الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجراء التجارب على
الأجنة المجهضة والأجنة المستنبتة
إعداد
سعادة الدكتور محمد علي البار
مستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد
للبحوث الطبية
جامعة الملك عبد العزيز
وعضو الكليات الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
إن إجراء التجارب والأبحاث على الأجنة الإنسانية أمر قديم قد عرفته البشرية منذ عهود طويلة. وقد فحص جالينوس وأبقراط مجموعة من الأجنة المجهضة.. وقام لينواردو دافنشي (الإيطالي الطبيب العالم الموسيقي الرسام الفلكي الرياضي) في القرن الخامس عشر بدراسة بعض الأجنة.
وكانت الدراسة تتمثل في معرفة تشريح الجنين وكيفية بنيته وتطورها مع تقدم الحمل، حتى تمكن العلماء من معرفة هذه المراحل المتطورة بدقة. وكانت هذه المعرفة نبراساً لمعرفة منشأ مختلف الشذوذات في التكوين التي يلاحظها الأطباء للأطفال عند الولادة وما بعدها، كما أن هذه الدراسات أدت إلى معرفة وثيقة لتشريح جسم الإنسان وكيفية تكون أنسجته وأعضائه مرحلة بعد مرحلة، وكيف يمكن أن تتوقف عملية النمو عند مرحلة معينة مؤدية إلى عيوب خلقية خطيرة أو يسيرة.
وفي العصر الحديث تم استخدام أنسجة الأجنة لدراسة فروع مختلفة من العلوم، فعلى سبيل المثال في مجال دراسة السرطان تمت دراسة مستضدات الأورام الجنينية (Oncofetal Antigens) ، في كثير من أعضاء الأجنة مثل الدماغ والكبد والبنكرياس والغدة الثيموبية (السعترية) . وفي مجال دراسة الفيروسات استخدمت أعضاء الأجنة مثل الكبد والرئتين والكلى لعزل الفيروسات ولإنتاج اللقاحات الفيروسية المختلفة.. وفي مجال الغدد الصماء استخدمت غدد الأجنة وخاصة الغدة الكظرية لإنتاج الهرمونات، وفي مجال كيمياء علم الموروثات الحيوي (Biochemical Genetics) تم استخدام الكبد والرئة والدماغ والمشيمة من الأجنة وذلك لمعرفة الأنزيمات المعينة ولمعرفة عيوب الاستقلاب الوراثية (Inborn errors of Metabolism) ، وفي مجال علم الدم (Haematology) استخدمت أعضاء الجنين مثل الكبد والطحال ونخاع العظام دراسة كيفية تكوين عناصر الدم المختلفة (Haemopoiesis) ، وفي حقل البيوليجيا بفروعها المختلفة استخدمت الأجنة لمعرفة فصائل الدم وتكوين الجنس والغدد التناسلية ودراسة الخلايا وتحضير الرسول الريبي (Messenger ribonucleic acid) ودراسة خصائص الخلايا الآكلة في تكوين الغشاء المشيمي. واتسعت الدراسة في مجال علم المناعة (Immunology) لتشمل الأجنة ولتحضير مضادات الأجسام ومستضدات وحيدات النسيلة (1)(Monoclonal antigens and antibodies) لأجنة وإجراء التجارب عليها.
(1) هذه الأمثلة منقولة عن البحث التالي: Lawler، Sylvia D: concebtion and development of fetal tissue bank. J.clin path 1981. 34:240- 8.
وفي خلال ربع القرن الأخير بدأت الأبحاث تتجه إلى محاولة استخدام أنسجة الجنين لعلاج بعض الأمراض المزمنة وبداً بذلك عهد نقل الأنسجة الجنينية إلى منعطف جديد، ملتحقاً بذلك بما يعرف بزرع الأعضاء.
ومنذ فترة ليست بالقصيرة تمكن العلماء من استخراج الهرمون المنمي للغدة التناسلية (القند)(chorionic gonado trophins) من المشيمة. كما أنهم يستخدمون غشاء السلى (amniotic membrane) والأغشية المحيطة بالجنين لمعالجة الحروق وغيرها من الأمراض.
ولا بد لنا لكي نفهم موضوع استخدام الأجنة أن نلقي الضوء أولاً على موضوع الإجهاض باختصار:
الطرح والإجهاض ويسمى أيضاً الإسقاط والإملاص وإن كان الأطباء في الآونة الأخيرة يقصرون لفظ الإملاص على ولادة الطفل الميت (Still birth)(1)
وهناك نوعان أساسيان من الإجهاض:
ا- الإجهاض التلقائي: وهو الذي يحدث بدون سبب ظاهر. ويحدث تلقائياً دون أن يقوم شخص ما بإحداثه، وله أسباب عديدة نتيجة خلل في البويضة الملقحة بسبب خلل في الصبغيات (الكروموسومات) أونتيجة وجود خلل في جهاز المرأة التناسلي مثل عيوب خلقية في الرحم، أو نتيجة أمراض عامة في الأم مثل مرض البول السكري والزهري وأمراض الكلى أو نقص هرمون البروجسترون لدى الأم.
ويحدث الإجهاض التلقائي عادة في فترة مبكرة من الحمل، وقد أوصلها بعض الباحثين إلى نسبة 78 بالمئة من جملة حالات الحمل المبكر جداً (2)
ومما لا شك فيه أن ما لا يقل عن 20 بالمئة من حالات الحمل تجهض تلقائياً. ويقسم الإجهاض التلقائي إلى عدة أنواع حسب المرحلة التي يمر بها مثلا لإجهاض المنذر والإجهاض المحتم والإجهاض المختفي والإجهاض المتكرر
…
إلخ.
(1) المعجم الطبي الموحد، الطبعة الثالثة، إصدار اتحاد الأطباء العرب، مجلس وزراء الصحة العرب، المنظمة العربية للتريية والثقافة والعلوم ومنظمة الصحة العالمية.
(2)
Medicine Digest Jan 1981، P: 47
2-
الإجهاض المحدث (Induced Abortion) : وهو الذي كان يطلق عليه في الماضي الإجهاض الجنائي (Criminal Abortion) ، لأن القوانين كانت تعتبره جريمة يعاقب عليها القانون.. وقد تخلت معظم الدول الرأسمالية والاشتراكية عن هذه القوانين وأباحت الإجهاض. ولذا أصبح يدعى الإجهاض الاختياري (Electtive Abortion) ، وفي العالم اليوم ما لا يقل عن خمسين مليون حالة إجهاض محدث (جنائي) ؟ 25 مليوناً منها تتم في الدول النامية و 25 مليوناً أخرى تتم في الدول الاشتراكية والرأسمالية، ففي اليابان يتم إجهاض مليوني امرأة سنوياً، وفي الاتحاد السوفييتي ما بين مليونين إلى ثلاثة، وفي الولايات المتحدة 6. 1 مليون، وفي أسبانيا والبرتغال مليون حالة إجهاض سنوياً. وفي بقية دول أوروبا الغربية مليون ونصف المليون
…
إلخ.
وتقول دائرة المعارف البريطانية (1)
: "إن خمسين بالمئة من جميع حالات الحمل تسقط (تجهض) بفعل فاعل، سواء كان بموافقة القانون أو بغير موافقته في فرنسا واليابان، وأن 25 بالمئة من جميع حالات الحمل تجهض في ألمانيا الغربية وهولنده والدنيمارك ".
ويقول كتاب ممارسة منع الحمل (2) إن استخدام وسائل منع الحمل تسير جنباً إلى جنب مع الإجهاض وتنتشران معاً.. وفي كوريا الجنوبية يعتبر الإجهاض مسؤولاً عن 33 بالمئة من انخفاض نسبة المواليد، بينما ساهمت وسائل منع الحمل في 67 بالمئة من هذه النسبة".
ويقول كتاب (The Pirl) : "يتم قتل 40 مليون جنين كل عام في العالم بواسطة الإجهاض المحدث، نصفهم على الأقل بصورة غير قانونية. ويؤدي ذلك إلى وفاة مائتي ألف امرأة وإصابة مئات الالآف بأمراض مختلفة وجعل عدد كبير منهن يعانين من العقم الدائم"(3)
من هذا كله يتبين لنا أن عدد الأجنحة المجهضة تلقائياً أو جنائياً يعد بالملايين وربما زاد عن مائة مليون جنين سنوياً..
(1) دائرة المعارف البريطانية الطبعة 5 1 لعام 1982 1 1/1 85 و 69/2 0 1.
(2)
Potts M and Diggory P: Textbook of Contraceptive Practice. Cambridge University Press، Cambridge 2nd edtion، 1983:315.
(3)
Guillebaud J: The Pill. Oxford University Press، Oxford، 3rd edition، 1987:15.
استخدام الأجنة في زرع الأعضاء:
لهذا كله فإن الاستفادة من هذه الأجنة التي مآلها أن ترمى أو تحرق أو تدفن (وهو أمر نادر) أمر يبدو، في ظاهره على الأقل، عمل إنساني مثمر. ومنذ بداية الستينات (1960 وما بعدها) تم استخدام خلايا نقي العظام (Bone Marrow) لمعالجة بعض الأمراض النادرة المتميزة بنقص الخلايا المناعية.
ومنذ بداية الثمانينات بدأت عمليات زرع خلايا من الغدة الكظرية أو من خلايا الدماغ التي تؤخذ من الأجنة وتزرع في المرضى الذين يعانون من مرض الشلل الرعاش الباركنسونزم (Parkinsonism) . وقام الجراحون في مستشفى كارولينسكا (Karolinska) في مدينة ستوكهلم (Stockholm) في السويد بأول عملية من هذا النوع في 30 مارس 1982 " (1)
وتضمنت العملية نقل خلايا جنينية من الغدة الكظرية وزرعها في دماغ مريض يعاني من مرض الباركنسونزم وتم وضع هذه الخلايا المزروعة في النواة الذيلية (Caudate nucle) ، وقد أدى ذلك إلى تحسن ملحوظ خلال أسبوع واحد فقط. ولكن التحسن اختفى وعاد المريض إلى حالته الأولى.
وفي العام التالي (5 مايو 1983) قام الجراحون في نفس المستشفى المذكور بإجراء عملية مماثلة لمريض آخر يبلغ من العمر 46 عاماً. وتحسنت حالة المريض بشكل مذهل في اليوم التالي لإجراء العملية ولكن التحسن لم يستمر بنفس الصورة. ومع ذلك كانت حالة المريض بعد مرور عدة أشهر أفضل بكثير عما كانت عليه قبل العملية.
وانتشرت هذه العملية في السويد وفي المكسيك وفي بعض المراكز في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
صحيح لا تزال العملية تعتبر ضمن حقل التجارب، إلا أنها قد حققت نجاحاً طيباً يجعلها تنطلق إلى آفاق أرحب لمعالجة أمراض أخرى في الجهاز العصبي مثل مرض الخرف المبكر (Presenile Dementia) المعروف باسم الزهايمر (Alzheimer) أو لمعالجة أمراض مزمنة عويصة مثل رقص هنتنجتون (Huntington chorea) .
(1) Backlund. E. et al: J: Neuro Surg. 1985، b2: 169 – 73
التنظيمات والقوانين المتعلقة باستخدام الأجنة في الأبحاث الطبية:
بما أن استخدام الأجنة في الأبحاث انتشر في الآونة الأخيرة، وبما أن الإجهاض المحدث كذلك في ازدياد، تكونت لجان طبية قانونية لدراسة هذا الموضوع وإبداء الرأي فيه حتى لا تحدث تجاوزات، ويتم حمل مخصوص لإجهاضه واستخدامه في مرحلة من مراحل نموه من أجل الأبحاث، أو من أجل زرع الأعضاء.
وقد ذكرت مجلة الأبحاث الطبية (Clinical Research) في عددها الصادر في أبريل، 1988 (1)
ملخصاً لهذه الدراسات واللجان المنبثقة عنها نوجزها فيما يلي:
ا- تقرير لجنة بيل (Peelcommittee) : من المملكة المتحدة عام 1972.
2-
تقرير الوكالةالوطنية: من الولايات المتحدة الصادر في 25 يولية 1975.
3-
تقرير المجلس الاستشاري لأخلاقيات الطب عن تنظير الجنين: من الولايات المتحدة الصادر في 23 فبراير 979 1.
4-
تقرير اللجنة الأخلاقية للأبحاث الطبية في أستراليا عن استخدام الأجنة في الأبحاث وزراعة الأعضاء الصادر في أكتوبر 1983.
5-
تقرير اللجنة الأخلاقية الوطنية الفرنسية الصادر في 22 مايو 1984.
6-
تقرير المجلس الأوروبي في اجتماع البرلمان بالتوصية رقم 1046 الصادر في 24 سبتمبر 1986.
وقد ظهرت عشرات المقالات والأبحاث في هذا الموضوع الحيوي الهام. كما صدر باللغة الإنجليزية كتابان هامان يتناولان هذا الموضوع هما:
"أخلاقيات إجراء الأبحاث على الجنين "(The Ethics of Fetal Research) ، تأليف بول رامزي (عام 1975)(2)(3)(The Foetus as Transplant Doner) .
(1) walters L: Ethical Issues in Fetal Research. A Look Back and a Look Forward. Clin Research 1988 (April) 36 (3) : 209 – 214.
(2)
Ramsy P: The Ethics of Fetal Research. New Haven Conn Yale University Press، 1975. وكتاب:"الجنين مصدر للأعضاء"، تأليف بيتر ماكولا (1987)
(3)
Mc Cullagh P: The Foetus as a transplant Donner: Scientific ، Social and Ethical Perspective. New York. John Wiley and sons. 1987.
وقد أحصى الدكتور والترز (Walters) أكثر من خمسين بحثاً علمياً في المجلات المتخصصة صدرت في الفترة ما بين عام 973 1 و 987 1 عن موضوع استخدام الأجنة في الأبحاث وزع الأعضاء..
وقد تركز الاهتمام حول استخدام الأجنة القابلة للحياة أو الأجنة التي تنزل حية ثم تموت أو يتم قتلها بعد.
وقد لا يتصور الإنسان خارج الحقل الطبي هذه القضية، فالإجهاض الذي يجري في الثلث الثاني والثالث من الحمل (1) يؤدي إلى إجهاض أجنة حية وبعضها يكون قابلاً للحياة. فالجنين بعد ستة أشهر (24 أسبوع) قابل للحياة إذا استخدمت الوسائل الحديثة لإنعاشه. ويتوقع العلماء أن يتمكنوا من إنقاذ أجنة أصغر عمراً وحجما ووزناً مع اضطراد تقدم الوسائل الطبية الحديثة.. وربما تمكنوا من إنقاذ أجنة عمرها عشرين أسبوعاً أو ما حولها في المستقبل القريب..
وعادة ما يتم الإجهاض في الثلث الثاني والثالث بشق الرحم (Hysterotomy) ، واستخدام محرضات الولادة مثل البروستاجلاندين والأوكسيتوسن.
والواقع أن ما يتم هو عملية ولادة قبل الموعد، ورغم أن هذا النوع من الإجهاض المتأخر نادر الحدوث نسبياً، إلا أن القوانين الوضعية في كثير من البلاد الاشتراكية. والرأسمالية تبيحه. فالإجهاض يمكن أن يتم حتى الأسبوع الثامن والعشرين في بريطانيا وحتى الأسبوع الرابع والعشرين في الولايات المتحدة.. كذلك تبيح معظم الدول الاشتراكية إجراء الإجهاض حتى الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل.
وفي هذه الحالات ينزل الجنين حياً، بل ويكون قابلاً للحياة. ويعتبر قتله جريمة قتل كاملة مع سبق الإصرار والترصد. ولكن القوانين الوضعية تقع في اضطراب كبير عندما تبيح إجراء الإجهاض المتأخر.
لهذا بدأت اللجان المختصة تراجع هذه القوانين. وتم إصدار قوانين تعدل ما هو موجود، فعلى سبيل المثال لا يباح الإجهاض في كندا بعد الأسبوع العشرين من الحمل. وأخذت بعض الدول الأخرى بهذا المبدأ. وفي الولايات المتحدة دعوة قوية حالياً لخفض الحد الأعلى المسموح به للإجهاض إلى عشرين أسبوعاً.
(1) يقسم الحمل إلى أثلاث: كل ثلث ثلاثة أشهر.
وحتى لو تم خفض الأجل المضروب لإجراء الإجهاض إلى عشرين أسبوعاً، فإن ذلك لن يحل المشكلة حيث إن الجنين ينزل حياً. ولكنه سرعان ما يموت.
الواقع أن المشكلة ليست متعلقة بإجراء الأبحاث أو باستخدام الأنسجة من هذه الأجنة، ولكن المشكلة الحقيقية هي في القوانين التي تبيح الإجهاض.
وتنتج المشاكل العويصة بسبب إباحة الإجهاض حسب الطلب أو لأسباب اجتماعية، فإذا كانت الأم هي السبب في قتل هذا الجنين فهل يحق لها أن تتبرع باستخدامه في حقل الأبحاث الطبية؟
فإذا كان ذلك لا يحق للأم التي قامت بقتله فمن هو الذي يستطيع أن يتبرع بالنيابة عن الجنين المقتول؟
وبما أن الإسلام لا يبيح الإجهاض بعد 120 يوماً من بداية الحمل (التلقيح) مهما كانت الأسباب، (إلا في حالة تعرض الحامل لخطر الموت إذا استمر الحمل وهو أمر نادر الحدوث جداً. وفي هذه الحالة يتم توليد المرأة وإنقاذ الجنين وهي ولادة قبل الموعد ولا تسبب في الغالب وفاة الجنين) ، فإن هذه المشكلة لا يمكن أن تقوم في مجتمع إسلامي يطبق التعاليم والأحكام الشرعية.
كذلك لا يسمح الفقهاء الأجلاء بإجراء الإجهاض (قبل 120 يوماً من التلقيح إلا إذا كان هناك سبب طبي قوي، وبعضهم لا يبيح ذلك إلا في الأربعين الأولى فقط.. وبعضهم لا يبيح الإجهاض مطلقاً إلا إذا تعرضت حياة الحامل لخطر موت محقق سببه استمرار الحمل.
وهكذا نجد أن قفل باب الإجهاض وحصره في الأسباب الطبية البحتة الداعية لذلك. ومنع الإجهاض مهما كان السبب بعد 120 يوماً من التلقيح، يؤديان إلى اختفاء كثير من المشاكل المتعلقة باستخدام الأجنة.
أما إذا كان الإجهاض تلقائياً، فإن الأم تستطيع أن تتبرع بهذا الجنين الميت للأبحاث الطبية دون وجود حرج، وغالباً ما يكون ذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
ولا ريب أن أصحاب الأبحاث والذين يريدون استخدام الأنسجة في زرع الأعضاء يرغبون أن يستخدموا أنسجة حية لا أنسجة ميتة، لذلك تراهم يحرصون على استخدام الأجنة الحية أو التي فارقت الحياة بلحظات فقط.
ومما لا شك فيه أن استخدام الأنسجة التي مضى على موتها وقت طويل لا فائدة ترجى منها في هذا الصدد وخاصة في مجال زرع الأعضاء أو زرع الأنسجة.
لهذا لا بد أن تكون الأنسجة حية. ويمكن أن تكون الأنسجة حية إذا نزل الجنين حياً أو أن الفرق بين موته وأخذ الأنسجة المطلوبة محدود بدقائق معدودة. ويتم ذلك بإنزال الجنين بواسطة الشفط (Vacuum) أو بواسطة تحريض الولادة أو بشق الرحم. وقد أكد تقرير اللجنة الأخلاقية للأبحاث الطبية في أستراليا عدم جواز أخذ الأنسجة من الجنين لغرض زرعها أو لإجراء الأبحاث عليها إلا بعد وفاة الجنين.
وبما أن وفاة الجنين لا تعني بالضرورة وفاة الأنسجة، فإن ذلك يسمح للأطباء والعلماء بإجراء أبحاثهم في فترة زمنية محدودة هي الفارق الزمني بين وفاة الجنين وموت الأنسجة.
وناقش تقرير اللجنة الفرنسية استخدام الأجنة المبكرة (قبل الأسبوع العشرين) والأجنة المتقدمة (بعد الأسبوع العشرين) للأبحاث ولنقل الأنسجة وزرعها، فقرر أن استخدام الأجنة المبكرة مباح في كل وقت، وأن استخدام الأجنة المتقدمة في العمر لا يمكن استخدامها لهذه الأغراض إلا بعد موتها.
وفي هذه الحالات لا يمكن تعريف موت الدماغ بل يستخدم توقف القلب والتنفس دليلاً على حدوث الموت.
وصيغ قرار المجلس الأوروبي الصادر عام 1986 على غرار قرار اللجنة الفرنسية لاستخدام الأجنة الصادر عام 1984.
وقد اتفقت اللجان المختلفة على تقسيم الأجنة المجهضة إلى ثلاث مراحل:
ا- أجنة غير قابلة للحياة (Non Viable) وهي ما قبل الأسبوع العشرين، وهذه الأجنة يسمح باستخدامها للأبحاث ولنقل الأعضاء أو الأنسجة بشرط موافقة الأبوين على ذلك حتى لو كانت حية.
2-
أجنة قابلة للحياة: وهي الأجنة التي وصلت الأسبوع الرابع والعشرين وما بعد، ووزنها يتراوح ما بين 400- 500 جم. وهذه الأجنة قابلة للحياة المستقلة خارج الرحم ويمكن إنقاذها..
وهذه الأجنة لا يسمح باستخدامها أو أخذ أنسجة منها إلا بعد وفاتها، وفي هذه الحالة لا بد أن تكون الوفاة طبيعية. وينبغي أن تقدم لهذه الأجنة وسائل الإنعاش المتاحة.
وهذا الموقف يشكل عقبة كأداء لمن أجرى الإجهاض. اذ أن الغرض من الإجهاض هو قتل الجنين والتخلص منه لا الاحتفاظ بطفل مبتسر خداج. وقد أباحت اللجان المختصة التي نظرت في هذا الموضوع استخدام هذه الأجنة في الأبحاث عند وفاتها وفاة طبيعية.
ولا بد أيضاً في هذه الحالة من موافقة الأبوين، أو موافقة الأم على الأقل (في حالة عدم وجود أب وهو أمر شائع) .
3-
الأجنة التي تنزل حية ولكنها غير قابلة للحياة المستقلة خارج الرحم: والتي يتراوح عمرها ما بين عشرين أسبوعاً وأربعة وعشرين أسبوعاً.. وهذه الأجنة معضلة بالنسبة لرجال القانون.. وقد اتخذت اللجنة الأسترالية وبعض اللجان الأخرى قرارها بالسماح باستخدام الأجنة التي تزن 300 جرام فما دونها، وعدم السماح باستخدام الأجنة التي تزن أكثر من ثلاثمائة جرام حتى تتبين وفاتها..
وتحدد الوفاة بتوقف القلب والتنفس لا بموت الأنسجة والخلايا..
وبهذه الطريقة يمكن استخدام الأنسجة الحية في الجنين الميت لأغراض زرع الأعضاء وإجراء الأبحاث.
ولا شك أن الوقت المتاح ما بين وفاة الجنين وموت أنسجته ضيق ولا يعدو بضع دقائق بالنسبة لخلايا الجهاز العصبي وأكثر من ذلك قليلاً للأنسجة الأخرى، ما عدا الجلد والعظام التي يمكن أن تبقى لما يقارب 12 ساعة أو أكثر.
هذه المعضلة لم تقم حتى الآن في البلاد الإسلامية للأسباب التالية:
ا- أن الأبحاث في مجال الأجنة محدودة جداً بالدراسة التقليدية للأجنة الميتة.
2-
لا توجد مشاريع أبحاث متقدمة لزراعة الأنسجة.
3-
لا تسمح القوانين في البلاد الإسلامية بالإجهاض إلا لسبب طبي فقط.
وعادة ما يتم الإجهاض في فترة مبكرة من الحمل.
وهناك بلدان يسمحان بالإجهاض لأسباب اجتماعية هما تونس واليمن الجنوبية.. وتتأرجح تركيا بين الإباحة والحظر. ولكن هذه المشكلة لم تقم أيضاً في هذه البلاد لأن الأبحاث المتقدمة ليست متاحة حتى الآن.
بهذه العجالة نتعرف على مشكلة إجراء الأبحاث على الأجنة واستخدامها في زرع الأعضاء ولكن يبقى موضوعان هامان متعلقان بالأبحاث حول الأجنة، ويمكن أن يكون لهما علاقة بالوضع الحالي في البلاد الإسلامية عربية وأعجمية.
وأولهما: موضوع أطفال الأنابيب وما يتعلق به من الأجنة المجمدة.
وثانيهما: الجنين المولود بدون دماغ.
وسنتناول كلاً منهما فيما يلي بالبحث بصورة موجزة:
الأجنة المجمدة (Frozen Embryoes) :
لقد انتشرت مراكز ما يسمى "أطفال الأنابيب" في البلاد العربية في الآونة الأخيرة لعدة أسباب منها المكاسب المالية الكبيرة التي يحصل عليها القائمون على هذه المشاريع، والشهرة، واهتمام الإعلام بهذه القضية، ووجود عدد ليس بالقليل يعاني من العقم ويشعر بالإحباط نتيجة فشل الوسائل الأخرى ولذا يتجه إلى أي علاج يتوسم فيه الأمل في حل معضلته المزمنة.
وعلى سبيل المثال في جدة ثلاثة مراكز لمشاريع "أطفال الأنابيب" كلها تجارية بحته، وفي عمان مركزان تجاريان ولست أدري كم هو عدد المراكز في القاهرة وغيرها من العواصم والمدن العربية.
وبما أن الأطباء يحرضون المبيض على إفراز أكبر عدد ممكن من البييضات بواسطة العقاقير (الكلوميد والبرجونال) فإن الطبيب قد يحصل على عدد وفير من البييضات. وقد ذكر الأستاذ الدكتور عبد الله باسلامه في بحثه (الاستفادة من الأجنة المجهضة والفائضة في زراعة الأعضاء وإجراء التجارب، المقدم للمجمع الفقهي الموقر للدورة السادسة أنه أمكن استخراج خمسين بييضة من امرأة واحدة. وأن أحد مراكز أطفال الأنابيب كان لديه 208 1 جنين فائض أودعت الثلاجة وجمدت من 432 امرأة أجريت لهن عملية "طفل الأنبوب ".
وهذه الأجنة تسمى كذلك تجاوزاً وإلا فهي مرحلة ما قبل الجنين وتتكون من 4- 8 خلايا تقريباً مجمدة بالنتروجين السائل.
وهذه اللقائح يمكن استنباتها وجعلها تنمو. وقد وافقت لجنة وارنك البريطانية على استنباتها وتنميتها إلى اليوم الرابع عشر الذي يظهر فيه الشريط الأولي (Prinitive Streak) الذي يعتبر البداية الأولية للجهاز العصبي لإجراء التجارب على هذه الأجنة الفائضة عن الحاجة بشرط أن يوافق الأبوان على ذلك (1)(2)
وكذلك وافقت اللجنة الأخلاقية لدراسة استخدام الأجنة المجمدة في الولايات المتحدة على استخدام الأجنة المستنبتة حتى اليوم الرابع عشر من نموها (3)
وقد تحدد اليوم الرابع عشر باعتباره بداية ظهور الشريط الأولي (Primitive Streak) الذي يتكون منه الميزاب العصبي (Neural Groove) .
ولكن الجدل لا يزال محتدماً حول المدة التي يمكن أن يسمح بها لتنمية هذه الأجنة لاستخدامها في مجال الأبحاث أو الاستفادة منها في استخدام الأنسجة الجنينية.. ويحاول بعض العلماء والأطباء تمديد هذه المدة لتتجاوز اليوم الرابع عشر. وهناك اتجاه للإباحة لدى كثير من الدوائر العلمية ولكن لا يزال الموقف القانوني غير واضح حتى الآن في هذا المجال.
ويجادل كثير من الأطباء والعلماء حول أهمية هذه الاستخدامات لأن في ذلك معرفة للأمراض الوراثية المختلفة، كما يمكن أن توفر أنسجة الجنين مصدراً غنياً ثرياً للأعضاء، لأن أنسجة الجنين قابلة للنمو والانقسام وربما تكون أفضل من الناحية الوظيفية من الأعضاء التي تؤخذ من الموتى أو الأحياء المتبرعين.
(1) Editorial: Lancet 1985 (Feb. 2) : 255-265
(2)
Report of th Committee of Inquiry into Human Fertilization and Embryology (chairman: Dame Mary Warnock) London، HM 50، 1984.
(3)
Jones H. W: The Ethics of In Vitro Fertilization، in Human Conception in Vitro. Proceedings of the Born Hall Meetings، 1982، London، Academi Press. Editors Edwards R. and Pardy J.: 351-369.
ويقول الدكتور إدواردز (أول من قام بمشروع أطفال الأنابيب مع د. ستبتو) : إذا كانت القوانين في البلاد الغربية وغيرها تبيح الإجهاض حسب الطلب، وبالتالي تقتل أجنة حية قد يكون عمرها بضعة أشهر، فالأحرى بهذه القوانين أن تسمح بإجراء التجارب العلمية على هذه الأجنة المجمدة والتي ستعود بالفائدة على البشرية (1)
ولا يقتصر استخدام الأجنة الفائضة على إجراء التجارب أو استخدامها في زرع الأعضاء (أنسجة الجهاز العصبي لعلاج مرض الباركنسونزم وخلايا جزر لانجرهان من البنكرياس لمعالجة البول السكري) ، وانما يمتد إلى آفاق أرحب لمعالجة أمراض العقم لمن يعانون منه. حيث يتم تنازل الوالدين عن الجنين الفائض لمن تعافي من العقم. كما يمكن استخدام الأجنة المجمدة في رحم مستأجرة. وهذه الوسائل للإنجاب قد بحثها السادة الفقهاء في المجمع الفقهي في دورتيه الثانية والثالثة، وقد أوضحوا حرمة استخدامها لأنها تدخل طرفاً ثالثاً في عملية الإنجاب.
وقد ذكر أصحاب الفضيلة الفقهاء في تلك الدورة أن على الأطباء الذين يعملون في مراكز "أطفال الأنابيب، في البلاد الإسلامية أن لا يلقحوا أكثر من بويضتين أو ثلاث، ثم تعاد هذه البويضات الملقحة إلى الرحم. وبذلك يسد باب اللقائح الفائضة أو الأجنة الفائضة.
الجنين بدون دماغ (Anencephaly) :
إن هذه التسمية ليست دقيقة، فالواقع أن هذه الأجنة أو الأطفال المولودين خداجاً أو في موعدهم لديهم جزء يسير من الدماغ هو جذع الدماغ. وبما أن مراكز اليقظة والتنفس والتحكم في الوظائف الأساسية للحياة موجودة في جذع الدماغ، فإن هؤلاء الأطفال يولدون وتكون لهم القدرة في أغلب الأحيان على التنفس الطبيعي الذاتي. كما أن قلوبهم تنبض ودورتهم الدموية سليمة. ولكن المشكلة الأساسية بالنسبة لهؤلاء الأطفال أن المناطق المخية العليا غير موجودة، ولذا ليست لديهم القدرة مطلقاً للإدراك أو حتى للإحساس بالألم..
(1) Edwards R: The case for studying Human Embryoes and their Constitiuent tissues; 9n:Human Conception in Vitro، Proceedings of the Born Hall meeting 1982، London. Academic Press. Pp. 371-388.
وتتوفى معظم هذه الحالات في خلال بضعة أيام بعد الولادة. ولكن هناك حالات عاشت أربعة أسابيع. وهناك تقارير تدعي أن بعض هؤلاء الأطفال عاشوا لمدة سبعة أشهر وهناك تقرير يدعي أن طفلاً عاش سنة ونصف (1)
المشاهد والمعروف لدى عامة الأطباء أن هؤلاء الأطفال لا يعيشون سوى بضعة أيام ثم يتوفون.
وبما أن هناك طفلاً بدون دماغ من كل ألفي ولادة تقريباً، فهناك عدد كبير من هؤلاء الأطفال في البلاد ذات الكثافة السكانية العالية.
الجنين أو الطفل المولود بدون دماغ:
إن هذه الحالة الشاذة والخطيرة تحدث بنسبة مولود واحد لكل ألف أو ألفي ولادة، ورغم أن هذه الحالة نادرة إلا أن مجموع الحالات المولودة بهذا الشكل في البلاد ذات الكثافة السكانية العالية غير قليل. ففي مصر على سبيل المثال حيث تتم ولادة مليون طفل كل عام، يتوقع أن يكون هناك ألف إلى ألفي طفل مولود بدون دماغ سنويا..
بعض العيوب الخلقية:
(1) المؤتمر العالمي لدراسة أخلاقيات زرع الأعضاء (أوتوا- كندا) 0 2- 25 أغسطس 989 1 بحث الدكتور آلان ماكدونالد (Allan Macdonald) من جامعة هاليفاكس في كندا حيث ذكر أن من بين 105 حالة من حالات طفل بدون دماغ عاش 18 منهم فترة تتراوح ما بين أسبوع وأربعة أسابيع. وذكر الدكتور ليسلي روثنبرج (Leslie Rothenburg) من لوس أنجلوس بالولايات المتحدة في بحثه أن هناك حالة طفل بدون دماغ مكثت ثلاثة أشهر ونصف وأن حالة أخرى مكثت 17 شهراً. ولكن يعتقد أن الحالتين الأخيرتين كان فيهما بقايا من المخ بالإضافة إلى جذع الدماغ، ولذا فإن تشخيص طفل بدون دماغ فيهما ليس دقيقاً.
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}
* طفل حديث الولادة فاقد لنصف دماغه وقبوة الرأس ونصف الجمجمة ليس لدى هذا المخلوق من الدماغ إلا المخيخ والنخاع المستطيل الذي بواسطته يستطيع التنفس.. ومع ذلك فلا يستطيع العيش إلا لسويعات فقط وإن كان بعض هذه الحالات الشاذة قد عاش لعدة أيام.
حالة مشابهة للصورة العليا.. طفل مولود بدون رأس تقريباً وبدون دماغ ما عدا النخاع المستطيل المسؤول عن المناطق الحيوية.. لقد عاش هذا الطفل عدة أيام بعد ولادته.
ورغم أن هؤلاء الأطفال فاقدون للمخ (cerebrun) إلا أن جذع الدماغ موجود، ولذا يتنفس معظم هؤلاء تنفساً طبيعياً، كما أن قلوبهم تنبض وعروقهم تتدفق فيها الدماء.
وبما أن هناك آلاف الأشخاص الذين ينتظرون زرع الكلى أو زرع الكبد أو زرع القلب ولا يوجد لهم أعضاء، إذ أن عدد المحتاجين للأعضاء أكثر بكثير من عدد الأعضاء المتوفرة (عن طريق الموتى أو المتبرعين من الأحياء بالكلى) .
ونتيجة للنقص الشديد في الأعضاء المطلوبة للزرع لإنقاذ آلاف الأشخاص اتجه بعض الأطباء لمحاولة الاستفادة من هؤلاء الأطفال الذين لن يعيشوا سوى بضعة أيام على أكثر تقدير.
وواجهت هؤلاء الأطباء مشكلة عويصة، اذ لا تبيح القوانين والأعراف قتل إنسان حي بكل المقاييس، فقلب هذا الطفل ينبض ودورته الدموية يتدفق فيها الدم إلى كل الأجهزة والأعضاء وجذع دماغه لا يزال يعمل والتنفس طبيعي، فكيف يمكن أن يقدم شخص على قتل مثل هذا الطفل؟ إنها جريمة منكرة. وتنادى الأطباء والعلماء ورجال القانون ورجال الدين لدراسة هذه المشكلة.
وحاول بعض الأطباء أن يوجد مفهوماً جديداً لموت الدماغ، وهو موت المخ (ويقصد بالمخ (Cerebrun) المناطق المخية الموجودة في نصف الكرة من الدماغ والتي يوجد بها المراكز المخية العليا) . وعدم اعتبار جذع الدماغ. وهو أمر مناقض تماما لما تم الاتفاق عليه من قبل على اعتبار موت الدماغ بكامله ومن ضمنه موت جذع الدماغ كأساس لتعريف الموت.
وظهرت محاولات لجعل الطفل بدون دماغ (Anencephaly) يختلف عن حالات تعريف موت الدماغ وإخراجه من ذلك التعريف على اعتبار أنه حالة خاصة.
واحتدم الجدل لأن ذلك منزلق خطير جداً حيث تعتبر الحالات المماثلة لأناس عاشوا، ثم أصيبت المناطق العليا من أدمغتهم وأدى ذلك إلى أن يبقوا في حالة نباتيه مستمرة (persistent Vegetative State) ، وهي حالة يكون فيها الشخص فاقداً للوعي والإدراك فقداناً دائما ولكنه يستطيع أن يتنفس تلقائياً كما أن قلبه ينبض بالدم بدون أي مساعدة خارجية.
وقد امتلأت المستشفيات بمثل هذه الحالات وأصبحت تشكل عبئاً كبيراً على اقتصاديات تلك البلدان ففي الولايات المتحدة يتم إنفاق ألف مليون دولار سنوياً على مثل هذه الحالات التي تعيش سنوات طويلة مؤلمة لأهلها وأقاربها. وقد تم تسجيل حالات موفقة عاشت بضعاً وثلاثين سنة.
وتم انعقاد عدة مؤتمرات لبحث هذه المعضلات وآخرها مؤتمر عالمي عقد في أوتوا بكندا في 0 2- 25 أغسطس 989 1 لمناقشة المشاكل الأخلاقية الناتجة عن مشاريع زرع الأعضاء بما فيها موضوع زرع الأعضاء من الأجنة وزرع الأعضاء من الأطفال بدون أدمغة، وقد حضرت هذا المؤتمر وشاركت فيه ببحث. ولم يصل المؤتمرون إلى قرار موحد في هذه القضية الشائكة، كما هو متوقع.
وكانت معظم الآراء تميل إلى اعتبار الطفل بدون دماغ مثل أي إنسان حي من حيث حرمة الاعتداء عليه. وبالتالي لا يجوز نزع أعضائه إلا بعد التيقن من وفاته، وبشرط أن يسمح والداه بذلك. ولكن المشكلة تأتي من أن تشخيص موت الدماغ في هذه الحالات ليس يسيراً، بل تكتنفه صعوبات جمة لأن عيوباً خلقية قد تكون موجودة في الأذن أو العين تمنع إجراء هذه الفحوص.
ولكن أهم هذه الفحوص على الإطلاق هو توقف التنفس. وهذا ما يتم إجراؤه بالفعل. فإذا ما توقف التنفس أسرع الأطباء إلى إجراء التنفس الاصطناعي وقاموا بنزع الأعضاء المطلوبة.
ويمكن اتخاذ إجراء آخر للمحافظة على الكلى مثلاً. وذلك بإدخال قسطرة إلى الشريان الكلوي لتغذية الكلية بمحلول خاص مثلج، ويستمر ذلك حتى تتبين أول علامة من علامات الموت وهي توقف التنفس فيسرع الأطباء بعملية التنفس الاصطناعي وأخذ الأعضاء المطلوبة.
قد يبدو لبعض الناس أن هذا الموضوع نظري أو على الأقل لا يزال بعيداً عنا في الولايات المتحدة وأوروبا.
ولكن سيفاجأ كثير من القراء بأن أقول لهم إن هذه العملية قد تم إجراؤها في جدة أربع مرات. وقد تم ذلك في مستشفى الشاطىء بجدة وأجرى هذه العملية الدكتور نبيل نظام الدين وهو أحد الجراحين المهتمين بزرع الكلى في المملكة العربية السعودية.
وقد نشر بحثه ذلك في مجلة (Transplantation Proceedings 1989، 21، 1934-2935: (1.
وقد نجحت هذه العملية لدى خمسين بالمئة من حالاته. ولا شك أن مزيداً من الخبرة في هذا الميدان سيحقق نجاحاً أكبر.
ويجادل الدكتور نبيل نظام الدين بأن استخدام الأطفال بدون دماغ بعد التحقق من موتهم بالطريقة التي وصفناها سيوفر حوالي ألف كلية في مصر. وبالتالي يمكن زرعها في ألف مريض مدنف يعاني من الفشل الكلوي.
وإن اجراء عملية زرع الكلى من هؤلاء الأطفال غير معقدة، ويمكن لجراحي نقل الأعضاء اجراؤها بسهولة معقولة.. وقد لاحظوا أن هذه الكلى تنمو نمواً سريعاً في الشخص المنقولة إليه.
إن هذا الموضوع تكتنفه صعوبات جمة وأولها وأهمها التحقق من موت هذا الطفل إذ أن الفحوصات التي تجرى لإثبات موت الدماغ يصعب إجراؤها على مثل هذا الطفل ما عدا فحص توقف التنفس.
لهذا لا بد من أن يعلن الوفاة فريق آخر من الأطباء لا علاقة له بموضوع زرع الأعضاء على الإطلاق.
ولا بد أن يدرك الطبيب إدراكاً تاماً أن هذا الكائن المشوه أمامه إنسان حي له كافة حقوق الحياة المحترمة في الإنسان الحي. ولا يجوز لذلك الاعتداء على حياته أو تعجيل موته لأي سبب من الأسباب.
الأغراض التي تستخدم فيها الأجنة:
ا- أبحاث متعلقة بسلامة الجنين: وهذه تجرى والجنين لا يزال في رحم أمه. وغرضها إنقاذ حياة هذا الجنين ومداواة أمراضه. وهذا النوع من الأبحاث لا خلاف في إباحته بل في الندب إليه. لأنه يحقق مصلحة راجحة وهي إنقاذ حياة هذا الجنين أو مداواته من أمراضه الوبيلة.
2-
أبحاث متعلقة بنمو الأجنة وتركيبها ومعرفة وظائفها: وهذه تجرى من أجل العلم ومعرفة تركيب جسم الإنسان ووظائفه العديدة. ولا تجرى إلا على الأجنة الميتة.
3-
أبحاث تجرى على الأنسجة والأجنة لمختلف فروع العلم مثل علم الفيروسات وعلم المناعة وعلم الغدد الصماء وعلم البيوليجيا الجزيئية وعلم الجينات (المورثات)
…
إلخ، وهذه تجرى على الأجنة الميتة وإن كانت بعض الأنسجة لا تزال حية. ويمكن في بعض الأحيان زرع أنسجة تتكاثر بدون توقف. وفي هذه الحالة على الأقل لا بد من إذن الوالدين.
4-
أبحاث متعلقة باستخراج عقاقير وأدوية من المشيمة وكيس السلى والغشاء الكوريوني (المشيمي) واستخدامها ذاتها كعلاج للحروق وغيرها.. ولا يبدو أن هناك اعتراضاً على مثل هذا التصرف حيث تؤخذ الأجنة التي تم إسقاطها تلقائياً أو بسبب طبي. وإذا كان هناك من اعتراض فهو على إجراء الإجهاض بدون وجود سبب طبي. وهو موضوع آخر يتعلق بقضية الإجهاض.
5-
أبحاث متعلقة بزرع الأنسجة والأعضاء من الأجنة. وقد تمكن العلماء بالفعل من زرع خلايا لانجرهان من البنكرياس لعلاج مرض البول السكري (المتقدم) وزرع خلايا نقي العظام (Bone Marrow) لعلاج بعض أمراض نقص المناعة الوراثية وغير الوراثية وزرع خلايا الغدة الكظرية لعلاج مرض الباركنسونزم (الشلل الرعاش) . وكذلك نقل خلايا من الأنوية القاعدية في الدماغ (Basal Ganglia) لعلاج مرض الباركنسونزم.. كما تمت محاولات عدة لزرع خلايا من الجهاز العصبي لعلاج العديد من الأمراض الخطيرة مثل مرض الزهايمر (Al Zeheimer Disease) والذي يحدث فيه خرف مبكر (في سن الخمسين وما بعدها) ومرض رقص هنتنجتون (Huntington chorea) ، وهو مرض وراثي يظهر في سن الأربعين تقريباً ويزحف حثيثاً ليقضي على المريض في خلال بضع سنوات ولا علاج له حتى الآن.
وهذه الأبحاث تحتاج إلى وقفة لأن الأطباء يحتاجون إلى أنسجة حية لا إلى أنسجة ميتة لا نفع فيها.
ويمكن أن تكون الأنسجة حية في الجنين في الحالات التالية:
(أ) إذا تم الإجهاض بواسطة الشفط الخوائي (Suction by Vacuum) .
(ب) إذا تم تحريض الولادة بالبروستاجلاندين والأوكسيتوسن.
(ج) إذا تم شق الرحم (Hysterotomy) .
وفي هذه الحالات قد يكون الجنين حياً وقابلاً للحياة (24 أسبوعاً فأكثر) فينبغي في هذه الحالة محاولة انقاذه وإنعاشه وتوفير كل الوسائل الممكنة للإبقاء على حياته. وهو أمر معاكس تماماً لغرض الإجهاض الذي تم.. ويشكل هذا الأمر معضلة قانونية وأخلاقية كبرى في الدول الغربية.. ولا يزال الجدل محتدماً بينهم حوله. ولكنهم متفقون على حرمة المساس به قبل موته. وخلافهم يندرج حول وجوب إنقاذه وإسعافه أو تركه ليموت.
وقد يكون الجنين حياً عند خروجه من الرحم، ولكنه غير قابل للحياة المستقلة لأنه دون 24 أسبوعاً ووزنه أقل من 400 جرام مثلا.. وفي هذه الحالة اختلف أهل القانون والدين والطب في الغرب حول المساس بهذا الجنين واستخدامه في الأغراض العلمية واجراء الأبحاث ونقل الأعضاء. فمنهم من سمح باستخدامه ولو كان حياً. ومنهم من أصر على تركه حتى يموت ثم تستخدم أنسجته الحية لأغراض البحث العلمي وزرع الأعضاء.
وأما إن كان الجنين أقل من 20 أسبوعاً فلا خلاف لديهم في السماح باستخدامه وأخذ أنسجته وأعضائه سواء كان به رمق حياة أم لم يكن به.
وكل ذلك بشرط موافقة الوالدين المسبقة على إجراء الأبحاث وزرع الأنسجة والأعضاء من جنينهم المطروح.
ونحن نرى أن الإجهاض الاختياري المحدث هو سبب في هذه المأساة، وقفل باب الإجهاض الاختياري (Elective Abortion) سيحد من وجود هذه الأجنة. وستبقى الأجنة المطروحة تلقائياً أو تلك التي طرحت بسبب طبي وهي محدودة نسبياً وأغلبها في مرحلة مبكرة من الحمل.. ولذا يمكن استخدامها للأغراض العلمية وإجراء الأبحاث وزرع الأنسجة إن أمكن بشرط موافقة الوالدين المسبقة على ذلك.. ولا يجوز مطلقاً بأي حال من الأحوال الاعتداء على جنين حي سواء كان قبل عشرين أسبوعاً أو بعدها ما دامت علامات الحياة فيه ظاهرة من نبضات القلب ودوران الدم وحدوث التنفس، فإذا توقف ذلك كله فهو ميت. ويعامل معاملة الميت.
6-
بالنسبة للقائح المجمدة (الأجنة المجمدة تجاوزاً) : لا ينبغي الاحتفاظ بأي أجنة فائضة من مشاريع أطفال الأنابيب. وإنما ينبغي استخراج ثلاث بييضات فقط وتلقيحها وإعادتها إلى رحم المرأة صاحبة البييضة والملقحة بماء زوجها. باختصار ينبغي التأكد من عدم وجود طرف ثالث في عملية الإنجاب، ونعني بالطرف الثالث:
(أ) نطفة ذكرية (حيوان منوي) .
(ب) نطفة المرأة (البييضة) .
(ج) اللقيحة الجاهزة والتي تدعى أحياناً الجنين المجمد.
(د) الرحم المستأجر (Surrogate mother) .
7-
بالنسبة للاطفال المواليد بدون أدمغة ينبغي أن يعلن موتهم بواسطة فريق طبي لا علاقة له بمشروع زرع الأعضاء قبل أن يمكن الاستفادة من أعضائهم التي تبرع بها ذووهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على خاتم النبيين واله وصحبه أجمعين.
الدكتور محمد على البار