الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أنجب في العلم ثلاث أولاد وهم الشيخ حسين والشيخ محمد والشيخ الطيب وعلى يده كانت ترقية ابنيه الأولين لخطة التدريس فبلغ أولهما الرتبة الأولى في التدريس بجامع الزيتونة وظهر منه الجدّ والاعتناء وأقرأ بالجامع كتباً مهمة مثل المحلي وغيره، والثاني في الرتبة الثانية من التدريس وله مواظبة على دروسه ولوالدهما بهما أعظم اعتناء.
وكان عالماً متضلعاً في الفقه ومعرفة فقه القضاء عفيفاً حسن الملتقى، متثبتاً في النوازل له قدم راسخ في المعقول ويد طولى في الأصول وجمال سمت وكمال هيبة أدركه الأجل غرة شعبان الأكرم سنة 1258 خمس وثمانين ومائتين وألف وتبرك الأمير والمأمور بحضور جنازته ودفن بتربته من ربض باب السويقة عليه رحمة الله آمين.
38
الشيخ محمد النيفر
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن مَحمد بن مُحمد بن أبي النور النيفر، ناهيك من عالم عامل، وقدوة كامل، نشأ في بيتهم الرفيع وأسس بالعلم مجده البديع، وقد سبق لنا ذكر منشأ هذا البيت الذي كرم منه كل حي وميت في ترجمة أخي هذا الهمام الصالح الإمام، وذكرنا هنالك نسبتهم إلى شيخ الطريقة الرفاعية مولاي أحمد الرفاعي المصري بناء على أن مقدمهم إلى صفاقس كان من مصر القاهرة.
وأما القطب الرفاعي المشهور الذي تنتسب إليه الطريقة المذكورة فقد رأيت بخط المحدث الشيخ صالح الفلاني نقلاً عن المناوي في ترجمته أنه القطب أحمد بن علي بن يحيي ين حازم بن رفاعة الزاهد الكبير، أحد الأولياء المشاهير، أبو العباس أحمد الرفاعي المغربي شريف نما روض شرفه وهمى على العالم غيث سلفه، كان سيداً جليلاً، وصوفياً نبيلاً، قدم أبوه من المغرب إلى العراق وسكن بأم عبيدة من أرض البطالح وولد له صاحب الترجمة سنة خمسمائة ونشأ بها وتفقه على مذهب الشافعي ثم تصرف وأعرض عما في أيدي الخليفة، وأقبل على اشتغاله بالحقيقة، مات ببلده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ولم يعقب وإنما المشيخة لابن أخيه اهـ?.
قلت الذي في كلام الرفاعية عن صاحب الترياق أن الشيخ كان كثير التزوج وله من الولد اثنا عشر وبنتان، وعدهم، وذكر من انتشر عقبه منهم بما يطول ذكره.
ثم رأيت في تقريب النفحات للشيخ تاج أن الشيخ أحمد الرفاعي من أولاد الإمام موسى الكاظم ورأيت نسبه في مناقبه لبعض السادة الرفاعية في مجلد لطيف عند الشيخ محمد المشطاوي المغربي بمكة المشرفة قال هو أحمد بن علي بن يحي بن ثابت بن حازم بن علي بن حسن بن المهدي بن محمد بن حسين بن أحمد بن موسى الثاني بن إبراهيم المرتضى المشهور بالمجاب ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة بنت رسول الله (وذكر له اثني عشر ابناً وبنتين وسرد أسماءهم وانتشارهم في البلدان وأن منهم إبراهيم وله عقب في الشام ومصر والحجاز إلخ ما ذكره اهـ ما وقفت عليه بلفظه.
والظن أن انتساب آل بيت صاحب الترجمة إنما هو إلى هذا القطب الشهير فيما يذكرون وهم من ذرية من كان من أبنائه في مصر على ما نقله الشيخ صالح الفلاني من وجود عقبه أيضاً بمصر، ومنها تنقلوا إلى صفاقس ثم تنقل منها أبو النور النيفر إلى حاضرة تونس ونشأ في بيت شرفهم صاحب الترجمة مؤسس دعائم بيته بالعلم والعمل فهو مشيد بناء مجدهم.
وكانت ولادته عام 1222 اثنين وعشرين ومائتين وألف ونشأ نشأة صالحة وجمع القرآن على المؤدب الصالح الشيخ محمد القسنطيني، وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة ومع ذلك استمر على حفظ المتون بين يدي مؤدبه سنتين وتصدى لقراءة العلم الشريف
وجود القرءان على الشيخ محمد المشاط، وقرأ على الشيخ محمد معاوية بمسجد حوانيت عاشور شرح الأزهري على الآجرومية والأزهرية وقرأ عليه بجامع الزيتونة شرح الشذور، وقرأ على الشيخ عمر بن المؤدب شرح الأزهري على الآجرومية وقرأ على الشيخ محمد البحري شرح الجربي على إيساغوجي، وقرأ على الشيخ محمد الخضار شرح القطر، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي شرحي الماكودي والأشموني على الألفية، وقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي شرح الشيخ ميارة على نظم ابن عاشر وشرح الفاكهي على القطر وتفسير القاضي البيضاوي، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة قطعة من الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي ونحو النصف من شرحه على الدرة، وأتمه هو بالإقراء لبعض من حضر معه من الطلبة بإذن شيخه، وقرأ على الشيخ محمد بيرم الثالث مختصر السعد البياني ومختصر السنوسي المنطقي، وقرأ على الشيخ إسماعيل التميمي قطعة من شرح الشيخ عبد الباقي وقرأ قطعة على الشيخ الشاذلي بن المؤدب، وقرأ على الشيخ محمد المناعي قطعة منه وقطعة من العضد، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة مختصر السعد، وقرأ على والده الشيخ أحمد بن الخوجة شرح المحلى على جمع الجوامع، وقرأ على المولى الجد الشيخ محمد السنوسي ربع الزكاة من شرح الشيخ الخرشي على المختصر الخليلي وتضلع بالمعقول والمنقول حتى أصبح آية الله في التحصيل والذكاء.
واعتكف على بث العلم في صدور الرجال وتقدم لإمامة مسجد السبخة أوائل شعبان سنة 1254 أربع وخمسين، ولما ولي الشيخ أحمد بن حسين خطة القضاء بالكاف تقدم عوضه لمدرسة جامع صاحب الطابع وعند وفاة الشيخ محمد السقاط تقدم عوضه لمشيخة مدرسة بئر الحجار ثم تقدم مدرساً بجامع الزيتونة في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي.
ثم إن المشير أحمد باشا قدمه لخطة القضاء بالمحلة المنصورة عند عزل الشيخ أحمد بن الطاهر محشي شرح التاودي لنظم ابن عاصم. وقد كان عالماً فاضلاً غراً أتاه أحد الشيوخ بنسخة رسم حبس افتعل فيها ما شاء فعقد عليها ظناً منه أنها كأصلها وختم على عقده يومئذ الشيخ الشاذلي بن المؤدب نائب القاضي إذ ذاك لغياب القاضي ابن سلامة صحبة المشير أحمد باشا، ولما رجع القاضي ابن سلامة ونشرت النازلة لديه أطلع على اختلاف النسخة مع أصلها وأنهى ذلك إلى المشير فتبرأ الشيخ الشاذلي باعتماده على وجود عقد قاضي المحلة الشيخ أحمد بن الطاهر واعتذر الشيخ أحمد المذكور بالاغترار فكانت نتيجة النازلة قطع يد الشاهد الأول وعزل الشيخ أحمد بن الطاهر من العدالة وقضاء المحلة في ربيع الأول سنة تسع وخمسين ومائتين وألف، ولما حان سفر المحلة الاعتيادية تقدم صاحب الترجمة لقضاء المحلة في شهر رمضان المعظم وباشر الخطة بعمله وعمله وسافر لها مع الأمير محمد باي نحو ثلاث محال، غير أنه في آخرتها رفعت إليه نازلة في التشكي من الكاهية صالح بن محمد فأحضره عليه فامتنع من الحكم فعاقبه ولم يتوقف انتصاراً لحق الله وشريعة الإسلام.
ولما رجعت المحلة أخره المشير من الخطة، لكنه ندم على صنيعه في تأخيره قاضياً لعدله، ثم تدارك أمره فقدمه لخطة قضاء باردو يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة 1261 إحدى وستين ومائتين وألف، فسار فيها سيرة أهل الفضل من قضاة العدل.
ثم تقدم لخطة قضاء الحضرة في الحادي عشر من صفر الخير سنة 1263 فزان الخطة بديانته وإنصافه وتحريه، وتدارك أمر الاحتساب على المعاش أحسن تدارك.
ثم تقدم للفتيا فصار مفتياً رابعاً في الخامس والعشرين من رجب سنة 67 سبع وستين، ولما توفي الشيخ محمد الخضار صار مفتياً ثالثاً. واستمر على ذلك وأعاد على جامع الزيتونة حلي تعاليمه بطريقته التي لم ينسج أحد على منوالها، كان درسه يحسبه سامعه تأليفاً مستقلاً في المسألة وذلك من غاية تحصيله وسهولة إلقائه بحيث يلقي الدرس وهو كأنما على رأسه الطير لا يستعين بحركة مع ما في درسه من التحقيق والتحرير.
ومن أعز ما كتبه رسالته في مذهب الشيخ عبد القاهر في "ما أنا قلت هذا" في علم البلاغة حرر فيها المسألة تحريراً يعز على غيره.