الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان إلى الإصباح ذلك دأبهمْ
…
فمنك إلى الخيرات لاحت لهم سبلُ
ورنت مهولات الحروب كأنها
…
تشير لدين الله حزب بهم يعلو
فيا له من يوم جليل بفضل
…
تباشرت الأطيارُ والحوتُ لها نقلُ
فأكرم به من موكب جلَّ صدرهُ
…
أميرٌ بحب المصطفى قلبه مملو
هنيئاً كنوز الخير فزتَ بفتحهما
…
وذلك فضل الله ليس لنا حولُ
وجنَّد جنداً عز عن نيل مثله
…
صناديد آساد وغبَّاهم الأسلُ
إذا حاربوا صفاً لصف كأنهم
…
صفوفُ صلاةٍ أمَّهم فاضل عدل
تصرفهم فعلُ الجميل كواحد
…
وفاق رئيس الجند لا بعد لا قبلُ
ويمشون في الهجياء مشي تأودٍ
…
فلا رعب يغشاهم ولا سامهم ذلُّ
فيمشون مشياً كالشيوخ وفعلهم
…
فعالُ شبابٍ طافحٍ أو فتى طفلُ
فيرمون رمياً مسرعاً فكأنهم
…
يعاونهم في السير أضعافهم عجلُ
ولا يعرفون الصَّدَّ إمّا غنيمة
…
يسوقونها قسراً وأن يبتلي الكلُ
إذا قابلت ألفٌ ألوفاً كثيرة
…
فما كثرة تغني وما ضرَّهم قلُّ
فمن حاربوه فرَّ قبل قتالهم
…
وكيف أطقت حربهمْ وهمُ بسلُ
إذا ما غزوا الطير تعلو سيوفهم
…
لما عوَّدوها من فرائس ما قلوا
لهم نغمات مطربات كأنها
…
تبشرهم بالنصر أيّان ما حلوا
جوائزهم ربح ولا عيب فيهم
…
سوى أن بذل الوفر في جميعهم بخلُ
فأكرمْ بهم من عسكر جمعت لهم
…
خصال فخامٌ والمشاهدة العدلُ
وحين رماني الشوقُ في بحر مدحه
…
ولستُ أجيد السبح بي صدي القوولُ
ولولاهُ ما فات اليراعُ أناملي
…
وجود أبي العباس صوبه منهلُ
ومن شاطئ الوادي عزفت مدائحي
…
وما خضت في بحر وما كدت أبتلُ
وإني لأرجو أن تزول نوائبي
…
أخوض بها بحراً به المدح ينحلُ
مديحك يا فخرَ الملوك غنيمةٌ
…
تعز به نفسي وإن رخصت تعلو
شمائلك العطمى أراحت سجيتي
…
أجرُّ يراعي والمحاسن لي تملو
فدعني وتعداد المديح فإنني
…
أروّق نفسي والهموم به تسلو
فأيُّ ثناء أبتغيه أرومه
…
وأنت كريم من كرام له أهلُ
فدونكما عذراء يخجلها الحيا
…
أبية نفسْ أن يكافا بها فعلُ
وأقصى مناها أن تحوز قنوعة
…
بلثم تراب منْ وطا مسه النعلُ
وأن تشتريها بالرضى منك إنما
…
رضاؤك لا كسبي لمن وصفه القلُّ
تصول فصدق المدح نبهاً بصدقها
…
يضاجعها سيف البواتر والنعلُ
تقول أنخت الرحل قرب مملَّك
…
كريم أصيل ماجد بذله البذلُ
متى سامني دهر بهول أصابني
…
وأدنى التفات منك ينكشف الهولُ
وكم من فتى قبلي تصاعب دهره
…
فغاد له سهل وفارقه المحلُ
فدم في سماء المجد ما دام فرقد
…
يلوح به والبدر والشمس والحملُ
مهنا معافى سائلاً ما تريده
…
عليك سحاب الخير لا زال ينهلُ
وكان فقيهاً مشاركاً متفلسفاً، له معرفة بالرياضيات، حييا يقطر وجهه حياء من كل أحد، صبوراً خيّراً، كريم الأخلاق حسن المحاضرة أديباً لطيف الشعر يوده المشير حتى أنه لما مرض أرسل إليه أطباء حضرته وكان مرضه في يده فرأى الأطباء لزوم قطعها خشية سريان الداء فصبر على قطعها من دون مخدّر وبم يشتكِ من ذلك ومع ذلك أدرك الحمام فتوفي في ذي القعدة الحرام سنة 1271 إحدى وسبعين ومائتين وألف ودفن خارج باب الفلة عليه رحمة الله آمين.
40 الشيخ محمد الطاهر بن عاشور
هو الشيخ أبو الصفاء الطاهر بن محمد بن الشاذلي بن محمد بن الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور بن إدريس الشريف الأندلسي السلاوي. خرج جده عاشور من جزيرة الأندلس في حدود الثلاثين والألف، ودخل مدينة سلا من المغرب، وبها زيد ولده محمد، ونشأ بها في سلوك طريق أهل الله، وأخذ الأسرار هنالك عن الشيخ محمد القجيري ثم خرج لحج بيت الله الحرام لوما أتم حجه آب إلى محاضرة تونس مع عمه الشيخ سيدي داود دفين المرسى. وكان الشيخ داود بن إدريس السلاوي من أهل الجذب المشتهري الصلاح، وكان الشيخ محمد بن عاشور من العارفين بالله يقرئ علوم أهل الحقيقة ملازماً للدرس والجماعة وقد لازمه فحول منهم الشيخ سعيد الشريف وأشار له بوفاة ولده في حياته فكان الأمر كذلك، ومنهم الشيخ محمد بن شعبان ومنه استمد الشيخ علي الغماد والشيخ مصطفى البايلي والشيخ محمد الملاح، وقد ظهرت الولاية على ثلاثتهم وقد احترف بصناعة الشاشية وساعده فيها القدر مع كون كراماته كفلق الصبح دخل بقصد الصلاة بجامع القصبة ولما شرع في صلاة النفل دخل إمام الجامع وخطيبه الشيخ محمد البيك وأخذ يصلس في ركن من الجامع فاستعجل الشيخ صلاته ونادى الإمام بتخفيف الصلاة فلما سلم استدناه من مجلسه وعند ذلك سقط الركن الذي كان يصلي فيه الإمام فحمد الله على ذلك وكان يعمل مع أهله فينخل الدقيق ويغسل الثياب وأتاه إلى بيته الداي علي رايس زائراً ومعه رجال دولته فأغلق في وجهه الباب وامتنع من ملاقاته وكانت مدة إقامته بتونس نحو الخمسين سنة وتوفي بين العشاءين من ليلة الأربعاء غرة جمادى الأولى سنة 1110 عشر ومائة وألف ودفن بزاوية شيخه سيدي علي الزواوي عند باب سيدي عبد الله خارج باب المنارة من تونس بعد أن كان ملازماً لإقامة الأوراد الشاذلية بالزاوية المذكورةز وورثه في فضله ولداه إدريس وعبد القادر، فأما إدريس فإن والدته هي ابنة الشيخ داود بن غدريس وأما عبد القادر فإنه من زوجة أخرى وقد كان ازدياده بإشارة القطب الشيخ الجيلي وأشار على والده بتسميته على اسمه، فكان من الصالحين وقد لازم إقامة الميعاد الشاذلي بزاوية الشيخ سيدي علي الزواوي رضي الله عنه مثل والده إلى أن توفي وقد استوفى الموؤخ حسين خوجة ترجمته وترجمة والده أكمل استيفاء كما ترجم لهم الشيخ محمد الوزير السراج رضي الله عنهم أجمعين.
وعلى كل حال فقد نشأ أبناؤه من بعده في خدمة العلم والتحلي بالمكارم إلى أن وصلوا إلى والد صاحب الترجمة فأنجب في رياض العلم ولدين وهما صاحب الترجمة وأخوه. أما أخوه محمد ويدعى حمدة فكان عالماً عاملاً من النحو، وقرأ على الشيخ محمد معاوية المطول وغيره، وقرأ على الشيخ محمد السنوسي الخرشي، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة مختصر السعد، وقرأ الحساب والفرائض على الشيخ محمد بن ملوكة، وقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي. حتى تضلع من المعقول والمنقول، والفروع والأصول، وصار يشار إليه في التحرير والتدقيق وتقدم للتدريس في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة أواخر شهر رمضان المعظم سنة 1258 ثمان وخمسين ومائتين وألف وزان الجامع بدروسه ولما توفي الشيخ فرج التميمي بالمحلة أرسل إليه المشير الأول أحمد باشا باي يراوده على خطة المحلة فتعلل بضعف بدنه، ولما أعيد الطلب قال إنه إن ألزم الخطة المذكورة خرج فاراً فلم يكلفه المشير ذلك. ولازم التدريس وكتب حواشي على مقدمات شرح المحلي على جمع الجوامع حرر فيها مباحث أصولية مهمة وتوفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من صفر الخير سنة 1265.
وأما صاحب الترجمة فقد نشأ في رياض الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة وأخذ عن أخيه كثيراً، وقرأ على غالب شيوخ أخيه، فقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد بن الخوجة، والشيخ محمد بيرم الثالث، والشيخ محمد بن ملوكة، والشيخ محمد بن سلامة وكان آية الله في الذكاء وعلو الهمة في العلم لا يقنع بظواهر الكلام بل يتتبع الأصول ويحرر الوجوه والتعاليل غاية التحرير، تقدم للتدريس فزان الرتبتين وابدع بفصاحته وذكائه ما شاء.
ثم قدمه المشير أحمد باشا باي لحظة القضاء بالمحاضرة في الخامس والعشرين من رجب الأصب سنة 1267 سبع وستين ومائتين وألف فأعمل يعملات عزمه، وعلق همته بالمدارك العالية فنحى منحى الشيخ إسماعيل التميمي في التنزيل وتتبع المدارك والإصابة في التطبيق حتى صار فقيهاً أصولياً مع ما له من اليد الطولى في المعقول، وفصاحة المقول.
ولما توفي الشيخ محمد النيفر قدمه المشير الثالث محمد الصادق باشا باي مفتياً ثالثاً يوم الأحد الخامس عشر من ربيع الثاني سنة 1277 سبع وسبعين ومائتين وألف وقربه حتى أدخله في مجلسه الخاص، وولي مدة المجالس في المجلس الأكبر وتقلد خطة نقابة الأشراف في جمادة الأولى سنة 1278 ثمان وسبعين ومائتين وألف وكان الأمير يرغب في مجالسته وهو لا يتخلّف عن زيارته وقد نال من عطاياه الوافرة أمراً عظيماً وكان ذا رفاهية وحب لنضارة العيش يركب المراكب الفاخرة ويلبس أحسن اللباس.
أدركته يقرئ بجامع الزيتونة درس المحلي ودرس صحيح مسلم بفصاحة بديعة يحضر الدرس وهو ملتف بسفساري من حرير والعلماء بين يديه يأخذ ونعنه، وهو علامة المعقول والمنقول فصيح كريم النفس رفيع الهمة حسن المفاكهة والمحاضرة محب للخلاعة فصيخ القلم واللسان شاعر مجيد، شعره يصلح ديواناً وقد أثنت منه نحو الكراسين في كتابي مجموع مجمع الدواوين التونسية.
وقد شرح قصيدة البردة شرحاً بديعاً سماه شفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح، وله حواش على شرح القطر لابن هشام أبدع فيها ما شاء وحرر فيها مسائل عويصة يحتاج إليها المنتهي أكثر من المبتدي. وقد طبع كل من الشرح والحاشية بالمطبعة المصرية وكتب عليها مصحح المطبعة عند ختم كل تقريظاً لطيفاً وهو الأديب البارع الشيخ طه قطرية بن محمود الدمياطي فكان تقريظه على شرح البردة هو قوله:[الرمل]
ملء عيني من لأوج الحسن يرقى
…
مذ جفاني بات دمعي ليس يرقا
بان عن عيني ولكن لم يبنِ
…
عن فؤادي وعصا صبري شقَّا
عاذلي فيه ملح والهوى
…
آمر ناه لقلب ضل عشقا
راعني من بعد صفو العيش إن
…
قيل قد آن حثيت العيس سوقا
يا حداة العبس قرّت عينكم
…
بالقوارير ارفقوا بالله رفقا
يا بروحي يوسفياً حسنه
…
مصره قلبي وإن أذكاه شوقا
ليته لما كا جسمي الضنى
…
بردة المدح لخير الناس خلقا
سيد لو عاش يطري مدحه
…
ألف عام أفصح الأقوام نطقا
قامت البردة من أعبائه
…
بالذي عز على الغير وشقّأ
يا لها بردة مدح حاكها=شرف الدين الذي أحرز سبقا
واقتضت شرحاً لها من فاضل
…
يكشف السر الذي رق ودقّا
والذي استخرج منها كنزها
…
فاتحاً من بابها ما كان غلقا
شرحها الوافي المسمى بالشفا
…
آخر الطب وما أحلاه ذوقا
هاكه شرحاً بديعاً طبعه
…
من يسوي بصناع الكف خرقا
تم طبعاً فانجلى تاريخه
…
(في شفا القلب الشفا للطبع حقاً)
وكتب على حواشي القطر بقوله: [الكامل]
ظعن الحبيب فبات يندب منزلا
…
صب تنبأ دمعه مذ أرسلا
بلغت به الأوصاف مبلغها الذي
…
تركت به جيد العزاء معطلا
يا عاذلي اقصر من ملامك أو أطل
…
إنّي على الحالين لن أتحولا
أتحط عن أهل الهوى أعباءه
…
فاحطط إذاً عبء الملام المثقلا
لو جئت بالتسهيل في أمر الهوى
…
بوجدت قلباً ساهياً فيمن سلا
لكن رأيتك في الملامة واغلاً
…
فرأيت قلبي في الصبابة أوغلا
هب أن لومك لي هديةُ ناصح
…
يأبى الغرامُ لمثلها أن تقبلا
فاستبق بعض اللوم تهديه إلى
…
أهل القلوب بأن قلبي قد خلا
نحو الحبيب بعثته بهدية
…
بعث الأريب بها إلينا أوّلا
كم خاض بحر المشكللات بفكره
…
حتى لعمرك لم يغادر مشكلا
أكرمْ بها شهدت بأنعم ربها
…
من مد للتحقيق باعاً أطولا
فلتقعد الهمم التي انبعثت إلى
…
نسج على منوالها أن تفعلا
ولتبذل الطلاب في تحصيلها
…
درر النفائس والنفوس لتحصلا
قالطبع أولاها الكمال مؤرخاً
…
(القطر خير هدية طبعاً حلا)
وقد كتب صاحب الترجمة أيضاً حواشي على شرح العصام للسمرقندي لم يتمها، وله حواش على المقدمات من المحلي على جمع الجوامع وله حواش على حاشة المولى عبد الحكيم على المطول سماها الغيث الإغريقي نحا فيها منحى عزيزاً وولج فيها وعور مسالك السعد والسيد وناقش فيها المولى عبد الحكيم وكفاه فخراً يخلد له في العلوم ذكراً.
وكانت بيده مشيخة مدرسة حوانيت عاشور ووليها بعد وفاة الشيخ حمدة الشريف، فختم فيها الأختام الغربية يحضر بها الأمير والعلماء وتجري فيها المباحثات المعتبرة.
ولما توفي الشيخ محمد البنا صار مفتياً ثانياً وله في المجلس الشرعي صولة تنازع مع كبير أهل الشورى الشيخ أحمد بن حسين في المجلس بمحضر الأمير فأبطل الأمير اجتماع المجلس بين يديه من أجل ذلك.
ولم يزل في بذاخة شأنه إلى أن أصابه نقط في عيد الأضحى وكان مقيماً بأريانه فاستمر ساكتاً أياماً إلى أن عاجلته المنية وله من العمر نيف وخمسون سنة فتوفي في يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة 1284 أربع وثمانين ومائتين وألف ودفن بتربة آبائه بزاوية سيدي علي الزواوي عند باب سيدي عبد الله الشريف عليه رحمة الله وحضر جنازته الأمير والمأمور ورثاه خاتمة الشعراء الشيخ محمود قابادو بالمرثية الطنانة في ديوانه التي قال في مطلعها: [البسيط]
خطب له الدين أرنى لحظ مذعور
…
فالناس ما بين مبهوت ومبهور
ورثاه الشيخ محمد بن مصطفى بيرم بقوله: [الطويل]
خطوب المنايا بالرزايا نزعزع
…
شوامخ علم بالمعارف تنبع
فأهدم من حصن الشريعة معقل
…
بدافع عنها كل خطب ويصنع
وزلزلت الأقدام مصابه
…
وخشِّعت الأبصار بالدمع تهمع
وأذهلت الألباب عن كل واضع
…
وأرجفت الأكباد مما يُلسِّع
وأبكمتن الأفواه من كل مصقع
…
وصمّت ذوي الأسماع من هول ما وعوا
ورجت له الأقطار لما غدا بها
…
نعيق غراب البين بالرزء يصدع
وعجت إلى الله المهيمن أعبد
…
تقد لما أمضى بحتم وتخضع
ومن ذا الذي لا يرتضي بقضائه
…
وكيف له إنكار ما هو يصنع
سبانه من خالق ومدبر
…
لإبداع كون للكاملات يجمع
إذا أنت قد أمعنت فكراً بصنعه
…
تجدْ حكمة في كل ما هو يُبدع
ويقضي النُّهى والطبع أن لنوعنا
…
معاداً إلى ما فيه كنا سنرجع
تدّبر إذاً حقاً لما هو محكمٌ
…
بآياته يتلى عليك فيسطع
(فمنها خلقناكم وفيها نعيدكم)
…
ترى القدر عيناً قد تألق يلمع
تذكر بمن قد كان سبقاً ممتعاً
…
فأضحى صريعاً للبليات يُسرع
فيا تراكم من نواصي نععفرت
…
به بعدما قد كان فيها تضوع
وأنجم هدي قد هوت برغامه
…
زكان لها فوق السماكين مربع
وأرباب تيجان له قد تسلمت
…
وأصحاب عرفان به قد تصرعوا
فهذي سبيل الغابرين وأنت في
…
غرور الدُّنا فانظر لماذا ترجَّع
فقز بالذي يرجى ليوم بنهبها
…
إمام الورى وهو المهنا المرفع
رمتْ ابن عاشور بسهمٍ مقرطسٍ
…
وثنت رزايا لا تكاد تجرّع
هو الطاهر الأسمى محمد الرضى
…
مكين بأسرار الشريعة يبرع
له الشرف الأعلى بعلم ونسبة
…
إلى خير خلق الله تنمى وترفع
وذو همة قد رصعت بعلوها
…
مصابيح هدي بالبديع ترصع
هلم بنا نبكي لفقد إمامنا
…
وقد جاءنا منه الصقال الممنع
فيا لهمام الدين فخر رجاله
…
وصدر الفتاوي باللحود المفضع
ويا أسفاً قد دج غيهب فقده
…
بسبل الهدى فهو المصاب المفضع
وواهاً دروس العلم أظلم جوها
…
فأغشى عيون الطالبين التدمع
وواهاً لديون الفصاحة مرتجاً
…
فأمسى قفاً بين البلاغة يصفع
وواهاً لتحرير الدروس وبسطها
…
وتقريرها حتى يزال التبرقع
وواهاً لفهم للمباحث كاشفٍ
…
وواهاً لغضب في النوازل ينقع
وواهاً لفصل للنشاغب حاسمٍ
…
وحزم لأيدي الزور والبهت يقطع
وواهاً لجمَّاع المكارم كلها
…
ونقادة الدنيا العليم السميدُع
فمن ذا الذي للغامضات وكشفها
…
وخوض بحور سبحا متزعزع