الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستفادة من الأجنة المجهضة
أو الزائدة عن الحاجة
في التجارب العلمية وزراعة الأعضاء
إعداد
فضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر
أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية
بكلية الشريعة – جامعة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
إن هذا البحث معني ببيان الحكم الشرعي في المسألة موضوع البحث لمن ارتضى الشريعة ديناً وقانوناً من الأفراد والمجتمعات والأطباء، ولذلك لن يؤثر على مسار البحث تلك الفوضى التي يرزخ تحتها العالم الغربي، فالعالم الإسلامي حتى يومنا هذا بهدي من شريعة الإسلام لا يشكل الإجهاض مشكلة عنده، فالمسلم يتأثم من إسقاط جنين من غير ضرورة، بينما يشهد العالم غير المسلم إسقاط عشرات الملايين من الأجنة - التي حرم الله إسقاطها - في كل عام.
ان هذه الأجنة المسقطة تجعل الأطباء في العالم الغربي يتجهون بقوة نحو الاستفادة منها بطريقة أو بأخرى، ومهما وضع من ضوابط وقيود في الديار التي يسودها الكفر، فإنها تبدو قيوداً وضوابط غير مقبولة في عالم يبيح قتل الجنين بإسقاطه، ولو التزم حكم الشرع لما وجد العلماء هذا الكم الضخم من الأجنة، ولما كانت المشكلة بهذا الحجم. ان الفوضى التي يعيشها العالم غير المسلم في هذا الأمر لن يكون لها أثر في مسار البحث لأن الحكم الشرعي يعطى لمن عنده الاستعداد للقبول به والالتزام به.
إن الإسلام غرس في أعماق المسلم احترام الإنسان وتوقيره منذ أن يكون نطفة في رحم الأم إلى أن يفارق الحياة، والإنسان بعد الموت له احترامه وتوقيره، فقد جاء في الأحاديث النهى عن الجلوس على القبور. وجعلت الشريعة العدوان على الجنين وإسقاطه جريمة يجازى مرتكبها بغرامة مالية تبلغ عشر قيمة عبد في الوقت الذي وقع فيه العدوان على الجنين، وهذا الاحترام الذي يجده المسلم في أعماقه نحو الإنسان في كل مراحل أطواره هو أكبر عاصم من الفوضى التي تجتاح الغرب - اليوم - والتي نقل لنا الأطباء صورة عنها في أبحاثهم المقدمة في هذا الموضوع.
إن مخافة الله وخشيته وتقواه هي العاصم الأعظم الذي يعصم الإنسان من الزلل في كل ما يأخذ ويدع، فإذا زال هذا العاصم فإن الهوى يضل الإنسان، وتصبح المنافع والمضار هي الميزان الذي يحكم مسار الإنسان، وكثير مما يعده الإنسان منافع ومضار لا تكون كذلك، وقد تتداخل المنافع والمضار وتختلط بحيث لا يستطاع تمييزها، كما لا يستطاع ترتيبها في سلم الأولويات، ويبقى حكم الشرع الذي لا يخضع للهوى والمصلحة الموهومة هو العاصم في خلق جهلهم أكثر من علمهم، وخطؤهم أكثر من صوابهم.
إن عنوان البحث يعطينا منهجية السير في البحث، فالعنوان يقرر أن الأجنة نوعان:
الأول: الأجنة الفائضة عن الحاجة.
والثاني: الأجنة المجهضة.
والعنوان يوجه أيضاً إلى أن البحث في كل واحد من هذين النوعين يمضي في مسارين:
الأول: إجراء التجارب العلمية على الجنين.
والثاني: الاستفادة من أعضاء الجنين بغرسها لطفل أو إنسان آخر.
وأحب أن أبادر إلى القول بأن أكثر نقاط البحث أثيرت في ندوات سابقة، وبحثت وبينت أبعادها، وصدرت بشأنها قرارات وتوصيات.
فالأجنة الفائضة عن الحاجة في علاج العقم بالتلقيح الصناعي، وهو الذي اشتهر باسم طفل الأنابيب، بحث في الندوة السابقة التي أقامتها هذه المنظمة تحت عنوان "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية"، وجاء في التوصية المتعلقة بهذا الموضوع: "إن الوضع الأمثل في موضوع (مصير البويضات الملقحة) هو أن لا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ بالبويضات غير الملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد، وتوصي إلا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البويضات الملقحة الزائدة.
أما إذا حصل فائض، فإن الأكثرية ترى أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة، وبرى البعض أن هذه البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي أكرمه الله تعالى. وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة" (1)
(1) انظر ص 757 من الجزء الثالث من سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وعنوانه: "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية".
إن أكثر المشاركين في الندوة السابقة أجازوا إجراء التجارب على البويضات الفائضة عن الحاجة قبل التلقيح وبعده، ومثل ذلك الاستفادة منها، وفيما توصل إليه المشاركون في تلك الندوة كفاية، فإن إعادة بحث الموضوع لن يجمع كلمة الباحثين فيه، فقلما يتفق الباحثون في شأن هذه الموضوعات.
ولكن إجراء التجارب يجب أن يقيد بقيد أشارت إليه توصيات ندوة (الإنجاب في ضوء الإسلام) وأكدته ندوة (الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية) ، وهذا القيد هو عدم تغيير فطرة الله، والابتعاد عن استغلال العلم للشر والفساد والتخريب (1)
وعدم الانضباط بهذا الضابط يخالف مبدءاً شرعياً قررته الأصول والقواعد الإسلامية، ويحرف مسار البحث العلمي، وفي النهى عن هذا التوجه يقول الحق تبارك وتعالى:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} . [سورة الروم: الآية 30] . والمعنى لا تبدلوا خلق الله.
وقال تعالى مبيناً الجرائم التي يضل الشيطان بها الإنسان: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . [سورة النساء: الآيتان 118 - 119] .
إن الأبحاث التي ترمي إلى تغيير خلق الله في البويضة الملقحة أو الجنين المسقط ضلال في الفعل كما هو ضلال في القصد، والأبحاث التي تجري على الجنين بقصد الإفساد والتدمير والتخريب - وهي اليوم كثيرة - هي كذلك جرائم في ميزان الشرع، فالله لا يحب الفساد، وإفساد النسل من أعظم الفساد، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سورة البقرة: الآيتان 204 - 205] .
(1) انظر ص 757 من الجزء الثالث من سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وعنوانه: "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية".
ولا أحب أن أنتقل من هذه المسألة قبل أن أشير إلى أن جعل البويضات الملقحة داخلة تحت اسم الأجنة غير سديد كما أشار إليه بعض السادة الأطباء، فالجنين من الاجتنان وهو الاستتار، ولا يسمى بهذا الاسم ما لم يكن في رحم أمه، يقول ابن منظور في هذا: (جن الشيء يجنه جناً: ستره. وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك، وجنه الليل يجنه جناً وجنوناً
…
ستره
…
وفي الحديث: "جن عليه الليل" أي ستره. وبه سمي الجنين جنيناً لاستتاره في بطن أمه) (1)
الأجنة المجهضة:
لا مجال للبحث في الاستفادة من الأجنة المجهضة عمداً لهذا الغرض، لأن الشريعة الإسلامية لا تبيح الإجهاض المتعمد إلا لسيب ضروري ضرورة لا يمكن تجنبها، وقد بحث هذا الموضوع في ندوة (الإنجاب في ضوء الإسلام) وجاء في التوصيات الصادرة عن هذه الندوة بخصوص موضوع الإجهاض المتعمد: "استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد، وأنهم أجمعوا على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، أي بعد أربعة أشهر، وأن آراءهم في الإجهاض قبل نفخ الروح اختلفت، فمنهم من حرم بإطلاق أو كراهة، ومنهم من حرم بعد الأربعين يوما، وأجازه قبل الأربعين على خلاف في وجوب العذر.
(1) لسان العرب لابن منظور: 1/515.
وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعاصرة، والتي بينتها الأبحاث والتقنية الطبية الحديثة، فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوارها، خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين، وخاصة عند وجود الأعذار" (1)
فالحكم في مثل هذه المسألة في غاية الوضوح، العدوان على الجنين وتعمد إسقاطه جريمة في حكم الشرع، وعلى المسلمين أن يأخذوا على أيدي الذين يفعلون ذلك، فإنه من إهلاك النسل، وهو من الفساد الذي لا يحبه الله تعالى.
وتبقى الأجنة المجهضة لضرورة طبية، أو المجهضة بسبب لا يعود إلى اختيار الإنسان، فهذه لا بأس من إجراء التجارب عليها والاستفادة منها بأخذ بعض الأعضاء أو الأنسجة لمن يحتاجون إليها من المرضى، ويطبق عليها في هذه الحال ما يطبق على الإنسان غير الجنين، وقد استقر الأمر على جواز أخذ أعضاء الإنسان بعد وفاته إذا أذن في ذلك قبل وفاته أو أذن فيه وليه، ويجوز في حياته (إذا كان لا يؤدي أخذ ذلك العضو إلى الهلاك أو عاهة بينة، وبشرط أن لا يأخذ المتبرع مالأ
…
إلى آخر الشروط التي قررت في ندوات كثيرة عقدت بخصوص هذا الموضوع.
فالاستفادة من الجنين كالاستفادة من الإنسان غير الجنين حكمها واحد، بشرط أن يأذن ولي أمر الجنين فيه.
الدكتور عمر سليمان الأشقر
(1) انظر ص 351 من الجزء الأول من سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وعنوان المجلد:(الإنجاب في ضوء الإسلام) .