الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما المرؤ إلاّ ما تزّود في التقى
…
فذا في ثياب الفوز لا شكّ رافلُ
كهذا الذي امسى ضجيعاً إلى الثرى
…
وأعرض عنّا والعيون هواملُ
هو السيّد الأتقى أبو النور من له
…
بهمته العلياء طابت شمائل
عنيت السنوسيّ الذي عز ندَّه
…
وصار وحيداً ما له من يشاكل
فتى كان في التوثيق بهجة عصره
…
ومارئ في أقرانه من يماثل
وقام على طول المنارة قاضياً
…
يؤم وبالتثبيت، والعدل حافل
إذا ما أتى يملي على الناس وعظه
…
به من دموع الناس سالت جداول
على ذا استمرّت حاله وهو مكثر
…
لأوراد ذاك (الشاذليّ) مواصل
إلى أن دعاه للضيافة ربّه
…
فلبّاه بالإقبال والعفو سائل
يرجي نوالاً من سعادة مولد
…
به آب للنعماء وهي جلائل
وهذا مآل الناس يا صاح أرخن
…
(فسيح جنان الله عثمان نازل)
وأرخ وفاته الصفوة الذاكر الخير الماجد حامل كتاب الله الشريف الشيخ سيدي محمود جراد بقوله من الرجز: [الكامل]
هذا التقيّ الألمعي ومن به
…
أهل المكارم بالوغى تزدانُ
هذا السنوسيّ العالمُ النحرير زد
…
وهو الشريف واسمه عثمان
لاقى الإله تحبباً في مولد
…
ففيه أرّخ وله الغفران
وكتب من مصر في التعزية لوفاته العلاّمة النحرير الماجد الشيخ سيدي محمد بن مصطفى بيرم أحد أعضاء المحاكم المصرية بما نصّه: ابني العزيز، وصديقي الحائز من مديح البسيط من قولي والوجيز، الفاضل النحرير، والبارع في التقرير والتحرير، الشيخ سيدي محمد السنوسيّ لا زالت مراهم معارفه لجراحات الجهالى توسي. أمّا بعد سلام زكي عاطر، وإناس لبساط التعزية ناشر، فقد ساءني خبر تفجّعكم بوفاة والدكم المبرور، هيأ الله له شامخ القصور، في جنات الحبور ودار السرور، وأمّا ما خلا الدعاء له بما ذكر والدعاء له بمزيد الصبر من شرح أفانين التعزية وضرب الأمثال في التسلية، فعلومكم بحمد الله لما ورد في السنّة حاوية، وليس ورائها بقية تتطلّب لا سيّما في أمور الدار الباقية، والله نسأل أن يجعل ذلك خاتمة ما ورد عليكم من الأكدار في هته الدار لا ربّ غيره وهو أرحم الراحمين والسلام من الداعي محمد بيرم لطف الله به في 12 ربيع الثاني سنة 1303.
الزرقيّون
والدة والدي هي ابنة عم والده إذ هي خديجة بنت الشيخ أبي العباس أحمد زروق شقيق المولى الجدّ عليهما رحمة الله، وهو أحمد زروق بن عثمان بن محمد بن أحمد بن مهنية من حفدة الشريف سيدي عساكر رضي الله عنه، وقد توفيت الجدّة المذكورة أوائل سنة 1264 أربع وستين ومائتين وألف، ووالدها ولد سنة 1185 خمس وثمانين ومائة وألف ببلد الكاف، وارتحل إلى تونس في طلب العلم فقرأ على الشيخ صالح الكوّش وغيره، وولع بالمعقول فبرع فيه براعة سبق فيها من عاصره وجلس للتدريس فأفاد وطلب من الأمير حمودة باشا أن يوليه الإشهاد مدّة اعتزازه فقدم إليه القصيدة ذات القصيدتين وأنشدها بنفسه بين يديه ولمّا أتم إنشادها قال له الأمير إنّي أعرف ما أنت عليه ولكن نخشى من اشتغالك بالإشهاد أن تترك التدريس بجامع الزيتونة، فقال له معاذ الل أن نترك خدمة العلم الشريف، وإنما نرجو أن نحصل على ما يعينني عليه فأمر له كتابة الأمر بالإشهاد عند ذلك ولم يرجع إلاّ وأمر ولايته بيده وقصيدته المذكورة من غرر القصائد وهي قوله:[الكامل]
ملك الملوك كفيت كلّ معاند
…
نائي المدى وبلغت كلّ مراد
وأنلت كل مؤمن متباعد
…
صعباً غداً وملكت كلّ قياد
أشكو إليك ولا تزال لقاصد
…
علم الهدى لمن استجارك هاد
جور الزمان ولست فيه بواجد
…
لي مسعداً متحقق الإسعاد
إلاّ نداك وفيه غنية رائد
…
فغدا الندى وجدا الغمام الجادي
أأضام فيه وأنت أمنع ذائد
…
لمن اعتدى وغنى العديم الزاد
وعلى نداك علاك أعدل شاهد
…
كم قد هدى المحتاج للإشهاد
سدّت الملوك بعزّ ملك خالد
…
متأبداً وسبقت كلّ جواد
وأثرت للأعداء صولة راشد
…
راع العدا أسد من الآساد
حتى أحطت بكلّ باغ مارد
…
شرك الردى في كل يوم طراد
وبقيت دين الله سوء معاند
…
معتمداً ودفعت كلّ فساد
وكذا عرفت بكل عدل عاقد
…
لعرى الهدى والدين حبل سداد
للعدل قد أوضحت كل معاهد
…
حتى بدا في سائر الآباد
فخر علاه أنطته بعطارد
…
حتى ارتدى بسنا البدور الباد
وعلا على ضوء الشهاب الواقدِ
…
مسترشداً بهداه ضوء الهادي
أنت الرشيد لكلّ آوٍ قاصد
…
حيث لحمال لا بغداد
يهني الأماني منك بشر مساعد
…
ريث الندى وغياث كل منادي
فأنعم ودم لمفاخر ومحامد
…
تحوي مداها سائر الآماد
وقد جلس للإشهاد مع التدريس فكان من ثقاة الموثقين، وأعلام المدرسين، ثم تقدم لمشيخة مدرسة بير الحجار بعد وفاة الشيخ أحمد سويسي فأقام دروسهأن وكان مواظباً على التدريس بهأن وقرأ عليه كثير من العلماء هنالك. ثم قدمه الأمير حسين باشا باي لخطّة قضاء المحلة في ربيع الثاني سنة 1243 ثلاث وأربعين ومائتين وألف بعد ارتقاء الشيخ البحري لخطة قضاء الحاضرة وسافر مع الأمير مصطفى باشا ونال من موّدته وإقباله منالاً عزيزاً.
اتفق له في محلّة باجة أن حضر إليه أعرابي يشكو إليه أحد الأضباشية في دين عليه، فأرسل له عوناً وجده بحانوت برادعي داخل باجة، فامتنع من الحضور معه وحين عاد إليه قام له قيام الزعيم، وأخذ يضربه ويشتمه، وعندما بلغ ذلك إلى الشيخ أرسل من حوله للإيتان به على أسوأ حال، وأمر بتطويفه على حمار ينادي عليه هذا جزاء من عصى الشريعة.
ولمّا بلغ خبر ذلك لأمير المحلة أرسل إلى الشيخ كاتب سره يشكره على حسن صنيعه وقال له: وقد حكم عليه الأمير بخمسمائة سوط بعد إنهاء حكمك، فدعا الشيخ للأمير وطلب أن يعفو عنه من السيّاط بشفاعته، فقبل فيه شفاعته وأعفاه.
وكان عالماً موثقاً فرضيأن ذا همّة عالية، ونفس عزيزة. أما الأدب فقد اختّص بحمل رايته في ذلك العصر حيث نسج فيه على منوال عزيز، وخلّص بدائع معانيه خلوص الإبريز، ومدح الشيخ أحمد البارودي بقصيدة فعظم عنده موقعها وكتب له شاكراً على ذلك بقوله:[الطويل]
بمدح أبي العباس أصبحت ناسياً
…
أناساً يعود المدح فيهم إلى الباس
فقد ناب هذا الفرد لي عن جميعهم
…
فاغنى وبعض الناس يغني عن الناس
وكان لطيف المحاضرة، حسن المفاكهة، ولوعاً باللطائف الأدبية في مجالسه ومكاتيبه، كتب ملغزاً في عين قوله:[الطويل]
أيا روض آداب رعته الهواطلُ
…
ويا حكماً ما الحق عندك باطل
سألتك ما اسموهو حرف مثلث
…
وعيناه ذا حال بنقص وعاطل
ومعناه مغناه احتمي فهو انما
…
يلوح إذا دلت عليه دلائل
سريع متى تلفي السبيل إجابة
…
بلا قدم يجري إذا سال سائل
غدت دونه الحاجات وقفاً وإنما
…
تبلغك الحاجات منه الوسائل
ويكشف إن يكشف عنه غطاؤه
…
وما حاجب عن كشفه الأمر حائل
وأول عيب ثم ثانيه فيه أن
…
إلى منتهى حسن نما إذ يقابل
وها هو فرد إذ يعد وإنما
…
يشاركه في اللفظ ما لا يشاكل
وحسبي بياناً ما ذكرت وإنما
…
يعاجلُ مثلي بالإجابة عاقل
فأجابه الشيخ إبراهيم الرياحي بقوله: [الطويل]
أيا عين آداب بها الظرف سائلُ
…
ومن هو منحى القصد إن سال سائل
سألت وما تعني سوى عين ما عنت
…
إلى شأو معناه العيون الأفاضل
وقد صرّح التبيان منه بعينه
…
فما حاجب عن كشفه الأمر حائل
وإن كان في عين جعلتَ نزوله
…
فها هو في عيني لأجلك نازل
وقد حكم التصريف أن بعينه
…
حلياً وجيد الفاء من ذاك عاطل
وحسبك تبياناً وقد جاء واضحاً
…
ومثلك لا تخفى عليه الدلائل
فكتب إليه الشيخ أحمد زروق بقوله: [الخفيف]
بك أقسمت أنكم ليمين
…
ليس في سبقك الأفاضل مينُ
قد جرى منك ما ملا العين حسناً
…
صح أن الذي عنيناه عين
ليس عيب فيكشفك الغيب عنه
…
كيف والعين عندك منه غين
وقد اتفق له أن سار في طريق مصاحباً للأكتب الشاعر الشيخ الحبيب الأصرم والمطر متوالية، وكانت عليهما سحبة بيد الكاتبالمذكور تقيهما المطر، فسال الماء من أحد جوانبها على صاحب الترجمة فأنشأ ما سار سير المثل في الاستخدام وهو قوله:[الكامل]