الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وولي عوضه الفتيا الشيخ "مصطفى بن عبد الكريم" البنزرتي قدم والده الشيخ عبد الكريم من بنزرت وقرأ بتونس وأقرأ وولي خطبة جامع القصبة ودفن بالسلسلة من تونس، وتزايد ابنه مصطفى سنة 1028 ثمان وعشرين وألف وقرأ العلم وتفقه على الشيخ أحمد الشريف وأقرأ كتباً مهمة وتولى عوض شيخه المذكور إمامة الجامع اليوسفي وكان لا يفتي إلا كتابة وربما أخر المسألة سنة لتحريه وتثبته. ثم في سنة 10
7
5خمس وسبعين وألف عزل من جميع ذلك وخرج لحج بيت الله الحرام ولما عاد ولي خطبة جامع القصبة، ثم لما توفي الشيخ محمد بن شعبان خامس ربيع الأول سنة 1097 سبع وتسعين وألف صار إماماً وخطيباً ومدرساً بالجامع الباشي. فأقام على ذلك إلى أن كان من جور طاطار داي وما أضجر المسلمين من تهافته على قتل النفس واتفق أن قدم من دار الخلافة منجي باشا فاجتمع الشيخ به ليلاً وذكر له فظائع طاطار، وبعد سفره لم يكن من طاطار إلا أن خنقه فقتل وألقاه في بئر وبعد أن أخرج منها وجد على حالته ودفن جوار الزلاج وقد قتل قاتله بعده بنحو ثلاثة اشهر والله لا يضيع عمل العاملين، وكان قتله سنة 110
6
ست ومائة وألف.
6
وأم الذي تقدم عوضه الفتيا فهو الشيخ (يوسف درغوث) ولازمها إلا أن قتل عليه رحمه الله فخلفه ولده الذي أدرك الدولة الحسينية فكان ترتيب المفتين من ذلك العهد على ما يأتي:
7
الشيخ عبد الكبير درغوث هو الشيخ عبد الكريم بن يوسف بن درغوث شاوش الوافد على الحاضرة من بلد الترك. ونشأ والده الشيخ يوسف في طلب العلم وكان من علماء الميقات وأخذ الفقه عن الشيخ محمد بن شعبان إمام الجامع اليوسفي وتقدم للنيابة عن القاضي الحنفي حيث إن المولى من قبل الدولة العثمانية قارة خوجة انتهت مدته ولم يقدم غيره فيباشر النيابة إلى أن قدم الشيخ يوسف القفال.
كما باشر النيابة عن الشيخ أبي المواهب النفاتي في خطة القضاء أيضاً سنة 1071 ثم قدمه الداي قارة كوز إلى خطة الفتوى وقد وقفت على مضمون أمر ولايته من محمد باشا مؤرخ بأواخر المحرم سنة 1076 ست وسبعين وألف. ومثله أمر الآغا وجماعة الديوان. كما وقفت على مضمون أمر ولايته إماماً وخطيباً بجامع يوسف داي مؤرخ بغزة صفر سنة ست وسبعين وألف وفيهما التنصيص على أن ولايته عوض الشيخ مصطفى بن عبد الكريم.
وكان بمعيته في فتوى المالكية الشيخ أبو الفضل المسراتي، ولما توفي ولي بعده الشيخ محمد فتاتة ولم يزل الشيخان درغوث وفتاتة على وظيفتهما (وقد وقفت على مضمون أمر من حسن كاهية، وعلى طبقه أمر الآغا وجماعة الديوان مؤرخين بأوائل ربيع الثاني سنة 1088 ثمان وثمانين وألف في تقرير الشيخ يوسف بن درغوث شاوش إماماً وخطيباً بجامع يوسف داي، مذكور فيه "أبطلنا حكم الأمر الذي صدر منا للشيخ مصطفى بن عبد الكريم ورفعنا يده") . ولما ثارت نار الفتنة بين الأخوين محمد وعلي ابني مراد بن حمودة باشا سنة 1088 ثمان وثمانين وألف، في خبر طويل ليس هذا بمحل ذكره وجالت يد محمد في المنتمين إلى أخيه فاعتقل الشيخان المذكورين بمحلته التي بالجبل الأخضر، أما المفتي المالكي فخرج مستتراً بظلام الليل وتيسر له أن وصل إلى دار الشيخ سعيد الشريف فاختفى فيها وبقي المفتي الحنفي إلى الصباح فأمر محمد باي بقتلهما فقتل المفتي الحنفي خنقاً وأمر بإخراجه ورمي جثته بالرصاص وأعاده إلى البئر وأغلق جامعه ومنع الصلاة فيه، وبقي المفتي المالكي مستتراً إلى أن أمنه محمد باي وأعاده إلى خطته وندم على ما فات منه في صاحبه وعند ذلك أمر بإخراجه من البئر فغسل وكفن وصلي عليه ودفن بالزلاج قرب سيدي أبي مقطع وكان ذلك أواخر حجة عام 1088 ثمانية وثمانين وألف، وأخبرني حفيده أنه قد سقط على قبره سقف تربته بالزلاج فلما رفعوا التراب وجدوا قبر الشيخ قد فتح وإذا به كيوم وضع ولم يبل منه غير كفنه وكان ذلك بعد أكثر من مائتي سنة رحمه الله تعالى.
وبعد دفن الشيخ بأيام أرسل محمد باي إلى والده صاحب الترجمة بتوليه وظائف والده فولي خطة الفتيا وإمامة الجامع اليوسفي بعد الامتناع الكلي لنفوره بما وقع بوالده وتعلل بصغره وقصوره وكانت ولايته خامس صفر الخير سنة 1089 تسع وثمانين وألف، وعند ذلك صاحب المفتي المالكي الشيخ محمد فتاتة وأعانه على الفتيا فكان يرجع إليه في جميع الفتاوي وبسبب ذلك حصلت له مشاركة في المذهب المالكي مع أنه كان قرأ على والده وعلى غيره وأخذ الفقه عن الشيخ مصطفى بن عبد الكريم والشيخ محمد بن شعبان. وقد ذكر شيخ الإسلام البيرمي في شرح نظم المفتين الاستدلال على قصوره غير ما دلت عليه تحلية معاصره المفسر الشيخ محمد زيتونة في ثنائه على تقريظ لسمط اللآل ولذلك تعين علي أن نذكر ذلك التقريظ والثناء عليه إذ يمكن للمطالع أن يهتدي بذلك لتحلية صاحبه الترجمة وذلك أن كتاب سمط اللآل الذي ألفه مدرس جامع محمد باي المرادي العالم الصالح الشيخ محمد قويسم في التعريف برجال الشفا وهو كتاب غريب في بابه يحتوي على عشرة أجزاء ضخمة فيه من شوارد المسائل والتحريرات واللطائف والتراجم والأخبار ما يسلي الغريب، ويفيد العالم اللبيب، ولذلك قرظه كثير من علماء ذلك العصر ومنهم صاحب الترجمة كتب عليه ما نصه: نحدمك اللهم يا من أنطق الألسن بنفائس السحر الحلال، والأقاويل ببدائع يواقيت المقال، فأصبح روض المحاسن بوابلها الهتان في ميادين البها زاهرا، ودجى المعارف لفتوحات أنوارها ناضرا. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد نقطة دائرة الوجود، وشفيع العصاة في اليوم الموعود، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد فقد نزهت طرفي في مساحة من رياض هذا التأليف البديع، وأجريت طرفي في ميدان ما أبداه المؤلف من حين هذا الصنيع، فألفيته فائزاً بالتقدم في حلبة التأليف، حائزاً قصب السبق باشتماله على الترصيع والترصيف، مشحوناً باللطائف تمتد إليها أعناق ذوي الهمم من كل جانب، وترى تواليها أحداق أولي المشارق والمغارب، فالحق أحق أن يتبع أو يقال، لم ينسج في زماننا على هذا المنوال، فلله در مؤلفه حيث جمع فأوعى، وأتى بما تعجز عنه القوى فجاء الغاية القصوى، على جل العلوم قد احتوى، فهو علامة زمانه، ولوذعي أوانه، الجهبذ الفريد، والمحقق المفيد، الشيخ الفاضل والنحرير الكامل أبو عبد الله الشيخ محمد قويسم أدام الله النفع بعلومه، وسقى رياض المعارف من طيب فهومه. إنه على ذلك قدير. وبالإجابة جدير"أ. هـ.
ولما اطلع على هذا التقريظ خاتمة المحققين وعمدة الراسخين الشيخ محمد زيتونة كتب في الثناء عليه ما نصه: هذه بنات أفكار، وعرائس أبكار، ونفائس سجع برزت من وراء الستار، جالسة على منابر العز متنافسة، سائرة بين أغصان الرياض متمايسة، مرتضعة من ثدي الأدب رحيق الزلال، منبهة على عظيم مقدار سمط اللآل. سالكة منه مسلك الإجازة، فيما زبره التأليف وأجازه:[الخفيف]
نمّقتها يدُ المحاسن فضلاً
…
من همام موضّحِ المشكلاتِ
صادعٍ بالدليل في كل خطب
…
ناصر الحق قدوة الأثباتِ
شيخ الإسلام جامعٍ لعلومٍ
…
واسع الصدر فاتح المعضلاتِ
كاشف الكرب راحمٍ لفقير
…
رافع القدر دافع المذهلاتِ
من أتاه يروم فك عقال
…
من مهم لبّاه بالإثباتِ
شكر الله سعيه وحباه
…
حين يلقاه روضة الجناتِ
عالم أرجاء البسيطة التونسية، ومفتي الديار الإفريقية، المنفرد بين أهل عصره في العلوم العقلية والفقهية، بالرئاستين المالكية والحنفية، سيدنا الهمام، ومولانا العلام، الإمام المتصدي لأجوبة النوازل تصدي الأسد الليوث، أبي عبد الله محمد المشتهر بالكبير، في طاعة مولانا الكبير، ونصرة شرع السراج المنير، ابن العلم الأكبر، ورئيس الفتيا الأشهر، محرر الدلائل، ومقرب المسائل، وموضح المشكلات لكل سائل، المرحوم بكرم الله سيدي يوسف درغوث، رحم الله السلف، وأدام ذكرهم بالخلف"أ. هـ.