الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجوز إعادة يد السارق
إذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟
إعداد
فضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي
رئيس رابطة علماء المغرب والسنغال
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:
هل يجوز إعادة يد السارق إذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟
الجواب بحمد الله وتوفيقه:
بنعمة الله على علماء العصر الحديث أصبح من الممكن والمطبق في كثير من معاهد العلم في ميدان الطب والجراحة توصل العلماء إلى هذا العمل الإنساني سواء في ذلك إرجاع عضو قطع من إنسان إلى جسمه، أو زرعه في جسم إنسان آخر أصبح في حاجة إليه، وهو عمل إنساني هام ومفيد جداً لأنه أنقذ كثيرين ممن كانوا على شفا موت عاجل محقق، وذلك بفضل الله على الإنسانية، حيث هدى علماء الطب والجراحة في عصرنا إلى بلوغ هذه المكرمة التي هي من الله العلي القدير سبحانه فهو الذي ألهم هؤلاء العلماء إلى معرفة الطبائع البشرية التي أبدعها سبحانه، وكونها من عناصر يختلف بعضها عن بعض كما تختلف مقادير كل عنصر في جسم الإنسان عن آخر من جنسه، وقد يكون من فصيلته، ومع ذلك توجد فوارق هي التي يبحثها العلم ويحدد مقاديرها في كل جسم وبذلك يتغلب على الصعاب فتنجح عملية غرس الإعضاء السليمة في الجسم المريض المحتاج إليها سواء في ذلك ما يعاد إلى جسم صاحبه أو ما يزرع في جسم آخر يساويه في التركيب والمزاج وصدق الله العظيم:{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} (1) وليس الخلق الجديد المذكور في الآية هو إعادة الخلق يوم النشور يوم العرض على الله فحسب، ولكنه أيضاً الخلق المتجدد باستمرار ما دام الإنسان حياً يتغذى، فخلايا من جسده تموت وتعوضها خلايا عن طريق التغذية بقدرة السميع العليم كما شاء سبحانه أن تكون الخلية في جسم الإنسان مختلفة بعضها عن بعض وإن كان الإنسان من فصيلة واحدة وعنصر واحد فقد كشف العلم ذلك عن طريق الآية القرآنية، قال تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (2)
(1) سورة ق: الآية 15.
(2)
سورة الروم: الآية 22.
وليس المراد الألوان من أبيض وأسود وأحمر فقط، ولكن اختلاف الخلايا التي يتكون منها الجسم كتقاطيع بصمات اليد التي تختلف عن بعضها حتى بين الأب وابنه وسبحان الخالق المبدع.
من هو السارق الذي تقطع يده؟
يقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
ولبيان الحكم الشرعي المستفاد من الآية الكريمة هناك أمور لابد من بيانها وشرحها لمعرفة من يصدق عليه مدلول الآية فيستحق قطع يده تطبيقاً لحدود الله.
أما السارق: وهناك الشيء المسروق، ثم المكان المسروق منه، والحرز وحقيقته.
أما السارق: فهو الشخص البالغ العاقل الذي لا يملك المال المسروق، ولا يملك المسروق منه وليس له ولاية على المال المسروق، ولا على من يملكه، فلا قطع على غير البالغ ولا على غير العاقل، كما لا قطع على من سرق مإلا له عليه ولاية وكذا من سرق مالا له ولاية على مالكه.. كمن سرق مال عبده، ولا قطع على من سرق مال ولده لقول الرسول عليه السلام:"أنت ومالك لأبيك "، كما أن العبد وماله ملك لسيده وكذلك العبد إن سرق مال سيده لقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية غلام لعبد الله بن عمرو الحضرمي لما سرق مرآة لزوجة عبد الله ثمنها ستون درهماً "غلامكم سرق متاعكم " ولم يقطع يده في تلك السرقة، كما لاً قطع على الولد إذا سرق من مال أبيه أو جده.
وأما المسروق: فلا بد أن يكون ثمنه نصاباً وهو ربع دينار ذهباً أو ثلاثة دراهم فضة على الأقل على خلاف في ذلك بين الأئمة بناة على قيمة المسروق الذي قطع فيه الرسول عليه السلام يد السارق وهو المجن، كما يجب أن يكون مما يتمول ويمتلك ويحل بيعه، فلا قطع فيما لا يمتلك وما لا يجوز بيعه من المحرمات كالخمر والخنزير، ويستثنى من ذلك الحر الصغير فمن سرق طفلاً حراً صغيراً قطع فيه لأنه أعز وأهم من المال الذي يملك ويجوز بيعه وشراؤه.
(1) سورة المائدة: الآية 38.
ويجب أن لا يكون فيه ملك ولا شبهة ملك كمن سرق مما رهنه لغيره، وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والمملوك الطاعن في السن إذا كان لا يفهم ولا يعرف ما يصنع به.
وأما المكان المسروق منه: فيجب أن يكون حرزاً للمسروق ولكل نوع من الأشياء حرزها، فالمتاجر حرز لما يباع فيها والمصانع حرز لما يصنع فيها، ولما يوجد فيها من المصنوعات والآلات التي تستعمل في الصناعة، والدور والمنازل حرز لما يوجد فيها حضر أهلها أو غابوا، وبيت مال المسلمين حرز لما يوجد فيها، ولا يقال إن للمسلم السارق نصيب فيها لأن ذلك لا يستحقه إلا بالعطية التي تتم من لدن الإمام، وظهور الدواب حرز لما عليها ومرابضها حرز لها، وكذلك أماكن عرضها للبيع. والمساجد حرز لما فيها رغم أنها مباحة لجميع المؤمنين فمن سرق من المسجد شيئاً.. مصحفاً أو كتاباً أو فراشاً أو غيره مما يتم في ثمنه النصاب يقطع فيه، وكذلك ما في السيارة والسفينة سفراً أو حضراً في حالة سلم أو حرب، وكذلك حقائب اليد وجيوب الثياب، من سرق منها ما يوجب القطع قطع لأنها حرز لما فيها من مال ومتاع، وتلك حدود الله.
أما القطع: فيكون من الرسغ في اليد وأسفل الكعب من الرجل، ويجب حسمها بعد القطع أي علاجها حتى لا يؤدي نزيف الدم منها إلى الموت.
وتعلق اليد أو الرجل في عنق السارق لما رواه أبو داود والنسائي عن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جيء إليه بسارق فأمر بقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه، مما يدل على أنه ليس الغرض من تطبيق النص الشرعي على السارق هو التنكيل به جزاء ما كسبه من إجرام بل ما بعد ذلك من أخذ الموعظة والاعتبار لغيره من أفراد المجتمع الذين يعيش بينهم حتى لا يتجرأ الآخرون على اقتراف الجرم، وبذلك يصبح المجتمع في أمن وطمأنينة.
فإذا سرق المقطوع ثانية قطعت رجله اليسرى، فإذا سرق ثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليمنى فقد أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله فقيل له يا رسول الله إنما سرق فقال: اقطعوا يده فقطعت ثم سرق فقطعت رجله ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه فقطعت يده، ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق للمرة الخامسة فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه ثم دفعه أبو بكر لفتية من قريش فيهم عبد الله بن الزبير فقتلوه وألقوه في قليب وقذفوا عليه الحجارة حتى دفنوه فيها. والحديث أخرجه أبو داود والنسائي عن جابر والحارث بن حاطب رضي الله عنهما.
واختلف العلماء فيمن سرق ثم قتل شخصاً قبل أن يقام عليه حد السرقة فقال بعضهم يقطع ثم بعد ذلك يقتل، أي أنه ينفذ عليه حد السرقة أولاً ثم القصاص. وقال آخرون يكتفى بالقتل لأن حد السرقة يدخل في القتل والأول أرجح لأنهما حقان لله مستحقان فيجب استيفاؤهما معاً والله تعالى أعلم وأحكم.
واختلف العلماء هل يجمع بين القطع والغرم، والأصح هو أنه إذا وجد الشيء المسروق أخذه صاحبه فإن لم يوجد فإذا كان السارق موسر اغرم ما سرق وإن كان معدماً اكتفي بقطعه والله أعلم.
وإذا تطوع المسروق منه وعفا عن السارق فلا غرم عليه.
أما القطع فإذا رفعه إلى الإمام أو نائبه فلا بد من تنفيذ القطع لأن إقامة الحد حق لله لأنه من أجل صيانة المجتمع من الوقوع في المفاسد كالسرقة وغيرها.
والدليل على ذلك حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه قيل له من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية إلى المدينة مهاجراً فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال صفوان لم أرد هذا يا رسول الله - هو عليه صدقة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فهلا قبل أن تأتيني به)) .
والحديث يفيد أن الأمر يقتضي حالتين: العفو يصدر من المسروق منه عفواً وقبل الرفع إلى السلطان وبه يتجنب القطع.
والعفو: يأتي بعد تبليغ الأمر للسلطان، وهذا يتناول الشيء المسروق، ولا يوقف تطبيق الحد الذي هو حق لله، فقد قطعت يد سارق الرداء رغم عفو صاحبه صفوان بن أمية.
فأما ثبوت السرقة: فبإقرار الجاني أو بشهادة عدلين وقال جماعة من العلماء إن إقرار العبد بالسرقة لا يوجب القطع لأنه مملوك لسيده وإقراره يؤدي إلى خسارة مالكه بقطعه والله أعلم.
فأما إرجاع العضو المقطوع في حد السرقة عن طريق الطب وما وصل إليه العلم الحديث من غراسة الأعضاء التي هي نعمة من الله العليم الخبير، فلا أرى جواز ذلك أخذاً من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قطع يد السارق وأمر بأن تعلق في عنقه ليعتبر به غيره ويكون سبباً في تصفية المجتمع من الانحرافات، وكذلك من حديث صفوان بن أمية السابق فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل عفو المسروق منه وأمر بقطع السارق ليكون عبرة لغيره، وكذلك سائر الحدود المفروضة من الحق تعالى، فليس جلد الزاني وتغريبه مجرد تعذيب وانتقام، وإنما هو تربية لغيره من الناس ممن تحدثهم أنفسهم بارتكاب نفس الجريمة، وكذلك رجم الزاني المحصن، والقصاص من قاتل النفس، وغير ذلك من أنواع الجرائم التي فرض الله فيها القصاص فهي لردع الظالمين والمفسدين قبل أن تكون نكإلا من الله للمجرم.
ولا شك أن حدود الله هاته يجب تطبيقها وتنفيذها كما أمر الله وفي جميع أقطار الدنيا المسلمة لتتجلى حكمة الله في شريعته، والذي يمعن النظر في مختلف الأقطار الإسلامية اليوم يدرك بوضوح الفرق البين بين قطر يطبق شريعة الله في الحدود والتعازير، وقطر يسير في تيار الأيديلوجيات اللادينية المجلوبة من الغرب الصليبي والشرق الملحد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فبمقدار ما تطبق حدود الله بقدر ما تختفي المنكرات أو تقل، ويسود النظام والاطمئنان في المجتمع الذي يحافظ على تعاليم دينه، وفي مقدمتها حدود الله وصدق الله العظيم:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
والسلام عليكم ورحمة الله ومعذرة عن التأخير.
(1) سورة المائدة: الآية 38.