المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

‌زراعة عضو استؤصل في حد

إعداد

فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

فهذا بحث اجتهادي محض يحتمل الصواب والخطأ حول "زراعة عضو استؤصل في حد، مثل إعادة اليد بعد قطعها في حد السرقة أو إعادة أي عضو قطع في قصاص". وهو موضوع جديد معروض على بساط البحث والاجتهاد تثيره بعض الجهات العلمية التي تأثرت بما آل إليه التقدم الطبي في زراعة الأعضاء والغدد التناسلية وخلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخ.

فهل يجوز شرعاً إعادة يد قطعت في حد سرقة أو حرابة أو أي عضو آخر كالسن والعين والأذن واليد والرجل قطع في قصاص؟.

وبما أن هذه مسألة مستجدة لا نجد لها نظيراً في المسائل الفقهية القديمة لدى علمائنا، فإن الكلام فيها مجرد اجتهاد محض يحتمل الإقرار والقبول أو الرفض والنقد والاستنكار من العلماء المعاصرين.

ووجود أي من الاحتمالين لا يمنعنا من أن نقول كلمتنا في المسألة المعروضة في الواقع القائم، وليس مجرد مسألة افتراضية، وكل ما يجد يحتاج إلى حكم شرعي، فما من مسألة إلا وللإسلام حكم فيها إما بالتحليل أو التحريم كما قرر الإمام الشافعي رحمه الله وغيره.

ويتبين الحكم الاجتهادي لدي من خلال النصوص الشرعية الواردة في الحدود والقصاص، وفي ضوء الحكمة التشريعية للعقوبة، وعلى هدي ما قرره علماء الأصول في دلالة الأمر على المرة الو احدة، وبالاعتماد على القواعد الشرعية وأصول الاستدلال من الاستحسان والمصالح المرسلة الضرورية أو الحاجية مع مراعاة مقتضيات مبادىء السياسة الشرعية وطرق إثبات موجب الحد وهو الجريمة من سرقة أو اعتداء وغيرهما.

ص: 1510

أما النصوص الشرعية الواردة في إيجاب الحدود وفرضية القصاص فهي معروفة، أذكر منها على سبيل المثال النص الوارد في القرآن الكريم بتشريع حد السرقة، قال الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: الآيتان 37، 38] .

كما أذكر النص الوارد في القصاص، قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: الآيتان 178، 179] .

وكان القصاص أيضاً مقرراً مشروعاً في شرائع من قبلنا كشريعة اليهود في التوراة، كما قال الله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة المائدة: الآية 45] .

وأما الحكمة من تشريع الحدود والقصاص فهي زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجريمة، وصيانة المجتمع عن الفساد والانحراف، والتطهر من آثار الذنب والمعصية أو الفاحشة. ويؤكد الفقهاء جميعاً هذه الحكمة، ويقولون في كتبهم: شرع الحد زاجراً لا متلفاً ويتحقق الانزجار في السرقة بتفويت اليد (1) وسميت الحدود حدوداً لمنعها من ارتكاب الفواحش (2) قال ابن تيمية: "من رحمة الله سبحانه وتعالى أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجراح والقذف والسرقة.

(1) المبسوط للسرخسي: 9/167، 168.

(2)

كفاية الأخيار لأبي بكر الحصني الشافعي: 2/335، طبع قطر.

ص: 1511

فأحكم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنى الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه" (1)

وقال الماوردي: الجرائم محظورات شرعية، زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير (2)

وأما آراء الأصوليين في دلالة الأمر، فإنهم قرروا أن تنفيذ الأمر يتحقق بامتثال مضمونه مرة واحدة، سواء عند الحنفية والحنابلة القائلين بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وإنما يدل على مجرد طلب ماهية الفعل المأمور به وإيجاده من غير إشعار بمرة أو تكرار، فيبراً بالمرة، ويحتمل التكرار (3) أو عند أكثر المالكية وأكثر الشافعية القائلين بأن الأمر يدل على المرة الواحدة لفظاً ويحتمل التكرار، لأن امتثال المأمور به يحصل بالمرة، فيكون لها (4)

فإذا نفذ الحد أو القصاص، فقطعت يد السارق مثلاً، واقتص من الجاني بمثل جنايته، فقد تحقق الأمر القرآني، وبرىء الحاكم مما يجب عليه بالإجماع من تطبيق الحد على الجناة، ولا يطالب بمتابعة الجاني أو ملاحقته بعدئذ لينظر ماذا يفعل في يده أو بأي عضو من أعضائه فمثل تلك المتابعة أو المراقبة غير مطلوبة شرعاً، ولم يشر إليها أحد من الفقهاء.

(1) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 98.

(2)

الأحكام السلطانية: ص 211.

(3)

مسلم الثبوت: 1/ 310، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 102، أصول السرخسي: 1/ 20 – 22

(4)

شرح تنقيح الفصول للقرافي: ص 130، المستصفى: 2/2 وما بعدها.

ص: 1512

ثم إن القواعد والضوابط والشرائط الشرعية لا تعنى بغير ضرورة التثبت من توافر شروط إقامة الحد والقصاص، ومراعاة مبدأ التكافؤ والمماثلة دون زيادة أو جور، ومنع من تعاقب واستمرار الأضرار التي قد تؤدي إلى الهلاك أو الموت نتيجة تطبيق الحد؟ لأن الحد شرع للزجر لا للإتلاف، كما بينا، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسم محل القطع وأوجب حسم ما قطع، والحسم: الكي بالنار، فقال فيما أخرجه الحاكم والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:((اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه)) (1) والحسم دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف (2) فيكوى بالنار محل القطع لينقطع الدم، لأن منافذ الدم تنسد، وإذا ترك فربما استرسل الدم، فيؤدي إلى التلف.

وينوب شرعاً العلاج الحديث الذي يمنع نزيف الدم مناب الكي بالنار، لأن المراد تحقيق غاية معينة، وهي قطع الدم ومنع النزيف، فبأي وسيلة تحقق الغرض، جاز ذلك شرعاً، لأن الله تعالى أمر بالإحسان في كل شيء.

وإذا كانت الغاية من الحسم هي الدواء والعلاج لقطع النزيف الدموي، فلا يكون المراد منه استئصال اليد أو العضو بحيث لا يمكن إعادة اليد مثلاً إلى موضعها إذا توافرت شروط معينة.

والاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية وغيرها من أصول الاستدلال لا تمنع من القول من إعادة اليد، بحجة مصادمتها للنصوص الشرعية، لأن إعمال النص قد تحقق بقطع اليد أو بالقصاص، وما وراء ذلك يكون على أصل الإباحة، والأصل في الأشياء النافعة الإباحة، وفي الأشياء الضارة المنع أو الحظر، ولا شك بأن إعادة اليد أمر نافع نفعاً محضاً لصاحبها، بعد أن ذاق وبال أمره، ونكل به، وتم التشهير بجريمته أمام ملأً من الناس.

ومبادىء السياسة الشرعية التي هي التدابير الممنوحة للحاكم لفعل ما يراه محققاً لمصلحة عامة، أو معالجة أمر مؤقت، لا تمانع من إعادة اليد إذا كان ذلك علاجاً لحالات معدودة، وليست ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين (قطاع الطرق) والجناة على ارتكاب الجرائم، وهم في مأمن من آثار العقاب، إذ سيجدون الوسيلة أو الذريعة إلى إعادة ما قطع أو بتر أو هشم أو جدع أو قلع أو كسر لأنه إذا استمرأ الجاني فعله، وهان عليه اللجوء إلى الجريمة واستسهل العقاب، ورأى أمامه الحيلة الطبية في ترميم ما فقد منه، وجب حينئذ سد الذرائع وإقفال الباب أمامه، وأصبح غير مستحق للمعاملة الإنسانية الكريمة على الدوام.

(1) سبل السلام: 4/1303، طبع دار الجيل في بيروت.

(2)

المبسوط للسرخسي: 9/141.

ص: 1513

والحكم الاجتهادي لإعادة اليد ونحوها يختلف بحسب نوع طريق إثبات الجريمة، فإذا ثبت الحد بالإقرار، جاز القول بلا شك بإعادة اليد ونحوها، وإذا ثبت بالشهادة وكان الحد من حقوق العباد أو الآدميين، لم يجز القول بإعادة اليد، أما إن كان الحد من حقوق الله تعالى المحضة، فربما كان القول بجواز إعادة اليد أمراً مقبولاً اجتهاداً؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة والإسقاط والرحمة والإشفاق.

الرأي الاجتهادي في الموضوع:

لا بد في تقديرنا من التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى.

(أ) ففي حالة استيفاء القصاص من طرف أو عضو كالعين واليد، لا أرى القول بجواز إعادة العضو إلى مكانه بعملية جراحية إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد (الأشخاص) . والقصاص هو المماثلة، ويشترط فيه المماثلة بين الجناية والعقوبة في أمور ثلاثة: التماثل في الفعل، والتماثل في المحل (الموضع والاسم) والتماثل في المنفعة (أو الصحة والكمال)(1)

فالمساواة في المحل أثناء العقوبة مطلوبة في قصاص النفس والأطراف والأعضاء، ولا ينظر إلى التفاوت بين العضوين في الصغر والكبر.

وعدم مراعاة المماثلة أو المساواة يفتح باب الغيظ والحقد والثأر والانتقام، أو الاعتراض والنقد الجارح، لمجافاة العدالة والمساواة بين الجاني والمجني عليه. وإذا كان الحال هكذا فلا يعقل أن يظل المجني عليه بعين واحدة أو يد واحدة مثلاً، لتعذر إعادتها بسبب ظروف الجناية وقسوتها وتمزق أوصال العضو وتبدده يميناً وشمالاً، ثم يتمكن الجاني بعد القصاص من إعادة عضوه إلى مكانه الطبيعي، والمجني عليه ينظر ويحملق إليه بعين ملؤها الغضب والغيظ، وتحدثه نفسه بالتشفي والانتقام.

(1) البدائع: 7/297 وما بعدها، المبسوط: 26/ 135 – 140، المغنى: 7/703، كشاف القناع: 5/ 639 - 1 65، المهذب: 2/228، 229 وما بعدها 234.

ص: 1514

أما إن عفا المجني عليه مجاناً أو بعوض بعد القصاص، جاز للجاني المبادرة إلى إجراء عملية جراحية تعيد له ما قطع أو اقتص منه، لأن المجني عليه يملك شرعاً إسقاط القصاص من الأصل، فيملك بطريق الأولى العفو عن الجاني بعد القصاص، لقوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [سورة البقرة: الآية 237]، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [سورة البقرة: الآية 178] ، {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [سورة المائدة: الآية 45] .

(ب) وأما في حال تطبيق حدي السرقة أو المحاربة (قطع الطريق) اللذين هما من حقوق الله تعالى بقطع اليد من الرسغ، والرجل من المفصل، ومراعاة الضوابط والشرائط الشرعية لاستيفاء الحدود، فلا يختلف الرأي لدي بحسب طريق إثبات الحد، ما دام الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح والإسقاط.

فإذا ثبت موجب الحد أي جريمة السرقة مثلاً بالإقرار، وقطعت يد السارق الذي أقر، ثم رجع عن اقراره، جاز له بلا شك أن يعيد يده إلى موضعها بعمل جراحي، لأنه يجوز شرعا الرجوع عن الإقرار قبل البدء بالحد وفي أثنائه وبعد تنفيذه ليتلافى الآثار المعنوية الناجمة عن تطبيق الحد، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هرب ماعز عند رجمه من أرض قليلة الحجارة إلى أرض أخرى قال لصحابته.:((هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليها)) (1)

(1) رواه أبو داود عن يزيد بن هزال عن أبيه، ورواه أيضاً أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي:"حسن ". وانظر: مصادر التشريع الإسلامي للدكتور حسنين عمود حسنين: ص 156 وما بعدها.

ص: 1515

بل يستحب شرعاً للحاكم تلقين الرجوع عن الإقرار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز حينما أقر أمامه في المسجد قائلاً له: ((لعلك مسستها أو لعلك قبلتها)) (1)

وفي السرقة روى يزيد بن خصيف رضي الله عنه قال: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق، فقال: أسرقت ما أخاله سرق)) ؟ فقال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به، ففعلوا به ذلك، فقال: تب إلى الله، فقال: تبت إلى الله تعالى، فقال: اللهم تب عليه)) (2)

قال السرخسي في المبسوط: وفيه دليل على أن الإمام مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد، وتلقين المقر الرجوع، ويدل عليه: ما رواه عن أبي الدرداء أنه أتي بسارق أو بسارقة فقال: أسرقت؟ قولي: لا. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي بسوداء يقال لها سلامة، فقال: أسرقت؟ قولي: لا، قالوا: أتلقنها؟ قال: جئتموني بأعجمية لا تدري ما يراد بها حين تفسر، فأقطعها؟!.

وفيه دليل أيضاً على أن المقر بـ السرقة إذا رجع درىء عنه الحد، وأن الرجل والمرأة في ذلك سواء.

وفيه دليل على أن القطع للزجر، لا للإتلاف، لأنه أمر بالحسم بعد القطع، وهو دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف.

وفيه دليل على أن التطهير من الجريمة لا يحصل بالحد إذا كان مصراً على ذلك، ولأنه خزي ونكال، وانما التطهير والتكفير به في حق التائب، فإنه دعاء إلى التوبة بقوله صلى الله عليه وسلم:((تب إلى الله)) (3)

(1) رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس، ورواه أيضاً أحمد والبخاري بلفظ آخر.

(2)

تقدم تخريج الحديث عن أبي هريرة.

(3)

المبسوط: 9/141، 142، 185.

ص: 1516

والخلاصة:

أن إعادة اليد تعد رجوعاً عن الإقرار.

وأما إذا ثبت موجب الحد (الجريمة) بالشهادة فيجوز في رأيي - والله أعلم – إعادة اليد أيضاً إذا تاب السارق أو المحارب، وكان الحد من حقوق الله تعالى كحد السرقة (1) والحرابة والزنا والردة، وكانت حالات الإعادة قليلة أو نادرة، حتى لا يتجرأ الجناة على الجرائم والفواحش فإذا كثرت الجرائم بحيث صارت الجريمة ظاهرة فاشية فلا نجيز إعادة اليد أو العضو سداً للذرائع، وعملاً بمبدأ السياسة الشرعية التي تعالج فوضى مؤقتة، أو أمراً زمنياً طارئاً. ويجب عند الجمهور غير الحنفية إعادة المال المسروق إلى صاحبه. فهذه شروط أربعة لإعادة اليد إذا ثبتت الجريمة بشهادة الشهود.

وأدلة الجواز في هذه الحالة هي ما يأتي:

ا - لقد تم إعمال النص الشرعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية، فيمكن الاستفادة في عصرنا من معطيات التقدم الطبي العلمي، أما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائما على ما هو عليه، وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به، كما لا يحتج بالوقائع التي لم تتعلق بها نصوص شرعية. قال السرخسي مبيناً مذهب الحنفية في أنه لا يجمع بين الحد وضمان المال المسروق، وقوله يفيدنا في بيان مدى إعمال النص:

قوله تبارك وتعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} فقد نص على أن القطع جميع موجب فعله؛ لأن في لفظ الجزاء إشارة إلى الكمال، فلو أوجبنا الضمان معه، لم يكن القطع – قطع يد السارق – جميع موجب الفعل، فكان نسخاً لما هو ثابت بالنص. أقول: وهذا عملاً بالقاعدة المقررة عندهم "عدم جواز الزيادة على النص إلا بقرآن أو بمكافىء للقرآن من الحديث المتواتر والمشهور".

(1) قال السرخسي: القطع في السرقة خالص حق الله تعالى، فوجوبه يعتمد الجناية على حق الله تعالى دون المساواة في الفعل والمحل المطلوبة في القصاص (المبسوط: 26/132) .

ص: 1517

وأضاف السرخسي قائلاً: وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا غرم على السارق بعد ما قطعت يده وفي رواية: لا غرم على السارق فيما قطعت يمينه فيه)) (1)

لكن إذا اجتمع في يد الجاني قطع في السرقة والقصاص بدىء بالقصاص وضمن السرقة؟ لأنه إذا اجتمع في اليد حقان: أحدهما لله تعالى، والآخر للعبد، فيقدم حق العبد، لحاجته إلى ذلك، وإذا استوفى القصاص، تعذر استيفاء القطع، فيضمن المسروق (2)

2 -

لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر السارق أو المحارب إلى إعادة يده أو رجله المقطوعة بعمل جراحي، فلا يحق للحاكم التدخل في شأنه، كما لا يحق له في الوقت الحاضر منعه من تركيب يد أو رجل صناعية، وتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.

هذا مع العلم بأنه إذا قطعت اليد فالسنة أن تعلق في عنق صاحبها ساعة، أي مدة زمنية، فله الاحتفاظ بها.

3 -

لقد تحققت أهداف الحد المادية والمعنوية بتنفيذه، ففي القطع إيلام وتعذيب، وزجر ونكال، وتشهير وإساءة سمعة، ووخز للاعتبارات الأدبية والإنسانية، وكل ذلك تحقق بإقامة الحد شرعاً.

4 -

إن زراعة العضو من إنسان آخر كالقلب والكلية والرئة والعين أمر جائز للضرورة لإنقاذ حياة الإنسان، كما قرر مجمع الفقه الإسلامي في جدة في دورته الرابعة، فيجوز بالأولى لأي إنسان إعادة ما قطع من أعضائه أثناء إقامة الحد عليه.

5 -

التوبة تسقط جميع الحدود التي هي حق لله تعالى في مذهب الحنابلة، فليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب البتة، كما قالوا (3) لقوله عليه الصلاة والسلام:((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) (4)

(1) المبسوط: 9/157.

(2)

المبسوط: 9/185.

(3)

المغني: 8/295 وما بعدها، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 67، أعلام الموقعين: 2/78، 3/ 19، 4/398.

(4)

رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو صحيح.

ص: 1518

6 -

لو نبتت سن جديدة أو إصبع جديدة بعد القصاص أو الحد لا تستأصل مرة أخرى في الراجح لدى الفقهاء، لأن النابت نعمة جديدة من الله تعالى، أو هبة مجددة، ليس للمجني عليه قلعه، وليس هو في حكم المقلوع أو المقطوع (1)

7 -

لا شك بأن إعادة اليد أو غيرها مصلحة ضرورية لصاحبها، ولا تتصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعية الآمرة بتطبيق الحد أو القصاص، إذ أن النص قد أعمل وفرغ منه، وهو ساكت عما وراء تنفيذ مقتضاه الواضح.

8 -

إن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط، والمسامحة، خلافاً لحقوق الآدميين.

9 -

ليس في إعادة اليد أو أي عضو قطع حداً عبث أو تحايل على أحكام الشريعة؟ لأن العبث والتحايل في الوضع القائم الذي يفر من تطبيق الحدود الشرعية ويعطل النصوص الآمرة بها. ويمكن تطهير اليد المقطوعة بالماء قبل تركيبها.

10 -

ليس المراد من حسم موضع القطع إلا التداوي وقطع النزيف الدموي كما أوضحنا سابقاً، ولا يقصد به الاستئصال الأبدي إلا من ناحية الواقع فقط، لا من ناحية الإمكان العلمي، فذلك أمر مسكوت عنه في النصوص، والأصل في الأشياء الإباحة.

11 -

ان الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد، والله أعلم.

الخاتمة:

تبين لدينا أن إعادة أي عضو قطع في قصاص لا يجوز شرعاً ما لم يأذن المجني عليه ويسقط حقه، منعاً من إثارة الأحقاد والضغائن.

أما إعادة العضو المستأصل في حد كإعادة اليد أو الرجل بعد قطعها في السرقة والحرابة، فذلك أمر جائز في رأيي، بالشروط والضوابط المتقدمة، ما لم يؤد الأمر إلى فساد عام وشر شامل، فيؤخذ حينئذ بما يحسم الفساد بالحكم الأشد، والله ولي الأمر والتوفيق.

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

(1) المهذب: 2/ 231.

ص: 1519