الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيَّان للإنسان عزّ وذلةٌ
…
إذا لم يساعده من الله رضوانُ
ومن كان للأيام غرًّا فسحبه
…
على غرِّها رزء الأيمة عنوان
عنيتُ بهم من كان لو وزنوا به
…
لكان لهم عنهم من الوزن رجحان
أبو الفضلِ مفتى المالكيّة قاسمٌ
…
وحسبك من ذكر به الدين نشوانُ
سراجُ بني المحجوب بل وبني التُّقى
…
وآل العُلا والعلم آية ما كانوا
فتى كانت الدنيا بعاطر صيته
…
كما فاح في وقت العشية بستان
فتى كان ملك العلم ذا همة به
…
وأبناؤه في رأس الدهر ذا تيجان
فتى كان في فتوى البرية مالك
…
وفي وعظها فوق المنابر سحبانُ
فتى كان مرتاحاً بسنّة جدِّه
…
ولكنّه في نصرة الحق ثعبان
فتى كان للدين الحنيفيّ حامياً
…
فلا الإنس يدنو من حماه ولا الجانُ
فتى كان للمظلوم أعظمَ راحمٍ
…
عليه من الرحمن عفو وغفران
فحق عليه أن يقول مؤرخ:
…
(يحق لمفت جل روح وريحان)
24
الشيخ أحمد البرانسي
هو الشيخ أبو العباس أحمد الثعالبي الشريف شهر البرانسي من ذرية غوث الله الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي المفسر دفين الجزائر من السلالة الزينبية الطاهرة وكان عالماً جليلاً من الراسخين في العلم المحتقرين للدنيا، يأكل من عمل يديه ويحترف بخياطة البرانيس ولذلك ينسب إليها ويغير المنكر من غير مبالاة، وحج بيت الله الحرام.
وبث علومه بجامع الزيتونة فأقرأ به مختصر السعد وكبرى الشيخ السنوسي في علم الكلام قراءة تحقيق انتفع به فحول الجامع ولما توفي الشيخ المكودي وتقدم لرئاسة أهل الشورى الشيخ قاسم المحجوب تقدم صاحب الترجمة مفتياً ثانياً.
ولما توفي باش مفتي المذكور قدم الأمير علي باي ابنه على صاحب الترجمة للرئاسة وقيت صاحب الترجمة في رتبته يزينها بعلمه ودينه مع كون عموم الناس يعتقدونه، ولصالح الدعا يرجونه، إلى أن توفي في سنة 1197 سبع وتسعين ومائة وألف ودفن تحت برج القرجاني ورثاه أحد شعراء البلاد بقوله:
فقف للدعا واستوقفنَّ ذوي الهدى
…
وكن قارئاً أم الكتاب مردِّداً
وعظ واتعظ وانهض لما هو نافع
…
لنفسك في الأخرى عسى أن تؤيَّدا
فماذا عسى أن يبلغ العمرُ بالفتى
…
ولو طال ما قد طال لا بد يلحدا
فأين الملوك المالكون وملكهم
…
وأين ذوو الفاقات ما لم يوددا
تساوى بهذا المصرع الخلق كلّهم
…
فم يدر ذو ذل ومن قد تمجّدا
فيا فوز من قد قدم البرّ للِّقا
…
كهذا الذي أضحى بذا القبر مغمدا
هو الورع المفتي الإمام البرانسي
…
يسمى أبا العباس أحمد في الندا
فقد كان في الفقه المعظم مالكاً
…
وحبراً تقياً زاهداً متعبدا
وفي كل علم كان أعظم آية
…
وفي الدين سيفاً قاطعاً لمن اعتدا
فقد كان شهماً واسع الخلق في الورى
…
وكان لجفن الدين والشرع إثمدا
وما قوله يبدو وهوى وهو موعظ
…
فيرضيك مغلوباً وقد كنت ذا اعتدا
وكان رفيقاً بالمقلين متعباً
…
لإظهار حق الله والدين والهدى
فجازيه ربي بالرضى وبجبره
…
بجده يا ذا الطول والفضل والندى
ومتعه يا وهَّابُ بالنظر الذي
…
به تمت الحسنى لكل من اهتدى
وحقق رجا من قال أرخ لأحمدٍ
…
بأعلى علا الفردوس جاراً لأحمدا
25
الشيخ محمد المجحوب
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بفتح الميم الأولى ابن قاسم ابن الحاج المحجوب الشريف ولد في النيف والخمسين بعد المائة والألف، وتربى في حجر والده فأخذ عنه معقول العلوم ومنقولها، وتصدى للأخذ بجامع الزيتونة فأخذ عن أعلام العصر قرأ على الشيخ أبي عبد الله محمد الغرياني والشيخ أبي عبد الله محمد الشحمي والشيخ أبي عبد الله محمد بيرم الأول، وتصدى للإقراء على أسلوب غريب من أبدع الأساليب سلك به طريقة والده، وأجرى به للجهابذة أعذب موارده، ولما ختم المختصر الخليلي امتدحه تلميذه الشيخ أبو عبد الله محمد بن سعيد النجم بقصيدة مثبتة في شعره قال في مطلعها:[الطويل]
ألا من لصب قد براه هواه
…
فيذهب وجد حار فيه حجاه
ولما ظهرت له المزية تقدم للخطة الشرعية فولي الفتيا مع والده، وكان يومئذٍ قاضي باردو الشيخ منصور المنزلي آية الله في الذكاء والتضلع بمقتضيات الأصول والفقه حتى أولاه الأمير عاملاً على الوطن القبلي مع خطة القضاء بباردو ولما أعياه التشكي من عمال البلد المذكور وصار الشيخ يقضي بباردو صباحاً ويجلس بداره عشية لقبول نوازل عمله حتى فيل في ذلك من الملحون:
يا منزلي خذ الفلوس بزايد
…
في الصبح قاضي وفي العشية قايد
وبفقهه وتبصره كانت له مع الشيخ قاسم المحجوب والد صاحب الترجمة في المجلس الشرعي عدة منازعات، يستجيد موقعها في تلك الأوقات، ولما ولي الفتيا ولده المذكور حذره ترصد الشيخ منصور لكنه بذلك قد زاد اعتناؤه، وتفقه تفقهاً حمد مبدؤه وانتهاؤه.
ولما توفي والده تقدم لرئاسة أهل الشورى فكان رئيسها الذي لم يزل فخرها به يتلى، وجماله على تلك المنصة يجلى، وبذلك جمع له بين التعزية والتهنئة الشيخ محمد الغضبان بقصيدته التي قال في مطلعها:[الكامل]
ما للمدامع بالربوع تبدَّدُ
…
أسفاً ونيرانُ الأسى تتوقِّدُ
إلى أن قال فيها:
ولقد أقيم مقامه النجل الزكي
…
بدر الدجى المولى الهمامُ محمدُ
وهناه نجم الأيمة ابن سعيد بالقصيدة التي قال في مطلعها [الكامل]
حجبتْ سلوِّي عن هواك حواجبُ
…
ومعاطفٌ منها القلوب عواطفُ
إلى أن قال فيها:
سندي أبو عبد الإله محمّدٌ النير الأسمى الغمام الساكب
فخرُ المشاهير المحاجبةِ اللس
…
لهم النجومُ النيراتُ مناقب
وقد ثبت على صراط الفتوى، وزانها بالعلم والتقوى، وتقدم لمشيخة مدرسة علي باي الجديدة عند بنائها فأقام دروسها وأخذ عنه من نزلائها ووارديها، وكان عالماً أصولياً عاملاً حافظاً للمذهب المالكي عارفاً بأصول المدارك، وقوراً مهيباً، خبيراً بالسياسة الشرعية معتقداً كريماً صاحب عفة وصيانة، وكمال مرؤة وديانة، وكان الأمير حمودة باشا لا يأذن للمجلس الشرعي بالاجتماع بين يدية إلا بعد أن يتحقق حضور الشيخ المحجوب بحيث إنه يأذن شيخ المدينة بأن يقابل الشيخ أولاً فإن رأى عزمه على الحضور يعلم بقية الشيوخ من المالكية والحنفية وإلا لم يعلم أحداً. ولا يخاطبه إلا بالسيادة، ويحضر بموكبه العام بمنزله بسانية جبل المنار ويجله غاية الإجلال لمكان علمه وحفظه للمذهب. وله مع تلميذه القاضي إسماعيل في النوازل الشرعية وقائع تنبئ على غاية تضلعه وتثبته طالما انتصر فيها تلميذه بموافقة عموم المجلس من المالكية والحنفية فلا يلبث بهم الشيخ المحجوب أن يهدم جميع ما بنوه عند انعقاد المجلس بمحضر الأمير ويرجع إليه جميعهم بمرأى ومسمع من الأمير.
ومع كمال تضلعه لا يفتر عن المطالعة وكان يقطع الليل في المطالعة وينام بعد صلاة الصبح وكان يحضر في مجلسه ببيته جموع من الخاصة يقضون الليل في المسامرة عنده وهو مشتغل عنهم بالمطالعة. وكان ذا ثروة كريم الأخلاق معظماً عند الخاصة والعامة دخل يوماً على موكب وجد صدره قد امتلأ بمن ليسوا من جنسه فجلس إلى بعض الجوانب وأنشأ قائلاً: [الطويل]
ولما رأيتُ الصدر قد ضم معشراً
…
وجمعهم يزري وقولهم الوزرُ
تباعدت عنهم عفة وصيانة
…
وقلت لنفسي حيث كنتِ هو الصدرُ
وأرسل إليه الأمير محمود باشا بعد وفاة الشيخ حسن الشريف ليقوم مقامه في إمامة جامع الزيتونة فامتنع من ذلك وتعلل بالكبر وأشار على الأمير بتقديم أخي الشريف المذكور فصنع.
ولم يزل على كمالاته إلى أن أدركه الهرم حيث تجاوز التسعين سنة في عمره وتوفي يوم الاثنين السابع عشر من شعبان الأكرم سنة 1243 ثلاث وأربعين ومائتين ألف ودفن بتربتهم بالزلاج عليه رحمة الله ورثاه العالم الشيخ أبو العباس أحمد الكيلاني بقوله: [البسيط]
كأسُ الحمام لعمرُ الله قد هانا
…
من حادث مزَّق الأحشاءَ أوهانا
رزية لم تدع براً ولا جلداً
…
ولا حجا يتسحيل الصبر أحيانا
عجبت للشمس في الآفاق بازغةً
…
كأنها ما ردت تصديقَ ما كانا
عجبت للبدر يزهو في معارجه
…
كأنه ما رأى في الأفق نقصانا
نعيٌ لقد أدهش الألبابَ موقعه
…
وما وجدنا إلى السُّلوان أعوانا