المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

‌تجلي مرونة الفقه الإسلامي

أمام التحديات المعاصرة

إعداد

فضيلة الأستاذ محمد الأزرق

مدير ديوان وزير الأوقاف المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

الموضوع: تجلي مرونة الفقه الإسلامي أمام التحديات المعاصرة.

إن الإسلام باعتباره نظاما كاملا للحياة، أناط بالدولة الإسلامية القيام برعاية شئون الأمة في مختلف الميادين، ومكنها من الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الرعاية. ومن الأدلة الشرعية تتبين أنواع مواد الدولة المالية. وكيفية تحصيلها وتنظيمها والمسالك التي تصرف فيها، تحقيقا للتنمية في ظل الأحكام الشرعية المأخوذة من الكتاب والسنة. ومما ترجح من أقوال الأئمة المجتهدين، اعتبارا لكونها تؤخذ بغلبة الظن حيث لم يشترط فيها القطع واليقين كما لا يشترط في العقائد، واعتبارا كذلك لما تفرض المصلحة العامة.

فالدولة الإسلامية أيام ازدهارها لم تقف في طريقها المستجدات والطوارق التي كانت تحدث، بل استطاعت أن تتكيف مع الظروف التي واجهتها في مسيرتها منذ الفتوحات الأولى وانعكست الآثار الإيجابية للفقه الإسلامي على مختلف البيئات الجديدة، وهكذا تمكنت الدولة الإسلامية من مواجهة الظروف الناتجة عن وفرة المداخيل، ومن مواجهة الأعباء التي تتحملها في مختلف المجتمعات، اعتمادا على أحكام الشرع ومبادئه المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقف الفقه الإسلامي قط عقبة في وجه التطور، وذلك لقدرته على إيجاد الحلول في مختلف العصور ومختلف البيئات حيث أن مبناه على جلب المصالح ودرء المفاسد، وقد كانت أحكامه هي السائدة في كل الميادين، وما ذلك إلا لما يتميز به من ثراء ومرونة، وما يزخر له من نظريات سواء في أصوله وفروعه.

إن هذا التراث الفقهي الذي نعتز به والذي يعتبر مفخرة من مفاخرنا نستطيع باستيعابه والبحث في أسراره وحكمه التغلب على ما تواجهه أمتنا الإسلامية في عالمنا المعاصر مما يمكننا من رفع هذا الصرح من جديد والرفع في ظل مبادئه وقيمه بمجتمعاتنا على التقدم والرقية، فنهضتنا هي في النهوض بتشريعنا، ولا يتحقق هذا إلا بإعطائه ما يستحق من العناية والاهتمام وتوفر كامل شروط البحث فيه، وجعله في متناول الدارسين والباحثين، لتتذوق مختلف الأجيال دقته ونتائجها وتتمكن من الغوص في جزيئاته ومدارك أئمته لتدرس قضايا كل عصر على ضوء المقاصد الشرعية والأحكام الدينية المستنبطة من الأصلين الأصيلين الكتاب والسنة لتوجد حلولا، مستمدة من تشريعنا، ومضيفة إليه آراء واجتهادات يسير فيها الخلف على سنن السلف، ذلك أن الواقع الجديد والتطور باستمرار يعرض مشاكل وقضايا لم تكن معروفة من قبل، ومن واجب علماء المسلمين المختصين في الفقه الإسلامي أن يواجهوها بكل عناية وإخلاص كما هو المطلوب منهم والمعهود فيهم ليتقدموا بحلول لها وفق مبادئ الشرع الحنيف.

وإن لنا في الفروع الفقهية مجالا خصبا للبحث، وذخيرة تعيننا على تحقيق غايتنا. فالفقه الإسلامي من سماته الارتباط بالمجتمع وقضاياه، وخير دليل على هذا الارتباط المكانة التي أولاها الفقهاء للعرف تعقيدا وتفريعا عليه مستندين في كل ذلك إلى السنة، وما سار عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم من سلف هذه الأمة.

كما أن لنا في الأصول ميدانا رحبا، نظرا لتعدد مصادر التشريع وقدرتها على استيعاب وإدراج العديد من الجزئيات تحت كلياتها.

ص: 1230

فالعرف الذي سلفت الإشارة إليه تمتاز نظريته عند الأصوليين بدقتها وأصالتها، ويعتبر من الأدلة التي تبنى عليها الأحكام، ويترك به القياس، وتخصص به النصوص عند جمهور الفقهاء، فينتج عن ذلك تغير الأحكام التي بنيت عليه إذا ما تغير العرف. يقول الإمام القرافي في الفرق بين قاعدة العرف القولي والعرف العملي عند الكلام على اعتبار العرف وتغيره: فمهما تجدد العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذان والحق الواضح. والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضيين.

وابن القيم رحمه الله عند الكلام على تخير الفتوى واختلافها باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والبيئات والعوائد يقول: هذا فضل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به.

فالعرف يرجع في غالب صوره إلى المصلحة التي دعت إليها الحاجة فتكون مرتبته بين الأدلة مرتبة المصلحة: وهي قد تكون مرسلة أي لو لم تعارض دليلا من الأدلة الشرعية، وقد تكون معارضة لدليل آخر، فإن كان قياسا قدمت عليه، لأنها مصلحة محققة ومصلحة القياس محتملة، وإن كان نصا فإن كانت المعارضة كلية ألغيت وإن كانت جزئية خصص النص بها فيعمل بها في موضوع التعارض ويعمل بالنص فيما عدا هذا الموضع وإعمال الدليلين ما أمكن أولى من إبطال أحدهما.

والمصلحة التي دعت إليها الحاجة العامة أو الخاصة دليل من الأدلة التي يستند إليها في إثبات الأحكام، وهي ليست مجرد رأي، بل حدتها ثابتة بالنصوص الكثيرة النافية للحرج والداعية إلى التيسير وعدم التعسير، إضافة على أن من فوائد تعليل النصوص لكثير من الأحكام تبيان ما يترتب على الأفعال المأمور بها من مصالح وعلى المنهيات من مفاسد وهذا ما يجعل الحكم يتغير إن تغيرت مصلحته أو إن لم يحقق مقصود الشارع منه. يقول عز الدين بن عبد السلام:(كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل)(1) .

(1) قواعد الأحكام: 2/121.

ص: 1231

ويقول الإمام الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يئول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ. ولكن له مآل على خلاف ما قصد منه. وقد يكون غير مشروع كمفسدة تنشأ عنه ومصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة وتزيد عليها. فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية. فكذلك إذا أطلق القول الثاني بعد المشروعية ربما أدى استدعاء المفسدة إلى المصلحة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية. وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة (1) .

فهذه الأدلة والنظريات وغيرها تفيدنا- ولا شك – في مواجهة تحديات العصر ليظل تشريعنا مواكبا للواقع ومحققا سعادة الإنسان الدنيوية والأخروية، هذه السعادة التي عجزت مختلف الأنظمة عن تحقيقها.

وإني أغتنم فرصة هذا الجمع المبارك لأقترح تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص في المجال الاقتصادي للقيام بدراسات مفصلة ومعمقة تتقدم باقتراحات للخروج بالمجتمعات الإسلامية من ورطة المعاملات التي من شأنها أن تصطدم وشريعتنا، وتعرض هذه الدراسات والمقترحات في مرحلة لاحقة على لجنة من الفقهاء المختصين في الشريعة الإسلامية ليعطوا نظرهم مراعين فيه المبادئ الشرعية وما تدعو إليه المصلحة العامة المقررة شرعا دون إغفال ما تتطلبه حالة الضرورة، لتكون اختياراتنا منبثقة من واقعنا ومطابقة لقواعد الشريعة ومقاصدها.

أما ما يتعلق بالعلاقات المالية فإن الفقه الإسلامي قد أولاها كثيرا من الأهمية وحقق علماؤها في جزئياتها بكتاباتهم القيمة واجتهاداتهم النيرة وفتاواهم الصحيحة، فأعطوا حلولا شرعية حسنة التوجيه مدعمة بالدليل.

وإن جهود أولئك الجهابذة الأعلام من علماء الملة الجديرة بالدراسات المستفيضة، ومناهجهم في البحث والاستنباط قمينة بتتبعها والنسج على منوالها.

(1) الموافقات: 4/194.

ص: 1232

ولإعطاء فكرة موجزة حول البعض من هذه الجوانب فيما يلي نلقي نظرة على بعض الأبواب الفقهية المرتبطة بالمعاملات المالية. يقال على سبيل التمثيل لدقة التفسير والتوجيه: إن من المقرر فقها أنه لا يحل الجمع بين البيع والسلف في معاملة واحدة (1)

واختلف في تفسير هذا العنوان، ففسره مالك بقول الرجل للرجل آخذ سلعتك بكذا وكذا على أن تسلفني كذا وكذا. فعقدهما هذا البيع المشروط بالسلف يعتبر محرما شرعا إلا أن تحريمه لما كان لأجل شرط السلف فيتبعه فإنه إن تركه المشترط - كسرا - فإنه يصير جائزا. وعلى هذا التفسير أهل العلم.

وفسره غيره من شراح السنة بأن يقول البائع للمشتري: أبيعك هذا الثوب بألف على أن تقرضني ألفا - مثلا - وهذا عقد فاسد إن وقع فسخ. وقد وجهوا فساده بأن البائع جعل ثمن مبيعه كلا من الدراهم وقرض مثلها. فاجتمع البيع والسلف، والسبيل لتصحيحه بإبطال شرطه - كما هو الحال بالنسبة للتفسير الأول- لأن بإبطاله يسقط بعض الثمن ويصير المبيع في مقابلة باقٍ مجهول (2) .

ويقال للاحتراز عن بعض سبل الربا إن لجواز السلم شروطا، منها ما ينفرد به رأس المال، وهو - عند المالكية - أن يكون نقدا فلا يجوز تأخيره إلا إذا كان دون اشتراط، أو باشتراط قليل الأيام الثلاثة فيجوز، أما الإمامان الشافعي وأبو حنيفة فقد اشترطا التقابض بالمجلس فلا يجوز التأخير عندهما، ومنها ما ينفرد به المسلم فيه. وهي ثلاث:

1-

تأخير قبضه إلى أجل معلوم يدخلان عليه، وأقله الفترة التي تختلف فيها الأسواق خمسة عشر يوما ونحوها.

2-

أن يكون مطلقا في الذمة، بمعنى أنه غير مقيد بما يعينه كأن يكون زرع تربة بعينها وإلا لم يجز لتعينه. أرأيت العقار فإنهم اتفقوا على عدم جواز السلم فيه وما ذاك إلا لتعينه.

3-

أن يكون مما يوجد جنسه في مجرى العادة عند بلوغ الأجل المعروف مطلقا - إن كان عند العقد موجودا لو لم يكن موجودا- هذا على مذهب مالك. أما أبو حنيفة فالشرط عنده أن يوجد عند كل من العقد والأجل.

ومنها ما هي مشتركة بين رأس المال وبين المسلم فيه وهي أيضا ثلاث:

1-

أن يكون كل من رأس المال والمسلم فيه مما يصح تملكه وبيعه، وما لا يصح تملكه وبيعه لا يجوز السلم فيه كالخمر والخنزير والميتة مثلا.

(1) ينبه على أن بعض المالكية زاد الفرض على العقود الستة التي لا يجوز اجتماع البيع مع واحد منها لعلة تنافي أحكامها. وقد أشار إليها ابن عاصم في التحفة بقوله: وجمع بيع مع شركة وقع صرف وجعل ونكاح امتنع ومع مساقاة ومع فرائض وأشهب الجواز عنه ماض

(2)

الروضة الندية، شرح الدرر البهية للعلامة الغنوجي البخاري: 2/104.

ص: 1233

2-

أن يختلفا جنسا بأن يسلم الذهب والفضة في الحيوان والعروض والطعام مثلا، فإن لم يختلفا جنسا كأن يسلم الذهب في الفضة..... لم يجز، لما فيه من الربا - العرف بتأخير- نعم يلاحظ أن المنع قد ينصب على بعض جزئيات السلم مع اتحاد الجنس، ويمكن أن يقسم إلى ما منع إطلاقا وهو تسليم بعض الطعام في بعض - بيع طعام بطعام نيئة- (1) فقد منع إطلاقا لعلة أنه ربا، وإلى ما منع بشرط وهو تسليم بعض العروض في بعض، وبعض الحيوان في بعض، فقد منع بشرط أن تتفق فيه الأغراض والمنافع، وذلك لعلة أنه يئول إلى سلف جر منفعة، فإن اختلفت – فيما ذكر- الأغراض والمنافع جاز التسليم فيه.

3-

أن يكون كل منهما معلوما جنسا، وصفة، وقدرا (2) . احترازا عن الجزاف فقد اختلفت فيه المذاهب. فالشافعي أجازه، وأبو حنيفة منعه، والمالكية لهم خلاف فيه.

ويقال لبيان دور عقيدة الحسم في العلاقات المالية أنه يتجلى في مظاهر من بينها بيع المرابحة، وهو أن يعرف صاحب السلعة المشتري بقدر الثمن الذي اشتراها فيه ويأخذ ربحا، وذلك كأن يقول: أشتريها بألف وتربحني مائة أو مائتين مثلا.

ومن مسائلها أن تطرأ على السلعة زيادة على ثمنها فهل يحبسها مع الثمن ويجعل لها قسطا من الربح أو لا؟ الصور ثلاث (3) ، لأن هذه الزيادة إما أن تكون لها عين قائمة - كالخياطة والصياغة- أو ليست لها عين قائمة. وهذه الثانية، إما أن يعملها بنفسه - كالطي والنشر- أو يستأجر عليها ككراء نقل المتاع وأجرة شده.

وهي باعتبار الحكم على طرفين ووسيطة، ففي الصورة الأولى حيث تكون لها عين قائمة، يحسبها مع الثمن ويجعل لها قسطا من الربح وفي الثانية حيث لا تكون لها عين قائمة وقام بالعمل بنفسه لا يحسبها في الثمن ولا يجعل لها قسطا من الربح وفي الثالثة حيث لا تكون لها عين قائمة فاستأجر عليها يحسبها في الثمن ولا يجعل لها قسطا من الربح.

ويقال لبيان صورة من صور الحفاظ على حقوق الأجير إن الفقهاء اشترطوا العلم بالأجرة وجواز تقديمها، ذلك أنهم اشترطوا في الأجرة من بين أركان الإجارة شرطين:

1-

أن تكون معلومة خلافا للظاهرية احترازا عما فيه جهالة كما لو قال: احصد زرعي ولك نصفه، أو اطحنه أو اعصر الزيت، وأراد نصف ما يخرج مما ذكر، فإنها إجارة لا تجوز وذلك لجهالة الأجرة، فإن ملكه نصف نتاج ما ذكر جازت (4) .

ولا يجب تقديمها إلا لشرط أو لاقتران ما يوجب تقديمها من كونها عرضا أو طعاما رطبا أو ما أشبههما.

2-

ومن شرطي المنفعة أن تكون معلومة إما بالزمان، كالمياومة والمشاهرة وإما بغاية العمل كخياطة ثوب مثلا ولا يجوز أن يجمع في الاشتراط بين الزمان والعمل المذكورين، لأنه- أي العمل- قد لا يتم قبل الأجل أو بعده.

(1) منع أخذ طعام ثمنا لطعام لأنه ذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نيئة.

(2)

وزنا أو كيلا أو عدا أو ذرعا بالنسبة لما يحصر بأحدها، ووصفا بالنظر لما لا يوزن ولا يكال ولا يعد ولا يذرع.

(3)

محل هذا التفصيل ما لم يبين للمشتري، وإلا لجاز له أن يحسب ذلك كله.

(4)

القوانين لابن الجزي – ص295 ط التونسية.

ص: 1234

وهناك عقود حرمت في الأصل ثم استثنيت من التحريم مراعاة للمصلحة. وهي: المضاربة، وبيع النجس، والعرية، والمزارعة، والمغارسة، والمساقاة.

* أولا- المضاربة: (1) الفراض عند أهل المدينة، وصفته أن يسلم شخص ماله لعامل يعمل عنده ويكون الربح منهما على حسب ما دخلا عليه من النصف أو غيره بعد إخراج رأس المال.

وهو من حيث الحكم من العقود المحرمة في الأصل لما فيه من الغرر والإجارة المجهولة ولكنه استثنى فجاز ترخيصا من الشارع بشروط ستة مبسوطة في المطولات - لمراعاة مصلحة الطرفين، وبيانه أن هناك من لا مال له وفيه استعداد للعمل، وهناك على العكس والنقيض من له مال ولا استعداد له أن يعمل مع العلم بأنه مطالب بأن يستثمر ماله ولا يتركه جامدا.

أما عن أصلها من السنة فالذي صرح به الحفاظ أنه لم تثبت فيها شيء، مرفوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما ورد فيها من آثار عن الصحابة- رضوان الله عليهم- وقد وقع - كما حكي غير واحد - إجماع من بعدهم على جوازها. وانظر تصريح الحافظ بما يخالف ما ذكر وأنها كانت ثابتة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها وإلا لما جازت البتة، ورد صاحب الروضة الندية (2) عليه، ورد رده بتعليق هامشي بها (3) .

* ثانيا- بيع النجس: بيع عين النجاسة كالميتة والمتنجس غير القابل للتطهير كالزيت (4) ممنوع على المشهور عند المالكية أما المتنجس القابل للتطهير كثوب تنجس فإنه يجوز بيعه لكن بشرط أن يبينه للمشتري ليدخل عليه. وإلا فبعد اطلاعه عليه يكون له الخيار في الرد وعدمه.

نعم رخص الفقهاء في بيع فضلات غير مأكول اللحم لضرورة الانتفاع به في فلاحة الأرض، ومعلوم أن الضرورة تبيح المحظور، وكما رخصوا فيها رخصوا كذلك في السقي بالماء المتنجس (5) .

* ثالثا- العرية: وهي أن يهب صاحب بستان ثمر نخل أو شجرة دون أصلها ثم يشتريها المعري من المعرى له. وهي منشأة من المزابنة التي هي بيع رطب بيابس من جنسه والتي ورد النهي عنها في السنة لكن رخص للمعري أن يشتريها ممن عراها له بيابس دفعا لما يتضرر به من كثرة طرقه البستان ليقتطف الثمر.

ومن أحكامها أن للمعري أن يشتريها كمن وهبها له بخرصها ثمرا إذا توفرت شروط أربعة. ونلاحظ أن من بين الشروط الأربعة أن يعطيه الثمر عند الجذاذ لا نقدا ومعجلا (6) وإلا لم يجز (7) .

(1) عند العراقيين.

(2)

هو العلامة القنوجي النجاري.

(3)

الروضة: 2/141.

(4)

ابن خويز منداد من المالكية على القول بإمكان تطهيرها.

(5)

وهنا يقع التساؤل عن حكم ما يخرج مما ذكر من زروع، وخضر وفواكه. والمالكية على الجواز.

(6)

وبقيتها منه ما هو راجع لحال الثمر وهو بدو الصلاح وما هو راجع للمقدار وهو خمسة أوسق، وما هو من فصل الاتحاد في النوع بأن يكون الثمر من نوع ثمر العرية.

(7)

البداية لابن رشد: 2/163.

ص: 1235

* رابعا- المزارعة والمغارسة:

1-

المزارعة: الشركة في الزرع، وحكمها الجواز، واختلف فيما يقيد به جوازها – داخل المذهب المالكي- على أقوال ثلاثة:

(1)

قول ابن القاسم:

(أ) السلامة من كراء الأرض بما يخرج منها.

(ب) تكافؤ الشريكين فيما يخرجان.

(2)

وعيسى بن دينار على جوازها وإن لم يتكافآ (1) وبعض المالكية على جوازها، وإن وقع فيها كراء الأرض مما تنبت.

وللاحتراز عن أول شرطين إنه إن كانت الأرض من أحدهما والعمل من الآخر فلا بد من أن يساهم رب الأرض بحقه في البذر، لأنه إن لم يساهم به كان ذلك من كراء الأرض بما تنبت، وتحكيما للعلة إذا كانت الأرض لهما تملكا وكراء جاز حينئذ أن يكون البذر منهما معا، أو من أحدهما ويقابله حينئذ عمل الآخر.

2-

المغارسة: أن يسلم الرجل أرضا يملّكها لمن يغرسها شجرا، ولها وجوه ثلاثة: إجارة، وجعل، ومتردد بينهما، ومنشؤها أنهما إن دخلا في مقابلة الغرس على أجرة معينة كانت إجارة. وإن دخلا على نصيب يكون له في خصوص ما بينت منها كانت جعلا. وإن دخلا على أن يكون له نصيب من كل الأشجار ومن الأرض كانت مترددة بين الإجارة والجعل.

وحكمها الجواز إذا توافرت شروط خمسة. كما هو مقرر في بابها.

* خامسا: المساقاة: أن يسلم الرجل شجرة لمن يخدمها ويتعهدها بالسقي والتنقية وكل ما يحتاج إليه نموها، وتكون غلتها بين أعلى ما دخلا عليه من نصف أو ثلث أو ربع مثلا.

ومن أحكامها أنها جائزة مستثناة من أصلين محرمين هما: الإجارة المجهولة، وبيع الشيء قبل أن يخلق.

وأصل جوازها واستثنائها من الأصلين المذكورين فعله صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر في نخيلها.

ثم إن الأئمة (2) اختلفوا في كون جوازها عاما في سائر الأشجار والزرع ما عدا البقول (3) وهو مذهب مالك، أو مقصورا على النخيل والأعناب وهو مذهب الشافعي، أو مقصورا على خصوص النخيل وهو مذهب الظاهرية.

الأستاذ محمد الأزرق

(1) ويقول عيسى بن دينار هذا جرى العمل بالأندلس.

(2)

غير أبي حنيفة فإنه ذهب على منعها مطلقا.

(3)

جمع بقل: ما نبت في برزة لا في أرومة – بفتح الهمزة وضمها.

ص: 1236