الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص
إعداد
فضيلة حجة الإسلام محمد علي التسخيري
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
تحرير المسألة:
فهل يجوز شرعاً أن نزرع عضواً - كاليد مثلاً - استؤصل بحد أو قصاص لتعود إلى حالتها السابقة سليمة من أي نقص، وهو أمر ممكن؟
وهذه الحالة يمكن تصورها على أنحاء: منها إعادة نفس اليد المقطوعة، ومنها وضع يد أخرى من ميت آخر، ومنها أيضاً ترميم العضو المقتص منه بنقل قسم آخر من نفس البدن إليه.
وعلى أي حال فما هو الحكم الشرعي في الموضوع؟
ضرورة بحث المسألة:
ولا نرى صحة الغض عن هذه المسألة بحجة أن الحدود لا تطبق في كثير من البلاد الإسلامية، ذلك أن هذه المسألة ما دامت واقعة حتى في مورد واحد وجب علينا أن نستنبط حكمها الشرعي (وما من واقعة إلا ولله فيها حكم) ، فكيف بنا ونحن نواجه شوقاً إسلامياً عاماً لتطبيق الإسلام على كل مجالات الحياة، ومن أهم أجزاء النظام الإسلامي قانون العقوبات الإسلامية.
وبعد تقدم العلم لم يعد هذا الموضوع نادراً، بل أصبح أمراً عادياً، ومن هنا فمن الضروري بحث المسألة ومعرفة الرأي الشرعي فيها.
هل المسألة مستحدثة؟
يمكن القول بأن المسألة غير مستحدثة فقد تعرض لها بعض الفقهاء قديماً، بل لها جذور تطبيقية في عمر صدر الإسلام – كما سنرى – إلا أنها لما لم تكن حالة طبيعية متكررة نتيجة ضعف مستوى الطب فلم تشكل ظاهرة تستوجب البحث العلمي والفقهي فيها.. ونحن نشهد الإمام الشيخ الطوسي وهو من أئمة القرن الرابع الهجري ينقل قول الإمام الشافعي في موضوع مطالبة المجني عليه بقطع أذن الجاني بعد عمل هذا الأخير على إعادتها إلى محلها بعد أن اقتص منه بقطعها (1) ثم يرد عليه مستنداً إلى الإجماع، مما يكشف عن طرح المسألة آنذاك على بساط البحث!
(1) جواهر الكلام: 42/ 365.
وقبل بحث مسألتنا هذه يطرح بعض الفقهاء، مسألة أخرى وهي ما لو افترضنا قيام المجني عليه بإلصاق أذنه المقطوعة في جانبه حتى برئت، فهل له المطالبة بالقصاص أم لا؟
ويجيبون عادة ببقاء حق المطالبة، إذ أن وقوع الجريمة كان مقتضياً للعقاب وثبوت الحق بالمطالبة بالقصاص، والإلصاق الطارىء لا ينفي بقاء ذلك الحق.
ولسنا بهذا الصدد حتى نتبين الحق فيه فلنركز على موضوع المسألة إذن لنعرف ما هو الموقف؟
الأقوال المتصورة في المسألة ثلاثة، هي:
أولاً: المنع من إعادة العضو مطلقاً ولو أعيد قطعه الحاكم.
ثانياً: الجواز مطلقاً.
ثالثاً: التفصيل بين حقوق الآدميين فلا يجوز وحقوق الله فلا مانع فيها، وعلى هذا فتجب ملاحظة أدلة كل قول ثم اختيار القول الأقرب للقواعد الشرعية.
* القول الأول:
المنع المطلق من إعادة العضو المبان بحد أو قصاص، وقد استدل لهذا - أو يمكن أن يستدل له - بالأدلة التالية:
ا - إن في التجويز استدراكاً على حكم الشارع، وهذا لا يجوز.
2 -
إن المقطوع قد تمحض حقاً لله وليس للمقطوع منه فيه حق شرعي.
3 -
إن العضو المقطوع قد حكم الشرع بقطعه نتيجة جرمه وبالتالي فهو يفصل عن البدن أبداً.
4 -
إن الشارع حكم بحسم اليد المقطوعة لسد منافذ الدم وسكت عما وراءه مما يفيد الحصر إذا كان في مقام البيان.
5 -
إن إعادة اليد فيه تفويت لاستكمال الحد بعد أن حكم الشارع بتعليق اليد في عنق السارق.
6 -
إن فيه نقضاً للجزاء والنكال الوارد في حق السارق والسارقة.
7 -
كون القطعة المضافة من الميتة النجسة التي تمنع من صحة الصلاة، الأمر الذي يدعو الحاكم لإزالتها من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
8 -
فيه نفي للماثلة في الشين، وقد جاء في الرواية اعتباره، وهي على النحو التالي:
محمد بن الحسن الطوسي بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسين بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام : أن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً فرفع إلى علي عليه السلام ، فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه بدمه فالتحمت وبرئت، فعاد الآخر إلى علي عليه السلام ، فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت وقال عليه السلام :"إنما يكون القصاص من أجل الشين "(1)
9 -
الإجماع.
هذا مجمل الأقوال التي ذكرت أو يمكن أن تذكر في البين (2)
قال في جواهر الكلام:
وفي محكي الخلاف: إذا قطع أذنه قطعت أذنه فإن أخذ الجاني أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجني عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها. وقال الشافعي: ليس له ذلك، لكن وجب على الحاكم أن يجبره على قطعها، لأنه حامل نجاسة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وفي محكي المبسوط: "لو قال المجني عليه قد ألصق أذنه بعد أن اقتطعها أزيلوها روى أصحابنا أنها تزال ولم يعللوا ".
(1) وسائل الشيعة: 19/ 139 - 140.
(2)
راجع جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 42/ 365 - 366، وتحرير الوسيلة: 2/ 544 المسألة (19) ، ويحث الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد.
وفي التنقيح: "لا خلاف في جواز إزالتها، لكن اختلف في العلة فقيل ليتساويا في الشين، وقيل لكونه ميتة ويتفرع على الخلاف أنه لو لم يزلها الجاني ورضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني لكونه حامل نجاسة فلا تصح الصلاة مع ذلك"(1)
* ثانياً - أدلة القول بالجواز مطلقاً:
ويستند القائلون به - أو يمكن أن يستدل لهم - بأنه لم يثبت دليل على المنع فيبقى الأمر على إباحته حيث الأصل هو (الإباحة) .
ذلك أن الأمر الصادر بالإبانة قد تم امتثاله لأنه يتعلق بطبيعتها وتتحقق الطبيعة بامتثال أول حصة منها، وحينئذ يسقط الأمر، كما قرر ذلك الأصوليون - بحق - وبالنسبة للرواية ذكروا أن فيها ضعفاً في السند. يقول الإمام الخميني رحمه الله بهذا الصدد:"وفي الرواية ضعف"(2)
أما الإجماع فهو منقول وغير محصل ولا يكشف عن شيء.
وأما دليل النجاسة فهو منتف موضوعاً لاتصالها بالبدن الحي وصيرورتها حية. وعليه فقد أفتوا بعدم جواز إبانتها بعد وصلها إذا صارت حية.
يقول الإمام الخميني: "ولو صارت بالإلصاق حية كسائر الأعضاء لم تكن ميتة وتصح الصلاة معها، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها، بل لو أبانها شخص فعليه القصاص لو كان عن علم أو عمد وإلا فالدية) (3)
* ثالثاً - القول بالتفصيل بين حقوق الناس وحقوق الله:
وخلاصة الاستدلال لهذا القول أن الاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية وغيرها من أصول الاستدلال لا تمنع من القول بإعادة اليد بحجة مصادمتها للنصوص الشرعية، لأن إعمال النص قد تحقق بقطع اليد أو بالقصاص وما وراء ذلك يكون على أصل الإباحة.
(1) جواهر الكلام: 42/ 365.
(2)
يقول السيد الصدر في دروسه ص 122: "وإن الأمر لا يدل على المرة ولا على التكرار.. وإنما تلزم به الطبيعة والامتثال يتحقق بالفرد الأول خاصة".
(3)
تحرير الوسيلة: 42/ 544.
هذا ما يقوله العلامة الدكتور الزحيلي في بحثه القيم حول الموضوع والمقدم إلى المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، إلا أنه يستثني من ذلك ما لو تحول العلاج إلى ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين.
كما يستثني ما لو كان الحد من حقوق العباد وثبت بالشهادة إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وبدون ذلك ينتفي عنصر المماثلة ويؤدي ذلك إلى مفاسد لا تحمد عقباها، فالعلة في الاستثناء هو المنع من الضغائن.
وفيما عدا ذلك فالحكم هو الجواز، أما في حقوق العباد وقد تم الإثبات بالإقرار فإعادته إليه رجوع عن الإقرار.
وأما في حقوق الله كحد السرقة والحرابة فقد رجح الجواز لأن النص قد استوفى نصيبه ولا سلطان للحاكم بعد تنفيذ الحد، وقد تحققت أهدافه المادية والمعنوية ولا مانع من زراعة العضو من إنسان آخر كما قرر المجمع الفقهي ولأن التوبة تسقط الحدود في مذهب الحنابلة، ولأن في ذلك مصلحة ضرورية، ولأن حقوق الله مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة، وبعد ذلك لا مناص من الرجوع إلى عدالة الإسلام وسماحته.
تقويم الآراء والأدلة:
وإذا شئنا أن نقوم الآراء والأدلة السابقة وصولاً إلى الرأي الحق أمكننا بعد التأمل أن نلاحظ النقاط التالية:
* النقطة الأولى:
من الملاحظ أن بعض الأدلة التي سيقت من أنصار هذا الرأي أو ذاك هي أدلة استحسانية محضة ولا تنهض مطلقاً كدليل شرعي على الرأي وفقاً لقواعد الاستثناء، وهي من قبيل:
(1)
الاستدلال على المنع من إعادة العضو بأن هذا العمل استدراك عل حكم الشارع وهذا لا يجوز.
ذلك أن كونه استدراكاً واعتراضاً وإلغاء لحكم الشارع هو أول الكلام إن أريد منه معنى الإلغاء، أما لو أريد منه مجرد عدم الانسجام الأدبي مع الحكم الشرعي فهو مجرد استحسان لا دليل عليه.
(ب) الاستدلال على أن المقطوع لم يعد فيه مجال لحق المقطوع منه، فالقول فيه نفس القول السابق إذ يقال إن هذا هو المتنازع فيه أولاً ثم إن الوجد ان يبقي علاقة بينهما على أننا نتحدث لا عن الحق في العضو المقطوع وإنما نتحدث عن الإمكان الشرعي للإعادة والانتفاع الجديد به.
(ج) الاستدلال بأن العضو المقطوع تمت الجريمة به فيجب أن تكون عقوبته مؤبدة..
وهذا أيضاً لم نتحقق من المراد منه.
إذ أن المجرم الحقيقي هو الذات الإنسانية التي ارتكبت الجريمة، وقد تمت عقوبتها وتعذيبها بالقطع فما معنى ملاحقة العضو الذي لا حراك فيه بآثار الجريمة.
(د) الاستدلال على المنع بأنه يفوت استكمال الحد بعد حكم الشارع بتعليق اليد في عنق السارق.
فإن التعليق ليس بواجب أولاً، ثم إن الكلام يبقى بعد استكمال الحد فهل يجوز الرد من جديد؟
(هـ) الاستدلال على تخصيص حرمة الإعادة بحالة ما إذا كان القطع في حقوق العباد للقصاص بأننا لو سمحنا بالإعادة لثارت الضغائن.
فإن مجرد احتمال المفسدة لاً ينهض على المنع ثم هي حالة استثنائية يجب أن تعالج بعلاج قانوني مانع على أننا لا نستطيع أن نعمم هذا الحكم لكثير من الحالات التي لا نحتمل فيها ذلك.
ومن هنا فلا نستطيع الاستناد لهذا التعليل.
وخلاصة الأمر أن هذه لا تعدو كونها استحسانات لا تملك قدرة الدليل الشرعي.
* النقطة الثانية:
ولو تجاوزنا الاستحسانات فإن هناك استدلالات لها أهميتها من كل طرف يجب أن يتم تقويمها بدقة لنقف على القوي منها.
ا - منها: الاستدلال برواية إسحاق بن عمار، عن الصادق، عن الباقر (ع) ، على المنع، وهنا نقول:
أولاً: هذه الرواية إن صحت - سنداً ومتناً - فهي مختصة بحالة القصاص، ولا يمكن أن يستدل بها على المنع في الحدود، خصوصاً مع ملاحظة التعليل الوارد فيها:(إنما يكون القصاص من أجل الشين) .
ثانياً: اختلفت الأوصاف التي تطلق على الرواية المذكورة.
فقد وصفها صاحب جواهر الكلام بالحسنة والموثقة (1) ووصفها السيد الخوئي بالمعتبرة (2)
في حين ذكر الإمام الخميني أن في سندها ضعفاً (3)
فما هو الموقف الصحيح؟
إن هذه الرواية نقلت بسندين:
أحدهما: رواية التهذيب للشيخ الطوسي.
والثاني: رواية الشيخ الصدوق في (المقنع) .
أما رواية الشيخ الصدوق فهي مرسلة ولا اعتبار لها.
وأما رواية الشيخ الطوسي رحمه الله فسندها عل النحو التالي:
محمد بن الحسن (الطوسي) بإسناده عن محمد بن الحسن (الصفار) ، عن الحسن بن موسى (الخشاب) ، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام .
وعند دراسة السند هذا نجد ما يلي:
(أ) أن غياث بن كلوب لم ينص على وثاقته.
نعم ذكر الشيخ الطوسي في كتاب "العدة " أن الإمامية عملت بأخباره إن لم يكن لها معارض (4) وهذا يعني درجة من التشكيك بلا ريب.
وقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان"(5) غياث بن كلوب عن مطرف بن سمرة ضعفه الدارقطني وقال: له نسخة عن مطرف بن سمرة. وقال البيهقي: غياث هذا مجهول.
(1) جواهر الكلام: 42/ 365.
(2)
تكملة المنهاج: 2/161.
(3)
تحرير الوسيلة: 2/ 544.
(4)
نقلاً عن معجم رجال الحديث: 13/235.
(5)
لسان الميزان: 4/423.
(ب) عند مراجعة سند الشيخ الطوسي إلى الخشاب نجد الشيخ الطوسي يقول في فهرسته ص 171: "الحسن بن موسى الخشاب له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن موسى"(1)
وعن هذا السند يقول السيد الخوئي: (وطريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل وابن بطة) .
ومعنى هذا أن سند الشيخ الطوسي إلى الخشاب غير صحيح، فهل يمكن تصحيحه من طريق آخر بأن يقال: رغم ضعف هذا الطريق فإن هناك طرقاً صحيحة بين الشيخ الطوسي والراوي الذي يسبق الخشاب وهو العالم الكبير محمد بن الحسن الصفار، فيمكننا الاعتماد عليه محتملين أن الرواية نقلت من أحد تلك الطرق الصحيحة؟ إلا أننا نعتقد أنه ما دام احتمال نقل الرواية بالطريق الضعيف باقياً فلا يمكن الاعتماد على أنا نحتمل قوياً نقلها بالطريق الضعيف، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بالرواية.
2 -
ومنها: الاستدلال على المنع من إعادة اليد بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الحسم بعد القطع: ((اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه)) .
باعتبار أنه ليس ثمة بعد القطع إلا الحسم فحسب، ولذا فإن إعادة العضو استدراك على الشرع ولدى علماء الوصول (إن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر)(2)
ولسنا نرى أن المقام مقام بيان كل ما يترتب على القطع، وإنما المقام مقام المنع من نزيف الدم الذي يسري بالعقوبة إلى النفس فيقضي عليها، ومن هنا جاء الإرشاد النبوي الشريف بلزوم ايقاف النزف بالحسم.
3 -
ومنها: الاستدلال على المنع بأن فيه تفويتاً للنكال الوارد في الآية الشريفة:
{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا} ، أو المثلية في قوله تعالى:{فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ، أو القصاص في قوله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .
(1) نقلاً عن قاموس الرجال: 13/145.
(2)
الدكتور بكر عبد الله أبو زيد في بحثه حول الموضوع.
وهنا أيضاً نفول إن النكال هي العقوبة التي تكون عبرة للغير (1) وكفى في قطع الطرف من الجاني نكإلا ومثلية لما عمله وقصاصاً لذلك ولا دليل على العبرة المؤبدة وما أكثر العبر التي مرت لحظة ثم بقي خبرها عبرة للتاريخ.
4 -
ومنها: الاستناد إلى دليل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر باعتبار القطعة المبانة من الميتة فهي نجسة، وحملها يبطل الصلاة فيجب النهى عن المنكر.
وهذا الاستدلال واضح الوهن، إذ أن الموضوع هنا ينتفي إذ تعود هذه القطعة حية موصولة بالجسد ولا يشملها دليل الميتة.
يقول الإمام الخميني: "ولو صارت بالإلصاق حية كسائر الأعضاء لم تكن ميتة، وتصح الصلاة معها ".
ولو افترضنا بقاء النجاسة فإن حصول الضرر بإزالتها تسقط وجوب إزالتها في الصلاة، بل يقال إنها كالمحمول النجس، وهناك قول بعدم بطلان الصلاة بالمحمول النجس كما يقول صاحب الجواهر.
وعلى أي حال فهذا الدليل رغم استناد الكثير من العلماء إليه (2) ليس قوياً.
الإجماع:
حيث ذكر في التنقيح أنه (لا خلاف في جواز إزالتها، أي: القطعة المبانة الملصقة بعد ذلك، لكن اختلف في العلة) .
إلا أننا لم نتأكد أولاً من حصول هذا الإجماع خصوصاً مع وجود المخالفين له وعدم انطراح المسألة بشكل عام.
على أنه إجماع معلل تبقى أهميته بمستوى أهمية علته وقد درسنا العلل فلم نجدها تقوى على النهوض.
* النقطة الثالثة:
إن الأدلة التي ساقها الرأي التفصيلي، باستثناء ما قلناه وبعض الإيرادات الأخرى، يمكنها أن تنهض على جواز إعادة المقطوع في موارد حقوق الله وحقوق العباد الثابتة بالإقرار، وحينئذ فلو لم نقبل الجواز المطلق فإن القول بالتفصيل الذي ذكره الرأي الثالث هو المتعين ولا مجال للرأي الأول الذي يمنع من الإعادة مطلقاً.
والله تعالى أعلم.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري
(1) لسان العرب: 11/677.
(2)
نسب الشيخ الطوسي القول به للإمام الشافعي، وحكي عن الفاضل والحلي، وقال في المسالك: 2 /484 من الطبعة الحجرية: (إذا قطع أذن إنسان فألصقها المجني عليه في حرارة الدم فالتصقت لم يسقط القصاص ولا الدية على الجاني، لأن الحكم يتعلق بالإبانة، وقد وجدت لكن لا يصح صلاة الملصق حتى تبين ما ألصقه لأن الأذن المبانة صارت نجسة حيث إنها قطعة تحلها الحياة أبينت من حي. وهل للجاني طلب إزالتها لا لأجل ذلك (النجاسة) بل لتحقق المماثلة؟ قال المصنف وجماعة: نعم، والتعليل الأول أجود
…
فالإزالة من قبيل الأمر بالمعروف ولا اختصاص له به بل النظر في مثله إلى الحاكم) .