الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة في التعريف بالآباء الكرام، والشيوخ والأعلام وما ألحق بذلك في هذا المقام
.
أعلم أنّ حفظ النسب من الأصول التي اجمع عليها المليون وفي الأثر عن ابن الخطاب رضي الله عنه تعلموا النسب ما تصلون به أرحامكم.
ويؤثر عنه تعلّموا أنسابكم ولا تكونوا كالقبط ينسبون إلى القرى وهذا الأمر الآن ليس خاصاً بالقبط، بل إنّ غالب الأنساب قد أتلفتها البلدان فترى الواحد ينتسب إلى بلاده حبّاً فيها وبتطاول السنين يتناسى آباءه فيضيع نسبه بهذا الوجه، ولذلك قال العراقي في ألفيته:[الرجز]
وضاعت الأنساب في البلدان
…
بنسب الأكثر للأوطان
ولمّا كانت العرب شعوباً وقبائل تراهم إنّما ينتسبون لآباء قبائلهم وأجداد عشيرتهم وبذلك حفظوا أنسابهم وكان النسابون بينهم كثيرين ثم إنّ البلدان ضاعت الأنساب وعادت النسب الأصلية إلى التراب وكانّ الجميع أخذ بقول الشاعر: [الطويل]
إذا كان أصلي من تراب فكلّها
…
بلادي وكلّ العالمين أقاربي
أما التفاخر بالنسب والتذمم بالألقاب فقد جاءت شريعة الإسلام بالنهي عن ارتكابه سيّما والنسب في نفسه لا يعتمد على فخره إلاّ ضعيف عاجز عن اكتساب فضل لنفسه، فيعود إلى العظام الرفاة، فيحتسب الفخر بذلك ومثل ذلك ليس من الحزم قال الشاعر:[الطويل]
لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه
…
على ما بدا من حاله لا ابن أمسه
وما الفخر بالعظم الرميم وإنّما
…
فخار الذي يبغي الفخار بنفسه
على أن كرم النسب في نفسه فضيلة لا تنكر إنّما الاعتماد عليها ليس من الحزم في شيء، ولا شكّ أن الحسب معه أكمل منه بدونه ولذلك كان الحزم والفضل في اكتساب المفاخر والمفاضل التي يسود بها الشخص من نفسه سواء كرم نسبه أو لأن فإن كان ذلك مع كرم النسب فإن ذلك اكمل له ولفضله، سيّما إن كان النسب لأكمل خلق الله صلى الله عليه وسلم الذي وقع الإجماع على أفضليته ولذلك قال اليوسي: إن إلقاء النسب جور والاقتصار عليه عجز والصواب ما قاله عامر بن الطفيل: [الطويل]
فإني وإن كنت ابن سيّد عامرٍ
…
وفي السرذ منها والصريح المهذّب
فما سودتني عامر عن وراثة
…
أبى الله أن أسمو بأم ولا أبِ
ولكنني أحمي حماها وأتقي
…
أذاها وأرمي من رماها بمنكبِ
والحاصل أن النسب فضيلة ومن العجز الاقتصار عليه ومع ذلك فحفظه واجب على كل حال، فلإن يكن الإنسان ثابت النسب في قوم كيف ما كانوا خيراً له من أن يكون داعياً في أعالي النسب، فما بالك به إذا كان ثابت النسب العالي لإغن ذلك لا ينبغي إهمال اعتباره. وبهذه الأسباب رأيت أن أجمع ما أمكنني الوصول إليه في التعريف ببيوت آبائي وأمهاتي مما نجمع به شمل الرحم الذي أوجب الله علينا صلته. وهو مقصد ألّف فيه كثير من الفضلاء منهم لسان الدين بن الخطيب ألّف كتاباً أسماه "المفاخر الطيبة في المفاخر الخطيبية"، وقد الّف شيخ الإسلام اليبرمي الثاني رسالة في النسب البيرمي على أنني لم نقتصر هنا على ذكر ى بائي خاصة بل أتبعت ذلك بالتعريف ببقية آباء روحي من أساتيذي رضي الله عنهم، ثم ذكرت نتيجة جميع ذلك بضبط ما أخذته من العلم على ضعفي وقصوري، ولذلك كانت هذه الخاتمة منقسمة إلى ثلاثة أقسام:
المبدأ
والمقصد والنتيجة. وها أنا أشرع في المبدأ المذكور متبرئاً من قصد المفاخر والميل إلى التباهي، والله المسؤول أن يعصم أقلامنا ويبت أقدامنا.
المبدأ
قد خصنا هذا المبدأ بذكر بيت آبائي وبيوت أمهاتي، إلى حيث أمكنني الوصول إليه من أصول نسبي الذي أوجب الله عليّ الاحتفاظ به وصلته، ولذلك نذكرهم هنا بيوتاً وانساباً وأرجو الله أن يحسن إليه مئاباً.
السنوسيون
والدي قاضي جبل المنار الشيخ أبو النور عثمان بن الكاتب الشيخ محمد المهدي ابن قاضي الحضرة الشيخ محمد السنوسي المتقدم الذكر ابن مفتي بلد الكاف الشيخ عثمان بن الحاج محمد بن احمد عرف بن مهنية من حفدة ولي الله الشريف سيدي عساكر بن ضيف الله بن محمد بن منصور القصوري صاحب الشجرة الشهيرة في الشرف، المعروفة عند من سلف وخلف، وسبق في ذكر المولى الجد سرد سلسلتها المباركة، وهنا نتيّمن بذكر ترجمة سيدي عساكر أداء لحق أبوته رضي الله عنه. أما اتصال نسبه بالحسن بن علي بن ابي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه امر مفروغ منه، وقد أخبرني والدي أن شجرة الشرف كانت بدارنأن وعند البحث تبيّن أن جميع سكان القلعة التي بها مقام الشيخ يتناقلون خبر شرفه رضي الله عنه، ويقولون إن اصله من المغرب الأقصى، وإن الشيخ سيدي عساكر والشيخ سيدي عبد الجواد والشيخ سيدي عبد الله بوكريشة الأولياء الثلاثة المدفونين بالقلعة المذكورة هم في النسب من بيت واحد. وبالبحث عن رسوم شرف أحد هؤلاء الثلاثة وقفت على شجرة تامة تتضمن أنّ الشيخين المذكورين من ذرية الشيخ سيدي منصور القصوري دفين سقبنارية قرب الكاف وذلك أنّ الشيخ له ولدان أحدهما سيدي محمد بفتح أوله وهو والد الشيخ سيدي عبد الله بوكريشة وأخيه سيدي مرزوق وهو جد سيدي عبد الجواد بن محمد بن مرزوق وأخيهما سيدي ضيف الله والد سيدي عساكر، فهو عساكر بن ضيف الله بن محمد بن منصور رضي الله عنهم، وجدهم سيدي منصور المذكور من أولاد بوعنان من بني مطهر وهو منصور بن إبراهيم بن محمد بن عامر بن موسى بن عبد الله بن عثمان بن بخت بن عياد بن ثابت بن منصور بن عامر بن موسى بن مسعود بن علي بن عبد المجيد بن عمران بن محمد بن داود بن علي بن عبد الله بن ادريس الأصغر بن ادريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شريف ثابت النسب. قدم من المغرب إلى تونس فصادف يوم وفاة الشيخ سيدي أحمد بن عروس صبيحة يوم السبت ثامن صفر الخير سنة 868 ثمان وستين وثمانمائة فوجد وصاية له من الشيخ يأمره فيها بالتوجه إلى الكاف للشيخ سيدي ابن حرز الله، فخرج إلى الكاف ثم إنّ الشيخ سيدي ابن حرز الله أمره بالخروج حول البلد فأقام هنالك إلى أن توفي ودفن هنالك بزاويته المشهورة ودفن بعده ولده محمد هناك، ثم تنقلت أبناء سيدي محمد المذكور إلى القلعة وبها ضريح سيدي عبد الله بوكريشة بن محمد بن منصور وسيدي عبد الجواد بن محمد بن مرزوق بن محمد بن منصور وأما الشيخ سيدي عساكر فقد خرج إلى خارج القلعة وكان صعب المراس، ولما توفي دفن بزاويته الكائنة خارج قلعة سنان، وهو من الأولياء المشهورين المنادى بهم في كل ملمة، وقد توسل بهم الشيخ سيدي عبد السلام الأسمر في بعض شطحاته حيث يقول: وعساكر والحلاجي، والحارثي وهنية.
ويقال له: سيدي عساكر بوعبانة، وذلك أنه بعد وفاته كثيراً ما يظهر حول زاويته ملتحفاً بعبانة سوداء وكراماته كثيرة محفوظة منها أنه خرج في بعض الأيام فأتى إلى زوجته السيدة خديجة سبعة رجال راكبين على أفراسهم وراموها بالسوء فحضر الشيخ في الحين فركبوا أفراسهم فأدركهم الشيخ، وأمسك الأعنّة السبعة قال على بركة الله فوقع الجميع في الأرض، والأسد يحضر إلى زاويته ولا يؤذي أحداً قيل إن أهل الزاوية كانوا مهما ذبحوا ذبيحة إلا تركوا الرأس والسقط للأسد فيحضر لأكلهأن وتراب الزاوية إلى هذا الوقت معدن للبركة فما وضع في طعام إلا بورك فيه، وسبب ذلك أن إحدى بنات الشيخ قدم عليها أضياف وقلّ عندها الطعام فأضافت شيئاً من تراب الزاوية فكفى ببركة الشيخ فاعتادوا ذلك، ولم يزل أمراً مجرباً إلى هذا الوقت يحضر لمناديه في بعض الأحيان بشخصه، تعرض قطاع الطريق لرجل هناك فقال عند ربي وعندك يا سيدي عساكر فحضر من حينه وافتكه من قطاع الطريق فرجعوا فراراً فطلبه الرجل فلم يجده رضي الله عنه.
وقد سبق ذكر التعريف بحفدة هذا الولي إلى المولى الجد في القضاة المالكية قدس الله أرواحهم وإنما نذكر هنا من بعده من أصولي الذين كان الغرض هو حفظ نسبهم فنقول: إنّ الجد المذكور قدس الله روحه كان له ثلاثة ابناء وهم الشيخ محمد المهدي والشيخ إبراهيم والشيخ محمد سميّ والده.
فأما أصغرهم وهو الشيخ محمد فقد ولد سنة 45 خمس وأربعون ونشأ بينيدي والده وتعاطى بعد العلم، وتقدم للإشهاد ثم ظهر له شغف بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتكف على دلائل الخيرات ولازم الصالح الشريف الشيخ علي محسن في مبدأ أمره مدّة طويلة، إلى أن اتفق له في بعض الأيام أن كان يقرأ دلائل الخيرات في بيته على عادته فيخرج من فيه نور اتصل عموده بسقف البيت فرأى أن ذلك من آثار الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ثم لازم أستاذه إلى أن ظهرت عليه حال وكرامات في خلوته مع القيام بظائفه الشرعية، وهو اليوم ممن سلم الناس من يده ولسانه مرابط في بيته لا يتجاوز بخروجه قرب الدار، وعليه سيما أهل الأسرار. وأمّا أخوه الشيخ إبراهيم فسياتي له ذكر وأمّا الشيخ محمد المهدي فهو جدي الأقرب وقد ولد سنة 1216 ست عشرة ومائتين والف وقد أرّخ ولادته عمه أحمد زروق بقوله:[مجزوء الرجز]
بشرى بمولود ورد
…
والدهر منه قد سعدْ
أتى الهنا يمناً وقد
…
صدّ العناعنا وردّ
أورد في إقباله
…
كلّ سرور إذ ورد
أقبل كالغيث على
…
محلٍ به الغيظ اتقّد
جاد به الدهر رضى
…
من بعد ما لجّ ولدّ
فقلت في تاريخه
…
تمّ السرور لولد
وارخه أيضاً بتاريخ ثانٍ وهو قوله: [الكامل]
ولد ابننا الأسمى النجيب محمدٌ
…
نجل العلا والفخر والتفخيمِ
في يوم تسع بعد عشرٍ هنّ من
…
رمضانَ شهر الله ذي التعظيم
من عام ست بعد عشر قبلها
…
مائتان بعد الألف في التتميمِ
ووالدته خديجة بنت قويدر ابن الحاج أحمد بن سليمان اللبّدي حفيد الولي المعروف بالعديسي بن عبيدة قرب الكاف، فوالدة جدي من بيت فضل وصلاح. ونشأ بين يدي والده وعمه فحفظ القرآن العظيم وحفظ المختصر الخليجي، وقرأ العلم الشريف على والده وعمّه والشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد البحري وغيرهم، وتفقه وقدمه الأمير محمود باشا لخطة العدالة غرّة شعبان سنة 1232 اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، فاشتغل بالتوثيق.
ولمّا أقام والده ببنزت قدّمه الأمير المذكور إماماً بجامع السويقة من البلد المذكور أواخر جمادى الثانية سنة 1234 ارب وثلاثين.
ولمّا رجع إلى تونس جلس للتوثيق حتى صار من عمد الموثقين وسافر مع عمّه شاهداص لقاضي المحلّلة. وتقّدم بعد والده لخطة الكتابة والوكالة على بعض الأوقاف.
وله في الأدب آثار من رقيق الشعر سافر لبلد الكاف مع عاملها أمير الأمراء فرحات قائد الجبيرة فكاتبه صديقه الشيخ الطاهر بن عاشور بما نصّه: [الطويل]
لقد كنت لا أرضى بطيب وصالِ
…
فها أنا راضٍ منكمُ بخيالِ
أيا سادة شطّتْ منازل قربهم
…
وبانوا فبانَ الصبرُ بعد كمالِ
هجرتم بلا عذر نأيتم بلا رضى
…
ضننتم ولو بالكتب والإرسالِ
وإنّي مع بعد الديّار متيّمٌ
…
على الودّ لم يأت السلوّ ببالي
أناشد عنكم كلّما لاح بارق
…
من الحيّ أو هبّت رياح شمال
أناجي اصفرار الشمس عند غروبها
…
أوّد لو أني لأنفاسها تالي
ولمّا نات داري وعزت مطالبي
…
تخذتُ كتابي معلّماً بسؤالي
فيا كتب يهنيك السرور بقربه
…
بعيشك بلغ لوعتي وملالي
تأدب إذا ما جئت حضرة عزة
…
فذاك مقام بالمفاخر عالِ
مقام من تمكن من سماء السعود بالفلك السمى، وحلّ من المفاخر بالحضرة الباهية السمّأن وحاز قصب السبق في ميدان الأدب والبلاغة، ونظم جواهر الألمعية في سلك المودة وصاغه، العلامّة النحرير، الفهامة الشهير المالك القلوب بخلاصة خلته الضارب في مرضاة الأخوة ما في صداقته ومحبته:[الطويل]
ففي كل قلب حبه متمكنٌ
…
وفي كل نادٍ ذكره فائحُ النشرِ
من اشتهرت محاسنه اشتهار الشمس دون غمام، وطلعت على الأفق مزاياه طلوع البدر التمام، حتى أشغلني مدحه عن ذكر اسمه، وأكتفى بالتلويح عن التصريح بوسمه:[البسيط]
لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة
…
وقدرك المعتلي عن ذاك يكفينا
أما بعد سيدي فلولا أن السلام تحية الإسلام، لكان مسبوقاً بتقبيل الأيدي ولثم ترب الأقدام، فأنشىْ سلاماً أرقّ من النسيم وألذ من مناولة النعيم، يجول حول ذلك الحمى الدائم عزه واحترامه، ويبث اشتياق صبٍّ نكدت بالبعاد لياليه وأيامه، ويليه تقبيل تلك الراحة الشريفة، ولثم الترب من تلك الحضرة المنيفة. أما السؤال عن جميع الأحوال، فهو غاية المطلوب وقصد الآمال، لا أخلف الله فيها عوائده الحسان لا زالت جارية على وفق المراد بجاه خلاصة ولد عدنان. فأما حال مضناكم المتيم بالهجر والبعاد، فلا يخفاك ما فعل به الشوق والنكاد:[الطويل]
فما حالُ عين غاب عنها ضياؤها
…
وما حال قلب بعدما فارق الصدرا
أسأل مآل ذوي الدعوات أن يعجل بالملاقاة في أحسن الأوقات، بجاه النبي والآل والصحب والزوجات، ويبلغك السلام الأتم من جميع الأحبّة خصوصاً من الشيخ أخي سيدي محمد، والأخ الودود سيدي الحاج الطيب أبي نمرة، ودمتم في العز والأمان، والسلام من خديم جنابكم الرفيع عبيدكم محمد الطاهر بن عاشور لطف الله بالجميع.
وأجابه عن ذلك الجد بمكتوب قال في طالعته: [الطويل]
من الشرق لاحت درة ولآلي
…
تقبلها كل الورى بجمالِ
فأصبح من بالغرب في حلل البها
…
يتيه بفخرٍ شامخٍ وجمالِ
وعزت على لثم الشفاه بفضلها
…
فآمالنا ترنوا بغير ملال
سمت في العلا فخراً على كل فاضل
…
شذاها ومسراها معا بمجال
أشارت بأن الصب أضحى متيماً
…
يروم وصالاً فانثنى بمطال
فقد حان في أضعاف ما نال صبركم
…
من الشوق وانزاح السلو ببالي
ولم يُبقِ مني السقم غيرَ حشاشة
…
يروح بشبح مضنيٍ ومقال
وقالت مراسيل التوحش زمرة
…
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
عسى من قضى بالبعد يجمع شملنا
…
ويبدلُ هجرانا بطيب وصال
وراجعه الشيخ الطاهر بن عاشور مكاتباً بما نصه: [الكامل]
رجعتْ لسكنى القلب روح حياتي
…
مذ حلّ كتبك في فناء جهات
وارتاح مضنى طال ما سه الدجى
…
من فرْط شوق موقد الجمرات
فنشرته من بعد لثم ختامه
…
وتمرغِ الخدين والوجنات
ورأيت من علياه عِقدَ جواهرٍ
…
لم تحوهِ الأبحار في الصدَّفات
فنظامهُ مثل انتظام لآليْ
…
والنثر مثل تناثر الزهرات
كا لنَدِّ بلْ كالمسك ما قد فاح من
…
أرجاء تلك الأسطر البهياتِ
يا مهدياً نحوي رسائل ودّهِ
…
أفرطت في الاحسان والصدقات
وإليك روحي مع رسالة فكرتي
…
خذها مع التشريف والتحيات
من محب سقاه الهوى كاسات الهوى والهجران، وأنحى على الإقامة بساحة فؤاده ركاب الشوق والأحزان، فغدا بين الورى في حيرة وهيام، وما حال من استبدل طيبَ الكلام ببلاغات الكلام، إلى من كسته المحبة جلابيت العز والكرامة وألبسته المودة تاج المفاخر والفخار، فهو بدر سماء المحبة اللامع، وفريدة عقد المودة التي شعاعها ساطع، مُطلع الأبيات الشعرية ومرجع النكات الألمعية ومنبع اللطائف الأدبية والحائز فصاحة اللسانين بلا ريب المخصوص بأعلا رتب البلاغة ممن عنده مفاتيح الغيبى حبيبنا الأول، وأخينا الأجمل، وعلامة وقتنا الأفضل، أبي عبد الله سيدي محمد السنوني لا زالت المفاخر حائمة حول حماه الكريم، محفوفاً بحفظ يس والقرآن الحكيم، أزكى السلام، وأنمى التحية والإكرام، فقد ورد علينا ما شفى القلوب من وبالهأن وهدى الروح بمركزها بعد ضلالهأن كتابك الزكي بهواؤه، اللامع سناؤه، فتشرف منه العبد ببديع نظامه، وقبل الأرض تكريماً إذ كان وسمك الشريف مركز ختامه، تالله لقد علمت به علم يقين، لا علم تخمين، ما فعل القميص بيوسف إذ جاءه البشير فالحمد لله حمداً يوافي سلاماتكم والشكر له شكراً نتأهل به للفضل بنعمة ملاقاتكم إذ هي غاية المرام، ولو حصل لنا لكنا في غاية الإنعام، وما ذكرت لنا في الجواب فهمناه، فأما إلخ. ثم قال: هذا ولما عجزت عن مقابلة ما أتاني من الجواب، وقعدت عن الإتيان بمثل تلك الحباب، استعنت على ذلك الشان، بأعز الإخوان، وتحفه نجباء الزمان، أخينا فلان، ونطلب من فضلك، لا تزيد شوقاً بالبعاد، فإن اليوم عندنا بمنزلة يوم التناد والسلام من عبدكم محمد ةالطاهر بن عاشور.
وأجابه الجد عن ذلك بمكتوب كتبَ في طالعته قوله: [الكامل]
لعلا مقامك وانتعاش حياتي
…
فرح تراكم من جميع جهاتي
فسعدت حين انلتني ببطاقة
…
محفوفة بلطائف الزهرات
وظللت من فرحي بها لم أدرِ هل
…
ريح السرور أم اكتساب حياثني
فوضعتها لصقَ الجفونِ ليشتفي
…
ألمُ البعاد وتنجلي حسراتي
قبلتها سبعاً وطفت بكعبها
…
وجعلتها لي النثر بالميقات
وأخذت من حصباء درّ رياضها
…
ما قدْ رميت بموقع الجمرات
يا أيها العلم الذي في طيه
…
نشر العلوم ومدفع الأزمات
قل للمتيم بعد تقبيل الثرى
…
بتواضع وتمرغ الوجنات
ما كان إذ أعرضتُ عنك لحادث
…
يصبي الفؤاد وينجلي بثبات
كلاى وإني فيه صب مغرمٌ
…
متشخِّصٌ لصفاته البهيات
ولكم بذكر علاه ما هب الصبا
…
في الأفق والغدوات والعيشات
ذاك الذي أعلى يراعي برهة
…
ما صح منه لساقط العثرات
وعليكمُ منّي سلام طيب
…
يغشاكم بلطائف النسمات
وكان موثقأن ألمعيأن نحريراً أديبأن فاضلأن عالي الهمة، حسن المحاضرة، وجيهأن مع سعة ذات يده، أحدث عدة بناءات بتونس كلها حول العزافين قرب سوق النحاس، ومنها حومة السنوسي هنالك فإنها سميت باسمه. وسافر مع أمير الأمراء فرحات قائد الجبيرة، وبه مبادي مرض فاشتد به فرجع واقام على فراش مرضه بمرض الاستسقاء، وتوفي قرب زوال يوم الجمعة خامس صفر الخير سنة 1279 تسع وسبعين ومائتين وألف، عليه رحمة الله.
وأما والدي فقد ولد سنة تسع وثلاثين أو سنة أربعين ومائتين وألف، ونشأ بين يدي جده، وحفظ القرآن العظيم وألفية ابن مالك، وقرأ العلم أولاً على جده ليلاً فقرأ عليه بعض كتب المبادي مثل الأجرومية والقطر، ثم قرأ بجامع الزيتونة على الشيخ أحمد عاشور والشيخ محمد النيفر والشيخ محمد بن ملوكة والشيخ علي العفيف وغيرهم.
وتقدم للإشهاد في التاسع من ربيع الاول سنة 1255 خمس وخمسين ومائتين وألف، فاشتغل بالتوثيق، وعاقه عائقُهُ عن خدمة العلم على الوجه الأكمل، الإ أن اشتغاله بالتوثيق حصل به على ملكة في النوازل الفقهية، سيما وقد وُلِع بحفظ نظم جده حتى كان عارفاً بجميع مسائله. ثم اشتغل بالتجارة وتوسَع فيها وحج بيت الله الحرام عام 1269 تسعة وستين ومائتين وألف، وترافق لذلك مع العَالِمَيْن الشيخ الحاج عبد الله الدراجي والشيخ الحاج صالح النيفر، ورجع إلى تجارته. ثم لَازَمَ الإشهاد بعد وفاة والده، وشهد على أوقاف المنعمة عزيزة عثمانة، وسافر للساحل في بيع غلة الوقف أواخر سنة ست وثمانين ومائتين وألف. وعند إيابه هنأني العالم الماجد النحرير الشيخ سيدي محمد ابن الخوجة بقوله:[الكامل]
طربت يراعي للقدوم فبادَرَتْ
…
تأتي بكل غريبة الإنشاءِ
علماً بِأَنْك أميرُ كل يراعة
…
فلذا تُوالي خدمة بوفاءِ
هذا اليراع يهزُ عطف مسرة
…
وهو الجماد فكيف بالأحياء
لاسيما القُرَبَا وأهل مودة
…
فقد ارتَوَوْا من عذب راح هناء
فهمُ سكارى راح بشر عتقت
…
يتمايلون مميل ذي الِإغفاء
ولديهمُ يوم اللقاء كأنَه
…
عيدٌ بَلى أسنى بدون مِراء
لا زال ماءُ البشر دوماً وِرْدَهُم
…
يتمتعون به بلا أقذاء
وشهاب افق العلم فيهم نيرٌ
…
لايعرف التنكيس في الإخفاء
ذاك الحبيب الماجد الفذ الذي
…
سبق الفحول على زمان فتاء
حيث البلاغة كلّها مجموعةٌ
…
في شعره السّامي على الزهراء
خذها أبا عبد الإله ذميمة
…
خرجت على كره من استحياء
خجلَتْ وحُقّ لهل لأجل شهودها
…
بدرَ السماء بمهجة شوهاء
لكنها قدمت لأنك سيد
…
ذو شيمة تقضي على العوراء
من معشرٍ سَادُوا على كل الورى
…
بديانة وفضائلٍ وعلاء
لا زال طير الحمد يبدي ذكرهم
…
عند الملا في دوحة العلياء
ولازم الإشهاد بعد ذلك، ولما توفي الشيخ علي بن محمد الطويبي قاضي جبل المنار عشية يوم الاثنين قدّم المشير الثالث محمد الصادق باشا باي والدِي المذكور قاضياً بجبل المنار وإماماً وخطيباً بجامع سيدي أبي سعيد الباجي صبيحة يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1299 تسع وتسعين ومائتين وألف، وقدّمه شاهداً على عموم أوقاف تلك الجهة، وقدنقش في ختمه بيتاً وهو:[الوافر]
لطيفاً في القَضَا باري النُّفوسِ
…
بعونك جُدْ لعثمانَ السنوسي
وهو خامس من ولي خطة القضاء بالجبل المذكور وذلك أن أول قضاتِه هو الشريف الشيخ عثمان دمدم وليها بسعاية محمد خوجة كاهية حلق الوادي، وهوالذي أقام ته بجامع المكان منبراً. وبعد وفاة الشيخ عثمان ولي عوضه خطتي القضاء والإمامة الشريف الشيخ علي بن محمد التميمي، وبعد وفاته وليها ولده الشيخ محمد التميمي، ثم استقال، فخلفه صهره الشيخ علي الطويبي سنة 1278 ثمان وسبعين ومائتين وألف، والآن صارت إلى والدنا المذكور بسأل الله لنا وله الإعانة على ما يرضيه. وعند ولايته الخطة المذكورة كتب إليّ الأديب البارع الثقة الشيخ الحاج محمد سيالة مهنياً بما نصه:[الكامل]
الفرع مهما طاب أصلاً لم يزل
…
يسعى ليحرز ما به الأصل اكتمل
فتراه ذا حزم وعزم ما نَبا
…
حَدَّاهما لو كلفا صعب العمل
وبذا يسود وَلَا يزال إذا ارتقى
…
للرتبة العليا لأعلى ينتقل
إذ ذاك يحظى سلكهم بفريدة
…
يزداد إشراقاً بها عند الأوَل
فيزان جيد زمانه بفضائل ال
…
حَبْرِ الأجَل ابن الأجل ابن الأجل
وبذاك يصبح ثم يمسي داعياً
…
لكمالهم بتسلسل لا ينفصل
الفاضل الذي جمع أشتات الفضائل والفواضل، والكامل الذي لا يدرك شأوه مناضل، خلاصة الألبأن والطلع من كنوز المعارف على المخبأ من استعبد حر الكلام بسن اليراع، وشرع حد ذكائه على جيش الفصاحة والبلاغة فأطاع، فاقتحم كل شِعب من شعوب الآداب، واقتفى أثر كل شاردة وضالة من كل فدفد، فأصبح وهو المالك لأزمّة البراعة، وضرب له بالسهم الأكبر من الغنيمة التي هي أشرف بضاعة، كيف لا وهو الذي جد فوجد، وزرع فحصد، وصال فذلّل الحرون الشَّموس، وقال فصيّر سُهَا المسائل كالشُّموس، أعني الأخ الذي طالما تنزهت في رياض آدابه، وعانقت خرائد المعاني بين سطور كتابه، واتخذت من بنات أفكاره أنسي، ولأت من سلسبيل رضا بها كؤوسي، سيدي وأخي الشيخ محمد السنوسي، لا زال بدر سعادته دائم الكمال، محفوظاً بعين عناية ذي الجلال.
أما بعد إهداء ما يليق بمقامكم الأسنى، من التحية الحسنى، فإني قد بشرت بما شنف آذاني وأفعم بالسرور جَناني، من أن الهمام الفاضل واسطة الأمجاد الأفاضل، من شرفت أقدامه قلل المعاني بالفرع، وقلد الدهر بدرر مفاخر أصله والفرع، الجامع بين تليد المجد والطريف ذا الحسب الباذخ والنسب الشريف، فرع الفضلاء الأعلام ووالد نخبة الكرام، المعني بالكلام، والدنا الشيخ سيدي عثمان السنوسي قد شرف ركابه منصب القضاء بجبل المنار، وبشرت بما سينهلّ به سحابه من العدل هاتيك الديار، حملتني كثرة السرور التي تعلمها من غير ذلك ما أبديتها من سكنى الدّر بانيها وإعطاء القوس باريها بعد أن هنات نفسي بنفسي على أن أقدم لكم التهنئة قبل أن تقدمها إليّ وإن كان هذا الفرض قد وجب عليكم قبل أن يجب عليّ، حيث إن حبل المودّة بيننا متين، وصدق المحبة جعلنا توأمين بلامين، مع أنك فزت بقرب الدار من الملاذ المشار إليه، ولكن استواء الحب حكم بسقوط التكليف على ذويه، وحينئذ فهنئتك أيّها الأخ بالرتبة السنية التي أمت رحابكم، وانتهى بها التفتيش على كفء لها إلى أن طرقت بابكم فوجدت من هنئت بقبوله لها وتشبثت بأذيال من يكسوها حلل الفخر والبها فجعلها الله مقرونة باليمين والإقبال، مبشرة بنيل الآمال فاتحة لإدراك ما حازته الأوائل من الرتب السنية والشرف الكامل ورزق من لاذت به الإعانة على الدوام حتى يتوج القضايا بالنقض والإبرام ويبلغ بحسن السيرة وصفاء السريرة المرام. ويشاهد كما شاهد حسن المبدأ حسن الختام، والسلام من ودودكم وحافظ عهودكم الحاج محمد سياله لطف الله بالجميع في ربيع الثاني 1299 تسع وتسعين ومائتين وألف.
وبموجب ولايته خطة الإمامة والخطبة بعثني على إنشاء خطب مستجدة للأسابيع وقد جمعها ديواناً وقد سبق أنّه هو الذي اعتنى بجمع مآثر جده العلمية، جزاه الله خيراً. وقد سافر إلى بلد الكاف وبحث عن أصول شرفنا وأقام شهادة في ذلك، ضمّها إلى وفيات قديمة عندنا وجدّد بذلك شجرة أثبت فيها شرفه فكتب فيها نقيب السادة الأشراف بالحاضرة كتابة بديعة هذا الحمد لله الذي أظهر الطلعة الأحمدية نيراص أعظماً وأمدّ من نوره بمزيد عنايته به بدوراً وأنجمأن فاشرقت به ىفاق الجهل الحوالك واتضحت به الطرق والمسالك وجعله مرشداً للنجاة محذراً من المهالك وفتح به للنجاح والعلاج قلوباً وأبصارأن وجعل له من قرابته وعشيرته حماة لدينه وأنصارأن وأبرزه للخلق رحمة وشفأن وخصّه وأهل بيته الشرفا بالسؤدد مع الصدق في القول والوفا وأجزل عطيتهم وتكريمهم وأوجب على الخليقة توقيرهم وتعظيمهم على لسان نبيه المرتضى ورسوله المجتبي بقوله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا الموّدة في القربى) والصلاة والسلام على سيدنا محمد تاج مفرق المعالم وسيّد ولد آدم، وعلى آله وصحبه وكل من اهتدى بذلك المنار وانتسب لذلك الجناب.
أمّا بعد فإن من تعلّق بالنبي عليه الصلاة والسلام واتصّل بحبله سببه، وحرّي أن يحرز القصبات ويركب سفينة النجاة ولو كان من أولاد البنات على ما يرشد بارئ البرية وواجب العطيّة بقوله:"ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريّة" واسم الذريّة يتناول أولاً البنات كما نقل عن الحنفية والمالكية في باب الوقف والوصية وآل بيته عليه الصلاة والسلام هم علي وفاطمة وأبناؤهما رضوان الله عليهم، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج النبي عليه الصلاة والسلام ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلهأن ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:"يوجد آية"، وللترمذي وقال حسن صحيح عن أم سلمة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام جللّ على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله قال: إنّك على خير، وفي رواية فجئت لأدخل معهم قال فكأنّك وأنت على خير أنت من أزواج النبي. وفي قوله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت الآية دليل على اعتنائه تعالى بهم وإشارة إلى عليّ قدرهم حيث أنزلها في حقّهم لا تشمل غيرهم معهم كما يستفاد ذلك مما فعل عليه الصلاة والسلام بهم حيث سوى بينه وبينهم في دخوله الكساء معهم فمن اقترف من ذريّته عليه الصلاة والسلام شيئاً من الوزر يرجى أن يتدارك بسبب التطهير إمّا بإلهام المثوبات أو بأنواع المصائب ونحوها من المكفرات كعدم إنالتهم ما ناله غيرهم من الحظوظ الدنياويات، وآخرها الشفاعات النبويات. وناهيك في علو قدرهم سلام الله عليهم، فقد نقل عن جماعة من المعبرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "يوجد آية" فياسين ومحمد مثل يعقوب وإسرائيل، ومن اختصار الزاهرات الوردية بالفتاوي الأجهورية ما نص: وسئل عن الشريف أفضل أم العالم فأجاب الشريف أفضل من حيث النسب ولمذا كانوا عنده بهذه المكانة أوجب على كل مسلم مبتهم وموالاتهم وحرم عليه إهانتهم وإذايتهم، فالمخلص في المحبة لجدّهم يعفو عنهم إن آذوه معاملة له كما حكي عن إمام دار الهجرة مالك بن انس رضي الله عنه لما ضربه جعفر بن سليمان العباسي وكان أميراً بالمدينة ونال منه ما نال ظلّ مغشياً عليه فلما أفاق قال أشدكم عليّ أنّي جعلت ضاربي في حل فسئل عن ذلك فقال خفت أن أموت وألقى النبي عليه الصلاة والسلام ما سمي ما أن يعذب بعض آله بسببي. وبالحقيقة لا يكون من المؤمنين من لم يجد رسول الله وذريّته إليه من نفسه أحب وأعز عليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين. ومن علامة محبته عليه الصلاة والسلام محبة ذريّته وإكرامهم والإغضاء عن انتقادهم، فما انتقد ذرية محمد محب محمد قطّ، فهم قوم شرّف الله أخلاقهم، فلا تغلب عليها أفعالهم كغيرهم، فمن ترى فيه المخالفة من أهل بيته عليه الصلاة والسلام فإنّما نبغض أفعاله فقط، وأما ذاته فلا نبغض لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام:"فاطمة بضعة منّي" ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكون بواسطة بضعة منه عليه الصلاة والسلام، ألا ترى قول عمر لعلي رضي الله عنهما في خطبته لأم كلثوم بنت فاطمة إنّي أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان من يشاهد اليوم من ولدها فهو بضعة من تلك البضعة ولو تعددت الوسائط. قال الشيخ محي الدين بن العربي: لا ينبغي لمسلم أن يذمهم بما وقع منهم أصلاً لأنّ الله طهرهم وليعلم الذّامّ لهم ان ذلك راجع إليه ولو ظلموه، فذلك الظلم هو في زعمه ظلم لا في نفس الأمر وإن حكم عليه الشرع بأدائه، بل حكم ظلمهم إيان في نفس الأمر يشبه إجراء المقادير على العبد في نفسه وماله وما يحبه بالأمور المهلكة كأن يصاب في نفسه أو يحرق ماله أو يموت بعض أحبابه، وهذا كله ممّا لا يوافق غرضه، ولكن لا يجوز له أن يذّم قدر الله وقضاءه، بل ينبغي له أن يقابل ذلك بالشكر فإن نزل عن هذه المرتبة فبالرضى والتسليم، فإن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر فإن في طي ذلك نعما لهذا المصاب هكذا ينبغي للمسلم أن يقابل جميع ما يطرأ عليه من آل البيت في ماله ونفسه وأهله، فعفونا عنهم فيما أصابوه منّا تكون لنابه عند الله اليد العظمى والمكانة الزلفى فقد طلبت منا الموّدة لهم، ومعناها
الثبات على المحبة في كل حال، فمن اتصف بالموّدة لهم لم يؤاخذهم لما يطرأ في حقه منهم، بل يتركه محبة وإيثارأن إذ كل ما يفعل المحبوب محبوبه. وروى أن الحسن تلا قوله تعالى:"يوجد آية" ثم قال: إنّ الحسنة مودّتنا أهل البيت وقال محمد ابن الحنفية في قوله تعالى: "يوجد آية" لا يكون المؤمن إلاّ وفي قلبه ودّ لأهل البيت لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وأهلي أحب إليه من أهله، وقال عليه الصلاة والسلام:"أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن، وقال عليه الصلاة والسلام": حب آل محمد خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة وقال عليه الصلاة والسلام: أنا شجرة وفاطمة حملها وعلي لقاحهأن والحسن والحسين ثمرهأن والمحبوبون لأهل بيتي ورقتهم في الجنة حقاً حقأن وقال عليه الصلاة والسلام: لا يحبنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي، وقال عليه الصلاة والسلام: اشتدّ غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من آذاني في عترتي. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه دخل عليه عمه العباس فقال: يا رسول الله إنّا لنخرج فنرى قريشاً يتحدثون فإذا رأيونا سكتوا فغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام ودرّ عرق بين عينيه ثمّ قال: والله لا يدخل الجنة قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله وقرابتي ثم قال أيّها الناس من آذى عمّي فقد آذاني، وقال لو أنّ رجلاً صفّ أي جمع قدميه بين الركن والمقام فصلّى وقام ثم لقي الله وهو مبغض لآل نبيّه دخل النار، وقال صلى الله عليه وسلم: من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث إمّا مريب أو منافق أو حملت به أمّه من غير طهر، وقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الرجل عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله مّما اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت وروي في قوله تعالى: "يوجد آية" أي عن ولايته أهل البيت، والمعنى أنّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي عليه الصلاة والسلام أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والمؤاخذة بذلك وعنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال: من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله، وقال عليه الصلاة والسلام: إنّ الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم، وقال عليه الصلاة والسلام: رأيت ليلة الإسراء مكتوباً على أبواب الجنة والنار أذذل الله من أهان أهل البيت، إلى غير ذلك من الآيات والآثار الدالّة على منقبتهم السميّة، وسمو رتبتهم العلية، ممّا لو تتبعناه لأفضى بنا إلى التطويل وحسبنا الله ونعم الوكيل. وفيما ذكرناه كفاية لمن أناب، وليتذكر أولو الألباب.
هذا ولمّا اطّلعت على هذه الشجرة الباسقة وانتظامها في سلك السادات الأشراف وعقودها المتناسقة، ثبت عندي بمقتضاها شرف الثقة الأعدل الأبر الشريف السيّد الحاج عثمان بن الأكتب النحرير الشريف السيّد محمد ابن العلاّمة العامل المؤلف الشريف السيّد محمد السنوسي قاضي الجماعة بتونس ابن العامل الفاضل الشريف السيّد عثمان المفتي ببلد الكاف ابن الناسك الأبر الشريف السيّد الحاج محمد بن الوجيه الصفوة الزكي الشريف السيّد أحمد عرف بن مهنية أحد حفدة الولي الصالح البركة الشريف السيّد عساكر دفين قلعة سنان من عمل كاف رضي الله تعالى عنه وأرضاه آمين، ولذلك أطلقت لسان الشكر على ما لأهلها من الأنتساب، إلى رفيع ذلك الجناب والله يبلغ المأمول، وبالمعاملة والقبول. قال ذلك وحرره الفقير إلى مولاه الغني به عمن سواه عبده محمد العربي البشير الإدريسي الحسني الشريف نقيب السادة الأشراف بالحاضرة التونسية وقطر إفريقيا عامله الله بألطافه الخفيّة آمين بتاريخ الثامن عشر من قعدة الحرام عام 1296 ست وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية.
وكانت وفاته ليلة الأحد الرابع عشر من ربيع الأوّل عام ثلاثة وثلاثمائة والف ودفن بمقبرة القرجاني بجوار والده وجدّه قاضي الحاضرة ورثاه بما نقش على قبره العالم الماجد المدّرس الشيخ سيدي محمد جعيط بقوله: [الكامل]
طلب الحياة هدى النفوس القاصرة
…
ما العيش إلاّ عيش دار الآخرة
دار الغرور فما تدوم على صفا
…
بل لا تزال على النواء بسافرةْ
إنّ التقيّ من امتطاها قاصداً
…
دار الجزا ذات القصور الفاخرةْ
كالفذِّ عثمان السنوسي من له
…
بالذكر في الأسحار عين ساهرةْ
قاضي لدى جبل المنار ومن غدا
…
بالحقّ للأنامِ أوامرهْ
وخطيبه اللسن الذي من وعظه
…
للخير قاد ذوي النفوس النافرةْ
وهو الشريف ومن سما في خطة الت
…
وثيق ما في العصر شخص ناظرهْ
أبدى فتاوي جدّه في نظمه
…
في لقط درٍّ في البحور الزاخرةْ
يا من يؤم ضريحه قف سائلاً
…
رضوان خالقه له في الآخرةْ
وانظر إلى عبر الذين مضوا وقد
…
حازوا من الذكر الحميد مفاخره
حتى ترى في خير تاريخ حوى
…
(قاضي المنار جوار قاضي الحاضرة)
ورثاه العالم الماجد الأكتب الشيخ سيدي حمودة تاج بقوله: [الكامل]
فوض إلى الله الأمور وردّد
…
فاجع العلا والمجد دون تردد
ياحبّذا رجل يقضّي يومه
…
مستوفزاً يزداد زاداً للغد
ما أمر ذي الدنيّا ولا لذّاتها
…
إلا كطيف زار مقلة أرمد
أو ما فقدت بها أبا النورين عث
…
مان السنوسي ذا التقى والسؤدد!
من بعدما زان المنابر والمزا
…
بر شائداً لبناء ذاك المحتّد
وقضى على جبل المنار فشاهدوا
…
عدلاً جبلياً كحدِّ مهّند
والعلم والعمل الرفيع إذا هما أج
…
تمعا بشخص حلّ أشرف مقعد
فأنا أرى ذا الرمس حول جنة
…
منحوتة من عسجد وزبرجد
فأرى لها وأختار وقتاً صالحاً
…
لرحيله لسنى النعيم السمد
وبعيد غيبته أتى تاريخه
…
حضر الجنان بأمر يوم المولد
ورثاه الأديب الأبرأن والدّرّاكة الألمع الشيخ سيدي أحمد أديب المّكي بقوله: [البسيط]
أقبر عثمان فيك العلم والطيب
…
ومن به ظهرت فينا الأعاجيبُ
قاضي المنار الذي باهت بمحتده
…
ما في الوجود من الناس الأعاريبُ
ثوى ببطنك فاستجرى محاجرنا
…
دمع له الدهر تصعيد وتصويب
وبالضمائر منا كل ما ذكرت
…
أبناؤه الغرُ إضرام وتلهيب
بكاه منبره السامي ومن حسنت
…
بحكمه فيهم دقت أساليب
وودَّ كلُ حبيب لوفدته به
…
مخالب الحادث السود الغرابيب
وغير مجدٍ لأن الخلق أجمعهم
…
في ذا السبيل لهم سير وتأويب
فيا ضريحاً به قد فاز لا برحت
…
تسقيك من رحمة البار أنابيب
وترتضي ألسناً قالت مورخة
…
(أقبر عثمان فيك العلم والطيب)
وورثاه الأديب الأبرع، المتفنن الأبرع الأكتب الماجد الشيخ سيدي البشير الأكودي بقوله:[الكامل]
لا تجزعنَّ فكل شىْ فان
…
واصير لحكم مكون الأكوانِ
أين الفرار من الحمام وهوله
…
أين الفرار ولات حين أوان
قدم لنفسك ما استطعت من التقى
…
زاداً لترحل كل أتٍ دانٍ
فإذا فعلت لقيت ربك سالماً
…
سكنت فضلاً جنة الرضوان
كالشيخ عثما السنوسي الذي
…
من فقده دمع المنابر قانٍ
فضلاً عن الأبناء والأحباب وال
…
إخوان والأعمام والجيران
قد كان ذا وعظٍ يحرك وجد من
…
في قلبه حظ من الايمان
وقضاؤه بالعدل كم أجراه في
…
علمِ المنارِ بمحكم التبيان
وعفافه وتقاؤه لا يمكن التع
…
بير عنه بخاطر ولسان
ذاك الشريف ابن الشريف ابن الشري
…
ف المعتلي شرفاً على كيوان
سحّت عليه هواطل الرحمات من
…
ربٍ رحيم مشفقٍ رحمان
وله الهناء بما لديه من الرضى
…
والصفح والغفران والإحسان
وكفاك فال جاء في تاريخه
…
هنئتم ُعثمان بالجنّان
ورثاه العالم الماجد الأكتب ابن عمه الشيخ سيدي محمد بن إبراهيم السنوسيّ بقوله: [الطويل]
ألا في رضى الرحمن تسعى الأفاضل
…
فتباً لمن عن ذلك السّعي عادلُ
وتعساً لمن لا يوقظ الوعظ قلبه
…
ويزعم أنّ الرشد ماهو فاعلُ
فلا تغترر يا صاح فالموت عبرة
…
وكلّ امرئ إلى الموت آيلُ
وإيّاك والدهر الخؤون فإنّه
…
يزخرف للإنسان ما هو باطل