المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصادي

إعداد

سعادة الدكتور رفيق يونس المصري

الباحث بمركز الاقتصاد الإسلامي –جامعة الملك عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

فإن عهدي ببيع التقسيط (= بيع النسيئة) قديم نسبيًّا، إذ يعود إلى اثني عشر عامًا خلت، عرضت له أول مرة في كتابي " مصرف التنمية الإسلامي "، في طبعته الأولى 1397 هـ، ثم حاولت تنقيحه قليلًا في الطبعتين: الثانية عام 1401هـ، والثالثة عام 1407هـ.

ثم طفت قريبًا من الموضوع، في مقال لي بمجلة حضارة الإسلام السورية، عام 1398هـ.

ثم عدت إليه عام 1405هـ، في مجلة المال والاقتصاد الصادرة عن بنك فيصل الإسلامي السوداني بالخرطوم.

ثم عام 1405هـ ثانية في كتابي " الربا والحسم الزمني ".

ثم عام 1406هـ، في مجلة الأمة القطرية.

ثم عام 1409هـ، في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية.

فمنذ عام 1397هـ وأنا أعود إلى بحثه، بين الحين والآخر، بالتنقيح والزيادة.

وأرجو أن لا يعدم القارئ فوائد إضافية لدى قراءة هذا البحث الجديد.

وإذا عرضت للقارئ الكريم أسئلة أو تساؤلات في موضع، فأرجو أن يصبر قليلًا حتى يجد جوابها في مواضع أخرى من هذا البحث، إن شاء الله.

ص: 185

الفصل الأول

تعريف بيع التقسيط وأهمية بحثه

1-

1 بيع التقسيط بيع مؤجل:

البيع في الفقه الإسلامي قد يكون معجل البَدَلَيْن (يدًا بيد) ، أو مؤجل البدلين (وهو من الكالئ بالكالئ) ، أو أحد بدليه معجلًا والآخر مؤجلًا، فإن عُجِّل الثمن وأُجِّل المبيع فهو بيع السَلَم (السلف) ، وإن عجل المبيع وأجل الثمن فهو بيع النسيئة.

وعلى هذا فإن البيوع المؤجلة تشتمل لفظًا على ما تأجل أحد بدليه أو كلاهما، وقد أجازت الشريعة تأجيل أحد البدلين إجازة صريحة، عندما أجازت الأحاديث النبوية الشريفة بيع السلم وبيع النسيئة.

وبيع التقسيط عبارة حادثة لمعاملة قديمة، فهو ليس إلا لونا من ألوان بيع النسيئة، إنه بيع يعجل فيه المبيع، ويتأجل الثمن، كله أو بعضه، على أقساط (= نجوم) معلومة، لآجال معلومة، وهذه الأقساط قد تكون منتظمة المدة، في كل سنة مثلًا قسط، أو غير ذلك، كما قد تكون متساوية المبلغ أو متزايدة أو متناقصة، وهذا معروف لدى المطلعين على طرق سداد الديون (= استهلاكها، إطفائها) .

والأقساط جمع قسط، والقسط في اللغة هو الحصة أو النصيب يقال: تقسطنا المال بيننا، أي أخذ كل منا نصيبه منه، والقسط أيضا: العدل يقال: أقسط الرجل فهو مقسط، أي عادل، ولعل بين المعنيين صلة، إذ النصيب يفترض فيه أن يكون عادلًا بوجه من الوجوه وإذا قال الفقهاء: إن للزمن قسطًا من الثمن، فإنما يعنون أن للزمن حصة عادلة من الثمن، ولكن الناس قد يجورون، فإذا جاروا فهو القسوط، ومنه القاسط: العادل عن العدل (الجائر)، والمقسط: العادل (= مزيل الجور) الذي يزن بالقسطاس (= لغة في القسط، بمعنى الميزان) المستقيم.

هذا ولا يقصد ببيع التقسيط أن التقسيط هو المبيع، بل إن التقسيط هو طريقة البيع، أو بعبارة أدق: طريقة سداد ثمن البيع.

ص: 186

1-

2 أهمية بحث بيع التقسيط:

قد يتساءل البعض: ما فائدة النظر المجدد في بيع التقسيط، وقد عرفنا أنه ليس إلا ضربًا من ضروب بيع النسيئة، وهذا البيع جائز بنص الحديث النبوي؟

الواقع أن لهذا النظر المجدد: أهمية نظرية، وأخرى عملية.

1-

الأهمية النظرية: تتمثل في أن بيع التقسيط ينطوي على تأجيل، كما ينطوي على زيادة في الثمن لأجل هذا التأجيل، وثمة بيوع نصت الأحاديث النبوية على حرمة الأجل فيها، كبيع الذهب بالذهب، أو الذهب بالفضة، أو القمح بالشعير، وثمة بيوع نصت الأحاديث النبوية على حرمة الزيادة (= الفضل) فيها للأجل، كبيع الذهب بالذهب، أو القمح بالقمح، فلابد إذن من بيان الفروق الدقيقة التي تفصل بين بيع يجوز فيه الأجل والزيادة للأجل، وبيع لا يجوز فيه أجل ولا زيادة.

وبعبارة أخرى فإن في بيع التقسيط نساء وفضلًا، وهذا قد يلتبس بربا النساء وربا الفضل المحرمين في بعض البيوع، وبعبارة ثالثة فإن نظرية الربا في الإسلام لا يتكامل فهمها إلا بفهم هذه البيوع المؤجلة وتفسيرها، إلى جانب فهم ربا القروض وربا البيوع.

هذا فضلًا عن فائدة نظرية أخرى، تضاف إلى ما تقدم، وهي الرغبة في التأكد من بيع التقسيط: هل يكون حكمه هو نفس حكم بيع النسيئة؟

2-

الأهمية العملية: تتمثل في أن بيع التقسيط قد انتشر انتشارًا كبيرًا في معاملات الأفراد والأمم، بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما في مجال السلع المعمرة اللازمة للأسر والمنشآت، كالآلات والأدوات والتجهيزات والسيارات. . . فتشتري هذه المنشآت من مورديها بالتقسيط، وتبيع إلى زبائنها بالتقسيط، وربما لجأت إلى المصارف لتمويل هذه العمليات (بيوع التقسيط) .

ص: 187

وقد ساعد على انتشار هذه البيوع أن البائع الذي يبيع بالتقسيط يمكنه أن يأخذ من المشتري ورقة تجارية (سندًا إذنيًا لأمر البائع، أو سفتجة، أي كمبيالة، مسحوبة على المشتري) أو عدة أوراق تجارية بعدد الأقساط المؤجلة، ثم يخصمها لدى المصرف، ليحصل على قيمتها الحالية، وهذا الخصم المصرفي عندنا من ربا النسيئة المحرم، وعليه فإن المؤسسات الائتمانية الحديثة قد كانت عاملًا مساعدًا على انتشار بيع التقسيط، من طريق قيامها بعمليات الخصم وعمليات أخرى كبطاقات الائتمان.

كذلك فإن المصارف الإسلامية الحديثة قد زاولت بيوع التقسيط، وساعدت على انتشاره، فهي تشتري السلعة بثمن معجل، وتعيد بيعها إلى العميل بثمن مقسط، وذلك من خلال ما سمي " ببيع المرابحة للآمر (أو للواعد) بالشراء "، فهو مرابحة من حيث إن المصرف يبيع السلعة لعميله بثمن الكلفة مضافًا إليه ربح معلوم للمصرف، وهذا هو معنى بيع المرابحة في الفقه الإسلامي باعتباره أحد أنواع بيوع الأمانة (المرابحة، التولية، الوضعية) ، وهو بيع تقسيط من حيث إن المصرف يقسط ثمن البيع على أقساط، وفيه أيضا زيادة على المرابحة والتقسيط، من حيث إن المصرف عند مباشرة العملية لا تكون السلعة لديه، بل يعد العميل بشرائها وإعادة بيعها إليه، والتوسع في الكلام عن بيع المرابحة المطبق في المصارف الإسلامية إنما يخرج عن نطاق هذا البحث، ويدخل في نطاق بحوث أخرى لي منشورة (انظر على سبيل المثال: ورقتي المقدمة للدورة الخامسة لمجلس المجمع الفقهي – جدة) .

1-

3 أهمية بيع التقسيط في شركة الوجوه:

شركة الوجوه، في الفقه الإسلامي، هي شركة بين اثنين أو أكثر يشترون بالنسيئة أو بالتقسيط، ويبيعون بالنقد، وربما بالنسيئة والتقسيط أيضا، أي أن الشركة لا رأس مال لها، بل تعمل بأموال الغير (= الدائنين) ، ويقتسم الشركاء الأرباح بحسب ملكية (وضمان) كل منهم في المال المشترى، وقد فصلنا الكلام في شركة الوجوه في موضع آخر.

ويهمنا هنا أن شركة الوجوه الجائزة عند الحنفية والحنابلة، إنما تعتمد على بيع النسيئة أو التقسيط ولا سيما من حيث علاقة الشركة بمورديها، أي البائعين إليها.

1-

4 هل عالج الفقهاء القدامى بيع التقسيط؟

تكلم الفقهاء عن بيع مؤجل الثمن، كما تكلموا عن تقسيط الثمن (المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 14/291) ، ولكنهم لم يفردوا له كتابًا أو بابًا مستقلًا.

ووجدت في كتاب الأم 3/86 و 88 و 89 للإمام الشافعي كلامًا صريحًا عن تقسيط المبيع في البيع المؤجل المبيع (بيع السلم = بيع السلف) ، وقد أجازه بشرط معرفة حصة كل قسط من الثمن (المسلف) ، أي معرفة القيمة الحالية لكل قسط وهذا كما لو سلف مبلغًا محددًا في كمية محددة من الحنطة وكمية محددة من التمر، فلابد في كل حالة من معاجلة الأمر على أنها بيوع معلومة بأثمان معلومة، فاختلاف الأجل كاختلاف الصنف المبيع، فالأقساط حتى لو تساوت من حيث قيمتها الاسمية، فإنها تختلف في القيمة الحالية، فإن مائة صاع من القمح تقبض بعد شهر ليست مساوية لمائة صاع من القمح تقبض بعد شهرين.

وبالطبع فإن ما شرطه الشافعي في بيع السلم المقسط غير محتاج إليه في بيع النسيئة المقسط، ذلك لأن المبيع في بيع النسيئة يقبضه المشتري دفعة واحدة، أما في بيع السلم فيقبضه على دفعات متعددة، وقد اشترط الشافعي معرفة حصة كل دفعة من الثمن، خشية عدم قدرة البائع على تسليم دفعة أو أكثر من الدفعات، فيمكن عندئذ فسخها بحصتها من الثمن، دون أن تتأثر بذلك بقية الدفعات التي سلمت في الماضي أو ستسلم في المستقبل.

ص: 188

الفصل الثاني

حكم بيع التقسيط وحكمته

2-

1 بيع النسيئة جائز بالنص:

روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا (وفي رواية: شعيرًا) إلى أجل (وفي رواية: بنسيئة) ، ورهنه درعًا له من حديد البخاري 3/101 و186 ومسلم 4/123 واللفظ له.

وهذا البيع جائز، سواء كان مع اليهود أو مع المسلمين أو سواهم، فهو نظير بيع السلم (= بيع السلف) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)) ، رواه البخاري 3/111 واللفظ له، ومسلم 4/124 وغيرهما.

وجواز بيع النسيئة (وهو بيع مؤجل الثمن) يعني جواز بيع التقسيط، لأن هذا البيع ليس إلا بيعًا مؤجل الثمن، غاية ما فيه أن ثمنه مقسط أقساطًا، لكل قسط منها أجل معلوم، ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجل لأجل واحد وثمن مؤجل لآجال متعددة.

على أنه تجدر الإشارة إلى أن بيع النسيئة، وإن كانت هناك نصوص أجازته، إلا أنه ليست هناك نصوص أجازت فيه الزيادة لأجل التأجيل أو التقسيط، بل هذا يحتاج إلى استنتاج وإظهار، وهو ما سنقوم به في هذا البحث.

2-

2 حكمة بيع التقسيط

في بيع التقسيط فائدة لكل من البائع والشاري:

1-

فالبائع يزيد في مبيعاته، ويعدد من أساليبه التسويقية، فيبيع نقدًا وتقسيطًا، ويستفيد في حال التقسيط من زيادة الثمن لأجل التقسيط.

2-

والمشتري يستطيع الحصول على السلعة، والاستمتاع باستهلاكها أو استعمالها، قبل أن يمكنه دخله أو ثروته من ذلك، وهو بدل من أن يدخر ثم يشتري بالنقد، فإنه يشتري بالتقسيط، فيتعجل السلعة ويسدد ثمنها نجوما (= أقساطًا) .

2-

3 مخاطر التوسع في الاستدانة:

البيع بالتقسيط هو بيع بالدين، ولا ينبغي التوسع في الاستدانة، لأن الاستدانة، في حالة الشراء بالتقسيط، فيها زيادة في مقابل الأجل، أضف إلى ذلك أن حجم الدين يجب ألا يتجاوز قدرة المدين على السداد، والدين إذا كان " عامًا "(أي إذا كانت الحكومة هي المدينة) ، ولا سيما الطويل الأجل منه، يحمل الأجيال القادمة عبء الجيل الحالي، إذا كان ممولًا بأموال الزكاة أو غيرها من الموارد العامة، ففي مثل هذه الحالات يكون الدين همًّا بالليل ومذلةً بالنهار، كما ورد في بعض الآثار (كنز العمال 6/231 و232، أو همًّا في أوله وحربا (= إفلاسًا) في آخره (الموطأ 2/770) .

وإذا كان الدائن غير مسلم، مثل حالة البلدان الأجنبية الدائنة، ففي الدين من مخاطر سيطرة البلدان الدائنة، وتبعية البلدان المدينة، ما لم يعد يخفى على أحد في عصرنا هذا، ومحاولة استعباد المدين محاولات قديمة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه امرؤ مسلمًا، فرآه عاريًا، يأمر بلالًا رضي الله تعالى عنه بالاقتراض قال بلال: يأمرني فأنطلق فأستقرض، فاشتري له البردة، فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال، إن عندي سعة، فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما أن كان ذات يوم، توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي، قلت: يا لباه (= لبيك) ، فتجهمني، وقال لي قولًا غليظًا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب. قال: إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي عليك، فأردّك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك! إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك. . .)) الحديث رواه أبو داود في باب الإمام يقبل هدايا المشركين (عون المعبود 8/306) .

ص: 189

2-

4 هل بيع التقسيط مستحب أم مباح؟

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة فيهن البركة: البيع إلى أجل. . .)) ، رواه ابن ماجه في السنن (في التجارات، باب الشركة 2/768) والسيوطي في الجامع الصغير 1/533.

لا شك أن البيع إلى أجل يكون مستحبًا، عندما يقصد به الإرفاق بالمشتري، فلا يزاد عليه في الثمن لأجل الأجل، إذا كان محتاجًا فقيرًا، أو يؤتمن على السداد، بدون أن يضيق عليه بطلب رهن أو كفالة مثلًا.

أما إذا كان البيع إلى أجل لا يقصد به الإرفاق، بل مجرد المعاوضة الكاملة، حيث يزاد في الثمن لأجل الأجل، أو تطلب كفالة أو رهن، أو يؤتمن فيه المليء فقط، فهذا البيع يكون مجرد مباح، والله أعلم.

2-

5 هل بيع التقسيط عقد تبرع أم عقد معاوضة؟

العقود الثلاثة:

1-

تبرع محض (= كامل) كالهبة والعارية والضمان.

2-

معاوضة محضة (= كاملة) كالبيع والإجارة والشركة.

3-

تبرع ومعاوضة معًا، كالقرض فهو معاوضة من حيث إنه يرد مثله، وتبرع من حيث إن فيه معنى الصدقة، فهو عقد معاوضة ناقصة يثاب فيه المقرض.

وبيع الأجل أو التقسيط إذا لم تكن فيه زيادة للأجل، كان كالقرض عقد معاوضة ناقصة، ويثاب فيه البائع على إحسانه.

وإذا كانت فيه زيادة للأجل، ولا إرفاق فيه، فهو عقد معاوضة كاملة.

ص: 190

الفصل الثالث

آداب بيع التقسيط

3-

1 من لا يبيع إلا بالتقسيط:

إن بعض العلماء لدى بحثهم في بيع العينة وصوره، ذكروا أن للعينة صورًا منها أن يكون عند الرجل المتاع، فلا يبيعه إلا نسيئة، ونص الإمام أحمد على كراهة ذلك، فقال: العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس.

وقال أيضا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة، فلا يبيع بنقد.

قال ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبا.

وعلله ابن تيمية بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة، كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرًا من التجار (تهذيب السنن لابن القيم بهامش عون المعبود 9/347، والمغني مع الشرح الكبير لابن القدامة 4/45) .

وتعليقًا على هذا أقول: إنه كان قصد التاجر من البيع بالنسيئة هو بيع العينة أو بيوع الآجال (أي الحيل الربوية) فلا أشك في أن هذا مكروه، بل حرام، ديانة وقضاء.

لكن إن كان التاجر يبيع بالأجل، دون أن يتخذ هذا ذريعة إلى بيوع الآجال (= العينة) ، أو إلى خصم الأوراق التجارية في المصارف وما شابهه، فهذا مباح حتى ولو لم يبع إلا بالأجل والتقسيط، وحتى لو قصد الزيادة لأجل الأجل، أي خلافًا لابن عقيل، وسواء كان الشاري غنيًا أو فقيرًا لكن لو خفف البائع عن الفقير في الثمن، فهذا مستحب يثاب عليه.

وربما يحسن حمل كلام العلماء على هذا المعنى الذي ذكرناه، لا سيما وأنه ذكر بمناسبة الكلام عن صور بيع العينة ولا يحسن تسمية بيع الأجل بيع العينة، لأن بيع الأجل جائز وبيع العينة حرام.

ص: 191

3-

2 من آداب الشراء بالتقسيط:

يجب على شخص، سواء كان طبيعيًّا أو معنويًّا، فردًا أو حكومة، وأن لا يشتري بالتقسيط إلا إذا كان عازمًا على السداد، وقادرًا عليه، بحيث يغلب على ظنه أن يتمكن من سداد كل قسط في ميعاده، من فائض دخله أو ثروته في ميعاد السداد فحكم الدين هنا كحكم القرض، وقد ذكر الفقهاء أن الإمام (= الدولة) عندما يقترض، فلابد أن يتوقع قدرته على الوفاء.

قال الجويني: " الذي يوضح المقصد أنه لو استقرض، لكان يؤدي ما اقترضه من مال فاضل مستغنى عنه في بيت المال "(الغياثي ص 276، وانظر أيضا ص 279) .

وقال الغزالي: " ولسنا ننكر جواز الاستقراض (. . .) إذا دعت المصلحة إليه، ولكن إذا كان الإمام لا يرتجي انصباب مال إلى بيت المال يزيد على مؤن العسكر (. . .) ، فعلى ماذا الاتكال في الاستقراض، مع خلو اليد في الحال، وانقطاع الأمل في المال؟ نعم لو كان له مال غائب، أو جهة معلومة تجري مجرى الكائن الموثوق به (. . .) "(شفاء الغليل 241- 242) .

وقال الشاطبي: " والاستقراض في الأزمات إنما يكون حيث يرجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى "(الاعتصام 2/122) . وقال ابن أبي موسى: " لا أحب أن يتحمل بأمانته ما ليس عنده، يعني ما لا يقدر على وفائه "(المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 4/353) .

والعادة أن البائع لا يبيع بالتقسيط إلا بعد التحقق من قدرة الشاري على الوفاء بأقساط الدين في مواعيدها وربما أيد (= وثق) هذا الدين برهن، أو بكفالة.

ص: 192

3-

3 هل يجوز أن يشتري بالتقسيط مع قدرته على دفع الثمن في الحال؟

لا يجوز للمسلم أن يقترض مع عدم حاجته للقرض (كنز العمال 6/230) ، لأن القرض عقد إرفاق (= إحسان) ، لا يجوز أن يطلبه إلا من كان أهلًا لهذا الإرفاق، إذ فيه منة على المقترض.

أما الشراء بالتقسيط فيمكن أن يلجأ إليه حتى من كان قادرًا على سداد الثمن في الحال ذلك بأن المشتري قد يرغب في استخدام فائض ماله في وجوه استثمارية مختلفة وعقد الشراء الثمن في الحال ذلك بأن المشتري قد يرغب في استخدام فائض ماله في وجوه استثمارية مختلفة وعقد الشراء بالتقسيط ليس كعقد القرض، فهو عقد معاوضة كاملة ويعتاض فيه البائع وعن التأجيل، فليس فيه إذن إرفاق ولا منة.

3-

4 هل يجوز أن يمنع بائع التقسيط المشتري من التصرف بالمبيع إلى حين استيفائه الثمن (الشرط المانع من التصرف) ؟

يرجع فيه إلى مبحث بيع التقسيط والبيع الإيجاري (5-2) .

3-

5 هل يجوز أن يحتفظ بائع التقسيط بملكية المبيع إلى حين استيفائه تمام الثمن (شرط الاحتفاظ بالملكية) ؟

يرجع فيه أيضا إلى مبحث بيع التقسيط والبيع الإيجاري (5-2) .

3-

6 كتابة الدين (= الأقساط) :

على المستدين أن يكتب وثيقة للدائن بأنه استدان منه كذا بتاريخ كذا، حتى يوم كذا فإن لم يفعل المستدين هذا طلبه الدائن.

وقد نظم الإمام الشافعي هذا المعنى، فقال:

أَنِلْنِي بِالَّذِي اسْتَقْرَضْتَ خَطًّا

وَأَشْهِِدْهُ مَعْشَرًا قَدْ عَايَنُوهُ

فَإِنَّ اللَّهَ خَلَّاقُ الْبَرَايَا

عَنَتْ لِجَلَالِ هَيْبَتِهِ الْوُجُوهُ

يَقُولُ: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ

إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ

يشير به إلى الآية 282 من سورة البقرة، على سبيل التضمين في اصطلاح القدامى، والاقتباس في اصطلاح المتأخرين (البرهان للزركشي 1/483) .

هذا وإن الكتابة، والشهادة، والضمان، كله مما يفيد التوثيق.

ص: 193

الفصل الرابع

الرقابة الاقتصادية والائتمانية على بيع التقسيط

4-

1 بيع التقسيط هو أحد ضروب الائتمان المباشر:

الائتمان في عصرنا نوعان: ائتمان غير مباشر، وائتمان مباشر الائتمان غير المباشر تمارسه المصارف، فهي وسيط (بالمعنى الاقتصادي لا الحقوقي، إذ إن علاقتها بكل فريق من الفريقين علاقة مستقلة) بين المقرضين والمقترضين، إذ تقترض من "المودعين "، لتقرض المنتجين وسواهم، كما تخصم الأوراق التجارية التي تتولد من بيوع مؤجلة بين البائعين والشارين، أي تخصم دين البائع على الشاري، وتقرض البائع القيمة الحالية لهذا الدين.

أما الائتمان المباشر فهو الائتمان الذي ليس فيه وسيط مالي، كالمصرف، بل يجري بين طرفين، كالبائع الذي يبيع المشتري بالتقسيط، فبيع التقسيط هو إذن من الائتمان المباشر، إذ يأتمن فيه البائع المشتري على سداد الأقساط.

4-

2 رقابة المصارف المركزية على بيع التقسيط:

من الوظائف المنوطة بالمصارف المركزية الحديثة وظيفة الرقابة على الائتمان، أي إدارته وتوجيهه ومحاولة التحكم به، وقد ذكرناه أن الائتمان يشمل بيع التقسيط.

ويمارس المصرف المركزي دوره في بيع التقسيط بثلاث وسائل (= أسلحة) :

1-

وضع حد أدنى للدفعة المعجلة (quotite) .

2-

وضع حد أقصى لمدة التقسيط.

3-

التأثير في معدل زيادة الثمن لقاء الزمن.

ويتحدد الحد الأدنى للدفعة المعجلة، والحد الأقصى لمدة التقسيط، واتجاه التأثير في معدل زيادة الثمن، وفق مقتضيات السياسة الائتمانية فإذا أراد المصرف المركزي لعمليات البيع بالتقسيط أن تنبسط (= تتسع) ، فإنه يخفض الحد الأدنى للدفعة المعجلة، ويرفع الحد الأقصى لمدة التقسيط، ويؤثر على المعدل في اتجاه الانخفاض وعلى العكس من ذلك، إذا أراد لتلك العمليات أن تنقبض (= تضيق) ، فإنه يرفع الحد الأدنى، ويخفض الحد الأقصى، ويؤثر على المعدل في اتجاه الارتفاع.

وفي بعض البلدان، كفرنسا مثلًا، يخضع هذا المعدل لرقابة القانون، فإذا تجاوز المعدل القانوني للفائدة، اعتبر ربا محرمًا يعاقب عليه القانون، غير أن القانون قد سمح في حالة الائتمان التقسيطي الصغير، بتحصيل مصاريف سماها مصاريف ملف وإدارة لأن كلفة الائتمان الصغير تتجاوز السقوف القانونية للفائدة.

ص: 194

4-

3 المنشآت الائتمانية في نطاق بيع التقسيط:

بيع التقسيط يتحلل في حقيقته إلى وظيفتين اقتصاديتين: بيع معجل + قرض وقد يضطلع البائع نفسه بهاتين الوظيفتين، وقد ينشىء منشآت تابعة له، لكي تقدم القرض منفصلًا عن البيع، وقد يلجأً لهذا الغرض إلى المصارف، أو إلى منشآت مصرفية مختصة.

وعلى هذه الشاكلة، تطور الائتمان الذي يقدمه الموردون، منذ القديم، للصناع والتجار والمستهلكين، وفعلًا هناك في بعض البلدان، ومنها البلدان العربية والإسلامية، بائعون لا يبيعون بالتقسيط، بل على من أراد شراء سيارة، مثلًا، بالتقسيط، أن يتوجه إلى هذه المنشآت الائتمانية المختصة، فتشتري له السيارة من معرض بيع السيارات، أو من الوكالة، بالنقد، أي تدفع ثمنها نقدًا، وتسجل عليه ثمنها المؤجل، أو المقسط.

هذا ونتعجل الإشارة في هذا الموضوع، إلى أن الحكم الشرعي على بيع التقسيط بين بائع وشار، مختلف عنه بين بائع وشار ووسيط مالي، فالأول جائز شرعًا، والآخر غير جائز، لأن الوسيط يدفع مثلًا 60 ألف ريال (الثمن المعجل للسيارة) ، ويسترد من المشتري 70 ألف ريال (الثمن المقسط للسيارة) ، وهذا ربا نسيئة محرم، وسنزيده بيانًا في مباحث لاحقة من هذه الورقة.

ص: 195

الفصل الخامس

تمييز بيع التقسيط عن بعض البيوع الأخرى المقاربة

(صور جديدة يمكن أن يلتبس بها بيع التقسيط أو تلتبس به)

5-

1 بيع الأجل وبيوع الآجال:

بيوع الآجال هي أن يبيع الرجل سلعته بثمن مؤجل، ثم يشتريها بثمن أعلى إلى أجل أبعد، أو بثمن أقل إلى أجل أدنى، أو نقدًا ففي بيوع الآجل بيعتان كل منهما بثمن، فإن كانت البيعة الثانية مشروطة في الأولى فلا أحد من الفقهاء يجيزها وكذلك إن كانت نية المتبايعين التحايل على الربا، حيث إن البائع يثبت له في ذمة المشتري الثمن الموجل (الدين) ، ثم إذا ما استرد سلعته بثمن نقدي أقل، تكون السلعة قد عادت إليه، ويكون قد دفع إلى من كان مشتريًا في البيعة الأولى، وبائعًا في البيعة الثانية مبلغًا يعادل الثمن النقدي، ومحصلة هذا أن البائع أولًا (المشتري ثانيًا) قد أقرض المشتري أولًا (البائع ثانيًا) قرضًا بزيادة مقدارها الفرق بين الثمنين، فهو إذن قرض ربوي بالحيلة، ويسمى في الشرع " عينة ".

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة (

) سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) ، رواه أبو داود 3/274، وصححه الشيخ أحمد شاكر (مسند الإمام أحمد، ط أحمد شاكر 7/27)، وقال ابن تيمية: إسناده جيد (الفتاوى 29/26- 30) .

فالعينة هنا بيع مقصوده السلف الربوي، أي هو من قبيل استحلال الربا بصورة البيع.

أما إذا وقعت البيعة الثانية من دون اشتراط في البيعة الأولى، فهذا جائز عند الشافعية والظاهرية، ممنوع عند جمهور الفقهاء، واحتج الشافعية بأن حمل الناس على التهم لا يجوز، وهم يرون أن مجرد إعادة بيع السلعة إلى بائعها قبل دفع الثمن ليس دليلا كافيًا على وجود النية الربوية عند المتبايعين.

ص: 196

ولهذه البيوع صور عديدة جدًّا، لا سيما عند المالكية الذين ذكر بعضهم أنها بلغت ألف مسألة (الفروق للقرافي 2/32، وتهذيب الفروق بهامشه 2/42) .

انظر في بيوع الآجال أو بيع العينة: مقدمات ابن رشد، كتاب بيوع الآجال، ص524، والمدونة 4/118، وبداية المجتهد 2/106، وقوانين ابن جزي 284، والموافقات للشاطبي 4/198 و 199 و 3/304 – 305 و 328 و 220- 221 ـ والاعتصام 2/31، وبلغة السالك للصاوي 2/41 والأم للشافعي 3/68 و 78 (باب بيع الاجال) و 3/33 و 34، وروضة الطالبين للنووي 3/416 وحاشية ابن عابدين 4/279 و 244 والمحلى لابن حزم 9/47 وفتاوى ابن تيمية 29/26- 30، وتهذيب السنن 5/108، وأعلام الموقعين لابن القيم 3/166، والمغني لابن قدامة 4/195، وسبل السلام 3/42، ونيل الأوطار 5/234.

والمهم هنا أن نفرق بين بيع الأجل وبيوع الآجال، فبيع الأجل جائز بزيادة في الثمن للأجل عند جمهور الفقهاء، وبيوع الآجال غير جائزة عند جمهور الفقهاء، لا لأن الزيادة في الثمن للأجل لا تجوز، بل لأن هذه الزيادة لا يجوز اتخاذها ذريعة إلى بيع لا تراد بها السلع، ولا يراد بها حقيقة البيع، إنما يراد بها السلف الربوي، إذ تتقابل هذه البيوع وتتعاكس مختلفة في الأثمان والآجال، حتى تفرغ من محتواها، أي من مقصودها وربما سميت بيوع عينة، لأنها بيوع يراد بها العينة، أي السلف الربوي.

5-

2 بيع الأجل والتورق:

التورق هو أن يشتري السلعة بثمن مؤجل، أو مقسط، ويبيعها لآخر بثمن معجل، ليحصل على الورق (= الدراهم، النقود) ، ليسد بها حاجته، والتورق هو ضرب من العينة (= بيوع الآجل) ، لكن أفردناه لأن بعض المعاصرين يرون جوازه بلا تفصيل ويعلمونه لتلاميذ المدارس في الكتب المدرسية.

ونحن نرى جوازه إن كان الغرض عند الشراء هو الانتفاع بالسلعة، أو الاتجار بها (فتاوى ابن تيمية 29/30و 442 و 446 و 496) .

وكذلك نرى أنه لا إثم على البائع، ولا على المشتري الثاني، إذا كانا غير عالمين بحاجة المتورق إلى المال.

أما المتورق فيحسن أن يلجأ أولا إلى طلب القرض، فإن لم يقرضه أحد تورق (لجأ إلى التورق) ، لكن المتورق قد يلجأ إلى التورق مباشرة إذا كان يخشى المنة، ويغلب ويغلب على ظنه أن أحدًا لن يقرضه بلا فائدة، فهنا قد يجوز التورق والله أعلم.

أما إذا كانت عملية التورق تتم بتواطؤ الأطراف الثلاثة، في صورة نظام كما هو واقع في عصرنا هذا، بحيث يشتري بثمن مؤجل ليبيع بثمن نقدي إلى منشأة تابعة للبائع الأول، فهذا لا يجيزه فقيه إلا من أهل الحيل، سئل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عن التورق، فقال: هو آخية (أو أخيه) الربا (فتاوى ابن تيمية 29/431، وأعلام الموقعين لابن القيم 3/182)، أي أصله أو الحبل أو السبب الموصل إليه والآخية (بتخفيف الياء أو بتشديدها) : عروة تثبت في أرض أو حائط، وتربط فيه الدابة والأخية (بوزن قضية) : الوسيلة، الصلة القوية (النهاية لابن الأثير، والمعجم الوسيط) .

ص: 197

5-

3 بيع التقسيط والبيع الإيجاري (= الإيجار المنتهي بالتمليك) :

قد يتفق اثنان على أن يؤجر أحدهما للآخر سلعة من السلع القابلة للإجارة: أرض، مبنى، سيارة، باخرة، طائرة، آلة

الخ، بحيث يسدد المستأجر أقساطًا إيجارية في مواعيد دورية منتظمة: كل شهر أو كل سنة أو غير ذلك، وبحيث إذا سدد من الأقساط المحددة عشرة أقساط مثلًا، تم نقل ملكية السعلة إلى المستأجر مع سداده القسط الأخير، وخلال مدة الإجارة قد توضع لوحة ظاهرة على الشيء المأجور، تبين أن هذا الشيء ملك لفلان المالك المؤجر.

وهذا ما يسمى " البيع الإيجاري " location – vente بالفرنسية، Hire purchase بالإنكليزية فهو إيجار ينتهي بالبيع (بالتمليك) ، ويلجأ إليه صاحب السلعة، بدل بيع التقسيط، رغبة منه في الاحتفاظ بملكية السلعة، خلال مدة تسديد الأقساط، فلا تنتقل ملكيتها إلى الطرف الآخر إلا بعد سداد الثمن المقسط كاملًا، فلو أفلس هذا لم تدخل السلعة في التفليسة، لكن ربما ادعى وكيل التفليسة أن البيع هو بيع تقسيط تحت ستار بيع إيجاري، ولو عقدت هذه المعاملة بيعًا بالتقسيط لانتقلت ملكية المبيع إلى المشتري بمجرد إبرام عقد البيع، فإذا أفلس كانت أملاكه، ومنها هذا المبيع، موضع قسمة بين الدائنين (= الغرماء) .

وهناك صورة قريبة من البيع الإيجاري، في القانون الوضعي، وهي أن يعقد الطرفان عقد إجارة، مع وعد بالبيع، في نهاية الإجارة، وقد يكون هذا الوعد ملزمًا للطرفين أو غير ملزم، أو ملزمًا للبائع دون المشتري، فإن كان الوعد غير ملزم لأي منهما، فلا بأس بالمعاملة شرعًا، إذ في نهاية الإجارة، يعقدان البيع، ويتراضيان على الثمن أما إن كان الوعد ملزمًا، فلا نرى جوازه، لأن الوعد الملزم في حكم العقد لابد فيه من أن يكون الثمن معلومًا، وكيف يتم التراضي على ثمن، سلعة لا يعرف حالها إلا في نهاية الإجارة؟ وربما يتم نقل ملكية السلعة بدون ثمن أي هبة، وظاهر أنها حيلة (فاجتماع الهبة مع البيع كاجتماع السلف مع البيع، كلاهما ممنوع في الشرع) ، وإلا فليس من المعقول أن يهبه هبة حقيقية، فليس ثمة من الهبة إلا صورتها، ومما يزيد الحيلة وضوحًا أن المؤجر يملك السلعة المأجورة، ولكنه يتنصل بكل طريق من تحمل مخاطر الملك وصيانته، فهو إذن ملك صوري، ليس الغرض منه إلا الضمان، أي ضمان بقاء السلعة في ملكه حتى سداد ثمنها كاملا ومما يزيد الحيلة وضوحا أيضا أن الأقساط المسددة تكون أقساطًا بيعية (أي أقساط سداد الثمن) ، لا أقساطًا إيجارية (أقساط سداد الأجرة) ، فالأولى أعلى من الثانية.

ص: 198

والخلاصة فإن البيع الإيجاري، أو الإيجار مع الوعد الملزم بالبيع، حيلة حديثة على بيع التقسيط (والبيع من العقود الناقلة للملكية) ، يشبهها في الحكم بيع التقسيط مع عدم نقل ملكية المبيع إلا بعد سداد الأقساط جميعًا، وهذا ما يعرف في مباحث القانون الوضعي بشرط الاحتفاظ بالملكية، وقد أجازه القانون الروماني وبعض القوانين الحديثة العربية والأجنبية (د. إبراهيم دسوقي أبو الليل ص 90 و 148 و 189 و 270) .

والبيع الإيجاري من البيوع التي أقرتها بعض القوانين الوضعية كما ذكرنا، وليس له ذكر عند الفقهاء المسلمين السابقين، ويحاول بعض العلماء المعاصرين استباحته بحجج وحيل غير مقبولة فقهيًا وأصوليًا.

وقد رأى بعض الفقهاء المعاصرين أن البيع الإيجاري يستغني عنه شرعًا ببيع التقسيط، مع تقديم كفالة أو ضمان (رهن) ، ويمكن أن يكون رهنًا للمبيع نفسه، إذا كان الرهن غير مقبوض (رهن رسمي غير حيازي) في يد البائع المرتهن، وهذا ممكن اليوم في نطاق السلع التي ترهن بإشارة رهن في السجل الرسمي، كما هو واقع بالنسبة للمباني والسيارات وغيرها (أبو الليل ص 189) .

والحقيقة أن بيع التقسيط، مع رهن المبيع، لا يغني الباعة عن البيع الإيجاري، أي أن الأول ليس بديلًا كاملًا، له نفس الكفاءة بالنسبة للبائع، لأن أفضلية البائع المرتهن تتقدم عليها في المرتبة أفضلية أرباب حقوق الامتياز العامة، كالخزانة العامة التي تحظى بأفضلية مطلقة (أبو الليل ص 187 و 180) ، ولأن الرهن يتطلب إجراءات قانونية متعددة، كالتسجيل والتجديد وبيع المرهون.

ولئن جاز رهن المبيع نفسه، فقد يجوز أيضًا أن يتشرط بائع التقسيط على المشتري عدم التصرف بالمبيع إلى حين استيفاء الثمن، ويسجل هذا الشرط مع تسجيل عقد البيع، وهو ما يعرف في مباحث القانون الوضعي بالشرط المانع من التصرف (أبو الليل ص 10و 20و 22 و 259) فرهن المبيع نفسه ليس الغرض منه إلا منع المشتري من التصرف به إلى حين سداد الأقساط وفك الرهن.

ص: 199

5-

4 بيع التقسيط والتمويل الإيجاري:

التمويل الإيجاري (بالإنكليزية Leasing ، وبالفرنسية Credit-bail)

صيغة تمويلية حديثة، ظهرت أو مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1953م، وفي فرنسا عام 1962م، واعترف بها القانون الفرنسي المؤرخ في 2 تموز (يوليو) 1966 م.

والتمويل الإيجاري هو كالبيع الإيجاري، إلا أن السلعة التي يراد تأجيرها لم تدخل بعد في ملك المؤجر، فهو يؤجرها قبل أن يشتريها، فهو إيجار قبل القبض (قارن في الشريعة: البيع قبل القبض) ، بل قبل الشراء.

والصورة القانونية لهذا التمويل الإيجاري هي أن يقدم أحد الطرفين وعدًا بالإجارة، ثم تعقد الإجارة بعد شراء السلعة التي يراد تأجيرها، ومع عقد الإجارة يكون هناك وعد ببيع السلعة إلى المستأجر في نهاية الإجارة، فإذن هناك وعدان، وقد يكون كل منهما ملزمًا أو غير ملزمًا، فإن كان الوعد في كل مرة غير ملزم، فلا بأس شرعًا، وإن كان الوعد ملزمًا فلا أرى الجواز، لأن الوعد الملزم، كما ذكرنا، في حكم العقد.

وعلى هذا فحكم التمويل الإيجاري عندي كحكم البيع الإيجاري، ويزيد عليه بأن، السلعة تؤجر قبل أن تشترى، وتباع بثمن محدد، أو بثمن السوق في نهاية الإجارة، وهذا كله لا يسلم جوازه، ولم يفلح مُفْتٍ في إثبات جوازه.

وللتمويل الإيجاري في البلدان الصناعية شركات متخصصة تقدم تسهيلاتها للمنشآت الصناعية بصورة خاصة، وتؤثر هذه الشركات هذه الصيغة على القرض (الربوي) الصريح، لأن المال الممول (السلعة المؤجرة) تكن في ملكها، ولا تندمج ضمن موجودات المنشأة الصناعية، ومع أن الشركة الممولة تعتبر مالكة للمأجور، إلا أنها تلقي على عاتق المستأجر كافة الأخطار التي يجب أن يتحملها المالك أصلًا، بما في ذلك أخطار العيوب التي قد توجد في السلعة المؤجرة، لدى تسلمها من الشركة الصانعة، وأخطار التأخر في تسلمها من هذه الشركة الصانعة، ذلك لأن القصد هو التمويل، وما الغرض من التأجير إلا المزيد من الضمانات للشركة الممولة.

5-

5 بيع التقسيط وبيع المرابحة للآمر بالشراء:

بيع المرابحة للآمر بالشراء، المطبق اليوم في المصارف الإسلامية، صورته أن يتواعد العميل مع المصرف، بأن يشتري هذا الأخير سلعة موصوفة (يصفها العميل) بثمن معجل، ثم يبيعها إليه بثمن مؤجل أعلى، وهذه المواعدة ملزمة في بعض المصارف للطرفين: المصرف والعميل، وفي بعض المصارف الأخرى ملزمة للمصرف دون العميل وعندي أنها غير جائزة إلا بالخيار للطرفين، وقد فصلت هذا في بحوث مستقلة، منها بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة.

فبيع المرابحة، بمعناه المطبق في المصارف الإسلامية، يشتمل إذن على بيع معجل بين المصرف وبائع السلعة، وبيع مؤجل بين المصرف ومشتري السلعة، وجواز البيع المؤجل، بزيادة في الثمن لقاء الأجل، لا يرقى إليه شبهة، ولكنه لا يعني بالضرورة جواز بيع المرابحة هذا، ما لم تكن المواعدة فيه غير ملزمة لأي من الطرفين، كما بيَّنَّا.

* * *

ص: 200

الفصل السادس

الأجل في بيع التقسيط

6-

1 الاشتباه بالربا في بيع التقسيط:

في بيع التقسيط نساء وفضل، وكل منهما يعتبر ربا في بعض البيوع التي أتت على ذكرها بعض الأحاديث النبوية الشريفة.

فالذهب بالذهب (وكذلك القمح بالقمح) لا يجوز فيه النساء، فذهب معجل بذهب مؤجل مساو له فيه ربا، يسمى " ربا النساء ".

والذهب بالفضة (وكذلك القمح بالشعير) لا يجوز فيه النساء، وإن جاز فيه الفضل، فذهب معجل بفضة معجلة أكثر منه يجوز لاختلاف الصنفين، ولكن لا يجوز فيه النساء، إذ النساء فيه مظنة الزيادة في الفضل لأجل النساء، أو فيه بعبارة أخرى شبهة القرض الربوي، إذ يدفع المقرض دنانير ذهبية، ويسترد بعد أجل محدد دراهم فضية فيها زيادة تغطي فرق الصنفين (الذهب والفضة) ، وزيادة أخرى تغطي فرق الأجل (الفرق بين قيمة الآجل وقمة العاجل) .

وعليه فإن القمح بالذهب، في بيع التقسيط، فيه نساء وفضل، إذ يباع القمح بثمن مقسط يزيد على الثمن الحال، فلابد من إثبات جواز الفضل لأجل التقسيط، أما النساء في بيع التقسيط فهناك أحاديث صريحة بجوازه، ولكنها تحتاج إلى شرح، فلماذا جاز النساء في بيوع، ومنع في بيوع؟ هذا ما سنفعله في مواضع لاحقة من هذا البحث.

6-

2 عنصر الأجل (= الزمن النساء) في بيع التقسيط:

في الشريعة الإسلامية، كما ذكرنا، بيوع لا يجوز فيها الأجل، مثل الذهب بالذهب، أو الذهب بالفضة (الصرف) ، أو القمح بالقمح، أو القمح بالشعير. . . الخ فهذه البيوع، لو جاز فيها الأجل، لزيد فيها في البدل المؤجل فصارت قرضا ربويًا، فذهب معجل بذهب مؤجل أكثر منه هو في حقيقته قرض ربوي ولذلك منع الشارع الحكيم هذه المعاملة، سواء سميت قرضًا أو بيعًا، وكذلك ذهب معجل بفضة مؤجلة، لابد أن يزاد فيها في الفضة لأجل التأجيل، فصارت كالقرض الربوي، يعقد بالذهب (بالدنانير) ويرد بالفضة (بالدراهم) .

ص: 201

وعلى هذا فإن الأجل قد منع شرعًا في بعض البيوع، منعا لربا القرض، أو سدًّا لذريعته، وفيما عدا ذلك من البيوع، فإن الأجل جائز، ومنه جاز بيع النسيئة (قمح معجل بذهب مؤجل) وبيع السلم (ذهب معجل بقمح مؤجل) ، وجوازهما ثابت في السنة.

فالأصل أن الأجل جائز في البيوع، عدا بيوعًا مخصوصة فإذا كان البيع نقدًا بسلعة، أو سلعة بنقد، أو خدمة بنقد، أو نقدًا بخدمة، وسواء كانت تلك السلعة قيمية (أي تقبل الإجارة كالآلة أو السيارة) أو مثلية (أي تقبل القرض كالنقد والقمح) ، فلا يختلف أحد من الفقهاء على جواز الأجل في هذا البيع، ما دام البدل المؤجل يقبل أن يكون دينًا في الذمة، أي مالًا مثليًا موصوفًا (كالنقد أو القمح) كما ذكر الفقهاء في شروط بيع السلم.

هذا وإن الأجل في بيع التقسيط قد يكون قصيرًا (أقل من سنة) ، أو متوسطًا (من سنة إلى خمس سنوات) ، أو طويلًا (أكثر من خمس سنوات) ، وذلك بحسب المدة التي تتوزع فيها الأقساط.

6-

3 التأجيل (أو التقسيط) رخصة:

بيع السلم، عند جمهور الفقهاء، رخصة مستثناة من بيع ما ليس عنده، وهو البيع المنهي عنه في السنة النبوية الشريفة، فإذن قد يجوز منصوصان، وأحدهما أصل (قاعدة) والآخر رخصة (استثناء) ولهذا لا أوافق ابن تيمية (مع تقديري العام لرسالته في القياس) وابن القيم على قولهما:" ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس "(رسالة القياس في فتاوى ابن تيمية 20/556، وأعلام الموقعين لابن القيم 1/335، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/147 و 152 و 161 و 174) .

كذلك التأجيل أو التقسيط رخصة، لأن في التأجيل غررًا، لكن يبدو أن هذا الغرر من الغرر اليسير المعفو عنه (= المغتفر) ، لا سيما وأن جواز التأجيل في البيع ثابت في النص.

فقد ذكر الإمام الشافعي أن السلم الحالّ أقل غررًا من السلم المؤجل، وقال:" الأعجل أخرج من معنى الغرر "(الأم 3/83 و 85 و 32) وهذا فقه عميق دقيق، ففي السلم المؤجل خطر انقطاع المُسْلَم فيه في الأجل، وخطر حوالة الأسواق (= تغيرات الأثمان) ، فالبدل المؤجل يقدر مقداره في ضوء ظروف واقعة ومتوقعة قد تتغير، فلا يتحقق التساوي بين البدل المعجل والبدل المؤجل، كما كان مقدرًا له، وهذا بخلاف ما لو كان البدلان معجلين في وقت واحد.

ص: 202

قال الجوينى: " من دقيق ما يجري في هذا الفن، وهو العلق النفيس (أي الشيء الغالي المحبوب) في هذا القبيل أن الشافعي ألحق إثبات الخيار والأجل في بابا الرخص، من جهة أن قياس التقابل في المعاوضات أن يخرج العوض عن ملك أحد المتعاقدين حسب (لعله خطأ صوابه: وقت) دخول مقابله في ملكه فإذا حل أحد العوضين، وتأجل الثاني كان ذلك خارجًا عن هذا القانون (. . .) والتأجيل أثبت فسخة لمن لا يملك الثمن في الحال، رجاء أن يتحمله (= يحتال له ويطلبه) إلى منقرض الآجال "(البرهان 2/934 – 935) .

ومعرفة هذا مفيد في الاجتهاد، وبه يتأكد أن الغرر غرران: غرار كبير حرام، وغرر يسير مغفور.

6-

4 سبب منع التأجيل (= النسا) في الأموال الربوية:

إن مبادلة كالذهب بالذهب. . . قد منع فيها النساء، لأن الفضل غير جائز فيها لأجل النساء، ولو جاز فيها النساء لاستتبع ذلك جواز الفضل، لكي تتحقق المعاوضة العادلة، ولو جاز هذا القرض الربوي، وهو ممنوع بنص القرآن والحديث، فذهب معجل بذهب مؤجل أكثر منه لا يجوز، سواء سمي هذا بيعًا أو قرضًا ربويًا لا فرق فالقرض الربوي ضرب من التجارة أو من المبايعة، ولكنها غير جائزة.

لكن علينا أن نلاحظ أن الذهب بالذهب. . . يجوز فيه النساء، إذا كان قرضًا، وعندئذ لا يجوز الفضل، لكي لا ينقلب القرض الحسن قرضًا ربويًا.

وأساس القرض مختلف عن أساس البيع، فالقرض أساسه الإحسان، والبيع أساسه العدل نعم في القرض الشرعي ربا نساء، ولكنه لصالح المقترض، فالقرض عقد إحسان أو إرفاق.

ولا نقول إن القرض جاز على خلاف القياس، بل نقول إن القرض أصل، والبيع أصل آخر مختلف عنه، وليس أحدهما أصلًا (قاعدة) والآخر رخصة (استثناء) ونوافق في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته النفسية عن القياس (انظر الفتاوى 20/514) .

6-

5 التقسيط في بيع السلع القيمية والمثلية:

السلع القيمية هي السلع القابلة للإجارة كالدابة والسيارة والآلة، والسلع المثلية هي السلع القابلة للقرض كالنقود والقمح، والشعير والتمر والملح (مستحضرين في الذهن حديث الأصناف الستة المتعلقة بالربا) .

قد يخطر في البال التفريق بين السلع القيمية والسلع المثلية في بيع التقسيط، فيقال بجواز زيادة الثمن المؤجل في السلع القيمية، دون المثلية، لأن القيمية قابلة للإجارة (=الكراء) ، باعتبار الأجر جائزًا، خلافًا للربا، أي يجوز أجر الآلة والعقار والدابة، ولا يجوز أجر النقود والأطعمة، لأن هذه الأموال لا تؤجر.

على أنه، وإن كان جواز زيادة الثمن المؤجل أوضح في السلع القيمية منه في المثلية، إلا أنها جائزة فيهما، بلا تفريق بينهما في الحكم، وقد أثبتنا جوازه في السلع المثلية في موضع آخر من هذه الدراسة (المبحث 7-3) ، فصار جوازه في السلع القيمية أوضح، فلا فرق في الحكم بينهما إذن، أي أن هذا الفرق بين القيمي والمثلي غير مؤثر في حكم زيادة الثمن للأجل.

ص: 203

الفصل السابع

الزيادة في الثمن لأجل التقسيط

7-

1 الثمن في بيع التقسيط أعلى (منه في البيع الحال) :

الثمن في بيع التقسيط يزيد على الثمن في البيع الحالّ، وليس لدينا نص شرعي صريح بجواز هذه الزيادة.

والفقهاء مختلفون في أمر هذه الزيادة، ولكن جمهورهم على جوازها، وهم قد صرحوا بأن للزمن حصة (أو قسطًا) من الثمن، وذلك بمناسبة كلامهم عن زكاة الديون المؤجلة، أو بيع المرابحة، أو بيع السلم، أو بيعتين في بيعة، أو صفقتين في صفقة، أو بيوع الآجال (= بيع العينة) ويمكن القول بأن مظان كلام العلماء عن هذه الزيادة مظان حديثية (بيعتان في بيعة، صفقتان في صفقة، بيع وسلف، بيع وشرط، شرطان في بيع) ، ومظان فقهية (البيوع الفاسدة، أو المنهي عنها) .

انظر في الفقه الحنفي:

- المبسوط للسرخسي 12/111، 13/78، و 22/45.

- بدائع الصنائع للكاساني 5/ 224، و 5/224.

- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 4/78.

- حاشية ابن عابدين 4 /158، و255 و 291، و 5/133، و141.

وفى الفقه الشافعي:

- الأم للإمام الشافعي 3/62 و 88.

- المجموع للنووي 6/22 و 13/6.

- مغني المحتاج للشربيني 2/78 و 79.

- تحفة المحتاج للهيتمي 4/432.

- حاشية الجمل على شرح المنهج 3/77 و 183.

وفي الفقه المالكي:

- المدونة 4/229.

- بلغة السالك للصاوي 2 /79.

- الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 3/163 و 165.

- الموافقات للشاطبي 4/41 و 42.

- حاشية الزرقاني على خليل 5/ 176.

- الخرشي على خليل 6/44.

- القوانين الفقهية لابن جزي ص 290.

- بداية المجتهد 2 /108.

-

ص: 204

وفي الفقه الحنبلي:

- المغنى لابن قدامة 4/139.

- فتاوى ابن تيمية 29 /413 و 449 و 525.

وفي الفقه الزيدي:

- نيل الأوطار للشوكاني 5/171.

- الروض النضير للسياغي 3/526 – 527.

وفي الفقه الأباضي:

- شرح كتاب النيل لاطفيش 9/319 و 320.

وفي فقه المعتزلة:

- المغني للقاضي عبد الجبار 13 /535 – 537.

7-

2 نماذج من عبارات الفقهاء في جواز زيادة الثمن في بيع النسيئة:

1-

من الفقه الحنفي:

- " المؤجل أنقص في المالية من الحالّ " المبسوط 13 /78 و 125.

" التفاوت بين النقدين والنسبة (خطأ مطبعي صوابه: بين النقد والنسيئة) في المالية " المبسوط 12 /111.

" صاحب الشرع (. . .) اعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة " المبسوط 12/186.

- " الثمن قد يزاد لمكان الأجل " بدائع الصنائع.

" لا مساواة بين النقد والنسيئة " لأن العين (= الحاضر) خير من الدين، والمعجل أكثر قيمة من المؤجل " بدائع الصنائع 5/187.

- " يزاد على الثمن لأجل الأجل " تبيين الحقائق 4 /78.

- " عن الثمن المؤجل أنقص في المالية من الحالّ، ولهذا حرم الشرع النساء في الأموال الربوية " تبين الحقائق 4/78.

- " من تتميم التماثل (بيد البدلين) المساواة في التقابض، فإن للحال مزية على المؤخر" شرح فتح القدر 7 /7.

- " يزاد في الثمن لأجله " حاشية ابن عابدين 5 /142.

-

ص: 205

2-

من الفقه الشافعي:

- " الطعام الذي إلى الأجل القريب أكثر قيمة من الطعام الذي إلى الأجل البعيد " الأم 3/62.

" مائة صاع أقرب أجلًا من مائة صاع أبعد أجلًا منها أكثر في القيمة " الأم 3 /88.

- " الخمسة نقدًا تساوي ستة نسيئة " الوجيز للغزالي 1/85، وانظر المجموع للنووي 6 /22.

- " الأجل يأخذ جزءًا من الثمن " المجموع للنووي 13 /6.

- " الأجل يقابله قسط من الثمن " مغني المحتاج 2/ 78.

- " الأجل يأخذ قسطا من الثمن " حاشية الجمل على شرح المنهج 3/77و183

3-

من الفقه المالكي:

- " النساء في أحد العوضين يقتضي الزيادة " الموافقات 4/ 41.

" الأجل في أحد العوضين لا يكون عادة إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة، إذ لا يسلم الحاضر في الغائب (= المؤجل) إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة، وهو الزيادة " الموافقات 4 /42.

- " جعل للزمان مقدارًا من الثمن " بداية المجتهد 2 /108.

- " لأن له، أي للأجل، حصة من الثمن " بلغة السالك 2 /79.

- " لأن له، أي للأجل، حصة من الثمن " ويختلف قربًا أو بعدًا " حاشية الزرقاني على خليل 5 /176.

- " لأن له (للأجل) حصة من الثمن " الدسوقي على الشرح الكبير 3 /165.

4-

من الفقه الحنبلي:

- " الأجل يأخذ قسطًا من الثمن " فتاوى ابن تيمية 29 /499.

- " إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير " الجواب الكافي لابن القيم ص 38.

5-

من الفقه الزيدي:

- " يجوز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء " نيل الأوطار 5/172 بتصرف قليل.

- " بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء جائز " الروض النضير 3/526.

6-

من الفقه الأباضي:

- " يلزم للأجل قسطًا من الثمن، فيزيد الثمن بالأجل وطوله، وينقص بعدم الأجل وبقصره " شرح كتاب النيل لأطفيش 9/319 و 320.

7-

من فقه المعتزلة:

- " يلزم بتأخيره زيادة عوض " المغني للقاضي عبد الجبار 13 /535.

- " لا يجوز مع كمال العقل أن يؤخر حقه إلا لزيادة مع سلامة الحال، فيجب في تأخير العوض لزوم هذه الزيادة " نفسه 13/535.

" إذا أخره سنة وجب به من الزيادة مقدار ما بين الانتفاع به نقدًا وإلى سنة " نفسه 13/536.

" قد عملنا أن من له الحق على غيره تلحقه مضرة بتأخيره كما لو لحقه ذلك بإتلاف ثوبه " نفسه 13/ 536، وانظر 13/332 و 11/78.

7-

3 الاستدلال على جواز الزيادة في الثمن لأجل التقسيط:

القرض (إن أجل) لا تجوز فيه عند أحد من الفقهاء الزيادة لأجل الأجل، أما البيع المؤجل فتجوز فيه الزيادة للأجل عند جمهور الفقهاء، وقد نقلنا عن عباراتهم ما يشفي غليل الباحث.

ولكننا مع ذلك لا نرى أن في عباراتهم إثباتًا كافيًا على جواز الزيادة المذكورة لاسيما وأن بعض القدامى والمعاصرين ينازعون في هذا الجواز، كما أن المسألة لا تخلو من التباس، فالزيادة لأجل الزمن هي ربا، فكيف جازت في البيع دون القرض؟

نريد هنا أن نثبت جوازها في البيع دون القرض، مبينين بعض الفروق بين البيع والقرض، مما جعل حكمهما مختلفا في هذه الزيادة.

ص: 206

1-

الأدلة النقلية:

1-

قال تعالى على لسان عرب الجاهلية: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية 275] ، أي فحرموا البيع مثل الربا، أو فأحلوا الربا مثل البيع.

ومن أدق ما نقل في احتجاجهم أنه إذا اشترى المشتري بـ 10 إلى شهر، ثم أجله البائع إلى شهر آخر بزيادة واحد فهذا كما لو باعه إلى شهرين بـ 11 (أحكام القرآن لابن العربي 1 /242، والاعتصام للشاطبي 2/47) .

فعاجلهم تعالى بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، أي البيع بـ 11 إلى شهرين جائز، والبيع بـ 10 إلى شهر جائز، ولكن تأجيله بعد ذلك بزيادة واحد إلى شهر آخر ربا غير جائز.

فالزيادة الأولى في البيع جائزة، سواء كانت ربحًا في بيع معجل، أو ربحًا إضافيًّا للتأجيل في بيع مؤجل (تنوير المقباس لابن عباس ص 32 من الطبعة المستقلة، أو 1/143 من الطبعة التي على هامش الدر المنثور للسيوطي، وقارن تفسير المنار 3/113 و 4/123، وفتواى محمد رشيد رضا 2/608، والربا لمحمد رشيد رضا ص 76) .

المهم هنا أن عرب الجاهلية أرادوا الاحتجاج بجواز الزيادة في الثمن المؤجل لاستباحة الزيادة في القرض المؤجل.

2-

عن عالية بنت أنفع أنها سمعت عائشة، أو سمعت امرأة أبي السفر تروي عن عائشة أن امرأة سألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم بكذا وكذا إلى العطاء، ثم اشترته منه بأقل من ذلك نقدًا، فقالت عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما ابتعت، أخبري زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب (انظر الأم للشافعي 3/68، والمحلى لابن حزم 9/60، وبداية المجتهد 2/107) .

فهذا الخبر يدل على أن الثمن النقدي أقل من الثمن المؤجل، كما يدل على أن المعاملة غير جائزة، كما أفادت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ولكن ما هو غير جائز، في هذا الخبر، ليس هو زيادة المؤجل على المعجل، إنما هو بيع الشيء، بثمن مؤجل، ثم شراؤه بثمن معجل أقل، فهذه حيلة ربوية، تسمى بيع العينة (= بيع الآجل) ، إذ يبدو أن الغرض هو القرض بربا يساوي الفرق بين الثمنين فزيادة الثمن المؤجل على المعجل جائزة، ولكن لا يجوز اتخاذها وسيلة للقرض الربوي، أي الوصول إلى القرض في صورة بيع، يجري مرتين، بصورة متعاكسة، بحيث يؤول في الحقيقة إلى قرض بالربا.

إن بيوع العينة (= بيوع الآجال) هذه مستندة إلى الحلال وصولًا إلى الحرام فالحلال هو جواز الزيادة في الثمن المؤجل، والحرام هو التحايل بهذه الواسطة للتوصل إلى مأرب ربوي غير مشروع.

ص: 207

3-

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم، فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحلّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ضعوا وتعجلوا)) . رواه الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك 2/52 وقال: صحيح الإسناد وانظر سنن الدارقطني 3/246، ومجمع الزوائد للهيثمي 4/130، والمطالب العالية لابن حجر 1/411، وإغاثة اللهفان لابن القيم 3/12.

يبدو أن ديون بني النضير على الغير كانت ديونًا مؤجلة، قد زيد فيها للتأجيل، فعليهم إما أن ينتظروا الأجل فيحصلوا على ديونهم كاملة، أي بـ " قيمتها الاسمية " أو أن يتعجلوا هذه الديون ويحصلوا على " قيمتها الحالية "، بعد وضع جزء منها بمقدار الحطيطة المساوية لما كان قد زيد في الدين لأجل تأجيله.

وضَعْ (= حط) وتَعَجَّلْ هو نظير زِدْ وَتَأَجَّلْ، فكلاهما نقصان أو زيادة في مقابل الزمن ولا أرى أن ابن القيم قد افلح في التفرقة بينهما (إغاثة اللهفان 3/12) .

والوضع للتعجيل كالرفع للتأجيل، كلاهما موضع خلاف بين الفقهاء لكن في حين أن الثاني قد أجازه جمهور الفقهاء، يبدو أن الأول قد منعه جمهور الفقهاء، ولم يجزه إلا بعض الفقهاء، منهم ابن عباس وزيد بن ثابت من الصحابة، وزفر من فقهاء الأمصار، وإبراهيم النخعي، وطاوس، والزهري، وأبو ثور وعن الإمام أحمد فيه روايتان، اختار رواية الجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفيه قول عن الشافعي (انظر مصنف ابن أبي شيبة 7/28 – 29، وأحكام القرآن للجصاصى 1/467، والمبسوط للسرخسي 13/126، وبداية المجتهد 2/108، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص 134، وإغاثة اللهفان لابن القيم 2/11، وأعلام الموقعين له أيضا 3/371، وقارن " بحوث في الربا " لأبو زهرة 59- 60) .

وأجازه ابن عابدين في العقود الدرية 1/278، وفي الحاشية 5/160 و 7 /757 حيث قال:

" قوله: قضى المديون الدين المؤجل قبل الحلول، أو مات فحل بموته، فأخذ من تركته، لا يأخذ من المرابحة (أي زيادة الربح في مقابل الأجل) التي جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام، وهو جواب المتأخرين، أفاد أن الدين إذا كان مؤجلًا، فقضاه المديون قبل حلول الأجل، يجبر الدائن على القبول كما في الخانية قوله: لا يأخذ من المرابحة. . . إلخ صورته: اشترى شيئا بعشرة نقدًا، وباعه لآخر بعشرين إلى أجل، هو عشرة أشهر، فإذا قضاه بعد تمام خمسة، أو مات بعدها، يأخذ خمسة ويترك خمسة ".

أقول: والظاهر أن مثله ما لو أقرضه وباعه سلعة بثمن معلوم، وأجل ذلك، فيحسب له من ثمن السلعة بقدر ما مضى فقط، تأمل.

ص: 208

قوله: وعلله بالرفق للجانبين، " علله الحانوتي بالتباعد عن شبهة الربا، لأنها في باب الربا ملحقة بالحقيقة، ووجه أن الربح في مقابلة الأجل، لأن الأجل وإن لم يكن مالًا ولا يقابله شيء من الثمن، لكن اعتبروه مالًا في المرابحة، إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن، فلو أخذ كل الثمن قبل الحلول كان أخذه بلا عوض، والله سبحانه وتعالى أعلم ". 1هـ. (انظر أيضا الدرر المباحة للشيباني النحلاوي ص 53) .

وقد رغم ابن القيم، في أعلام الموقعين 3/371 وإغاثة اللهفان 2 /11، أن الحطيطة عكس الربا (انظر أيضا الإمام زيد لأبي زهرة ص 295) ، لا يعني بهذا أن الحطيطة للتعجيل هي عكس الربا للتأجيل، فلو كان هذا ما أراده لكان صوابًا، بل يعني أن الحطيطة عكس الربا في الحكم الشرعي، وهذا غير صحيح، فالحطيطة نقصان للتعجيل، والربا زيادة للتأجيل، فكلاهما إذا تغير مناسب في المبلغ لأجل الزمن، فحقيقتهما الربوية واحدة (المنتقى للباحي 5/65، وغيره) ولعل الذي دفعه إلى ما قال هو أن الربا، بنظره، كله حرام، وهو يرى أن ضع وتعجل ليس من الربا الحرام، وإني لا أخالفه في حكمه على ضع وتعجل، إنما أخالفه في تعليله، ويمكن أن يقال إن حكمه لا يعتد ما دام تعليله غير مقبول لكن يمكن أن يقال بالمقابل أيضا إن ابن القيم يدرك بالحدس أن ضع وتعجل جائز، ولا بد من تخليصه من الربا الحرام، وسنرى أنه لا حاجة إلى حجته، فإن الربا ربوان: حلال وحرام، كما سنرى.

وما ذكره ابن القيم لعله مقتبس من ابن عباس الذي قال: " إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك، وليس عجل لي وأنا أضع عنك "(كنز العمال 2 /235 وانظر مصنف ابن أبي شيبه 7 /28) ومخالفتي لابن عباس هي نفس مخالفتي لابن القيم، وربما أمكن حمل كلام ابن عباس على الربا " الحرام ".

والخلاصة أنني أميل إلى جواز الربا للتأجيل، والحطيطة للتعجيل، بدون فرق بينهما في الحكم، ما دام هذا وذاك بين متبايعين، فإذا دخل بينهما ثالث (وسيط، كالمصرف) ، ليسدد الثمن النقدي للبائع، ويحتسب الثمن المؤجل في ذمة المشتري (وهو ما يسميه البعض اليوم: مرابحة للآمر بالشراء) لم يجز، لأن هذا الشخص الثالث (المصرف) قد دفع نقدًا ليسترد نقدًا أكثر منه، وهو ربا نسيئة محرم، هذا إذا كانت المرابحة ملزمة، أما إذا لم تكن ملزمة فلا بأس.

وكذلك لو دخل هذا الشخص الثالث، ليسدد عن المشتري الثمن الحالّ (= القيمة الحالية للثمن المؤجل)، ويطالب هذا المشتري بالثمن المؤجل في تاريخ الاستحقاق (وهو ما يسمى اليوم: الخصم المصرفي، خصم الأوراق التجارية) لم يجز، لأن هذا الشخص الثالث (المصرف) قد دفع مبلغًا من النقود ليسترد مبلغًا أكبر منه، وهو ربا نسيئة محرم.

ص: 209

2-

الأدلة العقلية (الاستنباطية) :

يظن البعض أن الزيادة في الثمن الآجل هي من قبيل الربا " المحرم "، وما دام الأمر كذلك، فإننى سأستخلص لهم من حديث الربا نفسه ما لعله يقنعهم بأن هذه الزيادة، وإن كانت ربا، إلا أنها ليست محرمة، فهذا الدليل الذي سنسوقه لهم إذن ليس دليلًا عقليًا محضًا، إنما هو دليل عقلي معتمد على أساس نقلي ثابت صحيح.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد)) ، رواه مسلم في صحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 4/98) .

من هذا الحديث نستخلص الأحكام التالية:

1-

الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو البر بالبر. . . الخ، يجب فيه التساوي في النوع (مثلًا بمثل) والقدر (سواء بسواء) والزمن (يدًا بيد) .

ويلاحظ أن من أن من مكملات التساوي في النوع والقدر التساوي في الزمن أيضا، قال في شرح فتح القدير 7/7:" من تتميم التماثل المساواة في التقابض، فإن للحال مزية على المؤخر ".

فلو تساوى العوضان في الجنس والنوع والقدر، ولم يتساويا كذلك في الزمن، بل أحدهما كان معجلًا والآخر مؤجلًا، أو أحدهما مؤجلًا إلى أجل قريب والآخر إلى أجل بعيد، لاختل أمر التساوي في هذه المعاوضة، ولكان هناك ربا يسميه الفقهاء " ربا نَساء "، بمعنى أن صاحب البدل المعجل فد أربى على صاحب البدل المؤجل، وهذا دليل شرعي على أن المعجل خير من المؤجل، إذا تساويا في كل الأمور، خلال الزمن.

2-

الذهب بالفضة، أو القمح بالشعير. . . الخ، يجب فيه التساوي في الزمن (يدًا بيد) ، ولكن يجوز فيه عدم التساوي في الوزن أو في الكيل وإنما جاز فيه التفاضل لاختلاف الصنفين (= الجنسين) ولم يجز فيه النساء لشبهة القرض الربوي، إذ يمكن أن يفرض أحدهم دنانير ذهبية، ويسترد دراهم فضية، ويكون له فضل في المقدار مراعاة لاختلاف الصنفين، وفضل آخر مراعاة لاختلاف الزمنين، وهذا في الحقيقة يشبه قرضًا ربويًا عقد بنقد وسدد بنقد آخر.

ومن الأحاديث التي تجيز بيع النسيئة وبيع السلم، نستخلص أيضا أن:

3-

الذهب بالقمح، أو الفضة بالشعير. . . الخ، يجوز فيه الفضل والنساء.

ص: 210

وهكذا يلاحظ أن ربا الفضل وربا النساء كان محرمين في المبادلة الأولى (الذهب بالذهب. . .) ، وأن ربا النساء كان محرمًا في المبادلة الثانية (الذهب بالفضية. . .) أما في المبادلة الثالثة (الذهب بالقمح) فلم يعد شيء من هذا محرمًا، لا ربا فضل ولا ربا نساء، فيجوز في هذا النوع من المبادلات الفضل لاختلاف الصنفين، والفضل لاختلاف الزمنين، أي لأجل النساء، ولو لم يجز الفضل للنساء لحرم النساء ألا تذكر قول الزيلعي في تبيين الحقائق 4/78:" إن الثمن المؤجل أنقص في المالية من الحال، ولهذا حرم الشرع النساء في الأموال الربوية "، أي في مبادلة كالذهب بالذهب، أو القمح بالقمح، ذلك بأن النساء كما رأينا يخل بتساوي البدلين، والفضل في البدل المؤجل يعيد التساوي إلى البدلين.

وعليه، فإن القمح إذا بيع بالذهب نسيئة أو تقسيطًا، أمكن زيادة الثمن المؤجل أو المقسط على الثمن المعجل، من اجل تحقيق التساوي (العدل) في المعاوضة.

ومن هذا العرض، يمكن أن يلاحظ القارئ أن الربا ليس كله حرامًا، وسنفرد لهذا مبحثًا لمزيد من الإثبات.

7-

4 استدلالات خاطئة على جواز الزيادة في الثمن لأجل التقسيط:

كما أن بعض العلماء استدل باستدلالات خاطئة لإثبات جواز الحطيطة للتعجيل، فإن بعضًا آخر قد استدل باستدلالات خاطئة لإثبات جواز الزيادة للتأجيل، وقد تعرضنا، في موضع آخر من هذه الدراسة، لتفنيد الاستدلالات الأولى، وسنتعرض هنا لتفنيد الاستدلالات الأخرى.

1-

إن المشتري الذي يتسلم المبيع، قبل دفع ثمنه كاملًا، إنما يتسلم عينا مغلة ينتفع بها، وتصلح أن تكون موضع اتجار، وهذا بخلاف النقود، فإن من يتسلمها إنما يتسلم عينًا لا تختلف فيها الأثمان باختلاف الأزمان، لأنها هي مقياس القيم والأثمان، ولا تغل بنفسها، بل تغل بالاتجار (الإمام زيد لأبي زهرة ص 294) .

يعتمد صاحب هذه الحجة على ما هو معروف من التفرقة بين النقود التي تقدم قرضًا، والنقود التي تقدم قراضًا (= مضاربة) ، فلا تجوز شرعًا الفائدة على النقود المقرضة، لأنها لا تغل بنفسها، ويجوز شرعًا أن تشترك النقود بحصة من الربح الصافي، كما يحصل في القراض، ذلك بأن النقود في القراض تغل بمساعدة العمل، عمل المضارب، وهي معرضة لخطر الخسارة.

ص: 211

وهذه الحجة، وإن بدت أنها صالحة في مجال المقارنة بين القرض والقراض، إلا أنها ليست صالحة في مجال المقارنة بين القرض والبيع بالأجل (أو بيع التقسيط) ذلك لأن المبيع في بيوع التقسيط قد يكون سلعة قيمية مغلة، كالآلة والدابة والعقار، وقد يكون سلعة مثلية ليس لها غلة، كالقمح والشعير والتمر والملح، وسواء كان المبيع سلعة قيمية أو مثلية، فإن الزيادة في الثمن المؤجل جائزة كما بينا (في المبحثين 6 –5و7 –3) ، وبهذا يتكشف ضعف هذه الحجة.

ويمكن أن نذكر دليلًا آخر على تهافت هذه الحجة، بالاستناد إلى بيع السلم، فبيع السلم هو ضرب من البيع المؤجل، حيث يعجل الثمن، ويؤجل المبيع أو يقسط، وفي هذا البيع، يتسلم البائع نقودًا، لا تغل على رأي هؤلاء العلماء، فيجب إذن أن لا يختلف الثمن في بيع السلم عن الثمن في البيع الحالّ، والحال أنه يختلف، فيكون في بيع السلم أقل منه في البيع الحالّ، لأنه يعجل ولا يؤجل، وعلى هذا يظهر بوضوح أن للزمن قيمة، في الشرع، سواء كان ذلك في النقود أو في السلع المثلية أو في السلع القيمية، وبهذا يتهاوى بناء الحجة المذكورة.

وثمة دليل ثالث على تهافت هذه الحجة، وهو أن النقود في الشرع قد تكون أحيانًا موضع اتجار، وذلك في الصرف، عندما يختلف النقدان، فالذهب بالفضة (أو الدنانير بالدراهم، أو الريال بالليرة) يمكن أن يؤدي إلى التفاضل، أي إلى الربح، وهو ربح العاملين بالصرافة (الصرافين) .

فنحن إذن في غنى عن مثل هذه الحجج، وقد أغنانا الله عنها بحجج قوية واضحة، ذكرناها في مواضع أخرى من هذه الدراسة.

2-

الزيادة في الثمن المؤجل جائزة، لكن لا باعتبارها زيادة في مقابل الزمن (عوض عن الأجل) ، بدليل أن بعض الباعة قد يبيع بثمن آجل يقل عن الثمن العاجل، لحاجته إلى ترويج السلع وتصريفها، ولتوقعه الرخص في المستقبل (الإمام زيد لأبي زهرة ص 295) .

وهذه الحجة ضعيفة جدًّا، وصاحبها لا يعرف معنى التحليل العلمي الرشيد (ولا كيف تبنى الفروض والنظريات والقوانين العلمية) سواء كان هذا التحليل في ميدان الفقه أو في أي ميدان آخر من ميادين المعرفة والعلم، ونحن لا ننكر أن الزيادة في الثمن المؤجل قد تكون لاعتبارات أخرى غير الزمن، وسنفرد لهذا مبحثًا خاصًّا في هذه الدراسة، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الاعتبارات – أي واحد من هذه الاعتبارات – التي ذكرها صاحب هذه الحجة، لا اعتبار إمكان أن يكون الثمن المؤجل أقل من المعجل، ولا اعتبار توقع الرخص في المستقبل.

ص: 212

فإذا فرضنا أن البائع يبيع سلعة بثمن معجل واحد، وثمن مؤجل واحد (لسنة مثلًا) ، لكل المشترين، أي كان هناك ثمن سوق للمبيعات العاجلة، وثمن سوق للمبيعات الآجلة، فلا يمكن أن نتصور أن يكون ثمن المبيعات الآجل أقل من ثمن المبيعات العاجل، ما لم يكن البائع جاهلًا غير رشيد.

وإذا فرضنا أن هذا البائع نفسه، الذي يبيع بثمن السوق، ثمن سوق للعاجل، وثمن سوق للآجل، قد توقع هبوط أسعار سلعه في المستقبل، فإن هذا التوقع قد يؤثر على ثمن السوق في اتجاه الانخفاض، لاسيما إذا كانت الكميات المعروضة من السلعة كبيرة، لكن هذا الانخفاض سيصيب كلًّا من الثمن العاجل والثمن الآجل، وسيبقى الثمن العاجل أقل من الثمن الآجل.

ولئن سمعنا مثل هذه الحجج ممن يعرف الفقه دون الاقتصاد، فمن العجيب أن نسمعها أيضا، على سبيل الترداد، ممن يعرف الاقتصاد، ومن الأعجب أن نسمعها ممن يعرف الاقتصاد والفقه معًا.

ثم إن هذه الحجة تلغي جواز الزيادة في الثمن باعتبار الزمن، مع أن هذا هو موضع النقاش والبحث.

كما إنني أشك في أن يكون صاحب هذه الحجة فقيهًا مشاركًا، ذلك بأن الفقهاء يقولون أن للزمن حصة (أو قسطًا) من الثمن، ألا ترى هذه الكلمة " الزمن"؟ كما أن الفقيه الشوكاني صنف رسالة في الموضوع سمّاها " شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل"؟

ترى أيهما أفقه وأيهما يعني ما يقول؟ الفقيه الشوكاني أم صاحب هذه الحجة؟

3-

نعم بيع التقسيط تجوز فيه زيادة الثمن لأجل الأجل، لأنه عقد قائم بذاته، وإنما يأتي التشويش من مقارنته بعقود أخرى كالقرض، فلماذا نقارنه بالقرض؟ لماذا لا ننظر إلى كل عقد على حدة؟ فالقرض جائز، والزيادة فيه للأجل غير جائزة، وبيع الأجل جائز، والزيادة فيه للأجل جائزة، لم لا؟ (الإمام زيد لأبي زهرة ص 295) .

هذه الحجة لا يصلح أن يطلق عليها حجة، فهي تهرب من الحِجَاج وأصول المناظرة والاستدلال والحوار العلمي، ولا يمكن لباحث أن يستغني عن المقارنة بين العقود، والمقارنة بين الموجودات، وبين الظواهر، فهي السبيل إلى معرفة أوجه الخلاف والائتلاف، وهي السبيل إلى التأمل والاجتهاد والقياس والابتكار، وهي السبيل إلى مضاعفة معارفنا العلمية وتنميتها تنمية أسية (في صورة متوالية هندسية) إن الوصف في العلم هو الطريق الممهد للتعليل (التفسير، الشرح) فمن يقنع اليوم من العلماء بالقول بأن وظيفة العلم هي مجرد الوصف؟ إن كثيرًا من العلماء لم يعودوا يون الوصف علما، وما ذلك إلا براز أهمية التعليل، والتنبؤ، والتحكم بالمستقبل، في مسيرة العلم الحديث.

نعم قد يرتضي تلك الحجة من يرى أن الأمور كلها تعبدية، توقيفية، لا مجال للعقل البشري فيها هذا مع أن كل ما حولنا من ظواهر وإنما يشير إلى أن وراء هذه المظاهر كلها، حتى التعبدية منها، نظامًا وانسجامًا وكمالًا وجمالًا ومنطقًا واحدًا، هو الذي يحرك عقول العلماء، ويجعلهم يرون في كل شيء آية، تزيد العلماء خشية لله الواحد الأحد.

ص: 213

7-

5 مسوغات الزيادة في الثمن الآجل أو المقسط:

1-

الزمن: ذكرنا في هذه الورقة أن الزيادة في الثمن الآجل أو المقسط قد تكون لموضع الأجل ألا تذكر قول الفقهاء: إن الزمن حصة من الثمن؟ وهذا أهم ما عُنينا بإثباته في هذه الدراسة.

2-

المخاطرة: لكن قد يزاد في الثمن الآجل أو المقسط لأسباب أخرى مثل المخاطرة، وأعني بها مخاطرة التخلف أو التأخر عن السداد، أو مخاطرة توى (= هلاك) الدين، فقد يصير الدين تاويًا، بعبارة الفقهاء، أي معدومًا، بعبارة المعاصرين، وهناك مخاطرة أخرى، وهي مخاطرة تقلبات الأسعار، وهي مخاطرة ارتفاع الأسعار بالنسبة للبائع، وهبوط الأسعار بالنسبة للمشتري.

3-

الخدمة: كما قد يزاد في الثمن المؤجل أو المقسط لأجل الخدمة (خدمة الدين) فالدين يحتاج إلى إثبات في دفاتر التاجر الدائن، ومحاسبة، ومتابعة، ومطالبة، وتذكير، واحتمال متابعة الكفيل، أو التنفيذ على الرهن (= الضمان) . . . الخ.

وعلى هذا فإن الثمن المؤجل أو المقسط يمكن أن ينطوي على زيادة لأجل الزمن، والمخاطرة، والخدمة، في صورة علاوة أو عمولة أو استرداد مصاريف (انظر تعليقي على كتاب " نحو نظام نقدي عادل " للدكتور محمد عمر شابرا ص 354) .

ولكن إذا استحق الدين، أو ثبت في الذمة، فلا يجوز أن يزاد فيه بعد ذلك لأي من هذه الأسباب الثلاثة.

7-

6 جواز الزيادة في بيع السلم أيضا:

بيع السلم هو نظير بيع النسيئة ففي بيع السلم: الثمن معجل والمبيع مؤجل، وفي بيع النسيئة: المبيع معجل والثمن مؤجل.

ومن الجائز في بيع السلم أن يكون الثمن فيه أقل من ثمن البيع الحالّ، أي يخفض فيه الثمن لتعجيله، أو يزاد في المبيع لتأجيله.

وقد صرح الفقهاء، لدى كلامهم عن حكمة بيع السلم، أو عن الأدلة العقلية لجوازه، بأن البائع في بيع السلم يرتفق بتعجيل الثمن (لحاجته إلى المال) ، والمشتري يرتفق برخص الثمن.

انظر المبسوط للسرخسي 12/ 126 و 130، والأشباه والنظائر لابن نجيم 91- 92، والاختيار للموصلي 2 /47، والفتاوى لابن تيمية 20/529، وأعلام الموقعين لابن القيم 1 /400، وزاد المعاد له أيضًا 5 /814 – 815و 823، والمغني لابن قدامة 4/312، والأم للشافعي 3 /62 و 86، وكفاية الأخيار للحصني 1/488، وبداية المجتهد لابن رشد 2/153، والمغني للقاضي عبد الجبار 13/535 – 537.

ص: 214

7-

7 الزيادة للأجل جائزة في البيع والإجارة:

الإجارة ضرب من البيع، لأنها بيع المنفعة، بخلاف البيع، فإنه بيع الرقبة، التي تشمل المنفعة والتصرف.

وكما أن الثمن فيه لمكان التأجيل، فكذلك الكراء يجوز أن يزاد فيه المكان التأجيل فهذه الشقة السكنية أجرها السنوي 20 ألف ريال معجلة، أو 22 ألف ريال مؤجلة لسنة مثلًا، فللزمن حصة من الكراء، كما أن الزمن حصة من الثمن.

7-

8 صور غير جائزة في بيع التقسيط:

1-

إذا قال البائع: هذه السلعة بـ 1000 نقدًا، و1010 لشهر، و 1020 لشهرين. . . فهذا جائز إذا انعقد البيع على صورة محددة من هذه الصور، كأن يقول المشتري: اشتريت بـ 1020 لشهرين.

لكن لو قال البائع: هذه السلعة بـ 1000 نقدًا، و1010 لشهر، و 1020 لشهرين. . . فإذا سددت الثمن الآن فعليك 1000، وإذا سددت بعد شهر فعليك 1010، وإذا سددت بعد شهرين فعليك 1020، هذا غير جائز، فحقيقته: تقضي أم تربي؟ أو أنظرني أزدك.

2-

إذا بيعت سلعة بـ 1010 لشهر، فلا يجوز قبل الأجل، أو بعده، أن تفسخ بـ 1020 لشهرين، لأن حقيقة هذا هو نفس ما ذكرناه آنفا.

ومثل هذا دقيق، ولا عجب فيه، لأنه واقع على الحد، وهو الحد ما بين البيع الحلال والربا الحرام.

ص: 215

الفصل الثامن

رد على الشبهات (الآراء المخالفة)

سنثبت الشبهة (الرأي المخالف) أولا، ثم نجيب عنها:

1-

الزيادة في الثمن المؤجل ربا، لأنها زيادة في نظير الأجل، وكل زيادة في نظير الأجل تعد ربا (الإمام زيد لأبي زهرة ص 293) .

إنى أعترف بأن هذه الزيادة ربا، ولكنها ليست ربا محرمًا، وقد أثبتنا ذلك في هذه الدراسة، بالاعتماد على حديث الربا نفسه، حديث الأصناف الستة.

2-

الزيادة في الثمن المؤجل يحتمل أن تكون من المباح، كما يحتمل أن تكون من المحظور، وعند الاحتمال يقدم الحظر على الإباحة.

هذا صحيح إذا لم يكن الترجيح بين الإباحة والحظر، وقد أمكننا بحمد الله الترجيح بينهما بأدلة تبدو لنا كافية جدًّا، ونحن مطمئنون إليها، وواثقون منها إلى درجة تزيد على الظن الراجح، وتقارب اليقين.

3-

احتج بعض المعاصرين لحرمة الزيادة في الثمن المؤجل بحديث رواه أو داود في السنن، كتاب البيوع:" من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا "(القول الفصل في بيع الأجل لعبد الرحمن عبد الخالق ص 43) .

على فرض صحة هذا الحديث، فإن المعنى محمول على بيوع الآجال (بيوع العينة) ، لا على بيوع الأجل، وذلك منعًا للتضارب بين السنن والآثار (ابن القيم في تهذيب السنن 5/148، وعون المعبود 9/343 – 344) .

وبيوع الآجال، كما ذكرنا، حيل ربوية تعتمد على جواز الفرق بين الثمن المعجل والمؤجل، ظاهرها البيع، وباطنها القرض الربوي، والسلعة تدخل ثم تخرج، وليست مرادة.

والدليل على أن المقصود بالحديث هو بيوع الآجال، هو أن البائع إذا قال: إن كان لسنة فبكذا (110 مثلًا) ، وإن كان نقدًا فبكذا (100 مثلًا)(مصنف ابن أبي شيبة 6 /119- 121) ، فهذا ليس من باب بيعتين في بيعة، إنما هو إيجاب ثمنين من أجل أن تنعقد بعد ذلك بيعة واحدة على أحد الثمنين: المؤجل أو المعجل (جامع الترمذي 3/524، ومصنف عبد الرزاق 8/138، والمهذب للشيرازي 1/355، وبداية المجتهد 2/115) .

ص: 216

يدل على هذا المعنى أيضًا ما أثبتناه في موضع سابق من هذه الورقة، من جواز زيادة الثمن المؤجل على المعجل.

ويدل عليه أيضًا باتفاق جمهور الفقهاء على هذا الجواز، وقد نقلنا عددًا من عباراتهم ومن الخطأ أن يستنبط أحد المعنى المراد بالاعتماد على نص واحد، فإن جمع النصوص المتزاحمة والمتقاربة كتكرار التجارب والاختبارات في العلوم التجريبية، هو الذي يحق اطمئنان المجتهد أو الباحث، ويرفع درجة ثقته في نتائجه العلمية.

4-

يرى البعض أن الزيادة في الثمن المؤجل مطابقة تمامًا للزيادة في القرض المؤجل، فإما أن كلتيهما حرام أو كلتيهما حلال وعلى هذا المعنى حمل بعض المفسرين قوله تعالى على لسان عرب الجاهلية:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية 275] .

وما رآه هؤلاء ليس صحيحًا تمامًا، وإن كان يدق على كثير من العقول، ذلك بأن الربا في القرض مؤكد، في حين أنه في البيع احتمالي غير مؤكد، نعم قد يبيع البائع سلعة بثمن معجل قدره 100 ومؤجل لسنة قدره 110، مع أنه قد يكون في كلا الثمنين خسارة له، أي أن كلًّا من الثمنين أقل من الكلفة.

5-

الزيادة في الثمن المؤجل تعتبر كحسم المصارف للسفاتج (= الكمبيالات) والسندات، أي كلاهما ربا نيسئة محرم (القول الفصل لعبد الخالق ص 34، و35، و 51) .

هذا غير مسَلَّم، لأن الزيادة الأولى زيادة في بيع، والثانية زيادة في قرض، الأولى تعتبر للنشاط التجاري البيعي المشروع، والثانية تعتبر منفصلة عن النشاط البيعي، وداخلة في النشاط الائتماني الربوي المستقل، ومعلوم في القواعد الفقهية الكلية أن الشيء قد يجوز تبعًا ولا يجوز منفردًا (المبسوط للسرخسي 11/179، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 135، ومجلة الأحكام العدلية المادة 54، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2 /172) .

6-

الأنشطة الربوية المحرمة هي من لوازم بيع الأجل (القول الفصل لعبد الخالق ص 51) .

هذا غير صحيح، لأنه من باب المغالاة في سد الذرائع، ولو كان صحيحًا لأمكن القول أيضا بأن صناعة الخمر هي من لوازم زراعة العنب، وكأن لا منفعة من العنب إلا الخمر.

وقد فرق الفقهاء تفريقًا حكيمًا ودقيقًا بين بيع الأجل فأجازوه، وبيع الآجال فحرموه، وتحايل البعض ببيع الأجل وصولًا لبيع الآجال لم يدفع الفقهاء إلى تحريم البيعين، فإنهم لو فعلوا ذلك لحرمت أنشطة تجارية كثيرة مفيدة، ولكان مثلهم مثل من حرّم على نفسه ركوب الطائرة خشية حادث لا يزيد احتمال وقوعه على مرة واحدة من كل ألف مرة!

ص: 217

الفصل التاسع

التأخر في سداد الأقساط أو التخلف عنه

9-

1 تأخر المشتري في سداد الأقساط:

قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم)) رواه البخاري 3/155، ومسلم 4/72. . وغيرهما.

وقال أيضا: ((لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)) ، قال سفيان: عرضه يقول: مطلتني، وعقوبته: الحبس، رواه البخاري 3 /155، وأحمد في المسند 4/222، وابن ماجه في السنن 2/811، والحاكم في المستدرك 4/102 وصححه.

لعل مسألة تأخر المشتري في السداد من أهم مسائل بيع التقسيط التي تستحق العرض على المجمع الفقهي، ليتخذ قراره فيها، ذلك لأن بيع التقسيط قد جاز فيه الأجل عند جميع الفقهاء، وجاز فيه زيادة الثمن عند جمهور الفقهاء، ولعل الجديد هنا هو التعليل والتفسير والإثبات، لمزيد من الاطمئنان.

أمّا التأخر في سداد الأقساط فلا نعلم عند الفقهاء السابقين أحدًا منهم أجاز فيه تغريم المتأخر بغرامة، أو معاقبته بعقوبة مالية، غير أن بعض العلماء المعاصرين قد ذهب إلى التفرقة بين المدين العاجز عن الدفع، والمدين الغني المماطل، واتفقوا على عدم جواز تغريم الأول، فهذا ربا نسيئة محرم بلا شك، واتفقوا على مبدأ التعويض المالي عن المماطلة، أو على مبدأ التغريم، واختلفوا قليلًا في طريقة تقديره (هل يقدر وفق ربح الدائن، أم وفق ربح المثل؟)، كما اختلفوا: هل يجوز أن يكون هذا التعويض موضع اتفاق مسبق بين الدائن، والمدين، أم يجب أن يرجع فيه إلى القضاء عند وقوع المماطلة؟ (مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، المجلد 2، العدد 2، شتاء 1405 هـ، ص 89 و 154، والمجلد 3، العدد 1، صيف 1405 هـ، ص 101 و 111) .

المنقول عن الفقهاء القدامى، كما قلنا، هو عدم جواز ذلك كله، قال الجصاص في أحكام القرآن 1 /474:" المراد بالعقوبة هنا (أي في الحديث الشريف أعلاه) : الحبس، لأن أحدًا لا يوجب غيره " وقال أيضا: " لا تفاقهم على أنه لم يرد غيره ".

ص: 218

9-

2 المماطلة في سداد الأقساط: هل يجوز التفرقة في الحكم على المدين بين مدين اشترى سلعة مثلية ومدين اشترى سلعة قيمية؟

إذا كان المدين مقترضًا لنقود، أو مشتريًا لمال مثلي كالقمح والشعير والتمر والملح، فلا يمكن القول أبدًا بجواز مطالبته بالتعويض المالي عن المماطلة، لأن هذا التعويض يضاهي ربا النسيئة المحرم، الذي يأخذ صورة فوائد التأخير المعروفة في القوانين الوضعية الحديثة.

لكن قد يكون المدين مشتريًا لمال قيمي، كالدابة والسيارة والآلة، فإذا ماطل في السداد، برغم غناه، فهل يجوز القول هنا بمطالبته بتعويض مالي يقدر بمقدار أجرة المبيع عن مدة التأخر؟

ظاهر الأمر أن هذا، كغيره، لا يجوز، لأن المشتري قد انتقلت إليه ملكية السلعة، وصار مدينًا بمبلغ محدد من النقود، وهي مال مثلي، بمجرد شرائه السلعة، وذلك بغض النظر عن نوع هذه السلعة، أي لم يعد ثمة تأثير لكونها مثلية أو قيمية.

ومع ذلك فإني أترك مناقشتها للسادة أعضاء المجمع الموقرين، لاتخاذ قرار صريح فيها، والله الموفق.

9-

3 إذا أفلس المشتري بالتقسيط:

كان الرومان إذا عجز المدين عن سداد الدين يسترقونه، وقد منع الإسلام هذا (انظر فتاوى ابن تيمية 29 /223) .

وإذا أفلس المدين، وبيعت أمواله لسداد ديونه، فلا يجوز التعدي على حوائجه الأصلية، إذ يترك له ما يسد مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه. . . إلى آخر ما هو مفصل في الفقه الإسلامي في مباحث الإفلاس.

وإذا أفلس المشتري، جاز للبائع أن يسترد المبيع، إذا كان لا يزال باقيًا عند المشتري بحاله، ولم يكن قد استوفى من ثمنه فإذا استوفى من ثمنه شيئًا، أو لم يبق المبيع بحاله، لم تكن للبائع أحقية على غيره من الغرماء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل باع سلعة، فأدرك سلعته بعينها عند رجل، وقد أفلس، ولم يكن قبض من ثمنها شيئا، فهي له، وإن كان قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة للغرماء)) رواه ابن ماجه 2/790 واللفظ له، وأحمد في المسند 2 /525، ومالك في الموطأ 2 /678، وأبو داود في السنن 3 /287 وانظر أيضا صحيح مسلم 4 /67، وسنن الترمذي 3/553، وسنن النسائي 7/311، وسنن أبي داود 3 /286، ومسند أحمد 2/228 و 247 و 249 و 258 و 347 و 410 و 5/10.

ص: 219

الفصل العاشر

أربعة مبادئ مهمة كشف عنها بحث بيع التقسيط

إن بحث بيع التقسيط، مقارنًا بالقرض، قد كشف عن مبادئ مهمة، من الناحيتين النظرية والعملية، ولا سيما في هذا العصر، وهذه المبادئ مترادفة، أو متقاربة بحيث يؤدى بعضها إلى بعض:

10-

1 مبدأ المعجل خير من المؤجل:

وقد عرفنا هذا من خلال حديث الأصناف الستة، أو من خلال مفهوم ربا النساء قال السرخسي في المبسوط 12/111:" والفضل ربا: يحتمل الفضل في القدر، ويحتمل الفضل في الحال، بأن يكون أحدهما نقدًا، والآخر نسيئة، وكل واحد منهما مراد باللفظ ".

فالفضل، أي الربا، يكون في القدر، أي في زيادة أحد البدلين على الآخر زيادة كمية (أو نوعية، لأن مآلهما كمي أيضا) ، كما يكون في الحلول، أي في زيادة أحد البدلين على الآخر زيادة زمنية (المعجل أربى من المؤجل) .

كما عرفنا هذا المبدأ من خلال ثواب القرض، أو من خلال جواز الزيادة في البيوع لأجل الأجل، وقد تأيد هذا المبدأ بنقول كثيرة من كلام الفقهاء، كما ذكرنا في هذا الموضع وسواه، بل وله ما يؤيده من القرآن، كما سنذكر.

10-

2 مبدأ التفضيل الزمني:

فطر الناس على تفضيل الزمن الحاضر على المستقبل يقول الفاطر الخالق سبحانه وتعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) } [سورة القيامة: الآيتان 20-21] .

ولتحويل الناس عن تفضيل العاجلة إلى تفضيل الآخرة، زاد الله سبحانه، الحكيم العليم، في الآخرة، فجعلها خيرًا في النوع، وأدوم في الزمن قال تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) } [سورة الأعلى: الآيتان 16- 17] وهذا ما يعرف اليوم، في علم الإحصاء وغيره، بـ " التثقيل "(= الترجيح) ، أي زيادة الثقل (= الوزن) .

ص: 220

قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) } [سورة الدَّهر (= الإنسان) : الآية 27] ، أي ثقل الله جزاء الآخرة، ثوابها وعقابها، فكان في ثواب المؤمنين زيادة عذاب للكافرين، وكان في عذاب الكافرين زيادة نعيم للمؤمنين فمن آمن بالآخرة تحول تفضيله في هذا الباب من العاجل إلى الآجل، ومن أنكر الآخرة بقي تفضيله للعاجل على الآجل، هذا هو الابتلاء فهؤلاء يقولون:(الدنيا نقد والآخرة نسيئة، والنقد أحسن من النسيئة)(كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ص 38)، أو يقولون:(ذرة – ولعلها: درة – منقودة ولا درة موعودة)(الجواب الكافي لابن القيم ص 38)، أو:(عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة) أو: (خير البر عاجله) .

وهكذا إذا كان هناك بدلان متساويان في كل شيء إلا في الزمن، أحدهما معجل والآخر مؤجل، آثر الناس بدل المعجل على المؤجل، أي:(إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير)(الجواب الكافي ص 38) ذلك بأن البدل المعجل يسمح باستهلاك معجل، أو استثمار معجل، أو سداد دين حالّ، أو التوقي من مخاطرة عدم سداد البدل المؤجل، أو من مخاطرة تقلبات الأسعار وقيمة النقود.

فإذا ما أريد قلب هذا التفضيل إلى تفضل معاكس: تفضيل البدل الآجل على العاجل، أو المساواة بينهما على الأقل، زيد في البدل المؤجل مقدار مناسب، لتحقيق هذا القلب.

10-

3 مبدأ قيمة الزمن:

وهذا تعبير آخر عن المبدأ السابق، فلولا أن للزمن قيمة مالية في الشرع، لما كان للقرض ثواب عند الله، ولما جازت الزيادة في البيوع بسبب الأجل، والبدل المؤجل في البيع سواء كان ثمنا (كما في بيع النسيئة أو التقسيط) ، أو مبيعًا (كما في بيع السلم) لا يجوز لصاحب الحق المطالبة بتسليمه قبل الأجل، لأن البدل المؤجل ترتبط قيمته بأجله، فقيمته هي كذا في أجل معين، وتنقص هذه القيمة إذا تقدم الأجل، وتزيد إذا تأخر (قارن الأم للشافعي 3/88) وهذا بخلاف القرض، يجب على المقترض وفاؤه إذا أيسر (= اغتنى) ، ولو كان مؤجلًا إلى أجل معين، لأن القرض فيه إحسان، أما البيع فإنه معاوضة، أي أن البيع زيد فيه للأجل، خلافًا للقرض فالعوض عن الأجل يقتضي الدفع في الأجل، لكن لا يقتضي العوض بالضرورة، كما في القرض لو أجل (قارن المغني لابن قدامة 4/357، والأم للشافعي 3/78، والمهذب للشيرازي 1/400، والموافقات للشاطبي 4/41) .

وبما أن للزمن قيمة، فإن مطل الغني ظلم، لأن المماطلة تعني رغبة المماطل في دفع نفس القيمة، ولكن بتاريخ لاحق.

إن مبدأ قيمة الزمن مهم اليوم في علوم الاقتصاد والإدارة والتخطيط ودراسات الجدوى وتقويم المشروعات وغالبًا ما يشار إليه بـ (القيمة الزمنية للنقود)(Time value of money)

والنقود في هذه العبارة ليس ذكرها إلا على سبيل التمثيل لسائر الأموال، ولا سيما المثلية منها.

ص: 221

10-

4 مبدأ الربا ربوان:

نقل العلماء عن بعض السلف قولهم: الربا ربوان: ربا حلال وربا حرام: وذلك بمناسبة تفسيرهم آية الروم 39، وكلامهم عن هبة الثواب، أي الهدية يهدي فيها المهدي يلتمس أكثر منها 0 تفسير الطبري 21/ 47، والقرطبي 14/36، والدر المنثور للسيوطي 5 /156، وتفسير الماودري 1/289 و 3/268، وفتح القدير للشوكاني 4/227، وتفسير الألوسي 3 /50) .

وعلى هذا فإنهم أدخلوا هدية الثواب تحت الربا الحلال ولكن هذا القول المأثور عن بعض السلف يصلح عندنا لتضمينه معاني أخرى.

فالربا، في تعريفه المختار عندنا، هو الزيادة (كمًّا أو نوعًا) في مقابل الزمن فإن كانت الزيادة مشروطة فالربا حرام، وإن كانت غير مشروطة فهي حلال.

وإن كانت مشروطة لصالح المقرض فهي حرام، وإن كانت مشروطة لصالح المقترض فهي حلال (شرط وفاء القرض بالنقصان، انظر المغني لابن قدامة 4/363) .

هذا في ربا النسيئة، أما في ربا الفضل، فنقول بأن ربا الفضل حرام في الذهب بالذهب (إذ يجب أن تتم المبادلة وزنًا بوزن كما في الحديث النبوي، انظر صحيح مسلم، كتاب المُساقاة، باب الربا 4/95) ، أو في القمح بالقمح (إذ يجب أن تتم المبادلة كيلا بكيل كما في الحديث النبوي، انظر مسند أحمد 2/232 " كيلا بكيل ووزنًا بوزن، والمحلى لابن حزم 8/480) .

وربا الفضل حلال في الذهب بالفضة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) رواه مسلم في صحيحه 4/98، أو قوله:" لا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا " رواه أبو داود في كتاب البيوع، باب الصرف 3/248.

وكذلك ربا الفضل حلال في الذهب بالقمح، وذلك لأجل اختلاف الصنفين (كما في الحالة السابقة) ، ولأجل التأجيل إذا أجل أحد البدلين، إذا التأجيل في أحدهما جائز (بخلاص الحالة السابقة) .

وكذلك في ربا النساء فربا النساء غير جائز في الذهب بالذهب، ولا في الذهب بالفضة، لقوله صلى الله عليه وسلم:((يدًا بيد)) ، وهذا معناه أن:(النساء ربا) .

ولكن ربا النساء جائز في الذهب بالقمح، إذا جاز التأجيل الذي دلت على جوازه أحاديث البيوع المؤجلة (النسيئة والسلم) .

ص: 222

ومعلوم عند الفقهاء أن الربا ليس حرامًا في كل مال ومبادلة، وهم متفقون جميعًا على أن الربا محرم في بعض الأموال دون بعض وإن اختلفوا في العلة، فالظاهرية يقصرون التحريم على الأصناف الستة، والحنفية يرون التحريم فقط في الموزونات والمكيلات، والشافعية في الأثمان والأطعمة، والمالكية في الأثمان والأقوات المدخرة.

ولذلك نجد عددًا منهم، كالشافعية والظاهرية والحنابلة في رواية والقاضي وأصحابه وابن قدامة، أجازوا الحيوان بالحيوان متفاضلًا ونَساء (عون المعبود 9 /209) وممن أجازه علي ورافع بن خديج وابن عمر وسعيد بن المسيب وابن سيرين (في رواية) والزهري وإسحاق (شرح السنة للبغوي 8 /74، ومصنف عبد الرزاق 8/20) ، ونسبه النووي في المجموع 9/402 إلى جماهير العلماء.

والعرايا هي من الربا الجائز، وهي رخصة من المزابنة، والمزابنة ربا حرام والعرايا جمع عرية، وهي بيع التمر بالتمر جزافًا بكيل (لا كيلًا بكيل كما هو الأصل) ، أي بدون التحقق من التساوي، مع أن الأصل في الربا أن الجهل بالمماثلة كالعلم بالمفاضلة.

وقد صرح بعض العلماء بأن تحريم كل ربا إنما يؤدي إلى تحريم التجارات والأرباح، والتضييق على الأنشطة التجارية (المجموع للنووي 9/399 و 400 – 402) .

فالربا، كالاحتكار، لا يحرم في كل شيء وإننا نميل إلى التصريح بهذا، لأننا نكره الحيل والمواربة في الفقه والعلم، ونرتضي مذهب ابن تيمية وابن القيم في إبطال الحيل عمومًا (انظر إقامة الدليل على إبطال التحليل في الفتاوى الكبرى لابن تيمية، طبعة دار المعرفة 3/97 – 405، وأعلام الموقعين لابن القيم 3/131 – 415 و 4/3- 117) .

ص: 223

10-

5 حاجتنا العلمية والعملية إلى مفهوم " الربا الحلال ":

لقد أوضحنا في مبحث " الربا ربوان " كيف أن الربا لا يحرم كله، سواء كان ربا نسيئة، أو نساء، أو فضل، وإن الربا جائز في غير الأموال الربوية، كالحيوان بالحيوان عند جمهور العلماء، كما قال النووي.

ونسوق ههنا عبارات بعض العلماء:

قال ابن عباس: هما ربوان، أحدهما حلال، والآخر حرام (تفسير الماوردي 3/268) .

" تحريم بعض البيع، وإحلال بعض الربا "(تفسير الماوردي 1/289) .

" تحريم بعض البيوع، وإحلال بعض الربا "(تفسير الألوسي 3/50) .

" الظاهر عموم البيع والربا (. . .) إلا ما خصه الدليل من تحريم بعض البيوع، وإحلال بعض الربا "(تفسير الألوسي 3/50) .

" وهي من الربا الجائز "(حاشية الشرقاوي 2/38، والمنتقى للباجي 5/99) .

وهنا قد يسأل سائل: كيف تقول أنت وهؤلاء العلماء بأن الربا جائز، والله تعالى يقول:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية 275] ؟ نجيب بأن الثابت عند المفسرين وعلماء الفقه والأصول أن ليس كل بيع حلالًا، ولا كل ربا حرامًا فقد حرمت السنة النبوية بعض البيوع، كبيع الذهب بالذهب مع الفضل، أو مع النساء، وبيع الذهب بالفضة مع النساء، وبيع الغرر، وبيع العينة، وبيع الطعام قبل قبضه، وبيع الحاضر للبادي. . . الخ (قارن الرسالة للشافعي ص 232، وتفسير الرازي 7/93) .

هذه هي عبارات العلماء في الربا الجائز وقد آن الأوان لنتساءل عن حاجتنا إليه.

مر معنا أن الحاجة متعينة إليه علميًّا، لتفسير جواز الزيادة في البدل المؤجل في البيع المؤجل، كالزيادة في الثمن في بيع الأجل أو بيع التقسيط.

وكذلك فإن حاجتنا متعينة إليه علميًّا وعمليًّا، في مجال دراسات الجدوى الاقتصادية وتقويم المشروعات، لأجل المفاضلة بين هذه المشروعات، حيث هناك أهمية كبيرة لإدخال البعد الزمني في معايير الجدوى والتقويم، ومراعاة أثر الزمن (= الوقت) على قيمة النقود والأموال، كما هو معروف عند أهل الاختصاص.

فالمشروعات أو الاستثمارات مختلفة التكاليف والمردودات والأزمان والمخاطر، فأرباح المشروعات تقدر على أزمان متلاحقة، أي ليست متساوية في الزمن، والربح في تاريخ وقوعه ربح، ولكن تقويمه في تاريخ لاحق هو، في العلم، ربا، وتقويمه في تاريخ سابق هو، في العلم، حطيطة (= وضيعة) ، والحاجة داعية إلى معرفة مجموع تدفقات (=تيارات) الأرباح في زمن واحد (التدفقات النقدية المخصومة، أو الميزانية الاقتصادية المخصومة) ، فلابد من تقويمها في زمن واحد، وعندئذ نحتاج إلى مفهوم الربا الحلال وغني عن البيان أن سعر الخصم يزيد بزيادة المخاطرة، وينقص بنقصانها.

ص: 224

فإذا كان هناك مشروع يدر دفعة من الربح بعد 5 سنوات مقدارها 1000، ودفعة بعد 6 سنوات مقدارها 1000، ودفعة بعد 7 سنوات مقدارها 1000، فلا يمكن القول علميًّا بأن مجموع دفعات الأرباح هو: 1000 + 1000 + 1000 = 3000 ذلك بأن كل دفعة مختلفة في الزمن (= التاريخ) ، وقد قرر علماؤنا المسلمون أن الدفعة المعجلة أكبر من المؤجلة، إذا تساوتا في القيمة الاسمية.

ولو كان لجمع دفعات مختلفة في الآجال معنى، لكان في جمع وحدات البرتقال ووحدات الباذنجان ووحدات البطيخ معنى.

إننا عندما نجمع الكسور، نحتاج إلى توحيد مخارجها (= مقاماتها) ، فكذلك عند جمع مبالغ مؤرخة (= مختلفة التواريخ، أو الآجال) نحتاج إلى أساس لتوحيد قيمتها في زمن واحد، هو زمن اتخاذ القرار الإداري أو الاقتصادي، هذا الأساس هو ما نحتاج فيه إلى مفهوم الربا الحلال، مع ملاحظة أن الربا هو حلال في البيوع المؤجلة، وتقويم المشروعات، ولكنه حرام بالطبع في القروض وما قاربها.

والخلاصة فإن مفهوم الربا الحلال يشكل أداة مهمة من الأدوات التي يعتمد عليها اليوم في تقويم المشروعات من أجل المفاضلة بينها واختيار المشروع الأكفأ (= الأجدى) ، فلابد من عدم التردد في إظهار هذه الأداة، وهي متوافقة تمامًا مع روح الشرع ومقاصده ونصوصه، كما أثبتنا، والباحثون العلميون لا يهتمون بما قد يقع من تحريف المبطلين، أو تزييف الجاهلين، ولكنهم يحرصون بالتأكيد على أن يوضع كل شيء في موضعه، بدون تعَدٍّ ولا تجاوز ولا تقصير.

10-

6 أهمية هذه المبادئ في إعادة صياغة المناهج والكتب الدراسية:

اطلعت على بعض المؤلفات في الاقتصاد، أوالاقتصاد الهندسي، أو الإدارة المالية، أو الرياضيات المالية والتجارية، في محاولة من مؤلفيها لإدخال بعض المضامين الإسلامية، على تفاوت بينهم في درجة الفاعلية والجدية فبعض هذه الإدخالات تزييني سطحي غير مؤثر في روح الكتاب ولا في سائر أجزائه، أي لا ينبني عليه أي تغيير حقيقي.

ولما كانت هذه المضامين ناقصة، أو مغلوطة، أو غير فاعلة، لذلك فإني أوصي القائمين على أمر مناهج الدراسة الجامعية والثانوية التجارية، لا سيما في المملكة العربية السعودية، كما أوصي المؤلفين، بإعادة النظر في مدخلاتهم الإسلامية، في ضوء النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسة والدراسات السابقة، فيما يتعلق بنظرية الربا في الإسلام، وتوابعها المهمة في القروض والبيوع وتقويم المشروعات مع ما لهذا من تأثير علمي وعملي، في النظريات وفي التمرينات والمسائل والمناقشات، والله الموفق.

ص: 225

الخاتمة

1-

بيع التقسيط نوع من البيع المؤجل، يقسط فيه الثمن أقساطًا متعددة، كل قسط له أجل معلوم، وقد كثر انتشاره في عصرنا هذا.

2-

لم يفرد الفقهاء القدامى كتابًا أو بابا لبيع التقسيط، لكنهم تكلموا عنه في ثنايا مباحثهم الفقهية.

3-

بيع التقسيط فيه فائدة لكل من البائع والمشتري، فالبائع يزداد في الثمن، والمشترى يحصل على المبيع قبل تمكنه من دفع الثمن كاملًا، فهو بيع ائتماني (= تمويلي) ، والائتمان فيه هو من نوع الائتمان المباشر (لا وسيط فيه) .

4-

يجب ألا يتجاوز المشتري قدرته على السداد في الآجال المضروبة للأقساط المختلفة، كي لا يعجز عن السداد، مع ما يؤدي إليه هذا من أوضاع غير مرغوب فيها، ولا سيما إذا كان الدائن غير مسلم.

5-

يجب ألا يشتري بالتقسيط إلا من كان عازمًا على السداد، بالإضافة إلى كونه قادرًا عليه، وعلى البائع أن يتأكد من هذا، ما لم يقصد الإرفاق والمسامحة.

6-

يقوم المصرف المركزي بالرقابة الائتمانية على بيع التقسيط، وتشمل هذه الرقابة الدفعة المعجلة، ومدة التقسيط، ومعدل زيادة الثمن لأجل التقسيط.

7-

ساعد على انتشار بيع التقسيط قيام منشآت ائتمانية وسيطة تدفع القيمة نقدًا إلى البائع، وتقسطها على المشتري.

8-

يجب التفريق بين بيوع التقسيط (= بيوع الأجل) وبيوع الآجال (= بيوع العينة) ، فالأولى جائزة والأخرى ممنوعة، لأنها حيل ربوية محرمة، فلا يجوز اتخاذ الأولى ذريعة إلى الأخرى.

9-

لا يجوز اتخاذ بيع التقسيط ذريعة إلى التورق، ولا سيما إذا اتخذ هذا التورق شكل نظام معروف، بحيث يشتري المشتري بثمن مقسط، ليبيع، بثمن نقدي، ما اشتراه، إلى إحدى المنشآت التابعة للبائع.

ص: 226

10-

قد يتم التحايل على بيع التقسيط ببعض الحيل، مثل البيع الإيجاري (= الإيجار المنتهي بالتمليك) الذي يتحيل به البائع بغرض عدم نقل الملكية إلى المشتري إلا بعد سداد الأقساط كلها، أو مثل بيع التقسيط مع شرط الاحتفاظ بالملكية.

وربما يحظر في البال أن بيع التقسيط يغني عن البيع الإيجاري (وعن بيع التقسيط مع شرط الاحتفاظ بالملكية) حيث يمكن رهن المبيع نفسه رهنًا غير حيازي.

لكن هذا البديل بالنسبة للباعة لا يشكل بديلًا كاملًا، فالبيع الإيجاري، وشرط الاحتفاظ بالملكية، يقدمان لهم ميزات لا تتوافر في الرهن المذكور.

11-

إذا جاز رهن المبيع نفسه، فمن الجائز كذلك أن يشترط البائع على المشتري في بيع التقسيط، عدم التصرف بالمبيع إلا بعد استيفاء الأقساط كلها.

12-

ومن الحيل القريبة من البيع الإيجاري، ما يعرف اليوم بـ " التمويل الإيجاري "، وهو غير جائز أيضًا، لما ذكرناه في البيع الإيجاري، ولسبب آخر هو أن السلعة يؤجرها المؤجر قبل أن تدخل في ملكه (= إيجار قبل الشراء) .

وإذا أجريت هذه العمليات على أساس المواعدة، وكانت المواعدة ملزمة، فالحكم لا يتغير، لأن الوعد بالبيع، إذا كان هذا الوعد ملزمًا، فهو بيع.

وكذلك الحكم على بيع المرابحة للأمر بالشراء، إذا كانت المواعدة فيه ملزمة.

13-

تأجيل الثمن جائز إذا كان المبيع ليس ثمنًا، فتبادل ثمن بثمن صرف لا يجوز فيه الأجل.

14-

بيع التقسيط مباح إذا عقد بزيادة في الثمن (= معاوضة كاملة) ، ومستحب إذا عقد إرفاقًا بالمدين بدون زيادة عليه في الثمن للأجل (= معاوضة ناقصة) ، أو بدون طلب رهن أو كفالة.

15-

إذا لم يبع إلا بالتقسيط فهذا جائز، ما دام البائع لا يتخذ هذا ذريعة إلى بيوع العينة، أي بيوع الأجال (= الحيل الربوية) .

16-

بيع التقسيط قد يشتبه بالربا المحرم، لما فيه من نساء (= أجل) وفضل (= زيادة) ، وقد أزلنا هذا الاشتباه بأدلة متعددة تُراجع في مواضعها.

17-

بيع التقسيط أثبتنا جوازه في السلع المثلية، فصار جوازه في السلع القيمية أولى.

18-

الزيادة في بيع التقسيط لأجل النساء عند جمهور الفقهاء، وقد نقلنا عددًا من عباراتهم، مع بيان مصادرها من كتب الفقه على المذاهب المختلفة.

19-

إننا نميل، مع بعض العلماء، إلى جواز الحطيطة للتعجيل، ميلنا، مع جمهور العلماء، إلى جواز الزيادة للتأجيل، ما دام هذا بين البائع والشاري، بدون وسيط بينهما، كالمصرف في خصم الأوراق التجارية، أو في المرابحة ذات المواعدة الملزمة.

20-

دافعنا عن جواز الحطيطة للتعجيل بأدلة مختلفة عن أدلة ابن القيم، لما رأيناه من ضعف أدلته.

ص: 227

21-

وكذلك عرضنا لبعض الاستدلالات التي رأيناها خاطئة في إثبات جواز الزيادة في الثمن المقسط.

22-

الزيادة في الثمن لأجل الزمن، كما ذكرنا، جائزة ولكن الزمن ليس إلا أحد مسوغات هذه الزيادة، فهناك مسوغان آخران: المخاطرة، والخدمة.

23-

الزيادة لأجل الزمن تلحق البدل المؤجل في البيع: الثمن إذا كان البيع بيع نسيئة، والمبيع إذا كان البيع بيع سلم، وبيع السلم هو نظير بيع النسيئة.

24-

ثمة صورة غير جائزة في بيع التقسيط، ذكرنا بعضها.

25-

لم نكتف بإثبات جواز الزيادة في بيع التقسيط بالأدلة، بل قمنا أيضا بالرد على الآراء المخالفة، لأجل المزيد من الاطمئنان.

26-

عرضنا لمسألة تأخر المشتري في سداد الأقساط، أولًا إذا كان هذا التأخر عن عجز، وثانيًا عن مماطلة ونقلنا آراء بعض العلماء المعاصرين في الحكم على المدين المماطل، دون أن نرتضي حكمهم.

27-

بصدد الكلام عن المماطلة، تساءلنا عما إذا كان من الجائز التفرقة في الحكم بين مدين اشترى سلعة مثلية ومدين اشترى سلعة قيمية.

28-

إذا أفلس المشتري بالتقسيط، فقد منع الإسلام استرقاقه بالدين، كما منع التضييق على حوائجه الأصلية (= حاجاته الأساسية) ، وأجاز للبائع استرداد المبيع، إذا كان هذا المبيع لا يزال بحاله عند المشتري، ولم يستوف البائع من ثمنه شيئا.

29-

كشف لنا بحث بيع التقسيط عن أربعة مبادئ مهمة في العلوم الحديثة:

(1)

مبدأ المعجل خير من المؤجل.

(2)

مبدأ التفضيل الزمني.

(3)

مبدأ القيمة المالية للزمن (= القيمة الزمنية للنقو) .

(4)

مبدأ الربا ربوان: حرام وحلال.

وبيّنّا أدلة الربا الحلال وأهمية هذا المفهوم في كل من البيوع المؤجلة وتقويم المشروعات.

30-

وأخيرا اتخذنا توصية بضرورة إعادة النظر في المناهج والكتب الدراسية المتعلقة بالموضوع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور رفيق يونس المصري

ص: 228

كتابات المؤلف السابقة في الموضوع

1-

مصرف التنمية الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1397هـ، ط3، 1407 هـ.

2-

القرض حالّ أم مؤجل؟ الأجل والفائدة، مجلة حضارة الإسلام، دمشق، العدد 6، شعبان 1398 هـ.

3-

الحسم الزمني في الإسلام، مجلة المال والاقتصاد، بنك فيصل الإسلامي السوداني، الخرطوم، العدد 2، 1405هـ.

4-

الربا والحسم الزمني في الاقتصاد الإسلامي، دار حافظ، جدة، ط1، 1406هـ.

5-

القول الفصل في بيع الأجل، مجلة الأمة، الدوحة، العدد 66، جمادى الآخرة 1406هـ.

6-

البيع الآجل في الفقه الإسلامي، أدلته وأدلة الزيادة فيه للتأجيل والحطيطة للتعجيل، مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 294، جمادى الآخرة 1409 هـ.

ص: 229

المراجع

1-

أحكام القرآن لابن العربي (-543هـ) ، بتحقيق محمد علي البجاوي، دار الفكر، بيروت، د. ت.

2-

أحكام القرآن للجصاص (-370 هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

3-

الاختيار لتعليل المختار للموصلي (-683هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

4-

الاختيارات الفقهية لابن تيمية (-728هـ) ، جمع البعلي الدمشقي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، د. ت.

5-

الأشباه والنظائر لابن نجيم (-970هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400هـ =1980 م.

6-

الاعتصام للشاطبي (-790هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

7-

أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (-751هـ) ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، ط2، 1397هـ = 1977م.

8-

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم (-751هـ) ، بتحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، 1357هـ = 1939 م.

9-

الإمام زيد لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، د. ت.

10-

الأم للإمام الشافعي (-204هـ) ، طبعة الشعب، القاهرة، د. ت.

11-

بحوث في الربا لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، د. ت.

12-

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (-587هـ) ، شركة المطبوعات العلمية، القاهرة، د. ت.

13-

بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (-595هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

14-

البرهان في أصول الفقه للجويني (-478هـ) ، بتحقيق عبد العظيم الديب، دار الأنصار، القاهرة، ط2، 1400هـ.

15-

بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي (1241هـ) ، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، 1372هـ =1952 م.

ص: 230

16-

البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى لإبراهيم دسوقي أبو الليل، جامعة الكويت، ط1، 1404هـ=1984م.

17-

تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (-743هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت.

18-

تحفة المحتاج بشرح المنهاج للهيتمي (-974هـ) ، طبعة مصطفى محمد، 1304هـ.

19-

تفسير الألوسي (-1270هـ) : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.

20-

تفسير الرازي (-606هـ) : التفسير الكبير، دار الكتب العلمية، طهران، ط2، د. ت.

21-

تفسير السيوطي (-911هـ) : الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، بيروت د. ت.

22-

تفسير الشوكاني (-1250هـ) : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت، 1401هـ= 1981م.

23-

تفسير الطبري (310هـ) : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط3، 1388هـ=1968م.

24-

تفسير القرطبي (-671هـ) : الجامع لأحكام القرآن، دار القلم، بيروت، 1386هـ = 1966 م.

25-

تفسير المارودي (-450هـ) : النكت والعيون، بتحقيق خضر محمد خضر، ومراجعة عبد الستار أبو غدة، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1402 هـ=1982 م.

26-

تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (-1354هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

27-

تهذيب السنن لابن القيم (-751هـ) ، بهامش عون المعبود.

28-

الجامع الصغير للسيوطي (-911هـ) ، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401هـ=1981م.

29-

حاشية ابن عابدين (-1252هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط، د. ت.

30-

حاشية الجمل (-1204هـ) على شرح المنهج للأنصاري (-952هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.

31-

حاشية الخرشي (1101هـ) على خليل (-776هـ) ، بيروت، دار صادر، د. ت.

ص: 231

32-

حاشية الدسوقي (- 1230هـ) ، على الشرح الكبير للدردير (- 1201هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

33-

الدرر المباحة في الحظر والإباحة للشيباني النحلاوي.

34-

الربا والمعاملات في الإسلام لمحمد رشيد رضا (- 1354هـ) ، تقديم محمد بهجة البيطار، مكتبة القاهرة، 1379هـ = 1960 هـ.

35-

الروض النضير للسياغي (- 1221هـ) ، مكتبة المؤيد، الطائف، ط 2، 1388هـ = 1968 م.

36-

روضة الطالبين للنووي (- 676هـ) ، المكتب الإسلامي، دمشق، 1388هـ.

37-

زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (- 751هـ) ، بتحقيق شعيب الأرناؤوط، بيروت، ط 3، 1402هـ = 1982م.

38-

سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني (- 1182هـ) ، دار الحديث، القاهرة، د. ت.

39-

سنن أبي داود (- 275هـ) ، بعناية محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النوبية، القاهرة، د. ت.

40-

سنن الترمذي (- 279هـ) : الجامع الصحيح، بتحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط 2 1398هـ = 1978م.

41-

سنن الدارقطني (- 385 هـ) ، نشر عبد الله هاشم يماني المدني، المدينة المنورة، د. ت.

42-

سنن النسائي (- 303هـ) ، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 2 مصورة، 1406هـ = 1986م.

43-

شرح الزرقاني (- 1099هـ) على مختصر خليل (- 776هـ) ، دار الفكر ن بيروت 1398هـ = 1978م.

44-

شرح السنة للبغوي (- 516هـ) ، بتحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1390 = 1971 م.

45-

شرح فتح القدير لابن الهمام (- 681هـ) ، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، د. ت.

46-

شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل للغزالي (- 505 هـ) ، بتحقيق محمد الكبيسي، مطبعة الإرشاد، بغداد، د. ت.

47-

صحيح البخاري (- 256هـ) ، دار الحديث، القاهرة، د. ت.

48-

صحيح مسلم (- 261هـ) بشرح النووي (- 676هـ) ، طبعة الشعب، القاهرة، د. ت.

ص: 232

49-

العقود الدرية لابن عابدين (- 1252هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط 2، د. ت.

50-

عون المعبود شرح سنن أبي داود (- 275هـ) للعظيم آبادي مع شرح ابن القيم (- 751هـ) ، دار الفكر، ط 3، 1399هـ = 1979م.

51-

غياث الأمم في التياث الظلم (الغياثي) للجويني (- 478هـ) ، بتحقيق عبد العظم الديب، بدون ناشر ن ط 2، 1401 هـ.

52-

فتاوى ابن تيمية (- 728 هـ) ، طبعة السعودية، ط 1، 1398هـ.

53-

فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا (- 1354 هـ) ، جمع صلاح الدين المنجد ويوسف ق. خوري، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط 1، 1390هـ - 1970 م.

54-

الفروق للقرافي (- 684هـ) ، عالم الكتب، بيروت، د. ت.

55-

قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام (- 660هـ) ، بتحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ط2، 1400 هـ = 1980 م.

56-

قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية لابن جزي (- 741هـ) ، دار العلم للملايين، بيروت، 1979م.

57-

القول الفصل في بيع الأجل لعبد الرحمن عبد الخالق، مكتبة ابن تيمية، الكويت، ط1، 1406هـ = 1985م.

58-

كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم (- 751هـ) ، دار الندوة الجديدة، بيروت، ط3، 1400 هـ.

59-

كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للحصني (من علماء القرن التاسع الهجري) ، بعناية عبد الله إبراهيم الأنصاري، الدوحة، د. ت.

60-

كنز العمال للهندي (- 975هـ) ، مؤسسة الرسالة ن بيروت، ط5، 1405هـ = 1985م.

61-

المبسوط للسرخسي - 490هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط3، 1398 هـ = 1978م.

62-

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (- 807هـ) ، مكتبة القدسي، القاهرة، د. ت.

63-

المجموع للنووي (- 676هـ) ، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د. ت.

64-

المحلى لابن حزم (- 456هـ) ، بتحقيق أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت.

65-

المدونة الكبرى للإمام مالك (- 179هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398هـ = 1978م.

66-

المستدرك على الصحيحين في الحديث للحاكم (- 405هـ 9، دار الفكر، بيروت، 1398هـ = 1978م.

ص: 233

67-

مسند الإمام أحمد (- 241هـ) ، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1398 هـ = 1978م.

68-

مسند الإمام أحمد (- 241 هـ) ، بعناية أحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1373هـ = 1954 م.

69-

مصنف ابن أبي شيبة (- 235 هـ) ، بتحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، بومباي، ط 2، 1399هـ = 1979م.

70-

مصنف عبد الرزاق (- 211هـ) ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ = 1983 م.

71-

المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني (- 852 هـ) ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، بدون ناشر د. ت.

72-

المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار المعتزلي (- 415هـ) ، ج13، بتحقيق أبو العلا عفيفي، ومراجعة إبراهيم مدكور، وإشراف طه حسين، وزارة الأوقاف والإرشاد القومي، القاهرة، 1382 هـ = 1962 م.

73-

مغني المحتاج للخطيب الشربيني (من علماء القرن العاشر الهجري) ، مكتبة البابي، الحلبي، القاهرة، 1377 هـ = 1958 م.

74-

المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة (-620هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392هـ = 1972م.

75-

مقدمات ابن رشد (- 520هـ) ، دار صادر، بيروت، د. ت.

76-

المنتقى شرح الموطأ للباجي 0- 494 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1332هـ.

77-

الموافقات للشاطبي (- 790 هـ) ، بتعليق عبد الله دراز، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، د. ت.

78-

موطأ الإمام مالك (- 179هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، د. ت.

79-

نحو نظام نقدي عادل: دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء الإسلام لمحمد عمر شابرا، ترجمة سيد محمد سكر، ومراجعة رفيق المصري، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن، فرجينيا، ط 1 ـ 1408 هـ = 1987 م.

80-

نيل الأوطار للشوكاني 0- 1250هـ) ، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة د. ت.

81-

الوجيز للغزالي 0- 505هـ) ، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ = 1979م.

ص: 234