الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن ذا لبث المكرمات ونشرها
…
ومن ذا الذي يبدي المزايا وينفع
هوى طودها العالي فقلت مؤرخاً
…
(سيرقى حمى أعلى الجنان يُرفع)
41 الشيخ الشاذلي بن صالح
هو شيخنا أبو عبد الله محمد الشاذلي بن عثمان بن صالح بن أحمد الجبالي، كان جده يحترف بصناعة الشاشية وقد تزوج امرأة أمها بنت الشريف الأبر الحاج علي دمدم المشهور الشرف بتونس وأوتي منها بولده عثمان فله شرف من قبل أم أمه.
وكان والده عثمان خيراً حافظاً للقرآن العظيم يقرأ الأحزاب بجامع الزيتونة وولده ملازم له لفقد بصره إلى أن توفي سنة 1274 أربع وسبعين ومائتين وألف.
ونشأ في طاعة والده والبر به نشأة محمودة، وتوجه باعتناء والده لخدم العلم الشريف بعد أن حفظ القرآن بختم السبع تجويداً على الشيخ محمد المشاط، وقرأ عليه كتب مبادئ النحو، وقرأ على الشيخ فرج التميمي كنب مبادئ النحو أيضاً إلى أن ختم عليه المكودي على الألفية ومختصر السعد ونبذة من تفسير القاضي البيضاوي، وقرأ على الشيخ محمد بيرم الثالث مختصر السعد البياني ومختصر السنوسي المنطقي وأجازه بثبته، وقرأ على الشيهخ إسماعيل التميمي نبذة من شرح الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة قطعة من شرحه على الدرة والمكمودي على الألفية، وقرأ على الشيخ محمد بن سلامة قطعة من التاودي على العاصمية بحواشيه، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة المكودي على الألفية بجامع صاحب الطابع وقطعة من مختصر السعد، وقرأ على الشيخ محمد معاوية الخبيصي على التهذيب، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي الأشموني على الألفية من باب الحال إلى نهايته بجامع صاحب الطابع، وقرأ على الشيخ الشاذلي بن المؤدب الصغرى في علم الكلام، وقرأ على الشيخ نصر بن عقبة الكافي نبذة من الألفية بمسجد العزافين، وقرأ على الشيخ محمد لسقاط شرح الخرشي على المختصر الخليلي بمدرسة بئر الحجار، وقرأ على الشيخ أحمد الكيلاني المكودي، ومختصر السعد ونبذة من الشفا، وتصدى للإقراء بجامع الزيتونة سنة 1252 اثنتين وخمسين ومائتين وألف، وأخذ عنه كثير.
وتقدم مدرساً في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي في السابع والعشرين من رمضان سنة 1258 ثمان وخمسين ومائتين وألف.
ولما توفي الشيخ فرج التميمي بالمحلة أواخر جمادى الأولى قدمه المشير أحمد باشا بايب قاضياً بالمحلة المنصورة أواسط ذي القعدة الحرام سنة 1262 اثنتين وستين ومائتين وألف، وسافر مع ابن عمه المولى محمد باي، ولاقى من إكرامه وجزيل إنعامه ما يدل على صدق نية الأمير مع العلماء ثم قدمه الأمير لخطة قضاء باردو المعمور أواخر رجب سنة 1267 سبع وستين ومائتين وألف فأحسن القيام بأعبائها سيمل وقد انضم إليه أنه ولي مشيخ المهندسين بمكتب الحزب يقريهم مبادئ النحو والفقه فلازم للقيام بالخطتين سكنى باردو مدة وولي مشيخة مدرسة باردو وهو يختم بها كل سنة، وكان لا يتخلّف عن التعليم والقضاء بباردو، ثم قدمه المشير الثالث محمد الصادق باشا باي مفتياً رابعاً يوم الأحد الخامس عشر من شعبان الأكرم سنة 1277 سبع وسبعين ومائتين وألف، ولما توفي الشيخ محمد البنا صار مفتياً ثالثاً، ولما توفي الشيخ الطاهر بن عاشور صار مفتياً ثانياً.
ولما توفي الشيخ أحمد بن حسين تقدّم عليه للرئاسة صالح النيفر، ولما توفي الشيخ المذكور قدمه المشير لرئاسة أهل الفتوى في الثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة 1290 تسعين ومائتين وألف، وولي عند ذلك أيضاً مشيخة المدرسة المرادية فباشر الخطة بقبول النوازل، وفي أثناء تقلبه في الفتيا صدر له الإذن بالنيابة عن أيمة جامع الزيتونة في صائفة عام 83 ثلاثة وثمانين لما مرض الأئمة الثلاثة فناب في الخميس وقام إماماً بمحراب جامع الزيتونة مدة، وعند وفاة الشيخ محمد البنا الخليفة بالجامع تقدم للنيابة الرسمية الشيخ صالح النيفر وعند ذلك بطلت نيابة صاحب الترجمة.
(وقد عزل من خطة باش مفني يوم الاثنين الثالث من المحرم سنة ثلاث وثلاثمائة وألف) .
وهو شاذلي الطريقة كثير الزيارة للمغارة الشاذلية عالم فقيه، خير حسن الأخلاق مع الخصوم، سهل الجانب، يلازمه أحد شهود البلاد رجل يقال له محمد العرفاوي الجريدي ولربما اعتمد على مراجعته اامسائل الفقهية ووثق به في شهادة السر وغيرها.
ولوع بمطالعة كتب الأحكام وكتب عدة رسائل في تحرير مسائل خلافية وقع له فيها النزاع مع الشيوخ (قرظ أكثرها الشيخ أحمد كريم بما أثبته في ديوان شعره) وله نثر وشعر من عنوانه ما كتبه تقريظاً لكتاب تعليم القاري في التجويد تأليف الماجد إمام سراية باردو وابن إمامها الشيخ محمد بن أحمد بن شيخ الإسلام محمد البارودي وهذا نصه: الحمد لله رب العالمين والصلاو والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فلما تأملت هذه الرسالة المرسومة بتعليم القاري وجدتها كتاباً وغيثاً نافعاً ودرة فاخرة وروضة زاهرة تشهد لمنشئتها بالعرفان وأنه من فرسان هذا الميدان ولحسن ألفاظها ومعانيها تستحق أن يقول ناظرها فيها.
[الطويل]
لقد جمعت وصف الحروف وبنيت
…
مخارجها كل البيان ووضحت
وزادت على هذا من العلم جملة
…
لمن يقرأ القرآن حقاً تعينت
قاله وكتبه الفقير إلى ربه محمد الشاذلي بن صالح أصلح الله حال الجميع آمين في قعدة الحرام من عام 1293 ثلاثة وتسعين ومائتين وألف، وقد قرأته عليه نبذه من شرح المكودي على الألفية ابتدأه غرة رجب الأصب سنة 1285 خمس وثمانين ومائتين وألف، وقرأت علليه بعد ذلك نبذة من شرح التاودي على تحفة ابن عاصم وكان يومئذ بصدد تحرير حاشية على الشرح المذكور جزاه عنا أحسن الجزاء آمين.
(وقد أجرت له الدولة بعد تأخره عن الخطة مرتباً عمرياً لجلوسه للتدريس وولي وكالة الشيخ سيدي أبي سعيد الباجي عند وفاة الشيخ محمد الشريف.
وأقام في جبل المنار وكان به مرض الحصا فاشتد به إلى أن توفي بجبل المنار يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة 1308 ثمان وثلاثمائة وألف وقد ناهز التسعين في عمره وكان أجاز لي بإجازة اتصلت بثبت الشيخ عبد القادر الفاسي وهي
…
) .
ً42 الشيخ علي العفيف هو الشيخ أبو الحسن علي بن القاسم بن أحمد بن علي بن محمد شعبان العفيفي التبرسقي، ومن ذرية الشيخ العفيف الغساني رضي الله عنه. قدموالده الشيخ القاسم من بلد تبرسق في طلب العلم، فأخذ عن أعلام عصره منهم الشيخ صالح الكواش والشيخ حسن الشريف وغيرهما، وامتلأ معقولاً ومنقولاً وتصدى للإقراء بجامع الزيتونة فأقرأ كثيراً وأكثر دروسه في الفقه وكان عالماً فاضلاً عابداً متواضعاً عزيز النفس وقوراً إلى أن توفي أواخر ذي الحجة الحرام سنة 1239 تسع وثلاثين ومائتين وألف.
ونشأ ولده من بعده في طلب العلم فقرأ مبادئ النحو على الشيخ محمد المشاط والشيخ فرج التميمي، وقرأ أيضاً النحو والبيان على الشيخ أحمد الأبي والشيخ محمد معاوية، وقرأ على الشيخ أحمد بن الطاهر الكفاية على الرسالة، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة الدرة، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة المكودي والأشموني على الألفية والمحلي، وقرأ على الشيخ محمد المناعي قطعة من شرح الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي، وقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي الدرة ومختصر السعد وصحيح البخاري وتفسير القاضي البيضاوي.
وتصدّى للتدريس واجتمعت عليه جموع المستفيدين وتقدم مدرساً في الرتبة الأولى عند وضع الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة في شهر رمضان المعظم سنة 1258 ثمان وخمسين ومائتين وألف، فواظب وأفاد وأبدع في تحرير المسائل وأجاد وختم به كثيراً من مهمات الكتب المتداولة للإقراء بجامع الزيتونة في معقول العلوم ومنقولها.
ولما ختم مختصر السعد مدحه تلميذه الشيخ أحمد بن محمد بن الخوجة شيخ الإسلام بقوله: [الطويل]
إليك فإن العذل ليس بناجعِ
…
وقد صم عن قول العذول مسامعي
ملامك أهل الحب حول قلوبهم
…
وحبّهمُ في القلب أرتع راتعِ
تروم ارعواءً عن هوى من جفونها
…
فعنَّ بقلبي مثل فعل الضرائعِ
فتاة متى تنطق تخال حديثها
…
عقود لآلي في نحور المسامعِ
فتاة إذا تمشي تخال قوامها
…
ترنح فضبان الغصون اليرانعِ
لها بشر مثل الحرير تخاله
…
من اللين والإشراق أنور مائعِ
وهب أنها بالسحر أبلتْ محبَّها
…
ومزقت الأحشاء تمزيق باضعِ
أليس لكل العاشقين توجع
…
وتقطيع أكباد وهطل مدامعِ
على تلك التي إن مت من طول هجرها
…
حييت بكتب من تحارير بارعِ
هو العالم الكشاف عن كل غمة
…
هو الجحفل النحرير باني المصانعِ
تلذذ إذا أنصت صفو علومه
…
تلذذ صب بالحمام السواجعِ
كأنَّ تقارير العفيف جواهر
…
وأصدافها السُّماع أهل المناصعِ
إذا مشكل أدجى وأظلم ليله
…
بدا رأيه مثل البروق اللوامعِ
بدا مثل بدر أذهب الحندس الذي
…
تجاريه شهبٌ للعقول السواطعِ
سمي تحلّى بالمكارم والعُلا
…
إلى طرق الخيرات خير مسارعِ
علي عفيف بالفخار مسربلٌ
…
تقي نقي العرض عذب المشارعِ
وأنت الذي للعز سهّد جفنه
…
وأرقه من نائم الطرف هاجعِ
وأين الذي يرضيه وطء بسيطه
…
ومن ذا الذي يرضيه وهمُ المطالعِ
أرى كل طود للمكارم جامع
…
وأنت من الأطواد (جمع الجوامعِ)
وتقدم لخطة قضاء المحلة المنصورة في أواخر رجب الأصب سنة 1267 سبع وستين ومائتين وألف فسافر مع الأخوين المشيرين الثاني والثالث وكانا يشكران منه حسن المعاشرة، ثم تقدم لخطة الإفتاء فصار مفتياً خامساً يوم الأحد الخامس عشر من شعبان الأكرم سنة 1277 سبع وسبعين، وافتصر على خطته بحيث أنه لم يقضِ بين اثنتين وكان عالماً ثبتاً فاضلاً تقياً حسن الإلقاء بعيداً عن التكلف، محافظاً على مروءته، لم يطرق الأبواب ولم يقم في بيته على السائليلن حجاب، كثير الأاة والترنم حتى في تلاوته وإقرائه، كامل العفة ونظافة الثياب لم يتزوج قط، تقدم لمشيخ ة المدرسة المنتصرية بعد أن هاجر شيخنا الشيخ الحاج عبد الله الدراجي إلى المدينة المنورة وحضر الأمير في أختامه ولم يتصنّع فيها البتة، ومع ذلك كانت أختامع محررة تقع فيها المباحثات من الحاضرين متخلقاً بأخلاق الصالحين من القناعة مع سعة ذات يده، خرج من بيته في اشتداد القيظ فنادى على تابع له وأيقظه من نومه وأمره برفع ما توسده فإذا تحته حية عظيمة فقتلها ورجع إلىبيته.
وصدر له الإذن أولاً بالنيابة عن أيمة جامع الزيتونة عند تعذرهم ثم تقدم عليه وعلى من قبله إماماً ثالثاً الشيخ صالح النيفر ثم قدمه المشير محمد الصادق باشا باي إماماً ثالثاً في الثامن عشر من ربيع الأول سنة 1285 خمس وثمانين ومائتين وألف، ثم قدمه جليفة للشيخ محمد الشريف أواخر ذي القعدة سنة 1290 تسعين ومائتين وألف فزان المحراب والمنبر بحسن تلاوته وتأثير مواعظه التي تخشع بسماعها القلوب وكان مع ذلك إماماً بجامع الزيتونة الأصغر خارج باب البحر يقيم به الجمعة والعيدين.
ولما توفي الشيخ محمد البنا صار مفتياً رابعاً، ولما توفي الشيخ الطاهر ابن عاشور صار مفتياً ثالثاً، ولما توفي الشيخ صالح النيفر بعد تقدمه للرئاسة صار مفتياً ثانياً.
وكان مع خططه المذكورة مواظباً على التدريس لا يتخلف عن دروسه إلا بالمانع الأكيد وقد قرأ كتباً كثيرة وانتفع به خلق عظيم، ومع كثرة دروسه لم يسمح لي الوقت بأخذ كثير عنه وإنما قرأت عليه نبذة من آخر الشفا للقاضي عياض وحضرت ختمه ونبذة من أول صحيح مسلم في مدة راحة المصيف وحضرت أختامه بالمدرسة.
ولم يزل على كما للاته ثنيان الفتوى والإمامة إلى أن توفي في الثاني والعشرين من جمادى الثانية سنة 1292 اثنتين وتسعين ومائتين وألف، ودفن بالزلاج عليه رحمة الله وقد رثاه العالم الشاعر الشيخ سالم بوحاجب بقوله:[الكامل]
بتسابقي ذي الدار هل من دارِ
…
إن المنيَّة غايةُ المضمارِ
وفي الترتيب السبق لقاء مح
…
توم الردى بالبدء بالأخبارِ
مثل الذي قد صار هذا الرمس من
…
بركاته متيم الزوارِ
الفاضل الحبر الهمام المرتضى
…
بتقى وعلم منبر الأبرارِ
ذو همة أضحى اسمه وصفاته
…
وكست معارفه برود وقارِ
ونزاهة قد صدّقت تلقيبه
…
باسم العفيف جماع كل فخارِ
لله دوحة علمه كم أثمرت
…
نفع الورى كل على مقدارِ
وفروعها دوحاً غدت وتفرعت
…
منها فروعٌ جمة الأثمارِ
أبمثل هذا مات لا بل إنما
…
غابت مشاهده عن الأبصارِ