الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستفادة من الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجة
في التجارب العلمية وزراعة الأعضاء
إعداد
سعادة الدكتور مأمون الحاج علي إبراهيم
رئيس قسم أمراض النساء والولادة
بمستشفى الولادة – الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
غاية هذا البحث هي دراسة مدى إمكانية الاستفادة من الأجنة الفائضة عن الاستنبات أو المجهضة في التجارب العلمية أو أخذ أعضاء منها لزراعتها في الآخرين. سأتناول هذا الأمر بعون من الله في مقدمة ومبحث وخاتمة. مقدمة نعرف فيها معنى كلمتي الإجهاض والأجنة ثم ما حرمة هذه الأجنة الفائضة والمجهضة من الناحيتين الشرعية والطبية؟ ثم بعد ذلك نتناول موضوع الحاجة للتجارب العلمية والحاجة العلاجية لنقل الأعضاء من هذه الأجنة، ثم نخلص إلى خاتمة البحث بإيجاز.
كلمة إجهاض: كما وردت في معاجم اللغة أو كما استعملها الفقهاء هي إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة سواء كان من المرأة أو غيرها، وقد أطلق مجمع اللغة العربية كلمة إجهاض على خروج الجنين قبل الشهر الرابع وكلمة إسقاط على إلقائه ما بين الشهر الرابع والسابع، في هذا البحث نستخدم كلمة إجهاض بمعناها الطبي لتعني المعنيين المذكورين مع استثناء للجنين الذي تبدو عليه علامة من علامات الحياة أو ما دل على حياة في العرف والعادة من استهلال أو حركة أو سعال أو تنفس أو حركات غير ظاهرة كدقات القلب يثبتها أهل الخبرة من الأطباء والمتخصصين، فمثل هذا الجنين يكون مولوداً ناقص النمو فإن مات تجرى عليه أحكام الموتى ومنها ما تقتضيه الضرورة كالتشريح أو أخذ الأعضاء للنقل وهذا يحتاج إلى موافقة الوالدين، أما الإجهاض فحرمته أقل وعادة لا تحتاج إلى الموافقة لإجراء الفحص عليه. أرجو أن أشير هنا أنه في كثير من حالات الإجهاض نتحصل فقط على بقايا متفتتة من الأنسجة والخلايا لا تصلح للاستنبات ولا هي بالأعضاء الصالحة للنقل.
أما كلمة الأجنة: فتدل على الاستتار وتعني الاستتار داخل الرحم، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} (الآية. {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} الآية. ومنها الجن والجنون واستعمالنا لها في هذا البحث يكون استعمالا مجازياً لتشمل البييضات الملقحة في المختبر، وربما تكون كلمة بييضة ملقحة أو كلمة مضغة أكثر دقة وأرى أن من الضروري الإشارة إلى هذه المعاني عند كتابة التوصيات، وقد جاء في توصيات ندوة الرؤيا الإسلامية لبعض الممارسات الطبية أن البييضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع ولا احترام لها من قبل أن تنغرس في جدار الرحم وأنه لذلك لا يمنع إعدامها بأي وسيلة، وبناء على هذه التوصية نقوم الآن بإعدام هذه البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة أو الفاسدة، ونعتقد أن هنالك ضرورة لإجراء البحث العلمي عليها بدلاً من إعدامها ورميها لأن الضرورة في النهاية ضرورة علاجية ولأن البحث العلمي والعلاج أمران متلازمان ولابد أن يسبق البحث العلاج لتحديد نوع هذا العلاج ومدى الاستفادة منه وعدم الضرر من تناوله.
فما هي الحاجة لإجراء البحث العلمي على الأجنة المجهضة أو الفائضة؟:
* أولاً- الإجهاض:
نحن الأن نقوم بإجراء البحث عليه لمعرفة أسبابه والتي ربما تكون متعلقة بالعوامل الوراثية كقصور الجينات أو عدم انفصالها أو ناتجة من أحوال بيئية كالإصابة ببعض الأمراض في الشهور الأولى من الحمل أو التعرض للأشعة السينية أو المواد الكيميائية السامة وغير ذلك، وعادة ما يتم البحث بواسطة التشريح لبقايا الإجهاض أو استنبات بعض من خلاياه وإجراء الفحص المخبري عليها لتحديد مدى القصور ونوعه ولتلافي حدوثه إن أمكن في أحمال لاحقة. ويعرف طبياً أن التشوهات الخلقية أو الولادية هي السبب الرئيسي للإجهاض في الشهور الأولى للحمل، وقد اقتضت حكمة الحكيم الخبير التخلص من هذه الأجنة المشوهة في وقت باكر من الحمل.
* ثانياً- إجراء البحث على البييضات المخصبة الفائضة:
وهي كما تعلمون نتاج لتقنية الإخصاب خارج الرحم المتعارف عليها باسم طفل الأنبوب.
وأود أن أشير هنا إلى أنه لولا البحث العلمي الدؤوب والمتواصل في هذا المجال ما توصلنا إلى هذا الكشف العلمي الذي أصبح مفخرة للطب والذي استفاد ويسفيد منه الآلاف في بلادنا وغيرها من بلاد الله والذي يسر علاج حالات كثيرة من حالات العقم المستعصية وقبولنا بشرعية هذه الوسيلة العلاجية يعني إقرارنا لما سبقها من جهد وبحث وما حرم فعله حرم طلبه وما حرم أخذه حرم إعطاؤه. والبحث العلمي في البداية ركز على شيئين أساسيين:
أولهما: تطوير وإجادة هذه التقنية نفسها من إعطاء الهرمونات للزوجة وشفط للبييضات من المبيض ثم في المجال المخبري من تهيئة الوسط الكيميائي والحراري والغازي المطلوب ليتم التقاء الحيوان المنوي مع البييضة ثم الإخصاب والانشطار والنمو وبعد ذلك إرجاع البييضات المخصبة المنقسمة إلى رحم الأم.
ثانيهما: البحث للتأكد من سلامة الإخصاب وعدم حدوث التشوهات الخلقية. والضرورة العلمية لإجراء مثل هذه البحوث ما زالت قائمة وقد ذكرت هذا في بحث سابق وأوجزها الآن في ما يلي:
ا- إن نسبة النجاح في تقنية الإخصاب خارج الجسم مازالت متدنية وهي حوالي 15 % فقط من عدد المرضى تحت العلاج في معظم المراكز وإذا أردنا رفع هذه النسبة فلابد من إجراء البحث العلمي وعلى وجه الخصوص للتركيز على معرفة فشل البييضات المخصبة المعادة إلى داخل الرحم في العلوق ونسبة النجاح عالية في الخطوات السابقة وأعني بها تحفيز المبيض على التبييض ثم شفط البييضات وإخصابها. كما أننا نسعى لدراسة طرق حفظ البييضات أو البييضات المخصبة حتى يستفاد منها في دورات طمثية قادمة وهذا يتم بواسطة التجميد، ونود أن نجري البحوث اللازمة لنطمئن على أن هذه الفترة الطويلة من التجميد والتدفئة لم تحدث خللاً في هذه البييضات ربما يؤدي إلى تشوهات خلقية بعد إخصابها وقد أثبتت التجارب في الحيوانات المخبرية أن فرص الإخصاب بأكثر من حيوان منوي تزداد بعد تجميد البييضات وحفظها لمدة طويلة.
2-
البحث في العقم عند الذكور: وقد دلت الدراسات على أنه يشكل نسبة 25- 40 % من حالات العقم علما بأن نسبة العقم عند الزوجين قد تصل إلى 17 % ووسائل التشخيص المتاحة لمعرفة عقم الرجال غير دقيقة مقارنة بوسائل تشخيص عقم النساء، إذ أننا لا نستطيع حتى الآن أن نتبين على وجه الدقة ما يمنع بعض الحيوانات المنوية من التلقيح وما السبب أحياناً في اختراق أكثر من حيوان منوي للبييضة؟ وهذا في حالة حدوثه تصبح البييضة فاشلة فإن نمت فإنها تتحول إلى حمل عنقودي أو سرطاني وكلاهما يهدد حياة الأم. هنالك أيضاً حالات عقم الرجال الناتج عن قلة شديدة في عدد الحيوانات المنوية أو ضعف في حركتها وتجرى البحوث الآن لحقن هذه الحيوانات داخل البييضة بعد إحداث شرخ في جدارها، ويتم ذلك تحث المجهر لملاحظة الالتئام بين نواتي الحيوان المنوي والبييضة ثم تتبع النمو بعد ذلك
…
أود أن أشير إلى أنه في الدول الأخرى تعالج مثل هذه الحالات من عقم الرجال بوساطة التلقيح الصناعي من بنوك المني، وبما أن شرعنا لا يجيز التلقيح الصناعي من غير الزوج كما أن نسبة عقم الرجال عندنا عالية فإنني أرى أنه من الواجب إجراء مثل هذه الأبحاث وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3-
دراسة حالات الإجهاض المتكرر: وهنا نلاحظ أن الإجهاض المتكرر يعتبر من المشاكل الطبية المستعصية وقد يكون نتاجاً لقصور في جينات البييضة الملقحة التي تتحكم في عوامل النمو أو عوامل العلوق في جدار الرحم، لأننا أحياناً نشاهد تحت المجهر بييضات تتخصب ولكن بعضها ينمو نمواً غير طبيعي من البداية فتضمر وتنكمش وتتفتت وهنالك ضرورة في مثل هذه الحالات لإجراء البحث لمعرفة أسباب ذلك.
4-
دراسة الصفات الوراثية في حامض النوييك (DNA) في البييضة المخصبة لتشخيص الأمراض الوراثية لمحاولة علاجها في المستقبل وهنالك مثلاً بعض هذه الأمراض تصيب الذكور دون الإناث- والذي يحدث الآن هو أن تؤخذ بعض خلايا المشيمة خلال الشهور الأولى للحمل وتجرى عليها التحاليل، فإن دلت النتائج على وجود مرض وراثي تم إجهاض للجنين إن كان ذلك مباحاً - وأرى أن من الأفضل أن تؤخذ عينات من البييضات المخصبة وهي في المختبر ليتم استنباتها ثم تجرى عليها التحاليل لاستبعاد تلك التي يثبت فيها مرض وراثي ويعاد إلى رحم الأم تلك التي ليس بها مرض وراثي، أضف إلى ذلك أن الأمل معقود في المستقبل بإذن الله لمعرفة الجين المسؤول عن كل مرض وراثي وإصلاحه بما يسمى بالهندسة الجينية والتي أرى أن مجال أبحاثها سيتركز في البييضات المخصبة في المختبر قبل إعادتها إلى داخل الرحم.
5-
دراسة التشوهات الخلقية الناتجة من العوامل البيئية والتي ذكرت منها على سبيل المثال سابقاً الإصابة ببعض الأمراض أو التعرض للأشعة السينية أو المواد الكيميائية السامة أو عوامل أخرى كثيرة لا نعلمها والبحث في البييضات المخصبة قد يؤدي إلى معرفة هذه العوامل الكثيرة المجهولة فتنصح الحامل أو التي في نيتها الحمل بالابتعاد عنها.
هنالك مجالات أخرى متعددة يمكن الاستفادة منها من إجراء البحث على البييضات المخصبة الزائدة عن الحاجة كمجالات تحديد النسل وطرق منع العلوق ودراسة حالات الحمل المتعدد وطرق انقسام البييضة الملقحة التي ينتج منها الحمل التوأمي المطابق وغيرها.
أما الناحية العلاجية فتتركز إمكانية الاستفادة منها في المجالات الآتية:
ا- الأجنة المجهضة: وهي غالباً ما تكون متفتتة وغير صالحة للإفادة منها، كما ذكرت سابقاً، أما حالات الإجهاض المتقدم أو السقط فيمكن الاستفادة من بعض أعضائها ونقلها إلى حي، ونحن نعلم أن الفتوى الشرعية أجازت نقل أعضاء الميت إلى الحي وفي هذا إبقاء لها في استدامة الحياة لحي، وحيث إن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف فالأولى الأخذ من الجنين المجهض، وهذا ضرر أخف ويستفاد الآن من بعض أعضاء الأجنة المجهضة مثل غدة البنكرياس في علاج حالات مرض البول السكري والنقي العظمي في حالات سرطان الدم، ويلاحظ أنه لم تنجح حتى الآن عمليات نقل الأعضاء كالكلى والكبد والقلب لصغر حجمها.
2-
إمكانية الاستفادة العلاجية من البييضات المخصبة: وهي إن تركت في المختبر ولم تستنبت عادة لا تنمو لأكثر من خمسة إلى ستة أيام وعندها تبدأ الخلايا في الانقسام إلى خلايا مشيمية وخلايا جنينية، أما في اليوم الثاني عشر فتظهر خلايا الجهاز العصبي وخلايا الجهاز الدوري من قلب وأوعية دموية. وخلايا الجنين في هذه الأطوار ليست بها خاصية وجود المستضدات علما بأن المستضدات إن وضعت في جسم غريب أثارته لإنتاج الأضداد التي تقضي عليها. فخلايا الجنين في الأطوار الأولى لا ترفضها الأجسام وبالتالي يمكن أخذها بعد مرور أسبوعين أو ثلاث من إخصابها ونقلها إلى أطفال أو كبار يشكون من عاهات في أجسامهم على سبيل المثال حالات الشلل النصفي أو الشلل الرباعي الناتج عن وجود فجوة أو ثغرة في النخاع الشوكي يمكن معالجته بخلايا من الجهاز العصبي الجنيني فتنمو هذه الخلايا وتشكل ضفائر عصبية وتصبح جسراً يسد تلك الفجوة أو الثغرة.
وخلايا غدة البنكرياس للأطفال المصابين بمرض السكري وخلايا الكلى لمرضى الفشل الكلوي وكل هذه الآن في أطوار البحث والأمل معقود على نجاح هذه الأبحاث.
وفي الختام أرجو أن أخلص إلى مجالات الاستفادة من الأبحاث على الأجنة الفائضة والمجهضة كثيرة والفائدة العلاجية المرجوة منها كبيرة، ولا أرى فيما يبدو لي حرمة شرعية أو طبية أو عقلية تمنع مثل هذه الأبحاث، بل أرى أن من الواجب تشجيع مثل هذه الأبحاث والحث عليها وذلك لفائدتها الطبية.
وبالله التوفيق.
الدكتور مأمون الحاج إبراهيم