الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع التقسيط
إعداد
فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
في النصوص الواردة من الشارع الحكيم
وأقوال الفقهاء المجتهدين الأولين
في بيع التقسيط
من نصوص التشريع:
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . [سورة البقرة: الآية 282] . ومعنى الدين البيع أو الشراء بأجل: من تداين: تبايع بالأجل.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى بالأجل: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير)) . [رواه مسلم] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا بنسيئة – أي بالأجل - ورهنه درعًا له من حديد)) [متفق عليه] .
من أقوال الفقهاء:
قال الإمام البغوي: (إذا باتّه على أحد الأمرين في المجلس فهو صحيح به لا خلاف فيه) انظر ص 142، مجلد 8: شرح السنة، للبغوي.
وقال الشيخ ابن قدامة: " وقد روي عن طاوُس والحكم وحماد أنهم قالوا " لا بأس أن يقول: أبيعك بالنقد كذا، والنسيئة كذا، فيذهب على أحدهما، وهذا محمول على أنه جرى بينهما بعدما يجري في العقد، فكأن المشتري قال: أنا آخذه بالنسيئة بكذا، فقال: خذه، أو: قد رضيت، ونحو ذلك، فيكون عقدًا كافيًا، فهم قد أجازوا هذا البيع حيثما تحدد الثمن ". اهـ. انظر ص 211، مسألة 3130 مجلد 4: المغني.
وقال الشيخ الشوكاني: " نقل ابن الرفعة عن القاضي أنه قال عن هذه المسألة: لو قال البائع: بعتك بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة، قال القاضي: لو قال المشتري: قبلت بألف أو ألفين بالنسيئة صح ذلك ". اهـ. انظر ص 161 – 162، ج 5: نيل الأوطار.
وقال الإمام الترمذي (أبو عيسى) : " إذا قال البائع: أبيعك هذا الثوب بنقد عشرة، وبنسيئة بعشرين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما ". اهـ. انظر ص 533، حديث 1231: سنن الترمذي، مج 3.
وقال الإمام الأوزاعي عن البيع: " لا بأس بذلك، ولكن لا يفارقه حتى يباتّه بأحد المعنيين ". اهـ. انظر ص 739 – 740، مج 3: سنن أبي داود.
مدخل
أولًا: الأصل في الثمن الحلول، وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة، فالثمن إما أن يكون عينًا أو دينًا في الذمة ثم الثمن بالدين يجوز أن يكون معجلًا وهو الأصل.
وأن يكون مؤجلًا. . .
والثمن المؤجل إما أن يكون إلى موعد معين لجميع الثمن، وإما أن يكون (منجمًا) مقسطًا على مواعيد معلومة.
ففي الثمن الدين يختلف الحكم في أدائه بحسب كونه معجلًا أو مؤجلًا أو منجمًا، فإذا كان مؤجلًا أو منجمًا يتعين أن يكون الأجل معلومًا للمتعاقدين على تفصيل في ذلك سأذكره إن شاء الله بالتفصيل المذهبي (1)
ثانيا: جاء جاء في مختار الصحاح: (النجم لغة: الوقت المضروب، ويقال: نجم المال تنجيمًا إذا أداه نجومًا (أقساطًا) والتنجيم اصطلاحًا هو (التأخير لأجل معلوم نجمًا أو نجمين) أو هو: [المال المؤجل بأجلين فصاعدًا، يعلم كل نجم ومدته من شهر أو سنة أو نحوها] .
فالتنجيم نوع من الأجل يرد على الدين المؤجل ويوجب استحقاق بعضه عند زمن مستقبل معين، ثم يليه البعض الآخر لزمن آخر معلوم يلي الزمن الأول وهكذا. . . وهو جائز في البيع إذا اتفق عليه المتعاقدان باتفقا الفقهاء ومن أبرز العقود التي برز فيها التنجيم الإجارة – وهي بيع المنافع استحسانًا – جاء في المغني أنه " إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله، وإن شرطه منجمًا يومًا يومًا، أو شهرًا شهرًا، أو أقل من ذلك أو أكثر، فهو على ما اتفقا عليه، لأن إجارة الدين كبيعها، وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل، فكذلك إجارتها (2) . اهـ.
ثالثًا: تأجيل الدين: هو (مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما) .
وقد شرع تأجيل الدين بالكتاب والسنة والإجماع:
- أما الكتاب، فقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [سورة البقرة: الآية 282] . فهذه الأية وإن كانت لا تدل على جواز تأجيل سائر الديون، إلا أنها تدل على أن من الديون ما يكون مؤجلًا، وهو ما نقصده هنا من الاستدلال بها على مشروعية الأجل.
- وأما السنة، فما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعًا له من حديد)) . [رواه مسلم، واللفظ له] . فهذا يدل على مشروعية تأجيل الأثمان. وقد أجمعت على ذلك (3) .
(1) الموسوعة الفقهية: 9/37 وما بعدها
(2)
الموسوعة الفقهية: 2/7 وما بعدها
(3)
الموسوعة الفقهية: 2/21 وما بعدها.
وحكمة قبول الدين التأجيل دون العين: ما قرره الفقهاء من أن الفرق بين الأعيان والديون من حيث جواز التأجيل في الثانية دون الأولى: أن الأعيان معينة ومشاهدة، والمعين حاصل وموجود، والحاصل والموجود ليس هناك مدعاة لجواز ورود الأجل عليه.
أما الديون فهي مال حكمي يثبت في الذمة، فهي غير حاصلة ولا موجودة، ومن ثم شرع جواز تأجيلها رفقًا بالمدين، وتمكينًا له من اكتسابها وتحصيلها في المدة المضروبة، حتى إن المشتري لو عين النقود التي اشترى بها لم يصح تأجيلها.
والديون من حيث جواز التأجيل وعدمه: قرر الفقهاء أن الديون في الأصل تكون حالّة وأنه يجوز تأجيلها إذا قبل الدائن واستثنى جمهور الفقهاء من هذا الأصل عدة ديون:
(1)
رأس مال السلم، (2) وبدل الصرف، (3) والثمن بعد الإقالة، (4) وثمن المشفوع فيه على خلاف. واختلفوا في جواز اشتراط تأجيل القروض، فيرى جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم أنه يجوز للمقرض المطالبة ببدله في الحال، وأنه لو اشترط في التأجيل لم يتأجل وكان حالًّا.
وذلك لأنه سبب يوجب رد المثل في المثليات، فأوجبه حالًّا، كالإتلاف، ولو أقرضه بتفاريق، ثم طالبه بها جملة له ذلك، لأن الجميع حالٌّ، فأشبه ما لو باعه بيوعًا حالًّة ثم طالبه بثمنها جملة، ولأن الحق يثبت حالًّا، والتأجيل تبرع منه ووعد، فلا يلزم الوفاء به، كما لو أعاره شيئًا، وهذا لا يقع عليه اسم الشرط، ولو سمي شرطًا مجازًا (1) .
جاء في اللباب شرح القدوري ما نصه: "ويجوز البيع بثمن حالٍّ وهو الأصل، ومؤجل إذا كان الأجل معلومًا لئلا يفضي إلى المنازعة، وهذا إذا بيع بخلاف جنسه ولم يجمعها قدر، لما فيه من ربا النساء كما سيجيء، وابتداء الأجل من وقت التسليم، ولو فيه خيار فمنذ سقوطه عنده خانية، ويبطل الأجل بموت المديون لا الدئن "(2) .، ومثل ذلك في الدر بحاشية رد المحتار لابن عابدين فلينظر (3) .
وجاء في الدر المختار للحصكفي ووافقه عليه ابن عابدين: " عليه ألف ثمن جعله ربه نجومًا، إن أخل بنجم حل الباقي، فالأمر كما شرط ". اهـ ومعنى (حل) أي صار حالًّا (4)(4) .
(1) انظر الموسوعة الفقهية 2/22 وما بعدها.
(2)
انظر اللباب: 2/6.
(3)
انظر رد المحتار: 4/24 وما بعدها.
(4)
المرجع السابق الصفحة ذاتها.
المقصد إلى البحث
حكم البيع بالتقسيط وضوابطه الفقهية
تلخص مما ذكرت اتفاق الفقهاء في المذاهب الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة على جواز البيع بالتقسيط إلى أجل معلوم مهما طال الأجل ولو إلى عشرات السنين.
ولآجل خلو هذا العقد عن الربا أو شبهته، وعن الجهالة الفاحشة، وجدت بعد الاستقراء ضوابط فقهية معتبرة لهذا العقد الذي تفشى اليوم تفشيًا ملحوظًا حتى صار أكثر وقوعًا من البيع النقدي في كثير من البلدان والحالات.
وهذه الضوابط – استخلصتها كما ذكرت بالاستقراء من كتب الفقه المقارن وعلم الخلاف - تنحصر فيما يلي
1-
الضابط الأول: افتراق مجلس السوم عن مجلس العقد في هذا النوع من البيوع (بيع التقسيط) كي لا تقع في شبهة الربا (زدني أجلًا أزدك مالًا) .
وعلى هذا:
فللمشتري أن يقوم أولًا بمجلس سوم يعرف فيه ثمن السلعة المباعة نقدًا وثمنها تقسيطًا وما الفرق بينهما من حيث قدر الثمن، ويعرف كذلك النجوم وآجالها. فإذا عرف ذلك غير المجلس تغييرًا حقيقيًا وهو الأفضل بالانصراف بنفسه عن المجلس أو حكميًا بالانصراف عن الكلام في الموضوع والتحدث بأمر آخر لا علاقة له بما ذكرت ثم يعود بعد فاصل أجنبي إلى الحديث في إيجاد العقد على مبدأ التقسيط بالنجوم والآجال المذكورة (حصرًا) ، أما إذا خلط المشتري ذلك كله في مجلس واحد وقع في شبهة الربا.
2-
الضابط الثاني معلومية الأجل، ومعلومية النجوم، فالجهالة الفاحشة مفسدة للعقد، وقد صرح المالكية بأنه لا بأس ببيع أهل السوق على التقاضي، وقد عرفوا قدر ذلك بينهم، والتقاضي:(تأخير المطالبة بالدين إلى مدى متعارف عليه بين المتعاقدين)(1) .
هذا: ومن حق المشتري إذا كان المبيع معيبًا أو ظن أنه مستحق أن يمتنع من أداء الثمن، إلى أن يستخدم حقه في العيب فسخًا أو طلبًا للأرش إلى أن يتبين أمر الاستحقاق.
ويجوز تأخير الدين الحالّ، أو المؤجل بأجل قريب إلى أجل بعيد، وأخذ مساوي الثمن أو أقل منه من جنسه، لأنه تسليف، أو تسليف مع إسقاط البعض، وهو من المعروف، ولكن لا يجوز تأخير رأس مال السلم عند الجمهور خلافًا للمالكية حيث أجازوا تأخيره في حدود ثلاثة أيام ولو بشرط.
(1) انظر الموسوعة الفقهية: 9 / 40 وما قبلها.
هذا، وقد أفتى الحنفية أن الجهالة اليسيرة لا تؤثر في صحة الأجل فيعد كالأجل المعلوم ولكن اشترطوا لذلك أن لا يذكر هذا الأجل المجهول جهالة يسيرة في العقد ـ بل يكون بيعًا مطلقًا، ثم يذكر الأجل بعد ذلك لم يفسد العقد وكان له أخذ الكل جملة، ولو باع مؤجلًا بلا ذكر مدة في العقد انصرف لشهر أو للعرف العام الذي تعارفه الناس (1) .
3-
والضابط الثالث: المؤيد الفقهي في حال إخلال المشتري بأداء الثمن المؤجل، أي أخل بالوفاء بقسط أو بأقساط حل أجلها.
فقد اتفق الفقهاء على أنه: إذا كان المشتري موسرًا فإنه يجبر على أداء الثمن الحالِّ، كما ذهب الجمهور في الجملة إلى أن للبائع حق الفسخ إذا كان المشتري مفلسًا، أو كان الثمن غائبًا عن البلد مسافة القصر.
وذهب الحنفية إلى أنه ليس للبائع حق الفسخ، لأنه يمكنه التقاضي للحصول على حقه، وهو في هذه الحالة دائن كغيره من الدائنين، لكن يسقط الأجل وله المطالبة بكل الأقساط من الثمن المتبقية حالّة.
وهذا عندهم ما لم يشترط لنفسه خيار النقد، بأن يقول مثلًا (إن لم تدفع الثمن في موعد كذا فلا بيع بيننا) ، واختلف في مقتضى هذا الشرط، هل هو انفساخ البيع، أو استحقاقه الفسخ باعتباره فاسدًا، والمرجح عند الحنفية أنه يفسد ولا ينفسخ (2)
وللشافعية والحنابلة تفصيل في حال إخلال المشتري بأداء الثمن الحالّ لا للعكس ينظر في مدوناتهم.
وقالت المالكية بِشأن خيار النقد الذي أثبته الحنفية في تصريح لهم بمثله فيما إذا قال البائع للمشتري: (بعتك لوقت كذا) أو (على أن تأتيني بالثمن في وقت كذا، فإن لم تأت به في ذلك الوقت فلا بيع بيننا) ، فقد جاء في المدونة تصحيح البيع وبطلان الشرط، وروي عن الإمام مالك قولان آخران. صحة البيع والشرط، وفسخ البيع (3)
ذيل البحث
وإذا كان الثمن منجمًا، فإن على البائع تسليم المبيع ولا يطالب المشتري بالثمن إلا عند حلول الأجل الأول فيما بعده بالاتفاق، وأما إذا كان بعض الثمن معجلًا وبعضه مؤجلًا، فإن للبعض المعجل حكم تعجيل الثمن كله، فلا يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع إلا بعد تسليم الجزء المعجل من الثمن (4) .
خاتمة البحث
في هذه العجالة اللطيفة استطعت إلى حد أن أسلط الأضواء على مسألة ظلت تختلف فيها الآراء وتتقاذفها الأهواء، وهي بعد من النوازل المهمة في عصرنا هذا، جرى بها التعامل وتعارف عليها الناس بل وعقدوا كثيرًا من معاملاتهم المالية بمقتضاها ألا وهي بيع التقسيط.
لعلي أكون قد وفقت إلى الخير وهديت إلى الرشد، وأصبت فيما اجتهدت. . . إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
(1) انظر رد المحتار: 4/23 وما بعدها.
(2)
انظر المرجع السابق: ص 24، وشرح المجلة: 2/191.
(3)
الشرح الصغير، والدسوقي وفتح العلي المالك، والموسوعة الفقهية: 9/39.
(4)
الموسوعة الفقهية: 9/40.
أبرز مصادر البحث ومراجعه
1-
رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) ، العلامة ابن عابدين.
2-
الشرح الصغير مع حاشية الدسوقي، الدسوقي والدير.
3-
شرح المجلة، خالد الأتاسي.
4-
اللباب شرح الكتاب، عبد الغني الغنيمي الميداني.
5-
الموسوعة الفقهية في الكويت، مجموعة من العلماء المعاصرين.
6-
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكساني.
7-
الاختبار شرح المختار، ابن مودود الموصلي.
8-
البحر الرائق وحاشيته منحة الخالق، زين الدين ابن نجيم وابن عابدين.
9-
ابن عابدين وأثره في الفقه. دراسة مقارنة بالقانون، د. محمد عبد اللطيف صالح الفرفور.
10-
نظرية الاستحسان في التشريع الإسلامي وصلتها بالمصالح المرسلة، د. محمد عبد اللطيف صالح الفرفور.
11-
مختار الصحاح، الرازي.