المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء - مسامرات الظريف بحسن التعريف

[محمد السنوسي]

فهرس الكتاب

- ‌1 المولى حسين باشا باي

- ‌[1080 1153]

- ‌2 المولى علي باشا باي

- ‌[1100 1169]

- ‌3 المولى محمد الرشيد باشا باي

- ‌4- المولى علي باشا باي

- ‌5 المولى حمودة باشا باي

- ‌6- المولى عثمان باشا باي

- ‌7- المولى محمود باشا باي

- ‌8 المولى حسين باشا باي

- ‌9ت المولى مصطفى باشا باي

- ‌10 المولى المشير أحمد باشا باي

- ‌11 المولى المشير محمد باشا باي

- ‌12 المولى المشير محمد الصادق باشا باي

- ‌القسم الأول

- ‌في التعريف بأئمة جامع الزيتونة

- ‌السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء

- ‌[ترجمة محمد الطيب الرياحي]

- ‌[وفاة الشيخ إبراهيم الرياحي]

- ‌[الشيخ علي الرياحي]

- ‌الشيخ محمود محسن

- ‌[الشيخ علي محسن]

- ‌الشيخ محمد محسن

- ‌الشيخ علي محسن

- ‌الشيخ صالح النفير

- ‌الشيخ محمد الشريف

- ‌[ترجمة والده]

- ‌[قراءة البخاري عند الأزمة]

- ‌الملاحق

- ‌ملحق (1)

- ‌مشيخة المدينة بتونس

- ‌13331915

- ‌13451926

- ‌13511932

- ‌13531934

- ‌13541945

- ‌13601941

- ‌13611942

- ‌13621943

- ‌13761956

- ‌13771967

- ‌13781958

- ‌13831963

- ‌1389،1969

- ‌13931973

- ‌13951975

- ‌1978

- ‌1980

- ‌12821865

- ‌12861869

- ‌12981880

- ‌13001882

- ‌13011883

- ‌ملحق (2)

- ‌عهد الأمان

- ‌استقالة الفقهاء من مجلس شرح قواعد عهد الأمان

- ‌لعل له عذراً وأنت تلوم

- ‌عالم الأدباء وقانون عهد الأمان

- ‌ملحق (3)

- ‌ثورة علي بن غذاهم

- ‌تحقيق حول ثورة ابن غذاهم وما دار حولها

- ‌كيف خمدت الثورة

- ‌الاتزان التاريخي

- ‌ملحق (4)

- ‌الكومسيون المالي

- ‌إبطال الكومسيون

- ‌ملحق (5)

- ‌المجلس الشوري

- ‌ملحق (6)

- ‌تتمة للمقدمة

- ‌ذيل في تسلط فرنسا على تونس

- ‌اللائحة العثمانية

- ‌ما بعد الحماية

- ‌قسم غير رسمي

- ‌ الأمير علي باي

- ‌ابنه الأمير محمد الهادي باي

- ‌الأمير محمد الناصر باي

- ‌الأمير محمد الحبيب باي

- ‌الأمير احمد باي

- ‌ الاستقلال التام

- ‌الأمير المنصف باي

- ‌الأمير محمد الأمين باي

- ‌نهضة الزيتونة

- ‌الاستقلال الداخلي

- ‌افتتاح المجلس التأسيسي

- ‌أول وزارة العهد الاستقلالي

- ‌إعلان الجمهورية

- ‌فحوى كلمة الشيخ محمد الشاذلي النيفر

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الوزارة التونسية

- ‌13501932م 1942 م

- ‌13621943 م

- ‌الوزارة التونسية في العهد الجمهوري

- ‌الملحق (7)

- ‌تاريخ تأسيس جاع الزيتونة

- ‌بناء جامع الزيتونة وتسميته

- ‌ابن الحبحاب والفكرة الاتساعية

- ‌تسمية المساجد

- ‌ 1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌7

- ‌6

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌12 الشيخ محمد الأرناؤوط

- ‌13 الشيخ محمد درغوث

- ‌14 الشيخ حسين البارودي

- ‌15 الشيخ محمد بيرم الأول

- ‌16 الشيخ محمد المحجوب

- ‌17 الشيخ محمد البارودي

- ‌18 الشيخ محمد بيرم الثاني

- ‌19 الشيخ مصطفى البارودي

- ‌20 الشيخ أحمد البارودي

- ‌21 الشيخ حسين برناز

- ‌22 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌23 الشيخ محمد بيرم الثالث

- ‌24 الشيخ حسن البارودي

- ‌26

- ‌الشيخ علي الدرويش

- ‌27

- ‌الشيخ محمد بن الخوجة

- ‌28

- ‌الشيخ أحمد الأبي

- ‌29

- ‌الشيخ محمود باكير

- ‌30

- ‌الشيخ محمد عباس

- ‌31

- ‌الشيخ محمد معاوية

- ‌32

- ‌الشيخ مصطفى بيرم

- ‌33

- ‌الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌34

- ‌الشيخ أحمد كريم

- ‌35

- ‌الشيخ حسن بن الخوجة

- ‌36

- ‌الشيخ محمد البارودي

- ‌37

- ‌الشيخ حسونة عباس

- ‌القسم الثالث

- ‌في التعريف بالمفاتي المالكية

- ‌8

- ‌1، 2

- ‌3، 4، 5، 6

- ‌7

- ‌ 10

- ‌9

- ‌11

- ‌12

- ‌الشيخ أبو الفضل المسراتي

- ‌13

- ‌الشيخ محمد فتاتة

- ‌15

- ‌14

- ‌الشيخ محمد العواني

- ‌الشيخ محمد بن موسى

- ‌16

- ‌الشيخ محمد بن الشيخ

- ‌17

- ‌الشيخ علي الرصاع

- ‌18

- ‌الشيخ علي الستاري

- ‌19

- ‌الشيخ محمد جعيط

- ‌20

- ‌الشيخ حمودة الرصاع

- ‌21

- ‌الشيخ محمد سعادة

- ‌22

- ‌الشيخ أحمد المكودي

- ‌23

- ‌الشيخ قاسم المحجوب

- ‌24

- ‌الشيخ أحمد البرانسي

- ‌25

- ‌الشيخ محمد المجحوب

- ‌26

- ‌الشيخ محمد الدرناوي

- ‌27

- ‌الشيخ أحمد سويسي

- ‌28

- ‌الشيخ حسن الشريف

- ‌29

- ‌الشيخ محمد المحجوب

- ‌30

- ‌الشيخ إسماعيل التميمي

- ‌31

- ‌الشيخ الشاذلي بن المؤدب

- ‌32

- ‌الشيخ إبراهيم الرياحي

- ‌33

- ‌الشيخ محمد الخضار

- ‌34

- ‌الشيخ محمد بن سلامة

- ‌35

- ‌الشيخ محمد البنا

- ‌36

- ‌الشيخ سليمان المحجوب

- ‌37

- ‌الشيخ أحمد بن حسين القمار

- ‌38

- ‌الشيخ محمد النيفر

- ‌القصيدة الأولى

- ‌القصيدة الثانية

- ‌القصيدة الثالثة

- ‌39 الشيخ محمد القبايلي

- ‌40 الشيخ محمد الطاهر بن عاشور

- ‌41 الشيخ الشاذلي بن صالح

- ‌43 الشيخ صالح النيفر

- ‌44 الشيخ محمد الشاهد

- ‌45 الشيخ محمود قابادو

- ‌ الحاشية الأولى

- ‌الحاشية الثانية

- ‌الحاشية الثالثة

- ‌استدراك

- ‌46 الشيخ محمد الشريف

- ‌47 الشيخ محمد النيفر

- ‌48 الشيخ صالح بن فرحات

- ‌49 الشيخ أحمد الشريف

- ‌القسم الرابع

- ‌في التعريف بالقضاة الحنفية

- ‌1 على أفندي

- ‌2 رمضان أفندي

- ‌3 كمال أحمد أفندي

- ‌4 محمد قارة خوجة

- ‌5 الشيخ محمد القصري

- ‌6 الشيخ عبد النبي أفندي

- ‌7 الشيخ محمد ولي الدين

- ‌8 والشيخ أحمد أفندي

- ‌9 الشيخ أحمد الطرودي

- ‌10 الشيخ يوسف القفال

- ‌11 الشيخ مصطفى الطرودي

- ‌12 الشيخ علي الجربي

- ‌13 الشيخ عمر بوشناق

- ‌14 الشيخ خليل خوجة

- ‌15 الشيخ مرادبو سيكة

- ‌16 الشيخ محمد قارة بطاق

- ‌17 الشيخ محمد بيرم الثاني

- ‌18 الشيخ حسونة الترجمان

- ‌19 الشيخ حسن برناز

- ‌20 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌21 الشيخ مصطفى دنقزلي

- ‌22 الشيخ علي الدرويش

- ‌23 الشيخ محمد بن الخوجة

- ‌24 الشيخ محمود بن باكير

- ‌25 الشيخ مصطفى بيرم

- ‌26 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌27 الشيخ حسن بن الخوجة

- ‌28 الشيخ محمد البارودي

- ‌29 الشيخ محمد بيرم

- ‌1-أبو الجهم التنوخي

- ‌2- عبد الله بن المغيرة

- ‌3-أبو علقمة

- ‌4-أبو كريب المعافري

- ‌5 عبد الرحمن بن أنعم المعافري

- ‌6 عبد الله بن فرّوخ

- ‌7 عبد الله بن غانم

- ‌8 أبو محرز الكناني

- ‌9 أسد بن الفرات

- ‌10 أحمد بن أبي محرز

- ‌11 الشيخ الإمام سحنون التنوخي

- ‌12 سليمان بن عمران

- ‌13 عبد الله بن طالب

- ‌14 حمّاس بن مروان

- ‌15 محمد بن أبي منصور الأنصاري

- ‌16 عبد الله بن هاشم

- ‌17 محمد بن هاشم

- ‌18 عبد الرحمن بن هاشم

- ‌19 أحمد بن أبي زيد

- ‌الروض المونس* فيمن ولي قضاء إفريقية بتونس 1،2،3

- ‌4- وكان قاضي تونس يومئذ هو الشيخ علي بن أحمد الأبي وهو الذي أنشد

- ‌5-الشيخ محمد بن زيادة الله

- ‌6-الشيخ أبو القاسم المريش

- ‌7-الشيخ عبد الرحمن بن عمر بن نفيس

- ‌8-الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الصائغ التوزري

- ‌9-الشيخ أبو القاسم بن علي بن عبد العزيز بن المهدوي التنوخي

- ‌10-الشيخ عمران بن معمر الطرابلسي

- ‌الروض الذي عوابق أفنائه مذاعه فيمن ولي بتونس خطة قضاء الجماعة

- ‌1 الشيخ محمد بن الخباز

- ‌2 الشيخ أحمد بن الغماز

- ‌3 الشيخ أحمد المفسر

- ‌4 الشيخ إبراهيم الأصبحي

- ‌5 الشيخ عبد الحميد بن أبي الدنيا

- ‌6 الشيخ أبو القاسم بن زيتون

- ‌7 الشيخ زكرياء الغوري

- ‌8 الشيخ إبراهيم بن عبد الرفيع

- ‌9 الشيخ عبد الرحمن القطان

- ‌10 الشيخ محمد بن الغماز

- ‌11 الشيخ عمر بن قداح

- ‌12 الشيخ محمد بن عبد السلام

- ‌13 الشيخ محمد الآجمي

- ‌14 الشيخ عمر بن عبد الرفيع

- ‌15 الشيخ محمد بن خلف الله

- ‌16 الشيخ أحمد بن حيدرة

- ‌17 الشيخ حسن القسنطيني

- ‌18 الشيخ محمد القطان

- ‌19 الشيخ عبد الرحمن البرشكي العدناني

- ‌20-الشيخ عيسى الغبريني

- ‌21- الشيخ يعقوب بن يوسف الزغبي

- ‌22- الشيخ محمد الشريف

- ‌23-الشيخ أبو القاسم القسنطيني

- ‌24- الشيخ عمر القلشاني

- ‌25- الشيخ محمد بن عقاب

- ‌26- الشيخ أحمد القلشاني

- ‌27- الشيخ محمد القلشاني

- ‌28- الشيخ محمد الرصاع

- ‌29 الشيخ محمد الوشتلتي

- ‌30 الشيخ محمد البكي

- ‌الروضة المرضية، فيمن ولي نيابة القاضوية

- ‌4-الشيخ أحمد الرصاع

- ‌5-الشيخ قاسم الرصاع

- ‌6-الشيخ حمودة الرصاع

- ‌7-الشيخ إبراهيم النفاتي

- ‌8-الشيخ أحمد الشريف

- ‌1- أما قاضي باردو فإنما يقضي بباردو خاصة وأول من ولي هاته الخطة الشيخ علي شعيب

- ‌2-3- ووليها كثيرون لم يتجاوزوها إلى غيرها، منهم الشيخ نصر بن عثمان قضى بباردو

- ‌4-ومنهم الشيخ منصور المنزلي، وكان فقيهاً عارفاً بالنوازل

- ‌5-ومنهم الشيخ محمد العش وكان عالماً موثقاً

- ‌6-ومنهم الشيخ المختار بن أحمد بن علي المنكبي كان أبوه أحمد عدلاً، وتأخر سنة 1194

- ‌7-ومنهم الشريف الشيخ محمود الميلي وكان من أعلام الموثقين وخلف في العدالة ولديه

- ‌8-ومنهم الشيخ علي بن الباهي بن سلامة

- ‌9-ومنهم الشريف الشيخ محمد بن محمد بن علي بن محمد التميمي

- ‌10-ولما وليها الشريف الشيخ سالم المحجوب بعد قضاء بنزرت ارتقى عنها إلى قضاء

- ‌11-وهكذا وكان ارتقاء المولى الجد الشيخ محمد السنوسي من بعده وجرى ذلك ترتيباً بين

- ‌1-الشيخ علي شعيب فجمع له بين قضاء باردو والمحلة

- ‌2-وممن ولي قضاء المحلة في الدولة الحسينية الشيخ قاسم بن غانم

- ‌3-ومنهم الشريف الشيخ محمد الشافعي

- ‌4-وممن وليها في أواخر المائة الثانية عشرة الشريف الشيخ علي بن محمد التميمي كان

- ‌5-ومنهم الشيخ محمد العذاري وكان موثقاً يتعاطى الإشهاد في الثلاثة والثلاثين بعد

- ‌6-ومنهم الشيخ محمد البحري

- ‌7-ومنهم الشريف الشيخ أحمد زروق وجميع هؤلاء لم يتجاوزوا قضاء المحلة عدا الشيخ

- ‌8-ثم وليه الشيخ محمد الخضار وارتقى منها إلى الفتيا

- ‌9-ثم وليها الشيخ محمد بن سلامة وارتقى منها إلى قضاء باردو

- ‌10-ثم وليها الشيخ أحمد بن الطاهر

- ‌11-والشيخ محمد النيفر

- ‌12-والشيخ فرج التميمي على التوالي

- ‌1-منهم الشيخ أحمد الرصاع كان قاضي الفريضة عام 1146 أربعة وستين ومائة وألف

- ‌2-ومنهم الشريف الشيخ الحاج محمد الحشاشي وعزل في الالث والعشرين من المحرم سنة

- ‌3-والشيخ عثمان بن محمد بن كبير بن ابراهيم بن علي بن قاسم بن أحمد الرصاع بعد أن

- ‌4-ثم وليها ولده الشيخ الحاج محمد الرصاع

- ‌5-6-7

- ‌1-2-وحيث تمهد هذا المهاد في قضاة تونس بالدولة الحسينية إلى هذا اليوم تراجم أرباب

- ‌3- الشيخ محمد الوافي

- ‌4- الشيخ القاضي الكافي

- ‌5- الشيخ إبراهيم المزاج

- ‌6- الشيخ سعيد الشيبوقي

- ‌7- الشيخ محمد سويسي

- ‌8-الشيخ محمد الطويبي

- ‌9- الشيخ عمر المحجوب

- ‌10- الشيخ إسماعيل التميمي

- ‌11-الشيخ أحمد بو خريص

- ‌12- الشيخ سالم المحجوب

- ‌13-الشيخ الشاذلي بن المؤدب

- ‌14-الشيخ محمد البحري

- ‌15-الشيخ محمد السنوسي

- ‌16- الشيخ محمد بن سلامة

- ‌17- الشيخ محمد البنا

- ‌18 - الشيخ محمد النيفر

- ‌19-الشيخ الطاهر بن عاشور

- ‌20-الشيخ صالح النيفر

- ‌21-الشيخ محمد النيفر

- ‌22-الشيخ الطاهر النيفر

- ‌ملحق

- ‌ترجمة الشيخ‌‌ محمد الصادق النيفر

- ‌ محمد الصادق النيفر

- ‌ترجمة فقيد العلم الشيخ محمد الصادق النيفر

- ‌مولده ونشأته الأولى

- ‌دخول جامع الزيتونة وطور الاستفادة

- ‌طور الإفادة" التدريس والخطابة

- ‌صلته بعلماء المغرب

- ‌المناصب التي تقلدها

- ‌مؤلفاته

- ‌أخلاقه

- ‌مرضه وموته وموكب جنازته

- ‌مصاب تونس بوفاة عالم جليل

- ‌عمله الوطني

- ‌من مراثيه

- ‌الجزء الرابع من كتاب مسامرات الظريف بحسن التعريف

- ‌الخاتمة في التعريف بالآباء الكرام، والشيوخ والأعلام وما ألحق بذلك في هذا المقام

- ‌ المبدأ

- ‌السنوسيون

- ‌الزرقيّون

- ‌الشيخ أحمد زروق الكافافي

- ‌الشابيون

- ‌السقاطيون

- ‌الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقّاط

- ‌السوسيون

- ‌الفقيه أبو محمد الشيخ عبد الله السوسي

- ‌الجراديون

- ‌المحجوزيون

- ‌الحياصيون

- ‌المقصد

- ‌الشيخ الحاج عبد الله الدراجي

- ‌ الشيخ محمد بن محمود

- ‌الشيخ أحمد عاشور

- ‌الشيخ محمد بو عصيدة

- ‌الشيخ أحمد بن نصر

- ‌الشيخ محمد الأمين بن الخوجة

- ‌الشيخ عمر بن الشيخ

- ‌الشيخ سالم بو حاجب

- ‌صدارة محمود بها لله قد منَّا=على دولة الإسلام فهي بها تهنا

- ‌الشيخ محمد بيرم

- ‌الشيخ الطبيب السبعي

- ‌الشيخ محمد العربي المازوني

- ‌الشيخ عثمان الشامخ

- ‌الشيخ مصطفى رضوان

- ‌الشيخ محمد النجار

- ‌الشيخ أحمد الورتتاني

- ‌الشيخ محمد البناني

- ‌الشيخ محمد التواتي

- ‌الشيخ إبراهيم السنوسي

- ‌الشيخ أحمد بن الطاهر الكنجي

- ‌النتيجة

- ‌الأمير الناص باي

- ‌جمعية الأوقاف

- ‌الإجازة الأولى

- ‌الإجازة الثانية

- ‌الإجازة الثالثة

- ‌كرامه

- ‌الرائد التونسي

- ‌القليبيون

- ‌الجلازيون

- ‌الملحق

- ‌التشريع

- ‌[ترجمة محمد الطيب الرياحي]

- ‌[وفاة الشيخ إبراهيم الرياحي]

- ‌[الشيخ علي الرياحي]

- ‌الشيخ محمود محسن

- ‌[الشيخ علي محسن]

- ‌الشيخ محمد محسن

- ‌الشيخ علي محسن

- ‌الشيخ صالح النفير

- ‌في ضحوة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام افتقد هذا القطر

- ‌الشيخ محمد الشريف

- ‌[ترجمة والده]

- ‌[قراءة البخاري عند الأزمة]

- ‌الملاحق

- ‌ملحق (1)

- ‌مشيخة المدينة بتونس

- ‌13331915

- ‌13451926

- ‌13511932

- ‌13531934

- ‌13541945

- ‌13601941

- ‌13611942

- ‌13621943

- ‌13761956

- ‌13771967

- ‌13781958

- ‌13831963

- ‌1389،1969

- ‌13931973

- ‌13951975

- ‌1978

- ‌1980

- ‌12821865

- ‌12861869

- ‌12981880

- ‌13001882

- ‌13011883

- ‌ملحق (2)

- ‌عهد الأمان

- ‌استقالة الفقهاء من مجلس شرح قواعد عهد الأمان

- ‌لعل له عذراً وأنت تلوم

- ‌عالم الأدباء وقانون عهد الأمان

- ‌ملحق (3)

- ‌ثورة علي بن غذاهم

- ‌تحقيق حول ثورة ابن غذاهم وما دار حولها

- ‌كيف خمدت الثورة

- ‌الاتزان التاريخي

- ‌ملحق (4)

- ‌الكومسيون المالي

- ‌إبطال الكومسيون

- ‌ملحق (5)

- ‌المجلس الشوري

- ‌ملحق (6)

- ‌تتمة للمقدمة

- ‌ذيل في تسلط فرنسا على تونس

- ‌اللائحة العثمانية

- ‌ما بعد الحماية

- ‌قسم غير رسمي

- ‌ الأمير علي باي

- ‌ابنه الأمير محمد الهادي باي

- ‌الأمير محمد الناصر باي

- ‌الأمير محمد الحبيب باي

- ‌الأمير احمد باي

- ‌ الاستقلال التام

- ‌الأمير المنصف باي

- ‌الأمير محمد الأمين باي

- ‌نهضة الزيتونة

- ‌الاستقلال الداخلي

- ‌افتتاح المجلس التأسيسي

- ‌أول وزارة العهد الاستقلالي

- ‌إعلان الجمهورية

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الوزارة التونسية

- ‌13501932م 1942 م

- ‌13621943 م

- ‌الوزارة التونسية في العهد الجمهوري

- ‌الملحق (7)

- ‌تاريخ تأسيس جاع الزيتونة

- ‌بناء جامع الزيتونة وتسميته

- ‌ابن الحبحاب والفكرة الاتساعية

- ‌تسمية المساجد

الفصل: ‌السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء

ليس الغريب بأنسه في غربة

بل منْ برؤية وجهه لم يظفر

حيا معاهدَ أنسه برقُ الحيا

وسقى "سلا" صوبُ الأغرِّ الممطر

بلدٌ به سطعت لوامعُ نوره

فغذا بوجهٍ ضاحكٍ مستبشر

لازال منه الغربُ مشرق شمسه

و"سلا" به أبهى وأبهج منظر

وعليه من محض الوداد تحية

أذكى من المسكِ الفتيقِ وعنبر

ما قال ذو وجدٍ بحبك داعياً

روحي فداك من الملمِّ المعتري

ومن متعلقات تعلق أعيان المغرب به وحسن العلاقة التي ثبتت له معهم بسبب تلك السفارة المسفرة عن غرر آدابه أنه في أوائل سنة إحدى وأربعين قدم الشيخ محمد العربي الدمناتي أحد كتبة الإنشاء بحاضرة فاس إلى حاضرة تونس مجتازاً لحج بيت الله الحرام غير أنه لم يلاق مراده من الشيخ ابراهيم الرياحي بتونس، ولذلك كتب إليه مكتوب عتاب بناه على سبعة أسباب وهذا نصه:[الطويل]

ولما أبيتمْ أن تزوروا وقلتمُ

ضعفاً فلم نقدرْ على الوخدان

أتيناكمُ من بعد أرض نزوركم

وكمْ منزلٍ بكر لنا وعوان

نسائلكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لا بملء جفان؟

‌السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء

السلام، وأداء ما يجب لكم من الإعظام، فأقسم بمن فضلك على أبناء جنسك، وجعل يومك في الفضل مربئاً على أمسك؛ ما من يوم إلا ولي فيه لعلاك ذكر، وحمد وشكر، وهم بلقائك وفكر، لما شرفت به من خلالكم، وبديع كمالكم، وكنت أبقاك الله لاغتباطي بولائك، وسروري بلقائك، أود أن أطوي لك المرحلة، وأجدد العهد بملاقاتك المؤلمة. ولم يكن همي مع فراغ البال، وإسعاف الآمال، ومساعدة الأيام والليال، إذا الشمل جميع، والزمن كله ربيع، والدهر مطيع سميع، إلا زيارتكم وأن ارى الأفق الذي طلعت فيه أنجم الهداية، وكانت إليه العودة ومنه البداية. فلما حم الواقع وحسنت منه المواقع، حجبتم بروقكم، ومنعتم عنه صبوح0كم وغبوقكم.

[الوافر]

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما يشاء

وقد كنت على البعد ظمآناً لهذه الموارد، فها أنا الآن في جواركم رائد. فكيف انصرف انصراف الظمآن شارف العذب الزلال فلم يشرب، أو المحب نوى ساعة اللقاء فما أبان ولا أعرب. وقد كنت زمن تجميعي وإياكم الحضرة السلطانية على معرفتك متهالكاً، ونهج الإخاء سالكاً، لما يلوح على محياك من سيماء المجد والحيا، والشيم الدالة على العليا، والمحبة رعاكم الله لاتتوقف على طول مشاهدة طرف، ولا مباشرة حسن ولا ظرف. وفضلكم يأبى أن يقابل هذه الحجة بصرف، أو يعبد من إنكارها على حرف، وهي وإن كانت دعوى فلها إسناد، إلى قوله "الأرواح أجناد". وطالما قبض محبكم العنان، وزجر البنان، وأمل اللقاء وحوم، وعرج على طالب الصبر ويمم، ولم يجد إلا الصعيد فتيمم، فأصدرت هذه نمتوسلة بوسيلة الحب الصحيح، والتعريض إلى التصريح، قائلة: زيارة سيدي الشيخ ابقاه الله محط الآمال وقبلة الوجوه. وبلغه ما يؤمله من فضله ويرجوه تجب من وجوه.

أولهما: أنك شيخ البلد، ومفتي الفئة التي أنست ببرورها الأهل والولد.

[الطويل]

ولا عيبَ فيهم غيرَ أن ضيوفهم

تلام بنسيان الأحبة والوطن

ثانيهما: كوني ضيفاً، وممن لا يعد عند الاختيار زيفاً، ولا تجر مؤانسته حيفاً، فضلاً عن أن تشرع رمحاً أو تسل سيفاً.

ثالثهما: رعاية الرحم بالصلة، التي هي لكل خير موصلة، وقاعدة الفضل قد قررها الحق وأصلها، والرحم كما علمتم تدعو لمن واصلها.

رابعها: أن الاهتزاز للضيف يقتضيه القدر السمي، والخلق العلمي. وفضل متواتر نقله، عمن رضي دينه وعقله.

خامسها: أن اسمك الأسمى يقتضي الإكرام، ووصفك كفيل بنيل المرام.

سادسها: البدء في هذا الغرض، وإن كانت الواو لا ترتب إلا بالعرض، هو المشاركة في محبة المولى المرحوم، فلقد كنت منه كالولد البار، كما كان له بكم غاية الاحتفال والاعتبار.

ص: 70

سابعها: أن شأني ظريف، ومزاري خفيف، لا خبر ولا سديف، ولا عسل ولا رغيف، ولا قهر ولا صليف، إنما هو أنس يبذل، ونفسي في التقابض تعدل، ومذاكرة تهز دوحها، وتنشق روحها، أما القرى فقد كفى سيدنا الشيخ مؤونته الثقيلة، ولم يحوج لتشويش العقل واستخدام الفعيلة، فليت شعري ما الذي عارض هذه الأصول، ومنع السيد من الوصول، وما دليله في المحصول، اللهم إلا أن يقول عمل أهل المدينة ينافيها، فهذا ربما يقنع النفس ولا يكفيها، على أن جل البلد منحسم الأمل، لا يرى مذهب العمل، أو يقول إني مشغول، وفي حبالة المطالعة موغول، قلنا فهلا جعلنا مولانا من جملة أشغاله، ومنح العبيد بنزر من نواله، وهلا إذ لم يتفضل سيدنا بالقدوم، أذن لنا في زيارة مقامه المخدوم، ولم يعتمد عذراً يقتضيه الكرم، والمنصب المحترم، فلن تزل رعاك الله الأفاضل إلى التماس البر ذات اشتياق، والعرف بين الله والناس باق، والغيرة على المنصب مفروضة، والأعمال معروضة، والله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة. وكثيراً ما كنت أسأل عن زيارتكم لظنا فأجمل المفسر، وألم وغذا بناديهم حللت فإنهم=خرسٌ شقاقهم وإن لم تزأرِ

لله تونسك التي بوأتها

كم أحرزت بعلاكمُ من مفخر

مني عليك تحيةٌ نفاحاتها

تربي على مسكٍ يفوح وعنبر

ما غرَّدتْ قمريةٌ في دوحةٍ

وبدا سنا ذاك الجبينِ الأزهر

وتلا محبُّكمُ المخلُ بحقكمْ

اسمكعْ أبا اسحق قولي واعذرِ

فأجابه الشيخ ابراهيم الرياحي عن ذلك بقوله: [الكامل]

روحي فداك من الملمِّ المعتري

ولوَ أنه يبتاع كنتُ المشتري

وأنا الذي بتخلُّفي أصبحتُ في

ندم فيا ويلاه إن لم تغفر

يا خير من حسد العقودُ قريضه

فتناثرت منها "صحاح الجوهر"

وأجلّ من ذان القريضُ لطبعه

وبنثره سحرَ النهي إن ينثر

وأرق من ساري النسيم إذا انبرى

لطفاً وأسوغ من زلال الكوثر

أعني الهمام ابنَ الفقيه محمَّداً

شيخَ الهداة وقدوةَ المستبصر

ومن العلومُ بنقده وذكائه

تزهو على الحور الحسان وتزدري

الدرسُ لا يهوى سوى تقريره

وسواه لا تهوى مراقي المنبر

وإذا لثام الجهل غطَّى مشكلاً

كشف اللثامَ عن الجبينِ المسفر

ببراعةٍ من دون نيل أقلّها

حرب البسوس وهول يوم المحشر

يا عاذلي في حبه أقصر فما

أنا عن هواه المستلذ بمقصر

ما كنت فيه مقلداً غير الهوى

فأطل ملامك بعد ذا أو قصر

إن كنت تسمع ما سمعت فإنني

من حسنه أبصرت ما لم تبصر

تسليك منه فكاهة فكأنها

راح براحة أغيد متبختر

ليس الغريب بأنسه في غربة

بل من برؤية وجهه لم يظفر

حيا معاهد أنسه برق الحيا

وسقى "سلا"سوب الأغر الممطر

بلد به سطعت لوامع نوره

فغدا بوجه ضاحك مستبشر

لا زال منه الغرب مشرق شمسه

و"سلا" به أبهى وأبهج منظر

وعليه من محض الوداد تحية

أذكى من المسك الفتيق وعنبر

ما قال ذو وجد بحبك داعياً

روحي فداك من الملم المعتري

ومن متعلقات تعلق أعيان المغرب به وحسن العلاقة التي ثبتت له معهم بسبب تلك السفارة المسفرة عن غرر آدابه أنه في أول سنة إحدى وأربعين قدم الشيخ محمد عربي الدمناتيأحد كتبة الإنشاء بحاضرة فاس إلى حاضرة تونس مجتازاً لحج بيت الله الحرام غير أنه لم يلاق مراده من الشيخ إبراهيم الرياحي بتونس ولذلك كتب إليه مكتوب عتاب بناه على سبعة أسباب وهذا نصه: [الطويل]

ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم

ضعفنا فلم نقدر على الوخدان

أتيناكم من بُعد أرض نزوركم

وكم منزل بكر لنا وعوان

نسألكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لا بملء جفان؟

ص: 71

السيد الذي لساني مرتهن حمده وجفاني مستودع سره سيدي إبراهيم الراحي بعد إهداء السلام وأداء ما يجب لكم من الإعظام فأقسم بمن فضلك على أبناء جنسك وجعل يومك في الفضل مربئاً عن أمسك ما من يوم إلا ولي فيه لعلاك ذكر وحمد وشكر وهم بلقائك وفكر لما شرفت به من خلالكم وبديع كمالكم وكنت أبقاك الله لاغتباطي بولائك وسروري بلقائك أود أن أطوي لك المرحلة وأجدد العهد بملقاتك المؤلمة ولم يكن همي مع فراغ البال وإسعاف الآمال ومساعدة الأيام والليال إذا الشمل جميع والزمن كله ربيع والدهر مطيع وسميع إلا زيارتكم وأن أرى الأفق الذي طلعت فيهأنجم الهداية وكانت إليه العودجة ومنه البداية فلما حم الواقع وحسنت منه المواقع حجبتم بروقكم ومنعتم عنه صبوحكم وغبوقكم [الوافر]

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما يشاء

وقد كنت على البعد ظمآناً لهذه الموارد فها أنا الآن في جواركم رائدفكيف أنصرف انصراف الظمآن شارف العذب الزلال فلم يشرب أو المحب نوى ساعة اللقاء فما أبان ولا أعرب وقد كنت زمن تجمعني وإياكم الحضرة السلطانية على معرفتك متهالكاً ونهج الإخاء سالكاً لما يلوح على محياك من سيماء المجد والحيا والشيم الدالة على العليا والمحبة رعاكم الله لا يتوقف على طول مشاهدة طرف ولا مباشرة حسن ولا ظرف وفضلكم يأبى أن يقابل هذه الحجة بصرف أو يبعد من إنكاره على حرف وهي وإن كانت دعوى فلها إسناد إلى قوله "الأرواح أجناد" وطالما قبض محبكم العنان وزجر البنان وأمل اللقاء وحوم وعرج على طالب الصبر ويمم ولم يجد إلا الصعيد فتيمم فأصدرت هذه متوسلة بوسيلة الحب الصحيح والتعريض إلى التصريح قائلة: زيارة سيدي الشيخ أبقاه الله محط الآمال وقبلة الوجوه وبلغه ما يؤمله من فضله ويرجوه تجب من وجوه.

أولها: أنك شيخ البلد ومفتي الفئة التي أنست برورها الأهل والولد.

[الطويل]

ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم

تلام بنسيان الأحبة والوطن

ثانيها: كوني ضيفاً وممن لا يعد عند الاختبار زيفاً ولا تجر مؤانسته حيفاً فضلاً عن أن تشرع رمحاً أو تسل سيفاً.

ثالثها: رعاية الرحم بالصلة والتي هي لكل خير موصلة وقاعدة الفضل قد قررها الحق وأصلها والرحم كما علمتم تدعو لمن وصلها.

رابعها: أن الاهتزاز للضيف يقتضيه القدر السمي والخلق العلمي وفضل متواتر نقله عمن رضي دينه وعقله.

خامسها: أن اسمك الأسمى يقتضي الإكرام ووصفك كفيل بنيل المرام.

سادسها: البدء في هذا الغرض وإن كانت الواو لا ترتب إلا بالعرض هو المشاركة في محبة المولى المرحوم فلقد كنت منه كالولد البار كما كان له بكم غاية الاحتفال والاعتبار.

ص: 72

سابعها: أن شأني ظريف ومزاري خفيف لا خبز ولا سديف ولا عسل ولا رغيف ولا قهر ولا صليف إنما هو أنس يبذل ونفس في التقابض تعدل ومذاكرة تهز دوحها وتنشق روحها أما القرى فقد كفى سيدنا الشيخ مؤونته الثقيلة ولم يحوج لتشويش العقل واستخدام الفعيلة فليت شعري ما الذي عارض هذا الأصول ومنع السيد من الوصول وما دليله في المحصول اللهم إلا أن يقول عمل أهل المدينة ينافيها فهذا ربما يقنع النفس ولا يكفيها على أن جل البلد منحسم الأمل لا يرى مذهب العمل أو يقول إني مشغول وفي حبال المطالعة موغول قلنا فهلا جعلنا مولانا من جملة أشغاله ومنح العبيد بنزر من نواله وهلا إذا لم يتفضل سيدنا بالقدوم أذن لنا في زيارة مقامه المخدوم ولم يعتمد عذراً يقتضيه الكرم والمنصب المحترم فلم تزل -رعاك الله- الأفضل إلى التماس البر ذات اشتياق والعرف بين الله والناس باق والغيرة على المنصب مفروضة والأعمال معروضة والله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة وكثير ما كنت أسأل عن زيارتكم لنا فأجمل المفسر وألم بالكذب بما تيسر، وربما طرق من الاستحيا، واعتذر على ما بي من الإعيا، ولما ضاق مني العطن، وحان أوان الرجوع إلى الوطن، بثثت اعتقادي، ونفثت في عقد ودادي، فإن قضي اللقاء حصل الكمال، واستوفيت الآمال، وتظافرت النيات والأعمال، وارتفع من سوء القصد الإهمال، وحاجة نفس قضيت، وأحكام آمال ارتضيت، وإن اتصل الفراق فعين على القذاء أغضيت، ومناصل ما وصل انتصيت، وبكل حال فالثناء جميل، وإن لم يقض من برك تأميل، وشكري لشكر الخلق فيك تبع، وإن لم يقع في جوارك ري ولا شبع، ولا تؤاخذ فالقصور باد إذا تؤمل، والإغضاء أول ما أمل، فإنما هي فكرة أخمدت نارها الأيام، وغيرت آثارها من البنين سهام، وما ألممت به إنما هو دعابة تخف على أهل النبل، ومن يسلك من السفر أوضح سبل، والله يمتع بعد لقائك أمين، والسلام. متمم صفر عام 1241.

[الكامل]

إن العتاب صقالُ كل مودَّةٍ

صديت ومغمدُ كل حقدٍ مصلت

وهو المسيحُ يميتُ كل مخيلةٍ

حييتْ ويحيى كل ودٍّ ميّتِ

وقد أجابه الشيخ ابراهيم الرياحي عن ذلك بما نصه: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو الله في السماء وفي الأرض، يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيئين وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين، إلى يوم الدين".

[الطويل]

عجبت وهل ذا الدهر إلاّ عجائبٌ

لمن قال ذا عتبٌ بحسن بيانِ

أتيناكمُ من بعد أرض نزوركم

وكم منزلٍ بكر لنا وعوان

نسائلكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفونٍ لا بملء جفان

أتاتوننا قصد الزيارة ثمَّ لا

توافوننا من بعد نيل تلدان

وتغنون بالإرسالِ عن وصل حبَّكم

وقد صار منك الوصلُ طوعَ بنان

لقد جلّ هذا الحب حتى كأنَّه

سرابٌ تراءى لامعاً لعيان

وساءلتمُ ملءَ الجفونِ قراكمُ

أشرتم إلى بخلٍ بملء أوان

بعيشك ما صد الجفونَ عن القرى

وما احتجبت في لقياه للوخدان

وقد لاح لي في شرح ذاك ضمائر

أنزِّهُ عن إعرابهن لساني

كتابك أيها السيد الذي بذَّ الأقران، وأذكر بإحسان بيانه بيان حسان، لعله مجرد إبراز لإبريز البلاغة، ومحض حسن تخيل ببنان البيان صاغه، وإهمال المراقبة لأمر العاقبة أساغه، تبغي بنفثاته البابلية قلب الحقائق العقلية والنقلية، وإلا فكيف يسوغ في معقول أو منقول، قرب الحبيب وما إليه وصول، والقناعة عن ملء الجفون برسول بعدما ادعيتم من معاناة البعد والبعد، ومكابدة الشوق الطويل المديد، وقد قال القرب "هذا ما لدي عتيد"، أو أن حبكم ملبني على غير أساس، أو لم يعذ من شر الجنة والناس، فابتلي عقده بالفسخ، وقبل التبليغ وقع النسخ، ثم إنك لم تأل جهداً في السباب، وأتيت من فنونه بالعجب العجاب، ورمت ترويجه على أولي الألباب، باسم الدعابة والعتاب، وهل تخفى الشمس ليس دونها حجاب. فكنتم كهادم محل سكناه، أو كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، ولو كان القلب مازال تستفزه البروق، وصهباء الشباب بمزاج السرور تروق، لجريت معك في هذا الميدان، خليع العذار طلق العنان، وأثبت متشابه كتابك بأتم بيان، ولكن.

[الطويل]

ص: 73

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله

وعري أفراس الصبا ورواحله

"والله سبحانه يقابل جميعاً بالعفو، ويسامحنا فيما ارتكبناه من اللغو. والسلام" أ. هـ? أما رجوع الشيخ ابراهيم الرياحي من سفارته، فقد شاد له أعلى المفاخر في ذاته وإدارته. إذ حسن موقع حسن مساعيه لدى الأمير والمأمور، وعد ذلك من السعي المشكور، وأضاف الشيخ بذلك لنفسه مفاخر، عاد بها بحر حسن ذكره في أهل العلم زاخراً.

ولما عزل أستاذه الشيخ عمر المحجوب من خططه استدعاه الأمير حمودة باشا لخطة قضاء الحضرة وأكرهه عليها بعد شدة امتناعه، فقبل الخطة ووليها صبيحة يوم السبت منسلخ صفر الخير سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف وقبل التهنئة من الخاصة والعامة وقد سأله الشيخ حمد بن الخوجة القاضي الحنفي يومئذ عما أعده من الكتب للخطة فقال له: أعددت كتاب ابن رحال فعجب منه حيث أن ابن رحال له شرح على المختصر الخليلي، وهو يسأله عن كتب النوازل التي جرى العمل بما فيها بين القضاة بحاضرة تونس. لكن من الغد كشف الغيب على أن الشيخ خرج إلى زاوية تلميذه الشيخ محمد بن ملوكة خارج باب القرجاني فبات بها وأصبح مرتحلاً إلى زغوان ونزل بزاوية الشيخ سيدي علي عزوز رضي الله عنه فراراً من الخطة. فلم يكن اعتماده إلا على ابن رحال وأقام بزغوان إلى ان أولى الأمير الشيخ اسماعيل التميمي قاضياً بالحضرة فعاد عند ذلك إلى الحاضرة وثبت على طريقته في بث العلم، وانتفع خلق كثير بما أقرأه من الكتب. وعند وفاة أستاذه الشيخ محمد الفاسي تقدم عوضه للتدريس بجامع يوسف صاحب الطابع مع مشيخة مدرسته، وأقام درسي تفسير القاضي البيضاوي وصححي البخاري، وحضرهما كثير من علماء تلامذته.

ولما قدم إلى حاضرة تونس الشيخ الطاهر بن عبد الصادق أحد تلامذة الشيخ أحمد التجاني سنة ثمان وثلاثين استصحب معه الشيخ ابراهيم الرياحي في رجوعه، فسافر صحبته إلى تماسين للاجتماع بالخليفة في الطريقة التجانية، الشيخ الحاج علي التماسيني رضي الله عنهم أجمعين.فزار في طريقه مدينة القيروان وقطع الصحراء، ووصل إلى تماسين، واجتمع بالخليفة وطلب منه مداواة أمراض النفس الباطنية فنال منه الدواء الناجع، والسر النافع، ورجع محصلاً على المراد، من حسن الإمداد، وخرج لحج بيت الله الحرام يوم السبت الثاني عشر من جمادى الثانية سنة إحدى وأربعين وامتحن في طريقه بفرقة من الإغريق اعترضوا المركب الذي ركبه الشيخ واستأسروا المركب وقادوه معهم فأخذ الشيخ يذكر "سيجعل الله بعد عسر يسرا"، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" فتداركهم الله برحمة من عنده، ونجاهم بسبب ريح عاصف فرق ما بين المركبين، وحال بينهما الموج. وفي عشية الواقعة على الشيخ ظهر على أستاذه الشيخ البشير حال عظيم منع به الداخلين عليه وصرح في آخر أمره بالتأسف على ابن تربيته، حتى ظن الحاضرون وفاته وكادوا أن يياسوا من قدومه وانجلى الغيب عن الواقعة المذكورة ولما قضى نسكه رجع إلى حاضرة تونس ثاني عيد الفطر سنة اثنين وأربعين ومائتين وألف واتخذ العلماء مقدمه عيداً وهنأه تلميذه الوزير المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف بقصيدة من مبادي شعره، وهي قوله:[الطويل]

قدمتَ وتفدى بالنفوس مع الأهلِ

كما جاء درُّ الغيث في الزمنِ المحل

وإلا كما جاء المراد لطالب

وإلَاّ كسيف الجدِّ في منهج الهزل

وإلاّ كما بانت وجوهُ بشائرٍ

تخلِّصُ غرقي في بحارٍ من الوحلِ

وإلا كصبح الوصل أشرق نوره

فأذهبَ ليلاً قد تبدي من العزل

بعدنا عن التشبيه جهلاً وإنما

لرؤية ابراهيمَ فضلٌ على الكل

فكيف ودر العلم قد جاءَ بحرهُ

وهل لمجيء البحر تبصرُ من مثل؟

ففي حادث اليام بعد أوانه

فكيف أرى الأيام في غاية البخل

سرى ذكره كالنيِّرين معطراً

وعمّ جميع النا طراً بلا مهل

وسار لبيت الله والعزُّ متبعٌ

وشدد بالتقوى شديدَ ذرى النزل

فحصَّل من تلك البقاع مغانماً

مفاتيح فتح لا ترام ولا تملي

وجاد على الأقطار من وبل علمه

فأينع غصن العلم من ذلك الوبل

وقد شرف الأمحار أخمص رجله

ولله من عز حوته من الرِّجلِ

ص: 74

وخلَّف من زهر الثناء مناسماً

يفوح شذاها في رياضٍ من القول

وآب كما آب الزمان لأهله

وقد زادَ بالأضعاف فضلاً على مفضل

فكان لنا عيدانِ عيدُ قدومه

وعيدٌ لختم الصوم فأعجب لذا الشمل

فهذا إمام الدين أقبل غانماً

ليهتز بالأفراح منْ كان ذا عقل

ولو نظرتْ عيناك يوم قدومه

رأيتَ ثغورَ الأرض تبسمُ بالفعل

ألا أيها المولى الذي حسناته

تزيد على الأمواج والقطر والرمل

هنيئاً لجند العلم أقبل نصرهُ

وبشِّرْ جنودَ الجهل بالطعن والقتل

بقيت على رغمِ الحسودِ معظَّماً

وطيبُ شذا علياك أحلى من الوصلِ

ولاقاك كل اليمن والخير حيثما

قدمت وتفدى بالنفوس مع الأهل

ولما توفي أستاذه رئيس أهل الشورى من المفاتي المالكية الشيخ اسماعيل التميمي طلبه الأمير حسين باشا باي قدس الله روحه، فأحضره بباردو، وأراد أن يقلده الرئاسة المذكورة ابتداءً ليزين الخطة الشرعية بعلمه وعمله، فامتنع من ذلك كل الامتناع، إلى أن قامت عليه شهادة في تعين الخطة عليه، وذلك أن الأمير لما أعياه أمره، وجه لمراودته لسان دولته وكاتب سره، فخاطبه لسان الدولة الشيخ محمد الأصرم بقوله: إن الخطة متعينة عليك، فكيف يسوغ لك عدم قبولها، فقال له الشيخ: ومن يشهد معك بتعين الخطة علي؟ فشهد بذلك كاتب السر الشيخ أحمد بن أبي الضياف فقال الأمير: هل قبلت شهادتهما؟ فقال له: نعم، وعند ذلك قبل الخطة المذكورة، ولبس رادءها. وعند خروجه من مجلس الأمير ألقى على الأرض الكابة السوداء من أعلى كتفيه، لما فيها من الحرير. وكان ذلك أواخر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف.

وتقدم بذلك على المفتي الثاني الشيخ محمد المحجوب، والمفتي الثالث الشيخ الشاذلي بن المؤدب، وقاضي الحضرة الشيخ محمد البحري، وقاضي باردو المولى الجد الشيخ محمد السنوسي. ولم يتغير واحد منهم لتقدمه رضي الله عنهم أجمعين.

وقد هنأه بالخطة المذكورة تلميذه الشيخ محمد بن سلامة بقوله: [الكامل]

يا سعد لمْ قد طال فيك الموعد

ووثيق عهدك دائماً يتجددُ

كم علَّلتني منْ عهودك نسمةٌ

إن صادفت مني الرجا يتوقَّد

عهدي بأن الدهر قد باع الكرى

وله غداً ثمن المبيع الإثمد

كيف التخلص من خوادع مكره

وبلوغك الآمال فيمن تسعد

بشرى بني هذا الزمان بمنةٍ

شأن الزمان بمثلها لا ينجد

شتان بين صنيعه فيما نرى

ووقوع أمرٍ مثلهُ مستبعد

ما كنت أحسب قبله حتى بدا

أنَّ الجفون من الليالي ترقد

فكأنه غض الجفون بمهجة

من بعد ما قال طال منه تسهُّد

فزهت من الإنصاف ورق ذوي العلا

وصفا من الأكدار شربٌ يوردُ

ولقي البرية ما لقت من غرة

من ذي الولاية أنعم لا تجحدُ

مذ قيل قد لبس الرئاسةَ فاضلٌ

جيد العلوم بفضله متقلد

وازداد في معنى الفتاوى مذ غدت

تاجاً على هام الجلالة يعقد

يكفي المناصبَ عزةً في نيلها

أنْ كفؤها دنيا وديناً أوحدُ

أعني أبا اسحاق منْ بذلت له

مهر المعارف عكس ما قد يعهد

فسواه يلفي في الولاية رفعة

وبه الولاية عزها يتأكَّد

خطبته عذرا خطبة من نفسها

علمت بأنه كفؤها المتفرد

فلها الهناء وقد غدا في افقها

شمساً لها غضَّ الجفونَ الأرمدُ

وهبتْ إليه المكرماتُ طريفها

وتليدها وقفاً عليه يؤبَّد

دنيا العلوم وعالم الدنيا ومن

سندُ العلوم إليه وهو المسند

أضحى بسلك العلم وسطي عقده

وبه بدا علمُ السلوك ينضَّدُ

معنى البيان معنى فقهه

وأصوله ركن إليه مشيَّد

شيخ الطريقة والحقيقة والهدى

بحرُ المعارف والمعالي المزبدُ

ما جال في حرب العويصة فكرهُ

إلاّ به جيش العويص يبدد

أوِ ما تشرَّد نافرٌ إلا غدا

وجميعهُ رهنٌ لديه مقيَّد

الفاضلُ النحرير من داعي الهدى

برشاده إن جاز عني مرشد

فاسعدْ به يا دهر إنّك عبده

وأشرف به يا سعدُ إنَّك سيد

ص: 75

واعلم بأنك يا كمال هلاله

بدر اهتداء نزله لا يقعد

ما الفخر إلا ما اكتسبت وإنما

درجُ المعالي بعدكم لا تصعد

خذوها كوجه الأفق وشّاه الدجى

وبهامهِ عقدُ النجوم منضَّد

فإنما تلك السطور مجرَّةٌ

وكأن ذاك النقطَ منها الفرقد

وإذا رفيعُ الشَّعرِ باهي شعرها

فلها بمدحك مدحة لا توجد

فسواك يعلو بالقريض ثناؤهُ

وبك القريض ثناؤه يتأيَّد

وإذا مددتَ لها اليمين تحيةً

ورضيتها فهو المنى والمقصد

فابذل لها مهرَ القبول ودم لها

فبقاك للموجود عيشٌ أرغد

وانحل أباها دعوة من نحوكم

فبها على رغم الليالي يسعد

وقد قام بخطة رئاسة الفتوى، وزانها بالعلم والتقوى، وكتب في الفتاوى كتائب محفوظة بين اهل العلم، منها رسالة ألفها أواخر سنة خمس وستين في الإعذار، رفع فيها الستار، وكشف النقاب عن دقائق الأنظار. ولذلك قرظها شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الثالث بقوله:[الكامل]

نسختْ بحكمة حكمها الأنظارُ

رفعَ النزاع وحققَّ الإمعذار

وخزائن التحقيق مهما فتَّحتْ

برزت لها من طيها الأنوار

ما كنت أحسب قبل ذوق زلالها

أنّ النهي تبدو بها أقمار

حكم الضمير بأنَّ ناظم درِّها

عدمتْ له الأشباه والأنظار

لو ساغ إخراج الضمير لنسخة

من حكمه ظهرت بها الآثار

لكننا في غنية عن ذاك إذ

مطلوبنا فازت به الأنصار

فهو الإمام وكل فحل دونه

علم الهدى للناس منه فخار

وهو الكبير يود كل موفق

ختمت بنور علومه الأعصار

وقرظها تلميذه المفتي الثالث يومئذ الشيخ محمد بيرم الرابع بقوله: [الكامل]

خضعت لعزَّةِ قدرها الأقدارُ

وتضاءلت لسموها الأقمار

وبدت على هام العلا تاجاً له

درر أجادت نظمها الأفكار

حسناء حسب ذوي النهي أن ينصتوا

لحديثها الإذعان والإقرار

لكن وإن وصفت بكل فضيلة

فوليها عدمتْ له الأنظار

هو ذلك العلمُ الذي ركب العلا

وله على صهواتها استقرار

جبل العلوم وبحرها ومنارها

وزعيمها وسحابها المدرار

يا من يجل عن المدائح قدره

ولوَ أنَّها درر غلت ونضار

أبتِ العالي أن ترى ثانياً

وتكفلت بمرادها الأقدار

فلذاك لحتَ وأنت مفرد أفقها

ومنيرها الأعلى ولا إنكار

زال فكرك مبدياً لجواهرٍ

في نيلها تتنافس الأحرار

ومن رسائله تحريره لمسألة إراقة خمر المسلم وتعقب الخلاف الذي وقع في تفضيل الحكم بالنظر لتطهيرها بالتخليل ونحوه مما استدركه الشيخ أبو مهدي عيسى الغبريني على الشيخ الشبيبي رضي الله عنهم.

وله رسالة في تمكين من امتثل دفع بعض دين عليه وادعى في باقية لدى قاض مالكي من المطلوبية والتنقل بالنزلة إلى قاض حنفي.

ورسالة في إثبات حق الحضانة للحاضنة ولو التزم الولي بالنفقة من مال نفسه.

ورسالة أجاب بها الشيخ محمد المسعودي قاضي رأس الجبل عن مسألة من استدعي للحلف على المصحف فقال: ائتوني به وأنا أعفس عليه بساقي وأنه لا تلزمه الردة، حيث أن مراده أنه حالف على الحق.

ومسألة مجاعلة وكيل الخصام بأجر معين على إتمام النازلة، وبسط في المسألتين بسطاً شافياً.

ورسالة في المأجل المشترك.

وله أجوبة أسئلة كثيرة. منها: جواب في شفعة شريك ادعى شريكه وقوع القسمة.

وجواب في الفرق بين الحمار الأهلي والحمار الوحشي.

وجواب في سطح الجامع وبيان ما يخالف فيه الجامع وما له حكمه.

وجواب فيمن نسي تكبيرات العيد ولم يأت إلا بتكبيرة الإحرام.

وجواب أجاب به الأمير حسين باي في جواز معاوضة العقار بالدرهم وجواز تحويل أبواب المساجد لمراعاة مصلحة.

وله اجوبة مسائل وردت إليه من غدامس، ومسائل وردت إليه من نواحي سوف، ومسائل أجاب بها قاضي الحضرة الشيخ محمد بن سلامة، ومسائل أجاب بها كثيراً من قضاة المملكة وغيرها من أفراد السائلين بحيث أن مجموعها يعد من عزيز الفتاوي وهو رضي الله عنه يميل في كتائبه للاختصار وتحرير ما به الحاجة في المسألة.

ص: 76

ولما شاعت فتنة الوهابي، ووردت رسالته إلى الحاضرة، كتب هو رسالة في الرد عليه حيث يقول بمنع زيارة الأولياء، وهدم المشاهد والزوايا، ة وتحريم ذبائحها إلى غير ذلك مما فتن به العباد. ولحسن هذه الرسالة في الرد عليه قرظها شيخ الإسلام البيرمي الثالث بقوله:[الكامل]

روض العلوم تدفقت أنهارهُ

وتفتقت بعبيرها أزهارهُ

لرسالة فاقت على نظرائها

ما فاق عن زهر السما أقماره

وانجاب عن وجه الصواب بما حوت

من حسن تحقيقاتها أستاره

لم لا ومنشئها أبو اسحاق منْ

بين الأفاضل لا يشق غباره

ذاك الذي قد جد في طلب العلا

حتى علا بين الملا مقداره

فغذا وتحقيق العلوم شعاره

وبدا وحل المشكلات دثاره

وبذاك تحريراته قد أنبأت

والحبر من شهدت له آثاره

لازال في أوج المعالي راقياً

ما انجاب عن ليل الشكوك نهاره

ولما وردت رسالة عالم مصر وصالحها الشيخ محمد النميلي التونسي الأصل التي سماها "الصوارم والأسنة" رد بها على الشيخ أحمد التجاني في بعض كتائبه في صفة الكلام من علم التوحيد انتصر الشيخ ابراهيم إلى أستاذه، وكتب رسالة في ذلك سماها "المبرد". لكن لما بلغت رسالة "المبرد" إلى الشيخ النميلي كتب في الرد عليها نحو خمسة وأربعين كراساً في علم الكلام. فير أنير لم أقف على كتابة واحد من الشيوخ الثلاثة في المسالة. وعهدي بأحد محققي شيوخنا رضي الله عنهم قرر لنا طرفاً من كلامهم في مدلول القرآن ومدلول صفة الكلام في درس العقائد النسفية. وغاية ما يمكن لي أن أقوله الآن في أمثالهم رضي الله عنهم أجمعين: إن كل واحد منهم إنما يتبع الحق، ويقصد تأييد مذهب أهل السنة على حسب ما يراه مما قامت عليه الأدلة عنده، سيما ومشرب الشيخ التجاني رضي الله عنه باطني، على أن كل العلماء راد ومردود عليه إلا صاحب القبر الشريف عليه الصلاة والسلام.

وقد بلغني أن الشيخ ابراهيم لما خرج إلى حجته الأخيرة، واجتاز على مصر، أقام بها نحو خمسة عشر يوماً يطلب الاجتماع بالشيخ النميلي، كما هو شان أمثالهما رضي الله عنهما ولما اطلع شيخ الإسلام البيرمي الثالث على رسالة "المبرد" كتب عليها مقرظاً بقوله:[الطويل]

أزهر تبدي نافحاً من كمائمِ

أمِ الدُّرُّ منظوماً بنحر النواعمِ

تيقنت لا هذا ولا ذا وإنما

جواهرُ علم صاغها فكرُ عالم

وذاك أبو اسحاق من عز أن يرى

ضريبٌ له في العرب أو في الأعاجم

إمام غدا التحقيقُ طوع ذكائه

يعدُّ إلى ذاك الذكا من لوازم

وناهيك ما أبداه في هذه التي

غدت في يمين للعلا فصَّ خاتم

أتت بالتي لا مثلها من عجيبة

تقاصر عن إدراكها كل فاهم

وأبدت من التحقيق ما جاء ناسخاً

لليلٍ عريقٍ في الجهالة فاحم

فلا زال يأتي من جواهرِ لفظه

ببرهان قطع للتشكك حاسم

ينظِّم منه الدر تاجاً ويزدهي

ويغشى محياه طلاقة باسم

وله رسالة "دفع اللجاج في نازلة ابن الحاج" ألفمها حين خالفه قاضي الحضرة الشيخ محمد البحري في الناوزلة، ومع ذلك فإن الأمير مصطفى باشا رفع الخلاف بين الشيخين وأذن بالعمل بما رأه الشيخ القاضي، وقرظ الرسالة المذكورة ولده الشيخ علي الرياحي بقوله:[الطويل]

قطعت لجاج الحيف ميلاً إلى الحقِّ

فأصبح نور الشرع نتضح الطُّرقِ

وقمتَ فبيَّنتَ الصواب فأنكروا

ومالوا إلى الأهواء في واضح الحق

أينكرُ ضوء البدر عند كماله

ويجحدُ نور الشمس لو لاح بالأفق؟

فلا زلت في الدنيا مؤيَّد شرعنا

وجوزيت يوم الفصل بالمقعد الصدق

بجاه رسول الله خيرةِ رسله

عليه صلاة الله ما دمت في الخلق

وقد تفاقم الخلاف في النازلة بين الشيخين وكثر فيها القيل والقال واختلف فيها ميل الناس حتى أنشد فيها المولى الجد الشيخ محمد السنوسي قاضي باردو يومئذ من شعره قوله: [الوافر]

إذا اختلفتْ على البحر الرياحُ

فلا يرجى لراكبه نجاحُ

وساء لمت توسط بين هذا

وهذا من مهالكه صباحُ

فللغرق المآل إذا تدانى

وفي استعلائه كسر يتاح

ص: 77

وكان الخيرُ في وسط يرجَّى

وهذا في توسطه نياح

وقد حجبَ الخصومُ عن التلاقي

فلا فصل يكون ولا اصطلاح

ولا المحجوب يسلمُ عند هذا

فكان له من الفرقِ الفلاح

ولا جريُ الرياح لها سكون

نرجَّاه فيرتفع الجناح

ولا هول البحور له خمود

به يؤرجى لعابره رواح

وحيث إن الشيخ محمد البحري من تلامذة الشيخ ابراهيم لم يرض منه تلك المخالفة التي أفضت إلى هدم سياج الاحترام، سيما وقد انتصر عليه بالأمير حتى أفضى الحال بالشيخ إلى الاستعفاء من خطته غير أن الأمير لم يقبل استعفاءه، ومتكوبه الذي عرض به استعفاءه هذا نصه: "المنة لله الذي اصطفى، لنصر الدين وإعزاز الملك سيدنا مصطفى، ووصل به رحم الشريعة بعد القطيعة والجفا، فها هو في رفع قواعدها كالساعي بين المروة والصفا، لازالت موارد أعدائه في كدر وموارده في صفا.

أما بعد تقبيل يد القدر العلي، بشفاه الإجلال الصفي، والحب الوفي، فإن معظم قدركم لم يطلب الإقالة إلا لما عيل صبري، وضاق ذرعاً أمري، فإني منذ توليتها وأنا حزين الفؤاد حتى وهن العظم مني، واشتد ضعف الكبر في سني، وهذا القدر كاف، في تفضلكم علي بالإسعاف، كيف وقد انضم إلى ذلك ما لا صبر لأحد عليه وهو مواجهتنا على رؤوس الأشهاد، بإساءة الأدب في ذلك الناد، ممن كنا نلقَّمه ثدي التعليم، ويرعانا بعين الإجلال والتعظيم، ثم إنه لم يقنع بسنان لسانه، حتى شرع إلينا رمح بنانه، فهل بعد هذا التعدي من إذلال، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فإذا تفضل علينا سيدنا دامت معاليه، وسعدت أيامه ولياليه، برفع اليد عن رضا منه، فقد اطلع في شأننا على الكنه، ومن علينا بالعتاق، وإن رضي بالأخرى وأنا كاره، فرضاه جنة الدنيا وحفت الجنة بالمكاره، والدعاء ببلوغ المرام، ختام الكلام والسلام".

وبعد أن انتهت النازلة على وفق مراد قاضي الحضرة الشيخ البحري طلب منه المسامحة حفظاً لحق المشيخة غير أن الشيخ ابراهيم لم يسمح له بالعفو، حتى أنه لما خرج للحج بالنيابة عن الأمير مصطفى باشا عرض شكايته به على الحضرة النبوية عليها من الله أفضل الصلاة وأزكى التحية، وقد ضمن تشكيه في القصيدة التي أنشدها في الروضة الشريفة وهي قوله:[الطويل]

إليك رسولَ الله جئت من البعدِ

أبثك ما بالقلب من ألم الوقد

بغى وطغى مستكبراً متشبثاً

بوهم يقود النفس للخطا المردي

وصار رقيباً مبغضاً متجسساً

يقصر طولَ الليل في الرد والنقد

وعبدك يا خيرَ البرية غافل

ظننت به خيراً لما مرَّ رمن ودِّ

ترفّع للدنيا بخفضيَ جاهداً

معاناً بأنذال عرِّيين عن رشدِ

وبالغ في خفضي إلى أن غدا على

لسان الورى يتلى جهاراً بلا جحد

ولم يرع أيّاماً يرانيَ شيخه

ومرشده الهادي ومنعمه المهدي

ولا خاف لوماً في القطيعة لا ولا

عقاباً من المولى على ناكث العهد

فهذا رسول الله إجمالُ مكرهٍ

وتفصيلهُ يا سيِّدي ليس في جهدي

ألا يا رسولَ الله ضيفك سائلٌ

وهل ضيفُ أصلِ الجودِ يكرمُ بالطرد؟

ألا يا رسول الله برِّدْ جوانحي

بدائرة تسعى إليه بلا بعد

عليك صلاة الله ما لاح بارق

وأزكى سلام دونه فوحة الند

وعلى كل حال فإن بلوغ النازلة بين الأساتذة وتلميذه إلى هذا الحد إنما كان بسعايه السعاة من الواشين، نسأل الله أن يرضيهما بأعلى عليين، بجاه خير المرسلين.

وقد كان خروج الشيخ ابراهيم للحجة المذكورة على نفقة الباشا السابق الذكر، ليودي عنه الفريضة صبيحة يوم السبت الثاني من شهر رمضان المعظم سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، ورجع يوم الأحد الثامن من شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وأسرع الأمير لرحمة ربه بعد يومين من قدومه، فكانت وفاته إثر مغفرة الذنب والبرء من كلومه. وبوفاة الأمير استحالت الحال على الشيخ القاضي المذكور، وأتاه محتوم الأجل بعد تسعة من الشهور، عامل الله جميعهم بالغفران، وأرضاهم في نعيم الجنان، بجاه سيد ولد عدنان.

ص: 78

يقال: إن المشير الأول أحمد باشا كان يقول: إنه لم يقتل والدي غير دعاء الشيخ ابراهيم، ولذلك كان يتحامى جانبه، ويجل مكانته، حتى إنه لما أراد أن يقدم خليطه العالم الشيخ محمد بن سلامة إلى خطة الفتيا لم يتجاسر على خطة الشيخ ابراهيم وأولاه مفتياً ثانياً فوق من عداه، وقد أحس الشيخ ابراهيم من ذلك حتى قال: شيئان لا يقعان في الدنيا؛ حفيدتي لا يتزوج بها ولد حفيز خوجة، وابن سلامة لا يقعد مقعدي.

وكانت حفيدته ابنه الشيخ الطيب أعطاها أبوها لأحد أبناء حفيز خوجة عن كره منه، فلم تمض مدة بعد مقاله ذلك، وإذا بالبنت توفيت قبل الزفاف.

وتقدم الشيخ محمد بن سلامة فتوفي قبله بسبعة وأربعين يوماً، قيل: إنه لما بلغه خبر وفاته قال: الآن طابت نفسي يعني للموت رحمة الله.

وقد تحيزه المشير المذكور سفيراً لدار الخلافة العثمانية على عهد المقدس السلطان محمود خان في طلب إعفاء الإمارة التونسية مما عينه عليها من الخراج السنوي الذي أرسل بطلبه، فسافر إلى الآستانة العلية صبيحة يوم السبت الثامن من ربيع الثاني سنة أربع وخمسين ومائتين ألف. واستصحب معه مكتوب المشير إلى الحضرة السلطانية، وهو من إنشاء كاتب سره الوزير المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف. وهذا نصه: "اللهم بالثناء عليك، نتقرب إليك، يا فاتح أبواب القبول واقبال، ومانح المنح التي لا تمر شواردها على البال، لايقصد إلا وجهك بالنقاصد الزكية والأعمال، تنزهت في العظمة والجلال، ولم تول عبادك الإهمال، بمحض الرحمة والإفضال، فأقمت لهم خليفة تعرض عليه الأحوال، ويدفع عنهم بإعانتك الأرسال، ويسوسهم لصالحهم في الحال والمآل، صلى الله على سيدنا محمد خاتم الإرسال، والملجأ المنيع عند اشتداد الأزمة والأهوال، وعلى صحبه والآل، الذين ورثوه في الأقوال والأعمال، وسرت مكارمهم بهديه سري الأمثال.

ونستوهب منك عزاً لا يبلغ حده، ونصراً يمضي في الأعداء حده، لهذه الدولة العلية، والسلطنة العثمانية، والمملكة الخاقانية، التي ترفعت من الملة الحنيفية، وشيدت من معالمها بنياناً، وأقامت للحق قسطاساً وميزاناً، وورث ملوكها الأرض وهم الصالحون سلطاناً يتبع سلطاناً، حتى استنار الوجود بخليفة الوقت الموجود، وهو مولانا السلطان الأعظم محمود. اللهم أعنا على ما أوجبت له من فروض الطاعة، وتأدية الحق بجهد الاستطاعة، واحفظنا بعدله ورفقه من الإضاعة، واجعل الملك فيه وفي عقبه إلى قيام الساعة، وعطف قلبه لسماع هذه الضراعة، من إيالة تونس ومن بها من الجماعة، على لسان (أحمد) عبد خدمته، ورق نعمته، المقيم على طاعته فيها، والمجتني من ثمرتها ما يلزمها ويكفيها، وطاعة سلطانك فرض على أهل الأرض، وهي عند الله أنمى قرض، فإذا لم يعرض الحال لديك فعلى من العرض؟ وهذه عمالة تونس دار الجهاد، ومقر رعيتك والأجناد، ومرسى جواريك الأعلام، وموضع شعائر الإسلام، غريبة ببعدها عن استمطار أياديك الجسام، ومساحة أرضها مسير نحو الخمسة أيام.

ص: 79

شأن أهلها التمعش من الزيت والبر، والصوف والوبر، يعانون في تحصيلها ألم الحر والقر، هذا غالب ما يسد لهم الخلة، ويوجد غيره لكن على قلة، ومقدار زكاة ذلك لا محالة، بحسب اتساع العمالة، فما يفضل من خصبها فهو للقحط عدة، وبذلك دام عمرانها لهذه المدة، لا فضل من ذلك للترف، ولو في سبيل شرف، هذا معظم دخل القطر، إذا جادت السحب بالقطر. إذا جادت السحب بالقطر. ويلزمه ضرورة لإقامة عمرانه، وحماية أوطانه، وتأمين سكانه، وإصلاح مراسيه وبلدانه، حمادة وأجناد، في كل وجهة وبلاد. لتأمين الجبال والوهاد، وردع أهل الفساد، من العربان البواد، ويلزم العساكر الكسوة والإطعام، والمرتب على الدوام، ولابد لهذا العدد، من آلات وعدد، وقوام هذا المال، وهو السبب في عرض الحال، فإن الدخل على قدر الإنفاق، وذلك بشهادة الله غاية ما يطاق، ولو كلفنا الرعية بالمشاق، ونزعنا الرفق والإشفاق، يكون لهم ذريعة للنفاق، وسلماً للشقاق، وربما هرعوا للدولة العلية شيوخاً وولداناً، وكهولاً وشباناً، يسوقهم العجز ويقودهم الأمل، إلى من في طاعته النيات منا والعمل، فالسلطان ظل الله في أرضه يأوي إليه كل مظلوم، وهذا من الواضح المعلوم، وعبدك حسبه تأمين البلاد، وحفظها من طوارق الفساد، بما معه من الحماة والأجناد، سهرنا لإنامة أجفانها، وتعبنا لإراحة شيوخها وولدانها، واقتحمنا المخاوف لأمانها، وما تنتجه غلاتها تسد به خلاتها، وعلى هذه السيرة ولاتها، لايقتنون لأنفسهم مالاً، ولو بسطوا لذلك آمالاً، إلا ما يقتضيه الحال من العادات المألوفة، والمراسم المعروفة، يصدهم عن ذلك عدم اليسار، لا زهد الأبرار، والله المطلع على الأسرار.

وبما بلغنا من الإعلام، وبسط الكلام في هؤلاء الإسلام، يظهر للقائم بمصالح الأنام، أن لا قدرة لهذه الإيالة على أداء المال في كل عام، إذ المصروف في طاعة الله وطاعته، والله حسبنا في إهماله وإضاعته. هذه ضراعة رعيتك، المستمسكين بطاعتك، المستجيرين بحمايتك، المستنظرين لرحمتك وحنانتك، المرتجين لعنايتك وإعانتك، قمت بتبليغها بين يدي سلطنتك الخاقانية، وهمتك العثمانية، فتبليغها من الواجب في حقي، وهو ثمرة طاعتي وصدقي، والمأمول من تلك الهمة، النظر إلى بلادك بعين الرحمة، فإن هذا المال في خزائن الدولاة العلية عمرها الله لايزيد، وثقله على هذا القطر شديد، فارحم يا مولانا ضراعتنا، ولا تفرق بما لا نطيق جماعتنا، فإن الأمر جلل، وما قررناه من بعض الأسباب والعلل، وقد أعيتنا الحيل، فلم نجد إتمام الطلب إلا بتنقيص عمل، يفضي إلى نقص وخلل، أو تثقيل على الرعية يقطع الأمل، ويضعف بسبب ذلك هذا العمران، وتشتد الحاجة للاستمداد من مولانا السلطان، والله يجيرنا من حوادث الأزمان. وهذه العمالة وديعة تحت أقفاك، تلتجئ إلى همتك من إهمالك، وتنتشق من ريح عنايتك نفحة، وتترقب من محيا رضاك لمحة، هذه وسيلة من بعدت داره، ولم يجعل بيده اختياره، على لسان حاضرتك تونس، مع عمالها المونس، وصالح مصرها، وإمام عصرها، شيخ الجماعة ومفتيها، ومنفذ الشريعة وممضيها، الذي دانت له البلاد ببنيها، ونالت به الملة أقصى أمانيها، الساري ذكر تآليفه في جميع الأقطار والنواحي، الشيخ سيدي ابراهيم الرياحي، وجهته حالتنا وانتظرت، ومن سحائب رحمتك استمطرت، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وأعلام الدنيا، وهداة الأمة، فعلى أيديهم تطلب الرحمة، وتدفع الخطوب المدلهمة، والدولة تأمرنا بإعزاز الدين وأهله، وتعظيم العلم ومحله.

اللهم أنت اعلم بنا منا، فلا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا، وارزقنا الرحمة من سلطاننا، وألهمه لإعانة أوطاننا، وأعنا على حوادث زماننا، إنك سميع قدير، وبالإجابة جدير، وكتب في أشرف الربيعين سنة 1254 أربع وخمسين وألف ومائتين. أ. هـ?.

ولما بلغ الشيخ إلى دار الخلافة حصل له الاحتفال، ووقع تلقيه بالإجلال، وعظم لديه إكرام العلماء والأنجاد، وسره منظر البلاد، ولذلك أشد فيها قوله:[الكامل]

بلد الخلافة في الجمال فريدُ

ولشأنه غرضٌ مداه بعيد

من ظن يحسنُ وصفه فكأمكما

نحو الصعود إلى السماء يريد

ص: 80

وقد تلقته الحضرة السلطانية بالقبول، وأحظي منها باللقاء المأمول، ولما دخل الموكب السلطاني، افتتح حال دخوله يتلو قوله تعالى:(يوجد آية) الآية بحسن صوته الجهوري الذي يلين له الحجر الصلد. قيل إن جميع من حضر في ذلك الموكب انسكبت دموعهم، ولاقى من الحضرة السلطانية غاية التكريم، وأنشد بين يدي السلطان قصيدته المديحية التي أبدع إيجادها وهي قوله:[البسيط]

العزُّ بالله للسلطان "محمود"

ابن السلطان محمود فمحمود

خليفة الله ما أعلاه من شبه

بآدٍ ونبيّ الله داود

من آل عثمان سادات الملوك ومن

جاؤوا كعقد من الياقوت منضود

سادوا الأنام وشادوا الدين وافتتحوا

من كل ما فيه خير كلَّ مسدود

هم السلاطين ما ذرَّت وما غربتْ

شمسٌ على مثلهم في نصر توحيد

وجاء سلطاننا المحمود بعدهمُ

بكل رأي من الآراء مسعودِ

وربما جهل الإنسان مقصده

فجاء فيه بقول غيرِ مقصود

لم يعطهِ اللهُ ملكاً في خليقته

إلا لمعنى من الأغيار مفقود

دانت لدولته الأعناق خاضعة

من كل ذي ولد منهم ومولود

تخشى السلاطين من بعدٍ موارده

لما له من جلال غيرِ مجحود

وكل باشا وإن جلت مكانتهُ

فليس غيرَ فتى في الرقِّ مصفود

أعزَّ دينَ الهدى إنْ يخشَ منقصة

بكل قرم من الإسلام صنديد

وقوة من لدن رب العلا بهرت

برّاً وبحراً بنظم غير معهود

العجمُ تشهدها والعربُ تعلمها

شرقاً وغرباً من البيضان والسود

أنت المذلُّ لعبَّاد الصليب وإن

لوى الزمان بإنجاز لموعود

لا يخلف اللهُ في نصرٍ مواعده

لكنْ إلى اجل في العلم معدود

أنت المؤمَّل في كل المهمَّ فمنْ

أتى لبابك قصداً غيرُ مطرود

وقد أتيتك من أقصى البلاد وفي

ظني الجميلِ بلوغي منك مقصودي

دامت معاليك للإسلام مرحمة

وللطغاة عذاباً غيرَ مردود

بحرمة المصطفى المهدي الإله له

أزكى تحيته من غير تحديد

تعم أتباعه في الدين قاطبةً

والخلفاءَ إلى السلطان محمود

وبعد ذلك عرض طلبته على الحضرة السلطانية بقصيدته الثانية التي صرح فيها بالغرض وهي قوله: [الطويل]

ركبتُ متونَ اللجّ وهي لها رجف

وأوراحها بالسابحات لها عصفُ

ولي منه أهوالٌ يود رهينها

وقد خشي الإغلاق لو جاءه الحتف

ولكنَّني ما زلت أمزج مرَّها

بحلو رجاءٍ طاب منه ليَ الرشف

عسى مقلتي تحظى بأنور غرّة

على غرة الرائي سناها له عطف

خليفةِ رب العالمين وظلَّه

إذا اشتد بأسُ الدهر فهو له كهفُ

فإني صرفت الوجه نحو فنائه

وأنزلت رحلي حيث يمتنع الصَّرفُ

إلى حضرة السلطان محمودٍ الذي

ملوك الورى رقٌ لدولته صرف

أيا عزَّةَ الإسلام إن خاف ذلة

ويا مفرغ الأملاك إن مسهم وجف

لك الأرض ملك والسماء مؤازر

وعون إله العرش رمحك والسيف

فما ثم فوقَ الأرض من لم يكن له

رجاءُ أياديك الجليلة والخوفُ

يرجيك مسكينٌ ويخشاك قاهر

فللأول الجدوى وللآخر القصف

لك الحمد في كل البسيطة عابقٌ

له مشرقُ الدنيا ومغربها أنف

بذكرك تهتزُّ المنابر بهجةً

وباسمك أفواه الدعاء لها هتف

إذا ما دعوا بالنصر مدّت ضراعةً

أكفُّ ونحو العرش مدَّ لها طرف

خصوصاً لدى البيت العتيق وروضةٍ

لكون سحاب الجود منك لها وكف

فأخصب بعد الجهد والجد عيشهم

ومن بحرك الطامي تأتي لها غرف

وكم لك يا مولاي من حسن خلّة

توحَّدُ إن عدت وفي ضمنها ألفُ

تذكر أسلافنا كراماً تقدموا

سلاطينَ جائتنا بأنبائها الصحف

بدولتهم جاء الكتاب منبهاً

وفي الأنبيا عند الختام أتى الوصفُ

وإن فاتح الأرض سليمان جنده

لهم أجناد الورى إرثها وقف

وفاتح إسلامبولَ جاء مديحه

عن المصطفى رفعاً وليس به وقف

مضوا ومزيد اللّطف لم يمضِ حيثما

سليلهم المحمود آثارهم يقفو

ص: 81

نعم يا أميرَ المسلمينَ وكهفهمْ

إذا مسَّهمْ ضر فمنك له كشف

أتيتك ضيفاً مشتغيثاً وشأنكم

إغاثة لهفان وأن يكرم الضيف

توالى علينا الضّعف من كل جانب

وما زال ذاك الضعف يتبعه ضعف

فجئناك نبغي العفوَ واللّطفَ والرضا

وهل من سواك العفو يطلب واللطف؟

فعشيةُ منْ ترضى عليه هنيئةٌ

وكيف لعيشٍ دون عفوك أن يصفو؟

رضاك رضا المولى لأنك ظله

وللظل من أوصاف صاحبه وصف

أدام لنا المولى إضاءة شمسه

وليس لها يوماً غروب ولا كسف

بجاه نبي الله سيدنا الذي

له خلقٌ يقضي عليه بأن يعفو

عليه صلاةُ الله ما ذر شارق

وما حطّ بالأقلام في طرسها حرف

وللآل والأصحاب طيب تحية

يفوح على الأتباع من نشرها عرف

وخاطب الصدر الأعظم بالدولة العلية يومئذ في طلبته بقوله: [الكامل]

الصدر الأعظم مقصد المتوسل

وهو المؤمل في القضاء المنزلِ

ولذاك من أقصى البلاد أتيته

للفوز منه ببرء داء معضل

يا ملجأ الصلحاء والعلماء ال?

?وزرا ومن في الناس ذو قدر كعلي

كالنَّد أو كالعطر أو المسك ما

يحويه عرضك من ثناء أجمل

فبما حباك الله من خلق سرى

كالراح في الأرواح لا في المفصل

وحباك من خلق كأن الشمس في

شرفٍ ترى في وجهك المتهلِّل

اشفع لنا فيما دهى "ترشيش" من

إلزامها غرم الخراج المثقل

الفقر يمنعها وما تخشاه من

شر الحوادث في الزمان المقبل

أرجو لك البشرى بنيل شفاعةٍ

تأتيك من عندِ الرسول الأفضل

دامت علاك لمن أحبك جنةً

بنعيمها قلب الحواسد مصطلي

وقد حصل من الحضرة السلطانية على إسعافه بترك طلب الخراج، ومنحت شخصه عطية فاخرة وهي حقة مرصعة برفيع الألماس. واجتمع هنالك بعالم الملة، وشيخ الإسلام الشيخ أحمد عارف وتأكدت بينهمات المخالطة وتراسلا بمراسلات شعرية منها أن الشيخ ابراهيم كتب إليه مستعيراً كتاب "الجواهر" بقوله:[البسيط المخلع]

يا عارفٌ منه فاح عرفٌ

في أنف أهل الوجود عاطرْ

لو لم تكن في العلوم بحراً

لم نؤت من عندك الجواهر

فوف بالوعد مع رسولٍ

أتاك أني بذاك شاكر

فكتب إليه الشيخ أحمد عارف يستدعيه إلى محله ليعطيه الكتاب المذكور بقوله:

يا من غدا نظمه الجواهرْ

ونثرهُ للآلي ناثرْ

والعلم روض ذكا شذاه

بنشر أنفاسك العواطر

لو لم أكن في قيود رسم

لزرتكم روا الزواخر

فاسمح ولح يا سميرَ بدرٍ

عليّ إني لذاك شاكر

لا تأبه يا محيط فضلٍ

فالبحر يجري على الجواهر

وقد استجازه شيخ الإسلام المذكور فأجاز له إجازة شعرية وهي قوله: [الكامل]

حمداً لمكرمنا بأيّ عوارف

شمخت عن الإحصا بأنف آنفِ

وصلاته وسلامه أبداً على

مجلي الرجا بصوارم وعوارف

ولكل من والاه أغدقُ رحمةٍ

ينهلُّ دائمها انهلال الواكف

هذا ولما ساقني القدر الذي

ما في وقوع صروفه من صارف

نحو "القسطنطينيّة" البلد الذي

لايستطاع جماله للواصف

نفحت لروحي نفحةٌ مسكيةٌ

كانت مسكِّنةً لقلبي الواجف

وأنار لي منها ضياءٌ خاطفٌ

خلتُ البيوتَ سماءَ ذاك الخاطف

فسألت ما هذا النسيمُ وذا الضيا

قالوا ألمْ تسمع بأحمد عارف

ذاك الذي أخلاقه كالراح في

لطف يلذُّ مذاقه للراشف

أوْ أنها "هارت" في سحر النهى

إن لم نقل سر سرى من "آصف"

وإذا رأيتَ جبينه متهللاً

فعلى بدور التّم لستَ بآسلف

وغذا سمعتَ علومه فاسمع إلى

تلك البحور طمتْ فهل من غارف

قسماً بما يحويه من حسب ومن

نسب وفضل لاحق أو سالف

لو أبصر النعمانُ بهجةَ حسنه

لاهتز عطفاً كاهتزاز العاطف

هذا ومن عجبٍ رأيت سؤاله

مني إجازته كشيخ عارف

كلا وإنّي والذي رفع العلا

أحرى بأن أروي عليه صحائفي

لكنني لا أستطيع خلافه

وعليه فيما شاء لست بخالف

ص: 82

فأقول إني قد أجزت له الذي

قد صحّ لي من تالد أو طارف

موصى لإبراهيمَ منه بدعوة

يرجو الرياح بها أمان الخائف

وكتب إليه شيخ الإسلام المذكور بقوله: [الطويل]

جزى الله أستاذي جزاءً مضاعفاً

ومتعه في جنّة الخلد بالنَّظرْ

وبلغه من فضله ما يرومه

بحرمة طه الهاشمي سيد البشر

أيا سيدي إن المحب مقتصر

بما مسّه في الجسم من شدة الضرر

ويرجو بظهر الغيب صالح دعوة

لعلّ بها مولاه يكشف ذا الكدر

وذكراك لي فضلاً على حسب وعدكم

ولا سيما والوعد دينٌ كما اشتهر

وكان قدومه إلى حاضرة تونس من دار الخلافة العثمانية يوم السادس عشر من شهر رجب الأصب سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، وقد خلف في تلك الديار، صيتاً ملأ الأقطار، وغطى على الشمس في رابعة النهار، فتليت آيات فضله بين المغرب والمشرق، وأضحى كوكب مجده بكل فخر يلمع ويشرق، وقد كتب إليه في هذا المقدم الميمون تلميذه الشيخ محمد بن سلامة بقصيدة أرسلها إليه ايام إقامته بحلق الوادي في الكرنتينة قبل نزوله إلى الحاضرة. وهي قوله:[الوافر]

كتابي ناب عن تقبيل كفٍ

براحةِ رحبها نلتُ ارتياحي

إذا قبلتْ ومدَّتْ عن قبول

وحيتني بأنفاسِ "الرياحي"

وأزهر كاشري منها شميم

نوافحُ نشره طيبُ النفاح

فأنعش عرفه روض الأماني

وأخصب مزنه مرعى بطاحي

وساق صباها لي نصراً لبيرا

فأبرا للضنا مبرا الرماح

لبست به المآمن خير درع

غداةَ السُّقمِ جاهر بالكفاح

باراهيمَ أبراني اعتلال

وسالمني على خفض الجناح

إمامَ العالمين إليك عذري

بدا برهانه مثلَ الصباح

إذا ما الوصل بالأحشاء فرض

ووصل الصوم من صور المباح

فما يجزي التخلف من مراضٍ

ملاقاة الكثير من الصحاح

ولولا السقم سرت إليك حبواً

ولكن شرعنا رفع الجناح

فيهنيك القدوم بخير أمن

ويمنٍ تم في عقد الصلاح

أتيتَ بما فيه فرح البرايا

وصير جاشها رحب المراح

وساعد حزمك المقدورُ لمّا

صفا منك الضمير صفا القراح

مسايرة التوكل أي عون

بها ذو العزم يهي للنجاح

ومن عرف الإله فلا يبالي

لدى العزم الصحيح بقول لاح

عرفتَ الله أكبرَ كلِّ شيء

فأكبرك الملوك على سماح

علمتَ بما علمت فكان معنى

أمورك كلها نيل الرَّباح

فروضُ العلم يثمر كل خير

وتقوى الله عنوان الفلاح

بما قد نلتُ من عمل وعلمٍ

أعنّي بالدعاء على الصلاح

وأمطرْ من رضاك مجاح جسمي

ليزهو جدبة بعد الكلاح

إلى مولى جليل، من ذهن فاتر كليل، رهين أسقامه، في لياليه وأيامه، لكنه مغفور الزلل إن كان مقبول العذر في كل مكان يقبل الكفين، ويستنشق شذا تينك الراحتين، بعد السلام الذي هو تحية الإسلام، ممن في اسمك له خير فال، كما في لقبه لمقامك دوام حال، هذا المأمول، وعلى الله تعالى القبول، والسلام.

ولما توفي الإمام الشريف الثاني تحرى المشير أحمد باشا باي فيمن يقدمه للخطة المذكورة، فقدم ابراهيم اتلرياحي غمام أكبر بجامع الزيتونة أواخر جمادى الثانية سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، وتقدم بذلك على خليفة الجامع الشريف محمود محسن ونائبه الإمام الثالث الشيخ الشاذلي بن المؤدب، ولم يتغير واحد لتقدمه عليهما، وبذلك جمع بين الإمامة الكبرى بجامع الزيتونة ورئاسة الفتوى، ولم تجتمعا لأحد قبله، وقد هنأه تلميذه الموثق الفرضي الأديب الشيخ الحاج محمد بن يونس فقال:[الطويل]

أدرْ ذكرَ نعمانٍ وذكرَ غرامه

فعرف الصَّبا أهدى إلينا خزامهُ

وأرَّجَ أرجاء البطاح بنشره

وسجّع في رند العقيق حمامهُ

وهز غصون البان في دوحة النقا

وأثر في الزهر الوسيم ابتسامهُ

ولاح المنى والوصل والدهر مسعد

يرنِّح للغصن القويم قوامهُ

تمتع بذا واشرب مياه كجنَّة

تنزَّهْ فوجه البشر حطَّ لثامهُ

وسرب العلا والفضل آنس أهله

على باب ابراهيم ألقى خيامه

ص: 83

حوى السبقَ ابراهيمُ في خطط العلا

وأصبح للبيت العتيق إمامه

فوافاه في نور يزاد لنوره

وشيد بالمعنى الزكي علامهُ

فما حقَّ ثوبُ الفضل إلا لأهله

فإن مقام المرء حيث أقامهُ

وأنت أبا اسحق قطب رحائها

علوت من الفضل العظيم سنامهُ

وأنت له أهل إذا جد جدُّها

وطيب الثنا أهدى إليك زمامه

فضلت الألى سادوا بعلم ورفعة

أرى كل ذي فضل سبقت إمامه

إذا جرّ فن النحو فقت "خليله"

تنير له المعنى الذي قد أقامه

إذاى جرّ فن الفقه فقت "خليله"

تبين فتواه وتجلى انبهامه

غمام علوم الدين طراً بأسرها

همام بذكر الله حلَّى كلامه

إمان الهدى والعلم والفضل والتقى

وللفضل والتوفيق شدّ حزامه

يفيد الورى علماً وهدياً بحكمه

ويهدي الحجا نفعاً نفى ما أضامه

على منبر حياً وأحيا بوعظه

فؤاداً به خطب وأحيا منامه

هناءً له أبقى الإله ثناءه

وفي الجامع المعمور نال مرامه

وأضحى له التاريخ: يسطع نوره

فيا فوز ابراهيم حاز مقامه

[

1255

] وقد زان بعلمه وعلمه المحراب والمنبر، وأطلق من عبير مواعظه المسك الأذفر، فخطب من إنشائه خطباً بليغه يلين لها االصلد، وتنسكب الدموع لها عند السرد، غذ تنثر بحسن نظامها لآلئ الدموع، وتسخر الشرس بلطفها إلى أحسن الذكر المسموع، مع صدأة صوته الجهوري، وتأثير عمله في نفس كل سميدع سري، وتلاوة تقشعر لها الجلود خشية وليناً، وتنذهل الألباب وتحن لها الأرواح حنيناً، وقد أنشأ خطباً لعموم أسابيع الحول، وزاد عليها خطباً أخرى في أغراض كثيرة عرضت فأطنب فيها القول، وجميع ما له من الخطب، معدود عند البلغاء من نفائس النخب، بل إن خطبة قد اتخذها خواص خطباء البلاد التونسية للاستعمال، وقل من بلغ في الاستحصال على نفائسها إلى غاية الآمال، وقد كان العالم النبيه، علي بنيه، جمع منها ديواناً، حلاه بديباجة وأودعه نيفاً وعشرين خطبة برعت أفناناً، فكان من أنفس دواوين الخطب، التي يرغب فيها كل عارف بخبايا المواعظ ولطائف الأدب.

وهو أول إمام قرأ المولد الشريف بجامع الزيتونة يوم الثاني عشر من ربيع الأول باحتفال يحضره الأمير والعلماء ورجال الدولة بملابسهم الرسمية أمام المحراب، وألف لذلك مولداً لطيفاً، مازال محفوظاً عند علماء المملكة التونسية يتلى يوم المولد الشريف في جوامع حواضر المملكة لحسن إيجازه مع استيعابه لمهمات أخبار المولد الشريف وناهيك بما خلده بهذا الصنيع الجميل.

وقد كان قائماً على حدود الله مع نفوذ وتأييد إلهي لا تأخذه في الله لومة لائم حتى أنه يؤد شيئاً من المكوس التي وظفتها الدولة إذ ذاك على الراعي والرعية، يقوم الله في حقوقه ولا يخشى في ذلك أحداً.

خرج يوم المولد النبوي لقصد التوجه إلى جامع الزيتونة، فوجد عند بابه أرملة وأولادها عيلة رجل يسمى السعدي قد أقام في السجن في الكراكة مدة فضجوا بين يديه ضجة واحدة وتراموا عليه يسألونه بجاه الله ورسوله أن يشفع لهم في السجين المذكور عند المشير، فأجابهم لذلك، ولما أتم قراءة المولد، وأخذ المشير يحادثه عرض عليه شفاعته في السعدي، فقال له المشير: إنه مؤبد، ولم يستكمل كلمته حتى استعاذ الشيخ بالله، وقال التأبيد الله ونهض يكررها قبل إتمام الموكب، وقد بهت المشير من ذلك بمرأى ومسمع من جميع الحاضرين، وعند ذلك قام على إثره الوزير ولسان الدولة يعتذران عن صدور تلك المقالة من الوالي وأعلماه بأنه أصدر إذنه بتخلية سبيل السعدي.

ص: 84

أما اعتكافه على بث العلم في صدور الرجال، فقد بلغ منه إلى غاية الآمال، وانتفع يعلمه جميع علماء البلاد، حتى كان شيخ شيوخها في ذلك العصر، وأتى على أعالي الكتب ختماً بجامع الزيتونة وجامع صاحب الطابع وداره، إلى غير ذلك من الجهات التي كان يلازم التدريس فيها. وقد ختم صحيح البخاري بشرح القسطلاني بجامع يوسف صاحب الطابع، وكانت بداءته له عند تمام بناء الجامع سنة تسع وعشرين ومائتين وألف عند تقدمه لمشيخة مدرسته، وأقام على تدريسه أكثر من ثلاثين سنة إلى أن أتم ختمه بحضور ابنيته العالمين، ومن انضم إليهما من علماء تلامذته، وتبارى شعراء الدرس في مديحه في موكب الختام، وتناشدوا بدائع النظام، وقد وقفت على ديباجه من إنشاء طيب بنيه في هذا الختم الميمون، ولذلك رأيت أن أثبتها مع تلك القصائد التي ترزي بالدر المصون. ونصها: "حمداً لمن رفع مقام العلم وأهله، ووصل سبب انقطاعهم إليه بحبله، وأتم عليهم سابع النعمة بفضله، وصلاة وسلاماً دائمين متلازمين على فاتحة كتاب الوجود وأصله، وخاتمة أنبيائه ورسله، الجامع لخلال الكمال والمستولي على أمد خصله، وعلى آله وأصحابه الذين أكمل الله بهم دينه وجمع مفترق شمله.

وبعد، فلما كان ضحى يوم السبت العاشر من جمادى الثانية من عام واحد وستين ومائتين وألف، من الله بحضور مجلس ختم الجامع الصحيح للإمام البخاري بشرح الشيخ شهاب الدين القسطلاني، على أستاذنا علامة الزمان، ومنار الإيمان، شيخ الشيوخ، وبقية أهل الاجتهاد والرسوخ، الجامع بين الطريقة والحقيقة جمع أولي الصدق واليقين، ناصر الملة والدين، أبو اسحاق والدنا طيناً وديناً سيدنا ابراهيم الرياحي متع الله ببقائه، وأدام في أوج السعادة كمال ارتقائه. أ. هـ?.

وأما القصائد التي أنشدت في ذلك الموكب فأولاها من إنشاء ولده العالم الخطيب الشيخ الطيب الرياحي. وهي قوله: [الخفيف]

غرَّةُ السعد أسفرتْ بابتسام

وتجلَّى نجمُ الهدى في تسام

والزمانُ المسيءُ تاب وأبدى

لبنيه طرائفَ الإكرام

نسخ اليسرُ عسره مثل ما قد

نسخ الصبيحُ آية الإظلام

وانبرت للمدى أماني نفوس

كن أسرى حوادث الأيام

منن لم يجلن في الفكر لولا

بركات المولى الجليل الهمام

ذلك السيد الإمام المرجَّى

بسنا وجهه انسجام الغمام

صدر أعيان زمرة المجد حقاً

وإمام الأيمة الأعلام

مالك العصر عالم المصر بالقص

ر وشيخ الشيوخ بين الأنام

حائز السبق في مدى الفضل حاو

في اقتسام العلى معلَّى السهام

عضد الدين (سعده) (ناصر الم

لة) بالحق (حجة الإسلام)

نور عين الزمان علماً وحلماً

وتقى في جلالة واحترام

حافظ السنة الزكية مبدٍ

نورَ أسرارها بغير اكتتام

عمدة الفقه غاية السؤل فيه

وشفاء الصدور في الأحكام

وتقاريره الرياض ولكن

تثمر الدُّرَّ في يد الأفهام

تتسامى درى المنابر منه

ومحاريبها بخير إمام

ليس إلا بذهنه تسمع الص

م وتحيا بصائرُ الأغتام

ليس إلاّ بذهنه تتجلَّى

نكتُ العلم في دجى الأوهام

ليس إلا بلفظه العذب تتلى

سورُ الذكر في دياجي الظلام

ليس إلا به اقتناء المزايا

واقتباس الهدى وبرءُ السقام

عالةً أصبح الأنام عليه

طاعة النقض منه والإبرام

خضعت عنده الرقاب بما قد

طوقتها يداه بالإنعام

منةٌ لا تزال تدري وتروى

لولاة الطروس والأقلام

لا ترى غير مهتدٍ بهداه

أو محبَّ أو لائذ بذمام

يا إماماً حواه بردُ المعالي

وردا الفضل قبل عهد الفطام

يا سميَّ الخليل يا وارث الرأفة

والحلم من حلاه العظام

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ

دد والفضل والندى من مسام

ففداء لشسع نعلبيك قوم

ولدوا في العلى لغير تمام

وهنيئاً لك المفاز يختم

للبخاري حديث طه التهامي

جاء بشرى لكم بإقبال فتح

ووصول إلى قصيّ المرام

ولنا منه والبرية طراً

أي رحمى ونعمة واغتنام

ص: 85

ولعمري ليست بأول نعمى

كنت مولي ظهورها للأنام

فجزاك الإله خير جزاء

مشرق بدؤه بحسن الختام

وابق يا بدر في سماء المعالي

مستدام السنا مصون التمام

والقصيدة الثانية من إنشاء الشاعر الماجد الفصيح الأكتب الشيخ محمد الباجي المسعودي، وهي قوله:[الكامل]

وجه التهاني اليومَ أصبحَ مسفراً

والكونُ أشرقَ والفضاءُ تعطرا

والسعدُ حيا والمسَّرة أقبلت

والأفق كلَّله السرورُ كما ترى

وبتونسَ الإيناسُ أسفرَ صبحه

واهتزَّ روض الصالحات ونوَّرا

وبدا بإبراهيمَ برءُ همومنا

شيخِ الشيوخ القطب مصباحِ الورى

ركن الشريعة فخر ملة أحمدٍ

صدر الثقاب الكمَّل الشمَّ الذُّرى

علم الألى بثُّوا العلوم وخير من

قدْ أمَّ محراباً ونوَّرَ منبرا

يجلو دجى الإشكال ثاقب فهمه

فتراه بعد اليأس أصبح نيرا

ويجيلُ في النكت العويصة ذهنه

فيشقُّ كوكبه العجاجَ الأكدرا

ويبينُ أسراراً تكاد لحسنها

حقاً تباع بها النفوس وتشترى

أشهى على الأسماع من نيل المنى

وألذُّ في الأجفان من سنة الكرى

كم قد لبسنا من مصوغ عقودها

درَّا نفيساً في الرقاب وجوهرا

وكم اقتطفنا من أزاهرِ روضها

حتى لبسنا العيش ثوباً أخضرا

وبدرستك (الجعفيَّ) كم أوضحت من

نكتٍ تدقُّ عن العيان فما ترى

وسلكت منه مهامهاً وتنائفاً

يضحى الخبيرُ لبعضها متحَّيرا

وسريت ذا جدَّ لحل رموزه

والآن حان بختمه حمدُ السُّرى

فلك الهناءُ مقدماً ولنا بكم

ولمن يخصُّك بالوداد وللورى

وجزاك ربك خير ما جازى به

وأطال عمرك كيف شئت وأكثرا

وإليك من جهد المقلَّ محوكة

من خاطر منع العنا أن يخطرا

وقريحة خمدت ودهر غالني

من غوله ما صد عن أن نبصرا

بلغ الزّبى تياره فاسمح بما

ينجي الغريق وكن أجلَّ من اشترى

فإذا مددت ودودكم بادعائكم

أعددت منه إلى المعاند عسكرا

وبلغت آمالي لصدقِ طويتي

فيكم، وعشتُ مملئاً لن أحذرا

لا زلت في أفق السعادة نيراً

تجلو بهمتك المهم الأكبرا

والقصيدة الثالثة من إنشاء ولده العالم الأديب المدرس الشيخ علي الرياحي وهي قوله: [الطويل]

تبلَّج في أفق الهدى طالع السعد

كسي حللُ الإسعاد واليمن والرشدِ

وفاح شذا مسك يفوق ختامه

نسيم الصبا بالعطرِ أو فوحة الندَّ

أو الروض إذ يزهو بحسن ابتسامة

فيحيا بريحان الأزاهر والرند

وأسفرتِ الأيام عن وجه بشرها

كما أسفر المحبوبُ عن وردة الخد

ذكرتُ بذا عهد الصَّبا وغرامه

وما قد رشفنا في الثغور من الشهَّد

رعى الله تلك الغانيات ولا أرى

سوى أنهنَّ الحورُ من جنةِ الخلد

لهن جبينٌ كالصباح بياضه

يلوح سناه تحت فاحمِ مسودَّ

وحاجبهن السيفُ لكن إذا جنى

فليس قصاص يلزمُ الحرَّ في العبد

وقد نثر الخيلان من حبر عنبرٍ

بديع جمال لك يكنْ خطّ بالأيدي

لك الله ما أحلى التغزل في الهوى

وأحسن منه مدحة العلمِ الفرد

إمام أغر الوجه كالشمس في الضحى

وكالزهرة الحسناء في دوحة المجد

إمام إذا ما كنت في روض درسه

رأيت نفيس الدرَّ ينظم في العقد

إمام لوَ أن الله يهدي بنوره

لكن جميعُ الناس من نوره مهدي

ترى رأيه كالسيف في كل حادثٍ

ورأى سواه لا يعيد ولا يبدي

له رتبة لو حاول البدر نيلها

لكانت عن الإدراك في حيَّز البعد

غدا مثلاً بالحلم والعلم والتُّقى

كمالك والبصريَّ كالأحنف السعدي

ألا يا أبا إسحاق والفاضل الذي

مزاياه قد جلَّت عن الحصر والعدَّ

إليك من السحر الحلال قصيدةً

تأنق في إتقان صنعتها جهدي

خدمت بها يوم الختام لعلني

أقابلُ بالرضوان منك وبالودَّ

ودمت مناراً في الشريعة هادياً

تبلَّغُ من كل المنى منتهى القصد

ص: 86

وقرظ هاته القصيدة الداركة النحرير، وعلم الفتيا الشهير، المؤلف المشكور، الشريف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بقوله:[الطويل]

أحنُّ وأصبو كلما هبَّ من نجد

نسيم برياه يفوق شذا النَّدِ

يمثل لي تلك الأباطح والربى

وعهداً مضى يا حبذا ذاك من عهد

فهاج لي الشوق الأثيل ولم اكن

سلوت ولكن زاد وجداً على وجد

سقى الغيث هاتيك الخيام وأهلها

وإن أضمروا هجري ومرُّوا على الصَّدَّ

لهمْ مني الحب الصدوق ومنهمُ

على مرّ أيام النوى كاذبُ الوعد

أيا حادياً يحدو المطيَّ مرنما

ترفق إذا ما جئت حيَّ بني سعد

بلغت المنى بلَّغ إلى غاية المنى

تحية صبَّ في لهيب من الصد

وناد إلى ليلى وقل صادق الهوى

مقيم على ما تعهدين من الود

زريه ولو بالطيف في سنة الكرى

نعم ما الكرى يستام مقلة ذي سهد

بكمتُ لساني يوم حمّ فراقها

فلم يجر في مضمار مهل ولا عقد

وأصممتُ سمعي بعد طيب حديثها

وليس استماعي فير ذاك من الرشد

فاسمعني بالقهر قول مبشَّرٍ

تبلَّج في أفق العلا طالع السَّعد

تطلَّبتُ ما تحت البشارة فانجلت

لوامعُ درَّ في بهيَّ من العقد

كؤوسٌ من الراح الحلال ياديرها

على حانة الأسماع "نابغة الجعدي"

تضوَّع منها المسك لمّا تضمنت

أحاديث فخرٍ عمّ من غير ما حدَّ

ختامٌ به الخضراء فازت وهكذا

بفضل أبي إسحاق تسمو إلى الخلد

فخار بني الدنيا وذخر ذوي التقى

وأعلمِ من تحت السماء بلا جحد

مآثره سارت سرى الشمس في الملا

مفاخره من دونها منتهى العدّ

له الله من ختم وددت لو أنني

بذلت له ما كان عندي من جهد

وإن فاتني ذاك الفخار فإنني

علقت من العلياء بالجوهر الفرد

أبا الحسن الأسنى إليك خريدةً

من السحر إلا أنها خالص النقد

خدمت بها علياك دامت بجودها

وذلك عند الألمعي غايةُ القصد

ولما ختم شرح السعد التفتازاني على تلخيص القزويني، هنأه أحد تلامذة الدرس، وهو شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله:[الكامل]

جسمي بأشواق المحبة صالِ

متفرَّق الأعضاء والأوصالِ

والنفسُ مني قد غدت مشتاقةً

ترجو لذيذَ مودةٍ ووصال

والوجد زاد لبارق قد بان من حي الحبة منتهى الآمال

والدمع جاد بوابلٍ من مقلة

ليست تحل بكثرة الإرسال

يا عاذلي هوَّنْ عليَّ فإنني

لا عذل ينفعني بكل مقال

إني شغفتُ بحب ذات فواترٍ

تعني بما تبدي عن الجريال

فالقد غصنُ البان غار لحسنه

والوجه فيه بديع كل جمال

رامت تضاهي حسنها شمسُ الضحى

فتداركت ما قدج جرى في الحال

تلك التي قد أشعلت نار الهوى

بفؤاد صب للقا محتال

وهي التي تركت ميتم حسنها

في حبها متراكم الأهوال

وسبتهُ نفساً ما لها ذنب سوى

تأميلها لتآلف ووصال

عجباً لها أتسوءه ولقد غدا

متشبثاً بحواشي الأذيال

أذيال إبراهيم من قد أعلنت

بمديحه كل الورى بكمال

ذاك الإمام العالم العلمُ الذي

لم يأتنا دهر له بمثال

فبه لتونس مفخرٌ ولنا به

فخرٌ عظيم لا يقاس بحال

وبمثله الأقطار تفخر إذ غدا

يجبني لعزٍ صالحَ الأمال

وله محال ترتجي مثلاً له

قمر السما في العز والإجلال

كشَّاف ما خفيتْ مسالك نيله

مغني الأنام ومعدنُ الإفضال

يلقى بثغر باسم كلَّ الورى

وتحية تأتي بكلِ مقال

إن رمت وصف مجالس لإمامنا

غيث العلوم ومبلغ الآمال

فأقول فيه وإنني لمقصر

كالليث حف بمعظم الأشبال

يا سيداً قد حلّ كل عويصة

بذكائه وبذهنه السيال

هذا الختام لقد أتاك مبشَّراً

بدوام سعدٍ مشرقٍ متلالِ

فلقد سررت بمجلس لقدومه

ولقد شرفت به على الأمثال

وأروم يا مولاي تجديد المنى

تكسوه لي من حلةٍ الإفصال

ص: 87

وإذا القضيةُ بّينُ إنتاجها

فلتطوها في منتج الأشكال

وإليك بكراً قد أتت لا تبتغي

إلا الدعاءَ لنا بحسن الحال

وبقيت ترقى أوجَ آفاق العلى

متلبَّساً بالعز والإقبال

وهناه ولده الخطيب المدرَّس الشيخ محمد الطيب الرياحي، بقوله:[الطويل]

ألا حدَّثنْ عمن به القلب مولع

كفى طرباً ذاك الحديثُ المسجَّعُ

على ذاك حبَّست المسامع صبوة

ولا لسواهم في فؤادي موضع

لقد ظعنوا والقلبُ يزعم كتمهم

ولي أدمعٌ كالنهر تجري وتدفع

فلله يومٌ بان إشراق نوره

ولله يومٌ فاض بالدمعِ مدمعُ

وأمسى كئيبَ الصدر بالبعد موحشاً

وبات على جمر الهوى يتضجَّع

ويا نسمة سارت إلينا عشية

مقلَّة عرف منهمُ يتضوعُ

فبالله إلا ما حملت إليهمُ

تحية مشتاق يذلُّ ويخضع

لقد خلفوني في الوداد متيماً

كئيباً سقيماً باكياً أتضرع

أبيتُ وأفكاري تؤمّل شخصهم

فأصبح لهافناً وما لي مرجع

ومهما بدا ركب أبادرُ قائلاً:

أحن إليهم بالفؤاد وأخضع

فيا عاذلي دعني فإنّ مرمكم

هراءٌ يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع

ففي مذهبي السلوان جاء محرماً

فلم يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع

وهل تختفي شمسٌ وفي الكون نورها

وهل يختفي برق وفي الجوّ يلمع

وهل يختفي علم الهمام الذي غدا

له موضع فوق الكواكب أرفعُ

هو الأبُ عز الله أصلي أنا به

فطوبى لأجدادٍ أقرُّا وفرَّعوا

إمامٌ همامٌ فاضل متعفف

شريف جليل للفواضلِ أجمع

تقيٌّ نقيُّ زاهد ذو سياسة

حليمٌ كريمٌ للمكارم منبع

هو البحر في أيَّ العلوم أردتها

حجاه إلى نيل الدقائق مسرع

مشارق أنوار بطلعته انجلت

وصار لها نور يضيء ويسطع

وفي أبحر التدقيق حاز دقائقاً

يضلُّ بها عقل سديد وألمع

فيا خير ممدوحٍ، ولست مبالغاً

بل المرءُ باللذ قد تقفاه أجمع

رعى الله طوداً جئته بمقالة

وليس لها رد ولا فيك تمنع

ألا كل سمع غيرك باطلٌ

وكل مديح في سواك مضيع

وهذا دليل بالسعادة ناطق

وأنك تحت العرش تحظى وترفع

وأفضل خير قد يكون غدا به

كتابك مختوماً وأنت مشفع

ولما ختم تدريس شرح المحلي على جمع الجوامع الأصولي هنأه بالختم المذكور أيضاً تلميذه شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله:[الوافر]

مديحك لا يحيط به النظامُ

وجودك لا يقاومه الغمامُ

وعلمك منهل للناس طرًّا

ومجلسك الأعزُّ له احترام

بك الآفاق قد زادت سروراً

كأنك في فم الدنيا ابتسام

فأنت لأوج أفق الدهر بدر

منير لا يفارقه التمام

وأنت لعز هذا الدين تاج

وأنتَ لنصره أبداً حسام

وأنت لكل معضلةٍ ترجَّى

وأنت لكل مشكلة غمام

جمعت من المحاسن كلَّ وصف

وكل الناس عن هذا نيام

وآيات الفصاحة عنك تروى

وفي كفَّ لكم منها زمام

فلو قسٌّ وسبحانٌ جميعاً

كذا أيضاً أو الفتح الإمام

صغوا يوماً لمنطقكم لقالوا:

يفوق الدرَّ حقاً ذا الكلام

أبا إسحاق أنت فريدُ دهر

وأنت لقطرك العلمُ الهمام

هنيئاً يا إمام العصر يا من

له فوق السما الأعلى مقام

بختم قد شرحتَ به علوماً

وسرَّتْ من ضخامته الأنام

ختام قد جلا عنا ظلاماً

وما أدراك ما هذا الختام

وهاك خريدةَ الأفكار جاءت

يصاحبها سرورٌ وابتسام

تؤملَ حسن صفحٍ منك عما

يقصر في مديحكمُ النظام

ويطلب ربُّها منكم دعاء

يقيه من الحوادث إذ الحمام

ولا زالت لك العلياء داراً

اردّد مدحكم فيها الحمام

وهنأه بالختم المذكور ابنه الشيخ محمد الطيب الرياحي، بقوله:[الوافر]

فؤاد لا يفيق من الغرامِ

وجسم لا يبين من السقامِ

وشوق ألَّف الأشجان حولي

وفرَّقَ بين جفني والمنامِ

ودمعٌ لا نفاد له، كأني

أروم به مساجلة الغمامِ

ص: 88

وصبرٌ حاول الأسواء حتى

علاها، فاستعاذت، بانهزام

ألا لله نفس جشمتها

مخامرةُ العلى همم سوامِ

وفي كف الحضائر أسلمتها

عزائم تنبري مثل السهام

تقول أفيك للتقصير عذر

وأنت ابن المفدَّى بالأنام

أبي إسحاق فائدة الليالي

وبهجتها وواسطة النظام

همام أغربت فيه المعالي

تقدّمه المعارفُ كالإمام

أغر الوجه وضاح السجايا

بريء العرض من عيب ودام

ولو قسمت مكارمه البرايا

فقدنا في الورى صنف اللئام

إذا استبق الكرام مدى رهان

بدا وهو المجلّى في الكرام

أو اقتسموا على خطط المزايا

يكون له المعلّى في السهام

غدا المثلَ الشرود تقى وعلماً

وحلماً في وقار واحترام

تناسينا به ذكر ابن قيس

ومعروفٍ ومالك الإمام

تسامى للعلا طفلاً معنّى

بكسب العلم لا كسب الحطام

فأحرز في الكمالِ مقامَ صدق

تضاءلَ دونه بدرُ التمام

وأصبحَ منه هذا الدين يسمُو

بعزَّ حمى تاجٍ فوقَ هام

وسيفٍ بالهدى أمسى محلَّى

وبالعرفان أضحى ذا اتسام

بهمته تزول ذرى الرواسي

وتنهلُّ الغمائمُ في انسجام

عذيري من أعاديه إذا لم

يهابوا سطوة اللَّيث المحامي

ألمَّا يذعنوا لما تحدَّى

يوازون الشوامخ بالإكام

وراموا أن يدانوه فكانوا

مكان المنسمين من السَّنام

أمولى نعمتي وعماد مجدي

ويا سندي ويا كلَّ المرام

إليك عقود أمداح جلاها

صناع الفكر في حسن انتظام

خدمت بها مقامك يوم ختم

يفوقُ عبيرهُ مسكَ الختام

أدرتَ به علينا كأسَ علم

دهاقاً جزجه سحرُ الكلام

وحلَّيت النفوس بحلي فضلٍ

به تزدان ما بين الأنام

ألا إنّ "المحلَّي" لو رآه

لأعجب من فوائدك الجسام

ونال كتابه عنكم وأمسى

يفاخر منك بالشيخ الهمام

فملَّئت الهنا فيه وفيما

يليه، وما يليه إلى القيام

تسر بما تروح به الأعادي

وتغدو في مساورة الحمام

ودمت وأنمت في شرفٍ وأمن

دوام الركن فينا والمقام

وقرظ هاته القصيدة أخوه الشيخ علي الرياحي، بقوله:[الوافر]

أهذا الفجرُ أم بدرُ التمام

أم المشمسُ العديمة للغمامِ؟

أم الوجه المهلل من فتاة

تراءت في محاسنها العظامِ؟

إذا ما أعرضت يوماً بصدَّ

تجر العالمين إلى الحمام

إذا ما أتحفتك بريق ثغر

يخال الريق من رشف المدام

تحاكي البان قدَّا إذ تبدت

وتحكي السحرَ في لطف الكلام

لعمرك ما وجدت لها سلوَّا

سوى جمع الجواهر من إمام

سراج العلم والتقوى تناهت

إليه المكرمات بلا اكتتام

إذا ما فكرهُ أبدى مقالاً

فإن القول ما قالت حذام

إليك الفكر قد اهدى مديحاً

يقابل بالقبول لدى الكرام

ويرعى الله مجدك كل حين

دوامَ الدّهرِ من غير انفصام

وأجابه عن هذا التقريظ أخوه الممدوح الشيخ الطيب الرياحي، بقوله:[الوافر]

أناطتْ إذ أماطت باللثامِ

بأقمار الدُّجى سمةَ احتشام

عقيلةُ فتنةِ الألباب أزرت

بدائعها بأزهار الكمام

أعيذ جمالها من كل شوب

معاذ كمالها من كل ذام

شهدت بأنّ منجبها عليٌّ

عزيزُ المثل ما بين الأنام

وكيف يكون مذموم المساعي

فتى ينميه قطبُ رحى الكرام

أدام الله طود علاه فينا

وصانك يا هلالُ إلى التمام

وقد كتب رضي الله عنه في علم النحو حاشية على شرح الفاكهي لقطر ابن هشام، ترزي مباحثها بحسن الابتسام، في ثغور الأيام، وقد سلك فيها أغواراً دقيقة، وأبدع فيها تحقيقه، مع سهولة مأخذها الذي سهل به صعاب المسائل أي تسهيل، وأغنى بالتصريح فيها عن ارتكاب التأويل، فكان بها كشاف أسرار العربية، ورافع أستار المشكلات النحوية، تدل بما أودع فيها على ماله في العلوم من اليد الطولى، والغايات التي نال إليها وصولاً.

ص: 89

وشرح أيضاً الخزرجية في علم العروض، شرحاً قام لذلك بالقدر المفروض، فكان شرحاً وجيزاً بسيطاً، بجميع شروح الفن محيطاً، مع سهولة تقرير، ولطافة تحرير.

وأما نظمه لمتن ابن آجروم النحوي فهو وغن جمع جميع ما احتوى عليه الأصل من المسائل، وسهل حفظها لكل طالب وسائل، غير أنه فيما أظن من مبادئ نظامه، كما لا يخفى على مطالع كلامه، وإلا فإنه كان آية الله في حسن الإنشاء، يتصرف في النظم والنثر كيف يشا، قد أبدع الآداب، وسبق في حلبتها على الشعراء والكتاب، وشعره أدل دليل على قوة عارضته، التي توقف فرسان اليراعة دون الوصول إلى معارضته.

وقد تحلت ترجمته هنا بعض ببعض ما له من البدائع، المزرية بالكواعب الروائع، التي أخصب بها ربع الأدب، وتجملت بخيرنها صفحات حدود الكتب، وحسبه ما خلده بجمع ولده في ديوان الخطب، الذي يبلغ البليغ به إلى غاية الأرب.

وأما شعره الرائق، ونظامه الفائق، فأحسب أني أول من تصدى لجمعه في كتابي مجمع الدواوين التونسية، فأحصيت منه نحو خمسة كراريس تزري بالحلل السندسية، حوت نحو الألفين من أبياته الفاخرة، التي طمت بها تلك البحور الزاخرة، وهو مبلغ يصلح لأن ينفرد به ديوان شعره، الفائق في سعره، وفي ضمنه من محاضراته ما ترتاح له النفوس، ويقول مطالعه لا عطر بعد عروس.

فمن محاضراته أنه اجتمع في بعض الليالي بشاعر بلد سليمان العالم الشيخ محمد ماضور الأندلسي في بيت صديقه الكاتب محمد المسعودي واتفق في مسامرة تلك الليلية أن أدار القهوة على ذلك الجمع، وسيم لطيف الصنع، وحين دخوله يحمل فناجينها بأنامله، وطلوعه عليهم ببدر أشرق فيه بكامله، أصاب شمعة المجلس الموقودة، فانحنت انحناء من يروم سجوده، إذ رأت منه شمعة الجيد التي لا تقط، ولا تطفأ قط، وأنشد الشيخ محمد ماضور في وصف الحال من لطائف المسامرات فقال:[الرمل]

ليلةٌ قد عظمت بين الليالْ

فهي في جيد المنى عقد الآلْ

وأرتنا عجباً إذ جمعت

بين شمس ثم بدر وهلالْ

سعدت إذ أنزلتنا منزل المس

عودي الشهم المفدى ذي الكمال

وبإبرهيم أبدت منظراً

هام فيه القلب إذ عز المثال

فارتياحي بالرياحيَّ غدا

وكذاك السعد بالمسعود (ي) طالْ

ليلة جد بنا الأنسُ بها

طرباً بين يمين وشمالْ

وأديرت قهوة البنَّ على

جمعنا يسعى بها بدرُ الكمال

فانحنى الشمع منيباً ساجداً

سجدة الشكر لهاتيك الخلال

فهو والقهوة والفنجانُ في

كفه يبدي غريباً في المثال

قمراً قد عصرَ اللّيل على

صفحةِ الفجرِ ف مَّتْ باحتفال

مزج الحلوَ بمرَّ فكأنْ

قد أرانا القرب والبعد المطال

يا لها من ليلة قد جمعتْ

كل أنسٍ وبهاءٍ وكمال

وأنشد الشيخ إبراهيم الرياحي في ذلك من شعره قوله: [الطويل]

تلقيت من أخباركم كلَّ طرفة

أنظَّمها في جيد أسمارنا عقدا

وكنتُ بتشنيف المسامع أكتفي

واكبر بشاراً بما قاله جهدا

ولما نما شوقي وزاد تولهي

سريت لكم ليلاً أبثكمُ وجدا

وما كان لي هاد سوى نور حسنكم

إليكم، فلم أعدم بقولكمُ رشدا

وحيث إلى المسعود (ي) كان انتهاؤنا

زجرت فكان الزجر يستنتج السعدا

فبت وما ليلي سوى لمح بارق

وإن طال من دهري تنفسه الصعدا

ومن لطائفه أنه استجار به العدل الشيخ منصور الورغمي في لبس الملوسة حين ألزمها الأمير حسين باشا باي لكافة العدول على نظر الشيخ محمد بيرم الثالث وكان دميماً، فاستهجن لبسها وخاف أن يتعاطاه الناس بسببها، فكتب الشيخ في ذلك إلى شيخ الإسلام البيرمي الثالث مستشفعاً بقوله:[الكامل]

كبرت عليهم إنها لكبيرة

منصوبة علما على التمييزِ

فتفرقوا أيدي سبا في فضلها

والخلف بين الناس غير عزيز

فعلى فريق منهم هي مثلةٌ

ولبعضهم زلفى إلى التبريز

أما "بنو ورغمة" ففقيههم

لهم يجر مذهبه على التجويز

فلذاك رام حماك علماً أن من

يأتيه في حرز هناك حريز

فأجره من همزٍ ومن لمزٍ بها

ما حالة المهموز والملموز

لا زلتم كهفاً يلاذ بعزَّه

فينال فوق القصد كل عزيز

ص: 90

وقد أجابه عن ذلك شيخ الإسلام المذكور بقوله:

يا أيها العلمُ الذي حسناته

شرفتْ بطلعتها على الإبريز

وجَّهت لي درراً يقرُّ بحسنها

أهلُ الصياغة من أولي التبريز

فعرفت مطلبها، ونيل مرامها

سهل يمين الله غير عزيز

فعليه تأخير العمامة برهةً

حتى يكون القولُ في التمييز

ثم إن شيخ الإسلام المذكور اطلع المولى الجد الشيخ محمد السنوسي قاضي باردو يومئذ على الطلب والجواب، واستجلى منه في النازلة عين الصواب، فكتب إليه بقوله:[الكامل]

قل للفقيه المستجاه بجاههِ

في رفعِ نصب حقَّ للتمييز

إنّ النحاة الَّنصب أوجبوا

في بابه وأبوا من التجويز

واستهجن الدؤلي لحناً ساقه

نقلاً من الأمثال للتبريز

وكذا، العموم إذا تخصص بعضه

ضعت دلالته بنصَّ الجيز

والظن فيمن يستجرك أنه

منصور دمت تفوق كالإبريز

واتفق أن شاع خبر فناء الخلق في هذا القرن ونسبه أهل الأهواء إلى العالم الرباني، الأستاذ المربي الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه مع أن ذلك مما ينبو عنه مقام أدبه وسلوكه في الشريعة التي صينت من كل نقص، وكملها الله على يد خير خلقه بمحكم النص، وقد جاء في الآيات المتلوة في القرآن الذي أتم الله إبداعه، "وعنده علم الساعة" وهكذا الاعتقاد فيه وفي كل من ماثله لا يجري واحد منهم في جميع الأقوال والعمال، إلا على ما وردت به شريعة خاتم الإرسال، ولذلك لا يجوز لنا أن نأخذ مما ينقل عنهم غير ما جرى على سنن الشرع القويم، إذ ذلك دليل صحة نسبته إليهم في حالة الصحو بالنظر لمقامهم العظيم، فهم أحفظ الناس لسياج الشريعة التي جمعت ما كان ويكون، ولا يتمسك بسواها إلا الجاهلون، وعند شيوغ ذلك الخبر سنة 1241 كتب الشيخ محمد بيرم الرابع يسأله عن صحة ذلك بقوله:[الطويل]

أيا من رقى أوج المعالي وقد غدت

إليه مقاليدُ العلوم تسلَّمُ

لقد ظهرت رؤيا لها نسبةٌ إلى

إمام له بين الأنام تقدُّمُ

همام على دست المعالي وقد علا

مراتبهُ من موقع النجم أعظم

ملخَّصها أن الأنام جميعهم

لذا القرن تفنى دون ريبٍ وتعدم

أهل هو مما صحّ عندك نقله

عن الشيخ أم للمين فيه توسم؟

أجبنا رعاك الله عن كنه أمرها

فأنت لها من غيرك اليوم أعلمُ

لأنك ممن خاض لجَّةَ بحرها

وأضحى بتحقيق لها يترنَّم

بقيت لنا كهفاً وللحق ناصراً

وللصعب من دأب البغاية تحسمُ

ويطلب رب النظم حسن دعائكم

ألا وهو الداعي "محمد بيرم"

فأجابه الشيخ إبراهيم الرياحي مكذباً ذلك بقوله:

أيا من سبى الألباب لطف كلامه

كما أنه في الأذكياء المقدَّم

أتتني منْ سحر البيان قصيدةٌ

وما هي عقدُ درذًَ منظمُ

تسائل عما شاع في الناس ذكرهُ

أهل لهُ أصلٌ في الثبوت مسلم؟

نعم هو ريبٌ دون مكين وما له

ثبوتُ وأمرُ الشيخ أعلى وأعظم

جزى الله خزياً مفتريه وذلةً

ومأواه إن لم يعف عنه جهنم

فهذا جواب للذي هو طالبٌ

حقيقة هذا الأمر والله أعلم

ويسأل إبراهيم من فضل ربه

لك الأمن في الدارين وهم يسَّلم

وكانت له معرفة بأسرار تليق بمثله من العلماء الأخيار، قدم غليه أحد الأفاضل وقد أضغطه غريمه، واشتكى إليه ما يلاقي من شر الأفتضاح، فأذن له بذكر اسم من أسماء الله تعالى في خلوة، وانه عند نهاية الذكر يجد مقدار دينه تحت بساطه، فوجده قطعاً غير مسكوكة، ولما أعلم الشيخ سأله عن كيفية ذكره، فوجد فيه خللاً وأذن له في تداركه، فتم له المراد، ونهاه عن العود لمثل ذلك.

وأتته امرأة تشكو إصابة ولدها بالجنون، وتلظت لديه، فأسعفها ببطاقة تبلغها إلى ضريح الشيخ فتح الله العجمي، ولعلها تتضمن توسلات له، فعوفي ولدها بعد حين، وذلك من أدلة حسن اتصال علاقته بأولياء الله رضي الله عنهم أجمعين.

وكانت له سانية في سفح جبل المنار تحت زاوية الشيخ الظريف رضي الله عنه يسكنها مدة المصيف، فاتخذ منها مسكاً للزيارة ليلاً، وقد نقل لي عن صهره أنه سمع له حديثاً عند الضريح، يدل على ما له من الود الصريح.

ص: 91