الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قرأت عليه شرح الشيخ على مقدمة ابن هشام وشذور الذهب له وشرح الدمنهوري على السمرقندية وشرح الباجوي عليها ونبذة من شرح الباجوري على السلم وشرح الأشموني على ألفية ابن مالك إلى باب التأنيث والفن الأول وغالب الفن الثاني من المطول على التخليض حتى بلغ إلى مبحث الاستعارة التمثيلية، جميع ذلك قراءة بحث وتحقيق، كتبت عنها فيها كثيراً من استظهاراته وتحريراته التي تعز على غيره.
وقد استجزته فأجازني إجازة بديعة مطلقة هذا نصها: اللهم إنا نستجيز من فضلك الواسع مدداً نتأهل به لما نحن منه بأمكنة شواسيع، ونستقدرك على شكر شكرك، وأني لنا بذلك والشكر نفسه نعمة من عندك، ونستمطر السحب التي لا يزال ينبجس عنها ينبوع عين الرحمة، الواسطة ف إيصال كل نعمة، صلوات تتناول صحبه الهداة وآله وكل من نشج على منواله علمه وأعماله.
أما بعد فمن المعلوم البداهي، أن استفادة العلوم بالتلقي الشفاهي، هي الوسيلة الوحيدة للترقي في مراتب المكاشفة العرفانية والشفاهي، ولا جرم أن حصول العلم على هذا النوال يتضمن المأذونية في بثه بدلالة الحال، حيث أن من أعز الآمال نمو النتائج المقصودة من الأعمال، وأن تتسع دوائر مثوباتها المسترسلة، ولا يشاب اتصال البنوة، الروحية فيها بقطع سلسله، بيد أنه لحفظ النسب الروحي المشار إليه، وتعيين ن كان وصول النقول العرفانية على يديه، ترى أمثالنا من التلاميذ، يلحون في طلب الإجازة من جناب السادة الأساتيذ، وقد حصلنا بفضل الله منهم شكر الله سهيهم ورضي عنهم على الإذن بالتقدم للإفادة، غير منفطمين بذلك عن أن نرتضع من مجالسهم أخلاف الاستفادة، حسبما صدر ذلك من بعضهم بالقول وبعضهم بالكتابة، ومن بعضهم بالإعلان في مجلس درسه بأن نجلس مجلسه ونتمم كتابه، إلى غير ذلك من دائل أثمار غرسهم، لا زالت تنهل عليه غمائم رغسهم، وكان ممن انتدى درس العبد، وبذل في اقتناص فرائد وموادها غاية المواظبة والكد، الأديب الأنجب، اليلمعي المهذب، المتيقن منه بفضل الله أن يحي من معارف جده سميه ما تنوسي، الشيخ سيدي محمد ابن أبي النورسيدي عثمان ابن المنعم سيدي محمد ابن العلامة قاضي القضاة سيدي محمد السنوسي، رحم الله السلف، وسركد الخير في الخلف، فالتمس المذكور من الحقير الإجازة، يالا لما أهليته به حقيقة مجازه، ولما لم يسعني إلا إجابة مطلبه، الذي بلوغ إبانه يأبى المطل به، قلت ومن بحر ربي أغتر المقول، مقتبساً إنارة طرف الإيجاب من طرق القبول، قد أجزت للمذكور جميع منقولاتي ومحفوظاتي العلمية من أءي فن كانت إجاوىة عامة مطلقة، كما أخذت مثل ذلك عن شيخنا العلامة الفقيه لمربي أبي حفص تعمر ابن الشيخ سيدي الطالب ابن سيدي محمد المعروف بابن سودة حافظ المذهب المالكي قدس لله روحه وهو عن شيخه الشريف سيدي عبد السلام الأزمي وهو عن عم شيخنا المذكور البدر الكامل العالم العامل الشيخ سيدي محمد الاودي ذي التآلف المفيدة، والمزايا العديدة، وهو عن شيخ المشايخ سيدي أحمد بن المبارك تلميذ الشيخ سيدي عبد العزيز صاحب الإبريز رضي الله عنهم أجمعين ثم لنوص المجاز المذكور بمثل ما أوصيت به من تقوى الله سبحانه والنصح للمتعلمين، وأن يثبت في النقل ويكبح بكف الرواية والأناة زمام العل وأن لا ينسى العبد من دعواته الصالحة والله المسؤول أن يجعل مقاصد الجميع ناجحه، وموازين أعمالنا القاصرة بحسن النيات راجحة، بحرمة رحمة الأنام عليه أزكى الصلاة والسلام، كتبه خديم العلم الشريف وأهله سالم بو حاجب في صفر الخبر سنة 1290 تسعي ومائتين وألف.
الشيخ محمد بيرم
هو شيخنا أب عبد الله محمد بن مصطفى بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن حسين بن بيرم كان والده من وجهاء البلد، فاضلأن كريمأن عزيز النفس، عالي الهمة، قدمه صهره المشير الثاني المولى محمد باشا باي لخطة الاحتساب العام وجعل له ختماً نقش عليه من شعر الشيخ قابادو قوله:[المجتث]
بالمصطفى رب وفق
…
سميه لصوابه
البيرمي نجارا
…
أدم ثوابَ احتسابه
وقد زان الخطة المذكورة ونهض لها نهوض الزعيم، وهجر في خدمتها لذائذ الراحة والنعيم، وأظهر من عز شأنهأن وفخامة بنيانهأن ما عظمت بها صولتها فامتدت على أوقاف سائر جهات المملكة وتصرفات سائر حكام البلاد ومتعلقات أحوال أهاليها امتداداً بلغ العناية جميع مدة دولة المشير الثاني.
وبعد ذلك لم يساعده طبع الزمان على ما رامه وقد توفي سنة 1279 تسع وسبعين ومائتين وألف.
وأما صاحب الترجمة فقد ولد سنة 1256 سنة وخمسني ومائتين وألف وتربى في حجر المعارف والبذاخة البيرمية، وقرأ القرآن برواية حفص على الإمام المجود الشيخ محمد بن أحمد البارودي مؤلف رسالة مخارج الحروف، وقرأ على والده متن الآجرومية وشيئاً من علم الحساب، وقرأ على ابن عمه الشيخ أحمد بن محمد بن حميدة بن حسين بيرم الآجرومية وشرح الشيخ خالد عليها ومتن القطر وشرحه ومتن السمرقندية وشرح العصام عليها والمكودي على الألفية ونبذة من القدروي وغالب صدر الشريعة بشرح الوقاية والشمائل، وقرأ على الشيخ أحمد بن نصر والشيخ خالد والأزهرية والقطر والمكودي وشرحي الدمنهوري والعصام على السمرقندية والمدمة والفاكهي وإيساغوجي وشرح القاضي عليه ونبذة من الأشموني ومتن التلخيص، وقرأ على الشيخ الأمين بن الخوجة غالب الدر المختار، وقرأ على الشيخ صالح بن فرحات نبذة من الشيخ خالد ونبذة من الفاكهي، وقرأ على الشيخ محمد الشاهد العقيدة السنوسية والأشموني والسعد وقطعة من المطول ومقدمة القسطلاني وقرأ على الشيخ محمود قابادو شرح القاضي على إيساغوجي ونبذة من التلويح ودروساً من تفسير القاضي البيضاوي، وقرأ على الشيخ أحمد عاشور السلم، وقرأ على الشيخ علي العفيف القطر والتصريح والأشموني والسعد ونبذة من المحلي، وقرأ على الشيخ الشاذلي بن صالح القاضي على إيساغوجي والدمنهوري، وقرأ على عم جده الشيخ مصطفى بيرم شرح المنار البيرمي، وقرأ على الشيخ الطاهر بن عاشور نبذة من المحلي ونبذة من الأبي على مسلم، وقرأ على الشيخ محمد معاوية صدر الشريعة.
وتصدى للإقراء ببراعة كلية، وتدم لخطتي التدريس في الرتبة الثانية ثم الأولى بجامع الزيتونة في الخامس عشر من رجب سنة 1284 أربع وثمانين وتقدم لمشيخة المدرسة العنقية، وختم فيها الأختام المهمة المشتملة على تحرير عزيز المسائل، وقد حضر الأمير بعضها وقد كانت تلك الدروس مجالاً لعلماء العصر وقد اعتاد إعادة تدريس تلك الأختام في بيت ولي العهد الأمير علي باشا وهو يجل مكانته ويواصله عنها كل سنة.
وهو عالم فاضل، عالي الهمة، عزيز النفس، رفيع الحسب، شاعر ناثر ينظم رقيق الشعر، وله جيد النثر، وقلمه في الإرسال في غاية الفصاحة، فصيح اللسان، حين المحاضرة بغاية الأناة والسكينة، خبير بالسياسات الشرعية والوقتية، ثبت وقور حسن التدبير، واسع الإدارة طولب للخطة الشرعية عدة مرات فامتنع من ذلك متعللاً بضعف بدنه، مرض بأعصاب معدته وسافر لمداواتها عدة مرات لباريس وإيطاليا.
قدمه المشير محمد الصادق باشا باي لرياسة جمعية الأوقاف في صفر الخير سنة 1291 إحدى وتسعين ومائتين وألف، فأحسن تنظيمها وإجراءهأن وأجرى العمل بتراتيبهأن فنفع البلاد لحفظ الأوقاف وعندما رأت الدولة كفاءته للخدمات السياسية انتفعت بحسن تدبيره في مهمات الخدمة وأدخلته مدخل رجال السياسة، وتدم لنظارة المطبعة، وأحيا ذكرها في البلاد وتوظف عضواً في عموم الجمعيات التي انعقدت لوضع التراتيب العلمية وغيرهأن وبإشارته كان إنشاء المستشفى الصادقي فباشر إقامته وألف قانونه ورى على رأيه ولذلك واصله الأمير يوم فتحه بصندوق مرصع باسم الأمير في الموكب العام هنالك، غير أنه بعد ذلك أنكر عليه ميله للشورى وحب للمجالس وإن اضطر لتوظيفه عضواً في مجلس الدولة الشوري مه ما هو عليه من المرض الملازم له الذي يضطره في كثير من لأحيان إلى إٌقامة بداره، حتى أنه لما أعياه التداوي حضراً وسفراً ألح في طلب الإذن له بالاستعفاء من سائر الخدمات التي بين يديه لما يجده من ألم المرض ولم تسعفه الدولة بذلك.
ثم إن في سفره الأخير كان كلفه الوزير الأكبر مصطفى بن إسماعيل بمأمورية سرية من مصالح البلاد مع دولة فرنسا لم يثبت عليها الوزير وتنكر له عند إيابه حتى خاف عاقبة ذلك وأشير عليه بعود السفر فطلب الإذن بالتوجه لبيت الله الحرام بعد قدومه من باريس بما دون الشعر فخرج لحج بيت الله الحرام في العشرين من شوال سنة 1296 ست وتسعين ومائتين وألف، وحج بيت الله الحرام وزار الروضة النبوية على صاحبها أزكى الصلاة والسلام، ثم زار بيت المقدس وقد بلغ خبر وصوله بيروت الشام يوم الأحد الثامن والعشرين من المحرم سنة 1297 سبع وتسعين.
وحيث بقيت خططه شاغرة أعطاه الدولة جميه ما بيده من الوظائف السياسية، ثم تنقل من الشام إلى دار الخلافة العثمانية إسلامبول، ونزل هنالك منزل التعظيم والتكريم، وانضم إليه كبر أبنائه فأدخله المكتب السلطاني، ثم رجع إلى إيطاليا فأقام بها مدة ومعه ولده سميه المذكور وأقام للتعليم بأحد مكاتب سويسرة، ثم ألحق به بقية أبنائه وأهله وأتباعهم، واجتمع جميعهم بالآستانة العلية وأواخر ذي الحجة الحرام سنة 1298 ثمان وتسعين، وند ذلك اسقط من وظيفة التدريس بجامع الزيتونة وتقدم لوظيفته غيره.
وقد اشتغل في سفره المذكور بتأليف رحلة جليلة استوعب فيها جميع الكرة الأرضية، وقد كان ابتدأ في تأليفها منذ رجوعه من سفر باريس وأطلعني على ما كتبه في مقدمتها غذ ذاك من التعرض لشأن السفر وحكمته وحممه البلاد الإفرنجية واستوعب المسألة بأنقال المفسرين والفقهاء، وأتي في ذلك على ما يعز على غيره وجرى على ذلكم المهيع في الاستيعاب والإطناب بما يشف عن قوة عارضته وكمال تضلعه في السياسة، ثم عند سفري الأستانة في شهر رمضان سنة 1299 تسع وتسعين ومائتين وألف أطلعني على ما أنجز من أجزائها وسماها صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار وبسط فيها القول على جغرافية جميع ممالك المعمور وتواريخهأن وشرح جميع ما وقف عليه في أسفاره شرحاً شافياً وعند ذكره لسفره من تونس بسط القول فيها على طبيعة المملكة وعمرانها وسياستها ودولها وأحوال ملوكها ووزرائها وعوائدها وجميع متعلقاتهأن وذكر في آخرها ما آل إليه أمر سياستها مما لم يبق مع تفصيله لقائل، وبذلك كان استيفاء تاريخ البلاد بما تضمنته تلك الخلاصة على أكمل وجه جزاه الله خيراً.
كما وقفت له على رسالة جليلة في أحوال بلدان الإسلام وحكم الهجرة أبدع فيها ما شاء وأقام بالأستانة إلى أن شق عليه مرضه العصبي الذي سافر به إلى باريس أولاً وأشار عليه الأطباء بالتنقل إلى البلاد الحارة فخرج بأهله وأبنائه رابع محرم من عام اثنتين وثلاثمائة وألف، وتوجه إلى مصر فاختارها للإقامة ولم يبق عليه السلطان جرايته التي أجراهأن وعوضه منها الخديوي أحسن جراية وفتح المطبعة الإعلامية ونشر صحيفة الإعلام بها إلى أن ولي حاكماً بالجالس المختلطة.
وقد كنت قرأت عليه قطعة من مختصر السعد على متن التلخيص بحواشيه كدنا به نتمم الفن الأول وقد استجزته فأجازني إجازة مطلقة عامة ثم خص فيها سنده المحمدي في صحيح البخاري وهذا نصها: الحمد لله المتفضل بالعلم تفضيلأن والمسير لسبل التعليم لينال اللاحق رتبة السابق تكميلأن المودع بعجيب حكمته في مكنون حلقته فنوناً تندهش العقول لأكثرها إجلالاً وتبجيلاً مع أنها لم تحط الإبنزرٍ منها "وما أوتيتيم من العلم إلا قليلاً" والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على مدينة العلوم ومظهر إجلالها ومفيض بحار الشريعة حتى ارتوت الطباع بمشارع حرامها وحلالهأن سيدنا ومولانا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.