الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثاني الأمرين اتخاذها عاصمة إذ يتجمع من توجيه العناية إلى تونس سواء في اتخاذ مسجدها الجامع أو بناء قصبتها، أو بناء دار الصناعة بها إلى غير سواء من العنايات البالغة بهذه المدينة مع أنها لم تكن عاصمة أن الرغبة كانت أكيدة في اتخاذ تونس عاصمة للبلاد الإفريقية لأنها تجمع بين الحصانة وبين كونها مرسى من اعظم المراسي مع ما اختصت به من كونها كثيرة الخيرات مدرارة البركات التي لا توجد في غيرها كما حدثنا عن ذلك البكري إذ يصفها بأنها أشرف مدائن إفريقيا وأطيبها ثمرة وأنفسها فاكهة (المسالك والممالك ص41) .
فرغبة ابن الحبحاب في اتخاذها عاصمة يبديها هذا النص عن ابن عبد الحكم.
واستمرت هذه الرغبة في رجال الدولة الأغلبية إذ انتقل إلى سكانها واتخاذها عاصمة لبلاد الإفريقية إبراهيم بن الأغلب في سنة (281) .
وبقي بها إلى أن انتقل إلى رقادة سنة (283) ثم عاد إلى سكناها وإليها انتقل ابنه عبد الله بن إبراهيم وقتل بها.
وبها كانت بيعة ابنه وزيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم ولم يمكث بها.
وليست رغبة بني الأغلب مقصورة فيمن ذكر منهم بل كلهم قد اتخذوا بها القصور والبساتين ينتقلون إليها وقد جعلوها منتزهاً لهم كما أفاده البكري حين حديثه على تونس وابن أبي دينار في المونس.
وإنما اتخذها الأغالبة عاصمة ثانية أو العاصمة الأولى في فترات اقتداء بابن الحبحاب الذي كانت رغبته كذلك بدليل تأسيس مسجدها الجامع فإنه لا يبنى مثله في بلد صغير وغنما في بلد له اتساع لأن إحداث مثله لا يكون إلا في العواصم الكبرى وإنما اتخذها الأغالبة كذلك لما رأوا فيها من جديرة بأن تكون عاصمة، إنما حببهم في القيروان لم يجرؤوا على مخالفة عقبة بن نافع ولعل ابن الحبحاب كان يرمي إلى اتخاذها عاصمة لأنها تجمع بين الحصانة في البر، والمكانة البحرية بمرساها الفريد في الخليج التونسي.
فنظرة الأمراء إلى إفريقية مختلفة فعقبة بن نافع يرى أن الاستقرار بإفريقيا إنما يكون في مجمع الجند في مكان يبعد عن البحر ولهذا اتخذ القيروان عاصمة لهذا الصقع الإفريقي بينما أخذت فمرة المراء تختلف عن ذلك من حسان بن نعمان إلى ابن الحبحاب إلى الأغالبة في ترددهم بين سكانها وسكنى القيروان.
وغير الفواطم الاتجاه نحو تونس بإنشاء المهدية التي كانت على البحر فهم قد حققوا أن العاصمة تكون بحرية في عاصمتهم الجديدة.
ورجعت الرغبة في تونس عند افتكاك الموحدين لشواطئ إفريقيا من يد النورمان لأسباب بسطناها في بحث لنا في بيان الأسباب الداعية للموحدين لاتخاذ تونس عاصمة معرضين عن المهدية والقيروان.
ابن الحبحاب والفكرة الاتساعية
حل ابن الحبحاب بإفريقية فانتشرت رجاله من قرابته في كل مكان تحت نظره حتى مصر والأندلس فضلاً عن إفريقيا والمغرب، وأسند هذه الولايات إلى أبنائه وصنائعه وانضاف إلى ذلك انه ركز اهتمامه على تونس في إحداثاته بها.
ومن تلك الإحداثات دار الصناعة لإنشاء أسطول تونسي غزا به في البحر بإمرة حبيب بن أبي عبدة.
واتجهت سياسته إلى سيادة العنصر العربي سيادة مطلقة حتى اعتبر البربر مسلمهم وكافرهم سواء وأنهم فيء مع أن الولاة قبله كانوا يخمسون من لم يجب إلى الإسلام وأما من أجاب إليه فهو بالإسلام قد أندمج في العائلة الإسلامية.
ومسلكه السياسي نحو البربر أوغر الصدور عليه وأدى إلى ثورة كبرى لم تعهد من قبل وكان اتجاهه هذا يقصد من ورائه إيجاد ملك عربي ممتد الأطراف يقوده هو وأهل بيته لكن إهانة البربر أدت إلى عزله حيث لم يقدر على إخماد تلك الثورة.
ونتائج تلك السياسة جعلت المسلمين في المغرب منقسمين إلى عنصرين كلما خمدت فتنتهما دهراً لسبب السياسة الحازمة عادت إلى الظهور من جديد مما تسبب في فتن عدة جرت إلى كوارث ومحن قعدت بالإسلام وأوقفت تقدمه، ثم جرت إلى ضياع الأندلس مع أشياء أخرى.
4 هل كان يسمى مسجد تونس بجامع الزيتونة: نجد قصة طريفة في سبب تسمية هذا المسجد بجامع الزيتونة ذكرها الوزير السراج وهي: وأخبرني بعض إخواني عن سيدي سعيد الشريف رحمة الله تعالى (-1113) أنه حدثهم أن نوحاً عليه السلام لما كان في السفينة على الطوفان وقفت به يوماً وسط البحر فأوحى الله إليه أن تلك بقعة يقال لها: جامع الزيتونة.
فلما دخلها الصحابة وحدوا الرهبان في صومعتها لأن صومعة الجامع قديمة كانت للرهبان..
وكان قبلة الصومعة محل محصن بالحجارة والشوك فسأل الصحابة أولئك الرهبان عن سبب ذلك، فقالوا لهم إنا كل ليلة من ذلك المحل نوراً ساطعاً لعنان السماء فرضعنا ذلك صوناً له من الكلاب أن يقذروا في ذلك المحل واتفق أن كان ذلك المحل هو المحراب، (الحلل ج?1 ص558 ط2) .
هذا ما جاء في الحلل السندسية في الأخبار التونسية وهو لا يتصل بشيء من الحقيقة التاريخية حيث جعل تسمية هذا المسجد الجامع منذ الطوفان مع أن تسميته بجامع اليزتونة غير متعارفة في القرون الولى بل المعروف أنه مسجد تونس، ثم إن تلك القصة لا تتصل بالحقيقة بل هي من نسج الخيال.
ثم إنها كلها عليها أثواب الوضع ونشك في نقلها عن الشيخ سعيد الشريف فإنه كان محدثاً راوية والرواة من أهل الحديث لا ينقلون شيئاً إلا مسنداً وسعيد الشريف هذا توفي سنة (1113) كما في إتحاف أهل الزمان لا في سنة (1112) كما في شجرة النور الذكية.
وإذا تتبعنا كتب التاريخ ثبت لدينا أن هذا المسجد لا يسمى بجامع الزيتونة وإنما يعرف (بمسجد جامع تونس) .
ذكر أبو العرب في الجزء السابع الذي خصه بذكر علماء تونس في ترجمة زيد بن بشر فقد روى حين وصفه بأنه أكرم الناس ما يؤيد كرامة نفسه: لقد حدثني سليمان بن سالم وغيره أنه انصرف ليلة من جامع تونس فانقطع شسع نعله فوثب إليه رجل حائك من حانوته أعطاه شسعاً فأصلح نعله وكان رجل معه يحمل قنديلاً فقال لحامل القنديل: قرب القنديل إلي فقربه منه فنظر إلى وجه الحائك ليعرفه فيكافئه، فكان كلما مر إلى المسجد ومعه الجماعة مال إلى الحائك، فيسلم عليه، ويسأله عن حاله شكراً للشسع الذي أعطاه.
(طبقات علماء إفريقيا لأبي العرب التميمي ص256 ط باريس وص226 ط تونس) .
وما جاء في طبقات أبي العرب جاء مثله عن محمد بن حارث في ضمن الطبقات التي لأبي العرب عند ترجمة أبي العرب ليحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري الذي دخل تونس.
قال محمد بن حارث كنت في جامع مدينة تونس مع بعض العلماء من أهلها فقال لي: "هذا الباب وأشار إلى باب مغلق لا يفتح هو باب يحيى بن سعيد وكان يدخل منه إذا كان بها"(طبقات علماء إفريقيا لأبي العرب ج?1 ص26) .
وإذا التفتنا إلى البكري أبي عبيد عبد الله الأندلس لا يذكر إلا أن ابن الحبحاب بنى الجامع بتونس قارناً لبنائه ببناء دار الصناعة.
ولما وصف بناءه قال: وجامع تونس رفيع البناء مطل على البحر ينظر الجالس فيه إلى جميع جواريه (المسالك ص37 وص40) .
وكذلك لم يسمه ابن عذاري المراكشي في كتابه البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب إذ يقول: وهو أي عبيد الله بن الحبحاب الذي بنى المسجد الجامع، ودار الصناعة بتونس (ج?1 ص51) .
وابن عذاري المراكشي من رجال القرن السابع (-695) وكان ينقل عن الرقيق الذي كان حياً سنة (388) .
والرقيق من أهل إفريقية قيرواني عليم بأماكن تونس وتواريخها فلو كان الجامع يسمى بجامع الزيتونة لذكر أنه جامع الزيتونة.
وإذا التفتنا إلى كتب المناقب القديمة التأليف لقدماء الصلحاء بتونس نجد كتاب أبي الطاهر الفارسي حين ذكر مسجد تونس لا يذكره إلا باسم جامع تونس دون جامع الزيتونة، فإنه حين تحدث على ما أحدثه الشيخ أبو محمد محرز بن خلف الصديقي المتوفى سنة (-413) يقول: قال أبو الطاهر: وأعظم شيء أذكره من كراماته الدالة على فضله وولايته أن القرآن كل يوم يقرأ على قبره، ويختم كل جمعة منذ توفي إلى الآن ثماني عشرة سنة، لا ينقطع يوماً لعلة من العلل، لا في صيف ولا في شتاء ولا في شدة ولا في رخاء ولا غير ذلك، وهو دائم إلى الآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن استنباطه رضي الله عنه بمقصورة الجامع الأعظم بتونس حزب السبع لا ينقطع في كل يوم إلى آخر الدهر.
وكان تأليف أبي الطاهر الفارسي في سنة ثلاثين وأربعمائة بعد وفاة الشيخ محرز بن خلف رحمه الله تعالى بسبعة عشر عاماً.