الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم زيادة السعر
في البيع بالنسيئة شرعًا
إعداد
فضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد
الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
من المعاملات الجارية في الأسواق أن يبيع شخص سلعة من السلع نقدًا بالسعر السائد في السوق، ويبيعها بسعر أعلى من هذا السعر مقابل تأجيل استيفاء الثمن، وذلك كأن يبيع شخص حاجة بمائة دينار نقدًا، ويبيعها بمائة وعشرين دينارًا نسيئة لمدة أربعة أشهر – مثلًا – أو بعدد من الأقساط، أي أنه يستوفي عشرين دينارًا أزيد من السعر السائد وقت البيع بسبب الأجل، فهذا الزائد من المبلغ الذي يتقاضاه بسبب تأخير الاستيفاء أو هو حلال أم حرام فيه شبهة الربا؟
أرى هذا الموضوع جديرًا بالبحث، لذا بدا لي أن أتناوله بالدراسة وأستعرض آراء الفقهاء حوله، وألُمَّ بأدلتهم في فصل، ثم أعقبه بفصل أبدي فيه ما يعن لي من اتجاه وترجيح.
والله أسأل التوفيق إلى ما فيه الصواب.
الفصل الأول
آراء الفقهاء
للفقهاء حول هذا الموضوع اتجاهان، اتجاه يرى جواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد، واتجاه يرى حرمة أخذ الزيادة، الاتجاه الأول هو اتجاه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، والاتجاه الثاني هو اتجاه بعض فقهاء السلف الآتي ذكرهم.
والجمهور الذين يرون جواز أخذ الزيادة بسبب تأخير استيفاء الثمن استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة والعقل، ففي مجال الاستدلال بالكتاب استشهدوا بقوله تعالى:
1-
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية 275] وقالوا: إنه سبحانه وتعالى ذكر البيع مطلقا غير مقيد، وهو بهذا الإطلاق يشمل البيع نقدًا والبيع نسيئة، فالبائع له أن يبيع بالنقد بسعر وبالنسيئة بسعر آخر أعلى، وهو في كلتا الحالتين بائع البيع الذي أحله الله، فالمحرم هو الربا، والبيع نسيئة بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد ليس بربا (1) .
2-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية 29]، وقالوا: الآية تدل على أن الربح الحاصل من التجارة عن التراضي بين المتبايعين ربح حلال، والربح الزائد الناجم عن البيع بالنسيئة الذي يرضى به الطرفان ربح ناتج من التجارة عن تراضٍ.
فالحرام هو أكل أموال الناس بالحيلة والغش والتدليس والغصب وما إلى هذه الأمور من المحرمات، وزيادة السعر في البيع بالنسيئة لا تنضوي تحت وجه من هذه الأوجه المحرمة.
وفي مجال الاستدلال بالسنّة قالوا:
ورد عن داود بن صالح المدني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما البيع عن تراض)) (2) ، فالحديث يدل على أن البيع والشراء منوطان برضا المتبايعين، فإذا تم الرضا بينهما وتم الإيجاب والقبول يكون البيع صحيحًا ويترتب عليه آثاره، فالبائع والمشتري في البيع بالنسيئة إذا اتفقا على سعر معين ومدة معينة لإيفاء الثمن يكون العقد صحيحًا وإن كان بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد.
(1) شرح فتح القدير: 5/218
(2)
راجع سنن ابن ماجه: 2/736، 737 جاء فيه نقلا عن مجمع الزوائد، أن إسناده صحيح ورجاله موثوقون، ورواه ابن حبان في صحيحه.
هذا وقد ورد فيما يتعلق بالموضوع ثلاثة أحاديث هي مدار النقاش، واختلف العلماء في المراد بها، فلابد من استعراضها قبل بيان الأدلة العقلية، وقبل الخلوص إلى الفصل الثاني المعد للمناقشة والترجيح، وهذه الأحاديث هي:
(أ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ((نهى عن بيعتين في بيعة)) (1) .
(ب) عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة)) (2) .
(ج) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا)) (3) .
فالحديث الأول ورد بشأنه عدة معان منها:
الأول: ورد عن الإمام الشافعي تفسيران: أحدهما: هو اشتراط بيع في بيع كأن يقول شخص لآخر بعتك هذا الفرس بألف دينار على أن تبيعني دارك بألفين، وثانيهما: هو كأن يقول بعتك هذا الشيء بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة (4) .
الثاني: قال ابن القيم في تهذيب السنن: هو أن يقول شخص لغيره بعتك هذه السلعة إلى سنة بمائة دينار على أن اشتريها منك بعد ذلك بثمانين دينارًا حالَّةً، وقال هذا هو معنى الحديث الوارد في البيعتين في بيعة، وهو الذي لا معنى له غيره، وهو مطابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((فله أوكسهما أو الربا)) فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي أو الثمن الأول فيكون أوكسهما، وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها ولا يستحق إلا رأس ماله (5) .
(1) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه راجع: نيل الأوطار 5/161 تحفة الأحوذي: 4/227.
(2)
رواه أحمد، انظر نيل الأوطار: 5/161، ورواه البزاز في مسنده، انظر شرح فتح القدر: 5/218.
(3)
رواه أبو داود، انظر عون المعبود: 9/332، نيل الأوطار: 5/161، التاج: 2/88.
(4)
تكملة المجموع: 9/338
(5)
عون المعبود: 9/334، الموسوعة الفقهية: 9/264، 265.
الثالث: قال الخطابي هو أن يشتري شخص من آخر صاع حنطة بدينار سلمًا إلى شهر وعندما يحل الأجل يطالب البائع المشتري بالحنطة، فيقول له المشتري بعني الصاع الذي لك علي بصاعين إلى شهرين، فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأول فيردان إلى أوكسهما وهو الأول (1) .
الرابع: فسره سماك راوي حديث ابن مسعود بأن يبيع رجل سلعة من السلع نقدًا بكذا ونسيئة بأكثر من سعر النقد، وهذا التفسير هو ما جنح إليه بعض السلف، وإن بين المتبايعان أحد الثمنين قبل الافتراق، كأن يقول شخص لآخر بعتك هذا الشيء نقدًا بعشرين دينارًا ونسيئة لمدة أربعة أشهر بخمسة وعشرين دينارًا، فيقول المشتري قبلته نسيئة بخمسة وعشرين دينارًا.
وهؤلاء قالوا بحرمة الزيادة في البيع بالنسيئة عن سعر يومها، منهم زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى (2)، وقال الصنعاني: علة النهي لزوم الربا عند من يمنع بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء (3) ، وقال الشيخ أمجد الزهاوي، رحمه الله: هو رأي بعض أهل الحديث، حيث يرون الزيادة اعتياضًا عن الأجل (4) .
الخامس: فسر أكثر العلماء الحديث بالتفسير السابق ولكن بافتراق المتبايعين على الإبهام بين السعرين، كأن يقول البائع بعتك هذه الحاجة نقدًا بألف دينار ونسيئة بألف ومائتي دينار لمدة سنة ويفترقان دون تحديد أحد البيعين وأحد السعرين، فهذا البيع فاسد عند جمهور الفقهاء لجهالة الثمن لا لحرمة البيع نسيئة بأعلى من سعر يومه، فقد نقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسالة مفروضة على أن المشتري قبل على الإبهام، أما لو قال قبلت بألف نقدًا أو قال قبلت بألف ومائتين نسيئة صح البيع (5) .
وفيما يلي أقوال لقسم من فقهاء المذاهب الذين نحوا هذا المنحى في توجيه الحديث ورأوا أنه على تقدير افتراق المتبايعين على الإبهام، لا في عدم جواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد.
(1) عون المعبود: 9/344.
(2)
نيل الأوطار: 5/162.
(3)
سبل السلام شرح بلوغ المرام: 3/20
(4)
الفتاوى الزهاوية: 2/17، جمع الشيخ حسن العاني.
(5)
نيل الأوطار: 5/162
قال محمود بن أحمد العيني شارح الهداية في الفقه الحنفي، قال الترمذي من بعض أهل العلم، أن يقول الرجل أبيعك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة وبعشرين ولا يفترقان على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما (1) .
قال الكاساني – وهو بصدد بيان البيوع الفاسدة – وكذا إذا قال: بعتك هذا الشيء بألف درهم إلى سنة أو بألف وخمسمائة درهم إلى سنتين لأن الثمن مجهول (2)
قال السرخسي، وإذا عقد العقد على أنه آجل كذا بكذا وبالنقد كذا بكذا فهو فاسد لم يعاطه على ثمن معلوم، وإن تراضيا بينهما وافترقا على ثمن معلوم فهو جائز (3) .
وقال الشيخ محمد عرفة المالكي: وكبيعتين في بيعة، أي أن يبيع السلعة بتًّا بعشرة نقدًا أو أكثر لأجَل، ويأخذ المشتري السلعة على السكوت ولم يعين أحد الأمرين ثم يختار أحدهما فهو ممنوع للجهل بالثمن حالَ البيع، فإن وقع البيع لا على الإلزام وإنما على الخيار فلا منع (4) .
وقال الشيخ عبد الرحمن الجزيري وهو يعبر عن رأي المالكية، ومنها – أي من البيوع الفاسدة – أن يبيع السلعة بيعًا باتًّا بعشرة نقدًا وبخمسة عشر لأجَل فيرضى المشتري ويأخذ السلعة في سكوت ثم يختار فإن البيع يقع فاسدًا ويسمى ذلك البيع (بيعتين في بيعة) . . وإنما منع للجهل بالثمن حالَ البيع (5) .
ومن مقررات الشافعية: قال الخطيب الشربيني: والثامن منها النهي عن بيعتين في بيعة، بأن يقول بعتك هذا بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة فخذ بأيهما شئت أو شئت (أنا) وهو باطل للجهالة (6) .
وقال أبو إسحاق الشيرازي: ولا يجوز بيعتان في بيعة لما روى أبو هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة)) ، فيحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بألف نقدًا أو بألفين نسيئة فلا يجوز للخبر ولأنه لم ينعقد على ثمن معلوم. وقال المرداوي من الحنابلة: وإن قال بعتك بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة لم يصح ما لم يتفرقا على أحدهما، وهو المذهب (7) .
(1) البناية شرح الهداية: 6/431.
(2)
بدائع الصنائع: 6/3041.
(3)
المبسوط: 13/8.
(4)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لأحمد الدردير: 3/58.
(5)
الفقه على المذاهب الأربعة: 2/243.
(6)
مغني المحتاج: 2/31.
(7)
المهذب: 1/267.
وقال ابن قدامة: وقد روي في تفسير بيعتين في بيعة وجه آخر، وهو أن يقول بعتك هذا بعشرة نقدًا وبخمسة عشر نسيئة، هكذا فسره مالك والثوري وإسحاق وهو باطل عند الجمهور، لأنه لم يجزم له ببيع واحد فأشبه ما لو قال: بعتك هذا وهذا ن ولأن الثمن مجهول (1) .
وقال صاحب التاج الشيخ منصور علي ناصف إن الحديث فيه للعلماء خلاف كثير. . ومنه أن يقول أبيعك هذا الثوب بعشرة نقدًا وبعشرين نسيئة ويفترقان بغير اختيار لإحدى البيعتين، وهذا باطل للجهل بما وقع عليه العقد، فإن اختار المشتري أحدهما صح على رأي الجمهور القائل بجواز البيع بأكثر من ثمن اليوم نظرًا للتأخير (2) .
أما ابن حزم الظاهري فيفسر الحديث بعده معانٍ منها البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر النقد، ويرى حرمته إذا يقول ما نصه: لا يحل بيعان في بيعة مثل أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهمًا. . ومثل أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدًا أو بثلاثة نسيئة. . . فهذا كله حرام مفسوخ أبدًا محكوم فيه بحكم الغصب، برهان ذلك ما رويناه من طريق ابن أصبغ. . . عن ابن عمر، قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة)) .
أما الحديث الثاني الذي رواه ابن مسعود، وهو ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفقتين في صفقة واحدة)) فقد فسره سماك – راوي الحديث – بما فسر به حديث النهي عن بيعتين في بيعة الذي مر معنا، أي أن يبيع رجل البيع فيقول هو بنسأ بكذا وهو بنقد بكذا وكذا، كما جاء في التفسير الملحق بنص الحديث الذي رواه الإمام أحمد كما تقدم (3) .
وفسره أبو عبيد القاسم بن سلام – أحد رواة الحديث – بأن يقول الرجل أبيعك نقدًا بكذا ونسيئة بكذا ويفترقان عليه – أي دون أن يفترقا على تحديد أي من السعرين (4) – وبهذا التفسير فسره شريك – أحد رواة الحديث أيضا – كما روى عنه أسود بن عامر (5) ، وهذا التفسير - هو تفسير أكثر العلماء لحديث النهي عن البيعتين في بيعة كما مر معنا.
(1) المغني: 4/177.
(2)
غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول بهامش التاج: 2/188، 189.
(3)
راجع نص الحديث.
(4)
شرح فتح القدير: 5/218.
(5)
البناية شرح الهداية: 6/431.
وفسره صاحب الهداية – من الحنفية – بما يكون فيه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، كأن يبيع شخص دارًا ويشترط أن يسكنها شهرًا أو أن يقرضه المشتري مقدارًا من المال لورود نهي خاص عن بعضها، وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف – أي قرض- ولأنه لو كانت الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن – بأن يعتبر لمسمى ثمنًا بإزاء المبيع وبإزاء أجرة الخدمة والسكنى – يكون إجارة في بيع وإن كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع – ثم قال – وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة (1) .
وذهب ابن الهمام إلى أن معنى هذا الحديث أعم من معنى حديث النهي عن بيعتين في بيعة، هو يشمل كل عقدين جمع بينهما في عقد واحد، أما حديث البيعتين فهو في خصوص من الصفقات وهو البيع (2) .
أما الحديث الثالث الذي رواه أبو داود المروي عن أبي هريرة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) ، قال الخطابي في معناه: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر الحديث، أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا شيئا يحكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد لما يتضمنه هذا العقد من التغرير والجهل، وقال: الرواية على الوجه الذي ذكره أبو داود يشبه أن يكون ذلك في حكومة في شيء بعينه، كأن يسلف شخص غيره دينارًا في قفيز بر إلى شهر، فإذا طالبه الأول بالبر عند حلول الأجل قال له الثاني: بعني القفيز الذي لك علي بقفيزين إلى شهرين، فهذا بيع ثانٍ وقد دخل في البيع الأول فصار بيعتين في بيعة فيرد إلى أوكسهما أي أنقصهما وهو الأصل، فإن تبايعا البيع الثاني قبل أن يتبايعا البيع الأول كانا مربيَّيْن.
وقد نقل هذا التفسير الإمام ابن الأثير في النهاية وابن رسلان في شرح السنن (3) .
أما ابن القيم فقد فسر الحديث والحديث السابق بما فسر به الحديث الأول الذي تم إيضاحه في الفقرة الثانية عند عرضنا آراء العلماء في معنى الحديث.
وقال: الحديث منزل على العينة بعينها، وقال: قال شيخنا: - يعني ابن تيمية – لأنه بيعان في بيع واحد فأوكسهما الثمن الحالّ، وإن أخذ بالأكثر وهو المؤجل أخذ الربا (4) .
(1) الهداية مع شرح فتح القدير: 5/217، 218.
(2)
شرح فتح القدير: 5/218، الموسوعة الفقهية: 6/226، 272
(3)
عون المعبود شرح سنن أبي داود: 9/332.
(4)
المصدر السابق: 9/337.
وأورد الشوكاني قول الخطابي الذي تقدم وعلق عليه وقال: ولا يخفى أن ما قاله – أي الأوزاعي – هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بأوكس يستلزم صحة البيع به (1) ، ثم قال إن الحديث مستمسك القائلين بحرمة بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء، ولكن في روايته مقال إذ في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد، إذا المشهور فيه هو الرواية الأخرى الخالية عن عبارة، فله أوكسهما أو الربا كما ذكر المنذري، وهو بهذه الرواية لا ممسك فيه على المدعى.
ثم قال: ولو سلمنا أن الرواية السابقة – رواية محمد بن عمرو بن علقمة – صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع فادحًا في الاستدلال بها على المتنازع فيه، لأن ابن رسلان فسره على الوجه الذي مر معنا، ومع ذلك فإن غاية ما فيها من الدلالة هو المنع من البيع إذا وقع البيع على صورة أن يقول البائع: هذه السلعة نقدًا بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة أيضا ولا يدل الحديث على ذلك (2) .
(1) نيل الأوطار: 5/161، 162.
(2)
نيل الأوطار: 5/161، 162.
أما في مجال الاستدلال بالعقل فقيل:
1-
إباحة بيع السلع نسيئة بسعر أعلى من سعر النقد تستدعيها الحاجة والمصلحة، ويقتضيها سير المعاملات في الأسواق، لأن البائع إن لم يملك البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر النقد لا يبيع سلعة لمن يحتاجها نسيئة بسعر النقد، وهذا من شأنه حصول الركود في حركة البيع والشراء في الأسواق، وتعذر حصول صاحب الحاجة الذي لا يملك النقد دائما على حاجته، ويقع بذلك في حرج وضيق.
2-
البائع إذ باع السلعة بالنقد فإن المبلغ الذي يقبضه يكون في حركة في الأسواق بالبيع والشراء، ويربح منه في كل صفقة مقدارًا معينًا من المال، أما إذا باعها بالنسيئة لمدة فإن مبلغ السلعة ينحبس خلال تلك المدة ولا يستفيد منه شيئا، ويحرم مما قد يأتيه من الربح فيما لو باع السلعة نقدًا وتاجر به، لذا فإن من حقه أن يحسب للأجل حسابه، فيزيد في السعر عند البيع بالنسيئة المقدار الذي يتفق عليه مع المشتري بعد ملاحظة مدة التأخير في استيفاء حقه.
3-
يجوز للبائع أن يبيع سلعة بأكثر من سعر اليوم بالنقد، فلم لا يجوز أن يبيعها بأكثر من سعر اليوم نسيئة؟ فإن جاز هذا الأمر في حال البيع نقدًا جاز في حال البيع نسيئة بطريق الأولى.
4-
السلعة لها منافع، وأسعارها تختلف باختلاف الأزمان والأوقات، فهي في زمن بسعر وفي زمن آخر بسعر، لذا من حق البائع أن يحتاط لنفسه ويبيع السلعة بالنسيئة بسعر أعلى من سعر النقد، إذ قد يرتفع سعرها في قابل الأيام، وحينما يحل موعد تسديد المبلغ الناشئ بذمة المشتري.
الفصل الثاني
المناقشة والترجيح
بعد أن استعرضنا رأي الجمهور في جواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد، وأشرنا إلى رأي بعض علماء السلف الذين لهم رأي معاكس لرأي الجمهور حيث ذهبوا إلى عدم الجواز، أقول: يبدو لي رجاحة قول القائلين بعدم الجواز، وما يحملني على الحيدان عن رأي الجمهور أمور منها ما يتعلق بأدلة الجمهور ومنها ما هو أدلة مستفادة من السنة، ومنها ما هو أدلة عقلية وإليك ما أروم قوله من أدلة ونقاش.
1-
إن الاستدلال بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} لا ينهض دليلًا لجواز زيادة السعر عن سعر اليوم في البيع بالنسيئة، لأن الآية جاءت لتقرير حلية البيع وعدم حرمته، وإباحة التجارة والكسب الحلال، والبيع هذا يلزم أن يكون خاليًا عن الاستغلال والجشع والطمع.
فالشخص الذي يشتري حاجة بالنسيئة بسعر أكثر من سعر النقد لو كان متمكنًا من شرائها بالنقد لما التمس باب النسيئة، ولوفر لنفسه ما يدفعه من الزيادة إلى البائع بسبب الأجل وتأخير دفع الثمن، أي أنه لو لم يكن مضطرًّا إلى شرائها بالنسيئة لما لجأ إلى هذا الوجه في الشراء وإنما اشتراها بالنقد.
والبائع عندما يبيع السلعة إلى طالبها بالنسيئة يدرك كل الإدراك حاجة الطالب إلى السلعة وعدم تمكنه من شرائها بالنقد وما لديه من دافع الاضطرار، فيعرض عليه الزيادة التي يرومها، وتزداد هذه الزيادة كلما بعد موعد الاستيفاء، أو زاد عدد الأقساط، لذا يحرم عليه هذه الزيادة التي تمليها حاجة واضطرار المشتري، إذ ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤثر بذلك، قال تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويبايع المضطرون، وقد ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك)) . (1) .
(1) رواه أبو داود، انظر عون المعبود: 9/235، ورقم الحديث (3366) .
ولفظ البيع هنا مثل لفظ الشراء من ألفاظ الأضداد، ويأتي أحدهما بمعنى الآخر (1) وبيع المضطر قد يكون في حال شرائه السلعة من غيره، وقد يكون في حال بيعه السلعة إلى غيره، فإذا احتاج إلى سلعة ولم يكن لديه من النقد ما يدفع به حاجته يدفعه الاضطرار إلى شرائه بالنسيئة بزيادة عن سعر النقد مقابل الأجل، وإذا احتاج إلى مبلغ من المال لتسديد دين وجب دفعه، أو لمعالجة مرض أصابه أو أصاب أحد أفراد أسرته، ولم يجد من يستدينه فإنه يلجأ بدافع الاضطرار إلى عرض سلعة يملكها للبيع، فيستغل شخص اضطراره فيشتريها منه بثمن أقل من قيمتها.
فبائع السلعة هنالك ومشتري السلعة هنا يشملان بالنهي الوارد في الحديث
أي على البائع أن لا يستغل حاجة المشتري فيأخذ أكثر عن سعر السوق بسبب الأجل ، وعلى المشتري هنا أيضًا أن لا يستغل اضطرار البائع فيبخس بضاعته وينقص من قيمتها
والنهي هنا للحرمة لا للكراهة كما هو الأصل فيه، إذ لا ينصرف إلى الكراهة إلا بصارف، وليس هنا أي صارف.
ولا عبرة هنا برضا المشتري عندما يقبل الشراء نسيئة بسعر أكثر من سعر النقد، كما لا عبرة برضا البائع الذي يبيع سلعته بأقل من قيمتها بدافع الضرورة، لأنه في كلتا الحالتين رضا يفسده ما يتقلب فيه كل من المشتري والبائع من الحاجة والاضطرار المفسدين لإرادته إن لم يكونا سالبين لها.
ولا عبرة أيضا بالخلاف في حرمة بيع المضطر وما يترتب عليه من الزيادة في السعر أو النقص منه بدليلين، الأول وجود صريح النهي عنه – وهو كما قلنا للحرمة لا للكراهة لعدم وجود صارف عنه – والثاني هو اقترانه بالنهي عن بيع الغرر المتفق على حرمته، وبالنهي عن بيع الثمرة قبل أن تدرك، الذي قال بحرمته الفقهاء.
ومما يذكر أيضا أن ابن القيم قال: للعينة (2) صورة رابعة، وهي أخت صورها، وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة.
وقال: وعلله شيخنا ابن تيمية رضي الله عنه بأنه يدخل في باب بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة (3) .
(1) المصباح المنير.
(2)
يأتينا معنى العينة
(3)
عون المعبود: 9/347.
وعليه إذا قلنا إن البيع بالنسيئة بزيادة السعر صورة من صور بيع العينة كان بيعًا مشوبًا بالربا يلزم على المسلم تجنبه، وإن قلنا إنه من بيع المضطر يلزم عدم الاقتراب منه وإلا كان واكسًا مخالطا رزقه بالحرام.
2-
الاستدلال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لجواز البيع بالنسيئة بسعر أكثر من سعر النقد هو أيضا غير وارد، إذا يقال هنا ما قلناه في الفقرة السابقة من الكلام، لا بل يمكن أن تنهض الآية حجة للقول بعدم الجواز، واعتبار الزيادة التي يتقاضاها البائع من المشتري داخلًا ضمن عموم النهي عن أكل الأموال بالباطل الوارد في الآية، لأن البيع إذا عد بيع عينة أو بيع اضطرار يكون بيعًا منهيًّا عنه، ويكون أخذ الزيادة بسبب الأجل أكلًا لأموال الناس بالباطل لا أكلًا من التجارة عن تراض.
فالتجارة عن تراض هي التقلب في الأسواق وشراء الحاجيات والبضائع وبيعها بالسعر السائد في الأسواق من غير احتيال أو غش أو تدليس أو خداع أو استغلال لحاجة البائع أو المشتري فالبيع بأكثر من سعر السوق إن كان دافعه اضطرار المشتري وحاجته لا يكون بيعًا عن تراض بالمعنى الحقيقي، وإنما هو بيع من البائع وشراء من المشتري يشوبهما الإكراه بسبب الاضطرار، لذا فإن البيع هنا يفقد المعنى الحقيقي للبيع عن تراض.
3-
أما الحديث: " إنما البيع عن تراض " فيلزم أن نفهمه على أساس ما تقدم من التوجيه والإيضاح، وهذا الأساس هو الوجه الداعي لتحريم الاحتكار، وهو العلة لما ورد من التوعد بشأن المحتكرين، فالمحتكر الذي ينفرد بخزن البضاعة ويضع يده عليها ولا يبيعها إلا عندما يضطر أهل الحاجة لشرائها بالسعر الذي يفرضه يستغل حاجة أصحاب الحاجة، فرضا أصحاب الحاجة بشراء البضاعة منه بالسعر الذي يفرضه لا يحل له ما يقبضه زائدًا عن سعر البضاعة الحقيقي، إذ لا عبرة برضائهم لأن اضطرارهم الناجم عن موقف المحتكر يكرههم على الشراء بالسعر المفروض.
4-
وجدنا أن أكثر الفقهاء قالوا إن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة هو بخصوص بيع البضاعة بقيمتين، إن كان نقدًا بسعر وإن كان نسيئة بسعر أعلى، ويأخذ المشتري البضاعة قبل الاتفاق على أحد السعرين، ويرون أن الحرمة الناشئة عن النهي ليس بسبب زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد، وإنما بسبب جهالة السعر.
وتوجيه الحديث على هذا النحو – كما يبدو لي – تحكم في معناه بما لا يدل عليه ظاهره، وتأويل بما لا يتحمله، فما الداعي إذن للانصراف عن المعنى الظاهر له؟ فظاهر الحديث، إذا قلنا إنه بخصوص البيع نقدًا بسعر ونسيئة بسعر – كما هو تفسير أكثر الفقهاء – يدل على النهي عن البيع بالنسيئة بسعر أعلى من سعر اليوم، ويدل على هذا المعنى دلالة ظاهرة حديث أبي هريرة المار معنا الذي نصه: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا: فهو يفيد أن البائع إذا باع حاجة نقدًا بسعر ونسيئة بسعر فله أوكس الثمنين من سعر البيع وسعر النسيئة، أي أقل الثمنين منهما، فإن أخذ أعلى السعرين يكون قد أربى وتحرم عليه الزيادة.
وما ذكره الشوكاني – كما مر معنا – بأن الحديث في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة قد تكلم فيه غير واحد (1) لا يوهن الحديث، فالذهبي قال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني شيخ مشهور حسن الحديث مكثر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قد أخرج له الشيخان متابعة. . . وقال أبو حاتم الرازي، صالح الحديث، وقال النسائي لا بأس به (2) .
فالحديث إذن صالح للاستدلال به، وهو مفسر وموضح للحديث السابق، ويفيد – كما قلنا – أن البائع إن حدد للمشتري في البيع بالنقد سعرًا وللنسيئة سعرًا فليس له إلا أقل السعرين وإلا يكون قد أربى.
ويعضد هذا الحديث ويقويه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن مسعود موقوفًا بلفظ: " الصفقة في الصفقتين ربا "(3) كما روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل صفقتان في صفقة)) (4) .
(1) نيل الأوطار: 5/161.
(2)
ميزان الاعتدال: 3/673.
(3)
مجمع الزوائد: 4/84.
(4)
المصدر السابق، نصب الراية 4/20.
لذلك نجد الشوكاني نفسه يقول: وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ تِلْكَ الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج. . . على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة، وهي أن يقول نقدًا بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة أيضا (1) .
ونجد السماك راوي حديث ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة)) ، يفسر الحديث ويقول، هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا وهو بنقد بكذا، وهو أحد تفسيري الشافعي فقال: بأن يقول بعتك بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة فخذ بأيهما شئت وشئت أنا ويقول الشوكاني هنا: أما التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه مستمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء (2) .
وما نقله ابن الرفعة عن القاضي – وقد مر معنا – أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام، أما لو قال قبلت بألف نقدًا أو ألفين بالنسيئة صح ذلك، فهو غير وارد كما يبدو لي لعدم وجود دليل على فرض المسألة على هذا الوجه في الحديث لا صراحة ولا دلالة، إذن فما الداعي إلى الإعراض عن ظاهر معنى الحديثين، واللجوء إلى التأويل بما هو بعيد عن الظاهر؟
وهذه الظاهر هو الذي حمل الإمام الأوزاعي ليصحح البيع بأوكس الثمنين في حال أخذ المشتري السلعة دون تحديد أحد الثمنين، ثمن السلعة نقدًا وثمنها نسيئة وهو ما قال به عطاء أيضا، لأن الحديث الثاني صريح في أن البائع له أوكس الثمنين (3) .
وقول الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بظاهر الحديث إلا ما حكي عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، هو محل نظر لأن بعض فقهاء السلف قالوا بظاهر الحديث وحرموا البيع نسيئة بالزيادة عن سعر اليوم – كما مر معنا -.
ثم لماذا يكون القول بظاهر الحديث قولًا فاسدًا، والأصل في معاني العبارات ظاهرها، ولا مساغ للانصراف عنه بالتأويل لإسباغ معنى آخر عليها إلا لداع، ولا داعي هنا؟
(1) نيل الأوطار: 5/162.
(2)
المصدر السابق: 5/161، 162.
(3)
فقه الإمام الأوزاعي: 2/188.
لذا وجدنا الشوكاني يقول: وما قاله – أي الأوزاعي – هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بأوكس يستلزم صحة البيع به كما مر معنا.
ومما يذكر هنا هو أن الأوزاعي عندما يخالف الجمهور في هذه الصورة، فهو يوافقهم في صورة اتجاههم بجواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة على السعر في البيع بالنقد إن افترق المتبايعان على أحد السعرين، كأن يقول البائع: بعتك الشيء نقدًا بعشرة دراهم ونسيئة لمدة كذا بخمسة عشر درهمًا، فيقول المشتري: قبلته نسيئة بخمسة عشر درهما (1) .
وما أقوله هنا، هو أنه كان الجدير بالأوزاعي أن يقرر في هذه الحالة أيضًا أن البائع ليس له إلا أوكس الثمنين، لأن هذا هو ظاهر الحديث الذي صرفه في الصورة الأولى عن رأي الجمهور، إذ ليس فيه التفريق بين صورتي البيع – الافتراق دون تحديد أحد الثمنين والافتراق على تحدي أحدهما – فالبيع بيعان في الحالتين، وصريح النص يقرر أن البائع ليس له إلا أوكس الثمنين أو الربا، ولا اعتبار برضا المشتري بزيادة الثمن في البيع بالنسيئة، لأنه رضا يشوبه الإكراه المعنوي الناجم عما يتقلب فيه من حاجة واضطرار.
وبعد ملاحظة ما تقدم يمكن القول إن البائع إذا باع بنقد بكذا أو بنسيئة بأكثر منه مقابل الأجل لا يحل له أخذ الزيادة وإن تم الاتفاق على سعر النسيئة قبل الافتراق.
وكذلك الأمر إذا باع البائع الحاجة وقال ابتداءً إنها نسيئة بكذا، وكان السعر أكثر من سعر اليوم، وإن لم يذكر أنها بالنقد بكذا، لأن العبرة هنا بالنية والقصد لا بالعبارات والألفاظ فصورتا البيع من حيث المال شيء واحد وتؤديان إلى نتيجة واحدة، وهي زيادة السعر مقابل الأجل، فالبائع عندما يقول السلعة نسيئة بكذا دون أن يقول إنها بالنقد بكذا، يقدر في كلامه القول إنها بالنقد بكذا ما دام السعر أعلى من سعر النقد بسبب الأجل، لذا يكون الحديث منطبقًا عليه ويسري عليه حكمه.
6-
أما الاستدلال للجواز بأن البائع بالنسيئة ينحبس ثمن بضاعته لدى المشتري لحين أدائه فيحرم بذلك من الاستفادة منه خلال مدة الأجل ولا يربح منه شيئا بعكس ما لو كان البيع بالنقد، فإن فائدته من المبلغ تتجدد وتزداد كلما اشترى به شيئا وباعه، لذا كان من حقه أن يزيد من قيمة البضاعة إن باعه نسيئة مقابل ما يفوته من الربح لو كان المبلغ تحت يده ويداوله بالبيع والشراء.
(1) المصدر السابق.
وهذه الحجة تبدو مقبولة في الظاهر ولكنها مرفوضة في الحقيقة لأنها لو كانت مقبولة للزم أن يجوز أخذ الزيادة عن مبلغ القرض عندما يقرض شخص غيره مبلغًا من المال لمدة معينة، لأن مبلغ القرض ينحبس أيضًا عند المقترض إلى حين الوفاء، ولا يستفيد المقرض منه شيئا، وأنه لولا هذه القرض لكان المبلغ في تداول بالتجارة ويدر ربحا، ولكن نجد أن الشارع ألغى هذه الفائدة وحرمها.
إذ ورد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقرض – أي أحدكم – فلا يأخذ هدية)) (1) .
وورد أيضا عن أبي بردة بن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي: إنك بأرض فيها الربا فاشٍ، فإذا كان لك على رجل حق فأدَّى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا (2) .
7-
الاحتجاج بالمصلحة والحاجة لإباحة ما نحن فيه من موضوع احتجاج ساقط عن الاعتبار، فالقائلون بإباحة الربا في المعاملات التجارية تمسكوا أيضا بذيل هذه الحجة الذي انقطع بهم إلى سحيق الهاوية.
فالمصلحة هنا من المصالح الملغية لا من المصالح المعتبرة كما هو الأمر في موضوع الربا، لأنها هنا وهنالك تؤدي إلى الاستغلال والجشع وتفاقم دوافع الطمع في النفوس، هذه الأمور المنهي عنها شرعًا بنصوص عدة.
لا بل يمكن القول إن المصلحة في خلاف هذا، أي إنها داعية للقول بعدم جواز البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد منعًا لاستغلال حاجة أصحاب الحاجة والإثراء على حسابهم، وليس في هذا إضرار بسير حركة البيع والشراء في الأسواق، كما ليس فيه تعطيل لحاجيات أصحاب الحاجة الذين لا يملكون شراء حاجياتهم نقدًا، لأن التاجر إن وجد انغلاق باب البيع نسيئة بسعر أعلى من سعر النقد يدفعه واقع تجارته وما يرجوه من الربح أن يبيع سلعة نسيئة ونقدًا بسعر واحد، وأن يبيع بالنسيئة كما يبيع بالنقد، لأن البيع بالنسيئة فيه ربح مثلما هو الحال في البيع بالنقد، وكل ما يحصل هو تأخير استيفاء الثمن بعض الوقت في البيع بالنسيئة، ولو امتنع عن البيع بالنسيئة لفوت على نفسه من الربح مبلغًا لو نظر بعيدًا لوجده شيئًا كثيرًا على مدار الأيام.
(1) رواه البخاري في تاريخه انظر نيل الأوطار: 5/245.
(2)
رواه البخاري المصدر السابق
فالتاجر الذكي هو الذي ينظر بعيدًا ولا يفوت على نفسه مثل هذا الربح، وكل ما يعمله هو أنه يحتاط فلا يبيع نسيئة إلا لمن يثق به، ويطمئن إلى صدقه في تعامله.
لذا نجد قسمًا كبيرًا من الباعة الذين ينظرون هذه النظرة البعيدة لا يتوانون عن البيع نسيئة بسعر النقد، ولا يعتمدون في توثيق ما يترتب على زبائنهم من الديون إلا على سجل بسيط يكتبون فيه اسم المدين ومقدار الدين المترتب عليه.
وثمة شيء آخر لابد من بيانه هو أن ديننا يأمرنا ببناء المجتمع على أساس من الحب والتآخي ومراعاة مصلحة الغير والأخذ بيد الضعيف وذوي الحاجة ومعاونتهم لا بناءً على الجشع والطمع وحب الذات، فأي مسلم هو هذا الذي يستغل حاجة صاحب الحاجة فيبيعه الشيء بأكثر من سعر السوق بسبب الأجل، فيزيد بذلك من حاجته ويرهق كاهله بعبء على عبء وثقل على ثقل؟ فأين التراحم الذي يأمرنا به ديننا؟ وأين يكون مكان هذا البائع من قوله صلى الله عليه وسلم ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) . (1)
8-
أما القول بجواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة قياسًا على جواز البيع بالنقد بأكثر من سعر اليوم فهو احتجاج واه، وذلك لأن المشتري بالنقد إما أن يعرف قيمة البضاعة في السوق أو لا يعرف، فإن كان يعرف ومع ذلك فإنه يشتريها من البائع بأكثر من سعر السوق مع وجود المجال لديه ليشتريها من غيره بسعر السوق، فهنا يعد البيع صحيحًا ويكون المشتري في حكم المتبرع بالزيادة التي يدفعها، أما إذا كان يجهل سعر السوق فالبيع يعتريه الغبن، والغبن لون من ألوان الغش، وهو حرام يجب على المسلم تجنبه.
(1) صحيح مسلم: 4/1999، تحقيق فؤاد عبد الباقي.
قال ابن العربي والقرطبي وآخرون، إن قوله تعالى:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن: الآية 9] ، يدل على عدم جواز الغبن في المعاملات. . . إذا هو من باب الخداع المحرم شرعًا في كل ملة (1) .
والفقهاء قسموا الغبن إلى قسمين قسم منه يسير يتسامح فيه عند جمهورهم، وذهب بعضهم إلى عدم التسامح فيه مهما كان يسيرًا، فالمرداوي من الحنابلة يقول: وظاهر كلام الخرقي أن الخيار يثبت بمجرد الغبن وإن قل (2) ، وابن حزم الظاهري قليل الغبن ويسيره لديه سواء، إذ يرى عدم حِلّ بيع شيء بأكثر مما يساوي ولا شراءه بأقل مما يساوي (3) .
أما الغبن الفاحش، فذهب قسم من الحنفية وقسم من المالكية والحنابلة في اتجاه وبعض فقهاء الزيدية والشيعة الإمامية والظاهرية إلى رد العقود به إن كان المغبون جاهلًا بالغبن سواء رافق العقد تغرير أم لا (4)
وحدد قسم من الحنفية الغبن الفاحش بنصف العشر في العروض (5) أي بزيادة خمسة بالمائة من سعر السوق، وحدده قسم منهم بما لا يدخل تحت تقويم المقومين، وذلك كأن يبيع البائع حاجة بمائة دينار، فيقومها بعض المقومين بتسعين دينارًا وبعضهم بأربعة وتسعين دينارًا وبعضهم بسبعة وتسعين دينارًا (6) ، وحدد بعض المالكية والزيدية الغبن الفاحش بثلث العشر (7) .
(1) مبدأ الرضا في العقود، للدكتور علي محيي الدين القره داغي: 2/736، وهو يشير إلى أحكام القرآن لابن العربي: 4/4، 18، تفسير القرطبي: 18/138.
(2)
المصدر السابق: 2/740، وهو يشير إلى الإنصاف في مسائل الخلاف: 4/395.
(3)
المصدر السابق، ويشير إلى المحلى: 9/454.
(4)
المصدر السابق، ويشير إلى البحر الرائق 6/125، التاج والإكليل: 4/468، 469، الإنصاف في مسائل الخلاف: 4/369، نيل الأوطار: 6/330، مفتاح الكرامة: 4/570، المحلى، 9/454.
(5)
مجلة الأحكام، المادة (165) .
(6)
مبدأ الرضا في العقود: 2/738، وهو يشير إلى حاشية ابن عابدين: 5/143.
(7)
المصدر السابق، وهو يشير إلى نيل الأوطار: 6/330 – ما ذكرناه حول الغبن ساقنا إليه الموضوع تبعًا، ومن أراد التفصيل فليراجع الجزء الثاني من كتاب مبدأ الرضا في العقود من صفحة 730 إلى 754.
9-
أما القول، إن أسعار السلع تختلف من وقت لآخر، والبائع نسيئة بسعر أعلى من سعر اليوم من حقه أن يحتاط لنفسه، إذ قد يرتفع سعر البضاعة المباعة نسيئة وقت حلول الوفاء بثمنها، فيبدو لي أيضًا أنه ليس فيه ممسك للقول بإباحة زيادة السعر في البيع بالنسيئة عن سعر البيع بالنقد.
نعم قد يرتفع سعر البضاعة المباعة نسيئة وقت حلول وقت دفع الثمن ارتفاعًا يزيد على السعر الذي تم به البيع، ولكن كما يمكن تصور هذا يمكن أيضا تصور عكسه، إذ قد يطرأ الهبوط على الأسعار، وينخفض سعر البضاعة بكثير عن سعر اليوم الذي تم فيه البيع، فكما يتصور ارتفاع الأسعار يمكن تصور انخفاضها أيضا، فلماذا يكون لدى البائع مجال الجشع الحامل له على تصور مصلحته وضمان ربحه الزائد فقط دون مصلحة المشتري؟ أيجوز له أن يصرفه الطمع عن ملاحظة ضيق ذات يد المشتري الذي يلجئه إلى الشراء بالنسيئة بسعر أعلى من سعر النقد، ويدفعه ليحمل نفسه عبئا ماليًّا أكثر مما عليه من عبء؟
10-
البيع بالنسيئة له شبه قوي بالقرض، فالقرض هو تمليك الشيء على أن يرد بدله (1) فما يتم إقراضه يصبح دينًا في ذمة المقترض يلزم رد مثله أو بدله عندما يحل وقت لزوم الرد والبيع بالنسيئة هو تمليك البضاعة على أن يرد بدلها عند حلول الأجل المتفق عليه، أي أن البدل، وهو المبلغ المتفق عليه يصبح دينًا في ذمة المشتري وعليه أداؤه حين حلول الوقت المتفق على الأداء فيه.
ففي القرض لا يكون المقترض ملزمًا إلا بدفع مثل القرض دون الزيادة عليه، لأن الزيادة عليه تكون ربا يحرم أخذها، إذ أخرج البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفًا ما نصه:" كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا " ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم، ورواه الحرق بن أبي سلمة من حديث علي رضي الله عنه بلفظ ((إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة)) . (2) والحديث هذا وإن كان في سنده مقال فإن لم يصح لفظه فهو صحيح المعنى يعضده الحديث السابق، والحديثان اللذان مرَّا معنا في الفقرة السادسة.
(1) شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين بهامش قليوبي وعميرة: 2/257.
(2)
نيل الأوطار: 5/246.
والبائع سلعة بالنسيئة ما قيمته مائة دينار بالنقد بمبلغ مقداره مائة وعشرون دينارًا أي بزيادة عشرين دينارًا عن القيمة الحقيقية للسلعة بسبب الأجل هو في حكم من أقرض مائة دينار بمائة وعشرين دينارًا بسبب الأجل.
وبتعبير آخر إن البائع بالنسيئة يملك المشتري البضاعة التي قيمتها مائة دينار بالنقد بمبلغ مائة وعشرين دينارًا بسبب الأجل، والنتيجة هي أنه ينشأ في ذمة المشتري قرض عبارة عن أصل القيمة الذي هو مائة دينار – الذي أصبح دينًا – مع نفع زيادة ناجم عن هذا القرض، الذي مبلغه عشرون دينارًا، فإنه لولا ترتب هذا الدين عن البضاعة التي قيمتها في الأصل مائة دينار لما انتفع البائع بعشرين دينارًا زيادة على أصل المائة كما هو الحال في القرض الذي يجر نفعًا.
وهذا مما يجب على المسلم تجنبه لأن فيه شبهة قوية من الربا، إذ للربا صور متعددة لا ينحصر فيما نص عليه صراحة، إذ يلحق به ما فيه شبهة منه وامتداد إليه بوجه من الوجوه ودلالة عليه.
فقد ورد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) (1) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم)) (2) .
وروي عنه أيضا أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الربا سبعون بابًا، والشرك مثل ذلك)) (3) .
(1) رواه الخمسة، انظر التاج: 2/176.
(2)
رواه الحاكم وصححه، انظر سبل السلام: 3/46، نيل الأوطار: 5/201.
(3)
رواه البزار، قال الهيثمي رجاله رجال الصحاح، ورواه ابن ماجه باختصار، انظر مجمع الزوائد: 4/117.
11-
إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يرون عدم جواز تعجيل الدين المؤجل مقابل التنازل عن بعضه (1) وذلك كأن يكون لرجل على غيره دين فيقول المدين له ضع عني بعضه حتى أعجل لك بقيته، وهو ما يعبر عنه بقاعدة (ضع وتعجل)(2) .
وقد روي أن رجلًا سأل ابن عمر فنهاه عنه، ولما سأله ثانية قال: إن هذا يريد أن أطعمه الربا (3) ، وروي عن زيد بن ثابت النهي عنه، قال الجصاص وهو قول عامة الفقهاء (4) .
والجمهور استدلوا على عدم الجواز بشيئين، أولهما أن ابن عمر سماه ربا، ومثل هذا لا يقال بالرأي، إذ لا أنه كان لديه دليل من الشرع على عدم الجواز، وثانيهما أن الزيادة المشروطة في قرض الجاهلية المحرمة كانت بدل الأجل، فأبطله الله تعالى وحرمه (5) أي يمتنع عن الأجل عوض وهنا عندما يتم الحط عن قسم من الدين مقابل الأجل الذي يتم تعجيله يتحقق معنى الربا المنصوص على تحريمه.
يقول المرغيناني وابن الهمام، التعجيل في مقابلة ما يتم حطه اعتياض عن الأجل وهو حرام (6) .
هذا ولا خلاف بين الفقهاء في عكس هذه الصورة، وهو عدم جواز الزيادة على الدين الحالّ مقابل تأجيله، وذلك كأن يحل موعد تسديد دين لشخص على آخر فيقول المدين أجلني مدة أربعة أشهر – مثلًا – أزيدك عشرة دنانير على المائة – قاعدة زد وتأجل – لأن العشرة هنا مقابل الأجل.
فإذا كان للأجل هذا الاعتبار، للتحريم فيما عرضناه من الصورتين فلم لا يكون له الاعتبار في المنع عند بيع شخص سلعة قيمتها ثمانون دينارًا نقدًا بثمن مقداره مائة دينار نسيئة لمدة خمسة أشهر – مثلًا – أليس الأجل هو السبب في هذه الزيادة؟ لا شك أن الجواب يكون بالإيجاب بدليل أن البائع يبيع السلعة نفسها إلى من يشتريها منه نقدًا بثمانين دينارًا لخلو بيعه من هذا الأجل.
(1) شرح فتح 7/43، قوانين الأحكام الشرعية: 278، المغني: 4/39، الغاية القصوى في دراية الفتوى: 1/520، تحفة المحتاج مع حاشية الشراوني وابن القاسم: 5/192.
(2)
قوانين الأحكام الشرعية: 278.
(3)
شرح فتح القدير: 7/42.
(4)
أحكام القرآن للجصاص: 1/467.
(5)
المصدر السابق.
(6)
الهداية مع شرح فتح القدير وشرح العناية: 7/42.
12-
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى حرمة بيع العينة (1) وذهب الشافعية إلى كراهته (2) .
وورد بشأن العينة معان أشهرها أن يبيع الرجل سلعة نسيئة بسعر زائد ثم يشتريها من المشتري بسعر أقل (3) قال ابن عابدين، اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النهي عنها، قال بعضهم: هي أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم – مثلًا – ولا يرغب هذا الآخر في الإقراض طمعًا في فضل لا يناله بالقرض، فيقول له أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهمًا، وقيمته في السوق عشرة، فيرضى طالب القرض ويأخذ الثوب ويبيعه بعشرة، فيحصل لرب الثوب درهمان زيادة على قيمة الثوب.
وقال بعضهم هو أن يدخل طالب القرض وصاحبه رجلًا ثالثًا بينهما، فيبيع الرجل الثوب إلى طالب القرض نسيئة باثني عشر درهمًا، وطالب القرض يأخذ الثوب ويبيعه إلى الرجل الثالث بعشرة دراهم، وهذا الأخير – الثالث – يبيعه إلى الأول بالمبلغ الذي اشتراه به، وهو عشرة دراهم، وهنا أيضا يترتب بذمه طالب القرض اثنا عشر درهمًا مقابل قيمة الثوب الذي هو عشرة دراهم، أي درهمان زيادة بسبب الأجل قال محمد بن حسن الشيباني: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا (4) .
وهنا يظهر لنا ممسك آخر للقول بعدم جواز زيادة السعر في البيع بالنسيئة على القيمة الحقيقية للشيء، فالذي حرم المعاملة في الأمثلة السابقة التي هي صور من بيع العينة يرجع في الحقيقة إلى هذه الزيادة، زيادة السعر عن القيمة للشيء بسبب الأجل، بدليل أن البائع إذا باع حاجة بمبلغ إلى شخص ثم اشتراه منه بالمبلغ نفسه دون نقص كان البيع بيعًا طبيعيًّا خاليًا عن شائبة الربا.
فالزيادة في السعر في بيع حاجة بسبب النسيئة تؤول في النهاية إلى قرض قيمة تلك الحاجة بتلك الزيادة بسبب الأجل، وهو يكون في حكم النفع الذي يسببه القرض، والذي هو ممنوع شرعًا كما مر معنا.
(1) نيل الأوطار: 5/220، الموسوعة الفقهية.
(2)
مغنى المحتاج: 2/39.
(3)
المصدر السابق.
(4)
حاشية رد المحتار: 5/273
13-
البيع بالنسيئة له مردود عكسي لما هو المفروض بين المسلمين من المحبة والألفة والتعاون، إذ يؤدي في كثير من الحالات إلى الكراهة والتنافر والتباغض بينهم المحرمة بنصوص كثيرة من الكتاب والسنة.
إننا نجد في بعض الأحيان شخصًا يحتاج إلى مبلغ من المال لايفاء دين حالّ واجب الدفع، أو معالجة نفسه من داء مؤذٍ أو معالجة أحد أفراد أسرته ولا يجد من يستدينه لحين اليسار، فيضطر إلى شراء سلعة بالنسيئة ليبيعها ويستعين بثمنها فيما هو فيه من حاجة، فيعرض أمره على بائع يعرف اضطراره فيبيعه السلعة بسعر مرتفع ارتفاعًا طرديًّا مع مدة الأجل.
فهنا ماذا يكون انطباع المشتري عن البائع؟ وعلى أية نفسية تنطوي عليها جوانحه، ألا يمتد إلى مسالك قلبه دواعي الكره والبغض نحو هذا البائع الذي استغل حاجته فباعه السلعة بأكثر من سعر السوق مقابل الأجل، بدل مساعدته ومد يد العون إليه وإقراضه ما يحتاجه من المال، أو بيعه السلعة بسعر السوق إن لم تطاوعه نفسه في الإقراض؟
إنه قد تدعوه هذه الكراهة إلى إيذائه بالمماطلة في تسديد الدين عند حلول الأجل لما وجد منه من الأنانية والطمع والجشع وتناسي معاني الأخوة التي تفرض التراحم والتواد والتعاون بينه وبين بني دينه.
هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى إن هذا البيع يشجع بعض من ليس لديهم من الوازع الديني، ما يمنعهم من الطمع في أموال الناس وأكلها بالباطل فيلتمسون هذه الوسيلة في الشراء فيشترون الحاجيات بالنسيئة وهم يصممون ابتداء على عدم الوفاء بما يترتب في ذمتهم من المبالغ لصحابها، فيؤدي الأمر بالنتيجة إلى المنازعة والخصام والعداوة وعرض الأمر من الخصام على المحاكم، وإلى ما يستتبعه هذا العرض من المتاعب الخاصة بالإجراءات القضائية من إشغال القضاة والترافع الذي قد يحتاج إلى عدة من الجلسات.
وتدعوني المناسبة أن اذكر أنني أعرض شخصًا كان لديه محل لبيع السيارات، ساقه الطمع للبيع بالنسيئة بسعر يطرد ارتفاعه مع طول مدة الأجل في كل بيع، فتوجه إليه أصحاب النفوس المستحلة للحرام، والذين يبطنون غير ما يظهرون فاشتروا منه ما لديه من السيارات التي بلغت قيمتها عشرات الآلاف من الدنانير خلال فترة وجيزة، وكلما حل موعد دفع الأقساط ماطل المشترون وسوفوا وادعوا الخسارة، ولم ينل منهم البائع إلا إعراض الوجه والابتعاد عنه، وأصبح بعد أن كان يملك هذه العشرات من آلاف الدنانير صفر اليدين لا يدري كيف يؤمن عيش عائلته اليومي؟
أعتقد أن ما ذكرته في هذه الفقرة من حصول المتاعب والكراهة والخصام والمنازعة بين المتبايعين يمكن أن يكون ممسكًا آخر للقول بحرمة البيع بالنسيئة بسعر أعلى من سعر البيع بالنقد، إذ أننا كثيرًا ما نجد الفقهاء يقولون بتحريم أمر من الأمور لا لذاته، وإنما لما يترتب عليه من النتائج السيئة من المخاصمة والمنازعة، ويرون عدم جوازه سدًّا للذريعة، لأن فتحها يؤدي إلى الإخلال بنظام المجتمع في جانب من جوانبه، وحياة الأفراد في وجه من وجوهها.
الدكتور نظام الدين عبد الحميد
المصادر والمراجع
1-
القرآن الكريم.
2-
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي الطبعة الأولى 1375هـ - 1956م.
3-
البناية شرح الهداية، لمحمود بن أحمد العيني الطبعة الأولى – نشر دار الفكر.
4-
أحكام القرآن، لأبي بكر الجصاص الطبعة المصورة على الطبعة الأولى.
5-
التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، للشيخ منصور علي ناصف الطبعة الثانية.
6-
الغاية القصوى في دراية الفتوى، لعبد الله بن عمر البيضاوي، الطبعة الأولى، تحقيق الدكتور علي محيي الدين القره داغي.
7-
المبسوط، للسرخسي الطبعة الأولى، طبع مطبعة دار السعادة.
8-
المحلى، لابن حزم طبع المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر.
9-
المصباح المنير، للفيومي.
10-
المغني، لابن قدامة تحقيق طه الزيني، الناشر مكتبة القاهرة 1389هـ - 1969م.
11-
المنتقى، لسليمان الباجي الطبعة الأولى المصورة، مطبعة السعادة.
12-
المهذب، لأبي إسحاق الشيرازي طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي.
13-
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف في الكويت، الطبعة الأولى.
14-
بدائع الصنائع، للكاساني طبع مطبعة الإمام بالقاهرة.
15-
تحفة الأحوذي، للحافظ عبد الرحمن المباركفوري المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
16-
تحفة المحتاج، لابن حجر الهيثمي، مع حاشية الشرواني وابن القاسم نشر دار صادر.
17-
حاشية البجيرمي على منهج الطلاب، لسليمان بن عمر بن محمد البجيرمي طبعت سنة 1369 هـ - 1950م.
18-
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد عرفة الدسوقي، والشرح لأحمد الدردير مطبعة الحلبي.
19-
حاشية رد المحتار، لابن عابدين الطبعة الثالثة، 1386 هـ- 1966 م، مطبعة الحلبي.
20-
سبل السلام، للصنعاني نشر محمد علي صبيح.
21-
شرح جلال الدين الملحي على منهاج الطالبين بهامش قليوبي وعميرة مطبعة دار إحياء الكتب العربية.
22-
شرح الخرشي على مختصر سيدى خليل نشر دار صادر.
23-
شرح فتح القدير، لابن الهمام الطبعة الأولى المصورة، سنة 1316 هـ.
24-
عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد شمس الحق العظيم آبادي – مع شرح ابن القيم الطبعة الثانية، 1388هـ - 1969 م.
25-
فقه الإمام الأوزاعي، للدكتور عبد الله الجبوري الطبعة الأولى.
26-
قوانين الأحكام الشرعية، لابن جزي طبعة دار العلم للملايين، سنة 1974 م.
27-
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، الطبعة الرابعة.
28-
مبدأ الرضا في العقود، للدكتور علي محيي الدين القره داغي، الطبعة الأولى.
29-
مغني المحتاج، للخطيب الشربيني نشر المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ.
30-
المجموع، للإمام النووي طبع مطبعة التضامن بمصر.
31-
مجمع الزوائد للهيثمي، لنور الدين بن أبي بكر الهيثمي الطبعة الثانية، نشر دار الكتاب العربي.
32-
ميزان الاعتدال، للذهبي طبع مطبعة البابي الحلبي.
33-
نصب الراية، للزيلعي نشر دار الكتاب العربي.
34-
نهاية المحتاج، لمحمد بن أبي العباس الرملي طبع سنة 1375 هـ - 1956 م، مطبعة الحلبي.
35-
نيل الأوطار، للشوكاني الطبعة الثالثة سنة 1380 هـ - 1961 م، مطبعة الحلبي.
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
في هذه الجلسة المسائية لدينا موضوع " بيع التقسيط " والعارض هو فضيلة الشيخ علي بن أحمد السالوس، والمقرر هو فضيلة الشيخ إبراهيم فاضل الدبو.
وقبل ذلك الشيخ وهبة الزحيلي لديه كلمة قصيرة.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
تفاديًا لما قد يترتب على بعض الفتاوى من إساءة استعمال الناس والعوام لها، وتمشيًّا مع ما التزمه هذا المجمع الكريم من البعد عن الربا وشبهاته والذرائع الموصلة إليه، والتزامًا بهذا الخط فإني أرجو أن لا ينص في شيء من قرارات هذه الدورة على إباحة شيء من الربا في حالات الضرورة، خلافًا لما كنت قلته هذا الصباح، وذلك تفاديًا للمشكلات، وليترك الأمر إلى كل مفت يعالج القضية بجزئياتها. . . دون تسفيه أو تخطئة لهذا الرأي في مذهب من المذاهب أو غير ذلك وبناء على هذا أرى أنه لا مانع من التأكيد على قرار المجمع في أن لا يكون مقابل الخدمات فيه شيء من التوسع حتى لا ينجر ذلك إلى الربا هذا شيء. وشيء آخر؛ هناك أمر خطير وهو أن فتوى صدرت للبنوك الإسلامية في اسطمبول، وبعض إخواننا هنا أفتوا بها وهو أن المدين المليء إذا لم يقم بتسديد ديونه لبنك إسلامي فللبنك أن يفرض عليه غرامات باسم غرامات المماطلة أخذًا بالحديث " مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته " وهنا أرجو أن تحذر البنوك الإسلامية من مثل هذه الفتوى التي كانت لأغلبية المشاركين هناك، فهي أخطر من مقابل الخدمات وتؤدي إلى الحكم بالربا الصريح باسم ما يسمى بالتعزير بالغرامات المالية.
شيء أخير: سمعنا صباحًا أن الاستصناع عقد غير ملزم عند الحنفية، وهذا صحيح في أصل المذهب، إلا أن ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية – وهو رأي الصاحبين – " أن الاستصناع ملزم " وشكرًا.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة أن كلمة الدكتور وهبة أثارت في النفس أشياء، ولكن لابد أن ندخل في هذا الموضوع دون رجوع إلى الوراء ما دام المجمع الموقر قد بحث هذا الموضوع لأنني أخشى أن يكون ما يسمى بأجور خدمات يختلط مع الفوائد المركبة التي تأخذها البنوك العقارية في أكثر الدول الإسلامية فوائد مركبة وليست فوائد بسيطة.
ثم نشرع في موضوعنا، البيع بالتقسيط من حيث المبدأ، بعض الإخوة الباحثين تحدثوا عن مشروعيته واستدلوا عليها ولكن فتوى المجمع بإباحة بيع المرابحة للآمر بالشراء بضوابطه الشرعية – وهو بيع بالتقسيط – فيه إباحة لبيع التقسيط، ولذلك لا نريد الخوض في هذا الموضوع مرة أخرى ما دمنا قد بحثناه من قبل واصدر المجمع الموقر رأيه فيه، ولكن الأمور التي تعرض لها الإخوة الباحثون مع بحثي أيضا هي نقاط لها أهميتها وتحتاج إلى أن يقول المجمع الموقر رأيه فيها.
النقطة الأولى: زيادة البيع الآجل عن الحالّ: مبدأ الزيادة ذهب جمهور الفقهاء إلى جوازه، وذهب أيضا جمهور الباحثين إلى جوازه، لكن أحد الإخوة الباحثين رأى أن هذا غير جائز حتى ولو لم يذكر النقد،أي ولو لم يكن نقدًا بكذا ونسيئة بكذا وإنما باع بيعة واحدة دون ذكر النقد وكان هذا البيع الآجل أكثر من البيع الحالّ، قال الأخ الباحث:" هذا غير جائز شرعًا خلافًا للجمهور" هو نفسه قال: " خلافًا للجمهور " وأخذ يبين الأدلة التي ذهب إليها، ولكن الأبحاث الأخرى فيها رد على الأخ الكريم الباحث، لأن هناك من الآثار ما يبين جواز البيع الآجل بثمن أكثر من البيع الحالّ من حيث المبدأ أما إذا ذكر النقد والنسيئة، هو بنقد بكذا وبنسيئة بكذا، هنا الإشكال، أيجوز هذا أم لا يجوز؟ فبعض الأخبار تبين أن هذا غير جائز، لكن الأبحاث الموجودة، بعد البحث والتمحيص وجمع الأخبار، بينت في معظمها أن المراد هنا – هو بنقد بكذا ونسيئة بكذا – أن ينصرف المتبايعان دون تحديد بيعة واحدة، ثم هناك من الأخبار، ما يبين أنه إذا اتفق الاثنان على بيعة واحدة نقدًا، أو نسيئة إلى شهر أو إلى شهرين أو إلى سنة، وإذا وقع البيع باتًّا في مجلس العقد دون الانصراف فإن هذا البيع جائز، الأبحاث التي بين أيدينا بأدلتها تبين هذا، ما عدا البحث الذي انفرد ببيان عدم جواز أن يكون البيع الآجل أعلى ثمنًا من البيع الحالّّ.
ومن النقاط التي أثيرت أن زيادة البيع الآجل عن البيع الحالّ قد تأخذ صورة ما وهي: أن يذكر أن الثمن هو كذا ويذكر في العقد أن فوائد التقسيط هي كذا، أي بدلًا من أن يقول: هي بنقد بخمسين، ونسيئة بستين، يقول: ثمنها خمسون وفوائد التقسيط عشرة إذا قلنا: هي بنقد بخمسين ونسيئة بستين، واستقر البيعان على ستين وقلنا: عند الجمهور هذا جائز، فإن القول بأنها بخمسين وفوائد التقسيط عشرة فإن هذا غير جائز، الفرق بين الصيغتين أنه في الصيغة الثانية حدد مبلغًا للزمن، ومعنى ذلك أن هذه الفوائد إذا تأخر فهي قابلة للزيادة وإذا تقدم فهي قابلة للنقصان، والثمن هو خمسون إذن لابد أن يكون الثمن محددًا، أما إذا ذكر النقد والفوائد فإن هذا، فيما نرى، غير جائز، والرأي للمجمع الموقر.
كذلك من النقاط التي أثيرت أن البيع بالتقسيط قد يتبعه كتابة الديون المقسطة في كمبيالات تخصم من بنك ربوي، وهذا يعني أن المشتري يخرج تعامله من التعامل مع البائع إلى التعامل مع البنك، فيصبح مع ذلك: الثمن والكمبيالات كلها يتعامل بها مع البنك، ولذلك إذا تأخر فهو ملتزم بدفع الفوائد التي ينص عليها القانون أيجوز هذا أم لا يجوز؟ لعله غير جائز.
كذلك من البيع بالتقسيط ما يتصل بالعينة، وهي معروفة بلا شك، والإخوة الباحثون الذين ذكروها بينوا عدم جوازها لأنها وسيلة للقرض الربوي، حيث إن البائع يبيع بالتقسيط بثمن أعلى ثم يشتري نقدًا بثمن أقل وهذا، للأسف، ينتشر في بعض البلاد، والإخوة الذين بحثوا الموضوع انتهوا في الغالب إلى أن هذا غير جائز، والواقع أن جمهور الفقهاء لا يجيزون هذا، والشافعية الذين أجازوه لم يجيزوه مع الإباحة، وإنما منهم من ذهب إلى الكراهة ومنهم من ذهب إلى التحريم إذا كان هناك اتفاق ومواطأة على التعامل الربوي، لأن الشافعية من منهجهم تصحيح العقود وإن كانت محرمة ما دامت قد استوفت الشروط، فيقولون مثلًا: التدليس حرام وإذا وقع البيع فالبيع صحيح، زواج التحليل حرام وإذا وقع فهو صحيح، بيع السلاح في الفتنة حرام وإذا وقع فالبيع صحيح، أي أنهم يرتبون الآثار على العقد بحسب الظواهر ويجعلون النيات يتعلق بها الحلال والحرام، فإذا كان العقد يؤدي إلى حرام فهو حرام، وإذا كان يؤدي إلى حلال فهو حلال، أما الظاهر فما دام العقد قد استوفى شروطه وأركانه فالعقد صحيح أي تنبني عليه آثاره بيع العنب لمن يتخذه خمرًا حرام لكنه عقد صحيح عند الشافعية لأنه قد يبيعه والآخر لا يصنع خمرًا، وهكذا.
أما التورق، فالفقهاء مختلفون فيه، وكثير منهم يذهب إلى الكراهة، والذين أباحوه أباحوه للضرورة بالنسبة للمشتري – بقصد التورق – بالنسبة للبائع هو لم يدخل في عملية الشراء مرة أخرى لأنه باع وانتهى العقد، والمشتري هو الذي كان يريد السلعة وإنما يريد الورق ولذلك فهو الذي باعها لبائع آخر نرجو أن يقول أن يقول المجمع الكريم كلمته في التورق، لأنه من الأمور التي شاعت في عصرنا حتى كادت في بعض الحالات تحل محل الربا.
والتورق هو أن يشتري بالتقسيط – من البائع – بثمن أعلى، وهو لا يريد السلعة وليس تاجرًا وإنما يريد النقود، ثم يأخذ السلعة ويعرضها للبيع نقدًا فاشتراها بخمسين بالتقسيط على سنتين – مثلًا - وباعها نقدًا بثلاثين، وتسلم الثلاثين، فهو لا يريد السلعة وإنما النقود. هذا هو التورق، أما لو عاد فباعها للبائع الأول نفسه فذلك هو العينة، وقد نقل هنا كلام شيخ الإسلام وكلام ابن القيم رحمهما الله تعالى في التورق والتغليظ في هذا وبيان أن هذا غير جائز.
من القضايا التي أثيرت: التأخر في دفع الأقساط من المشتري، من المعلوم أنه كان من ربا الجاهلية وأنه كان من ربا الديون، وربا الديون إما أن يكون ناشئًا عن دين لبيع آجل أو أن يكون ناشئًا عن قرض، والناشئ عن بيع آجل إذا تأخر المشتري عن الدفع تأتي القاعدة الجاهلية "إما أن تقضي وإما أن تربي". فاللجوء لهذا في عصرنا هو عود لربا الجاهلية مثل فوائد القروض والبنوك سواء بسواء. فإذا قلنا بتحريم هذه فكذلك فوائد التقسيط، أي يقال له: إذا تأخرت تفرض عليك كذا فوائد قانونية، فهذا هو ربا الجاهلية، ولكن النقطة التي أشار إليها الأستاذ الفاضل الدكتور وهبة الزحيلي هي مبحوثه في هذا البحث، لأن أكثر الباحثين طلب من المجمع الموقر بأن يعطي هذه النقطة الهامة حقها وأن يقف عندها لأنها خرجت من النظرية إلى التطبيق، ومن الفتوى إلى العمل، ولذلك فهي تحتاج إلى وقفة حتى يقول المجمع الموقر رأيه فيها، وهى: المدين المماطل، فالمدين المعسر لا شيء عليه {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، فالمدين المعسر لا خلاف أنه لا يطالب بالدين إلا متى أصبح موسرًا إنما المشكلة التي صادفت البنوك الإسلامية هي أن المدين موسر ومماطل، ويتعامل مع البنوك الربوية ولا يتأخر يومًا لأن الفوائد تحسب، ويتعامل مع البنوك الإسلامية ويتأخر ولا يدفع لأن البنوك الإسلامية تعتبر الفوائد حرامًا وهي من الربا فلا تحسبها ولا تأخذها، ولذلك فهو يماطلها.
وكان نتيجة لهذا تأخر مبالغ ضخمة وتعطلها عن الاستثمار، من هنا وجدنا بعض البنوك الإسلامية لجأت إلى أخذ المزيد من الضمانات لأنها لا تستطيع أن تزيد في الثمن، وبعض البنوك الأخرى استعملت فتوى صدرت واعتمدت ثلاثة أحاديث أساسًا:"مطل الغني ظلم"، " لَيُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته"، " لا ضرر ولا ضرار"، فقالوا:"مطل الغي ظلم" هذا أمر واضح، فما دام قد ثبت أنه مدين مليء مماطل فهو ظالم ولا بد أن يمنع هذا الظلم. وَلَيُّ الواجد يحل عرضه بأن يُشهَّر به وبظلمه، وعقوبته بأن يحبس مثلًا، والعقوبة ما دامت تعزيرية يمكن أن تتغير من عصر إلى عصر و" لا ضرر ولا ضرار " قالوا: مادام ثبت أنه وقع على البنك الإسلامي ضرر فلا بد أن يزال هذا الضرر. وانتهى هؤلاء إلى أن المدين المماطل لا بد أن يثبت، أولًا، أنه مماطل وأنه مليء، فإذا ثبت ذلك فلا بد أن يزال الضرر عن البنك. كيف يزال الضرر؟ قالوا: بالعقوبة التعزيرية. وكيف تكون العقوبة التعزيرية؟ ومن الذى يملك هذه العقوبة التعزيرية؟ هل البنك الإسلامي يملك هذه العقوبة؟ وإذا ملك العقوبة التعزيرية وقلنا بجواز العقوبة التعزيرية بالمال، فمن باب أولى أن يملك أي عقوبة تعزيرية أخرى، بالضرب مثلًا؟ . ثم من الذي يقدر العقوبة التعزيرية؟ من الذي يوقعها؟ بعضهم قال: نحسب للبنك الإسلامي في هذه الفترة مكسبه، وهذا المال حجز، فلو أنه دخل في الاستثمار لكان الربح مثل هذا، ولذلك نقدر مثل هذا المبلغ. ووجدنا بعض البنوك الإسلامية تلجأ إلى هذا، تلجأ إلى التأكد من أن هذا المدين موسر، أولا، ثم بعد التأكد من ذلك والإرسال إليه، تبدأ في حساب الأرباح التي كانت ستحقق في هذه الفترة، فترة المماطلة، وتضيفها إلى ثمن. وبعض البنوك الأخرى تنظر: إذا كان البيع بيع مرابحة فإنها تضيف تبعًا للربح المتفق عليه، وإذا كنا قد لا نجيز هذا فهناك ما هو أشد، إذ أن بعض البنوك للأسف الشديد، نتيجة أن الأعداد كبيرة ولا تستطيع أن تتابع، تلقائيًّا من تأخر يضاف عليه الأرباح التي تحققت، فتضاف على المبالغ، والآخرون الذين ماطلوا، بما أن البنوك الإسلامية ربحها أقل من الفوائد الربوية في كثير من الحالات، كأنهم قنعوا بهذا ورضوا. وبناءً على ذلك فإن العقوبة التعزيرية لم يتحقق الهدف منها، إذ حتى لو فرضنا أنه أجيز العقوبة التعزيرية فلها هدف، والهدف هنا لم يتحقق. لذلك أرجو أن تناقش هذه النقطة باستفاضة، وأن ننظر إلى الحل ما دمنا نقول إن هذا غير جائز، - وأظنه غير جائز - فلا بد أن نبحث عن حلول أخرى حتى نقدم ذلك إلى البنوك الإسلامية.
بعض البنوك الإسلامية لجأت إلى شيء آخر، وهي أنها تكتب في العقد بأن المشتري إذا تأخر في دفع قسط، وبعضها تكتب: إذا تأخر في دفع قسطين، فإن باقي الأقساط تحل قبل موعدها أهذا جائز أم غير جائز؟ نرجو أن يقول المجمع رأيه.
وبعض البنوك لجأت إلى التحكيم، أي أنها تذكر في العقد بأنه إذا تأخر وثبت أنه مدين مماطل فالبنك الإسلامي يختار محكمًا والمدين يختار محكمًا والمحكمان يختاران محكمًا ثالثًا والثلاثة ينظرون في القضية تبعًا لشريعة الله عز وجل.
من الأمور التي نوقشت أيضًا في الأبحاث المقدمة مسألة "ضع وتعجل" أي أن يقال للمدين ضع نسبة كذا من الدين وادفع قبل الموعد، أو أن يقول المدين للدائن: ضع نسبة كذا من دينك وتعجل وأنا أدفع لك قبل الموعد. أيجوز هذا أم لا يجوز؟ جمهور الفقهاء يقولون: إن هذا لا يجوز، ولكن هناك من يرى أن هذا جائز، وذكر في الأبحاث من الصحابة عبد الله بن عباس، وهناك أحد الإخوة الباحثين ذكر صحابيًّا آخر وهو زيد بن ثابت، ولكن هذا يحتاج إلى تثبت، ولكن جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة، وأحاديث على طبقة معينة من الصحابة والفقهاء ما وصلنا إلى ابن القيم بعد، ما أجازوا هذا، حجة الذين أجازوه هو ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود عندما أراد إخراجهم وقالوا: لنا ديون لم يحل أجلها، فقال لهم:((ضعوا وتعجلوا)) . هذا الحديث سنده غير صحيح، وأحد الإخوة الباحثين ذكر أنه جاء في سنن ابن ماجه وهذا أيضًا غير صحيح، وكثيرون تكلموا عن عدم صحة سند هذا الحديث وبينوه، وحتى لو صح هذا فهو حالة خاصة باليهود، ولكن وجدنا من الفقهاء من يقول بأنه إذا كان الدين من بيع روعي فيه الزمن – بيع مرابحة - وهو موجود عند الحنفية، وذكر في بعض الأبحاث، في هذه الحالة إذا تقدم الموعد وطالب صاحب الدين بدينه فلا بد أن يراعى هذا أيضًا، بحيث إنه إذا كان، مثلًا، أخذ 1 % شهريًا زيادة، وتقدم هذا خمسة أشهر فلا بد أن يرد هذا للمشتري ما دام قد أخذ هذا منه من قبل.
من النقاط التي نوقشت أيضًا، الاحتفاظ بملكية المبيع. الكثير من الإخوة الباحثين ذكروا هنا صورة الإيجار المنتهي بالتمليك، وفيه أحيانًا يكون نفس التمليك مع البيع. فهل يجوز أن يبيع البائع ويحتفظ بملكية المبيع؟ وأول الآثار المترتبة على البيع انتقال الملكية، مسألة الرهن، نعم، يعني لو رهن المبيع – لأنه لم يقدم رهنًا آخر- فإن هذا الرهن يتنافى مع مقتضى العقد، ولكن إذا لم يقدم رهنًا آخر – ولا بد من ضمانات – فيمكن أن يرهن، وفرق بين الرهن وبين الاحتفاظ بالملكية، ومن النقاط التي عولجت في الأبحاث، أيضًا، أثر الموت في حلول الأجل: بعض الباحثين رأى أنه إذا مات المشتري فإن الدين يحل ويؤخذ قبل توزيع التركة، ولكن هناك رأي آخر في الأبحاث يقول بأن هذا الدين ليس قرضًا وإنما هو دين ناتج عن بيع آجل، وإذا كنا رأينا أن البيع الآجل يجوز فيه الزيادة في الثمن فمعنى هذا أن الدين لو أن المبيع كان في هذا الموعد ما كان بهذا الثمن. فهو حق للورثة، وحق البائع هو أن يضمن الدين، فإذا قدم الروثة رهنًا أو أي عقد من عقود الاستيثاق التي يقبلها البائع إلى أن يحل الدين، فهذا من حقهم. هذه النقطة خلافية ولكن لعل المجمع يقول رأيه فيها لأننا نرى، فعلًا، أن الأخذ برأي "الدين يحل بالموت" قد يكون فيه ظلم للورثة، لأن هذا الدين لشيء آجل لم يأت موعده وروعي في الأجل زيادة الثمن.
هذه هي أهم النقاط التي تناولها الإخوة الباحثون، ويبقى هنا رجاء للأخ الدكتور رفيق المصري، فإن بحثه القيم المستفيض، في ثناياه بعض عبارات فيها تجريح لبعض الأئمة والفقهاء، لذلك أرجو أن يعيد النظر في بحثه وأن يحذف هذه العبارات فمثلًا يقول في صفحة 35 من بحثه عن الشيخ أبو زهرة:"وهذه الحجة ضعيفة جدًّا، وصاحبها لا يعرف معنى التحليل العلمي الرشيد ولا كيف تبنى الفروض والنظريات والقوانين العلمية سواء كان هذا التحليل في ميدان الفقة أو في ميدان آخر من ميادين المعرفة والعلم". ويقول، أيضًا، عن الشيخ أبو زهرة رحمه الله:"ولئن سمعنا مثل هذه الحجج ممن يعرف الفقه دون الاقتصاد فمن العجب أن نسمعها أيضًا، على سبيل الترداد، ممن يعرف الاقتصاد، ومن الأعجب أن نسمعها ممن يعرف الاقتصاد والفقه معًا، كما أنني أشك في أن يكون صاحب هذه الحجة فقيهًا مشاركًا". كان، رحمه الله، فقيه العصر ولم يكن فقيهًا فقط. فأرجو من الأستاذ رفيق، مع تقديري لبحثه، أن يعيد النظر فيه ويحذف مثل هذه العبارات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرئيس:
شكرًا، أريد أن أسألكم سؤالًا، يا شيخ علي السالوس: إذا قال رب السلعة: هذه السلعة بمائة حاضرًا وبمائة وخمسين مؤجلًا، ثم تم العقد على البيع المؤجل في نفس المجلس، وعلى أجل محدد هذا جائز عند الجمهور على ما ذكرتم، هذه هي الصورة الجائزة.
الدكتور علي أحمد السالوس:
نعم، عند الجمهور.
الرئيس:
فإذا قال: هي بمائة حاضرًا، وإن تأجل لمدة عام فهناك خمسون مقابل الأجل أنتم ذكرتم أنها لا تجوز أليس كذلك؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
نعم.
الرئيس:
هل من فرق حقيقي بين الصورتين؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
نعم، لأن الأول بيع باتّ، والثمن غير قابل للزيادة أو النقصان، والثاني ارتبط بالزمن فلو تأخر سنة لزاد خمسين. . .
الرئيس:
لا، هو بيع باتّ هو في نفس المجلس.
الدكتور علي أحمد السالوس:
الصورة التي ذكرتها ليست باتّة.
الرئيس:
لا، أنتم أطلقتم وما قيدتم، هو في نفس المجلس والأجل محدد والزيادة مبنية، لكن أنتم فرقتم بين أن يقول: بمائة عاجلًا، وبمائة وخمسين آجلًا؛ وبين أن يقول: هو بمائة عاجلًا، وإن أردت آجلًا فهو بزيادة خمسين، مقابل الأجل وهذا فرق صوري بين الصيغتين حسبما فهمت من كلامكم.
الدكتور علي أحمد السالوس:
الثمن خمسون وفوائد التأخير عشرة.
الرئيس:
نعم، وهي لمدة عام، ثم انفض المجلس وتفرق المتعاقدان وقد اتفقا على التأجيل ألا ترون جواز هذه الصورة؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
أرى عدم جوازها.
الرئيس:
إذن، فما هو الفرق الحقيقي بين الصورتين؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
الفرق أن العشرة مرتبطة بالزمن، فإذا زاد الموعد عن سنة فمن حق البائع أن يأخذ زيادة، وفي الحالة الأولى لا يملك أن يأخذ زيادة.
الرئيس:
هي نفس الصورة: مائة وخمسون، فالخمسون مرتبطة بالزمن، وأنا أردت أن أثيرها، ونقاش المشائخ أمامها، السؤال الثاني: الخصم البنكي للكمبيالات أو القطع ألا ينضوي تحت " ضع وتعجل "؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
لا ينضوي تحت " ضع وتعجل "، وقد بينت هذا بالتفضيل فعلًا:" ضع وتعجل " بين الدائن والمدين، والذي يضع هو الدائن، أما في الخصم فهو بين البنك وطالب الخصم ولا علاقة بينهما، فلما بدأت العلاقة أصبح البنك هو الدائن وطالب الخصم هو المدين، فالمدين هنا هو الذي يتحمل هذه الزيادة.
الرئيس:
لكن كل واحد من أطراف العقد منتفع.
الدكتور علي أحمد السالوس:
هذا لو كان بين محرر الكمبيالة والمستفيد منها، فلو كان بينهما لكان يمكن إدراجها ضمن " ضع وتعجل " ولكن البنك ليس طرفًا في الموضوع، ثم هنا البنك زاد مقابل الزمن ولم يضع لأن البنك ليس مدينًا لطالب الخصم بل هو دائن.
الرئيس:
لكن من هم المستفيدون من الخصم البنكي، ألا تنسحب الاستفادة على الأطراف الثلاثة؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
الاستفادة للبنك.
الرئيس:
والطرفان ألا يستفيدان؟
الدكتور علي أحمد السالوس:
لا، لا: يستفيدان بالقبض.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
تعجلت لأخذ الكلمة لا للمناقشة، ولكن لأنه حصل لي من متابعة كلمة الشيخ السالوس أن الصور المعروضة للنقاش سبع فإذا ما رأت الرئاسة أن تتفضل بتوزيع البحث لكل نقطة على حدة حتى نستطيع أن نخلص من كل نقطة على انفراد، لأنها نقط متمايزة وليست متحدة.
الرئيس:
ما تفضل به الشيخ المختار وجيه جدًّا وكان قد وقع في النفس، وهي نقاط مهمة لابد أن يبتّ فيها على التفضيل، سواء في هذه الدورة حسب الإمكان أو في دورات لاحقة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
المواضيع هي: (1) زيادة البيع الآجل على البيع الحال مع التنصيص على الفوائد، (2) بيع العينة، (3) التورق، (4) الزيادة لعدم السداد عند البنوك، (5) التنصيص على أنه إذا حل الأجل لقسط ولم يدفع حلت بقية الأقساط، (6) ضع وتعجل، (7) الاحتفاظ بملكية المبيع، (8) تأثير الموت في حلول الدين فهي نقاط ثمانية حسبما قيدته، فإذا كانت هناك نقطة أخرى، فلنأخذها واحدة واحدة.
الرئيس:
هي ثلاث عشرة نقطة في بحث الشيخ السالوس.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لأن القضايا المتفق عليها لم أجعلها محل خلاف، فمثلًا ذكر ثمن البيع نقدًا ونسيئة ليس محل خلاف، المهم هو أن توزع هذه النقاط، والشيخ السالوس بوصفه صاحب الدراسة أولى بذلك.
الرئيس:
المهم الآن أن نسير في خط واحد، ولنأخذ هذه القضايا الثلاث عشرة واحدة واحدة ونخصص لكل واحدة زمنًا معينًا فنأخذ النقطة الأولى وهي بيع التقسيط يعني إذا ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه نسيئة، وهي وإن كان رأي الجمهور فيها واضحًا لكن لا مانع من أن نخصص لها ولو عشرين دقيقة.
الدكتور عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم
مع شكري للشيخ السالوس على بحثه وعرضه ربما فاته أن يقرأ بحثي المتواضع الذي تقدمت به وفيه نقطة تجاوزها، وما أدري ما هو السبب في ذلك؟ وهي قضية استحسان فصل مجلس السوم عن مجلس الشراء، وهذا جعلته ضابطًا من باب تحري عدم الوقوع في الربا، ولو لم يره الجمهور، من باب التحوط لدين الله عز وجل، ولو كان الانصراف حكمًا أي أن المفارقة لم تكن بدنية وكانت حكمية في تغيير الحديث مثلًا فهذه نقطة أثرتها وما أدري ما هو القول في ذلك؟
الرئيس:
لكن الآية {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} لا أن يحرم البيع.
الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:
يعني خروجًا من شبهة الربا.
الرئيس:
يخشى في الحالات أن يصل الناس إلى مقلوب الآية، وبحثكم قد أجاب عن هذه النقطة بعينها، فهل لأحد الحاضرين نقاش فيها؟
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة لجواز أن يكون ثمن البيع نقدًا زائدًا على الثمن نسيئة فهذا مذهب الجمهور فيه هو الراجح وليس فيه ملاحظة، ولكن البيع بالتقسيط – محل بحثنا – إنما نبحثه كبديل، تتخذه المصارف الإسلامية، عن المعاملات الربوية، وما أؤكده هو أنه ليس بديلًا مثاليًّا للمصارف الإسلامية، إنما البديل المثالي والحقيقي هو المشاركة والمضاربة، فالذي ينبغي التنبيه عليه في قرار المجمع أنه وإن كانت هذه المعاملة جائزة في نفسها، ولكن اتخاذها كبديل مستقل دون لجوء المصارف الإسلامية إلى المشاركة والمضاربة وتبني سائر معاملاتها على هذا الأساس، فإن هذا مما يبعد المصارف الإسلامية عن مقصدها الحقيقي وهو إحداث مشاركات ومضاربات من شأنها التأثير على توزيع الثروة العادل فينبغي، عندما تقول بجواز مثل هذا البيع، أن نؤكد على عدم اتخاذه بديلًا مستقلًا من طرف المصارف الإسلامية وإنما يتخذ كخطوة مرحلية.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
النقطة الأولى غير واضحة في تحديد المطلوب وهي ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه نسيئة وربما يكون من الأولى أن يصدر المجلس القرار في هذه النقطة بعد تحريرها هكذا: " الزيادة في الثمن المؤجل أو المقسط على الثمن الحال " لأن هذا هو الموضوع الذي نريد أن نصدر فيه الفتوى، أما لو تركناها بصيغتها الحالية فكيف نصدر فيها فتوى " ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه نسيئة " يعني هل يجوز أو لا يجوز؟ وهي على تلك الصيغة تحتاج إلى تفصيل في جوازها من عدمه.
الرئيس:
هذا مقيد، وسيعرض – إن شاء الله – على لجنة الصياغة ولننتقل إلى نقطة " تحديد الثمن وفوائد التقسيط ".
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أننا عندما نصحح موضوع التقسيط إذا كان باتًّا، فما ذكره الأستاذ السالوس في بحثه، في الصفحة الثالثة، تحت عنوان:" تحديد الثمن وفوائد التقسيط " من أن البعض يحدد فوائد التأخير، على النحو الذي ذكره، ثم عقب عليه بقوله:" وأعتقد أن التحريم هنا واضح جلي " أريد أن أقول: إننا انتهينا إلى أن هناك فرقًا بين السوم وبين العقد على ماذا وقع، فإذا كان المتعاقدان تعاقدا على الترديد، في نطاق هذه الصورة، فذاك هو الإشكال، لكن الظاهر والجاري أنهما يتعاقدان عقدًا باتًّا، فلا يمكننا حينئذ أن نحكم هنا بتحريم هذه الصورة، هناك عرض أمامه يقول: التأخير كذا في مقابلة كذا، لكن هذا العرض هو عرض في مرحلة المساومة وما يتم عليه العقد يتم على شق مقطوع باتّ في المجلس نفسه.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أنه لا فارق بين العقد الأول وبين العقد الثاني، وأن ما يتوهم من أن الزيادة إذا تأخر عن الأجل هذا أمر زائد، وإذا أدرنا التحوط فقط نقول: إنه يجوز أن يحدد الثمن حالًّا والزيادة لأجل الأجل، فنقول: بعته لك بمائة حالًّا ولستة أشهر بخمسين زائدة، لكن إذا مضت الستة أشهر ولم يقع الخلاص فلا يزيد الثمن، وإذا وقع الخلاص قبل الأجل فلا ينقص الثمن، فيصبح العقدان شيئا واحدًا أما الريبة التي وقعت فيه مما يتوقع من زيادة إذا زاد في الأجل أو تنقيص إذا وقع الخلاص قبل الأجل.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
تظهر ضرورة هذا التفريق، وفائدة منع هذه الصورة عندما تكون المدة أطول من سنة، ففي عقود بيع المساكن في كثير من الدول يقال: إن ثمن هذا البيت عشرة آلاف دينار حالًّا، وفوائد المبلغ مقسطة على عشر سنوات هي 10 % سنويًّا، فواضح أن العقلية التي تحسب هناك هي عقلية ربوية تهدف إلى بيان أن هذا المبلغ كأنه دين وقد رتبت عليه فوائد نتيجة تأخير هذا المبلغ؛ وتستعمل كلمة فوائد، ولذلك يحسن أن ينتهي العقد إلى سعر باتّ بين.
الرئيس:
لا نزاع في كون ما إذا لم ينته بسعر باتّ في نفس المجلس وبأجل باتّ فإنه ليس محل خلاف في الصورتين وهو لا يجوز.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
لكن لابد من التنبيه لهذا.
الرئيس:
هو أصلًا، سينبه على الموضوع الأصل وهو بيع التقسيط الذي هو بيع الأجل.
الدكتور درويش صديق جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك صور في التعامل التطبيقي بين الناس، من بين هذه الصور أن يكون أطراف العقد ثلاثة: البائع والمشتري والوسيط المالي ففي بيع التقسيط للسلعة سعران: سعر حالّ نقدًا وسعر بالتقسيط محدد فيه الأجل والأقساط ولكن لا يتم التعاقد مباشرة مع البائع وإنما يكون الوسيط المالي موجودًا ويكون الدفع للوسيط المالي، وهذه الصورة معترف بها ومعمول بها وهي تحتوي على عقد قرض بين المشتري وبين الوسيط المالي، فلأجل هذا أرجو أن لا نطلق قضية " بيع التقسيط " قبل أن نحدد هذه الصور ونتخذ فيها قرارًا، لأن معظم البيوع في بعض السلع المعمرة، مثل السيارات، تتم بهذه الطريقة، فالبنك وارد وداخل في العملية وإن لم يظهر في الصورة بوضوح.
الرئيس:
على كل حال ستجعل لها الضمانات والشروط التي تكفل أن تكون بها في قالب الصورة الشرعية.
الشيخ محمد هشام البرهاني:
الصورة التي أراد الدكتور السالوس أن يجعلها من الربا أو من شبهة الربا، أنا أتفق معه في هذا الرأي.
الشيخ عبد الكريم اللاحم:
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظتى متجهة إلى بحث الأستاذ الفرفور، وقد جعل ضوابطًا، لم تذكر في العرض لبيع التأجيل والبحث يدور حول بيع التأجيل ولم يتعرض لبيع التقسيط بالتفصيل، وإن كان المقصود بالعنوان هو التقسيط، والتقسيط – طبعًا – لا يكون إلا ببيع الأجل، الملاحظة العامة على البحث هو أنه لم يستوف الموضوع فهو مقتضب لا يفي بالغرض المطلوب في هذه النقطة.
الملاحظة الأولى: تتعلق بالضابط الأول الذي قال فيه: أن يكون هناك فاصل بين مجلس السوم ومجلس العقد، وهذا نوقش وتم التوصل إلى أنه لا فرق بين أن يكون فيه فاصل أو ليس فيه فاصل لأن الحقيقة واحدة، ففي نظري أنه لا يختلف الواقع بين ما إذا تم العقد والاتفاق متصلًا بالعرض بين الثمن حالًّا والثمن مؤجلًا أو كان هناك فاصل مصطنع: سكوت أو انتقال، فلا فرق بين الصورتين في الحقيقة والواقع.
وكذلك لي ملاحظة حول الضابط الثالث: المؤيد الفقهي، والكتابة غير واضحة، فأنا أطلب ضبطها، ثم دخل في تفصيل هذا الضابط، وبقراءة ما كتبه يتبين أنه ليس ضابطًا للجواز أو المنع بل هو طريق لاستيفاء الأقساط التي حلت ولم تسدد وحالة العقد في هذه الصورة إذا حلّ بعض الأقساط ولم تسدد ما الإجراء لتسديدها؟ وهل يبقى العقد صحيحًا أو ينفسخ؟ وهذا هو الذي ذكر تحت هذا الضابط، فهو ضابط أو قاعدة لاستيفاء الأقساط التي حلت ولم تسدد وحالة العقد هل يستمر نافذًا أو ينفسخ ويكون البائع له حق فسخ العقد واسترجاع المبيع، وشكرًا.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أود أن أوضح صورة التقسيط التي يظهر لي أن الدكتور علي السالوس لم يجزها، وهي في الحقيقة صور يجري عليها العمل في أغلب الوكالات التجارية وخصوصًا السيارات، وقاعدة البيع بالتقسيط تكون على مرحلتين: المرحلة الأولى الثمن يبتّ به نقدًا ويصبح الثمن دينًا في ذمة المشتري، ثم بعد ذلك يضاف على ذمته الفوائد حسب الأجل المقرر بينهما، ويظهر لي أن هذه الصورة هي التي لم يجزها الدكتور علي السالوس أما بالنسبة إلى الكمبيالات فالحقيقة أنه عندما يخصمها البنك يأخذ فوائد على الخصم، ولكن عندما لا يدفع المدين الكمبيالة يرجع البنك بالطلب على الدائن، فأصبحت الكمبيالة هنا كأنها رهن، ولم تعد كأنها شراء للدين، كأنها رهن مقابل قرض بفائدة هاتان هما الصورتان اللتان أردت توضيحهما، وشكرًا.
الدكتور عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أعقب على عملية البيع بالتقسيط وتوجه أو اتجاه البنوك الإسلامية إليها، أردت أن أؤكد حقيقة بأن التنمية التي حصلت في بلاد الغرب ما حصلت إلا بالمشاركة، فتوجه البنوك الإسلامية لعمليات المشاركة في عصرنا الحاضر ضرورة من الضروريات حتى يكتفي المجامع المسلم اكتفاء ذاتيًّا.
النقطة الأخرى: بالنسبة إلى الغرامة: لا شك أن أي تاجر أو بنك يبيع بالتقسيط يتعرض لمخاطر ائتمانية، من هذه المخاطر ذهاب الربح، ومنها ذهاب جزء من رأس المال، وهو يحسب حساب هذه المخاطر عند إضافة الربح، فالربح يقصد منه تغطية المصاريف الإدارية ثم تغطية المخاطر المتوقعة وبالتالي تحقيق نسبة من الربح صافية للتاجر، ويجب أن يكون هذا الربح مرتبطًا بالتنمية حتى لا يقع في المحاذير التي وقع فيها المرابون.
مسألة الغرامة التي يسير بعض البنوك هي مسألة تحتاج إلى تمحيص شديد، لأنها أدت بنا إلى مسلك ربوي وإن كنا لا نقصد الربا، فقضية الغرامة أصبحت الآن مغذاة في الحاسب الآلي، فبمجرد ما يتأخر العميل تحسب عليه الفائدة، والتبس المفهوم لدى موظفي هذه البنوك: ما الفرق إذن بين الربا وبين الغرامة؟ الغرامة – في نظري – لا يجب أن يحكم فيها الخصم نفسه فيكون البنك هو الخصم والحكم، بل يحكم فيها قاضٍ متخصص أو جهة متخصصة.
قضية الكمبيالة: الكمبيالة هي ورق مالية بين طرفين ولكن خصمها لا يكون لدى الطرفين، خصمها يكون لدى طرف ثالث بعيد عن أطراف التعاقد، إذن هذا الطرف الثالث هو تاجر ديون أي يتاجر بالدين، وشكرًا.
الدكتور عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تفضل به أخي مما أورده عليّ سأرد عليه الرد العلمي الموضوعي فقط، فالضوابط التي وضعتها إنما هي وجهة نظر لا ألزم بها أحدًا، وهذا جهد المقل، فبالنسبة إلى الضابط الأول وضعته استحسانا وتخلصا من شبهة الربا، ومع ذلك إن كان توجهكم إلى حذفه حذفناه.
والمسألة الثانية وهي معلومية الأجل، قال عنها زميلي: إنه لا شيء عليها، فهي شيء متفق عليه أما المؤيد الفقهي فقد جعلته ضابطًا لكي نفهم أن بيع التقسيط لا يقوم إلا إذا قامت هذه المسألة، بمعنى أن بيع التقسيط في هذا العصر إذا لم يعلم ما هي نهاية المشكلة فيما إذا أخل المشتري بأداء الثمن المؤجل لا يقام بيع التقسيط، يعني أن كل إنسان لا يقدم على بيع التقسيط أو إي نوع من البيوع إلا إذا علم مسبقًا كبائع ما هي النهاية وما هو الحل الفقهي فيما إذ أخل المشتري بالثمن، وإلا كان الموضوع ضائعًا بينهما – يعني إذا أخل أحدهما بالشرط فماذا يفعل الثاني؟ أتبقى المسألة معلقة؟ - أرى أن يكون هذا ضابطًا، فإن سميتموه ضابطًا فلا شيء في ذلك، وإن سميتموه نتيجة أو مخلصًا أو مخرجًا فكذلك لا شيء في ذلك، وليست المشكلة في الاصطلاحات وإنما في جوهر الفقه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
الرئيس:
هل بقي لأحد مناقشة في الموضوع الثاني " تحديد الثمن وفوائد التقسيط "، وهو ينسحب عليه ما ينسحب على الموضوع الأول من الحكم بقيوده أن لا ينفض المجلس إلا بأجل محدد وبعقد باتّ، سواء قال: مائة وخمسين أو أفرد المائة وأفرد الخمسين.
وتبقى قضية زيادة الدين عند التأخر في دفع الأقساط وهي ستأتي عند مناقشة النقطة السادسة.
القاضي محمد تقي العثماني:
عندما صرحوا بأن هذه العشرة هي فوائد التقسيط، فهذه الفائدة تزداد بزيادة المدة وتنتقص بنقصانها، فإذا كان هذا هو المراد فهذا غير جائز.
الرئيس:
ليس هذا هو المراد، فنحن سنجعل لها صياغة لا توحي بهذا الاسم، وهذا يعود إلى لجنة الصياغة، لكن من حيث مبدأ الحكم فالحكم هو هذا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
لأن هذا الأمر جرى عليه التعامل على نطاق واسع فلابد من التنبيه عليه بشكل واضح، فيجب أن نفرق بين حالتين، الذي يجري عليه العمل الآن، كما تفضل الدكتور درويش، أن طرفًا ثالثًا يقوم بعملية التمويل ويقال: إن فوائد هذا المبلغ هو كذا وكذا.
الرئيس:
الشيخ علي السالوس هو العارض وسيكون في لجنة الصياغة وهو الذي أثار الموضوع.
الدكتور محمد عطا السيد:
من خلال البحث اتضح لي جليًّا أن جمهور الفقهاء ركزوا على الصيغة نفسها ومدى أهمية الصيغة، لأنهم ذكروا أن الإيجاب إذا صدر مشتملًا على السعرين في أن واحد فهذا لا يصح.
لذا أرى أن هذه مهمة جدًّا في بيع التقسيط، وعلينا أن نبين جليًّا كيفية ورود الصيغة التي يتم بها العقد، مثال ذلك: إذا كتب شخص إلى آخر كتابًا يتضمن عرضًا بسعرين العاجل والآجل في آنٍ واحد، فأنا أرى أن هذا لا يصلح أن يكون إيجابًا، وبعد أن يفهم الطرف الآخر، وهو الشخص القابل السعرين، يكون الذي يصدر منه بعد ذلك هو الإيجاب والجمهور نبه إلى هذه المسالة وقال: إن صدور الإيجاب مشتملًا على السعرين في آنٍ واحد لا يصح.
الرئيس:
هذا لا إشكال فيه.
الدكتور محمد عطا السيد:
لا، فيه إشكال، لأنه يجب أن يوضح، لأن هذه نقطة هامة في بيع التقسيط وهو تميزه عن سائر الأشياء، فكيف نتجاهل هذه المسألة؟!
الرئيس:
لم يقع تجاهلها، لكن لجنة الصياغة ستحدد الصيغة الجائزة لبيع الآجال في أي صورة من هذه الصور فننتقل إلى الموضوع الثالث:" خصم البائع كمبيالات الأقساط المؤجلة لدى بنك ربوي ".
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
في ظني أن هذه القضية ليست من صلب الموضوع، وقد عولجت في مواطن أخرى وكتب فيها، فليس من مستلزمات بيع التقسيط الحديث عن خصم الكمبيالات.
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري لم انصرفت الأنظار عن الأبحاث الأخرى التي قدمت في هذا الخصوص؟ إن تلخيص دكتور السالوس لم يأت بالصورة التي كتبنا فيها هذا البحث، فهناك نقاط أساسية في الموضوع لم تبحث بشكل جيد، ولعلنا نأتي إلى بعض المسائل الجانبية في الموضوع، فلابد من مناقشة الموضوع الأساسي في بيع التقسيط ثم نذهب إلى الجزئيات الأخرى، وشكرًا.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
إن هذا البحث صحيح أن له علاقة بأصل الموضوع لكنه بحث قائم بنفسه، فمسألة شراء الدين مطروحة، هناك فكرة لدى بعض الفقهاء بأن شراء الدين بأقل منه جائز، شريطة أن يعود هذا المشتري على المدين بنفس ما دفع، وهذه أمور تحتاج إلى بحث مستقل، فأعتقد أننا لو حذفنا هذا الموضوع فإنه لا يؤثر على أصل البحث، فقضية خصم الكمبيالات ينبغي بحثها بدقة لأنها يجري التعامل بها ولها كثير من موارد التقسيم والاستدلال، فأرجو حذفها.
القاضي محمد تقي العثماني:
أؤيد هذا الاقتراح الذي تقدم به الزميلان العبادي والتسخيري، فموضوع خصم الكمبيالات مستقل ينبغى أن تكتب فيه أبحاث ويدرس في دورة قادمة، لأننا نحتاج إلى بديل، أيضا، لأن عملية خصم الكمبيالات من أهم العمليات الجارية في البنوك، فإذا قلنا: إنها غير جائزة، فلابد أن نأتي ببديل لها، فلذلك أرى دراسة هذا الموضوع في دورة قادمة، إن شاء الله.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
لا داعي لتهويل الأمر حول هذا الموضوع، وإنما هو صورة مقابلة لصورة البيع بالتقسيط، وهو أن هناك أجلًا يدفع فيه دين في المستقبل ثم يؤخذ منه أقل، وهذه هي عملية خصم الكمبيالة، فالمستفيد واضح أنه بدلًا من أن يدفع بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر ستمائة ريال، فإنه يدفعها الآن لصاحب الدين أربعمائة ريال، فهي مقابل عملية التقسيط تمامًا، معوضة على الزمن والأجل، وهذا ينطبق عليه تمامًا " وضع وتعجل " كما تفضلتم.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أوضح للأخ السالوس أني عندما تكلمت على الشيخ أبي زهرة لم اقصد تجريحه ما دامت الحجة التي ذكرها في كتابه ليست له وإنما هو ناقل، وليست هناك مواطن أخرى فيها تجريح كما يمكن أن توهم العبارة.
أما بالنسبة لموضوع خصم الكمبيالات فقد بينت في بحثي، كما بين الأستاذ الجناحي منذ قليل، أن الخصم يختلف عن " ضع وتعجل "، لأن " ضع وتعجل " بين طرفين وأما الخصم ففيه وسيط، وعندما يتدخل هذا الوسيط تصبح العملية أنه يقرض مبلغًا ويسترد زيادة عليه وتكون هذه الزيادة تعاقدية، وواضح لي أن هذا من ربا النسيئة، فإذا شئتم أن تبحثوا هذا الموضوع فلا حاجة للوقوف عنده طويلًا إلا من يرى خلاف ذلك، وشكرًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أن خصم البائع الكمبيالات و " ضع وتعجل " هما من مهيع واحد، باعتبار أن كليهما يبحث عن السيولة، وإن كانت الصورة فيها طرف ثالث، لكن ذلك لا يغير أصل الحكم ولذا أعتقد أنه لابد من ضمهما إلى بعضهما وإذا رأى المجمع أن يؤجل هذا للنظر وزيادة البحث والتأمل والتدقيق فهو أولى، وشكرًا.
الرئيس:
المهم لدينا هل التصور المصرفي للخصم البنكي للكمبيالات متوفر لدينا في هذه الدراسة أم لا؟ فإذا كان متوفرًا لدينا في هذه الدراسة أو بحكم معرفتنا الخارجية فينبغي أن ينهى الموضوع بما يتوصل إليه المجلس، وإذا كان التصور المصرفي قاصرًا فلا شك أنه ليس من المستحسن أن يبتّ في الموضوع إلا بعد استكمال التصور، أما التصور فهو جلي بحسب التعامل والدراسات حوله.
الشيخ محمد المختار السلامي:
ما قاله الشيخ العثماني من أنه لابد من إيجاد البديل والدراسة المتكاملة له وجه من النظر، لأن البائع يبحث عن السيولة المالية حتى يستطيع أن يحرك تجارته أو عمله، فما هو البديل عندما نقول له: لا يجوز لك " ضع وتعجل "؟ فالقضية تحتاج إلى أبحاث معمقة لابد من الوصول إليها.
الدكتور عبد اللطيف جناحي:
مسألة الكمبيالة، كما تجري الآن بين المصارف، هي - من وجه نظري - تجارة في الدين، بنك متخصص تأتي إليه ولديك أداة وفاء مالية، قد تكون الكمبيالة وقد يكون شيكًا متأخرًا، لها قيمة مالية وفاؤها بتاريخ معين، فالبنك يخصم لك هذه الكمبيالة أو هذا الشيك بمبلغ معين ناقصًا سعر الفائدة من تاريخ إيداعك الشيك عنده إلى تاريخ الاستحقاق، فسعر الفائدة فيه واضح، وأرى أن لا يتعجل مجمعكم الكريم بإصدار الفتوى، لأنها عملية خطيرة تنطوي على شبهات ربوية، فهي تحتاج إلى دراسة متأنية وهو ما عهد من مجمعكم في أخذه الأمور بالتأني حتى تخلص ذمة الناس مما هو غير مشروع، وشكرًا.
الدكتور علي أحمد السالوس:
الحقيقة هو أني لم أشرح هنا الخصم بالتفصيل، وإنما شرحته بالتفصيل في كتب أخرى، وبينت أنه ليس من باب " ضع وتعجل: في عدة صفحات، ولذلك أرى أن يرجأَ هذا لبحث مستقل فيما بعد، أما إذا كان المجمع سيصدر قراره فليسمح لي بان أشرح هذا بالتفصيل لأبين أنه لا علاقة بين خصم الكمبيالة وبين " ضع وتعجل ".
الرئيس:
إذا رأيتم أن يؤجل هذا الموضوع شريطة أن تستحضر فيه أبحاث من اقتصاديين متخصصين ويزود الفقهاء بها وعلى ضوئها يبتّ في الموضوع في الدورة القادمة إن شاء الله.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
أظن أن المجمع بحث في إحدى دوراته المعاملات في المصارف، وكان من بينها هذا الموضوع " خصم الكمبيالات " وتوصلنا إلى أنه قرض بفائدة، فالبنك الذي يخصم الكمبيالة يدفع لصاحبها للمدين تسعين ليأخذ مائة من الدائن، وهذه لا تحتاج إلى بحث، في رأيي أن يصدر فيها قرار بالمنع ما دامت تمثل نوعًا من الفائدة والفوائد كلها ممنوعة.
الرئيس:
مسألة الخصم البنكي للكمبيالات لا شك – بالنسبة إلي – أنها داخلة في المنع وأنها قرض بفائدة، لكن هناك نقطتان:
1-
جرى المجمع على أنه لابد من استكمال التصور لهذه المعاملة ولغيرها، وهذا لا يغير من الموضوع شيئًا.
2-
لعل البحث يؤدي إلى إيجاد بديل، فإن فذاك وإلا فإن المجمع يقول كلمته.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
أولا: أنا لا أفرق بين مسألة خصم الكمبيالة وبين القرض الربوي فهي لا تحتاج إلى بحث ولا إلى تأجيل.
ثانيا ً: بالنسبة للبيع بالنقد أو بالتقسيط على الصورة التي شرحتها إذا قبلت القاعدة بإثبات البيع نقدًا في ذمة المشتري ثم بيع الدين عليه بفائدة لأجل، فإنه ينسحب على هذا، حسب هذه القاعدة، بعد أن تحل الكمبيالات ولا يفي بالدين، فإنه يجب أن تسجل عليه الفوائد، أردت أن أبين هذا حتى تنتبه لجنة الصياغة إليه، وشكرًا.
الرئيس:
الواقع أن أصحاب الفضيلة المشائخ لم يقل أحد منهم بالجواز، وجل الذين تكلموا ذكروا المنع طردًا للقاعدة في هذه وأمثالها، وأغلبهم من أعضاء اللجنة التي شكلت لصياغة قرار موضوع التمويل نظرًا لارتباط التمويل مع بيع التقسيط في بعض صوره وهم المشائخ: تقي العثماني، والصديق الضرير، والمختار السلامي، والأستاذ رفيق المصري، والشيخ العاني، والشيخ الحميد، والشيخ السالوس، فإن رأيتم أن يترك الأمر إلى لجنة الصياغة هذه، فإن توصلت إلى ما يمكن أن يكون حلًّا مرضيًا فذاك ويعرض عليكم في الجلسة الختامية وإن توصلت إلى تأجيل البتّ لزيادة البحث فالأمر ميسور.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
أعتقد أنه يجب علينا أن لا نتعجل، فالموضوع مهم وله جوانب وله فروض مثل مسألة عودة المشتري. . فأرجو أن يؤجل هذا الموضوع دون إحالة على لجنة الصياغة حتى تستحضر الأبحاث والعقود التي يجري عليها التعامل البنكي في هذا الموضوع حتى ندرسها فلربما تبدو لنا مجالات فأرجو التأجيل إلى السنة القادمة حتى نأتي ونحن نملك التصور الكامل حول هذا الموضوع.
الرئيس:
على كل لتأخذ لجنة الصياغة هذا في الاعتبار مع ما تتوصل إليه إن شاء الله تعالى.
ننتقل إلى النقطة الرابعة وهي مسألة العينة وهي من المسائل الفقهية المشتهرة، وليست محصورة في صورة واحدة بل هي ذات صور متعددة، سواء في المذهب الواحد أو بين المذاهب الفقهية المعتبرة، والخلاف في هذه الصور كثير والنزاع فيها قائم، وهي ليست من مسائل الفقه الخفية بل هي منتشرة في كتب أهل العلم فهل ترون من الضرورة البحث فيها؟
إذن – اعتبارا لرأي الحضور – ننتقل إلى المسألة الخامسة وهي مسألة " التورق " وأظن أن الموقف منها هو نفس الموقف من سابقتها بأن نتجاوزها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
التورق الذي رآه الشيخ السالوس هو المحرم، وقدمه كقضية من قضايا البحث فلابد من النظر فيه.
الرئيس:
هذا رأي الشيخ السالوس وقد ذكر أنه، كذلك، رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، أما بالنسبة إليَّ فأنا أقول بأن الفتوى على خلاف ذلك لكن أقول بأن مسألة التورق ليست من القضايا الفقهية النازلة المستجدة بل هي مسألة فقهية مقتولة بحثًا ومتوفرة لأي طالب علم، فلا يحتاج إلى النظر فيها، فإن رأيتم بحثها فإني أقول بكل وضوح إنه لا يمكن أن نصدر فيها عن رأي باتّ إلا ببحث مستفيض أما بمجرد نقول من هنا وهناك فلا نستطيع البتّ فيها، لكن إذا رأيتم أنها تلحق بالعينة ويصرف النظر عن البت فيهاّ؟
الدكتور محمد عطا السيد:
أرى أنه لابد من الإشارة، لأن الصورتين، العينة والتورق، وردتا في مجال تبيين أن بيع التقسيط يجب أن يكون خاليا من مثل هذه الإجراءات، فلابد من الإشارة، حتى ولو لم ندخل في التفاصيل، إلى أن بيع التقسيط يجب أن لا تدخل فيه مثل هذه البيوع.
الرئيس:
أنت تعرف أن بيع التقسيط أو بيع الآجال ورد ضمن البيوع المنهي عنها، فهل معنى هذا أن نبحث كل البيوع المنهي عنها؟ هي قضايا عينية منها ما تمس الحاجة إليه ومنها ما يعتبر من النوازل المستجدة وهذه التي جرى عمل المجمع على البت فيها أما المسائل المنتشرة وكثر كلام أهل العلم فيها فلا فائدة من بحثها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بالنسبة لبيع العينة، فإن الإمام الشافعي، كما ذكر الشيخ السالوس، ينظر إلى العقد كما وقع وأن هناك بيعين وكل واحد منهما على انفراد جائز، وإن كان الشيخ السالوس يذهب إلى الحرمة فإني لم أفهم من كلام الشافعي – ولست متبحرًا في المذهب الشافعي – الحرمة، بل فهمت الجواز والصحة، أما بالنسبة إلى التورق فيذهب الشيخ السالولس إلى أنها حرام، وأنا لا اطمئن إلى الحرمة، فالشيخ السالوس له مذهب في المسألتين مسجل في بحثه، فهل يذهب هكذا؟
الرئيس:
الشيخ السالوس له مذاهب في هذه المسائل كلها.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
خصم الكمبيالة عملية ربوية خالصة فأرى الانتهاء منها، وهي عملية شائعة في مجتمعنا الفاسد الذي وصل إليه التحلل، فلا ضرورة للبحث فيها ولا لإحالتها على لجنة الصياغة، وأرى عدم تأجيلها لأن البحث فيها عبارة عن بحث المعلوم والمتفق عليه.
الرئيس:
ننتقل إلى الفقرة السادسة وهي: " زيادة الدين عند التأخر في دفع الأقساط ".
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه القضية من القضايا التي بحثها المستشارون الشرعيون لبعض البنوك الإسلامية ولم تصدر فيها، لحد الآن، فتوى بالإجماع، ولكن صدر فيها بعض الفتاوى بالأغلبية اعتمادًا على قوله صلى الله عليه وسلم:((لَيُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته)) و ((مطل الغني ظلم)) و ((لا ضرر ولا ضرار)) .
الرئيس:
لعل السادس والسابع يجمعهما قول واحد لأن السابع هو: حلول الأقساط ومطالبة البائع المدين المماطل بالتعويض أحد المشائخ المعاصرين قام ببحث استفدنا منه كلمة وهي قوله: " لا أعلم من سبقني إليه " فهي كلمة استقرائية جيدة، ولكن جملة الفقهاء المعاصرين قابلوا هذه الفتيا بالرفض وبالرد سواء مشافهة أو كتابة حتى في نفس المجلة التي نشر فيها البحث وحتى عدد من الاقتصاديين أبطلوا هذه الفتيا وردوا عليها ورأوا أنها تعود بالنقض على قاعدة تحريم الربا في نفس أصل المعاملة، فإذا توفرت القناعة لديكم وليس هناك ما يقال في هذه النقطة فلننتقل إلى النقطة السابعة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
الفتوى لم تصدر من واحد ولا من أكثر من واحد بل صدرت الفتوى من العديد وبعض البنوك تأخذ بهذا وتعمل به، فلابد من بحث وبيانها بما يكفي ويشفي وآخر ما أثيرت هذه القضية في ندوة مؤسسة البركة منذ أيام فقوله صلى الله عليه وسلم:((لَيُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته)) اعتمدوا عليه لأصل هذه القضية وكثير ممن لا دين لهم ولا ضمائر استساغوا أموال البنوك الإسلامية فوقع أصحاب هذه البنوك في مشكل وهو أنهم رغم الاحتياطات التي يتخذونها في تعاملهم مع العملاء يبقى قسم كبير منهم متلكئًا في الدفع مع أنه يرى وجوب المسارعة بدفع ما عليه للبنوك الربوية، فيترك البنوك الإسلامية بعمله هذا في مشكل مالي وفي سيولة منقوصة بدون مقابل ما دامت هذه البنوك لا توظف مقابلًا على هذا التأخير، فاعتمد بعض الفقهاء على قوله صلى الله عليه وسلم:((لَيُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته)) وقرروا عقوبة مالية اختلفوا في تقديرها، واعتقد أن هذه الفتوى لا يمكن قبولها لأمرين:
أولًا: الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه، لأن قوله صلى الله عليه وسلم:((لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)) الحق لا يسمى عقوبة، فلو كانت هذه الزيادة حقًّا فهي لا تدخل تحت الحديث لأنه ينص على العقوبة.
ثانيًا: جعل صاحب الحق هو ذاته الذي يتولى العقوبة أمر غير معهود في الشريعة، ولكن لابد من حماية أموال البنوك الإسلامية.
ولذلك كان القرار الذي توصلنا إليه في ندوة البركة هو أن هذه الزيادة تقرر ولكن لا لفائدة البنك وإنما لفائدة المصالح العامة، وهكذا تصبح هذه الزيادة عقوبة فعلًا لأنه لا يستفيد منه البنك ولا صاحب رأس المال وإنما تستفيد منها المجموعة العامة شأن العقوبات التي تسلط على الإنسان، والعقوبة المالية فيها خلاف، فهذا هو الحل الذي أعرضه على المجمع لينظر فيه، وشكرًا.
الدكتور عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة الغرامة، أو التعويض كما يسميها البعض، وطرحها الآن في هذه المرحلة من عمر البنوك الإسلامية، مسألة خطيرة جدًّا، لننظر كيف يمنح البنك القرض لإنسان ما؟ يمنحه بعد تحرٍّ يعرف به خلقيات هذا الشخص، ودراسة مستفيضة لميزانياته وأمواله، ثم يأخذ من الضمانات ما يستطيع الرجوع إليها عند الضرورة، فإذا تحرز البنك كل هذا التحرز واستوثق لنفسه بكل هذه الحقوق فأين يقع التعويض؟ ثم إننا إذا فتحنا هذا الباب نكون قد فتحنا باب الربا على مصراعيه، وهذا أمر خطير يجب أن لا نعرض إليه البنوك الإسلامية في هذه المرحلة، حتى لا تختلط الأمور لدى العامة من الناس.
المسألة أثيرت عدة مرات، ويقول البعض: إن البنوك الإسلامية تعرضت لها كثيرًا، وهذا ليس واقعًا ولا حقيقة فالبنوك التي تعرضت لها تعرضت لها بسوء الإدارة، وليس الموضوع أن المجتمع الذي يتعامل مع البنوك الإسلامية يريد أن ينهبها ، لماذا نصور المجتمع المسلم هذا التصوير؟ فالبنوك تتحرز وتأخذ الحيطة والحذر، فإذا وقع وتأخر شخص فهذه طبيعة القروض فاعملوا حسابكم أيها القائمون على شئون البنوك الإسلامية ولا تجبروا علماءنا على أن يلووا عنق هذه الشريعة حتى يوافقوا هوى في نفوسكم، فالمسألة خطيرة وأرجو من المجمع الموقر أن يقف عندها كثيرًا قبل أن يصدر أي فتوى، كما أرجو من لجنة الصياغة عند استعراضها لهذه المسألة، واعتبارًا لكون الفتاوى التي يصدرها المجمع محترمة لها قيمتها لدى الجمهور، فأرجو أن تتعرض للمسألة بشرح واضح حتى لا تستغل فتاوى هذا المجمع استغلالًا غير مرغوب فيه، وشكرًا.
الدكتور درويش صديق جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم
في البنوك الربوية يتم تحديد مدة القرض، ولكن في البنوك الإسلامية لا تستطيع تحديد مدة القرض، ولا بد من أن يكون هناك نوع من التعزير الحكومي، بحيث إن نتيجة هذا التعزير لا تذهب إلى المستفيد نفسه يعني لا تذهب إلى البنك، ولكن تعطى لمصلحة الحكومة كسائر العقوبات المسلطة على الإنسان نتيجة إخلاله بنظام معين، وفي هذه الحالة تضبط المسائل، لأن تركها بدون حل يفوت على البنوك مصالحها، وشكرًا.
الرئيس:
النبي صلى الله عليه وسلم ما تركها بلا حل بل قال: ((يحل عرضه وعقوبته)) وبذاك يكون أوجد لها حلًا. والعقوبة، مثل ما تفضل الشيخ المختار، ليست موكولة إلى نفس الدائن بل هي موكولة إلى القضاء الذي هو سلطة، والقضاء يجتهد في العقوبة فقد تكون بالتعويق أو بالحبس أو بغيره حسب ما يراه من ملابسات القضية وظروفها.
أما تخصيص عقوبة بعينها والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق العقوبة، فهذا يحتاج إلى مزيد من البحث.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن في بيت التمويل الكويتي لا نعمل بهذه الفتوى ونرفضها رفضًا تامًّا، لأن مثل هذه الفتاوى مما يعيبه الناس علينا ويتهمون البنوك الإسلامية بأنها تنهج، تقريبًا، نهج المصارف الربوية، وبالأخص عندما علمت بأن هذا الموضوع وضع له برنامج في الحاسوب، فسواء سميته تعويضًا أو عقوبة أو أي اسم آخر فلا يغير من حقيقته الربوية شيئا، ولهذا رفضناه في بيت التمويل الكويتي متمسكين بإحالة المماطل على القضاء والحكومة تنفذ عليه الحكم في أسرع وقت ممكن، وليس لنا – والحمد لله – مشاكل في هذا الموضوع طوال ثلاث عشرة سنة فهذه الفتوى تَجَنٍّ على البنوك الإسلامية وأنا أرفضها من موقع عملي بهذه البنوك فلذلك أؤكد توصيتي بأن مجمع الفقه الإسلامي يوصي البنوك الإسلامية بأن تجعل فقهاء لمراقبة الممارسات والمعاملات التي تقوم بها هذه البنوك حتى لا تنحرف وحتى يضعوا العلماء على علم بين بهذه الممارسات، وشكرًا.
الرئيس:
على كل حال وجهة نظر الشيخ أحمد جيدة، وتقيد عند الأمانة العامة للمجمع.
الدكتور عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة أخذ فيها القانون المدني الكويتي فيما يتعلق بالحكم على المدين المماطل الموسر بالتعويض وهو أولًا لا يصدر بمجرد اتفاق بين الدائن والمدين، وإنما يقع اللجوء في الغالب إلى القضاء الذي يحقق في المماطلة ثم يقضي بالتعويض المناسب، وفي كل حال إن المسألة ليست واردة على سبيل الإلزام إنما هي متروكة لنفسية الدائن والذي أريد أن أؤكد عليه أن في الفقه الإسلامي قاعدة التعزير والتعزير بالمال، والتعزير بالمال قال به كثير من الفقهاء، ومنذ أن صدر القانون الكويتي عندنا في هذا الموضوع كنت أجد في نفسي: هل التعزير المالي يصرف إلى الدائن أم يدخل خزينة الدولة؟ هذه هي المشكلة القائمة عندي وإن كنت لا أعارض في عقوبة المماطل الواجد بالحبس وبالتعزير المالي، وإنما المشكلة هل يصرف هذا المال للدائن أم لبيت المال. وقد عرضت لهذا في رسالتي عن " الحسبة ".
الدكتور رفيق يونس:
بسم الله الرحمن الرحيم
تبعًا لما قاله الأستاذان الجناحي وبازيع الياسين فإني أطالبهما، مع رجاء حار، أن ينشرا أو يوعزا إلى بعض الكاتبين والباحثين في المجلات التي تصدرها البنوك الإسلامية بالكتابة في هذا الموضوع لطمأنة الجمهور والباحثين، ولكي لا يمضي بعض المفتين في فتاوى عن حسن نية بغية إيجاد مخارج للبنوك الإسلامية، كما ألاحظ أن المجمع الموقر من بين الأوراق التي سلمنا إياها هذا الصباح وجدت من بينها قائمة مطولة بالموضوعات منها العقوبة بالمال، فأنا اقترح أن يضاف إلى هذا العنوان التنصيص على مسألة المدين المماطل لاتصالهما الوثيق لا سيما في ضوء ما أبداه الشيخ السلامي من عناصر في موضوع المدين المماطل والتي لم أكن قرأتها أو سمعتها من قبل، فأنا أرى أن ما أبداه الشيخ السلامي مشكورًا جدير بالمناقشة والضم إلى موضوع العقوبة بالمال، وشكرًا.
الدكتور حمداني شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوعات التي أمامنا اليوم هي موضوعات المعاملات البنكية المألوفة على الساحة الإسلامية اليوم، والصور التي عرضت علينا كثير منها لا تعدو تحايلًا على تمريرات عملية لصور الربا المتبعة، فإذا نحن مكنّا الدائن من تحديد ربحه ومبلغ خسارته في بادئ الأمر وفي جلسة واحدة وفي تاريخ واحد، ويأخذ لنفسه ما يضمن له المستقبل، فلا يمكن بعد ذلك تبرير أية غرامة يفرضها على المدين نفسه، خصوصًا وأن المسألة ليست اجتهادية، فمطل الغني نُصَّ على عقوبته في بحوث الشريعة الإسلامية والفقه، فهناك الحبس وهناك التغريم ولكن لا لفائدة الجهة الدائنة، فهو من اختصاص ولي الأمر وعلى القاضي أن يحدده، والغرامة المأخوذة تذهب إلى بيت مال المسلمين، فإذا نحن تساهلنا في هذا الأمر فمعناه أننا نبيح العمليات الربوية لأن الدين عندما تتأخر الجهة المدينة في العمليات البنكية اليوم، تفرض عليها الفوائد، فهذا نوع من الربا واقتراحي أن تحيل الأمانة العامة للمجمع هذه القضية على السادة الفقهاء لدرسها والكتابة فيها وزيادة توضيحها.
الدكتور محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن هذا الموضوع عندما عرض ذكر تحت عنوان " بيع التقسيط " ولم يقع التنصيص على أن المراد به بيع التقسيط عند البنوك ولذلك كنت أرى منذ البداية أن ينهج الاجتماع نهج بيان كل الأحكام المتعلقة ببيع التقسيط فينتفع التجار والبنوك والأفراد بذلك، فربط هذا الموضوع بالمعاملات البنكية فقط هو – في رأيي – تحديد لا معنى له، وفي مجال كلامنا عن بيع التقسيط نمثل بالآتي: شخص اشترى بالتقسيط وحصل الاتفاق على الأجل والأقساط وتم العقد، فهذا الشخص بعد تسلمه السلعة إما أن يمتنع عن الدفع من أول الأمر أو أنه دفع بعض الأقساط ثم توقف وفي كل هذه الأحوال ذكر الفقهاء أن هذا الأمر يعود إلى معاملة الدائن للمدين في النهاية وأبين الطرق في هذا: أنه إذا لم يدفع يعامل معاملة الدين العادي إذ ليس هناك فرق بين دين بيع التقسيط وبين الدين العادي، وإن كان موسرًا اتبعنا معه إجراء معينًا معروفًا مثل الحجز على أمواله، المهم أن نجعله يدفع، وأن نرد للدائن حقه، موضوع العقوبة يأتي في الأول، في البداية ومرادنا هو أن نبين للدائن كيف يسترد حقه الضائع قبل موضوع العقوبة.
فلذلك أرى أن نرجع إلى كلام سلفنا من الفقهاء في معاملاتهم لهذا الدين معاملة الدين العادي، فإن كان موسرًا اتُّبِعت معه كل الوسائل القضائية لاسترداد الدين منه، وإن كان معسرًا فيمهل كما قال الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وإن رأى الحاكم عدم إمهاله فذلك شيء آخر.
هناك شيء آخر، ماذا نفعل بالسلعة التي أخذها؟ وهي ما زالت موجودة هل نستردها منه أم لا؟ هذا، أيضا، مجال للبحث، وشكرًا.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أود أولًا بالنسبة للعينة والتورق أن يحذفا من البحث.
الرئيس:
تم حذفهما.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
أما بالنسبة لهذا الموضوع فإنا قد نعالجه معالجة قاسية إلى حد ما، فكأن البنوك الإسلامية قالت:" اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط "" اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " أي أن البنوك الربوية كانت تأخذ الربا وتفرضه على من لم يسدد دينه فاجعلوا لنا ربا بشكل أو بآخر، هذا هو الظاهر وإلا فإنها ليست بحاجة إلى ذلك لو طبقت كثيرًا من الإجراءات.
أولًا: إن البنوك لم يدفعها أو يلزمها أحد بإعطاء الدين، فهي غير مجبرة على ذلك ويمكنها إذا أرادت أن تحتاط لنفسها أن لا تعطي دينًا لأحد، هذا بإمكانها.
ثانيًا: إذا داينت هذه البنوك فإن المدين إما أن يكون موسرًا أو معسرًا فالمعسر يمهل {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} على قراءة نافع حتى نسجلها قراءة مرة على الأقل، وإن كان موسرًا فعمر رضي الله عنه، حبس أسيفع جهينة قال: إن أسيفع جهينة أدان معرضًا، أي تحمل الدين وكان معرضًا عن قضائه، فالحبس هو عقوبة مهمة جدًّا، مالك رضي الله عنه كان ينكر العقوبة المالية ويقول: إنما أعرفه حبسًا أو ضربًا في بدنه وهناك تأليف لعل من اطلع عليه قليل وهو: " حادثة السؤال في نفي العقوبة بالمال " أظهر صاحبه أن الإجماع انعقد على أن هذه العقوبة نسخت وإذا لم تنسخ فيجوز العمل بها حيث انعدمت الأحكام الشرعية كما قال صاحب النوازل:
وجوزوا العقوبة المالية
إن عدمت أحكامنا الشرعية.
أما إذا وجدت الأحكام الشرعية فلا يلجأ إلى هذه العقوبة المالية، تعويض الضرر أعتقد أنه مقصد نفاه الشارع بمعنى أن هذه المصلحة ليست مصلحة مرسلة، فالمناسب هنا ليس مرسلًا لأنه معتبر، فأهل الجاهلية يقولون:" إما أن تقضي أو تربي "، لماذا " تربي"؟ لتسد الضرر، أي: لتعوضه والنبي صلى الله عليه وسلم وضع ربا الجاهلية وهذا الوضع معناه أن هذا المناسب ليس مرسلًا فلا يجوز لأحد أن يقيس عليه لأن الشارع نص عليه ووضع ربا الجاهلية الذي كان يراد به تعويض الضرر، فالشارع قد وضع هذا التعويض وألغاه وأنا لا أجد نصًّا يجيز هذه المسألة من قريب أو بعيد هناك نص عند المالكية ضعيف في مسألة المطل: إذا ماطل المدين حتى تغيرت العملة، بانخفاض مثلًا، فهم يقولون: هو ماطل حتى تغيرت فيلزم بهذا وهو قول ضعيف وأوجه خطابي للشيخ الضرير راجيًا أن يتأمله: هذا نص ضعيف جدًّا ذكره صاحب المنهج في القواعد وشروحه وغيره من الشراح، يمكن أن نعاقب المدين بالتشهير به بأن ننشر في الصحافة أنه لم يف بما عليه من الديون، وهذا شيء عظيم جدًّا، فالعقوبة بالحبس واللوم ونزع العمامة تعتبر كلها تعزيرا عند المالكية وإذا لم يف بما عليه تسلط أي عقوبة تعزيرية، فطلب البنوك أن تعوض عن المطل بالمال ليس من باب العقوبة وإنما تريد أن تعوض بالمال ويكون لها أرباح وأن تسترسل في هذا العمل فأرجو أن لا يصدر مجمعنا فتوى بهذا الشأن، وإذا أردتم إصدار فتوى فيه فلابد من تشكيل لجنة لتدرس الموضوع دراسة مستوفاة، حتى لا تكون الفتوى من باب زلة العالم.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع – كما قال الأستاذ المختار – بحث في ندوات كثيرة واختلفت آراء الفقهاء فيه اختلافًا كبيرًا، ولعل بعضهم موجود معنا في هذا الاجتماع، وهذا يدل على أهمية الموضوع، وما قاله الأستاذ المختار في الندوة الأخيرة – ولم أحضرها – بأنهم أفتوا على أن المقصود العقوبة، وبنوها على دليل الحديث " لي الواجد ظلم "، لكن هناك اتجاه آخر على أن هذا ليس عقوبة ولا تعزيرًا وإنما هو تعويض عن ضرر مادي فِعْلِيّ أصاب البنك بسبب هذا التأخير، وسند هذا الاتجاه ((لا ضرر ولا ضرار)) و " الضرر يزال " ولا مانع من اجتماع الأمرين بالنسبة للمدين المماطل، فيعوض البنك ماديًّا ويعاقب المدين المماطل بالحبس أو الغرامة أو أية عقوبة يراها الحاكم، فالموضوع ليس بهذه السهولة فيما أعتقد ولذلك أقترح، كما قال بعض الإخوة، أن يعرض الموضوع بهذه الصيغة المكتوبة هنا:(مطالبة البائع المدين المماطل بالتعويض) فلا نقلب التعويض إلى (عقوبة) لأنه لا يطالب بعقوبة، والواقع أن الفتاوى التي صدرت، صدرت للبنوك فقط، وحاول الذين أصدروا هذه الفتوى وضع ضابط للتعويض كيف يتوصل إليه؟ وهذه كانت هي المشكلة في التنفيذ، أما من حيث مبدأ التعويض عن الضرر المادي الفعلي ففي رأيي أن هذا مبدأ مقرر في الفقه، فالمشكلة كانت في كيفية تطبيقه حتى إن بعض البنوك عجزت عن تطبيقه فلم يعمل بالفتوى، وبعضها استطاع أن يطبقه فاستمر، ومع ذلك فإن بعض المؤسسات التي ما زالت تطبقه وجدت أن التطبيق لا ينفعها في شيء، كما قال بعض الإخوة، لأنها بنت التعويض على الربح الذي تحقق لهذه المؤسسة في الفترة التي ماطل فيها المدين، فإذا تحقق ربح طالبته به وإذا لم يتحقق ربح لا تطالبه بشيء، وبعض المدينين الذين لا يتورعون استمرءوا هذا واستفادوا منه، فأخذوا يماطلون لأن أرباح البنوك الإسلامية أقل بكثير من الفائدة التي يدفعها إذا اقترض بالفائدة، والمطلوب إيجاد حل لهذه المشكلة، ولذلك أكرر اقتراحي بعدم البتّ في هذا الموضوع في هذه الدورة وإرجائه إلى الدورة القادمة لتقدم فيه بحوث وافية، وشكرًا.
الرئيس:
هل سبق لكم البتّ في هذا الموضوع يا شيخ؟
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: من؟ أنا المقصود؟
نعم، سبق لي أن أصدرت فتوى في بنك البركة مقيدة بقيود كثيرة من ضمنها طريقة التطبيق، وعجز البنك عن تطبيقها فأوقفتها ومنعتهم من تنفيذها.
الرئيس:
جزاكم الله خيرًا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحب أن أؤكد على ما اقترحه الأخوة السابقون من طلب عدم بتّ المجمع في هذه القضية في دورته الحالية وإرجائها لمزيد بحثها ومناقشتها إما في إطار هذا المجمع أو في إطار مجالس الفتوى الخاصة بالبنوك لأن هذه القضية تتعلق بالبنوك تعلقًا مباشرًا وليست لها صلة وثيقة بموضوعنا " بيع التقسيط "، والكلام الذي تفضل به الشيخ المختار حول الحل الذي توصلوا إليه في الجزائر ألاحظ أن بعض البنوك بدأت الآن تمارسه، ولذلك يحسن أن يترك الموضوع لمجاله ولا يتعرض له هنا.
الدكتور عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع أثير عندما دخلت البنوك الإسلامية ميدان العمل، فالبنوك الإسلامية ليست بنوكًا تتعامل بالنقود أو بالديون كما هو شأن البنوك الربوية حسب تعريفها، ومن يتعامل بالنقود أو بالديون لابد أن يعوض إذا تأخر الدين، البنوك الإسلامية لا تتعامل بذلك إنما تتعامل ببضاعة، فحكمها إذا هو حكم التاجر، فإذا أبحتم للبنوك الإسلامية أن تأخذ التعويض فأبيحوا ذلك للتاجر أيضًا لأنه يبيع بالتقسيط حتى يأخذ التعويض، وهنا سوف نجد في الأمر التباسًا كبيرًا ن ثم عملية اللَّيُّ والمطل هذه عملية أخلاقية فليس من حقنا كأفراد أن نحكم عليها، إنما يحكم عليها قاض شرعي يقيس الضرر ويقيس المسئولية الأخلاقية وخروجها عن المجتمع ويعاقبه عليها.
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أريد أن أكرر ما قيل، وإنما أضيف أن ما ورد في القرآن تحريم الربا وورد في السنة:((مطل الغني ظلم)) ونصوص الشريعة لا تعارض بينها، فإن جازت العقوبة بالمال فإنها لا تجوز بالمال في هذه القضية لأنها ربا أو وسيلة إليه فيؤدي إلى تناقض نصوص الشريعة وتضاربها، وهذا غير صحيح، وشكرًا.
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لنا في القانون المدني العراقي فصل أو بحث يتكلم عن الشرط الجزائي في القانون، بمعنى لو أراد أحد المتعاقدين أن يضع شرطًا جزائيًّا في صورة ما إذا أراد المتعاقد الآخر النكول عن البيع أو عن الشراء أو عن أي شيء آخر، فما أراه هو أن مسألة التعويض التي أثيرت الآن لها علاقة بالموضوع، فلو تكرمتم يا سيادة الرئيس وطلبتم البحث في هذه النقطة التي أثارها فقهاء القانون، وهي: ما موقف الشريعة من الشرط الجزائي فيما لو أراد أحد المتعاقدين وضع هذا الشرط عند العقد؟ وشكرًا.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن اذكر الأخ الضرير بأن هذه المسألة ألغاها الشارع بمعنى أن ديون العباس –رضي الله عنه – كان يريد أن يأخذها كاملة ولم يفرق الشارع ولم يستقص، وعدم الاستقصاء يدل على العموم فلم يقل له: هل إن ديونك على موسر أو على معدم بل إنه ألغى الربا في هذه الديون ورده على أصل ماله، فهذا المناسب إذا كان ملغى فإنه لا يمكن الاعتداد به، وشكرًا.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن البحث قد بين معاقبة الماطل ولم يذكر المال لا من قريب ولا من بعيد، وهو شيء طيب، لأنه إذا قلنا: إنه يجب أن يدفع المال – وهذا لم يقل به، طبعًا، أحد – ندخل في باب الربا؛ وأن يتفلت هذا الظالم فهذا ظلم، فالقول بأن يدفع مالًا، إن وجد فيدفعه أو يدفع إلى خزينة الدولة لا إلى خزينة البنك، وشكرًا.
الشيخ محمد علي عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
لي تدخلان، أولًا: مسألة المماطلة، لقد عبر كثير من المسئولين عن البنوك الإسلامية عن المشاكل الناجمة لمؤسساتهم من المماطلة، وهم جادون في البحث عن حل إسلامي يطبقونه إزاء المماطلين، ولكن مسألة جعل العقوبة بيد البنك خطيرة جدًّا لأن العقوبة لها شروط، وحتى لو قال البعض بفرض تعويض مالي فإن العقوبة حتى قضائيًّا تكون بالتعويض المالي، فالعقوبة لا تكون اقتصادية فقط بل مالية، فالذي أخذ مالًا أو بضاعة من البنك وكان معسرًا وطالبناه بإرجاع ما أخذ فإنه سيجد مشقة في ذلك ولذلك فإنه لا خوف سواء كان التعويض ماليًا أو كانت العقوبة جسدية.
ثانيا: عندما يتعلق الأمر ببضاعة فربما يطلب الحاكم من المدين ردها وهذا يمثل حلًّا إذا كانت البضاعة موجودة وإلا طولب بالتعويض عند التلف والتفويت وهذا ما يجب أن يبحثه المجمع الموقر، وشكرًا.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن تأخير البتّ في مثل هذه القضايا الظاهرة أمر لا داعي إليه فالله سبحانه وتعالى، عندما حرم الربا لم يفرق بين أن يكون المرابي فردًا أو مؤسسة أو دولة أو أي جهة أخرى، فالربا كما يحرم على الفرد فإنه يحرم على الدولة وعلى المؤسسة وعلى كل جهة تتعاطاه، والحرمة تعم الدفع والأخذ (لعن الله الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهده) فالقضية ظاهرة والعبرة بالمسميات لا بالأسماء، فلا فرق بين أن نسمي هذا الذي يأخذه البنك تعويضًا أو عقوبة أو أي اسم آخر، إنما العبرة هي هل هذه الطريقة جائزة شرعًا؟ لا نجد ما يبررها شرعًا بجانب هذا إذا فتحنا هذا الباب فمعناه أننا فتحنا باب الربا على مصراعيه، وبما أن هذه البنوك إنما يراد بها تطهير الاقتصاد الإسلامي من رجس الربا فيجب أن تكون كل معاملاتها طاهرة نظيفة قائمة على أسس الشرع الإسلامي فأرجو البتّ في هذا الموضوع، وكل شيء إذا قلب نقص إلا الكلام إذا قلب زاد، وأرجو الإسراع بالبتّ، وشكرًا.
الرئيس:
قبل الانتقال إلى المسألة الثامنة، أرجو التعرف برفع الأيدي على الأساتذة الذين يرون منع التعويض لإحالة الموضوع إلى اللجنة لصياغة الموضوع على ضوء المناقشات التي تمت فيه والأمور الجانبية الأخرى.
إذن الأغلبية مع المنع.
ننتقل إلى الموضوع الثامن: " حلول الأقساط قبل موعدها عند تأخر بعضها ".
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
في عقود البيوع ينص بأن المشتري إذا تأخر في دفع قسط وفي بعض العقود: في دفع قسطين متتاليين، فإن باقي الأقساط تحل فورًا لماذا لجأت البنوك الإسلامية إلى هذا؟ لأنها عندما تريد مقاضاة المدين – وقد يكون مماطلًا – فإن إجراءات اللجوء إلى المحاكم تأخذ وقتًا طويلًا، لذلك رأوا أن يكون الإجراء واحدًا، مرة واحدة عوض أن يطالبوا المدين كل مرة بقسط أو بقسطين، فبعض البنوك جعلته قسطًا واحدًا، وبعضها جعلته قسطين متتالين، بحيث إنه إذا تأخر عن دفع قسطين متتاليين يشرع البنك في اتخاذ إجراءات المطالبة بالدين كله هذا هو الواقع، والرأي للمجمع الموقر.
الرئيس:
الملاحظ في بحثكم يا أستاذ سالوس، أنكم لم تكيفوا المسألة من الناحية الفقهية.
الدكتور محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا نص في صلب العقد على أنه إذا أخل بدفع قسط فإن عليه أن يدفع كذا. . . وتستعجل بقية الأقساط، فإني أرى أن هذا يكون لازمًا، إذ لا شيء يمنع من هذا الشرط طالما اتفق عليه الطرفان، أما إذا لم ينص على ذلك في صلب العقد، وأخل بالقسط، فإن هذا، في رأيي، حالة شاذة وغير مقبولة، فالدائن إما أن يفسخ العقد أو يصبر على المدين أو يطالبه بالطرق الطبيعية، فأرى أن هذا الأمر إذا نُصَّ عليه فهو شرط مقبول والمسلمون عند شروطهم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أن هذا الشرط يعارضه قضية فقهية هي: العلم بالأجل إذ الأجل لابد أن يكون معلومًا من الطرفين لكن هل يجوز اشتراط مثل هذا الشرط؟ ما أذكره من كلام الفقهاء أنهم لا يجوزونه، ولكن وجدت لحافظ المذهب المالكي ابن رشد في كتابه " البيان والتحصيل " أنه يجيز مثل هذا الشرط، ولذلك أعتقد أن القضية يبتّ فيها باعتبار أن هذا الشرط لا يؤثر في الثمن ولا ينافي العقد وكل شرط كذلك شرط جائز، وشكرًا.
الدكتور بشار عواد معروف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل في البنوك الإسلامية أنها قائمة على أساس التجارة أي على أساس الربح والخسارة، فالذي تخطئ فيه البنوك أنها لم تقدر المسألة تقديرًا صحيحًا، قد تخسر أي لابد لها أن تخسر اتجاه البحوث في كثير من المسائل وكأن البنوك لابد أن تربح ولا يمكن أن تخسر في أية مسألة من المسائل، أرجو أن يعاد النظر في هذا وقد ذكر لنا الشيخ أحمد بازيع الياسين أنه لمدة ثلاث عشرة سنة بيت التمويل الكويتي الذي بلغ رصيده المتداول لديه أكثر من 3500 مليون دولار ما وقع عندهم مثل هذه الأمور إلا القليل أو ربما لا يوجد لماذا؟ هل لأن الإدارة تسير سيرًا صحيحًا في دراستها لكل وضع من الأوضاع؟ هذا ينبغي أن يدرس دراسة أساسية ويبقى إذا كان هو يربح 90 % من معاملاته فلماذا لا يخسر في بعض الأحيان نتيجة سوء تقديره أو لعدم معرفته بالشخص الذي تعاقد معه من كونه مماطلًا، والمفروض أن للبنك قسم دراسات وله دراية بمثل هذه المسائل، فينبغي إذن أن يتحمل جزءًا من هذه القضايا.
في قضية الجواز لاستحقاق كل الدين، قد يكون المدين معسرًا، فهل نعطي سلاحًا بيد البنك أو بيد أي شخص آخر لاستحقاق جميع الدين على مثل هذا المدين؟ فأنا أعتقد أن هذه المسألة ينبغي التريث فيها من هذا الوجه، وأن مثل هذه القضايا ينبغي أن تراعى فيها العقود الأصلية وأن يراعى فيها القضاء وأن يراعى فيها حسن الإسلام، لأن الأصل هو شركة وتجارة بين الإخوان إذا قامت على أساس إسلامي، وشكرًا.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا لا أرى مانعًا من اشتراط هذا الشرط، و ((المؤمنون عند شروطهم)) يشمل هذا المعنى، والشروط الباطلة لا تنطبق على مثل هذا الشرط، إلا أن هناك أمرًا يلوح في النفس وهو أن البنك بهذا الاشتراط سوف يضيف لنفسه إضافة في نظر العرف، هذه الإضافة هي إضافة مالية، ومعنى أننا منعنا عنه العقوبة المالية في الشق الأول، ونفسح له المجال هنا ليقوم بهذه العقوبة المالية في نظر العرف، فالعرف يرى أنها إضافة مالية، هذا شيء يثور في النفس رغم أنني مع صحة مثل هذا الاشتراط لأن الصفات التي إذا توفرت في الشرط أبطلته لا تنطبق على مثل هذا الشرط ولا يمكن أن نسمي هذا المعنى ربا، لكن هذه النقطة تبقى تلح في النفس وينبغي أن نجد لها حلًا.
الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم
المسألة هي في المدين الموسر وليس في المعسر، لأن المدين المعسر، ولو أن بعض الزملاء أتوا به على سبيل الاستطراد، فإنه لا يدخل في هذا الموضوع لأن المعسر ليس له دواء إلا النظرة التي جاء بها القرآن الكريم، أما الموسر فإنه يجبر على أداء الثمن الحالّ في أقساطه، فإن فعل ذلك فبها ونعمت، وإن لم يفعل فهناك تياران: الجمهور والحنفية، فالجمهور قالوا: للبائع حق الفسخ إذا كان المشتري مفلسًا أو كان الثمن غائبًا عن البلد مسافة القصر، وذهب الحنفية إلى أنه ليس للبائع حق الفسخ، كل ما هنالك أنه له التقاضي للحصول على حقه، وفي هذه الحالة هو دائن كغيره من الدائنين، لكن يسقط الأجل وله المطالبة بكل الأقساط المتبقية من الثمن الحالّة، بلا اشتراط إذ هو حقه ومن مارس حقه هو في غني عن اشتراطه في أول الأمر، هذا عند الحنفية ما لم يشترط الدائن لنفسه خيار النقد، كأن يقول: إن لم تدفع الثمن في موعد كذا فلا بيع بيننا هذه مسألة ثانية وما تفضل به زميلي الأستاذ التسخيري وجيه لأن قضية الاشتراط، فيما لو جعلناه شرطًا، فإن السادة الحنابلة يفتحون الباب الوسيع أمام الشرط ما لم يُحِل حرامًا أو يحرم حلالًا، لكن إذا أخذنا بمذهب الحنفية فنحن في غنى عن الاشتراط وعن التعاقد بهذا الشكل شكل المشارطة، ما دام الأمر يتعلق بحق مشروع ورأي الحنفية وجيه.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة لموضوع حلول الأقساط قبل موعدها عند تأخر بعضها أرى أنه لا مانع منه، شرعًا، وقد ذكر الحنفية هذه المسألة بالذات وقالوا: إذا ماطل المدين في أداء بعض الأقساط فإن الدين المتبقي يصير حالًا، وهذا لا يخالف قاعدة من قواعد الشريعة (المسلمون عند شروطهم) ، وشكرًا.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أرى أن هذه المسألة بحاجة إلى دراسة أكثر استيفاء، ذلك أننا نحتاج إلى التمييز في حلول الأقساط، بين موسر ومعسر، وهل هذا المعسر عسره مؤقت أم دائم؟ وهل إذا كان معسرًا يجب علينا إنظاره أو يستحب لنا ذلك؟ وإذا كان معسرًا فالفرض أنه عندما أقرضناه كان موسرًا فهل نستمر على هذا الفرض أم نتجاوزه؟ ثم ما قيمة الدين إذا طالبناه بالأقساط الحالّة، هل نطالبه بقيمة الحلول أم بقيمة الأجل أي الدين الاسمي؟ فأنا أرى أن كثيرًا من المسائل ما زالت محتاجة إلى البحث المعمق والمناقشة، ولذا أقترح إرجاء الموضوع إلى دورة قادمة.
الدكتور محمد سالم عبد الودود:
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة المماطلة في دفع الأقساط قريبة من الفلس، والمعروف في المذاهب المالكي أن الفلس كالموت يحلّ به ما هو مؤجل من الدين، لأن الذمة تصبح خربة فإذا أردتم القياس على الفلس فهذا أمر معروف يحل ما هو مؤجل من الدين لأنه إنما عامله ثقة بذمته وقد أصبحت ذمته لا ثقة فيها، فلا مانع من أن يحتاط لنفسه بأن يشترط حلول الأقساط عند عدم الوفاء إذا لم يكن هناك نص صريح يمنع هذا الشرط، وعندي ملاحظة تتعلق بأحد الكتب المالكية وهو حاشية الحطاب على مختصر خليل – في النسختين الأصلية والمصورة – ففيه أخطاء كثيرة يجب التنبه إليها عند الأخذ من هذا الكتاب، وشكرًا.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل في العقود والشروط الصحة والجواز ما لم يرد نص أو قياس صحيح بالمنع وهذه القاعدة – فيما أذكر- قد أقرها المجمع، فهذا الشرط صحيح لأني لا أجد ما يمنعه من نص أو قياس سليم، وقد سمعنا بعض الآراء الفقهية التي تجيزه، وأحب أن أفرق بين أمرين أشار إليهما بعض الإخوة.
إن هذا التقسيط أو الأجل قد يكون في قرض وقد يكون في دين، أما إذا كان في القرض فمذهب الحنفية أن الأجل في القرض ليس ملزمًا، فله أن يرجع في أي وقت ويطالبه بالرد، على أساس أن القرض تبرع، وهو متبرع بالقرض وبالأجل، وإن كنت لا أري هذا الرأي، وأنا مع المالكية الذين يرون أن الأجل في القرض ملزم، لكن إذا وضع شرط، سواء كان التقسيط نتيجة قرض أو نتيجة بيع، فالشرط ملزم، وهذا هو المعمول به في البنوك، يوضع هذا الشرط في عقود البيع كلها: أنه إذا لم يف المدين بالأقساط وتأخر عن دفع أي قسط يحل الأجل، وواضح أن المقصود هنا هو المدين الموسر- لأن المدين المعسر له أحكامه فلا يدخل في هذا الحكم – ولا أرى في هذا مخالفة شرعية.
الرئيس:
ما رأيكم يا شيخ الصديق في الديون طويلة الآجال كعشرين أو ثلاثين عامًا؟
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
هو على شرطه فما دام رضي بهذا وقبله فقد التزم به.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الشرط – من وجهة نظر أخرى – يؤدى إلى جهالة في الأجل، ونعرف أن الجهالة في الثمن والمثمن والأجل تؤدي إلى بطلان الشرط فهو في قوة قوله: أبيعك هذا على أن تقضيني بعد شهر أو بعد ثلاثة أشهر، على التردد، وهذا البيع، كما نعرف، لا يصح لوجود جهالة في الأجل، ويعتقد أن هذا ليس أمرًا كبيرًا بمعنى أنه يمكن أن يكون جائزًا على القول بجواز الشروط التي ليست بالغة الإغراق في الغرر، لأنهم أجازوا يسير الغرر إجماعًا للحاجة، لهذا فإني أوافق الذين طلبوا تأجيل هذا الموضوع لنطلع على أقوال العلماء فيها، كما أنني ألاحظ أنه لو باعه وهو مفلس فإن البيع لا ينفسخ ويبقى ساري المفعول، كما قال خليل:
وإن ساقيته أو أكريته فألفيته سارقًا، لم ينفسخ، وليتحفظ منه كبيعه ولم يعلم بفلسه، وأنا أرجو تأجيل هذا الموضوع، وشكرًا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
القول بأن هذا الشرط صحيح هناك ما يدعمه، ويبدو أن أساس ذلك الشرط الجزائي، وهو جدير بالوقوف عنده طويلًا، لكن ألاحظ أن العقد، بصفة عامة، يجب أن يكون أساسه العدل والتوازن في الحقوق التعاقدية، فالثمن هنا لوحظت فيه المدة في الأصل، وكثير من عقود البنوك الإسلامية صارت أشبه ما تكون بعقود إدعام، كما يقول القانونيون، من حيث إن رغبة الناس الصادقة في التوجه إلى المعاملات غير الربوية تجعل الإقبال شديدًا على هذه البنوك، لذلك تضاف في هذه العقود كثير من الشروط لصيانة حقوق البنك دون ملاحظة حقوق المتعاملين معه.
لذلك لابد في هذا المجال أن لا تطلق العبارة، فلابد أن يشار إلى أن يكون الأمر بدون إعسار، كما نبه الكثيرون، وبدون عذر، أيضًا، لأن قسطًا واحدًا يحل دينًا لعشرين عامًا، فالتخلف عن الدفع قد يكون لعذر كمرض أو حادث، فلابد أن يكون أساس عقودنا الإسلامية التوازن التعاقدي القائم على العدل، وموضوع الإعسار، ما دامت القضية لا تتعلق إلا بالموسر، يبعد عملية القياس على المفلس لأن الأمر هناك أمر إعسار وليس أمر يسار.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أؤكد على التفرقة بين المعسر والمماطل وكذلك بين من له عذر ومن ليس له عذر، فالقضية ليست قضية مال فقط وإنما يجب مراعاة الظروف من جميع الجوانب كالأعذار والآجال، فأعتقد أنه يجب أن لا يوضع الشرط عامًّا بأنه يجوز للبنك أن يفعل كذا عند التأخر، ويصبح هذا الشرط قالبًا متجمدًا ينتج عن تطبيقه ضحايا لابد فيما إذا أصدر مجمعكم الموقر قرارًا أن يلاحظ فيه هذه الظروف بالتفصيل كالإعسار وما إليه.
الملاحظة الثانية: نظرًا لطول بحث الأخ الكريم فإنه لم يذكر التكييف الشرعي الذي يحتاج إلى بحث وهو ينطبق على قضية الأجل، وهل هو ملزم أم لا؟ كما أشار إلى ذلك الأستاذ الضرير، وأكثر الفقهاء يقولون: إن الأجل في القرض ليس ملزمًا، والمالكية هم الذين يقولون بالإلزام وأيدهم شيخ الإسلام ابن تيمية والذين يقولون بعدم إلزامه في القرض باعتباره تبرعًا {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ، فما يترتب على القرض لا يكون ملزمًا ولكن هناك شروط يمكن أن تحل المشكلة من حيث إن هذا الشرط جرى به العرف وإنه لا يخالف مقتضى العقد وبالتالي لو شرط يمكن الإيفاء به لكن مع وضع هذه الضوابط التي ذكرها الإخوة وذكرت بعضها.
ملاحظة أخرى بخصوص الأحقية بالمال، فإن بعض الإخوة كيفوا المسألة على أساس أن هذا البنك يكون أولى بهذا المال، ففي اعتقادي أن هذه القضية التي أشار إليها الإخوة، تختلف تمامًا عما نحن فيه، إذ هذه المسألة في المفلس والمال العيني يكون موجودًا، أما القضية التي نحن فهي في الدين، ولم يقل أحد من العلماء بأن الإنسان يكون أحق بدينه حتى عند المفلس، بالإضافة إلى أن قضيتنا ليست قضية إفلاس بل قضية مماطلة من غني موسر ولذلك لابد ألا تتجه الأنظار نحو هذا التكييف الشرعي وهذا ما يجعل الموضوع في حاجة إلى مزيد البحث.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع، وإن كانت المداولات تؤدي إلى جواز هذا الشرط، لكنه بدا في هذه المناقشة أن هناك تفريقًا بين المعذور وغير المعذور وبين ديون طويلة الأجل وديون قصيرة الأجل كما تبين أن هذا الموضوع ليس له رصيد من البحث لدينا سواء من الوجهة البنكية المصرفية أو من حيث التكييف الفقهي والتخريج لها، فإن رأيتم أن تؤجل هذه المسألة إلى الدورة القادمة ويعد فيها بحث يضم هذه الأشياء المتناثرة ويمكن بذلك البتّ فيها فلتؤجل بناء على رغبتكم.
وبهذا ترفع الجلسة، ونستكمل بقية الموضوعات في الجلسة الصباحية القادمة ليوم السبت إن شاء الله تعالى.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواتي لاحظتم من خلال مناقشة هذا الموضوع والذي قبله أن نقاطًا كثيرة ما زالت محتاجة إلى زيادة الدرس، واقترح بعض الإخوان أن يقع بحثها في دورات قادمة، فبناء على تشكيل لجنة شعبة التخطيط التي اتفقتم عليها والتي يرأسها الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور، يمكنكم أن تتقدموا باقتراحاتكم إلى هذه اللجنة حول الموضوعات التي ترغبون تأخيرها، حتى تأخذ مكانها من القائمات المعروضة عليكم، وحتى ننظر في ترتيب هذه الموضوعات حسب أولوياتها ويحذف ما يكون من التكرار فيها، وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله.
كان من المفروض أن نبدأ في هذه الجلسة موضوع حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، لكن بقيت بقية من موضوع بيع التقسيط فلنقتطع بعض الوقت لاستكمال بحث الموضوعات الباقية بداية من التاسع وهو:" اللجوء إلى التحكيم لإزالة ضرر مطل الغني ".
الدكتور محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
لست أرى الربط بين موضوع بيع التقسيط وهذه المسألة وأرى أن التحكيم يعم كل المسائل، ولا أرى ضرورة مناقشة هذه المسألة.
الرئيس:
هي مسألة إجرائية، وعلى فالرأي للمجلس، فهل ترون إبقاءها ومناقشتها؟ أمم ترون استبعادها؟ إذن ترون استبعادها.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
إنما مشكلتها إذا حكم المحكمون على المدين المماطل بالتعويض المالي، إذا غالبًا ما يحكم هكذا.
الرئيس:
نتائج الأحكام تعود إلى ذات المحكمين هل هم شرعيون أم غير شرعيين؟ وهو يعود إلى ذاتهم.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
وهذا هو المقصود، أي المقصود أن يصلوا إلى حكم مالي عليه بقرار من لجنة التحكيم.
الرئيس:
في الواقع ما أنت عليهم بمسيطر، فطالما أن البنك قد يختار محكمين شرعيين أو يختار محكمين قانونيين، فجهة الاختيار التحكم فيها ليس إلى الفتيا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
يوضع في العقد نص يقول: في حالة عدم السداد يحال الأمر للتحكيم للحكم بكذا وكذا.
الرئيس:
تعرفون ما انتهى إليه المجلس بالأغلبية في خصوص العقوبة المالية.
المسألة العاشرة: " ضع وتعجل ".
الدكتور علي أحمد السالوس:
بالنسبة للنقطة السابقة أريد أن أشير إلى أن لجنة التحكيم لا تحكم بالتعويض المالي.
الرئيس:
قلنا إن الأمر إجرائي.
الدكتور علي أحمد السالوس:
مسألة: "ضع وتعجل " جمهور الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، يرون عدم جوازها وابن عباس وبعض الفقهاء والتابعين يرون جوازه، وكثيرون يرون الجواز إذا لم يكن بشرط لأن الذين يمنعونه ، يمنعونه إذا كان بشرط أي إذا اشترط بأنه إذا دفع قبل الموعد فإنه يخصم من المبلغ كذا مناسبًا للفترة الزمنية، فقالوا هنا: إذا كان بغير شرط فإنه جائز، أما إذا كان بشرط فإنه لا يجوز، هذا موجود في العقود، ففي بعضها يذكر: أنه إذا دفع قبل الموعد – أو يشترط الآخر أنه إذا دفع قبل الموعد – يخصم من المبلغ ما يوازي المدة الزمنية، وبهذا الشرط يرى الجمهور عدم الجواز.
الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
رأي الجمهور على إطلاقه يمنع التبرع لأن من يريد أن يتنازل عن حقه في هذه المسألة فلا يمكن أن نمنعه إذا لم يكن في المسألة شائبة الربا فلو جاء شخص إلى مدينه قبل حلول أجل الدين قال: ادفع ما يمكنك دفعه الآن وأتنازل لك عن الباقي، فبأي وجه يمكننا منعه؟ كذلك الذين ذهبوا إلى المنع مطلقًا ليسوا على صواب، ولذلك يترجح رأي الشافعي ومن تبعه في أن المسألة إذا كانت مشروطة فإن الربا، هنا، واضح وهو كما قال: ارفع وتأجل، فيكون هذا كذاك، نفس العلة وهي مقابلة الزيادة أو النقص لأجل وهذا هو المحظور شرعًا أما إذا لم تكن المسألة مشروطة فإنها تأتي على صيغة التبرع وهو أمر مندوب إليه شرعًا، وشكرًا.
حجة الإسلام محمد على التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة إلى " ضع وتعجل " لا ريب أن أدلة حرمة الربا لا تشمل هذا المورد شمولًا بالنص، بحيث يدخل في منطوق أدلة حرمة الربا، الربا ينظر إلى الزيادة نتيجة التأجيل، فإذا أردنا أن تشتمل الأدلة هذا المورد يكون علينا أن نأتي بقياس، والقياس حتى لو قبلناه، ونحن لا نقبله، وهو قياس مع وجود الفارق، والفارق هنا واضح جدًّا فهناك زيادة تؤخذ نتيجة إمهال وهي، عادة، تضر بالضعفاء، ولعل الشارع ركز فيها على هذا الجانب، أما الوضعية هنا فهي تحصل نتيجة تمكن من الدفع العاجل، فلا يمكن قياس هذا المورد بذاك المورد.
في المرحلة التالية نجد أمامنا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لليهود: ((ضعوا وتعجلوا)) وهي طريقة يشرح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل شرعي لهؤلاء كيف يستوفون ديونهم بسرعة قبل جلائهم هذه الرواية مطلقة المدلول ولا يمكن أن نجعلها خاصة في مورد، وبالتالي تخصيص الدكتور الأخ السالوس بالمورد، أو حتى من يقول بأنهم كفار محاربون وأموالهم حلال بما فيها هذا المقدار، فإن هذا المعنى لا يفهم من الرواية، ما يفهم من الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمهم طريقة للخلاص من هذه الحالة في مقابل ذلك نجد الصحابة مختلفين، فحبر الأمة يخالف صحابيًّا آخر، وهنا أنبه إلى نقطة جاءت في بحث الدكتور السالوس وهي " أن الذين لا يجيزون ضع وتعجل هم عامة الصحابة" فهذا الاستقراء لا ادري كيف تم حتى نعرف عامة الصحابة والتابعين الذين لم يجيزوه؟! وعبارة معمر، الواردة هنا " ولا أعلم أحدًا قبلنا يكرهه "، لا تدل على عدم الجواز فبعد عدم دلالة القرآن الكريم على الحرمة وما ورد من الرواية بالجواز واختلاف أقوال الصحابة فإن الصواب أن يبقى هذا على الحلية ولا مانع منه، وهو، في الواقع، مجرد تبرع يتفق عليه للخلاص من الدين، وشكرًا.
الدكتور عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن في مرحلة أستطيع أن أقول إنها مرحلة انتقالية إلى تطبيق المعاملات الإسلامية في مصارفنا ومؤسساتنا الاستثمارية الأخرى وكثير من العاملين في مؤسساتنا الإسلامية سبق لهم أن تعاملوا بالمعاملات الربوية، وهنا يرد الالتباس وإذا أردنا أن نقر ((ضع وتعجل)) وهي مسألة جائزة فيجب أن يكون لها تفسير واضح، حتى لا نقع في خطأ ربوي، وهو الحسم، والحسم هو أن تذهب إلى الدائن فتطلب منه حط مبلغ عنك مقابل الزمن فبدل أن تدفع، مثلًا، عشرة واثنين مقابل زمن قادم، في العمليات الربوية، فإنك هنا تدفع ثمانية لأنك طرحت اثنين مقابل زمن قد أخذ عليك مبلغ مقابله فلو كانت العملية أننا أقرضنا شخصًا أو بعناه بالتقسيط على ثلاث سنوات، ثم جاء بعد سنة فإنما يحصل هو كالتالي: يضرب المبلغ في النسبة في الزمن ويطرحه، وهذه العملية هي عملية الربا في حد ذاتها فلذلك عندما نتحدث على مسألة " ضع وتعجل " وهي مسألة جائزة، يجب أن نكون دقيقين في تفسيرها، أي لا ننسب الخصم للزمن وبنسبة يكون هناك اتفاق على أننا نطرح مبلغًا معينا من الربح حسبما نتفق عليه، ولكن معادلة الربا لا نضعها في الموضوع حتى لا يلتبس الأمر بين الحسم وبين "ضع وتعجل "، لأن " ضع وتعجل " لا علاقة لها بمعادلة الربا فالاتفاق يكون بين الطرفين والزمن لا قيمة له فيه فيكون العرض هكذا: تريد مني ألفًا سأعطيك، مثلًا، ثمانمائة أو سبعمائة، ويكون الاتفاق على مبلغ معين لكن لا يكون على صورة أن تقول: مقابل السنتين الباقيتين من الأجل كم تطرح لي من الدين؟ هذه النقطة يجب مراعاتها عند الصياغة حتى يصاغ الموضوع بشكل خالٍ من الالتباس في فهم موضوع " ضع وتعجل "، وشكرًا.
الرئيس:
في خصوص النقطة التي أشار إليها الشيخ علي التسخيري وهي شكه في أن عدم جواز " ضع وتعجل " هو رأي عامة الصحابة فإن عددًا من الفقهاء وعددًا من المحدثين أشاروا إلى ذلك، وهذا لا ينفي أن يكون هناك من قال بخلافه من الصحابة أما حديث " ضع وتعجل " في شأن بني النضير فإن عددًا من الحفاظ يرون ضعفه.
الدكتور وهبة مصطفي الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
المعروف أن ما تعلق بالربا ينبني إما على عقد أو اتفاق أو شرط، والشرط إما أن يكون مصرحًا به وإما أن يكون متعارفًا عليه، لأن قاعدة الفقهاء، كما هو معلوم لدى الجميع، " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا "، وبناء على هذا فإني أرى أن هذه القاعدة، تمشيًا مع الأصول التي يقوم عليها تحريم الربا في الفقه الإسلامي، تدور في فلك الاتفاق أو الاشتراط المصرح به أو المتعارف عليه، وأما ما عدا ذلك فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سداد الدين قال:((خيركم أحسنكم قضاء)) ، فإني أعتقد أنه في مجال التبرع يدخل تحت هذا الأمر النبوي المندوب إليه وهو أن الدائن قد يرى عجزًا في المدين فيعرض عليه حطيطة في هذا الدين ليحصل باقي الدين جله أو بعضه، فما المانع إذن من أن يكون هناك تبرع بالحط من الدين في سبيل الحصول على الباقي، وهو متفق مع الحديث الذي ذكرته، وأنا متفق مع أخي الدكتور العاني في أن مذهب الشافعية في هذا الموضوع هو أولى المذاهب من حيث العمل به فيه، وهو متفق مع مبادئ الشريعة وروحها وأصولها العامة.
الدكتور محمد نبيل غنايم:
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو العودة إلى مسألة حلول باقي الأقساط عند مماطلة المدين في دفع قسطين أو ثلاثة في البيع الآجل.
الرئيس:
لنبق في موضوع النقاش.
الدكتور محمد نبيل غنايم:
في خصوص " ضع وتعجل " هي مسألة مقبولة ولا بأس بها، وبخاصة أننا راعينا ذلك في البيع بالتقسيط فقد أعطينا زيادة مقابل الأجل، فإذا أصبح المدين قادرًا على سداد دينه فلا بأس من التنازل له عن بعض الأقساط مقابل التعجيل بالدفع، وهذا لا بأس به.
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم
لي رد على أخي الدكتور علي السالوس الذي قال: بأنني لم أجد صحة لهذا أو لم أعثر عليها، فالواقع - كما ذكرتم - الرواية موجودة ولكن للفقهاء أو للمحدثين فيها كلام، هذا من ناحية، لأن هذه الرواية قد استدللت بها في بحثي واطلعت على رأي المحدثين فيها.
ثانيًا: أنا لا أرى مانعًا من الأخذ بهذه الرواية بمدلولها ومنطوقها بأنه لو أرادت الجهة الممولة أن تقول للمدين: لو أعطيتني المبلغ قبل حلول الأجل فلا مانع من أن أتنازل لك عن قسط من ديني، وهذا نوع من التبرع، لا أرى فيه بأسًا، وشكرًا.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع " ضع وتعجل " نظرة الجمهور إليه، كما عبر عنها المالكية، هي عبارة عن سلف بزيادة، إذا حينها يقول له:" ضع وتعجل " فكأنما أعطاه عن مائة له في ذمته خمسين، مثلًا، وأسقط عنه خمسين، عن طريق السلف والإقراض، وحينما يأتي الأجل لخلاص الدين تستوفى المسألة على هذا الأساس، وهذا يجعل القضية ربوية إذا نظرنا إليها هذا النظر، وهو نظر الجمهور ولكن النظر الآخر الذي يستند إلى الحديث، وإن كان هذا الحديث فيه قول، إلا أنه فعلا يتماشى مع واقع الحياة المعاشة، وهناك كثير من الديون التي يصعب على أصحابها الوفاء بها جملة واحدة ويلوح للدائنين أن قضاء بعضها أفضل لهم من الانتظار، وفي هذا نفع للمدين، وما دام يمكن الاستئناس بالحديث وإن كان فيه بعض الشيء وكذلك فيه مذهب فقهي هو مذهب الشافعية، فأرى أن يوافق المجمع على إجازة هذه المعاملة، وإن كان هذا خلاف رأي الجمهور.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة الدقيقة في الفقه والاقتصاد ولعل مناقشة هذه المسألة، في نظري، قبل أن يناقش المجمع مسألة تفسير جواز الزيادة في البيع المؤجل هي مناقشة قبل الأوان، ولعل سبب ذلك أن الأخ الدكتور السالوس لدى عرضه وتلخيصه لبحوث بيع التقسيط كان مائلًا قليلًا إلى تلخيص ورقته دون استيعاب كل المسائل التي وردت في البحوث الأخرى، ومنها أن الموضوع متصل بشعب ثلاث: القرض، وبيع التقسيط، وبمسألة اقتصادية على غاية الأهمية هي تقويم المشروعات، وهذه المسألة الأخيرة قد يكون للمجمع عذر في عدم مناقشتها لأنها تحتاج إلى ندوة اقتصادية تدرسها قبل عرضها على المجمع، وأريد أن أبين نقطة مهمة جدًّا، أيضا، وهي أن الزيادة في مقابل الزمن ليست دائما ربا حرامًا، وقد أكثرت من النقول في بحثي في خصوص هذه النقطة من مختلف المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من الزيدية والمعتزلة وغيرها، من الزيدية والمعتزلة وغيرها، وأرى أنه يجب أن تدرس هذه النقول دراسة وافية قبل التسرع في إصدار فتوى تحرم " ضع وتعجل ".
إن بيع الأجل الذي أجاز فيه جمهور الفقهاء الزيادة للتأجيل أي للزمن، فإذا اتفقنا مع الجمهور في إجازة هذا فمن المناسب أن نجيز " ضع وتعجل " طالما أن العلاقة ثنائية بين المتبايعين، وهناك فرق واضح في الحكم الشرعي بين " ضع وتعجل " في العلاقة الثنائية بين المتبايعين وبين الخصم المصرفي الذي يتخوف منه بعض الإخوة، فأنا لا أشك في أن الخصم المصرفي الذي يدخل فيه وسيط ثالث وهو المصرف، هذا الخصم المصرفي، هو من قبيل ربا النسيئة المحرم، ولكن " ضع وتعجل " بين المتبايعين إذا كنا قد أجزنا فيه عند البداية أن نزيد للتأجيل فمن المعقول جدًا أن نضع للتعجيل وإلا فإننا لا نستطيع أن نفسر تفسيرًا منسجمًا المسألتين مسألة الزيادة للتأجيل في البيوع ومسألة الحطيطة للتعجيل في البيوع، فأنا أقترح على المجمع أن ينظر في مسألة على غاية الأهمية فلا يكفينا أن نقول: إن الزيادة في البيع المؤجل جائزة، فحسب، بل يجب أن نفسر هذه الزيادة لماذا جازت؟ إنها جازت، في نظري، للزمن، فإذن يجب أن نتفق على هذا قبل أن نمضي في مسألة:((ضع وتعجل)) .
إن الزيادة في مقابل الزمن، أقول: إنها ربا، ولكن ليس كل ربا حرامًا في الإسلام، وقد بينت هذا بوضوح في بحثي فأرجو منكم قبل النظر في موضوعنا أن نتفق على تفسير لجواز الزيادة في البيع المؤجل قبل الانتقال إلى هذه المسألة المهمة، وشكرًا.
الرئيس:
ليس كل معاملة حرامًا أما ليس كل ربا حرامًا فما أدري به، يا حضرات المشايخ أنتم تعرفون أن بحث موضوع بيع التقسيط إنما ورد بسبب التعامل المعاصر في هذه القضية، وهذا الموضوع أحاطت به هذه النقاط الثلاث عشرة، منها ما هو من قبيل المستجدات التي بتَتُّم في عدد منها، ومنها ما هو مبحوث باستفاضة لدى الفقهاء المتقدمين مثل: العينة والتورق، ورأيتم رفع هاتين القضيتين نظرًا لانتشار البحث ومعرفة آراء أهل العلم فيهما.
يبقى موضوع " ضع وتعجل " هل ترون أن يبتّ فيه في هذه الدورة أو أن يرفع مثل التورق والعينة لالتحاقه بهما، أو أنه له أهمية ومساس كبير بهذه المعاملة، ونظرًا لكون مذهب الجمهور هو المنع فقد ترون أنه لابد من إعداد بحث أو بحوث متكاملة في هذا الموضوع، سواء من الوجهة الحديثية لأنه يستند إلى عدد من الأحاديث، أو من الوجهة الفقهية وتمحيص الأقوال، ويشار في القرار إلى تأجيله إلى الدورة القادمة.
إذن يؤجل حسب اقتراحكم النقطة الحادية عشرة.
الدكتور علي أحمد السالوس:
يلجأ البائعون إلى عقود الاستيثاق المختلفة ولكنا وجدنا بعضهم يلجأ إلى وسيلة أخرى وهي الاحتفاظ بملكية المبيع، ومعلوم أن أهم الآثار المترتبة على عقد البيع هو نقل الملكية، ولذلك فإن هذا الاحتفاظ يتعارض مع مقصد العقد أساسًا وقد وجدنا بعضهم لا يلجأ إلى الاحتفاظ بالملكية بطريقة مباشرة، وإنما يلجأ إلى عقد آخر وهو عقد الإيجار المنتهي بالتمليك أو التمليك التأجيري.
وفي هذا العقد نرى أن البيع هو الذي ينطبق على العقد وليس الإجارة، يعني، مثلًا، الأقساط تتناسب مع ثمن المبيع وليس مع الإجارة، ثم إن الالتزامات المترتبة على هذا العقد هي التزامات المشتري، لا المستأجر، فهو الضامن وهو الذي يتعهد بحفظ المبيع والتأمين عليه وهو الذي يقوم بإصلاح كل شيء نتيجة لنقل الملكية يترتب على ما سمي بالمستأجر، ولذلك أرجو هنا، ما دام المجمع قد اتخذ قرارًا في عقد التأجير المنتهي بالتمليك وقرر جواز هذا بشرط أن يتفق مع عقد الإيجار وما يترتب عليه، إنما كل العقود التي رأيتها، تخالف هذا.
لذلك أرى هنا أن يتخذ المجمع الموقر قرارًا بمنع الاحتفاظ بملكية المبيع، لأن هذا هو أهم الآثار المترتبة على عقد البيع، ويمكن للبائع أن يلجأ إلى عقود الاستيثاق الأخرى، وشكرًا.
الرئيس:
التعبير دقيق، يا شيخ علي، الاستيثاق أو تعويق ملكية المبيع.
الدكتور على أحمد السالوس:
" الاحتفاظ " لأنه يجعل الملكية كما هي للبائع فإذا ما انتهت المدة نقل الملكية بعد نهاية العقد.
الرئيس:
لكني أقول: إن المسألة ليست احتفاظًا إنما هي تعويق فقط أما الملكية فهي منتقلة.
الدكتور علي أحمد السالوس:
لا تنتقل الملكية أبدًا، فهي احتفاظ كامل.
الرئيس:
بل تنتقل في الأصل.
الدكتور علي أحمد السالوس:
في التطبيق العملي لا تنتقل أبدًا ، يبقى الاحتفاظ الكامل بالملكية.
الرئيس:
هو الاحتفاظ في الحال الثانية أما في أصل الملكية فهي منتقلة نظرًا لقوة العقد.
الدكتور علي أحمد السالوس:
وفي الأصل أيضًا حتى في البيع لا ينقل الملكية، يعني يبيع مثلًا سيارة فتبقى الملكية للبائع حتى نهاية الأقساط.
الرئيس:
أنا معك في هذا لكن الملكية بقوة العقد، منتقلة شرعًا وهذا لا إشكال فيه.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما مسألة العقد وبقاء الملكية للبائع الأول فهي أمر لا يتصور إلا أن الواقع العملي هكذا ربما، هناك صورة الإيجار المنتهي بالتمليك ولها حالتان: تارة في نهاية كل قسط يكون هناك تمليك لحصة مشاعة بمقدار ذلك القسط، وتارة أخرى في نهاية الأقساط يتم التمليك، وصورة الإيجار المنتهي بالتمليك لم يشأ المجمع في العام الماضي أن يصدر رأيه فيها وأجل الأمر إلى وقت آخر، وإن كنت أرى أن هذا الشرط صحيح سواء كان شرط الفعل يعني شرط التمليك أو شرط النتيجة يعني شرط التملك في نهاية كل قسط، وعلى كل حال فرأي المجمع هو المقدم.
قضية بيعتين في بيعة كان هو المستند ورأينا أن هذه القضية لا تشكل مستندًا، أنبه هنا إلى أن هذه العملية ليست صورية، كما تفضل الأستاذ السالوس، وذلك بملاحظة أمرين أساسيين.
الأمر الأول أن الأقساط المأخوذة أو ما يسمى بالتزامات المستأجر المالية وغن كانت كالتزامات المشتري، إلا أن ذلك باعتبار الفرق بين هذا المستأجر وذلك المستأجر الذي يراد تمليكه، وهي ميزة ترفع قيمة الإجارة.
الأمر الثاني أن الالتزامات هنا ليست كاملة يعني التلف هنا من مال البائع، ولا يمكن تضمين المستأجر العين إذا تلفت بصورة طبيعية، وإذا لاحظنا هذا المعنى كان هناك فرق حقيقى بين هذه المعاملة وتلك المعاملة الربوية، ولا يمكن أن نجعلها معاملة صورية.
مسألة الرهن التي أشار إليها الأستاذ لا مانع منها – كما أرى – والأستاذ السالوس قال: الرهن يخالف مقتضى العقد، والصحيح خلاف ذلك إذا مقتضى العقد هو انتقال الملكية لكن تنتقل الملكية، هنا، لا بكل آثارها، ومن آثارها قدرة المالك أن يرهن هذا المعنى، ما أكثر الملكيات المحجور التصرف عنها مثل ملكية السفيه والصبي. . . إلخ فالملكية منتقلة، وهي مقتضى العقد والرهن لا يخالف مقتضى العقد وحينئذ فلا مانع من انتقال الملكية ولكن يكون البيت مرهونًا لدى البائع حتى يتم تسليم الأقساط.
هناك صورة ثالثة لا أرى فيها مانعًا وهي أن يشترط البائع منذ البدء أن يكون له حق خيار الفسخ بمقدار الحصة التي يتأخر عن دفعها المشتري، على الشيوع، ويشترط أيضا أن لا يكون للبائع خيار ما يسمى بتبعض الصفقة، يعني عندما يفسخ في جزء من هذه الصفقة يأتي خيار يسمى خيار تبعض الصفقة هو يشترط الخيار له ويتشرط إسقاط خيار تبعض الصفقة وحينئذ يحصل له ما يريد بشكل كامل ويضمن دفع الأقساط، وشكرًا.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
العبارة وهي: منع الاحتفاظ بملكية المبيع، أظن هناك عبارة فقهية في خيار الشرط تقول:" يوقف العقد في حق حكمه " ألا يمكن الاستفادة من هذه العبارة في هذا المجال.
الرئيس:
هو نفس العقود الموقوفة أو المعوقة، هذا نفس المعنى.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
سبق أن وافق المجمع الموقر على عدة بدائل فيما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك في اجتماع الكويت منها: بيع بخيار طويل المدى مع الإجارة خصوصًا عند من يقول بأن الخيار يمكن أن يكون إلى أمد بعيد، هذه الصيغة يمكن أن تطبق هنا، وافق على بديل آخر وهو بيع الثنيا بمعنى أن البائع يستثني غلة المبيع مدة من الزمن، وهذا جائز في الدور والعقارات أي فيما لا يتغير، المدة اختلف العلماء فيها، خصوصًا المذهب المالكي، من عشر سنوات إلى سنة واحدة، هذا أيضًا يمكن أن يكون بديلًا فأرجو أن يراجع قرار المجمع فيما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك والذي قدمت فيه يحثًا صودق على أربع صور منه وبقيت صورتان لتنعقد لهما ندوة خاصة، وشكرًا.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
التعبير بملكية المبيع هو في الحقيقة تعبير مقصود به أن يظل المبيع مملوكًا للبائع إلى أن تستوفي كل الأقساط بدليل أنه إذا لم يتمكن المشتري من الوفاء بالأقساط فإن البائع يمكنه بيع هذا المشترى، وهذا العقد بهذه الصفة رضي به المشتري، فهو إذن عقد معلق وليس عقدًا باتًّا ناجزًا، ومن هنا يبدو لي أن هذا العقد غير منعقد وغير صحيح، وشكرًا.
الرئيس:
إن رأيتم أن تضاف إلى لجنة الصياغة مسألة الاحتفاظ بملكية المبيع ورهنه مع مراعاة ما جاء في قرار دورة الكويت فيما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك يكون مناسبًا إذن الموضوع الأخير: أثر الموت في حلول الأجل.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة للبيع بالتقسيط إذا مات البائع انتقل الحق إلى الورثة، ولكن إذا مات المشتري فهل باقي الأقساط تؤدى في مواعيدها أم أنه تؤخذ من التركة أولًا قبل توزيعها؟ هنا وجدنا اتجاهين: اتجاهًا إلى أن هذه الأقساط – أو أي دين – يحل كله بموت المدين وتؤخذ هذه من التركة أولًا قبل توزيعها، واتجاهًا ثانيًا هذه تؤدى في مواعيدها ما دام البائع قد أخذ ما يضمن به حقه، ولعل هذا الرأي الثاني هو الأولى لأنه ما دام الأمر يرجع إلى الخوف من ضياع الحق بتوزيع التركة قبل استيفائه وما دام الورثة قدموا للدائن أو للبائع ما يضمن حقه بأي لون من ألوان الضمان فأعتقد انه ليس من العدل أن تتقدم كل الأقساط آجالها، وتدفع جملة قبل أوانها خاصة وأن هذه الأقساط هي ناتجة عن بيع روعيت فيه الزيادة في الثمن مقابل الأجل.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أود أن يعزو أخونا الدكتور السالوس هذا القول إلى قائله، من المعروف أن المدين إذا مات أو أفلس يحل الدين الذي عليه بموته أو فلسه، وإذا لم يصالح الورثة على شيء معين فلا يمكن أن يجبر الدائن على تأخير دينه، خصوصًا وأن البيع ليس خياريًا إذا الخيار هو الذي ينتقل إلى الورثة فإذا شاءوا ردوا، وإذا شاءوا أجازوا، وإذا اختلفوا في الرد والإجازة فهناك القياس وهناك الاستحسان عند المالكية، فما أدري من أين أخذ الدكتور السالوس هذا القول الذي يبقي المدين محتفظًا بذمته؟ لأننا إذا قلنا: عن هذا الدين ما زال مقسطًا على المدين الذي مات فكأن ذمة المدين لم تعد خرابًا، والحال أنها صارت فعلًا خرابًا بموت وأن كل الحقوق تحل في ذلك الوقت سواء منها الصداق المؤجل أو الدين المؤجل أو القرض إلى آخره.
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أضم صوتي إلى الأستاذ ابن بيه في التساؤل عن مصدر الرواية التي أوردها الدكتور السالوس والقائلة بأن الدين لا يحل بموت المدين إذ المعروف أن الدين يحل بموت المدين وهذا هو ظاهر الآية وظاهر ما اتفق عليه الفقهاء، إن المسألة ليست خيارًا من الخيارات – كما ذكر الأخ ابن بيه – حتى نقول بأن هناك من يقول بأن الخيارات تورث أو لا تورث فأرجو من الأستاذ السالوس إذا ذكر رأيا أن يذكر لنا مصدره حتى نتثبت منه وشكرًا.
الشيخ عبد الكريم اللاحم:
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد أن: " نفس الشخص معلقة بدينه بعد وفاته حتى يقضى عنه " هذه ناحية، والناحية الثانية أنه لا خلاف فيما أعلم، أن حق الورثة بعد الديون، وإذا كان كذلك فإن الدين يحل بموت المدين ويجب قضاؤه حالًّا، لأن مقابل الدين في التركة ليس حقًّا للورثة بل هو حق للغريم فيجب قضاؤه، هذه الناحية، والناحية الأخرى حتى تتخلص ذمة الميت من دينه، وشكرًا.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعروف نصًّا، كما ورد في كتاب الله الكريم، أنه لا حق في تركة المتوفى للورثة إلا بعد الوصية وقضاء الدين ويمكن بعد ذلك توزيع التركة {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وما دام هناك نص لا خلاف فيه فلا مجال للاجتهاد في مورده.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يذكره السادة الإخوة هو ما يشيع عن مذهب الحنفية بان الديون تحل بموت المدين، هذا هو الشائع في الأذهان، ولكن هناك آراء أخرى، كما ذكر الدكتور السالوس، تقول بأن الديون تبقى إلى نهاية آجالها، ويغلب على الظن أن هذا هو مذهب الشافعية، وهذه فسحة إذ لا يعني أن ذلك الدين لا يسدد، فالصحيح أنه:" لا تركة إلا بعد سداد الديون " ومعناه الديون الحالّة أما الديون المؤجلة فهذه فيها خلاف فعلًا في حلولها، ومذهب الشافعية، في ظني، لا يقول بحلول هذه الديون المؤجلة وتبقى، ولا يتنافى ذلك مع خراب ذمة المتوفى، فلا شك أن ذمة المتوفى انتهت بالموت، ولكن هناك بعض الآثار تظل باقية بعد موت الميت، حتى الشافعية بالذات يقولون في مثل هذه الأمور تبقى ذمة الميت بعد وفاته إلى أن تسدد هذه الديون المؤجلة.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أريد أن اضرب مثلًا: من اشترى عقارًا لمدة ثلاثين سنة ومات هذا المشتري بعد سنة أو سنتين، هل يطالب الورثة بأداء الديون كاملة؟ نفرق بين الدين الناشئ عن قرض أو مؤخر صداق أو غير ذلك وبين الديون المتصلة بشيء موجود، ولذلك كان سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم:((هل ترك قضاء)) ، فهنا ما دام لم يحل الموعد بعد وهذا الدين ناشئ عن بيع بالتقسيط ومراعى في الثمن الأجل فكيف نسقط حق الورثة في هذا التأجيل؟! وشكرًا.
الدكتور أنس مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
أضم رأيي إلى رأي الدكتور على السالوس، فإن من الظلم الفادح تطبيق قاعدة حلول الديون بموت المدين دون مراعاة لخصوصية ذلك الدين، فالقاعدة مسلمة ولكن تعلمون أن البيع إن كان نسيئة كعقار يباع مقسطًا ثمنه على خمس عشرة سنة فإن مجموع هذه الأقساط قد يتجاوز قيمة العقار عدة مرات – يعني يكون ثمنه المعجل – مثلًا – ألف وحدة، ويكون ثمنه المؤجل لمدة خمس عشرة سنة أكثر من الضعف مرات عديدة – فهل من العدل أن يطالب الورثة إذا مات مورثهم بأن يؤدوا قيمة العقار التي لوحظ فيها هذه الزيادة الكبيرة بسبب التأجيل، يؤدونها فورًا؟ هذا لا يمكن إلا أن يكون ظلمًا وأنا أقول: إن تطبيق فكرة مطالبتهم بالتعجيل يتم بالطريقة التالية: إما أن يحسب للزمن حصته من الثمن ويطالبون بأداء ما يتناسب مع المدة التي يؤدون عندها، وإما أن يؤخذ بمبدأ " ضع وتعجل " لأن هذه الصورة تشبه تمامًا الصورة التي وردت في الأثر وهي الاضطرار إلى تقاضي الدين في غير الوقت الذي اتفق في الأصل عليه، وفي هذه الحالة يكون تطبيق " ضع وتعجل " مناسبًا جدًّا لأن الموت ليس أمرًا إراديًا.
أمر آخر: ليس هناك أي إشكال في أن ذمة المدين قد انتهت بموته والورثة هم الذين سيؤدون الدين بعده ويقدمون الضمانات اللازمة، كما نصت على ذلك بعض المذاهب، فيصبح الورثة هم المسئولون في ذممهم عن أداء ما التزموا بأدائه، وتحررت تركة المدين من هذه المطالبة لأنهم ضمنوا وقدموا ما يقنع الدائن، وشكرًا.
الدكتور محمد نبيل غنايم:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك قاعدة شرعية تقول: " إن الغنم بالغرم " وهذا المتوفى قد اشترى بالأجل، وهذا الأجل منفعة وهي تنتقل إلى الورثة كما كانت حقًّا للمتوفى، هذا من ناحية، من ناحية أخرى النظر الآن اتجه إلى أن التركة موجودة وأن المدين له أموال ستنتقل إلى الورثة، وقد يكون المدين معسرًا حين الوفاة، فالأجل يراعى ويؤخذ به حتى يتمكن الورثة فيما بعد من سداد الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم لما ألزم المرأة بالحج عن أمها قياسًا على الدين وقال لها: أرأيت إن كان عليها دين أكنت قاضيته؟ فيقاس هنا، أيضا، أن الورثة حتى ولو لم يكن لمورثهم مال فهم سيؤدون ذلك في حينه، فينتفعون بالأجل كما كان سينتفع به المتوفى لو طالت به الحياة.
الدكتور عبد العزيز الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم
أؤيد الإخوة في الأخذ بوجهة النظر الثانية لا للتعليل الذي ذكره الأستاذ السالوس فقط، بل يضاف أن المدين لم يلجأ إلى الدين إلا لعدم قدرته على الدفع معجلًا وإن كان ينتظر أن يحصل له المال شيئًا فشيئًا ليسدد ما عليه من الدين، فإذا توفي فهل هناك مانع من انتقال ذمته إلى ورثته ونحن نستأنس بما ذكره الإخوة في موضوع: هل عليه دين؟ وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل دائمًا إذا مات الميت هل عليه دين؟ فإذا تكفل احدهم بسداد دينه صلى عليه، فمن هنا تأجل دفع هذا الدين، فاذا انتقلت ذمة المدين إلى الورثة ففي رأي هو جائز وأنه يمكن الأخذ به وأؤيد ما ذكره الأستاذ الزحيلي والأستاذ السالوس، وشكرًا.
الدكتور محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أؤيد ما قاله الأستاذ الخياط في أن المسألة ذات شقين: الشق الأول هو أن هناك ديون حالَّة، وهذه أشارت إليها آيات القرآن الكريم في أربعة مواضع بأنه لا تقسم التركة إلَاّ بعد سداد الديون أي الديون الحالّة، أما الدين المؤجل فللدائن أن يتخذ على الورثة من الضمانات ما يجعله مطمئنًا إلى سداد هذا الدين في موعده المحدد، ولا مانع من ذلك إطلاقًا، والمثال الذي ضربه أحد الإخوة بأنه قد يكون إنسان اشترى قطعة أرض من جهة حكومية مقسطة على عشرين أو ثلاثين سنة، ثم توفي، في هذه الحالة ربما يعجز الورثة عن سداد هذا المبلغ فللجهة الدائنة أن تتخذ على الورثة كافة الإجراءات التي تحمي حقوقها، ولا مانع من ذلك في تصوري، فهناك فرق بين الدين الحالّ وبين الدين المؤجل بالتقسيط، وشكرًا.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم:
إذا نظرنا إلى القواعد الفقهية المعروفة ولاسيما إلى قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فيبدو أن نأخذ بقول من يقول: إن الديون كلها تحل بموت المدين. ولكن الاتجاه الآخر الذي ذهب إليه الدكتور السالوس، وايده غير واحد من الإخوة، له وجه أيضًا، ولكنني أرى أن التحضير عندنا غير كافٍ للبتِّ في هذا الأمر، لأن الدكتور السالوس عندما تقدم بهذا الاقتراح لم يبين مأخذه ولم يتعرض لما قاله الفقهاء في هذا الصدد، وقد ذكر الأستاذ الزحيلي أن عند الشافعية قولًا يجيز تأجيل الدين في مثل هذا، ولكنه غير متأكد أيضًا، فأرى أننا لا يمكن أن نَبتَّ في هذا الموضوع إلَاّ بتحضير كافٍ والتعرض لكل مذاهب الفقهاء وكافة دلائلهم.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أستغرب كلام الإخوان، فنحن كمن يرى العين ويقتفي الأثر، فالأمور واضحة وهناك نصوص قرآنية، ثم نحن بعد ذلك نبحث عن شيء ليس موجودًا، والبعض يقول: نظن أن مذهب الشافعي كذا. في الحقيقة نود أن يؤكد هذا الظن، ويقدم لنا مذهب الشافعي، ثم هو يرى أنه خاص بمذهب أبي حنيفة وهو ليس خاصًّا بمذهب أبي حنيفة بل هو مذهب مالك وأحمد ومذهب الأئمة جميعًا أن الدين يحل بالموت، وكيف تجعلون الدين يحل بالفلس والمدين ما زال حيًّا لا يحق له أن يطلب نَظِرة من الدائنين؟ ومع ذلك لا تقولون إن الدين يحل بالموت.
هناك ما هو أغرب، البعض يقول: إذا كان أبوهم معسرًا فإنه يؤجل والحال أن المعسر لا شيء عليه، أما الورثة فقد قال بعضهم:" الغنم بالغرم ". فعلًا هو كذلك لأن الورثة إذا كان مورثهم مطالبًا بدين ولم يكن له مال فليس عليهم شيء، ثم إن المال لا ينتقل إلى الورثة إلا بعد أداء الدين فصاحب الدين يحل محل الميت والدين يحل بالموت – وهي هنا بالكسر فقط – هذه الديون الحالّة، القرآن الكريم قال:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} قال بعضهم: هذا مقيد بالديون الحالّة هذا التقييد ليس معروفًا فالآية فيها إطلاق، إذن فالورثة لا حق لهم أصلًا إلا بعد قضاء الديون، والورثة ليسوا طرفًا فلو كان المورث معسرًا ما نابوا عنه في قضاء الدين، قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا أصلي عليه)) منسوخ بالأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مسئول عن دين الناس، فحينئذ لا الورثة ولا الإمام يمتنع من الصلاة عليه، إذن المفلس لا يستطيع أن يقول: أمهلوني. فكذلك صاحب هذا، وشكرًا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إنما الآراء التي تريد أن تميز بين هذا الدين وبين الديون الأخرى، وأحب أن أضيف نقطة جديدة زيادة على ما ذكر وأريد أن تؤخذ بالاعتبار وهي أن الجهة صاحبة الدين قابلة بذلك، يعني أن العقود التي باتت تنظم الآن في بيع مؤسسات الإسكان للشقق والأراضي تنص على أنه إذا توفي فإن الدين ينتقل إلى الورثة وفق الترتيب المتفق عليه سابقًا مع الضمانات المعتمدة، وخاصة أن عنصر الظلم هنا، لأنه غالبًا ما تمس هذه القطاعات المحتاجة في مجال السكن وأثاث المنازل وغيرها فإذا قلنا بأن الدين يحل، هذا يعني في الواقع أنه سينتهي الأمر إلى بيع بالمزاد العلني لهذه الأشياء بثمن أقل من ثمنها الحقيقي، خاصة وإننا أمام زيادة مقابل المدة، وبالتالي نقتل اقتصاديًا هؤلاء الورثة الذين قد يكونون أطفالًا صغارًا، وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
تعلمون أن المسائل التي طرحت في هذا الموضوع هي ثلاث عشرة مسألة أحيل منها سبع مسائل إلى اللجنة منها ما بتَّ فيه بالمنع ومنها ما بتَّ فيه بالجواز ومنها ما بتَّ فيه بالجواز مع ضميمة النظر في قرار الإيجار المنتهي بالتمليك، وهناك بعض الموضوعات رفعت أما أثر الموت في حلول الأجل للديون فقد لا يساعدني حسن العبارة في التعبير عن مناقشاتكم الكريمة فإن هذه المناقشات مع جودتها مبنية على التفقه، أما أن يكون لدينا ورقة علم مفصلة فيها آراء الفقهاء ومظانها وأدلتها فأظن أننا متفقون على أنه ليس لدينا شيء من ذلك مع أن هذه المسألة لها أهمية ونظرًا لواقعها في العقود المجراة في الوقت الحاضر فإذا رأيتم أن تؤجل لمزيد الإعداد والبحث. . . إذن تؤجل.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (53 /2/6)
بشأن
البيع بالتقسيط
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " البيع بالتقسيط " واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر:
1-
تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالّ كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعًا.
2-
لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالّ بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.
3-
إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
4-
يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الآداء.
5-
يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
6-
لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.
ويوصي:
بدراسة بعض المسائل المتصلة ببيع التقسيط للبتّ فيها إلى ما بعد إعداد دراسات وأبحاث كافية فيها، ومنها:
(أ) خصم البائع كمبيالات الأقساط المؤجلة لدى البنوك.
(ب) تعجيل الدين مقابل إسقاط بعضه وهي مسألة " ضع وتعجل ".
(ج) أثر الموت في حلول الأقساط المؤجلة.