الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل وزراعة الأعضاء التناسلية
إعداد
فضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر
باحث بالموسوعة الفقهية الكويتية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبده ورسوله الأمين وعلى اله وأصحابه الطاهرين.
يحتاج هذا النوع من زراعة الأعضاء لأمور، ثم يقصد من يطلب الزراعة كل هذه الأمور أو بعضاً منها:
الغرض الأول - تحصيل النسل:
فقد تكون المرأة غير منجبة بسبب عضوي كتلف المبيضين أو تعطلهما لمرض لا يمكن علاجه، أو انسداد القناتين الناقلتين للبويضات، أو تلف في الرحم يحوج إلى إبداله أو كونه قد أزيل بالجراحة.
وقد يكون الرجل كذلك غير منجب لسبب عضوي كتلف الخصيتين أو عجز ما أو كونهما مقطوعتين، أو عنة الذكر أو انقطاعه، أو انسداد القناة الحاملة للمني من البربخ إلى الخارج.
الغرض الثاني - الاستمتاع:
والحاجة إليه تقوم في حالات التلف المتقدم بيانها كلها: كتلف المبيضين، فإنه ينقص أو يعدم الاستمتاع بالبطء لدى المرأة، وكذا إن كان الرحم تالفاً لأن له دوراً في الاستمتاع، كما أشار إليه بعض الأطباء.
ولم نر أحداً من الأطباء تعرض لزرع البظر، وفقدانه ينقص الاستمتاع.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل، فإنه إن كانت الخصيتان تالفتين أو غير موجودتين، ينقص الاستمتاع وان أمكن الوطء، وان كان الذكر عنيناً أو مقطوعاً انعدم الاستمتاع بالوطء.
الغرض الثالث - الجمال أو التجميل:
وأريد بالجمال أن المبيضين يفرزان بالإضافة إلى البويضات هورمون الأنوثة الذي يضفي على المرأة صفات الجمال الأنثوي، من نعومة الجلد وصفائه ونعومة الصوت ورقة الشعر، وتوزيع الشحوم على الجسم.
وكذا الخصيتان يفرزان - بالإضافة إلى المني هورمون الذكورة الذي يضفي على الرجل صفات الذكورة من غلظ الصوت، ونبات شعر الوجه، وخشونة الشعر، والقوة البدنية، وغير ذلك.
وفي كلتا الحالتين - حالتي المرأة والرجل - بالإضافة إلى فقدان كل منهما للصفات المناسبة له، وفقدان الجمال تبعاً لذلك. ينشاً في الغالب حالات نفسية صعبة، تدخل في حيز المرض، وربما أثر ذلك على الوضع الاجتماعي للشخص.
ومن ناحية أخرى فإن نقص الجمال ينقص الاستمتاع من كل من الطرفين بالنسبة للآخر، فيعود ذلك بتأكيد الغرض الأول.
وكل ذلك يؤمل القضاء عليه بالعلاج لسبب المشكلة.
وأما التجميل: فالمراد به العودة بالصورة الظاهرة للبدن إلى حالتها الطبيعية، ويحتاج إليه هنا في حالة كون الذكر من الرجل مقطوعاً أو ضامراً ضموراً شيناً. وتتصور الحاجة إليه أيضاً في زراعة ركب المرأة وهو العضو الظاهر.
الأعضاء التي يحتاج إلى زرعها وتصنيفها:
الأعضاء الجنسية التي يحتاج إلى زرعها نوعان:
* النوع الأول: ما له دخل في نقل الخصائص الوراثية للإنسان، وهو شيئان:
أولهما: الخصيتان، فإنهما المسؤولتان عن صناعة المني، وهو البذرة التي منها تنتقل خصائص الرجل وخصائص أصوله إلى ذريته.
وثانيهما: المبيضان. وهما المسؤولان عن صناعة البويضة، وهي بذرة المرأة التي منها تنتقل خصائصها وخصائص أصولها إلى ذريتها.
* النوع الثاني: ما ليس له دخل ني نقل الخصائص الوراثية، وذلك كالذكر بالنسبة للرجل فإنه مجرد أداة لنقل المني، وكقناتي فالوب فإنهما مجرد طريق لنقل البويضات بعد تلقيحها، وكذلك الرحم فإنه مجرد محضن.
ما وصل الطب في عصرنا الحاضر إلى النجاح في نقله وزراعته من الأعضاء الجنسية والغدد الجنسية
مما اطلعت عليه من الأبحاث المقدمة من الأخوة الأطباء (الدكتور محمد علي البار، الدكتور طلعت أحمد القصبي) .
ومن بعض الأبحاث التي اطلعت عليها في الصحافة:
تلخص لدينا ما يلي:
ا - زرع الخصية: نجح بعض الأطباء في إعادة زرع الخصية من الرجل نفسه. أو من رجل إلى أخيه التوأم المماثل.
ولم نطلع على قول لأحد الأطباء يقرر أنه أمكن نجاح عملية زرع للخصية في سوى هاتين الصورتين.
وأكد الدكتور سعيد عبد العظيم بجامعة عين شمس ذلك، ونفى أنه قد حصل أي نجاح لزرع الخصية في غير هاتين الحالتين.
2 -
زرع الذكر: أفاد الدكتور محمد علي البار أن هذا لا يزال مجرد خيال علمي ولم يتحقق على أرض الواقع.
زرع المبيضين والرحم والقناتين:
أفاد الدكتور القصبي أنه أمكن - في بعض الحيوانات - زرع المبيضين وقناتي فالوب والرحم. وأنه أمكن نقل (رحم وملحقاته) من امرأة إلى ابنتها بنجاح لكن لم يحدث حمل. وأنه من الناحية الفنية يمكن التغلب على المشكلات التي قد تحول دون ذلك.
زرع الفرج (الركب والمهبل) ؟
لم نجد أحداً تعرض لهذا الأمر ولا يبعد أن يكون ممكناً في حالات الجراحات التجميلية الخارجية على الأقل.
المحاذير الشرعية التي يمكن تصورها في عمليات زرع الأعضاء الجنسية:
المحاذير التي يمكن أن تصور أنها تحول شرعاً دون زرع الأعضاء التناسلية نرى أنها تنحصر فيما يلي:
* المحذور الأول: ان عملية زراعة الأعضاء من حيث العموم، بنقل عضو من إنسان إلى إنسان آخر فيها إهانة للمأخوذ منه، وتتضمن محاذير شرعية من الإضرار بالمأخوذ منه إن كان حياً.
ولو أذن فليست أعضاؤه ملكاً له حتى يكون إذنه مبيحاً لأخذ شيء من أعضائه، فإنه لو أذن في قتل نفسه لم يكن ذلك مبيحاً للقتل. وإن كان ميتاً وأذن وليه فالإذن باطل لأنه إذن فيما فيه ضرر على الميت لا فيما هو من مصلحته.
ولأن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى التجارة بالأعضاء الإنسانية وهي تجارة محرمة شرعاً.
وقد يؤدي ذلك إلى أن يتمكن الأغنياء بثرواتهم من التمتع بأعضاء الفقراء بعد حرمانهم منها، فلا بد من إغلاق هذا الباب.
* المحذور الثاني: أن زراعة الأعضاء الجنسية المقصود بها إما تحصيل النسل أو تكميل الاستمتاع أو التجميل، وكلها مقاصد تكميلية أو حاجية وليست من قبيل الضرورات، ولذا لا يستباح بها ما يستباح لأجل الضرورة من كشف العورات وانتهاك حرمة الموتى أو الأحياء.
* المحذور الثالث: في حال زراعة ما به تنتقل الخصائص الوراثية، وهو الخصية أو المبيض، فإن البذرة الناتجة عن ذلك تكون منسوبة للمصدر، وهو الشخص المنقول منه.
وهذا يقتضي أن يكون الطفل المولود ابناً للرجل المنقولة خصيته أو للمرأة المنقول منها المبيض، وليس للمتلقي إذ لا يزيد المتلقي عن أن يكون حاضناً، أو حاملاً، للجهاز الصانع للبذرة بدليل أن الخصائص الوراثية للوليد، تنتقل إليه عن المصدر، ولا ينتقل إليه عن المتلقي شيء. فالماء ماء المصدر.
وحينئذ يكون ذلك من قبيل نكاح الاستبضاع الذي جاء الشرع الإسلامي بتحريمه. وتؤدي إجازته إلى اختلاط الأنساب.
وحتى لو قلنا بأن العضو المزروع منسوب لحامله وهو المتلقي، فإن الصلة بالمصدر لن تكون منقطعة، بل ستبقى منبعاً للقلق، ويكون لها تأثير نفسي شديد على المصدر، وعلى المتلقي نفسه، وعلى الوليد عند كبره.
وسينشأ عن ذلك إزعاج ومشكلات من نواحي مختلفة نفسية واجتماعية لهؤلاء الأطراف الثلاثة ولغيرهم ممن له بهم علاقة.
وسوف يكون ذلك كله منبعاً لمشكلات عدة من جهة النسب والنفقة والميراث والعلاقات الأسرية بين الوليد وأسرتي المصدر والمتلقي. وسيكون ذلك مصدراً لنزاعات لا تنتهي بين هؤلاء الأطراف مما يزعزع كيان المجتمع، وسوف تنزعج السلطات القضائية بتلك المنازعات بدرجة كبيرة.
وهناك ناحية أشار إليها بعض الأطباء، هي أبلغ في هذا المعنى، وهي أنه عند نقل الخصية، قد تكون حاوية لنطفة تكونت قبل نزع الخصية من مصدرها، فإذا انتقلت هذه النطفة إلى رحم المرأة، كان ذلك - بالإضافة إلى كونه محرماً شرعاً - سبباً للعلوق بنطفة غير زوج المرأة وحينئذ ينبغي أن ينسب الولد إلى صاحب النطفة.
وكذا عند نقل المبيض، قد يكون محتوياً على بيضات جاهزة سبق تكونها في جسد المرأة المصدر، فينبغي أن ينسب إليها الولد وكل هذا محرم.
وقد اتخذت ندوة الإنجاب قرارها بأن تلقيح بيضة المرأة بماء رجل غير زوجها محرم شرعاً واستقر الأمر على ذلك، فهذه المسألة داخلة قطعاً فيما تقرر في الندوة المذكورة أنه محرم.
* المحذور الرابع: في حال نقل الذكر أو الفرج يكون الوطء اللاحق لذلك من قبيل الوطء المحرم، شبيهاً بالزنا المحرم فإنه في حالة زرع الفرج يكون الرجل قد وطىء فرجاً لا يملكه لكونه فرج غير امرأته، وفي حالة زرع الذكر تكون المرأة قد وطئت بذكر غير زوجها.
وحتى لو قلنا بأن العضو المزروع منسوب شرعاً للمتلقي دون المصدر، فإن مجرد الإحساس بنسبته إلى مصدر مغاير قد يولد نفوراً، أو إحساساً بالذنب، وقد يتولد عن ذلك أمراض نفسية أو شقاق بين الزوجين.
* المحذور الخامس: في حال نقل الرحم من امرأة إلى أخرى يكون ذلك شبيهاً بالرحم المؤجر، الذي أنكره الفقهاء وصدرت قرارات ندوة الإنجاب، وقرارات مؤتمر المجمع الفقهي بمنعه.
بل إن نقل الرحم ينبغي أن يكون أبلغ في المنع من إجارة الرحم لأن جميع محاذير إجارة الرحم موجودة في نقل الرحم، وفيه زيادة استمتاع الرجل برحم غير امرأته، والقذف فيه كما تقدم.
الحكم الشرعي التكليفي لنقل الأعضاء الجنسية:
إن الأهداف المبتغاة من نقل الأعضاء الجنسية، والتي حصرناها في ثلاثة أنواع، هي مصالح معتبرة شرعاً، فتحصيل النسل مطلوب شرعاً والرغبة فيه رغبة طبيعية محترمة شرعاً، وقد قال الله تعالى:{فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (1) قال المفسرون: ما كتب الله لكم "هو الولد "، وقال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (2) فأمن الله تعالى على عباده بذلك. والغرض الثاني - وهو الاستمتاع - غرض صحيح محترم شرعاً ما دام في الحدود المشروعة، وقد قال الله تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ} (3)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((في بضع أحدكم صدقة)) ، وقال:((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) .
والغرض الثالث وهو تحصيل الجمال وإزالة الهيئات القبيحة في البدن غرض صحيح كذلك، وقد أذن في تحصيله بالأدوية المباحة، وهو من جملة ما يدخل في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)) وقوله: ((تداووا عباد الله فإن الله تعالى جعل لكل داء دواء)) وكان هو صلى الله عليه وسلم يتداوى مما يصيبه من الأمراض.
(1) سورة البقرة: الآية 187.
(2)
سورة النحل: الآية 72.
(3)
سورة الروم: الآية 21.
(4)
سورة الأعراف: الآية 32.
فهذه المصالح المشروعة: الرغبة فيها والسعي إليها فطري في طبيعة البشر، وهي أساسية في بناء الأسرة واستقامة حياتها، وفقدانها يؤدي إلى تنغيص حياة أعضاء الأسرة، وقد يؤدي إلى الشقاق أو إلى الفراق وتصدع كيان الأسرة.
وأما المحاذير التي ذكرت فهي غير كافية لمنع هذه العمليات.
وبيان ذلك كما يلي:
(أ) أما المحذور الأول: وهو ما يتعلق بزرع الأعضاء على وجه العموم: فقد تكفلت الندوات التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وبعض ندوات مجمع الفقه الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بمعالجة هذا الأمر ووصلت فيه إلى أن الحكم الشرعي الجواز من حيث الجملة. ثم وضعت قاعدة تبين الحكم الشرعي الاجتهادي في ذلك وتضمنت القاعدة شروطاً وضوابط للسيطرة على المحاذير التي يخشى من وقوعها في بعض الحالات.
فما ذكر من شأن هذا المحذور الأول أمر قد تجاوزه نظر الفقهاء المعاصرين، وفرغوا منه، ورأوا أنه لا يجوز أن يحول دون نقل وزراعة الأعضاء والاستفادة مما وصل إليه التقدم الجراحي في هذا المجال.
(ب) أما المحذور الثاني: وهو أن المصالح المبتغاة من زراعة الأعضاء الجنسية لا تدخل في باب الضرورات، فهذا غير مسلم، وقد ذكرنا آنفاً وجه دخوله فيها في بعض الصور، وأما باقي الصور فإن زراعة هذه الأعضاء تكون من قبيل الحاجيات، والحاجات تنزل منزلة الضرورة، حتى لو كان الغرض مجرد التجميل فليس التجميل في هذا الباب من قبيل التكميليات بل هو من قبيل الحاجيات، لأن الحاجي هو ما يكون الإنسان بفقده في ضيق وحرج، وأي ضيق وأي حرج أشد من أن يكون الإنسان فاقداً لعضو من أعضائه، أو فاقدا للغدة التي تنشر الجمال والتناسب على سائر أعضائه، وبفقدانها تنقلب صورته إلى أن يقترب من الجنس الآخر ويفقد خصائص جنسه فإن هذا يجعله في حرج دائم وضيق مستمر ملازم ينغص عليه كل دقائق حياته.
(ج) وأما المحذور الثالث والمحذور الرابع والخامس: فإن الجواب عنها ينبنى على الجواب عن سؤال أهم من ذلك وهو:
- ما الحكم الشرعي في الأعضاء المزروعة كالعين والأذن والقلب والكلية وغيرها
…
هل هي أعضاء خاصة بالملتقي ولا شأن للمصدر فيها لانقطاع تعلقه بها، أم هي أعضاء خاصة بالمصدر المأخوذة منه؟..
فواضح أننا إن قلنا إنها تابعة للمصدر ومختصة به ورد على عملية الزرع المحاذير الثلاثة المذكورة. وكان كل منها سبباً كافياً لتحريم النقل.
وإن قلنا إنها تابعة للمتلقي ومختصة به، لم ترد المحاذير المذكورة، اذ تكون نسبة الولد إلى المتلقي نسبة صحيحة تامة، والعضو المنقول عضو المتلقي، وقد انقطعت عنه النسبة إلى المصدر، فلا ضير ولا حرمة في استعماله، كالعضو الأصيل.
ونحن نرى أن الوجه الثاني هو الصحيح، وأن العضو المزروع يكون عضواً للمتلقي مختصاً به، وقد انقطعت علاقته بالمصدر انقطاعاً كلياً، بحيث لا ينبني على كونه مصدراً له حكم شرعي.
وإنما صححنا هذا الوجه لأمور:
* الأول: أن العضو المزروع متصل بالمتلقي اتصالاً عضوياً، فهو يأتمر بالأوامر الواصلة إليه من دماغه، ويتألم الشخص بألم ذلك العضو، ويلتذ بلذته، ويصح بصحته، ويمرض بمرضه ويحس بما يطرأ عليه من العوارض، وهو الذي يتضرر بقطعه لو قطع، أو جرحه لو جرح.
أما المصدر فبخلاف ذلك، فلا يأتمر العضو المزروع بأوامر دماغه، ولا يتألم هو بألم ذلك العضو، ولا يلتذ بلذته، ولا يحس بما يطرأ عليه من العوارض، ولا يتضرر بقطعه لو قطع، ولا يمرض بمرضه، ولا يصح بصحته.
* الثاني: أن المفروض أن عملية النقل كانت برضا المنقول منه إن كان حياً أو برضا أوليائه إن كان ميتأ، وعلى كل حال فإن ذلك يعتبر تنازلاً عن جميع ماله من الحق في ذلك العضو، سواء قلنا إن الأعضاء ملك لصاحبها أوهي ملك لله مختصة بصاحبها، ففي كلتا الحالتين قد زال اختصاصه بتنازله، لأنه إما هبة مقبوضة تم قبضها بالنقل والالتحام. أو مجرد اختصاص تنازل عنه صاحبه، فما كان من الحق للمصدر انتقل للمتلقي انتقالاً كاملأ، بحيث لو اعتدى المصدر على ذلك العضو عمداً كان المتلقي مستحقاً عليه القصاص لو أمكن. أو الدية، وكذا لو قطع ذلك العضو طرف ثالث، فإن الذي يستحق القصاص أو الدية هو المتلقي دون المصدر، والعضو المؤثر هو عضو المتلقي، أما عضو المصدر فلا أثر له (1)
* الثالث: أن المصدر قد يكون ميتاً، والميت إن كان رجلاً لا يقال إنه يقع منه جماع أو إحبال أو استمتاع، وكذا إن كان امرأة لا ينسب إليها مثل ذلك.
* الرابع: أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالعضو المنقول لا تلزم المصدر بل تلزم المتلقي:
فمن ذلك أن المتلقي لليد مثلاً هو الذي يغسلها في وضوئه، ولو توضأ المصدر فليس عليه غسل لليد التي تبرع بها.
ومن ذلك أنه لو طلقت المرأة المتلقية للرحم مثلاً، فإنها هي التي تعتد ولا عدة على المرأة مصدر الرحم.
وأيضاً لو حصل بالجماع الحاصل بعد نقل العضو حمل، فلا تعتد المرأة المنقول منها العضو لو طلقت عدة حامل، فكذا لا ينسب الولد إليها، ولا ترثه ولا يرثها بحال من الأحوال، ولا ينفق عليها ولا تنفق عليه، بل كل تلك الأحكام مرتبطة بالمتلقية.
(لكن لا يعني ذلك جواز أن يتزوجها ذلك الوليد إن كان الرحم في الأصل رحمها أو كان المبيض مبيضها، لأن حرمة الزواج تثبت بأدنى سبب، كما ثبتت بالرضاع، وقد رأى بعض الأئمة أن المصة الواحدة من الرضاع تحرم، فهذا أولى، فحرمة الزواج لها شأن خاص، فليست كغيرها من الأحكام، وذلك أنها من باب المنع بالشبهة، بخلاف العدة والنسب والميراث والنفقة والولاية فإنه لا بد فيها من صحة السبب المثبت) .
(1) على أن بعض الفقهاء رأوا أن العضو المتلقي، لا يستحق القصاص بقطعه، ولا يستحق به دية مثل ذلك العضو لو كان بأصل الخلقة، بل يكون فيه حكومة (أي أرش يقدره أهل الخبرة) وهذه عبارة شرح المنتهى (3/296) :"من جعل مكان سن قلعت بجناية عظما أو سناً أخرى ولو من آدمي فثبتت لم تسقط دية السن المقلوعة كما لو لم يجعل مكانها شيء، وعلى مبين ما ثبت من ذلك الحكومة لأنه ينقص بإبانتهما".
وإذ اثبت أن العضو المزروع مهما كان نوعه يكون جزءاً من جسد المتلقي حقيقة وأن صلته تنقطع انقطاعاً تاماً بمصدره، فإن الغدة بعد غرسها في جسد المتلقي تكون جزءاً من أجزائه وما يتولد فيها من الحيوانات المنوية، أو البيضات، فهو ناشىء من ذات جسد المتلقي حقيقة شرعية وينسب المولود إليه نسبة صحيحة شرعية.
وبناء على ذلك لا يصح ما قد يقال من أن ماينشأ من الحمل عن ذلك هو من قبيل الحمل الناشىء من نكاح الاستبضاع، (أو استخدام بذرة شخص ثالث غير الزوجين) ولا ما قد يقال من أن المتلقي يطأ زوجته بذكر غيره، أو يطأ الرجل من زوجته المتلقية فرج امرأة أخرى، أو أن الرحم المنقول هو من قبيل الرحم المؤجر (بل هو رحم المتلقية نفسها) فلا مجال للقول بشيء من ذلك كله، إذ لابد لنا ما دمنا قد أجزنا نقل الأعضاء وزراعتها بين الآدميين بالضوابط المعلومة من القول بأن العضو المنقول هو عضو المتلقي حقيقة، وأنه لا صلة له بمصدره من الناحية الشرعية بوجه من الوجوه.
وأما كون الخصائص الوراثية تتبع مصدر الخصية، أو مصدر المبيض، فإن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في الحكم الشرعي في ذلك، فإن النسب ونحوه لا يتبع هذه الخصائص الوراثية، بل كما في الحديث "الولد للفراش"، فالأب شرعاً هو زوج تلك المرأة التي حملت وولدت، والنسب لاحق به، وهو الذي يتمتع بجميع الحقوق وتلزمه جميع التكاليف الناشئة عن ذلك.
استدراك:
غير أن الأمر الذي نبه إليه بعض الأطباء، وهو احتمال أن تكون الخصية المنقولة محتوية على مني تكون أثناء وجودها في جسم المصدر، وأنه ينبغي التحقق من زوال ذلك، وكذا في البيضات، فهو تنبيه صحيح، يجب أخذه بعين الاعتبار.
والأمر هنا يختلف عن الحيوانات المنوية والبييضات المتولدة في الغدتين بعد زرعهما في جسم المتلقي أو المتلقية، لأن ما تولد فيهما بعد ذلك إنما حصل بعد صيرورتهما جزءاً من الجسم المتلقي.
ولذا يجب بعد زرع الخصية أو المبيض (غسل) كل من الغدتين قبل التمكين من الجماع، أو مضي فترة كافية لزوال الحيوانات المنوية والبيضات من الغدتين. ويقدر هذه المدة أهل الخبرة من الأطباء، وربما كانت فترة البرء من الجراحة نفسها كافية لذلك إذا قرر ذلك أهل الاختصاص.
وأما العوارض النفسية التي ستصحب هذا النوع من زراعة الأعضاء وتنشأ عنها، فإنه إذا صدرت الفتوى الصريحة بشأن ذلك، وعلمت وتضمنت الحكم في ذلك القوانين المصرحة بالحكم، وجرى العمل عليها، وتعارفها الناس، فإن تلك العوارض النفسية ينقطع سبب نشوئها، لأنها إنما تنشاً من الأعراف الجارية.
وكذلك ما يخشى منه من حصول النزاعات وتضرر المجتمع من ذلك، فإنه لا يكون له وجود بعد العلم بالفتوى وجريان العمل عليها، وصدور القوانين الحاسمة في ذلك.
تنبيه:
بقي أنه لا بد من الإشارة إلى أن المحاذير التي ذكرت - وإن لم تكن كافية لصدور الفتوى بالتحريم - غير أن لها وزناً معتبراً.
والمسألة مسألة اجتهاد يترجح فيه القول بالجواز، فهو جواز محفوف بالشبهة، فيكون من باب الكراهة.
ولذا لا ينبغي أن يصار إلى نقل الأعضاء الجنسية إلا في الحالات التي يبقى فيها المحتاج إلى تلقي العضو في مشقة من أمره إن لم يتم زراعة العضو، أما لو لم يكن في مشقة من أمره، أو كان في مشقة وأمكن درؤها بوسيلة أخرى مما لا شبهة فيه، فلا ينبغي له المصير إلى طلب الزراعة.
وهذا حيث يكون الأمر مشتبهاً، كما في نقل المبيض أو الخصية أو الذكر أو الفرج أو الرحم، أما غير ذلك، كالقنوات الناقلة، فالأمر فيه يسير ولا تنبني على نقلها شبهة. والله أعلم..
تنبيه أخر:
إن الأحكام الشرعية للأعضاء المزروعة - هي من حيث العموم - مثار خلاف لتردد النظر فيها.
- فهل إذا تمت زراعة يد بشرية بدل اليد المقطوعة يسقط حق القصاص أو الدية في اليد المقطوعة أم لا؟
والعضو المزروع إذا تم التحامه ثم جنى عليه جان فقطعه..
- هل يستحق به قصاص أو دية، أو لا يستحق إلا الأرش؟
وكذلك القصاص والدية والأرش في العضو الذي يعاد في موضعه بعد قطعه فيلتحم، أو ينقل من جهة إلى جهة أخرى من بدن الشخص نفسه.
- ما حكم الجناية الأولى - هل يسقط القصاص فيها أم لا وكذلك الدية؟
- وما الحكم إن جني عليه مرة أخرى ثم رد فالتحم أو لم يلتحم؟
وإذا كان حكم الجناية على العضو المزروع والذي سبق أن قطع فالتحم يختلف عن حكم الجناية على العضو الذي لم يسبق له شيء من ذلك بل هو باق على أصل الخلقة. فما الحكم في الدعاوى التي قد تنشأ بناء على ذلك؟ بأن يدعي الجاني بأن ما قطعه ليس عضواً أصلياً بل هو مزروع مثلاً إلى غير ذلك من الأحكام.
ولذا أقترح على المجمع الموقر طرح هذه المسائل للبحث في دوراته القادمة، وهي مسائل من خصوصيات الفقه الإسلامي، لأن القوانين الوضعية لا تعترف بالقصاص أو الدية، بل فيها التعزير والأرش لا غير، وهو أمر لا يحوج إلى كثير نظر.. والله أعلم
…
الدكتور محمد سليمان الأشقر