الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحمد بن الخوجة المفتي الحنفي.
ومحمد البنا المفتي المالكي.
إن صاحب الإتحاف انتقد على شيخ الإسلام المذكور بأنه كان أسرع الحاضرين للإجابة مستنداً إلى الغضب الذي لا قدرة لنا على دفعه.
ثم قال: وهو المشار إليه في تعاريب مكاتيب الوزير وهو وزير الأمور الخارجية بفرنسا من الذين بمشورتهم لأمور غير صالحة، وأوقعوا له الاختبال في عقله كم مرة، (الإتحاف ج?4 ص239) .
وقد ذكر صاحب الإتحاف محاورة دارت بينه وبين شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع: فقلت له ان القوم لم يصرحوا بالغضب، ولا آذنوا بحرب وإنما نصحوا.
فقال (أي شيخ الإسلام المذكور) : نخشى الغضب من الدولة العلية وأصول التنظيمات لا تخالف ديننا (الإتحاف ج?4 ص239) .
ثم إنه بعد ذلك يشير إلى امتناع الإسلام: (تلكأ الشيخ محمد بيرم شيخ الإسلام عن الحضور لأمر يعلمه الله فقال له الباي: قد أفتيتنا بالقبول من أول الأمر وأن التنظيمات الخيرية لا تعارض ديننا فما بالك تمتنع من الحضور الآن وألزمه الحضور.
وتحدث صاحب الإتحاف عن شيخ الإسلام كيف قبل ما جاء من تفسير القاعدة الأولى من عهد الأمان وهي: تأكيد الأمان لسائر رعيتنا وسكان إيالتنا على الأديان والأسنة والألوان في أبدانهم المكرمة وأعراضهم المحترمة إلا بحق يوجبه نظر المجلس المجلس بالشورة ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن، أو الإذن بإعادة النظر.
فنقل عن شيخ الإسلام أنه قال: يمكن لي أن أخطب يوم الجمعة بشرح هذه القاعدة الأولى المذكورة.
وفي هذا الجو الذي أقبل فيه أهل المجلس الشرعي على تفسير القواعد الأصولية بعهد الأمان أمر الوزير المصلح خير الدين الفقهاء الحاضرين أن يكتب كل واحد منهم على قواعد عهد الأمان ما يراه ويدين الله به، فأجابوه لمطلبه لما رأوا من توقد فكرته، وكمال فطنته، فكتبوا وتقاربوا في المرمى على قوس واحدة.
وجلى شيخ الإسلام فيما كتبه بشهادتهم ولولا الإطالة لنقلنا ذلك.
?
استقالة الفقهاء من مجلس شرح قواعد عهد الأمان
بعد مشاركة أولئك الفقهاء الأربعة طلبوا الاستعفاء متعللين بأن مناصبهم الشرعية وما عليهم من مهمات يجب القيام بها لا يمكن الجمع بينها وبين علمهم في المجلس المذكور.
وآخذهم صاحب الإتحاف في قصرهم أنفسهم على وظائفهم الشرعية.
وكان الظن بهم تقديم هذه الطاعة المتعدية على غيرها من الطاعات القاصرة.
وتعللوا بأن منصبهم الشرعي لا يناسبه مباشرة الأمور السياسية إلى غير ذلك من المعاذير التي لو لم نرها ما نقلناها.
وقبل الباي عذرهم، وأرواحهم من تعب الحضور، ولسان حال المسلمين بهذه الإيالة المسكينة يقول: وما يجب اعتقاده أن الله الذي دينه النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، ومن أوامره الواجبة على عباده تغيير المنكر ولو بالقلب، ومن شريعته المسحة ارتكاب أخف الضررين عند العجز عن السلامة منهما إلى غير ذلك من تيسير هذه الشريعة الصالحة لكل زمان، يسألهم عن ذلك يوم تبلى السرائر، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم) .
لعل له عذراً وأنت تلوم
حمل الشيخ الوزير احمد بن أبي الضياف العلماء كلهم مغبة عدم المشاركة في تحرير شرح قواعد عهد الأمان مع أن الممتنعين قلة وهم الأربعة: الشيخ محمد بيرم الرابع.
والشيخ احمد بن حسين.
والشيخ محمد بن الخوجة.
والشيخ محمد البنا.
أما الكثرة من العلماء فقد شاركت لما قامت المجالس المنبثقة عن تطبيق عهد الأمان بالأخص الشيخين وهما: محمد الشاهد.
وصالح النيفر.
كما أن شيخ الإسلام الرابع كان من أعضاء مجلس الباي الذي جعله لخاصة نفسه للنظر فيما يحرره مجلس شرح قواعد عهد الأمان.
فالعلماء لم ينفضوا أيديهم من هذا المجلس، وإنما امتنع بعضهم من مجلس خاص وهو المجلس الذي يرأسه الوزير مصطفى خزنه دار.
ومن القريب جداً أن امتناع الإسلام محمد بيرم الرابع كان من أجل انه لم يوافق على أن يكون مرؤوساً للوزير مصطفى خزنة دار لأن الوضع كان في تونس أن شيخ الإسلام يقدم على الوزراء، وكذلك بقية أهل المجلس الشرعي.
ويدل على تقديم أهل المجلس على سائر رجال الدولة أن المكتوب الذي عين فيه الباي رجال المجلس المذكور قدم أعضاء المجلس الشرعي.
وهذا نصه:
أمرنا هذا للعلماء الأعلام الفقهاء الأعيان، الجلة الفضلاء من أهل مجلسنا العلي: شيخ الإسلام سي محمد بيرم.
والشيخ سي احمد بن حسين باش مفتي المالكية.
والشيخ سي محمد بن الخوجة المفتي الحنفي.
والشيخ سي محمد البنا المفتي المالكي.
والوزراء الأعيان النصحاء الأركان أولي الرفعة والشان.
أبننا الأعز ووزير العمالة مصطفى خزنه دار.
ووزير الحرب أمير الأمراء ابننا مصطفى باش آغة.
ووزير البحر ابننا خير الدين.
والوزير الأحظى أمير الأمراء ابننا إسماعيل صاحب الطابع.
والأحظى أمير الأمراء ابننا محمد بالفتح أمير الأعراض.
وكاتب سرنا أمير اللواء محبنا الشيخ سي محمد بن أبي الضياف، حرس الله جميعهم واحسن صنيعهم.
وإننا أمرناهم بالاجتماع في دارنا بالقصبة يومين في كل أسبوع، وهما الأربعاء والخميس للتفاوض في شرح الفصول المسطرة في عهد الأمان.
وكل واحد يتكلم بما يدين الله به على مقتضى آداب البحث في الأدلة وإيضاحها، ولا يخجل من لا تنهض حجته فالحق أحق بالاتباع.
وأمرناهم قبل ذلك بقراءة ما رتبه الدولة العلية العثمانية وغيرها من الدول ليجروا التراتيب على ما يصلح بلادنا بعد استفتاء من ذكر من العلماء فيما تتوقفون فيه من الأمور وترفعوا إلينا عمل كل اجتماع لننظره ونمضي ما عليه أكثر رأي الجماعة.
ولا يلزم الفقهاء المذكورين الحضور إلا يوم الأربعاء لاشتغالهم يوم الخميس بالمجلس الشرعي بدار الشريعة والله تعالى ولي إعانتهم وتوفيقهم على هذه المصلحة التي يعم نفعها بحول الله، والسلام.
وكتب في 16 أشرف الربيعين.
فلما رأى أهل المجلس الشرعي تقدم الوزراء عليهم أنفوا من الجلوس في مجلس يترأسه الوزراء المماليك.
وزاد الطين بلة أن هناك عداوة بين وزير العمالة صاحب النفوذ الوزير خزنه دار وبين شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع وعداوته شبيهة بعداوة الوزير المذكور مع إسماعيل السني صاحب الطابع فوجود شيخ الإسلام في مجلس يترأسه من يتربص به الدوائر دعاه إلى أن يستعفي هو وبقية أهل المجلس الشرعي المالكية والحنفية.
وحسناً صنع شيخ الإسلام فإنه لو بقي معه في ذلك المجلس لاشتدت العداوة بينهما ولأفضت إلى ما أفضت إليه عاقبة الوزير إسماعيل السني الذي سعى أولاً إلى إصدار أمر الباي بإقامته الإقامة الجبرية، ثم سعى في قتله في بضع دقائق مع أمير المراء رشيد وزير الحرب.
فشيخ الإسلام يخشى عاقبة كعاقبة هذين الرجلين السني والرشيد.
فالعلماء المستعفون من المجلس المكلف بإرساء قواعد عهد الأمان على علم لبعد أنظارهم بأن العهد الممنوح غنما هو منح اضطراري أدت إليه حادثة قتل اليهودي المتجرئ على الإسلام بشتم دين أحد المسلمين.
فالباي الأمير والكثير من حاشيته هو أهم في عدم وجود عهد الأمان، ولذلك لما وقعت ثورة علي بن غذاهم ارتكز عليها وزير العمالة وأبطل العمل بعهد الأمان، فهم على بينة من الأمر بأن العمل به كان تحت ضغط الدول الأجنبية.
ومن أعذار الاستعفاء: أن تشكيل المجلس للنظر في إرساء قواعد عهد الأمان كان تشكيلاً غير متناسق فيما بين أعضائه إذ منهم الفقهاء الذين لهم مرانة سياسية مثل شيخ الإسلام بيرم الرابع الذي له اتصال بالأمراء واطلاع على خبايا نفوسهم فقد كانت له مصاهرة مع الباي المشير الثاني.
ومنهم فقهاء تطبعوا بطبيعة الفقهاء في التزام النصوص الفقهية مثل شيخ الإسلام المالكي أحمد بن حسين الذي هو من العلماء الفقهاء الممتلئين فقهاً ولهم محافظة شديدة على النصوص الفقهية.
وعى هذا الغرار المفتي الحنفي الشيخ محمد بن الخوجة فإنه من فقهاء الحنفية.
وأما المفتي المالكي فهو من أهل الورع الشديد والبعد عن رجال السياسة حتى أن الأمير المشير الثالث لما أراد إعانته على بناء داره امتنع من اخذ أي شيء مع الفقه البارع وهو الشيخ محمد البنا.
فهؤلاء الفقهاء كان انسحابهم من مجلس الإرساء عن روية وعن معنى خاص أدركوا به أن عملهم سوف لا يثمر لأن الاتجاه الحكومي من قبل الوزارة مراميه بدأت تظهر حين تلك الاجتماعات وهو ما جعلهم بعد أن انظموا إليه استعفوا منه.