليها شريعة الإسلام.

(ب) المساهمة في تمويل بناء المساكن التي تأوي من هم في أشد الحاجة إلى الإيواء والستر ونحن نعلم أن قلة المساكن في معظم البلاد الإسلامية قد أصبحت تمثل مشكلة خانقة. فملايين الفتيان والفتيات الذين صاروا في سن الزواج لم يتمكنوا من تحقيق ما يرجونه من ارتباط شرعي، بسبب عدم استطاعتهم الحصول على المسكن المناسب، أو حتى غير المناسب.

وكلنا نعلم ما يترتب على ذلك من انحرافات في السلوك والأخلاق ومما لا شك فيه – أيضا – أن المساهمة في إنشاء المساكن التي تستر الناس، وتصون أعراضهم، من الأعمال الجليلة التي ترضي الله – عز وجل – لأنها لون من التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج على مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة،ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)) .

وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. . .

(ج) المشاركة مع الأفراد والهيئات في إقامة المشروعات المتنوعة النافعة، التي أباحتها – بل حضت عليها – شريعة الإسلام، لأن خيرها يعود على الأفراد والجماعات، ولأن المشاركة فيها تفتح أبواب العمل لمن لا عمل لهم بعد أن صارت مشكلة البطالة من أشد المشاكل التي تعاني منها كثير من الدول العربية والإسلامية، بل صارت هذه المشكلة تنذر بشر مستطير، وبخطر جسيم، نسأل الله تعالى النجاة منه.

ص: 31

وقد جاء في الفقرة السادسة من المادة الثانية من النظام الأساسي للبنك العقاري المصري ما يأتي (كما يجوز للبنك المشاركة في مشروعات التعمير والإسكان واستصلاح الأراضي، في إطار الشريعة الإسلامية) .

ولا يختلف عاقلان في أن هذه المشاركة، في إطار الشريعة الإسلامية، من الأعمال الصالحة التي تدعو إليها شريعة الإسلام.

(د) تقديم المساعدة الفنية، والخبرة النافعة، لمن يقومون بأعمال التعمير، والبناء والتشييد والإسكان والمرافق واستصلاح الأراضي.

فمن وظائف البنك – كما جاء في نظامه -: (القيام بدراسة الجدوى للمشروعات العقارية على اختلاف أنواعها، وتقديم المشاورات الفنية، والقانونية، والهندسية. . . إلخ) .

ومن المتفق عليه أن هذه الدراسات النافعة، التي يقدمها البنك لطالبيها تمثل لونا من التعاون النافع، متى أداها البنك بصورة صحيحة، لا يشوبها غش أو خداع أو استغلال أو ربا. . . وما يأخذه البنك في نظير ذلك من أجور يقدرها الخبراء العدول جائز شرعا.

تاسعا: هذه أهم الأغراض التي قام من أجلها البنك العقاري، وتلك أهم وظائفه.

وهي- كما سبق أن قلنا – أغراض شريفة في ذاتها، ولا يختلف عاقلان في سلامتها ونفعها، ولكن يأتي بعد ذلك سؤال هام وهو: ما الوسائل التي يستخدمها البنك في تحقيق هذه الأغراض وتلك الوظائف؟

وللإجابة على ذلك أقول: هناك وسائل متعددة تسلكها تلك البنوك لتحقيق أغراضها، وهذه الوسائل منها ما هو جائز شرعا ومنها ما ليس كذلك فأما الوسائل التي اتفق الفقهاء على جوازها شرعا، فمن أبرزها:

(أ) أن تقدم الدولة للبنوك العقارية ما هي في حاجة إليه من أموال كافية لتلبية مطالبها الذاتية كأجور العمال والموظفين. . إلخ ولتلبية مطالب الراغبين في استصلاح الأراضي أو في بناء المساكن، دون أن تأخذ البنوك من هؤلاء الراغبين في إقامة تلك المشروعات، أية مبالغ تزيد عما قدمته لهم.

ص: 32

وتكون وظيفة البنوك العقارية في تلك الحالة، هي الوكالة عن الدولة في تنظيم وتنسيق وتنفيذ تقديم هذه الأموال، لأصحاب تلك المشروعات، ثم استردادها منهم بعد ذلك على أقساط، لا تزيد في مجموعها على ما قدمته لهم من أموال، بل ربما تتنازل الدولة عن جزء كبير منها في بعض الأحيان. . . وهذه الطريقة تتبعها – في العادة – الدول الغنية الرشيدة، لكي تساعد أبناءها على امتلاك المسكن المناسب، وعلى التوسع في إحياء الموات من الأرض، وقد ترتب على هذه السياسة الحكيمة أن زاد العمران وكثر عدد العاملين في مجالات النشاط الاقتصادي على اختلاف ألوانه، وأنفقت الأموال في وجوه الخير التي يعود نفعها على الجميع، كما ترتب على هذه السياسة الحكيمة – أيضاً – أن كثرت المساكن، وصار المعروض منها أكثر من المطلوب، فرخصت أسعارها، وأصبح المسكن الذي كان يؤجر منذ عشر سنوات في المملكة العربية السعودية – مثلاً – بثلاثين ألف ريال في السنة، أصبح الآن – كما بلغني – يؤجر بأقل من هذا المبلغ بنسبة قد تصل إلى الثلث.

ومما لا شك فيه أن هذه الطريقة التي اتبعتها بعض الدول، هي من السنن الحسنة، التي لأصحابها من أولي الأمر، أجرها وأجر من عمل بها من بعدهم.

(ب) أما الطريقة الثانية من الطرق التي اتفق العلماء على إباحتها، فهي: أن تقدم البنوك العقارية لأصحاب مشروعات استصلاح الأرض، أو تشييد المساكن، الأموال التي هم في حاجة إليها لإقامة مشروعاتهم، ولكن على سبيل المشاركة لهم بالنصف أو بالثلث أو بعير ذلك. . .

والمشاركة – كما نعلم – جائزة شرعاً، بدليل قوله تعالى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [سورة النساء: الآية 12] .

وبدليل ما أخرجه الإمام أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: ((يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما)) .

أي أن الله – تعالى – يبارك للشريكين في المال، ويحفظه لهما ما لم تحدث خيانة من أحدهما للآخر، فإن حدثت نزع الله – تعالى –البركة من مالهما.

وقد جاء في الفقرة السادسة من المادة الثانية من النظام الأساسي للبنك العقاري المصري ما نصه: (كما يجوز للبنك المشاركة في مشروعات التعمير والإسكان واستصلاح الأراضي في إطار الشريعة الإسلامية) .

(ج) والطريقة الثالثة التي يمكن للبنوك العقارية أن تسلكها لتمويل المشروعات العقارية النافعة تتلخص في الرهن.

وهو في اللغة يطلق على الثبات والدوام، ومنه قولهم: نعمة راهنة، أي ثابتة ودائمة كما يطلق أيضاً على الحبس، كما في قوله – تعالى -:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أي: محبوسة بكسبها وعملها ومعناه شرعا: إعطاء الدائن ضمانا ذا قيمة معلومة، يضمن له حقه في ذمة المدين.

ص: 33

والرهن جائز شرعا، بدليل قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [سورة البقرة: الآية 283] .

أي: وإن كنتم – أيها المؤمنون – مسافرين، وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة، يقبضها صاحب الدين ضمانا لحقه عند تعذر أخذه من المدين.

ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة: أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطا في صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر.

وإنما علق هنا السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة، لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار وقد ثبت في الصحيحين عن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير، رهنها قوتًا لأهله. (1) .

ومن الواضح أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما رهن درعه لليهودي، كان مقيما ولم يكن مسافرا.

قال القرطبي: " ولم يرد عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود، متمسكين بظاهر الآية، ولا حجة لهم فيها، لأن الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. . . "(2) .

وإذًا فمن الوسائل المشروعة التي يمكن أن تستعملها البنوك العقارية لضمان حقها بالنسبة لمن سلمتهم شيئًا من أموالها لاستصلاح الأرض، أو لبناء المساكن، أن تأخذ منهم على سبيل الرهن ما يناسب قيمة تلك الأموال التي دفعتها لهم.

وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية من النظام الأساسي للبنك العقاري المصري ما نصه / (وللبنك في سبيل تحقيق أغراضه القيام بما يأتي: منح القروض وغيرها. . . وذلك على الوجه الآتي: قروض أو تسهيلات ائتمانية لآجال لا تتجاوز خمس سنوات، بضمان رهن عقاري ويجوز أن يكون الضمان ودائع، أو خطابات ضمان، أو أوراق مالية. . .) .

(د) كذلك من الوسائل التي نرى إباحتها للبنوك العقارية التي تقدم الأموال اللازمة لأصحاب تلك المشروعات العقارية النافعة أن تأخذ منهم مقابل خدماتها لهم، مبالغ مناسبة، يقدرها الخبراء العدول كأجور للموظفين وللعمال ولغير ذلك من المرافق التي تكلف البنوك الكثير من الأموال، والتي تخلت الدولة عن دفعها، وأذنت للبنوك في تحصيلها من المتعاملين معها نظير ما تقدمه لهم من خدمات متنوعة، لا تستطيع القيام بها إلا بتحصيل تلك المبالغ.

(1) تفسير ابن كثير: 1/ 337.

(2)

تفسير القرطبي: 3/ 407

ص: 34

ويبدو لي أنه لا يوجد مانع شرعي يمنع البنوك من أن تأخذ تلك المبالغ من المتعاملين معها ما دامت هذه المبالغ مقدرة من جهة الخبراء العدول ولا جشع معها ولا استغلال، وما دامت تؤخذ على أنها في مقابل خدمات معينة يقدمها البنك للمتعاملين معه في سبيل تبادل المنافع المشروعة.

عاشرا: هذه في نظري أبرز الوسائل التي أرى أن البنوك العقارية يجب عليها أن تأخذ بها أو ببعضها عند تمويلها للمشروعات التي وجدت من أجل المساهمة في تحقيقها وهي: التعمير، والبناء والتشييد، والإسكان، واستصلاح الأراضي. لأن هذه الوسائل مع جوازها من الناحية الشرعي، سيترتب عليها – بإذن الله – ما يأخذ بالأمة إلى طريق الخير والرقي والأمان.

وأما الوسائل التي اتفق العلماء على حرمتها وعلى وجوب التخلي عنها، فهي كل وسيلة تسلكها هذه البنوك في تعاملها مع غيرها وتكون هذه الوسيلة مصحوبة بالغش أو بالتدليس، أو بالاستغلال أو بالربا، أو بغير ذلك من المعاملات المحرمة.

فمثلا ما تأخذه هذه البنوك من فوائد باهظة على المبالغ التي تقرضها لمن هم في حاجة إليها لسد ضرورات حياتهم، هي من قبيل الظلم، والاستغلال والربا المحرم.

وما تأخذه من فوائد مضاعفة على المعسرين، هو – أيضا – من قبيل الظلم البين، والربا الجلي الذي أعلن القرآن الكريم حرب الله ورسوله لمن يتعاطاه، فقال:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} – أي: فإن لم تتركوا التعامل بالربا – {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: الآية 289] .

حادي عشر، وهنا أحب أن أنبه إلى أن الوسائل المنحرفة عن الحق في التعامل، هي محرمة شرعاً سواء أصدرت عن البنوك أم عن المتعاملين معه، بقصد استغلاله لمصالحهم الخاصة، وبقصد أخذ جزء من أمواله – التي هي ملك للأمة – لا من أجل حاجتهم الماسة إليها وإنما من أجل الزيادة في ثرواتهم الضخمة ومن أجل إشباع مطامعهم التي لا نهاية لها.

ص: 35

ويحضرني بهذه المناسبة أن رجلا أرسل إلى دار الإفتاء المصرية سؤالا ملخصه: أنه يأخذ من أحد البنوك التي هي ملك للدولة مبالغ معينة بفائدة معينة، ثم يضع هذه المبالغ في بنك آخر بفائدة أعلى وأكبر. .

ويسأل: هل عليه زكاة على هذا المال؟

ولا شك أن هذا السلوك يمثل لونًا من التحايل القبيح الذي يدل على انطماس البصيرة، وضعف الدين وسوء الخلق.

ثاني عشر: وبعد فهذه كلمة عن (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها) ذكرنا فيها بعض المقدمات التي لا بد منها، ثم ثنينا ببيان جانب من النظام الأساسي للبنك العقاري المصري، ثم ثلثنا بتوضيح الأغراض والأهداف التي قامت من أجلها هذه البنوك، وأنها أهداف شريفة في ذاتها، ثم ختمنا كلمتنا ببيان الوسائل التي لو استخدمتها هذه البنوك، وأنها أهداف شريفة في ذاتها، ثم ختمنا كلمتنا ببيان الوسائل التي لو استخدمتها هذه البنوك لكانت معاملاتها سليمة وخالية من الربا ومن كل ما يتنافى مع شريعة الله، وكذلك لو سلكها الذين يتعاملون مع هذه البنوك.

ويعجبني في هذا المقام قول فضيلة الدكتور محمد عبد الله دراز – رحمه الله: " قضية الربا في زمننا هذا، إنما هي قضية (تطبيق) وهي فوق ذلك ليست – فيما أرى – من الشئون التي يقضي فيها فرد أو بضعة أفراد، بل ينبغى أن يتداعى لها طوائف من الخبراء في القانون والسياسة والاقتصاد والفقه، وأن يدرسوها دراسة دقيقة مستفيضة، من جميع نواحيها الحاضرة والمستقبلة. . . "(1) .

وأن التمويل العقاري لبناء المساكن وما يشبهها لهو في ذاته عمل جليل، إذا قامت به البنوك وفق الأحكام الشرعية، التي لا ظلم فيها لأحد، لأنها من عند أحكم الحاكمين.

وبالله التوفيق

الدكتور محمد سيد طنطاوي

(1) الربا في نظر القانون الإسلامي: مجلة الأزهر، المجلد الثالث والعشرون، ج 11.

ص: 36