المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

‌القبض

صوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامها

إعداد

فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذه أوراق في بحث من البحوث المهمة في العصر، ألا وهو " صور القبض وبخاصة المستجدة منها وأحكامها "، وهذه مسألة بحث فيها الفقهاء القدامى – رضي الله عنهم– حسب أعراف عصرهم، واليوم وجب علينا أن نرجع إلى ما كتبوا ونستلهم منه حلولاً لمشكلات عصرنا لا سيما في الوقائع التي لم تكن في زمانهم، ومنها صور القبض المستجدة وحكمها فهي من نوازل العصر تكلم فيها بعض الفقهاء المعاصرين – جزاهم الله خيراً – وبقي هنالك ما لم يبحث فأشرعت اليراع، وأعملت الفكر وجمعت ما يجب جمعه وبسطته، ثم عزوت كل قول لقائله، وتكلمت فيما لم يتكلم فيه بعد لعلي أوافق فيه للصواب.

وأقمت بحثي هذ1 على مدخل ومقصد واحد وخاتمة.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

ص: 322

مدخل إلى البحث

(أ) التعريف بالقبض في الفقه الإسلامي:

التسليم أو القبض معناه عند الحنفية: هو التخلية أو التخلي، وهو:(أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري، برفع الحائل بينهما، على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلماً للمبيع، والمشتري قابضاً له)(1) وكذلك تسليم الثمن من المشتري إلى البائع.

(ب) طرق القبض في الفقه الإسلامي:

قال فقهاء الشريعة الإسلامية: القبض يتم بطرق:

1-

أولها التخلية: وهي (أن يتمكن المشتري من المبيع بلا مانع " أي أن يكون مفرزاً " ولا حائل " أي في حضرة البائع " مع الإذن له بالقبض) .

وعلى هذا، فإن القبض عند الحنفية يكون بالتخلية، سواء أكان المبيع عقاراً أو منقولاً إلا المكيل والموزون فإن قبضه يكون باستيفاء قدره، أي بكيله أو وزنه، فالتخلية بين المشتري وبين المبيع قبض وإن لم يتم القبض حقيقة فإذا هلك يهلك على المشتري (2) وقال المالكية والشافعية: قبض العقار يكون بالتخلية بين المبيع وبين المشتري وتمكينه من التصرف فيه بتسليم المفاتيح إن وجدت، وقبض المنقول بحسب العرف الجاري بين الناس (3) ، وقال الحنابلة قبض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلاً أو موزوناً فقبضه بكيله ووزنه، أي يجب الرجوع في القبض إلى العرف (4) .

2-

الإتلاف: والتعييب مثله، فلو أتلف المشتري المبيع في يد البائع صار قابضاً للمبيع وتقرر عليه الثمن، وكذلك لو عيبه كأن يحدث المشتري في المبيع عيباً، وكذا لو أمر المشتري البائع بالإتلاف ففعل (5) .

(1) البدائع: 5/244.

(2)

الفوائد البهية: ص 63.

(3)

رد المحتار: 4/44، والشرح الكبير للدردير: 3/145، والمجموع: 9/301 وما بعدها.

(4)

المغني: 4/111 وما بعدها.

(5)

البدائع: 5/244 وما بعدها.

ص: 323

3-

إيداع المبيع عند المشتري أو إعارته منه، وكذا لو أودع المشتري المبيع عند أجنبي أو أعاره وطلب من البائع تسليمه إليه يصير قابضاً، أما لو أودع المشتري من البائع أو أعاره له أو آجره لم يكن ذلك قبضا (1) .

4-

اتباع الجاني بالجناية على المبيع عند الإمام أبي يوسف خلافاً للإمام محمد، فلو جنى أجنبي على المبيع فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان كان اختياره بمنزلة القبض عند أبي يوسف، حتى لو هلك المبيع يكون الهلاك على المشتري ويتقرر عليه الثمن ولا يبطل البيع، وقال محمد: لا يصير قابضاً ويبقى المبيع في ضمان البائع، ويؤمر بالتسليم إليه، ويكون الهلاك على البائع، ويبطل البيع ويسقط الثمن عن المشتري والأدلة تؤخذ من المطولات (2) .

5-

القبض السابق: كل ما مر ذكره فيما إذا كان المبيع في يد البائع، فإن كان في يده المشتري بقبض سابق ثم باعه المالك له، فهل يعد قابضاً بمجرد الشراء، أو لا بد من تجديد القبض ليتم التسليم؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من تفصيل في القبض وأقسامه لدى الفقهاء فلقد قسم الفقهاء القبض من حيث قوة أثره وضعفه إلى قسمين: قبض الضمان وقبض الأمانة (3) .

(أ) فقبض الضمان هو: (ما كان فيه القابض مسئولا عن المقبوض تجاه الغير فيضمنه إذا هلك عنده، ولو بآفة سماوية) ، كالمغصوب في يد الغاصب، والمبيع في يد المشتري.

(ب) وقبض الأمانة: هو (ما كان فيه القابض غير مسئول عن المقبوض إلا بالتعدي، أو التقصير في الحفظ) كالوديعة في يد المودَع عنده والعارية في يد المستعير، وعدّوا قبض الضمان أقوى من قبض الأمانة بسبب الضمان المترتب، والأصل عند الفقهاء أن القبض السابق ينوب عن القبض اللازم في البيع إذا كانا متجانسين في الضمان وعدمه، أو كان السابق أقوى، بخلاف ما إذا كان أضعف، فقبض الضمان ينوب عن قبض الأمانة فلا ينوب إلا عن قبض الأمانة فقط، ولا ينوب عن قبض الضمان، لأن الأدنى لا يغني عن الأعلى (4) .

(1) البدائع: 5/246.

(2)

البدائع: 5/246 وما بعدها.

(3)

عقد البيع للأستاذ الزرقا ص 87 وما بعدها، وفتح القدير 5/200، ورد المحتار 4/535.

(4)

مجمع الضمانات للبغدادي ص 217.

ص: 324

وتأسيساً على ذلك إذا كان الشيء المبيع موجوداً في يد المشتري قبل البيع، إما أن تكون يده يد ضمان أو يد أمانة.

(أ) فإذا كانت يد المشتري يد ضمان:

1-

فإما أن تكون يد ضمان بنفسه، كيد الغاصب، فيصير المشتري قابضاً للمبيع بنفس العقد، ولا يحتاج إلى تجديد القبض، ويبرأ البائع من التزام التسليم، سواء أكان المبيع حاضراً في مجلس العقد أو غائبا.

2-

أو تكون يد ضمان لغيره، كيد الرهن، بأن باع الراهن المرهون من المرتهن، فإنه لا يصير قابضاً، إلا أن يكون الرهن حاضراً في مجلس العقد، أو يذهب إلى حيث يوجد الرهن، ويتمكن من قبضه.

(ب) وإن كانت يد المشتري يد أمانة، كيد المستعير أو المودَع عنده، فلا يصير قابضاً، إلا أن يكون المبيع بحضرته، أو يذهب إليه، فيتمكن من قبضه بالتخلي لأن يد الأمانة ليست من جنس يد الضمان فلا يتناوبان (1) .

(ج) القبض وأثره في العقود في الفقه الإسلامي:

العقد في الشرع الإسلامي يتم وتثبت أحاكمه بمجرد الإيجاب والقبول.

لكن طائفة من العقود لا تعد تامة إلا إذا حصل تسليم العين التي هي موضوع العقد، ولا يكفي فيها الإيجاب والقبول، وتسمى هذه العقود بلغة الحقوق اليوم (العقود العينية)، أي التي يتوقف فيها تمام الالتزام على تسليم العين وهي خمسة:

(الهبة، والإعارة، والإيداع، والقرض، والرهن)(2) .

(1) البدائع: 5/248، وفتح القدير: 5/200، والفقه الإسلامي وأدلته: 4/418 وما بعدها.

(2)

المدخل الفقهي العام: 1/327 وما بعدها.

ص: 325

ويعلل الفقهاء اشتراط القبض لتمامها بأنها تبرع.

وعلى ذلك وضعت القاعدة القائلة (لا يتم التبرع إلا بالقبض) ، فالعقد اللفظي في هذه المواضيع يعد قبل القبض عديم الأثر.

على أنه يستثنى من ذلك (عقد الوصية) فهي هبة مضافة إلى ما بعد الموت، فبمجرد وفاة الموصي وقبول الموصى لها أو عدم رده بعد الوفاة تتم الوصية، ويصبح المال ملكاً له بلا حاجة إلى تسليم، لأن الشخص المنشئ للوصية لم يعد يتصور منه بعد الوفاة تسليم، فبنيت الوصية على التسامح والاستثناء من القواعد القياسية في كثير من أحكامها تسهيلاً لأعمال البر والخير، هذا إذا عددنا الوصية عقداً، فإن لم نعدها عقداً وهو ما يذهب إليه الآخرون من فقهاء الشريعة فلا ضرورة لاستثنائها من قاعدة القبض.

(د) شرط صحة القبض في عقد البيع:

يجب فيه تسليم المبيع خاليا غير مشغول بحق لغير المشتري، ويدخل في شغل المبيع بحق الغير المانع من صحة التسليم في نظر الفقهاء ما لو كانت الدار المبيعة مأجورة، لأنها عندئذ تحت سلطة المستأجر صاحب اليد المشروعة عليها، فلا يصح تسلم المشتري لها وإن كان بيعها صحيحاً، وليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن لعدم تهيئة المبيع للقبض إلا إذا اشتراها المشتري على حالها واشترط البائع في العقد بقاء المستأجر لعجزه عن إخراجه مثلاً وقبل المشتري هذا الشرط، كان التسليم بالتخلية فقط لا بإخراج المستأجر (1) .

(1) انظر المدخل الفقهي العام للأستاذ الزرقا: 1/655 وما بعدها.

ص: 326

المقصد

نستطيع في هذا العصر في أواخر القرن الرابع عشر الهجري وأوائل الخامس عشر زيادة صورة من صور القبض في عقد البيع أصبحت الآن هي الصورة الأصل، وما عداها فرع عنها، وتلك الصورة هي صورة التسجيل العقاري في السجل العقاري في بلاد يوجد فيها سجل ونظام عقاريان.

يقول الأستاذ الجليل العلامة مصطفى أحمد الزرقا – حفظه الله – في المدخل الفقهي العام ما نصه [ج1، حاشية الصفحة 656، ف 345] :

(يجب الانتباه اليوم إلى أنه في البلاد التي يوجد بها سجل ونظام عقاريان بحيث تكون قيود السجل هي المعتبرة في ثبوت الحقوق العقارية وانتقالها كما في بلادنا يعتبر تسجيل بيع العقار في صحيفته من السجل العقاري في حكم التسليم الكافي، ولو كانت الدار مشغولة بأمتعة البائع أو بحقوق مستأجر، ذلك لأن قيد السجل عندئذ يغني عن التسليم الفعلي، ويقطع علاقة البائع فيصبح أجنبياً، وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة التمييز السورية، وإذا ظل بائع العقار شاغلاً له بعد التسجيل وممتنعاً عن تفريغه وتسليمه تنزع يده عنه بقوة القضاء، كما لو شغله غصباً بلا حق بعد التسليم) .

وانظر الصفحة (261) من الجزء الأول أيضا وما قبلها، حيث قال في (ف 126) في آخرها:

(وذلك لأن نظام السجل العقاري أغنى عن قبض العقار المرهون بمجرد وضع إشارة الرهن عليه في صحيفته من السجل العقاري لمنع الراهن من التصرف فيه ببيع ونحوه مع بقاء العقار المرهون في يد مالكه الراهن كما في الإقليم السوري) ثم يقول – حفظه الله – في الحاشية: (وقد استقر أخيراً رأي محكمة التمييز السورية (محكمة النقض) واجتهادها على أن تسجيل العقد العقاري في السجل العقاري يعتبر تسليمًا قانونيًّا يقوم مقام التسليم الفعلي في نتائجه) قلت وهذا عند فقهاء الشريعة من المصالح المرسلة التي تحقق مصلحة عامة فاعتبرت عندهم وصار الحكم الشرعي في هذه المسألة هو الحكم القانوني ذاته.

أما التسجيل بكاتب العدل فليس له هذا الاختصاص ولا قوته فلا يأخذ حكمه ولا يكون وحده تسليمًا ولا قبضًا ما لم تصحبه التخلية المعتبرة أو إحدى صور القبض السابقة، بيد أنه يكون مثبتًا للعقد تجاه الغير بمنزلة الإشهاد فهو بينة وليس تسليمًا ولا قبضًا.

والله تعالى أعلم.

* * *

ص: 327

خاتمة البحث

هذا ما توصلت إليه في هذا الشأن باذلًا الجهد كله في استنباط عويصات المسائل لا آلو جهدًا في تتبع العلة والحكمة، راجيًا الله تعالى أن أوفق للصواب فيما ذهبت إليه، وصدق الله تعالى إذ يقول:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت]

صدق الله العظيم

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

ص: 328

أبرز مصادر البحث ومراجعه

1-

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الإمام الكاساني.

2-

رد المحتار شرح الدر المختار، العلامة ابن عابدين.

3-

الشرح الكبير على متن خليل، العلامة الدردير.

4-

المجموع شرح المهذب، الإمام النووي.

5-

المغني في فقه الحنابلة، الإمام ابن قدامة المقدسي.

6-

مجمع الضمانات، العلامة ابن غانم البغدادي.

7-

الفوائد البهية والقواعد الفقهية، الشيخ محمود حمزة.

8-

المدخل الفقهي العام، الأستاذ الدكتور مصطفى أحمد الزرقا.

9-

عقد البيع، الأستاذ الدكتور مصطفى أحمد الزرقا.

10-

الفقه الإسلامي وأدلته، الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي.

11-

الوسيط شرح القانون المدني، الدكتور عبد الرزاق السنهوري.

ص: 329