المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

‌الأدوات المالية الإسلامية

إعداد

فضيلة الدكتور حسين حامد حسان

رئيس الجامعة الإسلامية العالمية

بإسلام أباد – باكستان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

1-

قامت البنوك الإسلامية لتحقيق أمل شعوب الأمة الإسلامية، في تحقيق التنمية الشاملة في أوطانها، وذلك عن طريق قيام هذه البنوك بجمع مدخرات المسلمين وتوجيهها للاستثمار وفق منهج الله، بما يحفظ لهذه الشعوب استقلالها، ويحمي حريتها، ويكفل أسباب التقدم والرقي لها حتى تتمكن من أداء رسالتها التي صارت خير أمة أخرجت للناس من أجلها.

2-

ولقد أقبل الناس على التعامل مع البنوك الإسلامية فور قيامها، وذلك بالإيداع فيها وطلب التمويل منها. ولقد تمثلت إيداعات هذه البنوك غالبا في حسابات استثمار قابلة للسحب عليها، وودائع استثمارية قصيرة الأجل ، مما اضطرت معه هذه البنوك إلى استخدام مواردها في استثمارات قصيرة الأجل تجنبًا للمحاذير التي تترتب على استخدام موارد قصيرة في استثمارات متوسطة وطويلة الأجل، وبذلك كان إسهامها في قضية التنمية دون المستوى المطلوب منها.

3-

ومن الظواهر التي صاحبت نشأة البنوك الإسلامية انعدام التوازن بين مواردها واستخداماتها في كثير من الحالات. ففي الوقت الذي تعاني فيه بعض هذه البنوك من زيادة في السيولة لا تتاح لها الفرص المناسبة لاستخدامها، ولا المجالات الملائمة لاستثمارها، يعاني البعض الآخر من نقص في هذه السيولة، تعجز معه عن مواجهة ما يتوافر لها من فرص استثمار تعينها على تحقيق أهدافها. ولقد واجهت البنوك الإسلامية بسبب ذلك صعوبات عاقت مسيرتها، وضاعفت من ذلك أن البنوك الإسلامية بوضعها الحالي ليس لها مؤسسة مالية تقوم بدور البنك المركزي بالنسبة للنظام المصرفي التقليدي، تلجأ إليه عند الشدة كمقرض أخير لها. كما أن أسواق المال القائمة في البلاد الإسلامية لا تسمح أوضاعها الحالية باستخدام البنوك الإسلامية لها أو اللجوء إليها لاستحداث التوازن المطلوب، كما تفعل البنوك التقليدية.

4-

لكل هذه الأسباب ظهرت حاجة البنوك الإسلامية الماسة، إلى وضع سياسات جديدة لموارد هذه البنوك واستخداماتها، واستحداث أدوات مالية مبتكرة تمكنها من تنفيذ هذه السياسة، وتتفق مع مقاصد الشريعة العامة وقواعدها الكلية، وتمكن هذه البنوك من المساهمة الجادة في قضية التنمية الشاملة.

5-

وتحقيقا لهذه الغاية فقد عقدت ندوات، وحلقات بحث، ومجموعات عمل؛ قدمت فيها بحوث ودراسات لمعالجة هذه القضية. وقاد البنك الإسلامي للتنمية بجدة الجهود الرامية إلى استحداث أدوات مالية إسلامية، فكون مجموعات خبراء تضم علماء الاقتصاد وخبراء المال، وأساتذة الشريعة، وقد ظلت هذه تعمل على مدى عامين، حتى قدمت مشروعا للأدوات المالية الإسلامية القائمة على أحكام الشريعة، قدمته للاجتماع السابع للبنوك الإسلامية المنعقد في عمان في 21 مارس عام 1986، ثم تبع ذلك تبني البنك نفسه لصيغ تطبيقية، تقوم على أساس هذه الأدوات.

6-

وهذا البحث دراسة لنتائج هذه البحوث والدراسات، وتوصيات هذه الندوات واللجان، والصيغ التي استحدثت بناء عليها، والأدوات المالية التي صدرت تطبيقا لها، وذلك كله في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.

ص: 1047

تعريف الأدوات المالية الإسلامية:

يعبر بعض الباحثين عن الأدوات المالية الإسلامية (بالأوراق المالية) تارة و (بشهادات الاستثمار) تارة أخرى، ويفرق البعض الآخر بين (الأوراق المالية) و (الأدوات المالية) ، فيرى أن الأولى تعني الأوراق المالية التقليدية أي الأسهم والسندات وأما الثانية فتعني الأوراق المالية المستحدثة وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ونحن نرى أن هذه عبارات متساوية في الدلالة على نفس المعنى، ولذلك فسوف نستعمل عبارة الأوراق المالية، ونعني بها الأوراق المالية التي استحدثت وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وأما الأوراق المالية التقليدية فإننا سنعبر عنها بوصف التقليدية، أو بذكرها باسم أنواعها كالأسهم والسندات.

وتعرف الورقة المالية الإسلامية بأنها (صك يمثل حصة شائعة في مال جمع بقصد استثماره للحصول على ربح، يصدره الشخص المستثمر، بصفته مضاربا؛ أو يصدره شخص آخر لحساب المستثمر، يقبل التداول، والتحويل إلى نقود) .

1-

الصك يمثل حصة شائعة في مال:

والصك شهادة أو وثيقة تصدر باسم المكتتب، مقابل المبلغ الذي اكتتب به في المشروع، وفقا لقواعد وشروط معينة، نذكرها عند الكلام على إصدار الأوراق المالية. وهو يمثل حصة شائعة في مال، وليس مالا في ذاته؛ لأن المال هو المتقوم، ولا قيمة لهذا الصك في ذاته.

ويقصد بالحصة جزء أو سهم يمثل نسبة قيمة الورقة المالية إلى مجموع حصيلة الاكتتاب، أو المجموع المالي الذي تحول إليه حصيلة الاكتتاب بعد قيام المشروع.

ويقصد بالمال الذي يمثل الصك حصة شائعة فيه: الحصيلة النقدية لبيع الأوراق المالية في فترة الاكتتاب، وهو الذي يمثل رأس مال المشروع، أو التمويل المطلوب للنشاط الاستثماري الذي صدرت الأوراق لتمويله.

أما بعد قيام المشروع، وتحويل النقود إلى أعيان ومنافع وحقوق لدى الغير، فإن الصك يمثل حصة شائعة في هذا المجال المالي.

وملكية حامل الصك ملكية شائعة، وليست مفرزة، والشريعة تجيز أن يتعدد أرباب المال وينفرد المضارب، فيملك كل واحد من أرباب المال حصة شائعة في مال المضاربة بنسبة رأس ماله إلى مجموع رأس مال المضاربة. كما أن الشريعة تجيز التصرف في الحصة الشائعة، كما تجيز التصرف في مجموع المال الذي يتكون من الأعيان والحقوق والمنافع، كما في تخارج أحد الورثة من التركة في مقابل مال يدفع إليه. وسوف نرى أن الورقة المالية يتم تداولها بقيمتها الاسمية في مرحلة الاكتتاب وبعده قبل بدء النشاط الاقتصادي، إذ لا تجيز الشريعة بيع النقد بالنقد متفاضلا، وأما بعد بداية النشاط الاقتصادي فإنه يجوز بيع الورقة المالية بقيمتها، وبأكثر أو أقل، كالشأن في التصرف في الأعيان والمنافع.

ص: 1048

وقد تتحول أصول المشروع في أثناء حياته إلى نقود أو ديون، فيمتنع تداول الأوراق المالية في هذه الحالة، إلا وفق الشروط التي قررتها الشريعة في تداول النقد والتصرف في الدين، كما سنرى.

ففي حالة تحول أصول المشروع إلى نقود يتم تداول الورقة المالية بما يساوي حصتها من النقود، وليس بقيمتها الاسمية؛ إذ قد تزيد حصتها من النقود على قيمتها الاسمية. وفي حالة الديون تباع الورقة المالية بحصتها من الديون للمدين بها، وأما بيعها لغيره فلا يجوز إلا بغير جنس الدين، كأن تباع بالأعيان أو بعملة أخرى، كما سنفصله فيما بعد.

أما إذا كان المشروع الذي صدرت الأوراق المالية لتمويله يتمخض ديونا، طوال حياة المشروع، كالشأن في عقد السلم إذا ما تم تمويله بإصدار أوراق مالية دفعت حصيلتها ثمنا، أو رأس مال للمُسلَم فيه، فإن تداول هذه الأوراق يخضع لشروط بيع الدين؛ ذلك أن المُسلَم فيه قبل قبضه يعد دينا في ذمة المُسلَم إليه، والورقة تمثل هذا الدين.

وسوف نرى أنه عند قيام المشروع وأثناء حياته واشتمال أصوله على أعيان وحقوق ومنافع ونقود في الخزينة، فإن العبرة في جواز تداول الأوراق المالية بالغالب. فإذا غلبت الأعيان والمنافع على الديون والنقود جاز التداول دون قيود، وأما إذا غلبت الديون أو النقود، أو هما معا على الأعيان والمنافع فإن الشريعة تفرض قيودا على هذا التداول كما سنفصل القول فيه.

2-

استثمار المال بقصد الحصول على ربح:

والورقة المالية صك يمثل حصة شائعة في مال جمع بقصد استثماره للحصول على ربح، والمال الذي جمع بقصد استثماره هو حصيلة الاكتتاب في الأوراق المالية المصدرة لتمويل مشروع أو نشاط اقتصادي، وهو يتمحض نقودا في فترة الاكتتاب وبعدها، قبل بدء النشاط الاقتصادي، أو قيام المشروع الاستثماري الذي صدرت الأوراق المالية لتمويله، ثم يتحول إلى أعيان وحقوق ومنافع عند بداية النشاط، أو قيام المشروع، كما ذكرنا، وهذا المال يكون رأس مال المضاربة، وقد أجازت الشريعة الإسلامية أن يدفع جماعة بوصفهم أرباب مال إلى مضارب واحد، مالا يستثمره والربح بينهم على وفق شرطهم، ويكون أرباب المال شركاء في هذا المال على الشيوع، ويقتسمون ربحه بينهم بنسبة مساهماتهم في رأس المال، بعد استنزال حصة المضارب من الربح.

ص: 1049

ويشترط في اعتبار الصك ورقة مالية أن يكون المال الذي جمع بطريق إصدار الأوراق المالية والاكتتاب فيها، قد قصد بجمعه استثماره في نشاط اقتصادي بقصد الربح. فإن كان قد جمع لاستثماره في مشروع خيري لا يقصد به الربح، كبناء لمستشفى خيري أو مدرسة أو دار أيتام، أو كان الصك يمثل حصة في ملكية عقار مشترك بين اثنين أو أكثر للاستعمال لم يكن الصك ورقة مالية بالمعنى الذي نقصده.

3-

المستثمر يصدر الصك أو يصدره الغير لحسابه:

المستثمر هو مصدر الصك أو الورقة المالية، لتمويل مشروعه الخاص، أو نشاطه المعين، وقد يكلف المستثمر شخصا آخر، بنكا أو مؤسسة مالية، بإصدار هذه الورقة لحسابه في مقابل أجر معين، وهو يقوم بإعداد دراسة جدوى لمشروعه، ويحدد رأس مال هذا المشروع، والربح المتوقع منه، ثم يعد نشرة إصدار يضمنها جميع أركان وشروط عقد المضاربة، يطرحها على الجمهور طالبا منهم الاكتتاب في المشروع في مقابل منحهم أوراق مالية تسلم إليهم. وسوف نرى أن نشرة الإصدار تعد إيجابا من جانب المصدر بوصفه مضاربا، موجها إلى الجمهور، فإذا صادفه قبول المكتتبين بشراء الأوراق المالية انعقدت المضاربة صحيحة منتجة لآثارها، والشريعة تجيز أن يوجه إيجاب إلى الجمهور مع التزام الموجب بالبقاء على إيجابه مدة محددة، فإذا صادف الإيجاب قبولا في هذه المدة انعقد العقد.

4-

المستثمر يصدر الورقة المالية بوصفة مضاربا:

مصدر الورقة المالية أو من تصدر لحسابه ويتلقى حصيلة الإصدار لاستخدامها في تمويل مشروع معين، إنما يصدر هذه الورقة ويتلقى حصيلتها بوصفة مضاربا والجمهور الذين يكتتبون في الأوراق المالية يكتتبون فيها بوصفهم أرباب مال مشترك بينهم، على النحو الذي سبق بيانه، وهذا يعني:

(أ) أن علاقة مصدر الورقة المالية، والمتلقي حصيلة الاكتتاب فيها، بالمكتتبين؛ حملة هذه الأوراق، ليست علاقة دائن بمدين، بل علاقة مضارب يستثمر حصيلة الاكتتاب في مشروع اقتصادي بجماعة أرباب المال؛ فالمشروع ملك لحملة الأوراق المالية، ويد مصدر الاكتتاب عليه يد أمانة، يديره لحسابهم، في مقابل حصة معلومة من الربح، تحددها نشرة الإصدار، وبهذا تختلف الأوراق المالية عن السندات التي تصدرها الشركات والتي تمثل مديونية عليها لحملة السندات، وتتعهد الشركة فيها بدفع فوائد محددة مقدما، في فترات دورية، ثم تدفع قيمة السند في موعد استحقاقه.

(ب) أن حق إدارة المشروع وسلطة إصدار القرارات الاستثمارية الخاصة به تكون للمستثمر مصدر الأوراق المالية وحده، دون تدخل من حملة الأوراق المالية، الذين يقتصر دورهم على مراقبة المصدر المضارب في إدارته للمشروع، للتأكد من التزامه بشروط عقد المضاربة، التي تضمنتها نشرة الإصدار، وهذه النشرة – كما قلنا - تحتوي على شروط عقد المضاربة، وقد تتضمن هذه النشرة تعيين أمين للإصدار، يرعى حقوق المكتتبين ويحميها في مواجهة المصدر (المضارب) .

ص: 1050

وبهذا تختلف الأوراق المالية عن الأسهم التي تمنح مالكيها حق إدارة الشركة عن طريق اختيار مجلس للإدارة، ثم عن طريق الجمعية العمومية، التي لها أوسع السلطات في إصدار القرارات التي لم تمنح لمجلس الإدارة المنتخب؛ ذلك أن الاستثمار بطريق تمويل المشروعات بأوراق مالية، وهو تطبيق حديث للمضاربة، يعني أن كل ما يريده أرباب المال من أوضاع وشروط، من حيث طبيعة المشروع وحجمه، وطريقة إدارته، ونسبه الربح التي يأخذها المضارب يتضمنها العقد الذي تمثله نشرة الإصدار، وهي وإن كانت تعد من قبل المضارب المصدر للورقة، إلا أن المصدر يراعي أن يضمنها شروطا وبيانات تجذب أرباب رءوس الأموال وتشجعهم على الاكتتاب، ويكون التنافس في ذلك كفيلا بحمل المضاربين المصدرين للأوراق المالية على تقديم أفضل شروط حتى يقبل الجمهور على الاكتتاب في مشروعاتهم.

(ج) أن المضارب المصدر للأوراق المالية ليس مأذونا في خلط حصيلة الاكتتاب بماله الخاص إلا في الحدود التي يكتتب هو فيها، في المشروع، كغيره، وذلك إذا كان الإصدار لتمويل مشروع معين، أو نشاط خاص، أما إذا كان الإصدار للمشاركة في أنشطة المضارب المختلفة، فهو مأذون له في ذلك، على النحو الذي سنبينه تفصيلا فيما بعد.

(د) أن المشروع المعين أو النشاط الخاص يعد (مال مضاربة) ، والمضاربة تختص في الفقه الإسلامي بحساب مستقل، وتتمتع بذمة مالية مستقلة، في حدود معينة، عن ذمة كل من أرباب المال والمضارب، فرب المال لا يسأل عن ديون المضاربة إلا في حدود رأسمال المضاربة، وما أذن فيه للمضارب من قرض يُضَم لرأس المال ، ولا يستطيع ورثة رب المال نزع هذا المال من يد المضارب قبل انتهاء مدة المضاربة أو النض؛ أي تصفية المضاربة وتحويل أعيانها إلى نقود، وهذا المال ليس مملوكا للمضارب قطعا، ولا يرثه عنه ورثته، ولاينفذ عليه دائنوه، ولكل من المضارب ورب المال أن يشتري من مال المضاربة ولذا صرح بعض الفقهاء بأن بعض المصروفات التي ينفقها المضارب تلزم المضاربة، وتكون في مالها، ولا تلزم رب المال ولا المضارب. وهذا يدل على أن للمضاربة، شخصية مستقلة، وذمة مالية منفصلة، عن ذمة كل من رب المال والمضارب في حدود معينة، وأن على المضارب أن يمسك حسابات مستقلة للمضاربة، ويعد ميزانية دقيقة للأرباح والخسارة، حتى يتم توزيع الربح حسب الاتفاق في عقد المضاربة.

قابلية الورقة المالية الإسلامية للتداول والتسييل:

الورقة المالية الإسلامية قابلة للتداول؛ أي البيع والشراء بالأسعار السائدة وقت التداول، والتي تتحدد وفقا للمركز المالي للمشروع، الذي يعلنه البنك أو المستثمر في فترات دورية متقاربة، وذلك لحين قيام السوق المالية الثانوية الإسلامية، وهي الهدف المقصود، والشرط المسبق لجمع المدخرات الإسلامية وتوجيهها للاستثمار، في مشروعات متوسطة وطويلة الأجل، بما يحقق التنمية الشاملة في المجتمعات الإسلامية. وسوف نعرض لموضوع تداول الأوراق المالية بالتفصيل فيما بعد.

ص: 1051

وحتى تستجمع الورقة المالية الإسلامية خصائصها، وتحقق هدفها، فإن البنك الذي أصدر الورقة المالية يتعهد، وحده، أو مع غيره من البنوك، بشراء ما يعرض عليه منها بالسعر السائد، وقت تقديم الورقة، وهذا ما يسمى بتسييل الورقة المالية؛ أي تحويلها إلى نقود عند الاقتضاء، وذلك تشجيعا لأصحاب المدخرات على شراء الأوراق المالية، ومن ثم استثمار حصيلتها في مشروعات متوسطة وطويلة الأجل، ذلك أن أصحاب المدخرات لا يقبلون عادة على إيداع مدخراتهم لمدد طويلة، تمكن المستثمر من الاستثمار في مشروعات متوسطة، أو طويلة الأجل؛ لأنهم قد يحتاجون هذه المدخرات لمواجهة ظروف طارئة، تقتضي مدفوعات غير منظورة، فكان استعداد البنك مُصدر الورقة لشرائها وتحويلها إلى نقود عند الطلب، بالسعر الذي يعلنه في فترات دورية متقاربة، وهو الحل الوحيد في غيبة السوق المالية الإسلامية النشطة، لتداول هذه الأوراق. فإذا ما قامت هذه السوق لم يصبح ذلك ضرورة ملحة، وإن ظل هذا الإجراء مرغوبا فيه. وسوف نرى أن محل البيع والشراء ليس هو الشهادة أو الورقة المالية؛ لأنها ليست مالا متقوما في ذاتها، ولكن محل البيع هو ما تمثله الورقة المالية من قيمة مالية؛ أي الحصة المالية الشائعة في صافي أصول المشروع، والذي يتكون عادة من أعيان ومنافع ونقود وحقوق مالية لدى الغير، والبيع لا ينصب على القيمة النقدية للورقة؛ لأنه لا يجوز بيع النقد بالنقد إلا متساويا، ولكن على حصة من المجموع المالي من النقود والأعيان والحقوق والمنافع والديون لدى الغير، وللمجموع حكم يختلف عن حكم كل جزء من أجزائه على حدة، وقد قرر فقهاء الشريعة أن ما لا يجوز بيعه استقلالا يجوز بيعه تبعا، و (أن العبرة بالغالب) ، و (أن النادر لا حكم له) ، وعلى ذلك، فإن حصيلة الاكتتاب قبل قيام المشروع، وبدء النشاط الاستثماري، وكذلك صافي أصول المشروع لو تمحضت في أي وقت أثناء حياة المشروع نقودا فقط، أو ديونا فقط، أو نقودا وديونا، فإن التداول لا يجوز إلا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، الخاصة بالتصرف في الديون والنقود، كما سنفصله عند الكلام على تداول الأوراق المالية.

الفرق بين الأوراق المالية الإسلامية وغيرها من الأوراق المالية التقليدية:

الأوراق المالية التقليدية هي السهم والسند، وسوف نعقد مقارنة سريعة بين كل منهما، وبين الأوراق المالية، التي بدأت البنوك الإسلامية في إصدارها، والتعامل بها.

ص: 1052

أولا- السهم والورقة المالية:

يشترك السهم مع الورقة المالية الإسلامية في الأمور التالية:

1-

يمثل كل من السهم والورقة المالية الإسلامية حصة شائعة في صافي أصول الشركة أو المشروع، وهذه الأصول تشمل غالبا على أعيان وحقوق ونقود ومنافع وديون لدى الغير، بنسب مفتاوته. والشرط في صحة تداول كل من الورقة المالية والسهم ألا تكون النقود وحدها، أو الديون وحدها، أو هما معا تمثل غالب صافي أصول المشروع أو الشركة، فإن كانت كذلك، خضع تداول السهم والورقة المالية لأحكام التصرف في الديون والنقود، في الشريعة الإسلامية، كما أشرنا إليه سابقا، وكما سنفصله عند عرض أحكام تداول الأوراق المالية بالتفصيل.

2-

يستحق مالك السهم والورقة المالية حصة في صافي ربح الشركة أو المشروع، تتناسب مع قيمة الأسهم التي يملكها في الشركة، أو الأوراق المالية التي يملكها في المشروع، إلى رأس مال الشركة أو المشروع.

3-

يقوم كل من السهم والورقة المالية مقام الحصة الشائعة في صافي أصول الشركة أو المشروع في التسليم والحيازة والقبض، وهي أمور تلزم لصحة التصرف، أو لزومه وتمامه، أو تعد حكما للعقد، وأثرا من آثاره، فشرط محل البيع والهبة والرهن أن يكون مقدورا على تسليمه. وتقوم حيازة كل من السهم والورقة المالية وقبضها وتسليمها مقام الحصة المالية الشائعة التي يمثلها كل منها حيث تكون هذه الحيازة والتسليم والقبض لازمة لانعقاد العقد أو تمامه ولزومه، أو تكون حكما من أحكامه، وأثرا يرتبه الشرع عليه، فشرط محل التعاقد في البيع والهبة والرهن أن يكون مقدورا على تسليمه، وشرط صحة عقد الرهن عند البعض، أو تمامه ولزومه عند البعض الآخر أن يقبض المرتهن المال المرهون ويحوزه حيازة دائمة، فهنا يقال: إن الحصة المالية الشائعة في صافي أصول الشركة أو المشروع مقدور على تسليمها بتسلم الصك نفسه؛ السهم أو الورقة المالية وقبض المرتهن وحيازته للصك يقوم مقام حيازة الحصة الشائعة نفسها. وقد قرر المالكية أن قبض وثيقة الدين تقوم مقام قبض الدين نفسه، في صحة عقد الرهن وتمامه، مع أن القبض شرط في تمام الرهن، بنص القرآن الكريم، في قوله:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} . فالقبض – كما يقول الشافعي – معنى عام يكون في كل شيء بحسبه، وقد أجاز الفقهاء التصرف في الحصة الشائعة، ولم يشترطوا الإفراز في صحة البيع، وقد أجاز الفقهاء المحدثون التصرف في أسهم الشركات المساهمة، ولا شك أن السهم يمثل حصة شائعة في صافي موجودات الشركة، التي تتكون من أعيان وحقوق ومنافع ونقود وديون في ذمة الغير، وقرروا أن للمجموع حكما يختلف عن حكم كل فرد من أفراده، وجعلوا الحكم للغالب.

وإذا تم بيع السهم أو الورقة المالية، فإن حيازة الصك وقبضه يعد حيازة للحصة الشائعة نفسها، كحكم من أحكام العقد، وأثر من الآثار المترتبة عليه، فيعد حامل السهم أو الورقة المالية حائزا للحصة الشائعة التي يمثلها كل منها.

ص: 1053

ويفترق السهم عن الورقة المالية الإسلامية فيما يأتي:

1-

يشترك مالكو الأسهم في إدارة الشركة، عن طريق انتخاب مجلس للإدارة من بينهم، وعن طريق الجمعية العامة لهم، وتكون سلطات الإدارة موزعة بين المجلس والجمعية على النحو الذي يراه ملاك الأسهم في حدود القوانين السائدة في مكان تسجيل الشركة، أما ملاك الأوراق المالية الإسلامية، فإنهم لا يشاركون في إدارة المشروع بطريق مباشر، فهم لا ينتخبون مجلس إدارة للمشروع من بينهم، وليست لهم جمعية عمومية، تشترك في إدارة المشروع، بل إن الإدارة توكل للمضارب وحده، والمضارب ملتزم في إدارته للمشروع، بأحكام عقد المضاربة وشروطها الشرعية، ولملاك الأوراق المالية أن يكونوا من بينهم أو من غيرهم مجلس مراقبة يرعى مصالحهم، ويحمي حقوقهم، في مواجهة المضارب، ويكون مسئولا عن مراقبة تنفيذ شروط العقد التي تضمنتها نشرة الإصدار، وما يلحق بها من دراسات الجدوى والبيانات والمعلومات التي تنص عليها هذه النشرة، وهي كما ذكرنا تعد إيجابا من جانبه، يقابله قبول المكتتبين.

فالشريعة الإسلامية ترى أن هذه الصورة من صور الاستثمار والتمويل تعتمد على أن رب المال لا يشارك في اتخاذ القرار الاستثماري، ولا يتدخل في إدارة المشروع، وله فقط أن يختار المستثمر الذي يجمع بين الأمانة والخبرة، ويضمن عقد المضاربة ما يراه من الشروط والقيود التي تتعلق بمجالات الاستثمار، ومكانه وطرقه التي يراها محققة لمصالحه، تاركا، المضارب وحده يتخذ القرار الاستثماري على مسؤوليته، وهو أن تعدي أو قصر، أو خالف شرطا من شروط المضاربة في إدارته، كان مسئولا عن كل ضرر يلحق بالمضاربة، ويضر بحقوق أرباب المال، ولذا فإن على رب المال أن يختار لهذا النوع من الاستثمار الكفء الأمين، وأن يضمن عقد المضاربة كل ما يرى من شروط وتعليمات، كما قلنا.

وقد يقال أن المضارب في هذا النوع من التمويل والاستثمار يستقل بإعداد نشرة الإصدار، وما تتضمنه من دراسة الجدوى للمشروع، وشروط الاستثمار، ولا يملك المكتتبون (أرباب المال) إلا قبول هذه النشرة والاكتتاب فيها، أو عدم قبولها، فكيف يتسنى لهم وضع الشروط التي يرونها محققة لمصالحهم؟ والجواب أن مبدأ العرض والطلب على رأس المال سوف يحمل المضاربين مُصدّري الأوراق المالية، على تضمين نشرات الإصدار الشروط التي تحقق مصالح أرباب المال، وتجذبهم إلى الاكتتاب لتمويل مشروعاتهم فتحقق الغرض، ويكون قبول المكتتب دليلا على رضاه بما جاء في نشرة الإصدار، فكأنه شريك في إعدادها، إذ العقد يتكون من الإيجاب والقبول.

ص: 1054

2-

الأسهم مشاركة دائمة في الشركة، تبقى مدة حياة الشركة، وإن انتقلت ملكيتها من شخص إلى شخص آخر: لأنها تمثل رأس مال الشركة المصدر، فهي إذن غير قابلة للرد من جانب الشركة، في حين أن الأوراق المالية ليست بالضرورة مشاركة دائمة في المشروع، فقد يكون إصدار الأوراق المالية لتمويل مشروع بطريق المشاركة المتناقضة، بحيث يتم إطفاء بعض الأوراق المالية على مراحل زمنية معينة.

الأوراق المالية والسندات:

يختلف السند عن الورقة المالية الإسلامية فيما يأتي:

1-

ذكرنا أن الورقة المالية، كالسهم تمثل حصة مالية شائعة في صافي أصول الشركة، أي جملة الأصول بأنواعها المختلفة، مادية ومعنوية، ثابتة وغير ثابتة، مطروحا منها صافي التزامات الشركة، فحق صاحب الورقة المالية أو السهم حق عيني يتعلق بموجودات الشركة أو المشروع، في حين أن السند يمثل دينا في ذمة الشركة التي تصدره، ولا يتعلق بموجودات الشركة.

2-

حامل السند لا يتأثر بنتيجة أعمال الشركة، ولا بمركزها المالي بطريق مباشر؛ لأن مالكه يستحق القيمة الاسمية لسنده في مواعيد الاستحقاق المدونة فيه، مضافا إليها الفوائد المحددة سلفا، بصرف النظر عن المركز المالي للشركة أو الربح الذي حققته، أو الخسارة التي منيت بها؛ فمالك السند لا يشارك في تحمل مخاطر الاستثمار للشركة المصدرة للسندات، بخلاف مالك السهم والورقة المالية فإنه يتأثر بنتيجة أعمال الشركة أو المشروع، ويشارك في تحمل المخاطر، فله الغنم الذي يحققه المشروع، وعليه الغرم الذي يتعرض له. فالسهم والورقة المالية يشاركان في الأرباح المحققة، ويتحملان الخسارة التي يتعرض لها المشروع أو الشركة.

على أنه قد ظهر نوع من السندات لا يستحق حامله فائدة محددة مسبقا، بل يشارك في أرباح الشركة التي أصدرته، وتسمى سندات مشاركة في الأرباح، وهذه قد تتحول إلى أسهم في أوقات لاحقة. على أن هذا النوع من السندات يبقى مساهمة مؤقتة في الشركة؛ لأن الشركة تدفع قيمة هذه السندات في مواعيد استحقاقها، ما لم تتحول إلى أسهم، فهي تمثل مشاركة متناقصة، غير أن الشركات المصدرة لهذا النوع من السندات لا تلتزم في استثماراتها بأحكام الشريعة الإسلامية.

*

**

ص: 1055

خصائص الأوراق المالية الإسلامية

يؤخذ من تعريف الورقة المالية الإسلامية السابق، ومن الفرق بينها وبين كل من السهم والسند، أي الأوراق المالية التقليدية، أن للأوراق المالية الإسلامية خصائص لا بد من توافرها، حتى يكون إصدارها وتداولها، والأرباح المحققة منها موافقا لأحكام الشريعة من جهة، ومحققا للغرض من إصدارها من جهة أخرى، وهو تشجيع أصحاب المدخرات على شراء هذه الأوراق، ومن ثم تمكين المستثمر مصدر الورقة المالية من استثمار حصيلتها في مشروعات متوسطة، وطويلة الأجل، لإحداث تنمية اقتصادية شاملة، في ظل سوق مالي إسلامي نشط.

وهذه الخصائص هي:

1-

الورقة المالية الإسلامية تخول حاملها حق ملكية في صافي أصول المشروع الذي يمول من حصيلة إصدارها، وهذا الحق يتمثل في حصة شائعة في صافي موجودات المشروع على النحو الذي سبق بيانه، فإذا انعدمت هذه الخصيصة؛ بأن كانت الورقة تمثل دينا في ذمة مصدرها، لم تكن ورقة إسلامية، فلا يجوز إصدارها، ولا تداولها، ولا يحل العائد منها وإن كان حصة محددة في نشرة الإصدار، من الربح؛ لأن حل العائد يعتمد على شرطين: أحدهما: ألا تكون القيمة الورقة مضمونة على المستثمر، وثانيهما: أن يكون هذا العائد حصة محددة من الربح عند التعاقد؛ أي في نشرة الإصدار، التي تعد إيجابا من جانب المضارب، والاكتتاب الذي يعد قبولا لهذا الإيجاب. والدين مضمون في ذمة المدين، بصرف النظر عن نتيجة المشروع الممول بهذه الورقة، والواقع أن الورقة المالية في هذه الحالة تعد سندا مشاركا في الأرباح، ومضمونا على المشروع الذي أصدره، فالمشروع يلتزم برد قيمة السند في مواعيد استحقاقه، وإن كان ما يدفعه عائدا ليس محددا مسبقا بنسبة من القيمة الاسمية له، بل حصة محددة من الأرباح.

2-

الورقة المالية الإسلامية تخصص حصيلة الاكتتاب فيها للاستثمار في مشروع أو نشاط يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا كانت هذه الحصيلة تستثمر في أنشطة محرمة، كصناعة الخمور، والإقراض بفائدة، فإن الورقة لا تعد إسلامية، فلا يجوز إصدارها، ولا تداولها، ولا يحل الربح العائد منها؛ لأن إصدار مثل هذه الأوراق وشراءها يعد مساهمة في نشاط محرم، والربح العائد منها هو ربح في نشاط لا تجيزه الشريعة.

3-

الورقة المالية الإسلامية وسيلة تمويل تقوم على مبدأ المضاربة الشرعية، من كل جوانبها، وتأخذ جميع أحكامها، فمصدر الورقة المالية، والمتلقي لحصيلة هذا الإصدار بقصد استثماره مضارب، ويده على هذه الحصيلة يد أمانة، لا يد ملك ولا يد ضمان، إلا في حالات التعدي، أو التقصير، أو مخالفة شروط المضاربة التي تتضمنها نشرة الإصدار، وحملة الأوراق المالية أرباب مال، يملكون حصيلة الاكتتاب قبل قيام المشروع، ويملكون المشروع بعد قيامه، وهم بهذه الصفة يتحملون كافة المخاطر التي يتعرض لها المشروع، وذلك في حدود الأموال التي اكتتبوا بها في المشروع، أو المبالغ التي أذنوا للمضارب باقتراضها لحسابهم لزيادة رأس مال مشروع.

ص: 1056

فإذا تضمنت نشرة الإصدار، أو الورقة المالية التي تصدر بناء عليها، حكما يخالف هذه الأحكام لم تكن ورقة إسلامية، فلا يجوز إصدارها، ولا تداولها ولا يحل العائد منها.

4-

الورقة المالية الإسلامية تعطي مالكها حصة من الربح، وليس نسبة محددة مسبقا من قيمتها الاسمية. وحصة ملاك الأوراق المالية من أرباح المشروع أو النشاط الذي تموله تحدد بالنسبة وقت التعاقد، أي في نشرة الإصدار التي تسبق الاكتتاب، أو في الورقة المالية نفسها، بحيث تتضمن هذه النشرة أو الورقة المالية حصة المضارب، وحصة أرباب المال، أي حملة الأوراق المالية من الربح الذي يتحقق في نهاية المشروع أو في فترات دورية معينة.

فإذا كانت الورقة المالية تعطي حاملها مبلغا محددا، أو نسبة معينة من قيمتها الاسمية، أو تعطيه حصة من الربح غير محددة، في نشرة الإصدار، أو في الورقة نفسها، بل يحددها المضارب في نهاية المشروع، أو في فترات دورية لاحقة، لم تكن ورقة مالية إسلامية، فلا يجوز إصدارها، ولا تداولها، ولا يحل العائد منها؛ ذلك أن العلم بمحل التعاقد شرط عند التعاقد، لا بعده، ومحل عقد المضاربة هو رأس المال والربح وحصة المضارب ورب المال منه، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، ولذا فإن ما جرت عليه بعض البنوك من عدم تحديد حصة كل من المودع والبنك المضارب في الربح عند الإيداع، يشكل مخالفة صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية، في عقد المضاربة.

5-

الورقة المالية تلزم مالكها بتحمل مخاطر الاستثمار كاملة، في حدود المبالغ التي اكتتب بها في المشروع، فهو يتحمل بحصته في أية خسارة يتعرض لها المشروع بسبب لا يد للمضارب فيه؛ لأن حملة الأوراق المالية (أرباب المال) يملكون المشروع ملكية مشتركة، وتلف المال، وهلاكه وخسارته على مالكه، وفقا لقواعد الشريعة، فإذا تضمنت نشرة الإصدار أو الورقة المالية شرط ضمان مخاطر الاستثمار في المشروع، على غير حملة الأوراق المالية، لم تكن الورقة المالية إسلامية، سواء كان هذا الضمان من المضارب أو من شخص ثالث غيره، تبرع بهذا الضمان، أو تقاضي عنه عوضا، أما ضمان المضارب فهو شرط ينافي مقتضى العقد فيبطل، وأما ضمان غيره بعوض فإنه ينافي قاعدة الضمان، باعتباره عملا من أعمال البر والمواساة، التي لا تكون إلا لله، وأما ضمان ذلك الغير بدون عوض فإنه تبرع بالضمان في حالات لا يترتب عليها لزوم الضمان؛ لأن شرط الضمان أن يكون محله حقا مضمونا على المضمون عنه، ومخاطر الاستثمار ليست مضمونة على المضارب فإذا انصب شرط الضمان على ما يلزم المضارب بسبب تعديه أو تقصيره، أو مخالفة لشرط من شروط المضاربة كان شرط الضمان صحيحا.

ص: 1057

6-

الورقة المالية الإسلامية قد تخصص حصيلة الاكتتاب فيها للاستثمار في نشاط خاص أو مشروع معين، وقد تخصص هذه الحصيلة للاستثمار في أنشطة متنوعة ومشاريع متعددة، يقوم بها البنك الصدر مع أمواله التي تستثمر في هذه الأنشطة وتلك المشروعات، فيكون المكتتبون في هذه الأوراق شركاء للبنك المصدر لها في مشروعاته ونشاطاته، التي يقوم بها بنسبة اكتتاباتهم إلى مجموع الأموال المستثمرة، ويكون البنك في هذه الحالة مضاربا في مال غيره وعاملا في مال نفسه، وهو يستحق حصة من الربح بوصفة مضاربا، تستنزل من صافي الأرباح، ثم يستحق حصة من الربح الباقي بنسبة رأسماله المستثمر مع حصيلة الأوراق المالية التي أصدرها إلى مجموع الأموال المستثمرة.

(أ) فالورقة المالية التي تخصص حصيلة الاكتتاب فيها للاستثمار في نشاط خاص، أو مشروع معين تقتضي أن توضع هذه الحصيلة في حساب خاص، منفصلة عن أموال المضارب مصدر الورقة المالية، وأن تكون للمشروع المعين، أو النشاط الخاص، بعد قيامه حسابات مستقلة، وذمة مالية منفصلة عن ذمة المضارب، ذلك أن المضاربة تتمتع بذمة مالية في حدود معينة، كما سبق بيانه، وبذلك يمكن تحديد الأرباح وتوزيعها بين المضارب وحملة الأوراق المالية، حسب الوارد في نشرة الإصدار والورقة المالية، وحتى يمكن تحديد خسائر المشروع إن كانت هناك خسارة.

(ب) وأما الورقة المالية التي توجه حصيلتها للاستثمار في جميع المشروعات والأنشطة الاستثمارية للبنك الذي أصدرها، فإنها تقتضي أن يمسك البنك المضارب حسابات خاصة لجميع أنشطة البنك التي تساهم حصيلة هذه الأوراق في تمويلها، مع حقوق الملكية الموجهة للاستثمار في هذه المشروعات منفصلة عن الأنشطة الأخرى التي يقوم بها البنك، كالخدمات المصرفية والوكالات وغيرها، حتى يمكن تحديد الأرباح المتحققة من الأنشطة الاستثمارية، وتلك المتحققة من غيرها، وكذلك تحديد حصة المصاريف التي تلزم حساب الاستثمار من مجموع مصاريف البنك المضارب، ثم توزيع الأرباح بين حملة الأوراق المالية، بعد استنزال حصة البنك المضارب تبعا لذلك.

فإذا تضمنت الورقة المالية أو نشرة الإصدار ما يخالف ذلك الحكم، بأن نصت على أن مصدر الورقة المالية والمستثمر لحصيلتها لا يمسك حسابات مستقلة للمشروع الخاص أو النشاط المعين في الحالة الأولى، أو لا يمسك حسابات مستقلة لمجموع الأنشطة الاستثمارية في البنك منفصلة عن حسابات الأنشطة الأخرى، في الحالة الثانية، كانت الورقة المالية غير مستكملة لخصائص الورقة الإسلامية، فإن خلت الورقة المالية ونشرة الإصدار عن الإشارة إلى هذا الموضوع بالكلية، التزم مصدر هذه الأوراق بإمساك هذه الحسابات المستقلة بحكم الشرع. حتى يكون ما يوزع من أرباح، أو ما يتحمله حملة الأوراق المالية من خسارة يمثل الحقيقة. فإذا تضمنت نشرة الإصدار أو الورقة المالية الصادرة بناء عليها ما يفيد التزام البنك الذي أصدر هذه الورقة بإمساك حسابات مستقلة على النحو السابق، ثم أخل البنك بهذا الالتزام، كان ضامنا، وأمكن لحملة الأوراق المالية حمله على تنفيذ التزامه قضاء.

ص: 1058

7-

الورقة المالية الإسلامية تقتضي أن يقوم مصدرها، المستثمر لحصيلة إصدارها بإصدار ميزانية أرباح وخسائر في نهاية المشروع المعين، أو النشاط الخاص، أو في فترات دورية منتظمة، حسب الوارد في نشرة الإصدار، والورقة المالية الصادرة بناء عليها.

أما مصدر الورقة المالية بقصد تمويل جميع أنشطته ومشروعاته الاستثمارية، فإنه يلتزم بعمل ميزانية أرباح وخسائر لهذه الأنشطة وتلك المشروعات في فترات دورية منتظمة، والغالب أن تكون سنوية.

وهذه الميزانيات لا بد أن تعلن للجمهور، وأن توضع تحت تصرف حملة الأوراق المالية، للتأكد من مقدار الأرباح الموزعة عليهم، وأنها تساوي النسبة المخصصة لهم في نشرة الإصدار والورقة المالية، أو مقدار الخسارة التي يتحملونها.

فإذا قام البنك مصدر الورقة بتوزيع أرباح دون أن تكون هناك ميزانية معلنة، أعدت وفقا للأصول الفنية من أهل الخبرة، تظهر هذه الأرباح، أو كانت هناك ميزانية ولكن توزيع الأرباح جاء مخالفا لما ورد في نشرة الإصدار، والورقة الصادرة بناء عليها، وما تظهره الميزانية، كان هذا التوزيع مخالفا لأحكام عقد المضاربة، ذلك أن البنك بوصفه مضاربا يلتزم شرعا بمعرفة الربح، وهو ما زاد على رأس المال، ثم معرفة حصة حملة الأوراق المالية، من هذا الربح، وفقا للنسبة المحددة لهم في عقد المضاربة، الذي تمثله نشرة الإصدار، والورقة الصادرة بناء عليها، ونسبة المضاربة، وهم حملة أسهم البنك، أي أصحاب حقوق الملكية، ثم توزيعه بينهم وفق العقد، دون زيادة أو نقص، وإذا كانت هناك خسارة، وهي ما نقص من رأس المال المستثمر، فيلزمه كذلك معرفتها، وتحديد حصة حملة الأوراق المالية، وأصحاب حقوق الملكية فيها، وهذا كله لا يتأتى إلا بإصدار ميزانية حقيقية، وفقا للأصول الفنية المرعية، وأن يأتي التوزيع متفقا مع ما جاء في هذه الميزانية، وعقد المضاربة الذي يتمثل في نشرة الإصدار والورقة المالية المصدرة بناء عليها.

وليس هناك ما يمنع شرعا من أن تتضمن نشرة الإصدار والورقة المالية الصادرة بناء عليها تحديد نسبة من الربح تودع في حساب أو صندوق خاص تخصص حصيلته لضمان مخاطر الاستثمار. فإذا وقعت خسارة في أحد الأعوام أمكن تغطيتها أو جزء منها من حصيلة هذا الصندوق.

والنسبة المخصصة لضمان مخاطر الاستثمار تبرع من أصحاب الحق في الأرباح، فأما المضارب فقد نص عليه في نشرة الإصدار، وفي الورقة المالية التي طرحها، فهو راض به، على سبيل التبرع، وأما حملة الأوراق المالية فقد قبلوا هذا التبرع بقبول الاكتتاب في الأوراق المالية المطروحة، بناء على نشرة الإصدار، والتبرع يلزم بالقول عند المالكية.

ص: 1059

ومن ثم فإنه يستفيد من خدمات هذا الصندوق حملة الأوراق المالية الحاليين، ومن يأتي بعدهم، ممن يشتري هذه الأوراق، فإذا انتهى المشروع صرف ما بقي في الصندوق من أموال في جهة من جهات البر، وفقا لما تنص عليه نشرة الإصدار. وليس هناك ما يمنع شرعا، كذلك، من النص في نشرة الإصدار والورقة المالية على اقتطاع نسبة محددة من الأرباح قبل توزيعها، لتكوين مخصص تنص عليه القوانين، أو يتبرع به أصحاب الحق في الأرباح، للغرض الذي نص عليه القانون أو نشرة الإصدار، لأن الحق في الربح للمضارب، وأرباب المال، فلهم حق التبرع منه للأغراض المشروعة.

8-

الورقة المالية إذا تضمنت نشرة إصدارها نتائج دراسات الجدوى التي أعدت عن المشروع الذي صدرت الورقة المالية لتمويله، ونسبة الربح المتوقعة للمشروع، فإنها تكون صحيحة، من الناحية الشرعية، ولا يعد ذلك تحديدا للربح بنسبة من رأس المال مقدما، ذلك أن المضارب ليس مسئولا عن هذه النسبة إذا ظهرت نتائج استثماره، مخالفة لها، وإنما يسأل عن صحة البيانات الواردة في دراسة الجدوى، وعن مخالفة هذه الدراسة للأصول الفنية لدراسة الجدوى، وبالتالي يلتزم بالتعويض إذا ثبت أنه أخفى بعض البيانات، أو أدلى ببعض المعلومات الكاذبة، أو خالف في دراسة الجدوى ما تواضع عليه أهل الاختصاص والخبرة، ولا يستطيع المضارب أن يتخلص من هذه المسؤولية، ويسقط عن نفسه الضمان إلا إذا أثبت أن مخالفة نسبة الأرباح التي أظهرتها ميزانيته لما ورد في دراسة الجدوى، الواردة في نشرة الإصدار، إنما كان بسبب لا يد له فيه، كصدور قوانين ضريبية أو جمركية أو نقدية جديدة، أو حدوث جائحة في إنتاجه الزراعي، أو مرض في إنتاجه الحيواني، أو حالة حرب منعت تصدير المنتج، أو غير ذلك من الظروف الطارئة، التي لم يكن من الممكن لمن قاموا بدراسة الجدوى توقعها.

أنواع الأوراق المالية:

تتنوع الأوراق المالية باعتبارات مختلفة، فهي من حيث اعتبار المدة يمكن أن تكون محددة بمدة طويلة، أو متوسطة، أو قصيرة، ويمكن أن تكون غير محددة المدة. ومن حيث اعتبار استخدام حصيلتها، يمكن أن تكون أوراقا مخصصة، وأوراقا غير مخصصة، ومن حيث نوع النشاط الذي تستخدم حصيلتها في تمويله يمكن أن تتنوع أنواعا كثيرة، بتنوع الأنشطة الاستثمارية نفسها، وسوف نعرض لكل تقسيم من هذه التقسيمات بشيء من التفصيل مع بيان حكم الشريعة في جواز إصدار أنواع كل تقسيم منها، وتداولها، واعتبارها وسيلة من وسائل التمويل المقبولة شرعا.

ص: 1060

أولا- أقسام الورقة المالية من حيث المدة:

تنقسم الورقة المالية من حيث مدتها إلى قسمين، أولهما: أوراق مالية محددة المدة، وثانيهما: أوراق مالية غير محددة المدة، والأوراق محددة المدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أوراق مالية محددة بأجل قصير، وأوراق مالية محددة بأجل متوسط وأوراق مالية محددة بأجل طويل، مع ملاحظة أن الطول والقصر، في أجل الورقة المالية أمر نسبي، ويربط غالبا بأجل المشروع أو النشاط الذي تستثمر فيه حصيلة هذه الأوراق.

1-

ورقة مالية غير محددة المدة:

تجيز الشريعة إصدار أوراق مالية غير محددة المدة؛ ذلك أن الأصل في المضاربة أن تكون مطلقة عن المدة، فمصدر الورقة مضارب يطلب تمويلا غير محدد المدة، ويوجه لأرباب المال إيجابا، في شكل نشرة إصدار، لهذا الغرض، فإذا اكتتب الجمهور في هذه الورقة انعقدت المضاربة، مطلقة عن المدة؛ لتوافر الإيجاب والقبول. وإذا استخدمت حصيلة هذه الورقة في تمويل مشروع معين، فإنها تنتهي بانتهاء أجل هذا المشروع، وتصفيته بصفة نهائية، وعلى ذلك، فإن الأصل ألا توزع أرباح على حملة هذا النوع من الأوراق قبل تصفية المشروع بصفة نهائية، وتحديد أرباحه، ومع ذلك إذا كان المشروع طويل الأجل نسبيا أمكن إجراء توزيعات سنوية تحت حساب أرباح المشروع. وأما إذا استخدمت حصيلة هذه الورقة في تمويل الأنشطة المختلفة للبنك المضارب، دون التقيد بمشروع خاص، أو نشاط معين، فإنه يمكن للبنك مصدر هذه الورقة أن يوزع على حاملي هذه الورقة حصتهم من الأرباح المتحققة في فترات دورية، تكون سنوية عادة.

ولمالك هذه الورقة أن يحتفظ بها للمدة التي يراها، وله أن ينقل ملكيتها لغيره، ويحل المالك الجديد محله في كافة حقوقه، وله أن يبيعها إلى البنك الذي أصدرها، بالسعر الذي يعلن البنك الشراء به، في فترات دورية، بناء على المركز المالي للأنشطة التي تستخدم فيها حصيلة هذه الأوراق. ونرى أنه من الناحية الشرعية يلتزم البنك الذي أصدر هذه الشهادة باعتباره مضاربا، بشراء الورقة المالية، لأن المضاربة غير محددة المدة تجيز لرب المال أن يطلب من المضارب إنهاء المضاربة ونض المال ليأخذ ماله مع ما قد يتحقق من أرباح المضاربة، وتطبيق هذا الحكم يقتضي التزام البنك مصدر الورقة بشرائها بالسعر السائد وقت تقديمها، والذي يتم تحديده بواسطة مراقبي حسابات معتمدين، تعينهم نشرة الإصدار عادة.

إما إذا صدرت الورقة المالية غير محددة المدة لتمويل مشروع معين، فإن على صاحبها أن ينتظر إلى نهاية اجل المشروع وتصفيته، كما ذكرنا، أو يبيعها في سوق الأوراق المالية، وليس له أن يلزم البنك المصدر لها بشرائها؛ لأن المضاربة الخاصة بمشروع معين تلزم رب المال بعدم إنهائها، قبل تصفيه هذا المشروع، فليس له طلب نض المال قبل ذلك، لما فيه من ضرر على المضارب.

ص: 1061

2-

ورقة مالية محددة المدة:

هذه الورقة قد تكون طويلة الأجل؛ أي لمدة خمس سنوات مثلا، وقد تكون قصيرة الأجل؛ لمدة سنة مثلا، وقد تكون متوسطة الأجل؛ أي لمدة ثلاث سنوات مثلا، وطول الأجل وقصره نسبي، كما ذكرنا.

والشريعة الإسلامية تجيز إصدار أوراق مالية محددة المدة طويلة أو قصيرة أو متوسطة، بناء على رأي القائلين – بجواز تحديد المضاربة بمدة معينة – من الفقهاء، ذلك أن الورقة تمثل حصة المالية التي يقدمها المكتتب بوصفه رب مال، إلى المصدر للورقة بوصفه مضاربا، وهو يقدم هذه الحصة لاستثمارها، لمدة محددة، وطالب التمويل وهو البنك المصدر للورقة، يوجه إيجابا إلى الجمهور، في شكل نشرة إصدار، يطلب منهم الاكتتاب في هذه الورقة، على أن تستثمر حصيلتها لمدد محددة، وهذا الإيجاب قد صادف قبولا من أصحاب المدخرات، يتمثل في إقبالهم على الاكتتاب، وتقديمهم للمال، فتنعقد المضاربة صحيحة، لازمة لمدة الورقة المالية.

ولمالكي الأوراق المالية محددة الأجل أن يحتفظوا بأوراقهم المدة المحددة، ولهم أن ينقلوا ملكيتها إلى الغير في سوق الأوراق المالية، ويحل المالك الجديد محل المالك القديم في كافة حقوقه، وليس لهم إلزام البنك مصدر الورقة بشرائها، قبل انتهاء مدتها؛ لأن المضاربة المقيدة بمدة تلزم رب المال البقاء عليها طوال هذه المدة. أما بعد انتهاء المدة، فإن على البنك مصدر الورقة أن يقبل شراءها بالسعر السائد وقت تقديمها، لأن المضاربة تنتهي بمدتها ويلتزم المضارب بنض المال وتسليم رأس المال لصاحبه، مع ما قد يتحقق من الأرباح. وواضح أن للبنك المصدر في جميع الأحوال أن يعلن، باختياره، تعهده بشراء ما قد يعرض عليه من أوراق أصدرها أيا كان أجلها، وذلك بالسعر السائد وقت الإصدار، ويمكن تحديد هذا السعر وفقا لمبدأ السعر العادل، الذي تكلم عليه الفقهاء. فإذا صدر منه هذا الإعلان كان ملتزما به، بناء على قاعدة وجوب بقاء الموجب على إيجابه، المدة التي يحددها في هذا الإيجاب، وهذه المدة قد تكون ثلاثة أيام أو عشرة، وقد تكون شهرا ينتهي التزامه بعدها، حتى يوجه إعلانا آخر.

وهذا النوع من الأوراق المالية قد يصدر بقصد استثمار حصيلته في نشاط معين كالنشاط التجاري والاستثمار العقاري، وأعمال المقاولات، والإنتاج الحيواني واستصلاح الأراضي، وقد يصدر بقصد المشاركة بحصيلته في جميع أنشطة البنك المصدر ومشروعاته الاستثمارية، دون التقيد بمشروع معين، أو نشاط خاص.

أما المشروع الخاص فلا يمكن تمويله بهذا النوع من الأوراق المالية، لاحتمال الاختلاف بين مدة الشهادة والمدة اللازمة لتصفية المشروع، والمضاربة إما أن تقيد بوقت معين، أو بعمل أو مشروع معين، أما الجمع بينهما فمتعذر للتنافي بين أحكامهما، كالشأن في عقد الإجارة مثلا، فإن العمل فيها إما أن يحدد بالمدة أو بعمل معين. على أنه إذا أمكن تحديد مدة تنفيذ المشروع المعين بدقة؛ بأن كانت طبيعته تسمح بذلك فإنه يجوز أن تكون الورقة المالية التي تصدر لتمويله محددة المدة؛ لعدم احتمال التنافي بين أجل الورقة، وتصفية المشروع.

ويمكن توزيع الأرباح الناتجة عن النشاط المعين، أو عن مجموع أنشطة البنك واستثماراته على حملة الأوراق المالية، في فترات دورية، كل سنة، أو أقل، أو أكثر، إذا أمكن إعداد ميزانية أرباح وخسائر في هذه الفترات، لأن التوزيع يعتمد من الناحية الشرعية على العلم بالأرباح، بالطرق المحاسبية المتاحة، وهذا لا يتأتى بدون إعداد ميزانية تظهر هذا الربح.

ص: 1062

ثانيا - أنواع الورقة المالية من حيث استثمار حصيلتها:

تنقسم الورقة المالية من حيث النشاط الاقتصادي، الذي تستثمر فيه حصيلتها إلى ثلاثة أنواع: ورقة مالية مخصصة لتمويل مشروع معين، وورقة مالية مخصصة لتمويل نشاط خاص، وورقة مالية مخصصة للمشاركة في تمويل أنشطة البنك ومشروعاته الاستثمارية المختلفة مع حقوق الملكية الموجهة للاستثمار، في هذه الأنشطة، وتلك المشروعات.

1-

ورقة مالية مخصصة لتمويل مشروع معين:

رأينا أن هذا النوع من الأوراق المالية تسبقه دراسة جدوى كاملة للمشروع المعين الذي تخصص حصيلتها لتمويله، وذلك مثل إنشاء مجمع سكني بقصد بيع وحداته، واستصلاح مساحة محددة من الأراضي الصحراوية وبيعها، وإقامة مصنع معين وبيعه، وغير ذلك من المشروعات التي تستغرق وقتا محدودا، وإن لم يمكن معرفة وقت إنهاء المشروع، على وجه التحديد.

والشريعة الإسلامية تجيز إصدار هذا النوع من الأوراق المالية، كوسيلة من وسائل تمويل المشروعات؛ لأن المضاربة تجوز شرعا في عمل اقتصادي معين، أو صفقة واحدة تنتهي بانتهائها، وتصفى بعدها، بنض المال وتسليم رأس المال لربه، واقتسام الأرباح وفق ما اتفق عليه في عقد المضاربة.

والمضارب ملتزم في هذا النوع من المشروعات، بإمساك حسابات خاصة للمشروع المعين منفصلة عن حساباته الأخرى، إذ للمضاربة ذمة مستقلة، في حدود معينة على النحو الذي ذكرناه سابقا، وقد قرر الفقهاء أنه ليس للمضارب أن يخلط ماله بمال المضاربة إلا إذا أذن له رب المال في ذلك. وواضح أن رب المال الذي اكتتب في أوراق مالية خُصِّصَت للاستثمار في مشروع معين لم يأذن للمضارب مصدر هذه الأوراق في خلط ماله بمال المضاربة في هذا المشروع، فهو مضارب مقيد بالاستثمار في مشروع معين، وغير مأذون له في خلط ماله بمال المضاربة؛ وهذا لا يتأتى إلا بإمساك حسابات خاصة للمشروع منفصلة عن ذمة البنك، مصدر الورقة المالية. ولقد سبق القول بأن الأصل أن حملة الأوراق المالية المخصصة لتمويل مشروع معين، لا يأخذون حصتهم من أرباح المشروع المعين إلا بعد تصفيته، غير أنه يمكن للمضارب أن يوزع على حملة هذه الأوراق مبالغ تحت حساب أرباح المشروع، إذا كان مركزه المالي يسمح بذلك، وكانت مدة الانتهاء من المشروع طويلة نسبيا. وهذا النوع من الأوراق المالية يخضع في إصداره، وتداوله لما تخضع له بقية الأوراق كما سنبين.

ص: 1063

2-

ورقة مالية مخصصة لتمويل نشاط خاص:

تجيز الشريعة الإسلامية أوراق مالية، لتمويل نشاط معين، كالنشاط التجاري والصناعي، والزراعي، والإنتاج الحيواني، ذلك أن المضاربة تجوز في هذا النوع من النشاط، فإذا اشترط رب المال على المضارب أن يستثمر رأس مال المضاربة في النشاط التجاري، أو العقاري، أو في إنتاج اللحوم، أو المحاصيل الزراعية، كان هذا الشرط صحيحا ملزما، فإذا تضمنته نشرة الإصدار، والورقة المالية، واكتتب رب المال في هذه الأوراق انعقدت المضاربة المقيدة بنشاط معين. والمضارب مقيد بالاستثمار في هذا النشاط دون سواه، فإن خالف كان ضامنا، وعليه أن يمسك حسابات مستقلة لهذا النشاط، ولا يخلط أمواله بالأموال المستثمرة فيه ما لم تنص نشرة الإصدار على رأس المال المستثمر في هذا النشاط، وأن المكتتب فيه نسبة معينة منه، وأن الباقي من التمويل يقدمه مصدر الورقة المالي، أو من صدرت هذه الورقة لحسابه، فهنا يكون المضارب مأذونا له في خلط ماله بمال المضاربة، ويكون إصدار الورقة المالية بقصد زيادة رأس المال الذي يستثمره مصدر الورقة، في هذا النشاط.

ويطبق على هذه الورقة في شأن الإصدار والتداول وتوزيع الأرباح ما قيل في شأن الورقة المخصصة لتمويل مشروع معين.

3-

ورقة مالية غير مخصصة بمشروع معين ولا نشاط خاص:

بل تشارك حصيلتها في حقوق الملكية في البنك، في الاستثمار في جميع مشروعات البنك وأنشطته الاستثمارية. والبنك هنا مضارب مطلق، فله أن يستثمر حصيلة هذه الأوراق في أي نشاط أو مشروع، من مجموع الأنشطة والمشروعات التي يقوم بها البنك، حسب ما تقتضيه المصلحة، وهو مضارب مأذون له في خلط أمواله بأموال المضاربة.

والشريعة الإسلامية، وإن كان الأصل فيها أنه لا يجوز للمضارب أن يخلط ماله بمال المضاربة، إلا أنها أجازت هذا الخلط بإذن رب المال، وواضح أن نشرة الإصدار إذا نصت على أن للبنك المضارب أن يستثمر حصيلة الأوراق المالية المصدرة في أنشطته المختلفة، ومشروعاته الاستثمارية المتعددة، وأن هذه الحصيلة تضم إلى ما يخصصه البنك من موارد الأخرى، للاستثمار في هذه الأنشطة، وتلك المشروعات، ثم تقدم أرباب المال للاكتتاب في الأوراق المصدرة، بناء على ذلك فإن عقد المضاربة غير المقيدة يتم بذلك.

ص: 1064

والبنك مصدر هذه الورقة، وإن كان لا يلتزم بإمساك حسابات مستقلة لحصيلة الأوراق المالية المصدرة؛ لأنها مخلوطة بغيرها، من أمواله الأخرى، التي يستثمرها، مع حصيلة الأوراق المالية التي أصدرها، إلا أنه يلتزم بالضرورة بإمساك حسابات للمضاربة التي تشتمل التمويل الذي خصصه هو للاستثمار، والحصيلة المتجمعة من بيع الأوراق التي أصدرها، وهذه الحسابات يجب أن تكون منفصلة عن حسابات أنشطة البنك الأخرى، من خدمات مصرفية، وعوائد استثمار الحسابات الجارية، وغير ذلك؛ إذ للمضاربة في كل صورها، وجميع أنواعها، ذمة مالية في حدود معينة، وهذا يعني أنه في جميع صور الأوراق المالية، ما صدر منها لتمويل مشروع معين ، وما صدر منها لتمويل نشاط خاص ، وما صدر منها لتمويل أنشطة البنك ومشروعاته المتعددة، يجب على البنك أن يمسك حسابات منفصلة، وألا يخلط بمال المضاربة أي مال آخر، لا يدخل في رأسمالها، غير أن رأسمالها قد يقتصر على حصيلة الأوراق المالية الصادرة لتمويل مشروع معين، أو نشاط خاص، دون أن يقدم المضارب حصة في رأس مال المضاربة، وقد يكون رأس مال المضاربة مكونا من جزئين؛ أحدهما هو حصيلة الأوراق المالية الصادرة للمشاركة في جميع أنشطة البنك ومشروعاته، وثانيهما ما يخصصه البنك من موارده الأخرى، ومن حقوق الملكية للاستثمار في هذه الأنشطة والمشروعات، وفي جميع هذه الصور فإن للمضاربة ذمة مالية مستقلة عن ذمة المضارب، ورب المال، ولا بد أن تكون هناك حسابات مستقلة للمضاربة؛ أي لرأسمالها المستثمر، سواء كان كله مقدما من أرباب المال؛ حملة الأوراق المالية، أو كان بعضه منهم، وبعضه من البنك المضارب. وهذا الاستقلال لازم شرعا، بناء على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والواجب هنا تحديد الربح وتوزيعه بين حملة الأوراق المالية والبنك المضارب، وهذا لا يتأتى إلا بإمساك حسابات لرأس مال المضاربة منفصلا عن حسابات البنك المضارب الأخرى.

وقد تثور صعوبات عملية محاسبية، بشأن الفصل بين أنشطة البنك الاستثمارية التي تمول بأوراق مالية، وبموارد البنك المخصصة لذلك، وأنشطة البنك الأخرى؛ كالخدمات المصرفية والحسابات الجارية وغيرها، وتخصيص كل نوع من هذه الأنشطة بحساب مستقل، وتشتد هذه الصعوبة في حساب المصاريف التي تخص كل نوع من هذه الأنواع، غير أن هذه الصعوبة لا تسقط الواجب، وإن كانت تجعل بذل أقصى الجهد وفقا لمعطيات العلم وإمكانات البشر وظروف البنك، كافيا في أداء هذا الواجب، والوفاء بهذا الالتزام؛ لأن التكليف لا يكون إلا بمقدور، والميسور لا يسقط بالمعذور، كما يقرر الفقهاء؛ ذلك أن قضية تحديد الربح الناتج عن الأنشطة المختلفة، ومعرفة ما يخص أرباب المال، أي حملة الأوراق المالية، وما يخص البنك، أي المساهمين أصحاب حقوق الملكية، منه من الأمور الواجبة شرعا قبل التوزيع تفاديا للظلم ومنع الحقوق، ولا يتم ذلك إلا بإمساك حسابات منفصلة، وعمل ميزانيات مستقلة، وتحميل كل نشاط بما يخصه من المصاريف.

ص: 1065

إصدار الأوراق المالية:

يقوم المضارب بإعداد دراسة جدوى لمشروع معين، أو نشاط خاص، ثم يوجه نشرة إصدار إلى الجمهور، يضمنها جميع شروط وعناصر عقد المضاربة، فيحدد المشروع ويبين طبيعته، ورأس المال المستثمر فيه، وطريقة توزيع الربح بين المضارب وأرباب المال المرتقبين، فإذا أقبل الجمهور على الاكتتاب ينعقد عقد المضاربة، ذلك أن نشرة الإصدار تعد إيجابا موجها إلى الجمهور، والاكتتاب في الورقة المالية قبول لهذا الإيجاب، والورقة المالية يصدرها بنك لحسابه، فيكون هو المضارب المستثمر أو لحساب غيره من المستثمرين، في مقابل أجر معين.

وقد يقوم المضارب المستثمر بإقامة مشروع معين كمصنع أو مزرعة مثلا، ثم يقدر تكاليفه ويوجه نشرة إصدار للجمهور للاكتتاب فيه، فإذا تم الاكتتاب وجمعت حصيلته أخذها عوضا عما أنفق، أو ثمنا لهذا المشروع، فنشرة الاكتتاب هنا إيجاب يتضمن أمرين أحدهما: بيع المشروع، وثانيهما: عقد مضاربة يكون فيه البائع مضاربا، ويكون الاكتتاب بمثابة قبول لشراء المشروع ، وموافقة على أن يكون بائع المشروع مضاربا، تخريج ذلك من الناحية الشرعية على أن المضاربة تمت أولا برأس مال نقدي، وهو رأس مال المضاربة، ثم تفويض المضارب بشراء المشروع.

فعملية الاكتتاب، وما يسبقها من نشرة إصدار تكون جميع العناصر التي تحقق المضاربة الشرعية.

*

**

ص: 1066

تداول الأوراق المالية

الأوراق المالية على اختلاف أنواعها وصورها تمثل حصة مالية شائعة في مجموع مالي، هو صافي موجودات مشروع معين، أو عدد من المشروعات، أو مجمل مشروعات، وأنشطة البنك مصدر الورقة المالية.

وهذه الموجودات تشمل عادة نقودا وأعيانا ومنافع وديونا أو حقوقا لدى الغير، كالشأن في السهم في الشركات المساهمة؛ فإنه يمثل حصة مالية شائعة في صافي موجودات الشركة التي تشتمل على هذه العناصر. ولكن الورقة المالية قد تمثل أحيانا حصة شائعة في أحد هذه العناصر. كالأعيان أو المنافع أو الحقوق، إما ابتداء أو أثناء حياة المشروع الذي يبدأ بهذا المجموع من الأعيان والحقوق والمنافع، ثم يصير في مرحلة لاحقة قاصرا على عنصر واحد منها، كالنقود وحدها، أو الديون وحدها، أو المنافع وحدها، أو على عنصرين منها. وسوف أعرض حكم تداول الورقة المالية في صورها المختلفة بشيء من التفصيل:

الورقة المالية، بعد قفل باب الاكتتاب، وقبل إقامة المشروع وبداية التشغيل تمثل حصة نقدية، من حصيلة الاكتتاب في الورقة المالية، فلا يجوز تداولها بالبيع والشراء، إلا وفق أحكام الشريعة الخاصة ببيع النقد بالنقد، وهذه الأحكام تشترط التماثل في بيع النقد بالنقد، وعلى ذلك فإن الورقة المالية تباع في هذه المرحلة بقيمتها الاسمية دون زيادة أو نقص، فإذا بيعت للمضارب مصدر الورقة كان هذا البيع إقالة أو فسخا للاكتتاب، وليس عقدا جديدا، أما بعد قيام المشروع، وبداية النشاط فإن الورقة المالية تمثل – كما قلنا – حصة شائعة في مجموع مالي يتكون غالبا من أعيان ومنافع ونقود، وديون في ذمة الغير، ولما كان هذا المجموع يجوز التصرف فيه كله أو في حصة شائعة فيه، فإن الورقة المالية التي تمثل حصة شائعة يجوز تداولها والتصرف فيها كذلك، والشرط في جواز تداول هذه الورقة أن تكون الأعيان والمنافع غالبة على النقود والديون، ذلك أن الشريعة الإسلامية تجعل الحكم للغالب، ويقرر فقهاؤنا أن النادر لا حكم له، ومن القواعد المسلمة في الفقه الإسلامي أن ما لا يجوز انفرادا يجوز تبعا، فالدين عند الشافعية لا يجوز رهنه ابتداء، ويجوز تبعا، فإذا أتلف شخص المال المرهون وهو عند المرتهن ضمنه، وكان الضمان وهو دين في ذمة المتلف رهنا مكان العين المرهونة، والحمل في بطن أمه لا يجوز بيعه استقلالا، ويجوز بيعه مع أمه، وحقوق الارتفاق لا يجوز بيعها استقلالا، ويجوز بيعها مع العين التي تقرر الحق لها، كحق المسيل والشِرب، كما قرر الفقهاء أنه إذا كان بعض الثواب أبريسما أي حريرا والبعض الآخر قطنا أو كتانا جاز، وهكذا تجري قواعد الشرع الكلية وأحكامه الجزئية.

إما إذا كانت الديون هي الغالبة، فإن تداول الورقة المالية يخضع لأحكام تداول الديون، والجمهور يمنعون بيع الديون ورهنها، أما المالكية فإنهم يرون جواز بيع الدين للمدين به بما يساويه من النقود ، بشرط أن تكون النقود مقبوضة في الحال ، أما إذا بيع الدين لغير المدين به، فإنه يجب أن يباع بغير جنسه، فإن كان الدين نقودا وجب بيعه بسلعة، أو بنقد يختلف عن الدين في جنسه، وعلى ذلك فإن بيع الورقة المالية التي تمثل دينا في الذمة يخضع لهذه الأحكام.

ص: 1067

وأما إذا كان النقد هو الغالب، فإن الورقة المالية التي تمثله لا تباع إلا بقيمتها الاسمية، إذا كان البيع في مدة الاكتتاب وبعده، قبل استثمار حصيلتها، أو بما تساويه من النقد إذا كانت غلبة النقد حدثت أثناء حياة المشروع، وكانت جملة النقود تزيد عن قيمة الأوراق الاسمية، وهذا بناء على أن النقد لا يباع بالنقد إلا متساويا.

وإذا كانت الورقة المالية قد صدرت لتمويل عقد السلم، وهو العقد الذي يعجل فيه المشتري دفع الثمن للبائع، ويؤخر فيه البائع الشيء المبيع إلى أجل يحدد في العقد، فإنه لا يجوز تداولها، لأنها تمثل دينا في ذمة البائع قبل قبضه، ودين السلم لا يجوز بيعه ولا استبداله، قبل قبضه. وإذا أريد تمويل عقود السلم بالأوراق المالية وجب أن تصدر ورقة مالية لتمويل نشاط بأكمله، في هذا المجال، بمعنى أن حصيلة الورقة المالية تمول عقودا كثيرة بحيث يكون لدى المضارب مع ديون السلم أعيان هي السلع التي يقبضها المضارب عند حلول آجالها من البائعين، فتكون الورقة والحال كذلك، ممثلة لديون وأعيان وخصوصا إذا ضممنا إلى هذه السلع موجودات المضاربة من المكاتب والمخازن ووسائل النقل وغيرها مما يلزم النشاط، على أنه إذا كانت الديون هي الغالبة وجب التزام أحكام الشريعة في تبادلها.

ولا خلاف في أن الورقة المالية لو كانت تمثل أعيانا فقط، أو منافع فقط فإن تداولها يجوز دون قيد، فإذا كانت الورقة المالية قد صدرت لتمويل شراء معدة أو آلة للتأجير، أو قطعة أرض لاستصلاحها واستزراعها ، فإنها أي الورقة المالية تقبل التداول ، لأنها تمثل حصة في أعيان مالية، وكذلك الحال فيما إذا كانت الورقة تمثل أعيانا ومنافع معا.

والأصل في تداول الأوراق المالية بالبيع والشراء أن يكون في سوق الأوراق المالية، إذا وجدت هذه السوق، ومع ذلك فإنه يجوز للبنك الذي أصدر الورقة أن يعلن تعهده بشرائها بالسعر السائد عند عرضها، وللبنك في سبيل تحديد السعر أن يقوم بإعداد مركز مالي كل فترة يعلن بعدها استعداده للشراء خلال مدة يحددها.

والله ولي التوفيق.

الدكتور حسين حامد حسان

ص: 1068