المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السادس

- ‌كلمةمعالي الأمين العاملمنظمة المؤتمر الإسلاميالدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي رئيس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةصاحب السمو الملكيالأمير ماجد بن عبد العزيز

- ‌كلمةمعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي الدكتور حامد الغابد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسماحة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الطرق المشروعة للتمويل العقاريإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور محمد عطا السيد

- ‌بيع التقسيطإعدادفضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبور

- ‌البيع بالتقسيط: نظرات في التطبيق العمليإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تقسيط الدين في الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصاديإعدادسعادة الدكتور رفيق يونس المصري

- ‌حكم زيادة السعرفي البيع بالنسيئة شرعًاإعدادفضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد

- ‌القبضصوره، وبخاصة المستجدة منها وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌القبض:أنواعه، وأحكامه في الفقه الإسلامىإعدادفضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌القبض:صوره وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادسعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌القبض:صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌القبضتعريفه، أقسامه، صوره وأحكامهاإعدادفضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي

- ‌حُكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌القبض الحقيقي والحكمي: قواعده وتطبيقاتهمن الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ نزيه كمال حماد

- ‌حكم إجراء العقود بوسَائل الاتصَال الحَديثةفي الفقه الإسلامي (موازَنًا بالفقه الوضعي)إعدادسعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌الإسلام وإجراء العقودبآلات الاتصال الحديثةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر

- ‌الأسواق المالية وأحكامها الفقهيةفي عصرنا الحاضرإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌أحكام السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف

- ‌السوق الماليةإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الأسواق المالية والبورصة والتجربة التونسيةإعدادسعادة الدكتور مصطفى النابلي

- ‌السوق المالية ومسلسل الخوصصةإعدادسعادة الدكتور الحسن الداودي

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادسعادة الدكتور سامي حسن حمود

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور حسين حامد حسان

- ‌الأسواق الماليةمن منظور النظام الاقتصادي الإسلامي(دراسة مقارنة)إعدادسعادة الدكتور نبيل عبد الإله نصيف

- ‌الأدوات المالية الإسلاميةوالبورصات الخليجيةإعدادسعادة الدكتور محمد فيصل الأخوة

- ‌الأدوات المالية التقليديةإعدادسعادة الدكتور محمد الحبيب جراية

- ‌الأسواق الماليةإعدادسعادة الدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تجلي مرونة الفقه الإسلاميأمام التحديات المعاصرةإعدادفضيلة الأستاذ محمد الأزرق

- ‌وثائقندوة الأسواق الماليةالمنعقدة بالرباط

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة المخإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌زراعة الأعضاء وحكمه في الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌زراعة خلايا المخمجالاته الحالية وآفاقه المستقبليةإعدادسعادة الدكتور مختار المهدي

- ‌إجراء التجارب علىالأجنة المجهضة والأجنة المستنبتةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادسعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم

- ‌حكم الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةإعدادفضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضةفي زراعة الأعضاء وإجراء التجاربإعدادسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة

- ‌(أ) استخدام الأجنة في البحث والعلاج(ب) الوليد عديم الدماغمصدراً لزراعة الأعضاء الحيويةإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌(أ) حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية.(ب) حكم زراعة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.إعداد فضيلة الدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌حكم الانتزاع لعضومن مولود حي عديم الدماغإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌الاستفادة من الأجنة المجهضةأو الزائدة عن الحاجةفي التجارب العلمية وزراعة الأعضاءإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضةإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاصإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاصإعدادفضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌زراعة عضو استؤصل في حدإعدادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌حكم إعادة اليدبعد قطعها في حد شرعيإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌هل يجوز إعادة يد السارقإذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟إعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌زراعة الأعضاء البشريةالأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.الغدد والأعضاء التناسلية.زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.زراعة خلايا الجهاز العصبي.إعدادسعادة الأستاذ أحمد محمد جمال

- ‌إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأةإعدادسعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي

- ‌أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكامنقل أعضاء الجنين الناقص الخلقةفي الشريعة الإسلاميةإعدادفضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي

- ‌نقل وزراعة الأعضاء التناسليةإعدادفضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسليةإعدادسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌زراعة الغدد التناسلية أو زراعةرحم امرأة في رحم امرأة أخرىإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسليةللمرأة والرجلإعدادسعادة الدكتورة صديقة علي العوضي

الفصل: ‌حكم قبض الشيكوهل هو قبض لمحتواه؟إعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

‌حُكم قبض الشيك

وهل هو قبض لمحتواه؟

إعداد

فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

القاضي بمحكمة التمييز بالمنطقة الغربية

وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:

لقد ابتلى هذا العصر بحكم تطور وسائل الحياة بمختلف ألوانها وأشكالها وأحوالها بمشاكل في العبادات والمعاملات لم يكن لأهل هذا العصر من أسلافهم البررة الفقهاء نصوص فيها وإن كانوا – رحمهم الله – أوغلوا في تصوير مسائل ليس لها من واقعهم نصيب وإنما تعتبر في زمنهم من مدارك الخيال، كقولهم: ولو أن حاجًّا طار في سماء عرفة كان له بذلك حكم الوقوف بها فجاء الطيران في عصرنا فنقل ذلك الخيال إلى حقيقة، وكقول بعضهم: ولو أن إنسانًا باع كاغدة بألف دينار. ولم يكن هناك واقع ملموس في وجود صفقات بيع من هذا النوع، فجاء تطور الأثمان بإمكان وجود قطع من الكاغد تبلغ قيمة الواحدة منها أكثر مما تبلغه قطعة نقد ذهبية.

وهكذا جاء عصرنا بعجائب الزمان وغرائبه، ولكننا أمام هذا السيل العارم من المشاكل الفقهية في العبادات والمعاملات والجنايات والتحقيقات الجنائية والقضائية لا نعدم من سلفنا الصالح من أئمتنا وفقهائنا قواعد عامة تعتبر مناطًا لتعليق هذا المشاكل الفقهية عليها ولتفريعها عنها. ومن تلك القواعد الفقهية الأصل في المعاملات الإِباحة والأصل في العبادات الحظر. المشقة تجلب التيسير. وإذ ضاق الأمر اتسع. العرف والعادة محكمان.

ص: 502

ونظرًا إلى ضخامة حجم المعادلات التجارية في عصرنا الحاضر فقد ألجأت الحاجة إلى إيجاد أثمان ورقية عرفت بأوراق البنكنوت ثم حلت محل الأثمان المعدنية واكتسبت كل خصائص الأثمان فاعتبرت مقياسًا للقيم ومستودعًا للثروة وأداء للإِبراء العام. وانعقد الإِجماع أو كاد على إجراء أحكام الأثمان المعدنية عليها. وبالرغم من السهولة نسبيًّا في إصدار مبالغ كبيرة من الأثمان الورقية في حدود القيود الموجبة لاعتبارها فقد ظهر عجزها عن مجاراة متطلبات المبادلات التجارية وقام عرف عام معتبر في اعتبار الشيك المستوفي لأسباب قبوله في قوة النقد المشتمل عليه، وأن تسليمه وتسلمه موجب لبراءة الذمة من محتواه. ونظرًا إلى هذا الوضع للشيكات فقد قامت الرغبة والحاجة الملحة في بحث موضوع الشيك وهل قبضه قبض لمحتواه بحيث يوجب قبضه براءة الذمة من مشموله وتصح المصارفة به؟ وقد عرضت مسألته على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ولا يزال نظره جاريًا في مجلسها كما عرضت المسألة على مجمع الفقه الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي فأصدرت باعتبار قبضه قبضًا موجبًا لبراءة الذمة وصحة الصرف قرارًا بعدد 7 وتاريخ 13/2/1409 هـ باعتبار قبضه قبضًا لمحتواه سيجري نقل نصه إن شاء الله في آخر البحث مع بعض نصوص أهل العلم في موضوع القبض وأنه نصه إن شاء الله في آخر البحث مع بعض نصوص أهل العلم في موضوع القبض وأنه راجع إلى العرف السائد.

ونظرًا لأهمية الموضوع فقد جرى مني إعداد بحث في تصوير واقع الشيك وتكييف حقيقته تكييفًا فقهيًا وإبداء رأيي في اعتبار قبضه قبضًا لمحتواه. نصه ما يلي:

ص: 503

* خصائص الشيك:

للشيك خصائص ومميزات باحتوائه إياها يعتبر شيكًا معتبرًا. هذه الخصائص والمميزات حددتها كل دولة في أنظمتها وقد جاء النص عليها في نظام الأوراق التجارية السعودية، ومن ذلك ما يأتي:

1-

المادة –91- يشتمل الشيك على البيانات الآتية:

(أ) كلمة شيك مكتوبة في متن الصك باللغة التي كتب بها.

(ب) أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود.

(ج) اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه) .

(د) مكان الوفاء.

(هـ) تاريخ ومكان إنشاء الشيك.

(و) توقيع من أنشأ الشيك – الساحب -.

وقد نصت المادة الثانية والتسعون على سلب الصفة الاعتبارية من الشيك إذا خلا من البيانات المذكورة في المادة السابقة إلا في حالتين، هما:

(أ) إذا خلا الشيك من بيان مكان وفائه اعتبر مستحق الوفاء في المكان المبين بجانب اسم المسحوب عليه فإذا تعددت الأماكن المبينة بجانب اسم المسحوب عليه اعتبر الشيك مستحق الوفاء في أول مكان منها. وإذا خلا الشيك من هذه البيانات أو من أي بيان آخر اعتبر مستحق الوفاء في المكان الذي يقع فيه المحل الرئيسي للمسحوب عليه.

(ب) إذا خلال الشيك من بيان مكان الإِنشاء اعتبر منشأ في المكان المبين بجانب اسم الساحب.

2-

الشيك ورقة تجارية تشبه النقد من حيث صلاحه للتداول والقبول.

3-

الغالب على الشيك أن يشتمل على أطرافه ثلاثة، هي: الساحب والمسحوب عليه والمستفيد. ويجوز اقتصاره على طرفين، هما: الساحب وهو المستفيد والمسحوب عليه. وإلى هذا تشير المادة السادسة والتسعون من نظام الأوراق التجارية السعودي حيث تقول:

ص: 504

(يجوز سحب الشيك لأمر الساحب نفسه ويجوز سحبه لحساب شخص آخر، ولا يجوز سحبه على الساحب نفسه ما لم يكن مسحوبًا بين فروع بنك يسيطر عليه مركز رئيسي واحد ويشترط ألا يكون الشيك مستحق الوفاء لحامله) .

4-

يشترط لسحب الشيك أن يكون المسحوب عليه مدينًا للساحب بما لا يقل عن قيمته، ومع ذلك فيعتبر الشيك صحيحًا ولو لم يكن المسحوب عليه مدينًا للساحب إلا أنه يعتبر من ضمان الساحب نفسه فضلاً عما في سحبه على غير مدين به من الإِجرام الموجب للعقوبة.

5-

إذا كان المسحوب عليه غير مدين بمثل قيمته فلا يلزمه اعتماده.

6-

لا يعتبر الشيك مبرئًا ساحبه إبراءً تامًّا من قيمته حتى يتم سداده.

7-

لحامل الشيك الرجوع على الملتزمين مجتمعين أو منفردين إذا قدم في ميعاده النظامي ولم تدفع قيمته.

8-

لا يعتبر الشيك ورقة نقدية تضيع قيمتها بفقدها وإنما هو سند بدين يثبت بإحدى طرق الإِثبات المعتبرة في حالة ضياعه.

9-

لا يشترط لصحة الشيك ووجوب دفعه لدى الاطلاع رضا المسحوب عليه إلا إذا كان غير مدين للساحب بمثل قيمته.

10-

لا يشترط لصحة الشيك النص على وصول قيمته للساحب كما هو الشأن في الكمبيالة.

11-

لا يعتبر لصحة الشيك ارتفاع رصيده أو نقصانه لدى المسحوب عليه (1) .

(1) انظر نظرات في أحكام الشيك في تشريعات البلاد العربية للدكتور محسن شفيق: ص 32- 42، الموسوعة الفقهية الكويتية – الحوالة: ص 227، نظام الأوراق التجاري السعودي ومعه المذكرة التفسيرية له.

ص: 505

ونظرًا لوجود تشابه بين الشيك والكمبيالة ولأن للشيك أحكامًا لا تثبت للكمبيالة فقد يكون من مستلزمات التصور والإِيضاح ذكر الفرق بين الشيك والكمبيالة، وتمهيدًا لذلك فلا بد من ذكر ما يعتبر مميزًا للكمبيالة حتى يتضح الفرق بينها وبين الشيك.

الكمبيالة هي أمر مكتوب وفقًا لأوضاع معتبرة معينة حددتها الأنظمة المختصة بإصدار تنظيمات الأوراق التجارية يطلب بها شخص يسمى الساحب من شخص آخر يسمى المسحوب عليه أن يدفع بمقتضاها مبلغًا معينًا من النقود للمسحوب له أو لأمره من غير تعليق على شرط، وقد نصت المادتان الأولى والثانية من نظام الأوراق التجارية السعودي على أهم خصائص الكمبيالة بما يلي:

المادة -1- تشتمل الكمبيالة على البينات الآتيه:

(أ) كلمة كمبيالة مكتوبة في متن الصك باللغة التي كتب بها.

(ب) أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود.

(ج) اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه) .

(د) ميعاد الاستحقاق.

(هـ) مكان الوفاء.

(و) اسم من يجب الوفاء له أو لأمره.

(ز) تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة.

(ح) توقيع من أنشأ الكمبيالة – الساحب -.

المادة –2-: لا يعتبر الصك الخالي من البيانات المذكورة في المادة السابقة كمبيالة إلا في الأحوال الآتية:

(أ) إذا خلت الكمبيالة من بيان ميعاد الاستحقاق اعتبرت مستحقة الوفاء لدى الاطلاع عليها.

(ب) إذا خلت الكمبيالة من بيان مكان الوفاء أو من بيان موطن المسحوب عليه اعتبر المكان المبين بجانب اسم المسحوب عليه مكان وفائها وموذنًا للمسحوب عليه.

(ج) إذا خلت من بيان مكان إنشائها اعتبرت منشأة في المكان المبين بجانب اسم الساحب.

ص: 506

وبما ذكر من ملامح وخصائص عامة لكل من الشيك والكمبيالة يمكننا القول بأن الشيك يتفق مع الكمبيالة في الخصائص التالية:

1-

افتراض وجود ثلاثة أطراف هي الساحب والمسحوب عليه والمستفيد وذلك في الغالب.

2-

وجود علاقتين حقوقيتين إحدهما بين الساحب والمسحوب عليه وهي الرصيد الدائن وهي ما يسمى بمقابل الوفاء، الثانية بين الساحب والمستفيد وهي وصول قيمة الكمبيالة أو الشيك.

3-

قدرتهما على القيام بتسوية ما يرتبانه من علاقات قانونية بين المتعاملين بهما بعملية وفاء واحدة.

ويختلف الشيك عن الكمبيالة فيما يلي:

(أ) إن الشيك يسحب عادة على مصرف ويندر أن يسحب على فرد عادي أو مؤسسة غير مصرفية في حين أن الكمبيالة تسحب على أي جهة أو فرد أهل للالتزام بها.

(ب) إن الشيك واجب الدفع دائمًا لدى الاطلاع عليه ولا يجوز تأجيل دفعه بينما يغلب على الكمبيالة ألا تكون مستحقة الوفاء عند الاطلاع وإنما يجب وفاؤها بعد وقت يجري تعيينه فيها.

(ج) يشترط لسحب الشيك أن يكون المسحوب عليه مدينًا للساحب بما لا يقل عن قيمته، فإن سحب شيك على غير مدين به اعتبر ذلك جريمة توجب العقوبة، وتبقى للشيك قيمته المالية في ذمة ساحبه. وعليه فإنه لا يجوز للمسحوب عليه أن يؤشر على الشيك بالقبول لأنه طالما كان مستكملاً لشروط اعتباره كان واجب الدفع على المسحوب عليه رضي بذلك أم سخط.

وإلى هذا تشير المادة (100) من نظام الأوراق التجاري السعودي، حيث تقول:

لا يجوز للمسحوب عليه أن يوقع الشيك بالقبول، وكل قبول مكتوب عليه يعتبر كأن لم يكن ومع ذلك يجوز للمسحوب عليه أن يؤشر على الشيك باعتماده وتفيد هذه العبارة وجود مقابل في تاريخ التأشير ولا يجوز للمسحوب عليه رفض اعتماد الشيك إذا كان لديه مقابل وفاء يكفي لدفع قيمته ويعتبر توقيع المسحوب عليه على صدر الشيك بمثابة اعتماد. اهـ.

ص: 507

على أن كثيرًا من علماء الاقتصاد والمصارف يرون أن التفرقة بينهما عسيرة في حال ما إذا كان ساحب الكمبيالة دائنًا للمسحوب عليه بقيمتها وكان النص فيها على الدفع حَالَ الاطلاع. وفي ذلك يقول الدكتور أمين بدر بعد أن استعرض الفروق بينهما وناقشها مناقشة أذابت كثيرًا منها وقربت بعضها لمقابلة، قال ما نصه:(وبالاختصار فإن التمييز بين الشيك والكمبيالة قد يغدو في بعض الصور عسيرًا. اهـ (1) .

وبمزيد من التأمل يمكن القول إن الكمبيالة قد تكون على حال من الإِجراء بحيث يصعب التمييز بينها وبين الشيك كأن يكون سحبها على مدين بها، وأن تكون واجبة الدفع عند الإطلاع، وأن يكون سحبها على مصرف وقد تختلف عن خصائص الشيك بالنسبة لنوع المسحوب عليه ووجود أجل معين لوجوب دفعها وانتفاء مديونية المسحوبة عليه بقيمتها، وحينئذٍ يبدو الفرق بينهما واضحًا جليًّا (2) .

ونظرًا إلى أن الشيك قد تعترضه بعض المخاطر من ضياع أو سرقة أو نحوهما فقد ابتدع النظام المصرفي ما يسمي بالشيك المسطر، وذلك بوضع خطين متوازيين على وجهه إشارة إلى تعيين أن يكون الوفاء بهذا الشيك لأحد البنوك لا لفرد أو شخص آخر فيكون على المستفيد منه أن يظهره لأحد البنوك ليتولى تحصيله لحسابه.

ويكون الشيك المسطر عامًّا إذا لم يرد بين الخطين إشارة أو وردت عبارة صاحب مصرف أو ما يعادلها.

ويكون خاصًّا إذا كتب بين الخطين اسم صاحب مصرف بالذات، وفي ذلك تقول المادة (112) من نظام الأوراق التجارية السعودي ما نصه:، ولا يجوز أن يوفي شيكًا مسطرًا تسطيرًا عامًّا إلا إلى أحد عملائه أو إلى بنك، ولا يجوز أن يوفي شيكًا مسطرًا تسطيرًا خاصًّا إلا إلى البنك المكتوب اسمه فيما بين الخطين وإلى عميل هذا البنك إذا كان هذا الأخير هو المسحوب عليه، ومع ذلك يجوز للبنك المكتوب اسمه بين الخطين أن يعهد إلى بنك آخر قبض قيمة الشيك.

(1) الالتزام المصرفي قوانين البلاد العربية: ص 42.

(2)

الالتزام المصرفي: ص 40 – 41، الموسوعة الفقهية الكويتية – الحوالة: ص 237، نظام الأوراق التجاري السعودي.

ص: 508

وهناك وسيلة أخرى لاتقاء مخاطر ضياع الشيك أو سرقته أو تزويره وهي اشتراط قيد قيمته في الحساب الجاري بدلا من دفعها بالنقود ويفترض لهذه الطريقة وجود حساب جاري لحامل الشيك لدى المسحوب عليه، وفي هذا تقول المادة (113) من نظام الأوراق التجارية السعودي ما نصه: يجوز لساحب الشيك أو لحامله أن يشترط عدم وفائه نقدًا بأن يضع عبارة للقيد في الحساب أو أية عبارة أخرى تفيد نفس المعنى. وفي هذه الحالة لا يكون للمسحوب عليه إلا تسوية قيمة الشيك بطريق قيود كتابية كالقيد في الحساب أو النقل المصرفي أو المقاصة وتقوم هذه القيود مقام الوفاء ولا يعتد بشطب بيان (للقيد في الحساب)(1) .

وهناك ما يسمى بالشيك السياحي ويذكر الأستاذ علي جمال الدين عوض أن أول نشأته كانت عام 1891م بسبب رحلة قام بها رئيس شركة أمريكان إكسبرس للسياحة إلى أوروبا فصادفته فيها متاعب راجعة إلى كيفية حصوله على مال يقوم بشئون حياته في هذه الرحلة فابتكر نظام الشيكات السياحية حتى ذاع استعمالها فأصبحت البنوك تصدر شيكات سياحية قابلة للصرف لدى جميع البنوك الأخرى، ويذكر الأستاذ على جمال الدين عوض أن الصورة الغالبة للشيك هو أن يصدر الشيك بفئات نقدية معينة وعلى الصك مكان يوقع فيه العميل عند استلام الشيك ومكان آخر يوقع فيه عند قبض قيمته أمام البنك الذي يدفع هذه القيمة ليتحقق من تطابق التوقيعين ومن أن الذي يستوفي القيمة هو ذات المستفيد الذي تسلم الشيك ممن أصدره وتنفيذه بطريق المقاصة. ويذكر الأستاذ علي عوض: أن كثيرًا من الشراح يستبعد الشيك السياحي من تعريف الشيك إذا تخلف بيان من البيانات اللازمة للشيك.

وهو أمر غالب حيث لا يتضمن تاريخ السحب ومكان الإِصدار واسم المسحوب عليه كما ينكر عليه وصف السند الإِذني أو السند لحامله كما يعرفه القانون التجاري إذ هو لا يتضمن تعهد البنك بالدفع حتى ولو تضمن أمرًا للمسحوب عليه. لأن تعهد الساحب ضمنًا بالوفاء عند تخلف المسحوب عليه لا يكفي لاعتبار الورقة سندًا تجاريًّا صرفيًّا كما أن وظيفة الشيك السياحي تختلف عن وظيفة السند الإِذني أو السند للحامل لأن الشيك السياحي يستهدف مجرد نقل النقود ولا يستخدم أداة للأثمان وهي الوظيفة الأساسية للسندات التجارية، ومن هذا ندرك أن الشيك السياحي ورقة ابتكرها العرف وأقر حكمها بعيدًا عن الأحكام التي وضعها التشريع للأوراق التي قد تشتبه بها. اهـ (2) .

(1) عمليات البنوك من الوجهة القانونية للدكتور علي عوض: ص 54 – 56، نظام الأوراق التجارية السعودي نظرات في أحكام الشيك في تشريعات البلاد العربية، للدكتور محسن شفيق: ص 68-71.

(2)

عمليات البنوك من الوجهة القانونية: ص 603-604.

ص: 509

* الوصف الفقهي الإِسلامي:

مرَّ بنا أن من خصائص الشيك أنه ليس ورقة نقدية وإنما هو وثيقة بدين تقضي بإِحالته من ذمة ساحبه إلى ذمة المسحوب عليه مع بقاء مسئولية ساحبه حتى سداده، وأنه لا ينبغي أن يسحب إلا على من لديه مقابل وفائه وأنه لا يلزم لاعتباره شيكًا قبول المسحوب عليه وهذه الخصائص هي خصائص الحوالة، فإذا قيل بأن الشيك حوالة كان لهذا القول وجاهته ولم يرد عليه إلا مسألة ضمان الساحب قيمة الشيك حتى يتم سداده، لأن الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة بمعنى براءة ذمة المحيل من الدين إذا كانت الإِحالة على مليء، وقد أجابت الموسوعة الفقهية الكويتية على هذا الاعتراض بأن الساحب يعتبر محيلاً بمبلغ الشيك وضامنًا سداده (1) .

وقد يقال بأن الشيك يعتبر في حكم ورقة نقدية، وفي ذلك تقول الموسوعة الفقهية الكويتية في معرض توجيه القول بأن تسلم الشيك من المصرف بمثابة تسلم قيمته ما نصه:

فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية، وأنه يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيرًا وتحويلاً وأنها محمية في قوانين جميع الدول من حيث إن سحب الشيك على جهة ليس للساحب فيها رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعًا، إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكًا بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس. اهـ.

بعد استعراض ما مرَّ إيراده عن الشيك ووضعه ووصفه وخصائصه وأحكامه وما بينه وبين الكمبيالة من فروق يطيب لي إيراد ما ذكرته اللجنة الدائمة للبحوث والإِفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في بحثها موضوع التحويلات المصرفية والبريدية حيث إن التحويلات المصرفية تتناول تحويل النقد نفسه أو صرفه بنقد آخر ثم تحويله كما يتناول حالات ما إذا كان لطالب التحويل حساب جارٍ في البنك يأمر بالسحب منه لعملية التحويل أم لا؟ فقد جاء في بحث اللجنة في الموضوع نفسه ما يلي (2) :

(1) الموسوعة الفقهية الكويتية – الحوالة: ص 239- 240.

(2)

هذا البحث قمت بإعداده حينما كنت أحد أعضاء هذه اللجنة.

ص: 510

* التحويلات المصرفية والبريدية:

من المعاملات المصرفية والتحويلات، وتتم بأحد طريقين:

أحدهما: أن يدفع شخص إلى مصرف ما مبلغًا من المال ليحوله إلى شخص يعينه في بلد آخر فيحرر المصرف حوالة بذلك المبلغ إلى مصرف آخر أو فرع له في البلد المطلوب تحويل المبلغ إليه بأمره بدفع المبلغ إلى الشخص الذي عيَّنه طالب التحويل فيتسلم دافع المبلغ سند التحويل ليقوم بتسليمه محتواه أو يرسله إلى الشخص الذي يريد تسليمه المبلغ ليقبض قيمته، وهذا ما يسمي بالتحويل المصرفي.

الثاني: أن يقوم المصرف بناء على رغبة دافع المبلغ بالكتابة أو الإِبراق إلى المصرف الآخر بتسليم المبلغ إلى الشخص المعين دون أن يتسلم العميل حوالة محررة بذلك، ويسمى هذا النوع بالتحويل البريدي.

وكما يقع التحويل من بلد إلى بلد فقد يكون في البلد نفسه بين مصرف وفروعه وبين حساب شخص في مصر وحسابه في مصر آخر، والغالب أن التحويل المصرفي والبريدي لا يتم إلا بعمولة يأخذها البنك في مقابلة قيامه بهذه المهمة (1) .

* الوصف الإِسلامي للتحويلات المصرفية:

حاولت الموسوعة الفقهية الكويتية التعرف على الوصف الفقهي الإِسلامي للتحويلات المصرفية فكتبت في ذلك بحثًا مطولا ناقشت فيه القول بتخريجها على السفتجة المعروفة لدى فقهاء الشريعة فذكرت ما بينهما من تشابه وفروق كما ناقشت القول بتخريجها على القرض أو الوكالة ثم انتهيت إلى القول بأن التحويلات المصرفية عملية مركبة من معاملتين أو أكثر وهو عقد حديث بمعنى أنه لم يجر العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة ولم يدل دليل على منعه فهو صحيح جائز شرعًا من حيث أصله.

ونظرًا لنفاسة البحث وما فيه من مناقشة لتخريج التحويلات المصرفية على بعض العقود المشابهة لها في الفقه الإِسلامي، فأرى مناسبة نقله في هذا البحث تحقيقًا للفائدة وفيما يلي نصه:

(1) الموسوعة الفقهية الكويتية – الحوالة: ص 232.

ص: 511

* الوصف (التكييف) الفقهي الإِسلامي:

سبق أن أشرنا في بحث (السفتجة) إلى وجه الشبه إجمالا بين السفتجة القديمة والتحويلات المصرفية الحديثة. ولبيان ذلك تفصيلا ينبغي التنبيه إلى أن السفتجة القديمة قد أجازها بعض الفقهاء (على الرغم من الشرط الذي يستفيد به المقرض الأمان من خطر الطريق، وهو شرط التوفية في بلد آخر) فهي وسيلة أجيزت لشدة الحاجة إليها ولم يحل دون جوازها اشتراط الوفاء في بلد آخر. تلك وجوه الشبه |شرنا إليها إجمالا هناك، لكن الناظر إلى هذه التحويلات الحديثة وإلى السفتجة القديمة يرى بينهما فرقًا من جهات أربع.

الجهة الأولى:

أن السفتجة القديمة لا بد أن تكون بين بلدين والتحويل المصرفي تارة يكون كذلك وتارة يكون بين مصرفين في بلد واحد.

الجهة الثانية:

أن السفتجة القديمة قد يكون المقترض فيها مسافرًا أو عازمًا على السفر، فيوفي هو نفسه أو نائبه إلى المقرض أو إلى مأذونه والتحويل المصرفي ليس فيه ذلك. فالمصرف الأول وهو المقترض لا يوفي بنفسه إلا إذا كان المصرف الثاني الدافع فرعًا للأول.

الجهة الثالثة:

أن المفروض في السفتجة القديمة اتحاد جنس النقد المدفوع عند العقد والمؤدى عند الوفاء. فالآخذ في السفتجة إذا أخذ دنانير من نوع مخصوص وفاها كذلك. وإذا أخذ دراهم من نوع مخصوص وفاها كذلك. فإنهم عرّفوا السفتجة بأنها قرض (وقد تتوافر معه فيها عناصر الحوالة) فلو كانت التأدية بنوع آخر لما كانت قرضًا، لأن القرض لا بد فيه من رد المثل.

والتحويل المصرفي لا يقتصر على هذه الحالة، فإن المصرف في أغلب الأحيان يأخذ نقودًا من نوع ويكتب للمصرف الآخر أن يوفي من نوع آخر، وهذه المعاملة ليست قرضًا محضًا، بل تشتمل أيضًا على صرف أو شبهه على ما سيأتي.

ص: 512

الجهة الرابعة:

أن الآخذ في السفتجة القديمة لا يتقاضى أجرًا اكتفاء بأنه سينتفع بالمال في سفره أو إقامته، فيربح ما يغنيه عن اشتراط أجر لعمله. أما المصرف في التحويل المصرفي فيتقاضى أجرًا يسمى: عمولة.

وفيما يلي سنتناول بالبحث والمتحيص كل جهة من جهات الفروق الأربع هذه بين السفتجة الفقهية القديمة والتحويلات المصرفية الحديثة لنرى مقتضاها في الأحكام بالنظر الفقهي الإِسلامي.

الفرق الأول: كون السفتجة لا تتم إلا بين بلدين، والتحويل قد يتم بين مصرفين في بلد واحد.

هذا الفرق لا تأثير له في الحكم الشرعي بالجواز. فإن الذين أجازوا السفتجة بين بلدين يجب أن يجيزوا ما يشبهها بين مكانين في بلد واحد، بل هذه أقرب إلى الجواز، لأن اشتراط الوفاء في بلد آخر كان هو العلة التي جعلت بعض الفقهاء يكرهون السفتجة أو يحرمونها فإذا أجازها المحققون مع وجود هذه الشبهة فإجازتها مع قرب المكانين أولى لأن المقترض حينئذ لا يستفيد سقوط خطر الطريق، فلا يتوهم أنه قرض جرّ نفعًا.

الفرق الثاني: كون السفتجة القديمة تشمل صورًا مغايرة للتحويل المصرفي. هذا الفرق أيضًا لا تأثير له لأن الذين أجازوا السفتجة لم يخصوا الجواز بهذه الصورة المغايرة، فيكفي أن يكون التحويل موافقًا للصور الأخرى من السفتجة فالقائلون بجواز هذه الصور ينبغي أن يقولوا بجواز التحويل الموافق لها.

الفرق الثالث: كون السفتجة تجري بنقد واحد، أما التحويل المصرفي فقد يجري بنقد واحد وقد يكون بين جنسين من النقود.

هذه فروق جديرة بعناية الباحث، لأن لها تأثيرًا، وتحتاج إلى أي شيء من التحليل والتفصيل:

فالتحويل بين مصرفين في بلد واحد أو دولة واحدة إنما يكون بنقد الدولة غالبًا فيكون كالسفتجة القديمة بعد اعتبار أن المصرف شخصية اعتبارية. فما قيل في تطبيق السفتجة على المعاملات الشرعية المعروفة يقال في تطبيق هذا النوع من التحويلات فهو قرض وتوكيل. أو قرض وحوالة. والتحويل بين مصرفين في دولتين لا يمكن أن يكون بنوع واحد من النقد غالبًا. فالذي يريد تحويل دنانير عن طريق مصرف في الكويت إلى مصر في لبنان مثلاً لا بد أن يطلب التحويل إلى ليرات لبنانية بسعر الصرف وقت التحويل وهذا يستدعي ثلاث خطوات ذات أحكام وسنشرحها فيما يلي مبينين وصفها الفقهي خطوة خطوة.

ص: 513

أولا: أن يتقدم إنسان للمصرف ويطلب تحويل النقود إلى مصرف آخر:

وهذا تمهيد لعقد التحويل، ويبين فيه عادة مقدار النقود، وهل يقصد تحويلها إلى نقود من جنسها أم من غير جنسها؟ وبيان المصرف الذي يراد التحويل إليه وبيان الشخص الذي سيقبض البدل من المصرف الآخر أهو طالب التحويل أم غيره؟

ثانيًا: قيام الطالب بدفع النقود إلى موظف المصرف:

وهذا بعد سبق الطلب المبين يعتبر إيجابًا للتحويل الذي يعد قرضًا إن كان المقصود التوفية بمثله من جنسه: فالدافع مقرض والآخذ مقترض من المصرف والدفع إيجاب والأخذ مع ما بعده قبول والمال المدفوع هو محل العقد وكذلك المِثْل الذي يلتزم به المقترض معطي الصك، فإنه العوض. فهذا القرض المستوفي لمقوماته عقد صحيح جائز شرعًا حيث خلا من الموانع الشرعية. وما يتخيل مانعًا وهو العمولة سيأتي الكلام عليه.

وأما إن كان المقصود التوفية بنقد من جنس آخر فهو صرف، ومن شرائط صحة الصرف التقابض ولا تقابض في هذا الصرف، فيلتحق بالربا لعدم التقابض، هذا إذا اعتبرنا الأوراق النقدية نقودًا وضعية، وأما إذا اعتبرت سندات على الجهة التي أصدرتها بالقيمة المذكورة فيها من الذهب، فإن معاملة التحويل المذكورة بين جنس منه وجنس آخر تعتبر بيع دين بدين دون قبض أصلاً في مجس العقد، لأن ما تم تسليمه من أحد الجانبين هو سند (صك) بمبلغه وليس نقدًا، فهل من حل؟

فنقول جوابًا عن ذلك:

1-

إننا نعتبر الأوراق النقدية المذكورة من قبيل النقود الوضعية لا من قبيل الأسناد المعترف فيها باستحقاق قيمتها على الجهة التي أصدرتها من دولة أو مصرف إصدار، وإن كانت هذه الصفة الأخيرة هي أصلها ومنطلق فكرة إحلال الأوراق النقدية المعروفة بين الناس باسم (بنكنوت) محل النقود الذهبية والفضية في التداول أخذًا وعطاءً ووفاءً ذلك لأن الصفة السندية فيها قد تنوسيت بين الناس وفي عرفهم العام وأصبحوا لا يرون في هذه الأوراق إلا نقودًا مكفولة حلت محل الذهب في التداول تمامًا، وانقطع نظر الناس إلى صفة السندية في أصلها انقطاعًا مطلقًا، تلك الصفة التي كانت في الأصل حين ابتكار هذه الأوراق لإِحداث الثقة بين الناس لينتقلوا في التعامل عن الذهب إليها حيث يعلمون أن لها تغطية ذهبية في مركز الإِصدار وأنها سند على ذلك المركز بقيمتها مستحق لحامله يستطيع قبضه ذهبًا متى شاء.

ص: 514

هذا أصلها أما بعد أن ألفها الناس وسالت في الأسواق تداولا ووفاءً من الدولة وعليها العمل بين الناس ولمس المتعاملون بها مزيتها في الخفة وسهولة النقل، فقد تنوسي – كما ذكرنا – فيها هذا الأصل السندي واكتسبت في نظر الجميع واعتبارهم وعرفهم صفة النقد المعدني وسيولته بلا فرق فوجب لذلك اعتبارها بمثابة الفلوس الرائجة من المعادن غير الذهب والفضة، تلك الفلوس التي اكتسبت صفة النقدية بالوضع والعرف والاصطلاح حتى إنها وإن لم تكن ذهبًا أو فضة لتعتبر حسب القيمة التي لها بمثابة أجزاء للوحدة النقدية الذهبية التي تسمى: دينارًا أو ليرة أو جنيهًا ذهبيًّا، بحسب اختلاف التسمية العرفية بين البلاد للوحدة من النقود المسكوكة الذهبية. هذه حال الفلوس الرائجة من المعادن المختلفة غير الذهب والفضة بالنظر الشرعي، وهو الصفة التي يجب إعطاؤها في نظرنا للأوراق النقدية (البنكنوت) فتبديل جنس منها كالدينار الكويتي الورقي أو الليرة السورية أو اللبنانية مثلاً بجنس آخر كالجنيه المصري أو الإِسترليني أو الدولار الأمريكي مثلا يعتبر كالمصارفة بين الذهب والفضة والفلوس المعدنية الرائجة على السواء.

والقاعدة الفقهية في هذه المصارفة أنه عند اختلاف الجنس يجوز التفاضل في المقدار بين العوضين ولكن يجب التفابض في المجلس من الجانبين، منعًا للربا المنصوص عليه في الحديث النبوي.

وبهذا التخريج يستبعد اعتبار عملية التحويل المصرفي بين جنسين من هذه الأوراق من قبيل بيع الدين بالدين وإنما هي مبادلة بين نقود فيها تحويل وصرف في وقت واحد.

2-

بناء على ما سبق نقول: إن اعتبار الأوراق النقدية كما ذكرنا (نقودًا وضعية اصطلاحية) يقتضي في التحويل من جنس إلى آخر منها أن يتم تقابض العوضين في مجلس التحويل نظرًا لأن هذا التحويل بين جنسين من هذه النقود يتضمن مصارفة والصرف يشترط لصحته التقابض وهذا يقتضي أن يدفع طالب التحويل إلى المصرف الأوراق النقدية التي يحملها وأن يصرفها بالأوراق النقدية من الجنس الآخر المطلوب ويقبضها بالفعل من المصرف، ثم يسلمها إليه قرضًا ليوفيه في البلد الآخر من هذا الجنس الثاني، أي يجب فك عملية التحويل بين جنسين مختلفين من هذه الأوراق إلى عمليتين: مصارفة أولاً يقع فيها التقابض، وسفتجة ثانيًا يدفع فيها مبلغا من جنس ويستوفى نظيره من الجنس نفسه في البلد الآخر.

ص: 515

هذا ما يستوجبه في الأصل عنصر المصارفة في عملية التحويل المصرفي بين جنسين ولكن هذه التجزئة العملية لا تقع فعلا بين طالب التحويل والمصرف الوسيط وإنما يدفع طالب التحويل إلى المصرف المبلغ المطلوب تحويله من نقود البلد الذي هو فيه فيقوم المصرف بتسليمه إيصالا به مع صك (شيك) يتضمن حوالة على مصرف في البلد الآخر بما يعادل هذا المبلغ من نقود البلد المطلوب التحويل إليه، فيرسل طالب التحويل هذا الشيك إلى الشخص المحول باسمه أو الذي حرر الشيك لأمره ليقبضه هناك من المصرف المحول عليه.

فإذا نظرنا إلى الشيكات فإنها تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية وأنها يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيرًا وتحويلا وأنها محمية في قوانين جميع الدول، من حيث إن سحب الشيك على جهة ليس للساحب فيها رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعًا، إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكًا بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس أي أن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض.

ثالثًا: إعطاء المصرف لطالب التحويل صكًا (شيكًا) بالمبلغ المطلوب:

فهذا الإِعطاء إما أن يكون مسبوقًا بإعطاء النقود أو غير مسبوق كما تقدم في الخطوة الثانية وأيًا ما كان فهو من تتمة قبول التحويل الذي هو عملية مركبة، ولكن لولا حظنا على انفراد لكان له وصف شرعي يختلف بحسب سبقه بدفع النقود وعدم سبقه بذلك.

ص: 516

(أ) فإن كان مسبوقًا بإعطاء النقود التي اعتبرت مقترضة احتمل كونه حوالة أو وكالة: وتصوير الحوالة أن يقال: إن المصرف الذي أصبح مدينًا بدين القرض قد أحال دائنه – الذي أعطى النقود وأصبح مقرضًا – على المصرف الآخر ليدفع الدين الذي هو بدل القرض إلى ذلك الدائن، أو إلى الشخص الذي عينه وكتب اسمه في الصك. وتصوير الوكالة أن يقال: إن المصرف الآخذ قد وكل المصرف الثاني في دفع المبلغ المذكور في الصك إلى من ذكر اسمه فيه سواء أكان هو الطالب أم الشخص الآخر الذي عينه وهذا التوكيل مصرح في الصك بما يدل عليه، وإنما سلم هذا الصك لطالب التحويل تمكينًا له من استيفاء حقه، وأن اعتبار ذلك وكالة بهذا التصوير الثاني هو الأقرب وعليه يكون وكالة جائزة شرعًا وتكون عملية التحويل مركبة من قرض ووكالة إذا استوفى المحول بنفسه أو من قرض ووكالتين إذا كان المستوفي هو الشخص الآخر الذي عينه المحول فهو وكيله في الاستيفاء وإنما قلنا إن تقدير الوكالة هنا أقرب من تقدير الحوالة لأن الحوالة الشرعية ثمرتها براءة ذمة المحيل من الدين، وليست للتحويل المصرفي هذه الثمرة لأن المصرف الآخذ يبقى مدينًا بدين القرض ولا يبرأ منه إلا بتوفية المصرف الآخر، يضاف إلى ذلك أن المصرف الثاني قد يكون غير مدين للمصرف الأول فلا يصح أن يكون محالا عليه شرعًا عند الجمهور إلا على أساس الحوالة المطلقة عند الحنفية ومن معهم وأن الوكالة خالة من هذين الإِِشكالين، فالتخريج عليها يكون أولى وأرجح غير أنه قد يقال: إن الوكالة يجوز فيها رجوع الموكل ورجوع الوكيل وهذان الأمران ليسا من صفات التحويل المصرفي.

وجوابًا على هذا الإِيراد نقول: إن الوكالة هنا ليست عقدًا منفردًا معقودًا بصورة مقصودة مباشرة وإنما حللنا إليها عقد التحويل الذي هو عقد مركب من إقراض وشرط، وهذا الشرط ينحل إلى وكالة فهي وكالة مشروطة من جانب طالب التحويل، فتكون وكالة تعلق بها حق الغير فلا يجوز رجوع الموكل فيها ولا الوكيل بعد القبول. ومن جهة أخرى يلحظ أيضًا أن المصرف قد استوفى عمولة على هذه العملية فهي وكالة بأجر فلا يجوز الرجوع فيها.

(ب) وإن لم يكن إعطاء الصك مسبوقًا بدفع المبلغ المطلوب تحويله فلذلك حالتان:

ص: 517

الحالة الأولى:

أن يكون للطالب في المصرف حساب جار دائن:

1-

فإن كان المطلوب تحويل النقود إلى نقود من جنسها، كدنانير كويتية إلى دنانير كويتية فحينئذ يكون إعطاء الصك توكيلا من المصرف للطالب بقبض المبلغ المبين في الصك ليستوفيه من الدين الذي له على المصرف. . وقد استغني عن تقدير القرض لأن الدين السابق قام مقامه.

2-

وإن كان المطلوب التحويل إلى نقود من غير جنسها، كدنانير كويتية إلى ليرات لبنانية أو غيرها كان طلب التحويل إيجاب مصارفة بين بعض النقود التي للطالب في حسابه الدائن لدى المصرف والمبلغ المطلوب من النقود الأخرى وكان تسليم الصك (الشيك) للطالب قبولا للمصارفة وتوكيلا من المصرف بالقبض قام مقام التقابض الواجب شرعًا في مجلس عقد الصرف لأن هذا الصك (الشيك) عرفًا في حكم النقد.

الحالة الثانية:

ألا يكون للطالب في المصرف حساب دائن:

فإن كان يريد تحويل النقود إلى نقود من جنسها كان الطلب التماسًا للوكيل في القرض كأنه يقول للمصرف: ألتمس منك أن توكل المصرف الثاني في دفع مبلغ كذا إليّ أو إلى فلان ليحتسب لك قرضًا عليّ. وحينئذ يكون إعطاء الصك توكيلا للمصرف الثاني أن يدفع للشخص صار هذا المصرف الثاني دائنًا للمصرف الأول بالمبلغ ما لم يكن له – أي للمصرف الأول – عنده حساب دائن، ويصير المصرف الأول دائنًا لطالب التحويل ما لم يكن قد قام بدفع المبلغ إليه قبل قيام المصرف الآخر بدفع ما في الصك.

وإن كان يريد تحويل النقود إلى نقود من غير جنسها – والمفروض أن طالب التحويل ليس له في المصرف حساب دائن ولم يدفع النقود في المجلس – فحينئذ يعد طلب التحويل التماسًا للتوكيل بالقرض (كما سبق بيانه) أي أن يقوم المصرف الأول بتوكيل المصرف الثاني في البلد الآخر بأن يدفع إلى الطالب (أو إلى من يعينه) المبلغ المطلوب من نقود ذلك البلد الآخر ليحتسب دينًا على الطالب. ويعتبر تسليم الصك إلى الطالب قبولا وتنفيذًا للتوكيل بالإِقراض. فيصبح طالب التحويل مدينًا للمصرف الأول بمبلغ الصك من نقود ذلك البلد متى تم قبضه هناك، ثم حين يوفي للمصرف قيمته من نقود الجنس الآخر (النقود المحلية) يعتبر ذلك الوفاء مصارفة بين ما للمصرف في ذمته من النقود الأجنبية وما يوفيه الآن من النقود المحلية. ويتحقق بذلك شرط التقابض في بدلي الصرف لأن أحدهما في الذمة مقبوض والآخر يدفع الآن في مجلس الصرف.

ص: 518

الفرق الرابع والأخير: بين السفتجة القديمة والتحويل المصرفي اليوم: وهو أن المصرف يأخذ عمولة من طالب التحويل مع المبلغ المطلوب تحويله ولا يوجد هذا في عملية السفتجة القديمة التي تكلم عنها الفقهاء.

فنقول في هذا الفرق: إن في هذه العمولة إشكالا بحسب الظاهر، لا سيما إذا قلنا إن العملية من قبيل القرض وقد نص بعض الفقهاء على أنه لا يجوز في القرض اشتراط يجر نفعًا للمقترض كما لا يجوز اشتراط يجر نفعًا للمقرض.

ولكن شرط جر النفع للمقرض يعتبر ربا وشرط جر النفع للمقترض يعتبر زيادة إرفاق من المقرض للمقترض فيكون وعدًا حسنًا، ولا يلزمه تنفيذه اكتفاء بأصل الإرفاق. على أن بعض الحنابلة أجازوا في القرض اشتراط دفع المقترض أقل مما أخذ. كما لو قال: أقرضك مائة دينار على أن تردها لي تسعة وتسعين، فيجوز ذلك لأنه زيادة إرفاق بالمقترض، وقد التزمه المقرض فيلزمه. وليس للإرفاق حد يجب الوقوف عنده ولاسيَّما أن هذا الشرط مضاد للربا ففي التزامه تأكيد التبري من الربا، فهذا القول عند الحنابلة جيد جدًّا ويسعف في تخريج العمولة.

3-

ثم إن بين المعاملات التي يقوم بها الأفراد والمعاملات التي تقوم بها المصارف فرقًا شاسعًا، فالمقترض في السفتجة القديمة لا يقوم بعمل للمقرض ولا يتحمل مئونة، لأنه إذا كان مسافرًا لحاجة نفسه، وغالبًا ما يتّجر في البلده أو في طريقه أو في البدل الذي يصل إليه وقد أصبح المال الذي أقترضه ملكًا له، فأرباحه كلها تخصه، وما صنع شيئًا للمقرض سوى كتابته الصك، ثم توفية الدين له أو لصديقه مثلاً.

أما المصرف الذي اعتبر مقترضًا في عملية التحويل فيختلف عن المقترض في السفتجة، فهو شخصية اعتبارية تجمع موظفين وعمالا يتقاضون رواتب شهرية غير مرتبطة بالعمل قلة وكثير، ويتخذ مقرًّا مجهزًا بأثاث وأدوات وآلات كثيرة لاستقبال العملاء وقضاء حاجاتهم، ثم إن العملية ليست كتابة ورقة فحسب وإنما هي إجراءات كثيرة ذات كلفة مالية، فلو لم يأخذ عمولة لما استطاع تغطية النفقات الطائلة التي ينفقها، فاشتراط العمولة محقق للعدالة ومتفق مع أصل التشريع الإسلامي، وليس هناك نص أو إجماع على منع مثل ذلك.

ص: 519

* النتيجة:

والنتيجة التي تستخلص من كل ما سبق من كلام عن التحويلات المصرفية اليوم هي أن التحويل المصرفي أو البريدي عملية مركبة من معاملتين أو أكثر، وهو عقد حديث، بمعنى أنه لم يجرِ العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة، ولم يدل دليل على منعه، فهو صحيح جائز شرعًا من حيث أصله بقطع النظر عما يحيط به من مواد قانونية يجب لمعرفة حكمها استقصاؤها تفصيلا ودراستها للحكم فيها. اهـ (1) .

وقد بحث مسألة قبض الشيك قبض لمحتواه مجموعة من علماء الشريعة والاقتصاد منهم الدكتور علي السالوس والدكتور سامي حمود والأستاذ ستر الجعيد وغيرهم، وكلهم اتفقوا على أن قبض الشيك قبض لمحتواه وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بذلك وفيما يلي ذكر أقوالهم.

فقد جاء في كتاب الدكتور علي السالويس (استبدال النقود والعملات) في معرض رده على الشيخ حسن أيوب حيث كان حسن أيوب يرى أن الأوراق النقدية عروض تجارة، فرد عليه جزاه الله خيرًا وذكر في رده أن الشيك ينقل الملكية في حال وأنه قبض لمحتواه، وذكر رأي بعض علماء الاقتصاد ومنهم الدكتور يوسف إبراهيم فقال:

الشيك والقبض

قال الشيخ: (كان الاولى أن تطلب التوبة بشجاعة من نفسك ومن القائلين بأن الشيك يكفي عن قبض الأوراق المالية

إلخ) .

وأقول:

* عاد الشيخ للحديث عن الشيك والقبض وأحب أن أسأله: لو أن الشيك لا يكفي عن القبض فما النتيجة؟ أنبحث عن حل آخر أم نقول: إن هذه النقود ليست من الأموال الربوية؟

عندما كان المسلم يذهب إلى عبد الله بن الزبير في مكة، ويعطيه نقودًا، ويأخذ سفتجة يتسلم بها ما يقابل هذه النقود من أخيه مصعب في العراق، فأين القبض هنا؟ أليست السفتجة قد قامت مقام القبض؟

ألا يقوم الشيك بما قامت به السفتجة؟

ألا يعني الشيك نقل الملكية في الحال؟ فالشيك إذن قام بدور السفتجة أو أكثر ولا يمكن أن يكون أقل منها في أداء وظيفة القبض.

* قال صاحب المغني: (الحوالة بمنزلة القبض)(6/56) .

وقال أيضًا: (الحوالة كالتسليم (5/69) .

ونص على هذا أيضًا صاحب الشرح الكبير (انظر 5/58/69) .

* وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية:

(الأسماء تعرف حدودها تارةً بالشرع كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وتارةً باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارةً بالعرف كالقبض والتفريق) .

(مجموع الفتاوى 29/448) .

فإذا كان القبض مرده إلى العرف فإن الشيك هو الأداة الرئيسية التي تنتقل بها ملكية النقود المودعة في الحسابات الجارية بالمصارف، وإذا تعارف الناس على نقل هذه الملكية بالتلكس مثلا، ألا يكون هذا قبضًا في عرفهم؟ ويمكن أن يتوصل الناس إلى وسائل أخرى تنتقل بها ملكية النقود فتقوم هذه الوسائل مقام قبض النقود ذاتها.

ولقد عرضت هذا الأمر على عدد من الاقتصاديين، ورجعت إلى كتب آخرين، فما وجدت ما يمنع جعل الشيك يقوم مقام القبض، بل وجدت من يعتبر الشيك نقودًا بالفعل، وممن طلبت رأيهم بالفعل في هذا الموضوع بعض الأساتذة الاقتصاديين، فقد قالوا بأن بعض البنوك الأجنبية تقوم بصرف قيمة الشيك قبل تحصيله مما يدل على أن الشيك أصبح له قوة مشابهة لقوة النقود.

ومما أذكره أني عرضت هذا الأمر على الأستاذ الدكتور عبد العزيز رجب فأيد ما قلته ولم يعارضه بل عارض كلام الشيخ.

(1) الموسوعة الفقهية الكويتية – الحوالة: ص 225، 235.

ص: 520

وقد جاءنا من تجارة الأزهر الدكتور يوسف إبراهيم، فطلبت رأيه في هذا الموضوع فكتب يقول:

إن النقود في اصطلاح الاقتصاديين هي كل ما يستخدم وسيطًا في تبادل السلع والخدمات ويلقى القبول العام من الناس، دون نظر إلى الشكل الذي تكون عليه فقد تتخذ النقود الشكل المعدني مثل النقود الذهبية والنقود الفضية التي عرفتها البشرية منذ فترة ليست بالقصيرة ولا زالت تعرف بعضها حتى اليوم في صورة ضيقة، وقد تتخذ النقود الشكل الورقي، مثل النقود الورقية الإلزامية التي تصدرها البنوك المركزية وقد تتخذ شكل النقود الائتمانية (المصرفية) التي تقدمها البنوك التجارية. وبالشكل الأخير من أشكال النقود (النقود الائتمانية) تجري معظم المعاملات في الاقتصاديات الحديثة والتي يقتصر دور النقود المعدنية فيها على استخدامها نقودًا مساعدة فقط، بينما تستخدم النقود الورقية في الصفقات ذات القيم الصغيرة، أما الصفقات والمعاملات الأساسية في هذه الاقتصاديات فإنها تتم بواسطة النقود الائتمانية أو المصرفية والتي ليس لها أداة غير الشيك.

وتتمتع الأنواع الثلاثة بالخاصتين الجوهريتين للنقود وهما كونها وسيطًا للتبادل وكونها تلقى القبول العام، فلا فرق في ذلك بين النقود المعدنية والنقود الورقية والنقود المصرفية والذي يأخذ (الشيك) في معاملة من المعاملات فإنه يأخذ نوعًا من النقود ما في ذلك شك، وإذا كان بعض الناس في بعض المجتمعات لا يثقون في النقود الائتمانية ثقتهم في النقود الورقية فإن ذلك راجع إلى إِلْفهِم التعامل بهذه النقود وعدم إِلْفهِم التعامل بالنقود الائتمانية، ذلك أن النقود الورقية تحمل من المخاطر أكثر مما تحمله النقود الائتمانية بل والنقود المعدنية التي ربما تكون زيوفًا فليس هناك نوع من النقود يخلو من المخاطر، بل ربما تكون النقود الائتمانية من أقلها مخاطر، الأمر الذي جعلها تغطي الجزء الأكبر من المعاملات في المجتمعات المتقدمة اقتصاديًّا وستحتل نفس المكانة في بقية المجتمعات في المستقبل، بل لعل القبول بها لقي استجابة أكثر من الاستجابة التي قوبلت بها النقود الورقية عند نشأتها. اهـ.

وكثيرون كتبوا عن الشيك، ونقله للملكية، وبيَّنوا أن معظم المدفوعات النقدية تسوّى بواسطة الشيكات التي أصبحت أهم أدوات الائتمان في العصر الحديث وما ذكروا لنا حلولا أخرى أو التفكير في حلول أخرى، بل تحدثوا عن ميزات التعامل بالشيكات من حيث الملاءة واليسر والأمان وحماية القانون.

(انظر مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي: ص 51، 55 والمبسوط في الأوراق التجارية للدكتور صلاح الدين الناهي: ص 560 – 573) .

ص: 521

ومن الاعتراضات التي تذكرها هنا:

- أن الشيك قد يكون بدون رصيد، فلا يتم قبض.

- وقد يتعلق صرف الشيك على شرط وصول إخطار للبنك من صاحب الرصيد، وبهذا يتأخر القبض.

- وقد يعارض صاحب الرصيد في صرف الشيك، فلا يتم القبض أو يتأخر. وهذه الاعتراضات لا تمنع ما انتهينا إليه.

فمخاطر الشيك بدون رصيد قد لا تقل عن مخاطر الأوراق النقدية المزيفة وغالبًا لا يعرف من قام بالتزييف.

ومما يذكر في هذا المجال أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما فكر في جعل الدراهم من الجلود كان مرد هذا إلى التزييف الذي لحق بالدراهم آنذاك.

وإن كان حامل النقود المزيفة لا يحميه القانون ما دام المزيف غير معروف فإن حامل الشيك يحميه القانون حيث ينص قانون العقوبات على توقيع عقوبة النصب على كل من أعطى بسوء نية شيكًا لا يقابله رصيد قائم أو قابل للسحب أو كان أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث إن الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع.

وهذه الحماية القانونية كان لها أثرها في تعامل الناس بالشيكات في العصر الحديث. انتهى بتصرف في حذف ما رأيت الاستغناء عنه (1)

كما بحث المسألة الدكتور سامي حمود في كتابه الذي نال به الدكتوراه بعنوان تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية حيث قال تحت عنوان (القبض في مصارفة البنوك) ما نصه:

(1) استبدال النقود والعملات: ص 164، 170.

ص: 522

تتفق الآراء الفقهية على فساد الصرف إذا لم يكن فيه قبض فقد نقل السبكي في المجموع عن ابن المنذر أنه قال: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد)(1)

ولكن الآراء الفقهية تختلف في المراد بالقبض، فالقبض على ما يرى الحنفية مراد به التعيين باعتبار أن اليد في قوله صلى الله عليه وسلم (يدًا بيد) ليس مرادًا بها اليد الجارحة.

كما يقول الكاساني في معرض رده على أخذ الشافعي بظاهر اللفظ بهذا الحديث – بل يمكن حمل اليد على التعيين لأنها آلته ولأن الإشارة باليد سبب التعيين (2) ، ولذلك فإنه إذا وقع البيع على مال ربوي بمال ربوي آخر (قمح بشعير مثلا) ، فإن تعيينهما يقوم – عند الحنفية – مقام القبض ولكن الأمر يختلف عندهم بالنسبة للنقود، وذلك لأن الدراهم والدنانير لا تتعين عند الحنفية بالتعيين ولذلك كان لا بد من التقابض (3) .

فإذا انتقلنا من حالة الكلام في البيع الذي يجري فيه الصرف بالمناولة (خذ وهات) إلى حالة وقوع الصرف في الذمة، فإن الصورة تتضح بأن المراد من القبض هو التعيين الذي تثبت به الحقوق وليس المراد شكله بالأخذ والإعطاء فلنستمع إلى ما يرويه ابن عمر – رضي الله عنهما – بقوله: كنت أبيع الإبل في البقيع أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة – أو قال حين خرج من بيت حفصة – فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام:"لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفرقا وبينكما شيء"(4) .

ومن الواضح أن هذا التصارف الجاري على ما في الذمة ليس فيه تقابض بمظهره الشكلي – بأن يبرز كل طرف ما يريد مصارفته بل كان يتم على أساس أن الحق القائم بهيئة دنانير في الذمة يسدد بما يؤدى في مقابلها من دراهم بسعر اليوم.

(1) السبكي، الجزء العاشر: ص 65.

(2)

الكاساني، الجزء السابع: ص 319.

(3)

السبكي، الجزء العاشر: ص 66.

(4)

البيهقي، الجزء الخامس: ص 284.

ص: 523

وقد أشكلت هذه النقطة على بعض من نظر إلى أن هذا الحديث المروي عن ابن عمر معارض بحديث أبي سعيد بالنسبة لما جاء فيه: (ولا تبيعوا منهما غائبًا بناجز)، فقال ابن عبد البر موضحًا ذلك الإشكال على ما جاء في تكملة المجموع:(وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء، لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما، فحديث ابن عمر مفسر، وحديث أبي سعيد الخدري مجمل، فصار معناه لا تبيعوا غائبًا – ليس في ذمة – بناجز. وإذا حملا على هذا لم يتعارضا. اهـ (1) .

ومن ذلك يؤخذ أن غاية القبض هي إثبات اليد، فإذا كان ذلك حاصلا فلا ينظر للشكل في المبادلة، ولذا كان الصرف في الذمة جائزًا، سواء كان أحدهما دينًا والآخر نقدًا أو كان المبلغان عبارة عن دينين في ذمة كل من المتصارفين.

فقد جاء في المدونة ما يلي:

قلت: أرأيت لو أن لرجل عليَّ مائة دينار، فقلت: بعني المائة دينار التي لك عليَّ بألف درهم أدفعها إليك فعل، فدفعت إليه تسعمائة، ثم فارقته قبل أن أدفع إليه المائة الباقية.

قال: قال مالك لا يصلح ذلك ويرد الدراهم، وتكون الدنانير التي عليه على حالها.

قال مالك: ولو قبضها كلها كان ذلك جائزًا (2) .

وأورد ابن رشد الخلاف في مسألة الصرف بين دينين في ذمة المتصارفين فقال:

المسألة السادسة: واختلفوا في الرجلين يكون لأحدهما على صاحبه دنانير وللآخر عليه دراهم هل يجوز أن يتصارفا وهي في الذمة؟

فقال مالك: ذلك جائز – إذا كان قد حلا معًا.

وقال أبو حنيفة: يجوز في الحالَّ وفي غير الحالَّ.

وقال الشافعي والليث: لا يجوز ذلك حلا أو لم يحلا (3) .

وحجة من لم يجز العملية (الشافعي والليث) أنه غائب بغائب وقد بيَّنَّا أن قابلية الدين حالَ المطالبة لا تبقي في المسألة إلا الشكل الذي يجري فيه إبراز كل طرف ما عليه من دين للآخر، وهذا الإبراز وسيلة إبراء لا أكثر فإذا توصلنا إليه بالمصارفة فما المانع؟

(1) السبكي، الجزء العاشر: ص 105.

(2)

مالك في المدونة الكبرى، الجزء الثامن: ص 393.

(3)

ابن رشد الحفيد، الجزء الثاني: ص 200.

ص: 524

ومع ذلك فإن المراد هو بيان مدى الرحمة في اختلاف الأئمة – أثابهم الله جميعًا بما قدموا وما خدموا هذا الفقه العظيم.

فإذا انتقلنا لتطبيق المسألة على واقع العمل المصرفي فإننا نجد أن الصرف إما أن يكون على الصندوق أو بالحساب.

فإذا كان الصرف نقدًا على الصندوق فلا إشكال في المسألة حيث يسلم المتصارف نقوده (من الجنيهات الإِسترالينية – مثلا) ليتسلم من صندوق المصرف العملة المطلوبة من الجنس الآخر. فهنا تقابض حالّ منجز.

أما إذا كان الصرف بالحساب فإن المودع يتسلم إيصال الإِيداع الذي يحمل تاريخ اليوم الذي فيه الإيداع، ويقوم المصرف بقيد القيمة المعادلة للعملة الأجنبية – بحسب سعر يوم الإِيداع – بحساب العميل لديه بالعملة الوطنية. وهذا قبض، لأن فيه تعيينًا لحق العميل تجاه المصرف.

ولو كان للعميل حسابان أحدهما بالجنيه الإِسترليني مثلا والآخر بالدولار، وأراد أن يصارف من أحدهما ليضيفه للآخر فإنه يأمر المصرف بإجراء القيود بالمصارفة بسعر يوم التنفيذ فتكون العملية تبديل دين بدين بما يشبه مصارفة الدين بالدين، وهي العملية الجائزة عند مالك (إذا كان الدينان حالَّيْن) والجائزة أيضًا عند أبي حنيفة (حلَّ الدَيْنان أم لم يَحِلا) .

هذا ومن الجدير بالإِشارة إلى أن سير المصارف على نظام القيد المزدوج في إجراء القيود لا يسمح للمصرف إلا أن يجري العملية بشقيها في كل حال لأن كل قيد دائن لا بد أن يقابله قيد مدين وهذا أمر معروف ومتفق عليه في علم المحاسبة.

وتقوم المصارف العالمية بالإضافة إلى أعمال الصرف العادي مع العملاء بيعًا وشراء بإجراء عمليات يطلق عليها اصطلاح الترجيح وهي – في نطاق الصرف – تنطوي على شراء عملات أجنبية من سوق (لندن مثلا) لبيعها في سوق آخر (نيويورك) بهدف ربح فرق السعر بين المركزين – إذا وجد ذلك الفرق.

ص: 525

وتتم العملية على أساس السعر الحاضر وتقيد الحقوق في دفتر كما لو كانت عملية صرف لعميل له لدى المصرف حسابان أو أكثر بأنواع مختلفة من العملات، وفي ضوء ذلك فإن أعمال الترجيح للاستفادة من فروق الأسعار بين مراكز العملات الأجنبية في الأسواق العالمية مقبولة في موازين النظر الفقهي الإسلامي باعتبار أنها أعمال صرف حاضر مع التقابض الحسابي المتبادل.

وهكذا يتبين أن القبض في بيوع الصرف – على أساس السعر الحاضر – لا يمثل مشكلة بالنسبة للعمل المصرفي المراعى فيه الخضوع لضوابط الشريعة الغراء وذلك لأن التقابض سواء كان يدويًّا (بالمناولة) أو حسابيًّا (بالقيود الدفترية) مبني على إثبات الحق المنجز بالنسبة للطرفين المتبايعين. اهـ. (1) .

وتحدث الأستاذ بجامعة أم القرى الدكتور ستر بن ثواب الجعيد في رسالة تقدم بها لنيل الماجستير بعنوان " أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي " وقد اشتركت في نقاش هذه الرسالة في جامعة أم القرى فقال:

الفرع السادس: حكم اقتران الصرف بالإجارة في التحويل بالشيكات:

ذكرنا فيما سبق حكم الشيك في التحويل إذا كان النقد من جنس واحد، والآن نبين ما لو أراد المستاجر – طالب التحويل – أن يتسلم المبلغ في البلد الآخر بنقد يخالف النقد الذي تقدم به إلى المصرف أو هو موجود في حسابه مع المصرف.

وإذا فرضنا أن زيدًا من الناس تقدم إلى المصرف بمبلغ عشرة آلاف ريال سعودي مثلا ويريد أن يحرر له المصرف شيكًا بهذا المبلغ على أن يتسلمه في مصر مثلا بالجنيهات المصرية أو الدولار الأمريكي أو أي عملة أخرى مخالفة للعملة التي جاء بها.

والمسألة ذات جوانب:

الأول: إذا كان طالب الشيك جاء بنقده معه ثم سلمه إلى المصرف وطلب منه أن يحرر له شيكًا إلى مصر يتسلمه بالجنيهات. . . فهنا المسألة صرف يتلوه إجارة ووكالة. .

أما الصرف فبين الريالات السعودية المفروضة في المثال وبين الجنيهات المصرية تم بسعر اليوم الذي يتقدم فيه الطالب.

والإجارة فهي تمكين المستأجر (الطالب للتحويل) من أخذ المقدار المساوي لنقده في المكان الذي يرغبه في مصر في مثالنا.

(1) تطور الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، ص 346، 350.

ص: 526

والوكالة فإنها ذات جانبين: وكالة من المصرف للطالب ووكالة من المصرف القابض إلى المصرف الدافع والإشكال الوارد على العملية هو التقابض هل يتم بتسلم الشيك أم لا؟

لقد ذهب كثير من الباحثين المعاصرين إلى أن تسلم الشيك قبض لمحتواه وبالتالي يعتبر الصرف صحيحًا لتوفر شرطه (1) .

وإنما يعتبر قبض الشيك قبضًا لمحتواه لأنه يحاط بمضانات وضوابط تجعل القابض له مالكًا لمحتواه، ويستطيع أن يتصرف فيه فيبيع به ويشتري ويهب ويستطيع أن يظهر الشيك إلى آخر إذا مارس أي عملية من بيع أو شراء ونحوها. . .

كما أن من الضوابط التي تدعم الثقة بالشيك ما يلي:

(أ) اعتبار إصداره من غير رصيد جريمة يعاقب عليها.

(ب) كون الشيك غير مؤجل، بل يتم صرفه بمجرد تقديمه بخلاف الأوراق التجارية الأخرى، فإن الأجل لازم لها ومن طبيعتها غالبًا.

وذلك لا يمنع من دخول الأجل في الشيك أو انتفائه في الأوراق التجارية الأخرى ولكني يجب أن لا يدخل الأجل في الشيك – إلا الأجل الذي لا بد منه لانتقال المستفيد إلى البلد الذي يرغب تحويل النقد إليه – إذا ترجح هذا الحكم لأن الأجل يدخل العملية في ربا النسيئة.

ويدعي ما ذهب إليه هؤلاء الباحثون أن الأوراق النقدية كانت في بداية نشأتها سندات لحاملها حتى شاعت بين الناس وكان يدفع للراغب في استبدالها ذهبًا أو فضة حسب الغطاء ولكن ذلك تلاشى شيئًا فشيئًا مع انتشارها ورواجها وثقة الناس بها.

وبذلك تقترب الأوراق التجارية من الأوراق النقدية خاصة الشيكات – والسياحيّة منها خاصّة – إذ هي تحرر على شكل فئات معينة ومتساوية أما بقية الأوراق التجارية فتحرر على أرقام متفاوتة حسب ما تقتضيه المعاملة التي استدعت تحريرها.

وقد اشترط بعض العلماء في اقتران الصرف بالحوالة ثبوت الدين قبل الحوالة واعتبروه شرط صحة لها، قال بعض الفقهاء في تبريره:(احترز به – بثبوت دين لازم – في صرف دينار بدراهم وأحال غريمه عليها فلا تصح لعدم المناجزة في الصرف وهو يوجب فسخه فالدراهم لم تلزم المحال عليه (2) . وهذه تشبه الصورة الجارية في البنوك، ولكن هذا الفريق من العلماء فسروا ثبوت الدّيْن بما يستفاد منه أن الصرف المستقبل للشيك لا يضره عدم مديونيته المباشرة عن طريق وجود حساب للمصرف المرسل للشيك بل يكفي في ذلك ثبوت الدين ببينة أو إقرار.

(1) انظر المعاملات المصرفية والربوية، د. نور الدين عتر: ص 38، 39، النقود والمصارف، د. عوف الكفراوي: ص 47، موقف الشريعة من المصارف الإسلامية المعاصرة. د. عبد السلام العبادي ص 243، السالوس: استبدال النقود والعملات: ص 164 وما بعدها.

(2)

فتاوى الشيخ عليش: 3 / 230. انظر ما نقله عن المدونة بخصوص عدم الممانعة من اجتماع الحوالة مع بقية الديون ما عدا الدين الثابت من الصرف.

ص: 527

ما يرد على هذا التخريج ومناقشته:

وما سبق من القول بأن الشيك يكفي قبضه عن قبض محتواه لصحة عقد الصرف يرد عليه بعض الإيرادات أهمها:

1-

إن قبض الشيك في قوة قبض محتواه وذلك لأن المتصرف الذي يملكه من قبض محتوى الشيك هو نهائي بينما يمارس من قبض الشيك بعض التصرفات وهي موقوفة على الوفاء الفعلي إذ قد يكون الشيك لا رصيد له وبذلك صار هذا وجه فرق بين المسألتين ولكن يمكن الرد عليه بأن هذا الفرق لا يؤثر في الإلحاق لأن قبض المحتوى هو الآخر ليس نهائيًّا إذا نظرنا إليه من جهة أخرى وهو كون النقد مزورًا أو معيبًا ونحو ذلك من العيوب ولكن النقد المزور لا يمكن معرفة أول من زوره لأنه يتداول بالمناولة بينما الشيكات تتداول بطريق يمكن معرفة من انتقلت إليه وبالتالي يسهل ضبط العيب إذا ظهر قريبًا هو من هذه الناحية أسهل ولكن يعوض هذا في الأوراق النقدية مراقبة ولي الأمر ومعاقبته لمن زوّر النقد فهذا يحد من التزوير في النقود، كما يحد من التزوير في الشيكات الضوابط الكثيرة – كالرصيد ومعاقبة من يصدر الشيك بدون رصيد – والضمانات ونحوها ويمكن القول بأن مسئولية مصدر الشيك عن صدق محتواه مع ما يحيط به من ضوابط أخرى تعزز الثقة في الشيك فتشبه ضمان الدولة عن الأوراق النقدية التي تصدرها؛ غاية ما هناك أن الأوراق النقدية شيكات لحاملها والأوراق التجارية – الشيك – اسمية وما بينهما من فروق لا يؤثر في عدم الإلحاق إذ لا بد أن يكون الفرق مقصودًا.

2-

إن قابض الشيك قد يتأخر عن تقديمه إلى المصرف الوكيل وقد يزيد السعر أو ينقص في هذه الفترة فيتضرر أحدهما فلا يتحقق الوصف الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر ((أن لا تفترقا وبينكما بأس أو شيء)) .

ويجاب على ذلك بأن الأجير وموكله أو فرعه مستعدان للوفاء الفعلي للشيك في أي وقت يتقدم به حامله، فإذا تأخر فهو خطؤه ويتحمل نتيجته لو نقص السعر فضلا عن أن هذا المتأخر لا يتأخر إلا لمصلحة أو عذر وهو ممكن من نقل هذا الشيك والتصرف به في أنواع التصرفات، وهذا يجعل من النادر أن يتأخر أحد بشيكه يترصد زيادة السعر أو نقصه.

لكن الممنوع حقًّا أن يوضع للشيك تاريخ متأخر لا يتم صرفه إلا بعده كما هو الحال في الأوراق التجارية الأخرى – ومن هنا كان لا وجه لترجيح أن قبضها قبض لمحتواها إذ الأجل لازم لها.

ص: 528

ويمكن القول في ضوء ما تقدم أن قبض الشيك قبض لمحتواه إذا لم يدون فيه تاريخ وأجل التسلم. اهـ (1) .

ويتأيد قول من قال بأن قبض الشيك قبض لمحتواه بما اعتبره العلماء في باب الزكاة قبضًا من أن الدين على مليء في حكم المقبوض حيث أوجبوا الزكاة فيه.

قال في الإنصاف بصدد الكلام عن زكاة الدين على مليء: (الحوالة به والإبراء منه كالقبض على الصحيح من المذهب وقيل إن جعل وفاء كالقبض وإلا فلا)(2) .

وجاء في الأموال لأبي عبيد عن ابن عمر رضي الله عنهما: (وما كان من دين على ثقة فزكه)(3) .

وقال الزيلعي: (ولو كان الدين على مقرٍّ تجب – أي الزكاة – لأنه يمكنه الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل) . اهـ (4) .

وقد ورد عن الإمام مالك مسألة هبة الدين لغير من هو عليه (قلت – سحنون – فإن وهبت لرجل ديناً لي على رجل آخر قال: قال مالك: إذًا أشهد له وجمع بينه وبين غريمه ودفع إليه ذكر الحق فهو قد قبض)(5) .

وقال أبو عبيد بعد أن عرض أقوال العلماء في زكاة الدين: أما الذي أختاره من هذا فالأخير بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر ثم قول التابعين بعد ذلك الحسن وإبراهيم وجابر بن زيد ومجاهد وميمون بن مهران أن يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده وفي بيته. اهـ. (6) .

وبعد فلو ذهبنا نستعرض كل ما قاله علماء الشريعة الإسلامية وعلماء الاقتصاد الإسلامي لخرجنا من محيط الإفادة والتصور إلى محيط التكرار الممل. وبناءً على ذلك أكتفي بما أوردته من نقول عن أهل العلم في الموضوع نفسه وألخص ذلك فيما يلي:

أولا: يكاد الإجماع ينعقد بين جميع من تحدث عن الشيك وخصائصه وأحكامه على أن قبضه قبض لمحتواه إذا كان محتواه في ذمة المسحوب عليه حيث إن الضمانات المتاحة لحماية حق المستفيد من الشيك أبلغ من الضمانات المتاحة لحماية ثمنية الأوراق النقدية المجمع على اعتبارها نقدًا موجبًا للإبراء العام والقابلية المطلقة.

(1) رسالة جماعية للشيخ ستر الجعيد.

(2)

المرداوي: 3 / 18.

(3)

الأموال لأبي عبيد: 388.

(4)

تبيين الحقائق: 1 / 256.

(5)

المدونة: 14 / 46.

(6)

الأموال: 392.

ص: 529

ثانيًا: التحويل المصرفي له أحوال:

إحداها:

أن يأتي المحول إلى المصرف ومعه نقد يريد أن يحوله المصرف إلى عميله أو من يرغب التحويل إليه وليس له عند المصرف حساب سابق كمن يتقدم إلى البنك في مكة المكرمة بطلب تحويل عشرة آلاف ريال إلى عميله في الرياض ويتسلم صورة من إشعار التحويل فقد ذكر الباحثون أن هذه إجازة وبعضهم خرجها على السفتجة وإن كانت الإجارة تتفق مع السفتجة في العناصر الجوهرية في التحويل واختلفوا في حكم أخذ الأجرة عليها فاتجه غالبهم إلى جواز ذلك وأنه ليس من قبيل القرض الذي يجر نفعًا. .

الحال الثانية:

ما إذا كان للمحول حساب لدى المصرف فعمده بسحب مبلغ معين من حسابه لتحويله إلى من يرغب التحويل إليه فهذه الحال استيفاء من البنك بقدر المبلغ المحول عليه ثم حوالة لها حكم الحالة الأولى ولا يؤثر استيفاء المبلغ المراد تحويله من البنك على أحكام الحوالة واعتبارها إجارة أو سفتجة مقبوضة متصرفًا في مبلغها.

الحال الثالثة:

ما إذا أحضر مريد التحويل مبلغًا من النقد المحلي وطلب تحويله إلى خارج بلد النقد المحلي وبنقد البلد الخارجي كمن يطلب تحويل مبلغ من العملة السعودية إلى العملة الأمريكية إلى من يرغب التحويل عليه، فهذه العملية تشتمل على صرف وإجارة فإن كان لدى البنك وقت طلب التحويل العملة الأجنبية سواء كانت في صندوقه أو في صندوق من يحول عليه من البنوك الأجنبية بحيث يكون للبنك المحول حساب بالعملة المذكورة لدى البنك المحول عليه فإذا أجري الصرف بسعر وقته وتعين مقدار المبلغ المراد تحويله بالعملة الأجنبية فإن تحويل المبلغ بالعملة المحلية إلى العملة الأجنبية في قوة المصارفة يدًا بيد لأن عملية المصارفة تمت وليس بينهما بعد ذلك شيء ثم تؤول هذه الحال بعد المصارفة إلى الحال الأولى في اعتبارها بعد المصارفة إجارة أو سفتجة.

الحال الرابعة:

ما إذا كان لطالب التحويل لدى البنك حساب جار فطلب السحب منه ثم طلب صرف المبلغ المسحوب إلى عملة أجنبية ثم طلب تحويل تلك العملية الأجنبية إلى من يرغب التحويل عليه خارج البلاد، فإذا كان لدى البنك في صناديقه أو قيوداته العملة الأجنبية المراد صرف المبلغ إليها فهذه العملية هي استيفاء ثم صرف ثم تحويل وقبض الإشعار بالتحويل بالعملة الأجنبية بمثابة القبض الحسي، وما تقدم من النصوص الفقهية من أقوال بعض الفقهاء وعلماء الاقتصاد يؤدي القول بانتفاء المحذور من هذه العمليات المصرفية.

ص: 530

الحال الخامسة:

ما إذا تقدم طالب التحويل إلى البنك بمبلغ معين من عملة محلية أو كان لطالب التحويل حساب عند هذا البنك فطلب منه سحب ذلك المبلغ ليقوم البنك بتحويله إلى عملة أجنبية إلى من يرغب طالب التحويل التحويل إليه فإذا لم يكن لدى البنك في صناديقه تلك العملة الأجنبية وليس له لدى البنك المحول عليه حساب بالعملة المذكورة – الأجنبية – ولكن له في بنوك أخرى سواء كانت محلية أو أجنبية حساب بنفس العملة قدر المبلغ المراد تحويله أو أكثر منه، فهل تصح هذه المصارفة باعتبار أن البنك صارف بما يملكه وأنه يمكنه تعميد البنك الذي له حساب عنده بنفس العملة الأجنبية بتحويل قدر المبلغ إلى البنك الذي حول عليه طلب التحويل؟ أو أنها لا تصح حيث أنه ليس لديه في صناديقه ولا في قيد البنك المحول عليه شيء من العملة الأجنبية التي حول عليه بها؟

والذي يظهر والله أعلم صحة المصارفة لأن البنك يملك العملة التي صارف بها وفي نفس الأمر لديه من وسائل الاتصال المباشرة والعاجلة ما يعتبر في حكم مجلس العقد والقيد في الحساب نوع من القبض.

الحال السادسة:

ما إذا تقدم طالب التحويل إلى البنك بمبلغ معين من العملة المحلية أو طلب من البنك إذاكان له عنده حساب جار أن يسحب من ذلك المبلغ ليصرفه إلى عملة أجنبية ليست لدى البنك في صناديقه ولا في قيوده لدى المصارف وإنما سيعمل البنك على تأمين النقد الأجنبي مستقبلا لمن حول عليه فهذه مصارفة يظهر – والله أعلم – بطلانها الانتفاء التقابض الحسي والمعنوي في مجلس عقد المصارفة لأن البنك صارف بما لا يملكه وقت المصارفة.

ونظرًا إلى أن القبض من المسائل التي تخضع لأحكام العرف والعادة فقد يكون من تمام البحث ذكر بعض من أقوال أهل العلم في معنى القبض.

ص: 531

1-

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وأما استدلالهم بأن القبض هو التخلية، فالقبض مرجعه إلى عرف الناس حيث لم يكن له حد في اللغة ولا في الشرع. وقبض ثمر الشجر لا بد فيه من الخدمة والتخلية المستمرة إلى كمال الصلاح بخلاف قبض مجرد الأصول. وتخلية كل شيء بحسبه ودليل ذلك المنافع في العين المؤجرة. اهـ (1) .

2-

وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني:

وقبض كل شيء بحسبه. . . وقال أبو حنيفة: التخلية في ذلك قبض، وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى، أن القبض في كل شيء التخلية مع التمييز لأنه خلى بينه وبين المبيع من غير حائل فكان قبضًا له كالعقار. . . إلى أن قال: ولأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق. اهـ (2) .

وقال في موضع آخر: وإن أحال المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وبرئت ذمة المكاتب ويكون ذلك بمنزلة القبض. اهـ (3) وجه الشاهد من هذا النص أن الحوالة المستوفية شروط اعتبارها في قوة قبض محتواها. والشيك في حقيقته حوالة.

وقال في موضع آخر: فإن كان عليه ألف ضمنه رجل فأحال الضامن صاحب الدين به برئت ذمته وذمة المضمون عنه لأن الحوالة كالتسليم. اهـ (4) .

3-

وقال في الشرح الكبير:

ولأن الحوالة بمنزلة القبض فكأن المحيل أقبض المحال. اهـ (5) .

4-

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

والأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة والزكاة والصيام والحج. . . وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر. . . وتارة بالعرف كالقبض والتفريق. اهـ (6)

5-

وقال المرداوي رحمه الله:

فائدة: الحوالة والإبراء منه كالقبض على الصحيح من المذهب وقيل إن جعلا وفاءً فكالقبض وإلا فلا. اهـ (7) .

6-

وأذكر أيضًا عن شيخنا الجليل العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله حيث قال:

ونعرف أن القبض من الأمور التي تختلف باختلاف المقبوضات فما جاء فيه التنصيص في الشرع صار القبض فيه إلى مقتضى التنصيص، وما لا فيرجع فيه إلى المتعارف. اهـ (8) .

(1) مجموع الفتاوى: 30/ 275 – 276.

(2)

المغني: 45 / 125 – 126.

(3)

المغني الشرح الكبير: 5 / 56.

(4)

المغني الشرح الكبير: 5 / 69.

(5)

المغني الشرح الكبير: 5 / 58.

(6)

مجموع الفتاوى: 29 / 448.

(7)

الإنصاف: 3 / 18.

(8)

فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم: 7 / 103.

ص: 532

7-

وفي الدرر السنية جواب للشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله ونصه:

وسئل عن صفة القبض للطعام ونحوه فأجاب: أهل العلم ذكروا أن القبض في كل شيء بحسبه. وأجاب أيضاً: القبض كيله أو وزنه وفي الرواية الأخرى أنه التخلية مع التمييز. اهـ (1) .

8-

وفي المقنع ما نصه:

وعنه إن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز، قال في الحاشية: قوله بالتخلية إذ القبض مطلق في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالحرز والتفرق. اهـ (2) .

9-

وقال المنقور في مجموعه:

قال الزركشي: والقبض فيه وجهان فإن كان مما ينقل فقبض المرتهن له أخذه من راهنه منقولا وإن كان مما لا ينقل كالدور والأرضين فقبضه تخلية راهن بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه بشيء. فقبض كل شيء بحسبه على ما جرت العادة فيه – إلى أن قال – وما عد ذلك كالدور والعقار والثمرة على الشجر ونحو ذلك التخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار أو يسلم إليه مفتاحها ونحو ذلك وإن كان فيها قماش للراهن ونحو ذلك في الدّكان ونحوها بأن يمشي إليها ويشاهد المرهون ليتحقق التمكن فيكون كالقبض. اهـ (3) .

ونصوص أهل العلم في ذلك أكثر من أن تحصر وهي في مجموعها تعطي القناعة على حصول الإجماع أو شبهه على أن حقيقة القبض مردها إلى العرف والعادة حيث إن علة اشتراط القبض هو التوثق من نفاذ العقد واستقرار الملك المبرر للتصرف. قال ابن القيم رحمه الله فيما نقله عنه الشيخ عبد الله بن بسام في كتابه " الاختيارات الجلية من المسائل الخلافية " ما نصه:

علة النهي عن البيع قبل القبض عجز المشتري عن تسلمه لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسمه لا سيما إذا كان المشتري قد ربح فأنه يسعى في رد المبيع إما بجحد أو احتيال في الفسخ. اهـ (4) .

(1) الدرر السنية: 5 / 47.

(2)

المقنع مع حاشيته: 2 / 62، 63.

(3)

الفواكه العديدة في المسائل المفيدة: 1 / 353.

(4)

الاختيارات الجلية من المسائل الخلافية: 3 / 43.

ص: 533

وهذا يعني ان المقصود من القبض تحقق بأي طريق من طرق العرف والعادة فإن ذلك الطريق يعتبر قبضًا وقد تقدم نقل النصوص من أقوال أهل العلم في تأييد ذلك.

وتأسيسًا على ما سبق ذكره يمكننا القول بأن الشيك قبضه قبض لمحتواه إذا كان مصدقًا أو في قوة التصديق وذلك بصدوره ممن تتوفر فيه الثقة والاطمئنان وسلامة التعامل التجاري ممن هو أمين على شرفه ومقامه وعلو سمعته. ويعتبر قبضًا لمحتواه في عملية المصارفة إذا كان مصدر الشيك يملك المبلغ المشمول بالشيك سواء في صناديقه المحلية أو في الصندوق المركزي في مقره الرئيسي وعلى التفصيل الوارد في الأحوال الست المتقدم ذكرها. وإتمامًا للفائدة واستئناسًا لهذه النتيجة فقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لراطبة العالم الإسلامي قرار في مسألة الشيك وأن قبضه قبض لمحتواه هذا نصه:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 فبراير 1989م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 فبراير 1989 وقد نظر في موضوع:

1-

صرف النقود في المصارف هل يستغنى فيه عن القبض بالشيك الذي يتسلمه مريد التحويل.

2-

هل يكتفي بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف؟ . وبعد البحث والدراسة قرر المجلس بالإجماع ما يلي:

أولا: يقوم تسليم الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.

ثانيًا: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين.

أسماء الأعضاء: اهـ.

هذا ما تيسر ذكره وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبد الله بن سليمان بن منيع

ص: 534

مراجع البحث

1-

القرآن الكريم.

2-

السنن الكبرى، للبيهقي.

3-

الأموال، لأبي عبيد.

4-

بدائع الصنائع، للكاساني.

5-

تبيين الحقائق، للزيلعي.

6-

المدونة الكبرى، لمالك.

7-

مقدمة ابن رشد.

8-

بداية المجتهد، لابن رشد.

9-

فتاوى عليش.

10-

مجمع النووي والتكملة، للسبكي.

11-

المغني والشرح الكبير ، لابن قدامة وابن أخيه.

12-

الإنصاف، للمرداوي.

13-

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

14-

المقنع لابن قدامة وحاشيته، للشيخ سليمان بن عبد الوهاب.

15-

الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، للمنقور.

16-

فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم.

17-

الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية، لابن بسام.

18-

الدرر السنية، لمجموعة من علماء نجد.

19-

الالتزام المصرفي في قوانين البلاد العربية، للدكتور أمين بدر.

20-

استبدال النقود والعملات، للدكتور علي السالوس.

21-

بحث في المعاملات المصرفية، للجنة الدائمة للبحوث، والإفتاء في المملكة العربية السعودية.

22-

تطور الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، للدكتور سامي حمود.

23-

أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي، رسالة جامعية، للدكتور ستر الجعيد.

24-

الموسوعة الفقهية الكويتية.

25-

موقف الشريعة من المصارف الإسلامية المعاصرة، للدكتور عبد السلام العبادي.

26-

النقود والمصارف، للدكتور عوض الكفراوي.

27-

نظرات في أحكام الشيك في تشريعات البلاد العربية، للدكتور محسن شفيق.

28-

نظام الأوراق التجارية السعودي مع مذكرته التفسيرية.

29-

عمليات البنوك من الوجهة القانونية، للدكتور علي عوض.

30-

المعاملات المصرفية والربوية، للدكتور نور الدين عتر.

ص: 535