الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن كنت أره من ذهاب شبيبتي
…
شعراً يلوح براس شعري أشيبا
فالآن ليس يسؤوني إن فاتني
…
سن النجابة حيث أدعى منجبا
دم يا محمد في المعارف راقياً
…
ثبتا مفيداً للأنام مهذبا
فبقلب تصحيف اسم نسبة بيتكم
…
لا زال ركنا ثبت تونس مجتبى
تبه خادم العلم وأهله سالم بو حاجب في 14 جمادى الأولى سنة 1292.
وناهيك بما تضمنه هذا المكتوب بما لاح على أبدع أسلوب وكأن العبارات لا تطيق شرح مزاياه، التي يجتلي من مراياه لا سيما القلب والتصحيف، الذي ارتكبه آخراً على الوجه المنيف، حتى صير سنوسي ثبت تونس، وهذا من بدائع المعاني التي هو لها خير مونس، وهذا المعنى إنساني به ما يعجب من التصحيف، الذي استعمله في لقبي المذكور، المقدس الشيخ سيدي محمود قابادو الشريف حيث ألغز لي بهذا الشعر النبيه، وهو قوله:[السريع]
تبينوا بيتي ففي تاجه
…
فريدةٌ تزهى بها الطرَّه
والفرقدان تحت أقدامه
…
فهو لجبهات العلا غرّهْ
وقد أجاب عنه العالم الشاعر الشيخ الحاج محمد طريفة المفتي بصفاقس فقال: [السريع]
نعم تبينا لغزك قد
…
أبان ما يبدي لنا بشره
فلم يكن إلا سنوسيّ إذ
…
معارف قد ملأت صدره
لكن تعجبنا لبيتك مع
…
صغرٍ به كيف احتوى بحره
فعنى بالفريدة نقطة النون، وبالطره سينه الأولى، وجعل نقطتي يائه فرقدين تحت القدمين ليزيده إيضاحاً وشمولاً. نسأل الله أن يرحم السلف ويبقي الخلف، إنه ولي ذلك وهو حسبي ونعم الوكيل.
وكانت نهاية هاته العجالة في رجب الأصب سنة 1292 اثنتين وتسعين مائتين وألف، على يد مؤلفها الفقير إلى ربه تعالى عبده محمد السنوسي خادم العلم الشريف أخذ الله بيده. آمين،
الرائد التونسي
هو صحيفة عربية تنشر كل أسبوع يوم الأربعاء عل لسان الدولة تتضمن الأخبار السياسية على وجه لا أذية فيه لإحدى الدول والأشخاص إلا أن يكون محكوماً علي من قبل الدولة، وقد نشر هذه الصحيفة في المملكة التونسية المشير الثالث محمد الصادق باشا باي في أوائل دولته سنة 1277 سبع وسبعين ومائتين وألف. وأول من تولى خطة إنشائها الشيخ محمود قابادو الشريف ثم تناقلتها الأيدي إلى أفضت تلك الخطة إلى العبد الضعيف أوائل شعبان الأكرم سنة 1293 ثلاث وتسعين ومائتين وألف. وقد التزمت فيها إنشاء فصول في التربية والتهذيب جعلتها مقدمة لكل عدد زيادة على ما يعرض من الأدبيات، وقد حسم موقع جميع ذلك عند أرباب الصحف وتناقله بعضهم ووصلني من بعضهم مكاتيب خصوصية تتضمن تقريظ ذلك الصنيع.
وأول من كاتبني في هذا الموضوع مهنياً بمباشرة خطة إنشاء الرائد هو أستاذي العالم الشيخ سيدي سالم بو حاجب وهذا نصه ما كاتبني به: الجهبذ اللوذعي، النحرير اليلمعي، ودودنا وخدننأن وإن شئت قلت ابننأن الشيخ سيدي محمد السنوسي أدام الله حفظه، وصل بعين العناية لحظه، أما بعد السلام الأتم فقد حظيت بمكتوبكم المؤرخ بالأسبوع الماضي، وسرني كثيراً مال تضمنه من إحالة إنشاء الرائد إلى أفكاركم السليمة، وقريحتكم التي لا تزال تهطل على حدائق المهارق ديمة، فالآن يحق على الرائد أن يصدق قومه، ويقدم على الأمس يومه، ويوردهم من المناهل الأدبية أعذبهأن ومن المراتع الأنسية والفواكه التونسية أخصها وأطيبهأن فالله يتولى عونكم على إنارة وجو الإعلام، وصونكم من مزالق أقدام الأقلام، والسلام، ولم يتيسر لي مكاتبته بعد ذلك إلا بعد مضي مدة.
فكاتبت جنابه بما نصه: [الوافر]
أدير عليك مترعة الكؤوس
…
بخمر منه إحياء النفوس
ومل تلك التي قد عتقوها
…
قرونا وهي في بيت المجوس
ولكن هذه خمر حلال
…
بوصل تحية النجل السنوسي
حياك لسع والإقبال، وحباك اليمين بغاية الآمال، أيها العالم الذي جاءت فاؤه بالسين، إيذاناً باستمرار معافاته على ممر السنين، العمدة الجليل، والفاضل الذي ليس له مثيل، تاج جبهة المفاخر، ومصداق كم ترك الأول للآخر، علم العلوم، ومعدن الإبداع في المنثور والمنظوم، سيدي وأستاذي، وعمدتي وملاذي:[البسيط]
لسنا نسيمك إجلالاً وتكرمة
…
وقدرك المعتلي عن ذاك يكفينا
ويلي ذلك هو ابنكم قد ذهب به الشوق كل مذهب، ولم بجد غير مناهل المكاتبة منهلاً أعذب، بعد أن حالت بيني وبينها الأشغال التي تؤول إلا فخركم على كل حال، لا سيما وأخباركم نتلقاها في كل أسبوع وتحقيقي لإعذاركم إيانأن هو الذي سهل علي هذا التقصير، مع أن نشر المودة مع كل خافقة يسير، والسلام.
فكاتبني مجيباً عن ذلك بما نصه: [الوافر]
أدرت حميت صرف الخندريس
…
كؤوسا قد نفت كرب النفوس
على فئة تعتَّقَ محتساها
…
لبيت الشعر لا بيت المجوس
وتؤثر أن يكون لها مديراً
…
مدير الرائد الشيخُ السنوسي
أما بعد السلام عليك أيها المدير البارع، والمستقر ببحر الآداب بلا منازع، فإن كريم كتابك قد شرف وشنف، وأزرى ببدائع من وقف واستوقف، حيت أرانا بمنظومه ومنثوره، المنخرطين في أسلاك سطوره، كيف يمزج الرحيق الحلال، بقراخ العذب الزلال، ولتشريك حاسة الشم مع السمع والبصر والذوق، أخذ يقذف ند الود فيما لدينا من مجامر الشوق، الله يشكر صنعك، ويديم للمستفيدين نفعك. أما من أشرتم إليه من الاعتذار عن تأخير المكاتبة، فهو مشترك الإلزام على فرض توجه المعاتبة، ثم إن كنتم تستفيدون أخبارنا مما نكتبه لعمدة الجميع، منحن أيضاً نتعرف أحوالكم السارة من رائدكم البديع، الذي لا يتخلف عنا في غالب الأسابيع، ولطالما نزهت حدق الفكر في حدائقه اليانعة واستعذبت موراد تهذيبه التي نرجو أن تكون بحول الله لأبناء الوطن نافعة، والله المسؤول أن يمدكم بمزيد المعونة، ويحمي من الأكدار والعوائد ساحتكم المصونة، والسلام.
ورد علي مكتوب من مدارس إحدى مدن الهند مرسل من الفاضل محمد نصر الدين محرر صحيفة شمس الأخبار الهندية وهذا نصه: الماجد الأثيل، والأديب النبيل، الشيخ محمد السنوسي، منشئ الرائد التونسي، دام لطفكم.
أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقد رأيت في جريدتكم الرائد التونسي أنكم وصفتم جريدتي شمس الأخيار المدارسي بخير أعزني وأفخرني وحثني على أن أشكركم وأجري بينكم المراسلات فإن المسلمين هم إخوان أينما كانوأن وإنما تحصل زيادة الألفة والاتحاد بالمراسلات إذا كانوا بعيدين، فنعرض على جنابكم بغاية الرجاء أن تتفضلوا علينا بإرسال جريدتكم في كل أسبوع على اسمي مبادلة ومعاوضة بجريدتي شمس الأخبار المدارسي وهي من أشهر الجرنالات الهندية وأعظمها قدراً فهذا غاية لطفكم ومنكم وإن تريدوا المبادلة والمعاوضة بجريدتي فأرسلوها إلي أيضاً فإني أرسل إلى حضرتكم ثمنهأن وليكن من معلومكم أن ورود الجرنالات من تلك الممالك المحروسة إلى طرفنا ينتج فوائد كثيرة للدولة التونسية الإسلامية وللمسلمين فهذا ما لزم الآن من الاطلاع. والله ناصركم ومعينكم وحافظكم من شر الحاسدين ومكر الماكرين، والسلام ختام من المحب محمد نصر الدين مدير شمس الأخبار المدارسي في 18 محرم 1294.
فكاتبته مجيباً عن ذلك بما نصه: أيها المحب لخير أهلي ملته، وإن شسع عنهم ببلدته، أدام الله يراعك يروع أعداء الإسلام، ويحث على الوحدة التي هي سبب كل انتظام، أخص بذلك البارع الفصيح، صاحب الرأي النصيح، والحق الصريح، أخا العزائم الصادقة التي أعلامها مع شمس النهار خافقة، حضرة الفاضل الشيخ محمد نصر الدين المدارسي، أدام الله بمواصلته إيناسي، وأنجح سعيه في كل الأقطار، بما ينشره من شمس الأخبار، ما دام الليل والنهار.
أما بعد إهداء تحية السلام، إلى حضرتكم التي سعادتها من أعز المرام، فقد شرفني منك كتاب كريم، من أقصى الأقاليم، خاض في طلب مواصلتنا معظم البحور، وجابه من مهامه البراري كل موماة لا يمكن فيها العبور، طلب المواصلة للحمة الإسلامية بالخصوص، فرأينا مصداق حديث المؤمن كالبنيان المرصوص، فلا زالت بفضل الله هذه الأمة، متظاهر إلى ما يهمها من المصالح المهمه، فحيهلا بذلك الكتاب، وما احتوى عليه من فرط اللطف والاقتراب، حيانا عم وجه وسيم ولطافة تزري بعليل النسيم، إذ لاحت دواعي المودة الدينية توشيه، وتنادي بحسن سريرة منشيه:[الطويل]
كتاب أتى من شاسع الهند قاصدا
…
مواصلة الدين المتين بتونس
فوافى إلى قلب خلي فأحكمت
…
روابط إذ جاء من خير مونس
فتلقيناه بالإجلال ورأينا من أعظم نتائج الأعمال، وعدت مبتهجاً بوصول هاتيك الصحيفة التي لكل ثناء مستحقه، ولذلك أنشدت لوصلها بعد بعد الشقه:[الكامل]
عجباً لها أيذوق طعمَ وصالها
…
من ليس يأمل أن يمر ببالها
كلا فلا عجب لسماحة مانحها الفاضل الكريم، الذي أحرز من قلوبنا أيمن الحب الصميم:[الطويل]
وكم من محب قد أحب وما رأى
…
وعشق الفتى بالسمع مرتبة أخرى
إيه أيها الماجد أعد علي ذكر إخواني، الذين تقاصى عنهم مكاني، وتالله إن تحرك الدم الإسلامي، لا يبرح يتزايد النامي، وأنى للروح، أن تصبر على هذا النزوح، مع ما أحاط به العلم خبرأن مما لن تستطيع معه النفس صبراً نسأل الله أن يقرب هذا البين تحت راية الدين ويلي هذا أيها الأخ في الله يعز علينا أن تطلبوا منا صحيفتنا على الوجه الذي ذكرتموه في كتابكم، وصرحتم به في خطابكم، من أن إرسالها يكون على وجه المبادلة، أو أنه يكون بالثمن وما في ذلك من معامله، على الله عنك لماذا لا تكون المواصله، بسسب تواصل الدين حاصله، وهذه في شريعتنا أعظم القرب لأرباب الطاعات، فهلا تسمح لنا أن نتخذ هذه المواصلة قربة لرب القربات، لعلنا نستظل بها تحت ظل عرشه في يوم الحساب. أما أنا فإن مودتي لأهل ديني تحملني على مساعدتهم على ما تقبر به عيني، وأي ثمرة في حياتنا إن لم يكن سعينا في فوائد المسلمين جاريأن وهل للمسلم أن لا يساعد أخاه إن كان داريأن فليعلم أخي في الله أني أواصل الجهد في مواصلتكم في كل أسبوع، بثلاث أعداد من رائدنا إذا كنتم تستحسنون منه ذلك الموضوع، وزيادة على ذلك فإنه تصلك أعداد من الرائد، قد انتخبتها لحضرتكم بما اشتملت عليه من الفوائد، لعل موقعنا يحسن عندكم، وإن تفضلتم عنا بعد ذلك بصحيفتكم وفق رغبتنا فتلك فضيلة قد شرفتم بها عبدكم، ثم أستمد من مزيد فضائلكم التي واصلنا بينها وبيننا إن كانت بأقطاركم صحائف عربية تواصلون بينها وبيننا فترسلونها إلينا لنشاهد عيناً كما أنا نؤمل من خصية حضرتكم أن تسمحوا لنا بمكاتبة تشرحون لنا بها حال تلك الأقطار، وحال العلوم الدينية هنالك والفنون العربية والأشعار، فإنا منها في عماية البعاد، ولا نعرف لها ما يشتفي به المراد، بل وإن سمحتم لنا بمقابلة تشرح لنا هذا الشان، فإنما ننشره في هاته الممالك بين أهل الإيمان، نسأل الله أن يجمع كلمة الإسلام بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. حرره الداعي لحضرتكم بنجاح المساعي، وخصب المراعي، معيد السلام على جنابكم خادم العلم الشريف بجامع الزيتونة عبد الله محمد السنوسي منشي الرائد التونسي، أخذ الله بيده. وكتب في 27 صفر الخير سنة 1294.
ووردت إلي مكاتبة من البارع الشهير تادرس أفندي وهبي معلم مدرسة اللغات بمصر القاهرة، وهذا نصها:
إلى من بلغ الآداب المراتب العالية، وتولى في دواوين الإنشاء المناصب السامية، وذاع صيته بالبراعة في جميع الأقطار، واشتهر بالفضائل الغزيرة اشتهار ضوء الشمس في رابعة النهار، حفظه الله وأبقاه، وأدام عليه نعماه، فقد كلف منذ مدة بمعاني الأدب، والوقوف على أسرار لغة العرب، حيث ثبت أنه من أجل المطالب، وأعز المآرب، بل هو أولى ما فوق اللبيب سهم فكره إليه، وأحلى ما دأب في تحصيله والانعكاف عليه، ولم أزل لهجاً بذلك مع غاية الاجتهاد، سالكاً أقوم المسالك في تحصيل المراد، ولا سيما بمطالعة الصحائف الخيرية، والجرائد النشريه، التي كثرت خصوصاً في هذا العصر، وعم نفعها الأنام في كل مصر، بما اشتملت عليه من أخبار المفيدة، والنوادر الفريدة، والنصائح الجمه، والفوائد المهمه، وغير ذلك من المنافع التي يجل إحصاؤها ويعجز قلم البليغ استقصاؤهأن حتى إذا أسعدتني المقادير في ذات يوم، بزيارة حضرة أحمد أفندي العشي مع بعض القوم، تكرم علينا من بعض إحسانه، ومزيد فضله وامتنانه، ببعض صحف الأخيار، المحتوية على محاسن الآثار، فعند المطالعة فيهأن والوقوف على حقائق ظواهرها وخوافيهأن عثرنا على صحيفة الرائد، المشحونة بفرائد الفوائد، وإذا هي روضة فضل ثمرات فنونها يانعه، وحديقة أخبار اشتملت على ما رق من الفوائد النافعة، بل هي مرآة الأحوال، ومرقاة الآمال، وفلك السياسة المشحون، وكنز الكياسة المدفون، قد رصعت من جواهر البديع بمارق وغلأن ورصفت من بدائع الترصيع بما دق وعلأن فضلاً عما زينت به من الضروب الرائقة والأساليب الفائقة كيف لا وهي للأديب الفاضل، والأريب الكامل الذي لا يجاريه في ميدان البراعة مجار، ولا يباريه في حلبة الكمال مبار، حضرة السيد محمد السنوسي حفظه الله وأدام علاه. فحمدت الله سبحان وتعالى حيث وفقني للوقوف على هاته الصحيفة، والتقاط درر ألفاظها الرائقة المنيفة، وكانت قد طالت علي شقة الانتظار مدة، وبلغ الشوق مني لرؤيته حده، فقد ثبت عندي الآن صدق المثل الذي سارت به الركبان، من قول أهل الأدب ليس الخبر كالعيان، فتقبل يا سيدي من مثلي هذه الشهاده، بلغك الله الحسنى وزياده، نعم إني لست ممن يستحق أن ينظر إليه بعين الاعتبار، كما أني لست من فرسان هذا المضمار، غير أني كلفت بأن أكون من المقربين إليك، وإن تعاليت عن أن يكون مثلي من المحسوبين عليك، فبادرت بتحرير نميقتي هذه لجنابك، رجاء أن أحظى بانتظامي في سلك أصحابك، وفقك المولى لما يحبه ويرضاه، والسلام عليك ورحمة الله.
فكاتبته مجيباً عن ذلك بما نصه: أيها البارع الذي بذ في حلبة الإنشأن وتصرف في نفائس الأدب كيف شأن الشهم الفطن، الدراكة لأسرار ما خفي وبطن، صاحب الأخلاق الجميلة، والمكارم الجليلة، الأوحد الذي أجرى من نهر المفاخر سلسبيله، فنال من الفخر كل مقصد ووسيلة، حمى الله منازك، وقارن بالسداد أفكارك.
أما بعد فبينما كنت أنظر في مروج الأدب، وأتخير إليها المدب، حتى وقفت على أزهار رياضهأن وارتشفت سلسبيل حياضهأن إذ ضمخت أرداني بنفخ الطيب، وتتبعت من أحرز من أقداحه المعلى والرقيب، فإذا مسعدات الزمان، قد أتاحت إلي فرائد الجمان، وقلائد العقيان، في طي صحيفة ذات أفنان، بها من كل فاكهة زوجان، فرأيت منها ما ملأ القلب سرورأن والسطور، حبورأن قد تنمق منها بياض الطرس، بحسن سواد النقس، بما تبتهج به النفس، فطوراً كنت أرى ذلك من بقايا الليل في طالعة النهار، وتارة نراه أشبه شيء بدعج العيون الأحوار، على أن أيقظني ما فيها من المعاني الفائقة، والمباني المتناسقة، فأيقنت أنها منحة قد ساعد القديم وتحملت من مهديها نفائس الدرر، فيا من كتاب قد تحمل بنفائس الغرر:[الطويل]
كتاب أتى من مصر يعبق نشره
…
وقبل افتضاض الختم قد بان بشره
رأينا به البديع منمقاً
…
وعن محض ود قد تكشف سرُّه
وناهيك به من كتاب، يغازل الألباب صاغته قريحة لسان الأمم، وفارس حلبة الطرس والقلم، مجمع الألسن واللغات، ودراكة المعاني بسائر الطرقات:[السريع]
ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
واهب الدر الثمين، ومجرى مناهل التعليم بالعذب المعين، الشاب الظريف، صاحب الخلق اللطيف، علي الكعب علي المتنبي، تادرس أفندي وهبي، لازال سعيه مشكورأن وبكل مزية مذكورأن فاتخذته أعظم عده، لمواصلة المودة، وأنى للبين، أن يقصر الخلة على العين، فشكراً لهاته الهبة العظيمة، التي اتخذتها فخراً وتميمه، وكفاني شهادتها التي تشهد لصاحبها بأعز شيمه، وإن كان استحسانكم لصحيفتنا التونسية، مما يؤكد أنكم إنما نظرتم لنا بالعين الرضية، وبذلك بادرت إليكم بإرسال أعداد هذا الشهر مع عدد في كل أسبوع، لعلكم تستحسنون منه ذلك الموضوع، وعلى كل حال فإنا نرجو من الله تعالى أن يحفظنا من مزالق الأقدام، ومزلات الأقلام، حرره خادم العلم الشريف بجامع الزيتونة محمد السنوسي، منشي الرائد التونسي، أخذ الله بيده تحريراً في 25 ربيع الثاني 1294 أربع وتسعين ومائتين وألف.
وقد أعاد علي المكاتبة مجيباً عن ذلك بما نصه: نخبة العلماء الأعيان، وعمدة فضلاء الزمان، العلم الشهير، والعلامة النحرير، صاحب المآثر المأثورة، والمفاخرة المشهورة، والمقالات الفريدة التي سارت بها الركبان، والرسائل المفيدة التي تشهد لجنابه بالفضل والفوقان، وأحرز قصب السبق في ميادين البيان، أدام الله إجلاله، وحرس بعين عنايته كماله.
أما بعد فبينما أنزه الطرف في رياض الأدب في بعض الأيام، مغتبطاً من أفنان فنونها ما نطفي به الأوام ويشفي من السقام، منكباً على مطالعة صحف الأخبار، المنبئة عما حدث من الوقائع في جميع الأقطار، حظيت بجريدتكم الغراء التي طالما تشوقت إليهأن وتشوفت إلى اجتلاء محاسنها والاطلاع عليهأن فاستدللت من رقة ألفاظها على أنك من أفراد فحول الرجال، السابقين في ميادين المقال، البالغين أسمى درجات الفضل والكمال، فكان ذلك باعثاً لي على تحرير نميقتي السابقة إليك، المتضمنة بعض ما يجب من الثناء عليك، وقد عددت ذلك من اعز المقاصد الجليلة، والوسائل الأدبية الجميلة، حيث إن دأبي التودد إلى كل من نبغ في الأدب، وبلغ من إحراز المعالي غاية الأرب، وإذا بكتاب منك قد تحمل نفائس الأداب، ويأخذ ما انطوى عليه من السحر الحلال بجامع الألباب، سرحت النظر في رياض ألفاظه الرائقة، معانيه الفائقة، ومبانيه المتناسقة، فأيقنت أني قصرت في الثناء عليك، بل أخطأت في إرسال مثله من التحرير إليك، لاسيما بما تضمنه من إرسال الرائد في كل أسبوع إلينأن وتضلكم بهذه المنن الكبرى والنعم العظمى علينأن ولم أعلم بأي ثناء أثني على كمالك، أم بأي لسان أشكرك على فضلك وإفضالك، وقد شاع صيتك بالبراعة وذاع، وملأ في كافة الممالك الإسلامية وغيرها الأسماع، حيث إنك القائم بالذب عن حقوق الأمة، المناضل بسنان اللسان عن مصالحها المهمة، فأطرقت خجلاً في ذلك المقام، والتمست عذراً ينفي عني الملام، فلم أجد سوى إحكام المحبة والوداد، فاعتمدت عليهما في ستر ما فرط مني على غير المراد، ثم لما كانت الهدايا أعظم عده، لمضاعفة المودة، أحببت أن أهديك بهدية فائقة، تكون بمقامك الجليل لائقة، فلم ألف افضل من العلم الشريف، الذي اشتهرت به في سائر الأقطار وقصرت همتك على درسه آناء الليل وأطراف النهار إليك برسالتي الموسومة بالخلاصة الذهبية، في علم العربية، مع اعترافي بأنها من سقط المتاع، لاتستحق أن تشتري ولا تباع، نعم غذ لحظتها الهمة العالية، وفازت بالرعاية السامية، اكتسبت شرفاً يتقيد في صحف الأخبار، ويتخلد في بطون التواريخ على ممر الإعصار، على كل حال، فالرجاء قبول هذه الهدية وتبليغ الداعي بذلك غاية المقاصد والأمنية.
كما أني أرجوك أن لا تحرمني رسائلك على الدوام، ومني إليك مزيد السلام، والتحية والإكرام الداعي تادرس أفندي وهبي معلم اللغات بمدرسة حارة السقائين بمصر القاهرة تحريراً في 27 ج الأولى سنة 1294 أربع وتسعين ومائتين وألف.
وكاتبني العالم الفاضل الشيخ ابراهيم الأحدب رئيس الكتاب بالمحكمة الشرعية ببيروت الشام ومنشيء صحيفة ثمرات الفنون بما نصه: [مجزوء الكامل]
نبهت بالحدق النواعسْ
…
لهوى فواتكها الفوارسْ
وصبوت من بعد المشي?
…
?يب إلى لقا الغيد الأوانس
وهفا بلبي سالف
…
أو عارض في خدّ كانس
كنست بقلبي غادة
…
فتانة له في الكنائس
غراء شمس إن بدت
…
تسبي بطلعتها الشمامس
وجبينها للمشتري
…
إن سام مجلاه يماكس
رومية هنديها
…
عالي الهوى فالقلب قابس
والحلي راح بصدرها
…
لقلوبنا يبدي وساوس
حملت بطي إزارها
…
ما زاد في أوزار بائس
تخطو فيبصر ذو الهوى
…
فوق الكثيب الغصن مائس
قد كان لي من وجهها
…
بشر يريني الظبي آنس
فالآن أنكرني بها
…
حظ لآمالي يعاكس
ضحك المشيب بعارضي
…
فرأيت منها الوجه عابس
فعليّ أن اعطي هوى ال?
…
?غادات والغيد الكوانس
وأحيل أغزالي بها
…
مدحاً لها الإحسان حارس
وأخص فضل محمد
…
منها بسوم غير باخس
الفاضل النَّدب الذي
…
آدابه تجلي عرائس
مولى بدائع علمه
…
شرحت صدوراً للمجالس
قد ألبس الآداب من
…
حلل الثنا أبهى ملابس
ولنشرها قد قام يج?
…
?هد نفسه رغماً لجالس
قد رادَ رائدُ فكره
…
حكماً تسوس أمور سائس
تجلي فتجلو ما به
…
رغمت لشانيه معاطس
جلّى بها سبقاص فلم
…
يلحق خطاه جري فارسْ
بعلاه تونس آنست
…
مولى لعلياها مؤانس
فزهت بآدابٍ له
…
لم تبتذلها كف لامس
واستوضحت بالدروس من?
…
?هُ معالماً كانت دوارس
إنشاؤه ينشي لنا
…
سكر النفوس من النفائس
أهديه ذات عصابة
…
للشكر تهزأ بالقلانس
حسبتْ عقود جمالها
…
فجرت عليه بشرط حابس
لولا ارتيادُ ثنائه
…
بقيت بخدر الفكر عانس
فأقبل محامدها ودع
…
منْ وجهه بالذم دامس
لازلت تلبس من برو
…
د الحمد ما يصفو للابس
ما طاب غرسك في ريا
…
ض الفضل من طيب المغارس
وصلة الأدب، تقتضي بما تقتضيه لحمة النسب، وتحمل البعيد أن يحل بالقرب إلى صاحبه من كل حدب، وحكمة فنونه تحكم على الأديب أن يتفنن في ترسله وإنشائه، وأن يحمل يراعته أن تسجع بما تزهو به أوراقها زهو الروض بسجع ورقائه، فلهذا جنيت من طرح ثمرات الفنون، كما راد فكري أيها المولى الجليل في رائده ما قرت به عيون، وأتى بفصول وصلت بآدابها الحكم، وفصلت عقود من البادئع روائع بحلي ذات البند والعلم، فراق منثورها في ذلك الروض الأريض، ورق سجع ورقها في نواره فنظر إليه الحسن بطرف غضيض، وقد تعرف بذلك خليل ودك ابراهيم على رغم من لا يطيب له نشر، ووقف على الدقيق من جليله الذي حث أسراب المعاني فطاف نشره بالحشر، فاعترف بأنك بديع الزمان، وحسان البلاغة وسحبان البيان، حيث بعثت هؤلاء القوم بعارضة بيانك، ونشرت من محاسنهم ما زاد حسناً من إحسانك، فأنست بك تونس ولم تشك وحشة بفقد الأديب، ورأت من أنفاسك أبا الطيب فلم تبك من ذكرى الحبيب، وقد باهى الغرب بآدابك الشرق، وأدرك بك الجامع ما بين القطرين من الفرق، إذ كان لذكرك في مفرق غانية الأدب أطيب عبق، ولشكرك بكل لسان ما يسوغ في لهاة الولي فيدع العدد عاني شرق، (فإنك الفاتح لما اغلق من أنداب أبواب الفنون، والخاتم لما سبق من آيات الفضائل التي عظمت لها شؤون، ختمت بك يا محمد رسل البديع فلم تصدق بدعوى رسالة لسواك، وأتى كلامك بما هو فوق طوق البشر من معجزه الذي وصلته بكل كرامة يداك، ولا تنكر كرامات محمد عند الله ومعجزاته، وقد جاءت خوارق للعادات في دعوى الرسالة آياته، ولا عبرة بمن جحد الحق كفرأن وزاد بإصراره على الباطل إصرأن وإن ابراهيم الذي وفىّ مصدق بدعواك، ومتشوق إلى زيادة تصديق الخبر بالخبر عند رؤياك) وثناؤه متوال عليك وغن كان من أهل السنة بلامين، وهو يحب الحسن ولا ينسى ما عليه في تونس أيادي الحسين، كما لايزال يرتل آيات الشكر في صفحة لنجل اسماعيل، ويعترف أن رقيق فضله عليه في كل حين جليل، فاعرف ذلك ايها المولى الكريم، واحفظ بما يكون صنائع النشر خلة ابراهيم، وأقبل هاته الأبيات التي استوحشت من سواك وهي بك أوانس، وقد أحدق بها الحسن فتشبهت بها الحدق النواعس، والله تعالى يديم يراعك قائماً بتسطير الحسنات وإن كان يعبد الله على حرف، ويخلد عرفك في أولياء محبتك بما يصيب له على رغم معاطس الأعداء عرف، ويفتح على هذا المحب من الخير ما لايغلق له باب، ويجعل خطى قلمه غير خاطئة في ثنائك على طريق الصواب، اللهم آمين في ذي القعدة سنة 1297، الداعي كتاب محكمة بيروت الشرعية محرر ثمرات الفنون ابراهيم الأحدب والسلام.
وكتبت إليه مجيباً بقولي: [مجزوء الكامل]
بسمت لنا عن ثغرِ لاعسْ
…
فسبت بكسر جفون ناعس
عربية الأعراق قد
…
أزرت برائعة الكنائس
تهتز من خيلائها
…
تيهاً على شم المعاطس
وتجر ذيلاً مثلما
…
قد جر منه الذيل طاوس
وتميس في أردانها
…
فترى جواذب قدّ مائس
وهناك تستبيء النهي
…
وتبين فتكاً بالفوارس
فترى القلوب تذوب في
…
أرجائها من نار قابس
لكنها كانت سلا
…
ماً وهي برد في المجالس
إذ مسها إذاك اب?
…
?راهيم مصداق النفائس
المرتدي من فخره
…
وكماله بحلي الملابس
من قد زهت آدابه
…
فسما بها طيب المغارس
شيمت من الشام الذي
…
شادت به فخر العرائس
ولمثل ذاك أنا بها
…
في تونس الإيناس آنس
وردت كما جاء الشفا
…
للذ من الحيوان آيس
فغدت مبتهجاً بها
…
أروي حلاها للمجالس
وأرى التصابي بالمها
…
لا أختشي من لوم حارس
وأقول إني للهوى
…
نبِّهتَ بالحدق النواعس
بمعيشك في رياض الهوى أيها النسيم، تحمل ما عليه الفؤاد قد انطوى مما لعلك تؤدي به تحية ابراهيم، وإن كنت قد صافحت رياض اللهو عليلأن ومررت على خمائلها بليلأن فضعفت عن حمل تحية يؤدي حملها سر التعظيم والتبجيل، ويبقى حديثها يرويه جيل بعد جيل، فإني لأستحملك من سر الوداد ما تتضمخ به الأردان، في القرب والبعاد لتتلقى من فتيق مسك المودة ما لم يزل في الفؤاد كامنأن وتدخل به مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنأن فهذا مقام ابراهيم الذي وفى، وأبان من مفاخر بيانه آية لاتخفى، فقد رفع العوائد في شعره البديع من كل بيت، وأحيا صريع الغواني بعد أن كان أشهر ميت، فيا لله دره حيث أبدع المعاني وأحكم بيانها ترصيعاً وأفصح عن دقائق لم يحط واحد بها تعريفاً فكان فصيح اللسان والقلم، إن نثر أو نظم، بليغ الإرسال، العذب السلسال، وناهيك بماله في ثمرات الفنون، من الدر المصون، والجوهر المكنون، الذي قد قره لجميع العيون، وكم دار رائد أفكارنا تلك الثمرات، فأصبح يستظهر بالآيات البينات، ولئن جاء كما شاء الفؤاد مقبولاً لطيفاً (فإن محمداً قد اتبع ملة ابراهيم حنيفاً) . أما المودة فقد تخللت سويداء الفؤاد ولن تجد عنك تحويلأن ولا غروان كان ذلك فإني قد اتخذت ابراهيم خليلأن فدم أيها الخليل، مفخراً للوداد تحيي سنة الخليل، وتعيد بعلمك حديث سيبويه والخليل، ونحن مع ما لكم عنا من البعاد، قد رأينا مقرك في الفؤاد، ولو علمنا أن ابراهيم لايخاف حر النار، لنقلناك من الفؤاد الذي نار اشتياقه إلى لقياك لازالت ذات إشعار، ولكن فقد علمنا ما اختص به مقام ودكم العظيم، فقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم، فمهلاً على محب قد أصيب من بعادكم بما يكفيه، وأرفق من فضلك بقلب تملأه الحب حتى أحلك فيه، أو لم يكفك ذلك حتى أرسلت من عسال بنانك، وأسحار بيانك، بالغادة السحاره، والكاعب المختاررة، التي غطت على السمع والبصر، واستولت على ما بقي في عقولنا من الأثر، فأصبحت تزهو بطرر منساتهأن وتبث منا بالنهي في حركاتها وسكناتهأن وتعد ذلك من حسناتهأن حتى نبهتنا بالحدق النواعس من تحت ليل طرتها البهيم، فعلمنا أنها عذراء كلمتنا بصوت رخيم، من مقام ابراهيم، مجهزة الخصر تجر من ترفيلها ما كانت به أثوابها مذالة، فكان تذيلها على نخوتها أي دلالة، وحين تحققنا أنا من بيوت ابراهيم التي رفع منها أبدع القواعد، دخلنا لها من باب السلام وطفنا حول هاتيك المشاهد، وتلقينا هاته المنة بالإجلال والترحاب، وقابلناها من بنات أفكارنا بهذا الكتاب، آملين من أبيها حسن القبول، وإدامة تواصل الوداد على وفق المأمول، والأمل في الله أن يجمع بين أشباحنأن كما جمع بين أرواحنأن والجسد مطية الروح، للتنعمات الحسية كلما تغدو أو تروح، نسأل الله أن يديم لكم الأمن والعافية ويسبل على الجميع برود لطفه الضافية وييسر تواصل مقولتي الأين بدون أين، حتى تبلغ بذلك إلى قرة العين، بجاه الحسن والحسين في 17 ذي الحجة سنة 1297. الداعي خادم العلم الشريف بجامع الزيتونة محمد السنوسي، منشيء الرائد التونسي.