الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجرُّ أشتات الشوارد فكره
…
شبه العتاق تقاد بالأرسان
فإذا ظفرت بغرِّ تحريراته
…
فاشدد يديك على فريد جمان
أسفي عليه كما انتفعت بقربه
…
ورأيت شخص الفضل رأي عيان
وذهبت عطشاً فالمورد علمه
…
ورجعت منه بحالة الرَّيان
فيحق لي فيه التفجع والرِّثا
…
جهد المقل وحيرة الولهان
علّي أكون من الحقوق مؤديّا
…
بعضاً وهل لي بالوفاء يدان
خطب دهى قلبي فسحَّتْ أدمعي
…
يجري لريّ للثَّناء لساني
إن كان في فن البلاغة قاصراً
…
باعي ولستُ به من الفرسان
وغدت معاني ما أفوه بنظمه
…
أولى ففيه من حلاه ثواني؟
جازاه ذو الجود العميم بفضله
…
وسقاه صوب سحائب الرضوان
بالمصطفى خير البرية جدّه
…
طه المشفَّع رحمة المنَّان
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما
…
بكت السماء وحنَّ قلبٌ عان
والآل والصحب الكرام وتابع
…
ما ناح قمريٌّ على الأفنان
شيخي أبا عبد الإله تصدَّعت
…
منا القلوب لحادث الفقدان
لكنه أمر الإله وحكمه
…
سبحانه الباقي وكلّ فان
فالله يجبر صدعها وينيلها
…
أجر المصاب بجوده الهتَّان
قد كنت لي بدراً فغبت فأظلمت
…
لمغيب ضوئك منيَّ العينان
حسبي الدعاء بأن تكون منعماً
…
بالفوز والرضوان وسط جنان
وأقول إذ ليلي بتاريخي دجا
…
نلت المنى من ربنا الرَّحمان
36
الشيخ سليمان المحجوب
هو الشيخ أبو الربيع سليمان بن عمر بن قاسم ابن الحاج المحجوب الشريف المساكني وهو المفتي ابن قاضي المسلمين وحفيد كبير أهل الشورى من السادات المالكية وابن أخي كبير أهل الشورى أيضاً وابن عم المفتي المالكي وابن ابن عم القاضي المالكي فهو ثالث سلسلة آبائه وسادس آل بيته في الخطة الشرعية وهو أخرهم من كنانتهم ناهيك من حسب زانه شرف النسب.
وقد أخذ العلم عن والده الشيخ عمر المحجوب وقرأ على عمه الشيخ محمد المحجوب والشيخ أبي محمد حسن الشريف وغيرهم.
وتقدم بعد والده لمشيخة المدرسة المرادية غير أنه عاقه عائق الإشهاد لكنه كان من فحول الموثقين نسجاً على منوال آل بيته وكان فصيح القلم ومن يشابه أبه فما ظلم وبذلك استكتبه الأمير مصطفى باي وسافر معه بالأمحال المنصورة. وبعد ذلك ترقى في خطة الكتابة بديوان الإنشاء، وتصرف بفصاحة قلمه كيف شاء، وتدرج في مراقيها إلى أن صار كاهية لسان الدولة الأصرم.
وكان مع ذلك يقرئ في بعض الطالبين بجامع الزيتونة حتى أنه لما جمع الأمير حسين باشا المدرسين بالجامع وأمرهم بالإقراء حضر هو وأقرأ مختصر السعد وهو متعمم بعمامة مطروزة بالحرير غير أنه أرهقه دين تعسر عليه الخلاص من أوحاله حتى سجن ببيت الضياف بباردو إلى أن عزل من وظيفته.
وقام في كن بيته متجملاً بالقناعة إلى أن توفي ابن عمه فأرسل إليه المشير الأول أحمد باشا فحضر بين يديه بباردو لابساً اللباس الطويل لباس الكتابة وقدمه لخطة الفُتيا فلبس لباس الخطة الشرعية فوق لباسه الطويل وصار مفتياً خامساً في أواخر ذي القعدة الحرام سنة 1263 ثلاث وستين ومائتين وألف، ولما توفي الشيخ ابن سلامة صار مفتياً رابعاً، واستمر على ذلك ولازم القناعة والمحافظة على ناموس شرفه إلى أن حضر أجله فتوفي أواسط رجب سنة 1267 سبع وستين ومائتين وألف عليه رحمة الله.
37
الشيخ أحمد بن حسين القمار
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن حسين بن محمد بن حسين القمار الكافي ولد ببلد الكاف عام اثني عشر ومائتين وألف، ونشأ في رفاهية أهل بيته وكان آباؤه ذوي شأن يتولون الأعشار ونحوها من متعلقات الدولة.
وحفظ القرآن العظيم في بلده ثم قدم إلى تونس في طلب العلم، ونزل بالمدرسة السليمانية وقرأ على شيخها الشيخ الطاهر بن مسعود مختصر السعد والأشموني والخرشي، ثم تنفل لمدرسة جامع صاحب الطابع فقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي البخاري والمختصر الخليلي بشرح الدردير والسعد والدرة والبيضاوي، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي مختصر السعد والمحلي، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة الدرة، وقرأ عليه الأشموني ومختصر السعد. وقرأ بجامع الزيتونة على كثير من العلماء منهم الشيخ محمد بيرم الثالث ومنهم الشيخ حسن الشريف قرأ عليه الخرشي والأشموني بمدرسة حوانيت عاشور، وقرأ على الشيخ محمد المناعي والشيخ إسماعيل التميمي نبذة من شرح الشيخ عبد الباقي، وقرأ على المولى الجد الشيخ محمد السنوسي كتباً من المعقول والمنقول وقرأ مختصر السعد على الشيخ أحمد بن الخوجة نقل عنه أنه عرض لهم مبحث أطنب فيه السعد في مطوله ولما استوفى الشيخ تقرير كلام المختصر قال له بعض الحاضرين إن المطول فيه مسودة مهمة وناوله نسخة المطول فطالعها الشيخ وتريث قليلاً ثم قررها بجميع ما كتب عليها من المحشين وحسبك بذلك دليلاً على تحصيله.
ثم إن صاحب الترجمة آذنه الشيخ إبراهيم الرياحي بالإقراء بمسجد بالحلفاوين وكان فيمن قرأ عليه هنالك الشيخ حمدة بن عاشور والشيخ الطيب الرياحي وختما عليه الخبيصي وغيره وشرح المكودي على الألفية وأنشد بين يديه في الختم الشيخ الطيب الرياحي قصيدة مثبتة في شعره قال في مطلعها: [الطويل]
أحنّ إلى لقياكم جيرة السَّفح
…
عسى أن أداوي جرح قلبيَ بالشرح
ثم في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف قدمه الأمير حسين باشا قاضياً بالكاف وشاع له صيت في الفقه والإنصاف وله مراجعات مع شيوخ الحاضرة في كثير من المراسلات أنبأت على رسوخ قدمه في المعاملات وبعد حين ولي الإمامة والخطبة بالجامع الكبير كما ولي مشيخة المدرسة الحسينية هنالك وأقرأ كتباً كثيرة منها البخاري بالمدرسة والدردير بالجامع وكتب في النوازل الفقهية كتائب محررة.
ولم يزل صيت علمه يعظم وهو متلبس بالخطة المذكورة ببلده إلى أن توفي كبير أهل الشورى الشيخ إبراهيم الرياحي فرأى المشير أحمد باشا باي أنه لا يسد ثلمته المذكور، فأرسل إليه وأحضر المجلس الشرعي بباردو وقدمه من أول وهلة كبيراً لأهل الشورى في شوال سنة 1266 ست وستين ومائتين وألف.
وهنأه بذلك الشيخ أبو العباس أحمد بن أبي الضياف بمكتوب نصه: لم أقدر والله نهني الخطة أو نهنيك، وبماذا أثني عليك والذي ملأ الأكوان يكفيك، أبقدمك الموجب تقديمك، أم بحديثك الموجب حديثك، ومن لي بجامع كلمة العلم بعد انتشارها، ومقيل عثارها والآخذ بثارها، والمخلد لآثارها، علم التقوى، وعماد الفتوى، بل ركن العلم الأقوى، الذي أخذ رايته باليمين، أبي العباس أحمد بن حسين، رئيس فتوى المالكية بهذه الحاضرة التونسية لا زالت أراؤه سديدة، وتصرفاته حميدة، وأزمة النفع به مديدة، ميمونة سعيدة.
أما بعد السلام التام، المؤدي لحق المقام، كل ما حنَّ مشتاق إلى اللقاء ومال، وبلغ من ذلك الآمال وحمد غب الأعمال، فإن الإنسان كما علم سيدي أسير الأقدار، مسلوب الاختيار يلقبه الفاعل المختار، إلى كل ما يختار، وقد اختارك لهذا المنصب الشريف وهو أعلم باختياره، ولا ينازع في مقداره، وقدم على مصلحتكم مصلحة عباده، وهو أعلم بمراده، فطب سيدي نفساً، ودم سروراً وأنساً لا تحرك في ذلك حدساً لأن من قلدك لهذه الأمانة تكفل لك سبحانه بالإعانة حيث لم تطلب بلسان مقال، بل ولا بلسان حال بل كرهتها والترحال، قال والله تعالى في كتابه المنزل على من أرسله بشيراً ونذيراً (يوجد آية) [النساء: 19] ونحن نحمد الله ونشكره على بلوغنا المراد حيث لم يرنا في مقام شيخنا إلا أعز تلامذته الجهابذة النقاد، وما حصل لنا في ولايتكم من البشرى كاد أن ينسينا مصابه الذي هو الطاقة الكبرى وأشهد أنه كان قدس سره يتوهم في أوصافك الحسنى، ما أوتيته من المقام الأسنى، وأنه كان يدعو لك على ظهر الغيب ومات راضياً عنك بلا ريب وهذه بشارة أقدمها بين يدي تهنيتكم بالولاية، وتهنيتها بكم لكمال العناية، فإنك بحمد الله من رجالها وفارس مجالها بل أنت نادرة الدهر، وكفوها المولي لها بالمهر ولولا أن الله يقول (يوجد آية) [الذاريات: 55] سيدي بنعم الله تعالى عليه التي تعجز شكر الشاكرين، ولولا عائق المرض، ومنع الطبيب من كل غرض، لأعلمت قدمي قبل إعمال قلمي، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك قله، فهذا حفيدي فلان وصحبته فلان تلميذيكم إن شاء الله ينوبان عن خالهما في الحضور الآن إلى بابكم وتهنئة جنابكم، وإن كنت أنا أحق بالهنا، والخطة أولى بذلك منا والله يعينكم على ما أولاكم كما جعل أوصاف الكمال حلاكم والسلام من معظم قدركم كاتبها بحمام الأنف غرة ذي القعدة الحرام سنة 1266 ست وستين ومائتين وألف أحمد بن أبي الضياف.
وتقلد عند ذلك مشيخة مدرسة جامع صاحب الطابع، ولما توفي الشيخ محمد الخضار تقدم لإمامة جامع الهواء ومشيخة المدرسة التوفيقية، ولما توفي الشيخ علي الرياحي تقدم عوضه إلى إمامة جامع أبي محمد وكره الناس تقدمه للخطط المذكورة وبعضهم ينسب تقديمه عليهم لعدم حضور الشيوخ جنازة الشيخ محمد بن سلامة فتقدم صاحب الترجمة للخطط المذكورة ولازم داره منكمشاً في المراجعة والمطالعة، ثم خرج وأقرأ بجامع صاحب الطابع تفسير القاضي البيضاوي وشرح البخاري والمختصر الخليلي قراءة تحقيق وأقرأ غير ذلك. وظهر صدق الظن به فكان أفقه رجال عصره وهو عمدتهم في المجالس الشرعية إذا قال لم يترك مقالاً لقائل، وصار الشيوخ يحضرون داره في عويصات النوازل وهو يفيد بحسن فتاويه وتحريره.
وقد وقفت له على شرح الإحدى عشرة قاعدة التي انبنى عليها عهد الأمان الذي أصدره المشير الثاني محمد باشا باي فإذا هو عنوان تضلع في أصول الدين والقواعد الفقهية.
وله رسائل وتحريرات مسائل أجاب بها الشيوخ في النوازل العارضة منها ما كان مع الشيخ محمد البنا والشيخ محمد النيفر الأكبر وكتب حاشية على شرح الشذور لابن هشام تبلغ أكثر من عشر كراريس تعقب بها مباحث الشيخ الأمير، بما به التحرير، وكتب هوامش وحواشي على شرح التاودي على العاصمية تبلغ أيضاً عشر كراريس، وحواشي على عقائد الرسالة للشيخ ابن أبي زيد، وهوامش على بقية الكتاب كما كتب حواشي على شرح الخبيصي وحواشي على مقدمة ابن هشام كل ذلك عند إقرائه للكتب المذكورة.
وله في النوازل الفقهية كتائب كثيرة تصدى ولده الأكبر المدرس الشيخ حسين لجمعها كما جمع حواشيه السالفة.
ولما أراد والدي جمع منظومة جده لقط الدرر وقد كادت أن تتلاشاها الأيدي ساعده على ذلك فجمع نلك المسائل مسألة مسالة كل واحد في بابها لأن الناظم نظمها على حسب ما عرض له من المسائل بدون ترتيب، وواظب في هذا الصنيع الجميل نحو سنتين يرتبها وكان اتفق له أن توقف في بعض المسائل في أي باب يجعلها فرأى الناظم في النوم وأعلمه بأن المسألة من باب التجهير ولما راجع وجدها منه فكان هو صاحب مزية جمعها جزاه الله خيراً.