الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيالك من طودٍ تضعضع ركنه
…
وخرّتْ إلى بطن الوهاد شناخبه
قضى الله أن تعفو الرسوم وتطمس ال
…
علوم وأن يسترجع الدر واهبه
وأن يأخذ الناشي من الترب مصحفاً
…
وإن خلقت فوق السماء مراتبه
مضى ثالث الأعلام من آل بيرم
…
إلى نزلٍ رحبٍ كريم يناسبه
فلا كان من يومٍ به كان نعيه
…
فقد هلك (النعمان) فيه (وصاحبه)
إمام كسا الإسلام نوراً فأشرقت
…
مشارقه من حسنه ومغاربه
إذا ذكر النقاد نقداً لغيره
…
فحليته منشورة ومذاهبه
فمن لمصاب الدين يبكيه فيلحدْ
…
بدمع، وإنْ لم يقض بالدمع واجبه
وقل لبنات المجد قد بان مفخر
…
لكم وإذن فليطلب المجد طالبه
محمدُ لا تبعد فديناك سيّداً
…
فما عنك إلاّ فاقدُ الظن ذاهبه
فمن للقضاءِ الفصل والكلم التي
…
إذا انتظمت بالدرّ يهواه ثاقبه
ومن لبيان المشكلات بصارمٍ
…
من الفكر عضبٍ ليس تنبو مضاربه
ومن لفضاء الصدر إن عز مجلس
…
له احتفلت يوم القضاء مواكبه
ومن لبغاة العرف إن ضاق ذرعهم
…
بوجه كصوب القطر تهمي جوانبه
وكنتَ لمن قد غص كالماء مسعداً
…
فديت فمن للماء إن غصّ شاربه
عسى النسخة الغراء تجبر صدع ما
…
تصدع يكسى حلة الأصل نائبه
فيا تربةً واريتِ أكرمَ من مشى
…
على الأرض هوناً ليس يهضم جانبه
ويا ساحةَ العلياء أقفرتِ بعده
…
كأن لم تحم يوماً حماك مواهبه
سقى رمسك السامي مساءً وغدوةً
…
نوالٌ من الرضوان تهمي سحائبه
ولقّاكَ في الفردوس أكرم منزل
…
تناغيك منه خوده وكواعبه
ونلت الرضا ما قال يوماً مؤرخ:
…
(ألا فجع الإسلام وارتج جانبه)
24 الشيخ حسن البارودي
هو الشيخ أبو محمد حسين بن محمد بن حسين البارودي بن إبراهيم وهو المفتي ابن أخي المفتي وأخو المفتي وابن شيخ الإسلام فهو الخامس من آل بيتهم وثالث آبائه في الخطة الشرعية.
ولد سنة أربع وخمسين وتسعين ومائة وألف ونشأ في عز آل بيته وقرأ على عمّه أبي العباس وعلى العالم الوافد من المغرب في أواخر القرن الفارط الشيخ محمد الفاسي وعلى شيخ الإسلام البيرمي الثاني وعلى غير هؤلاء من علماء جامع الزيتونة إلى أن حصل على ملكة من الفقه الحنفي وولع بالقرآن والتجويد وانتصب لبث ذلك فأخذ عنه كثير من أشياخنا.
ولما توفي والده قدمه الأمير حمودة باشا خطيباً بالجامع الباشي عوض الشيخ مصطفى البارودي أخيه أواسط ربيع الثاني عام 1216 ستة عشر ومائتين وألف، ثم لما توفي أخوه أولاه الأمير المذكور إمامة بجامع باردو المعمور أواخر شعبان الأكرم سنة 19 تسع عشرة، وفي يوم الجمعة منتصف ذي القعدة الحرام ولي إمامة الجامع الباشي وتدريسه وولي أخوه الشيخ أحمد البارودي خطبة الجامع الحسيني فزان المحراب والمنبر فصاحته وحسن تلاوته وروايته.
ونمكث يبث علوم القرآن والفقه إلى أن توفي المفتي الثاني الشيخ أحمد بن الخوجة، فقدمه الأمي حسين باشا مفتياً ثالثا ًصبيحة يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رمضان المعظم سنة1241 إحدى وأربعين ومائتين وألف، ثم بعد وفاة شيخ الإسلام البيرمي الثاني تقدم مفتياً ثانياً أواسط جمادى الأولى سنة 47 سبع وأربعين.
ولما توفي شيخ الإسلام البيرمي الثاني قدم الأمير للرئاسة ولده رابع البيارمة وجعل كاهيته الشيخ محمد بن الخوجة ثم تقدم ثم تقدم أبو العباس أحمد الأبي مفتياً ثالثاً وابن صاحب الترجمة رابعاً لكنه لكمال ثبته وخبرته لم يؤثر عنه تأثر من ذلك، ولازم طريقته المثلى.
ولم يزل مواظباً على الإقرار والتجويد بجامع الزيتونة مع خيرية ووجاهة وتواضع حسن خلق كريم وكرم نفس وعلو همة، أتاه بعض أعيان البلاد ليلة العيد متشكياً من القل فلما أراد الخروج من عنده ولم يكن عنده وقتئذ ما يواسيه فانتزع بعض ثيابه وأذنه ببيعه لقضاء حاجته. وهو معروف بالانقياد إلى الحق أن أتاه أجله بمرض لكوليرا العام فتوفي خامس من رمضان المعظم سنة 1266 ست وستين ومائتين وألف وأرخ وفاته ولده العام الشيخ محمد البارودي بقوله:[الكامل]
مدّت إليك موائدُ الرضوان
…
وسعت بها حور مع الولدانِ
يا قبر من خدم العلوم دراسةً
…
أحرى الفنون تلاوة القرءان
إذ قد أفاد بها وأبدى دقة
…
فيها وأتقن غاية الإتقان
أعني حسيناً ذلك البارودي من
…
ذو السؤدد الأسنى وذو الإحسان
من فد عنى علم الشريعة والهدى
…
فرقى به لمراتب الأعيان
قد سرّ تونس ما فشا من علمه
…
إفتاؤه في مذهب النعمان
لكنه لما أتى في سنه
…
لما نفته فسيئ بالأحزان
دلت على حشر له لشعورها
…
بتوقع في قابل الأزمان
قد كنت أعلم نفيها الأحداث ل?
…
كن قد نفت في ذا قوى الإنسان
قد حل في شهر الصيام سقامه
…
بالبطن أصلا قامع الغثيان
في خامس من ذاك كان وفاته
…
ليجيب دعوة خازن الريان
لما توارى قلت في تاريخه
…
(نت يا شهيد مؤَّنس القرآن)
الشيخ محمد بيرم الرابع هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرام، رابع آبائه في مشيخة الإسلام.
ولد ليلة الأربعاء منسلخ جمادى الأولى من عام عشرين ومائتين وألف نشأ بين يدي أبيه وجده وقرأ القرآن العظيم، ثم قرأ العلم الشريف، فقرأ على جده كتب مبادئ النحو إلى أن ختم عليه الألفية لابن مالك، وقرأ مختصر المنار وإيساغوجي والفقه والتوحيد ومصطلح الحديث وروى عنه قطعة من صحيح البخاري وأخذه عنه بسنده فيه، وقرأ على والده الشيخ محمد بيرم الثالث كتب مبادئ النحو والألفية ومبادئ المنطق والبيان والفقه، وقرأ على الشيخ ابراهيم الرياحي دروساً من لنحو والتوحيد وقرأ عليه السعد والمحلي وصحيح البخاري وتفسير القاضي البيضاوي وقرأ على الشيخ عبد الرحمان الكمال الدرة وشرح العقائد النسفية، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي الفرائض والنحو والحديث، وقرأ على الشيخ محمد بن ملوكة شيئاً من الحساب والنحو والتوحيد.
ولما استكمل تعاليمه جلس للإقراء بالمدرسة العنقية وعمره ثماني عشرة سنة، وأقرأ بجامع الزيتونة إقراء تحرير.
ثم تقدم مفتياً ثالثاً وعمره سبع وعشرون سنة وذلك منتصف أولى الجمادين سنة 1247 سبع وأربعين ومائتين وألف فتجمل للحظة وتجملت به. ولما توفي والده قدمه المشير الأول أحمد باشا باي لمشيخة الإسلام ونقابة الأشراف ومشيخة المدرسة العنقية وذلك في ربيع لأول سنة 1259 تسع وخمسين ومائتين وألف، فوليها وعمره تسع وثلاثون سنة وزانها بحسن التنظيم وحفظ حقوقها وصادف أن كانت ولايته عقب وقوع الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة فضبطه وذب على حقوق العلماء وجمع شملهم وأجرى الأمور بجامع الزيتونة مجراها.
ثم جرى على يده تنظيم المجلس الشرعي وإقامة اجتماع المجلس الشرعي وإقامة دار الشريعة المعمورة، فأنشأ الترتيب المعجول بالمعلقة التي في صدر بيت اجتماع المجلس الشرعي، وبعد أن أنجز ذلك الترتيب من المشير الثاني أنكره بعض الشيوخ وتعقبوه بكتائب، ولما بلغ خبر ذلك لصاحب الترجمة كتب إلى لسان الدولة في ذلك بقوله:[الوافر]
سلامٌ نشره كالمسك فاحا
…
جعلتُ لحمله طرسي جناحا
إلى علم البلاغة من تسامى
…
بأعلى أفقها بدراً ولاحا
وبعد فإن ما حررت مما
…
لدار الشرع أحسبه صلاحا
وأنفذ كتبه في اللوح جزما
…
وخاطبني المشير به صراحا
تعقبه الشيوخ بأن فيه
…
عليهم في تقرره جناحا
وأبدوا في البيان له وجوها
…
لدى الإنصاف لن تلفى صحاحا
ولكن ما لهم ضبط قديم
…
فقد كانت مصالحهم فساحا
ولما ألزموا في الحال ضبطاً
…
أبى كل تحمله وباحا
ثم وقع العمل على إجراء ما بالملعقة المذكورة.
وتقدم خطيباً بالجامع اليوسفي فزان المحراب والمنبر، وخطب من إنشائه العذب خطباً بليغة، وختم فيه الأختام العزيزة، وكان صهره المشير الثاني محمد باشا باي له معه مودة أكيدة قربه بها وأشركه في سياسة الدولة.
وجرى على يده انتخاب العدول بالحاضرة وذلك أنه صدر الإذن أولاً لكافة الشيوخ أهل المجلس الشرعي بأن ينتخب كل واحد منهم مائتين من العدول الموجودين ثم جمعت الانتخابات المذكورة عند الأمير، ومن يوجد من العدول وقع عليه انتخاب جميع الشيوخ، أو أكثرهم يثبت في العدالة إلى استكمال المائتين، ثم يؤخر عن الإشهاد ما يبقى، فكتب الشيخ جريدة بها مائتا عدل اختار غالبهم من المنقطعين للعلم الشريف، واعتمد في المشاهير من موثقي عدول الحاضرة على انتخاب بقية الشيوخ، ولما حضرت الجرائد عند الأمير نفذ انتخاب شيخ الإسلام وترك جميع الانتخابات فانجلى الحال على إسقاط كثير من رجال التوثيق من خطة العدالة، منهم الشيخ محمد بن سلامة، والشيخ الحاج محمود الباهي العريان، والشيخ عثمان الحشائشي وغيرهم، وأحس من ذلك جميع الشيوخ أهل المجلس الشرعي ونسب جميع العدول والمتأخرين أمر عزلهم إليه فتعاطته الألسن وباشره بعضهم بما يكرهه من أجل ذلك، وتحمل بثبت صبره جميع ما جرى من ذلك عاذرهم فيما أصابهم من ألم العزل، وأما المنتخبون من العدول فقد ألزمهم التقيد بمروءة العدالة ولبس شعار أرباب الوظائف الشرعية، كما الزم بذلك أهل العلم والأئمة وتشدد في إجراء ذلك حتى اتخذ الناس ذلك الأمر شعاراً وصان بذلك فضلهم وأظهر ناموس خططهم الرفيعة.
ولما ولي المشير الثالث محمد الصادق باشا بأي أمر بإرجاع أوامر جميع العدول وأطلقت الألسن بشكر فضله بسائر المجامع، فأرجها لهم شيخ الإسلام المذكور بعد أن كتب فيها انتخابه إياهم وعلى كل حال أجرى عليهم التقييد بمروءة خطة العدالة وحافظ عليه بغاية جهده.
وكان عالماً فاضلاً نزيهاً عالي الهمة خبيراً بالسياسات الشرعية وإيقاعها في مواقعها، حكيماً في وضع الأشياء مواضعها، فصيح اللسانين كريم السجية، حسن الأخلاق جميل السمت وقوراً مهاباً جليلاً، غيوراً على العلم والعلماء حامياً لحوزة المعارف، محافظاً على مروءته، شاعراً مفلقاً له نظم ونثر يزريان بتغازل الجفون المراض، في بساط الرياض، إن أطنب أعجب وإن أوجز أعجز، لشعره ديوان يزري بقلائد العقيان، لطافة وإحكام نسج واتساق معان، إلى أن أدركته المنية فتوفي ثالث جمادى الأولى 1278 ثمان وسبعين ومائتين وألف، ورثاه الشيخ محمود قبادو بقصيدته التي أربت على ما سواها طولاً وبلاغة المثبتة بديوانه ومطلعها:[الكامل]
القلب يخشع والمدامع تهمعُ
…
والقول ما يرضي الإله وينفعُ
ورثاه الشيخ سالم بو حاجب بقوله: [الكامل]
خطبٌ لركن العلم منه تزعزعُ
…
ولطالبيه تفجعٌ وتوجّعُ
عمَّ المصابُ به وعمّم عهدنا
…
إنَّ الهموم تهون حيث توزع
إذ أفرع النادي على أكباد أه
…
ل القطر قطراً والمسامع أقمع
فالناس بين تلهف وتأسّف
…
والصّبر صبرٌ لم يكن يتجرّع
حتى الحسودُ أبان من غشيانه
…
ولذا غدا سنَّ التندم يقرع
خطبٌ نفوسُ المجدِ منه كئيبةٌ
…
وبه لأفئدة العلوم تروُّع
وبه معاطس همة قد أرغمت
…
وقفا القوافي بالغباوة يصفعُ
يوم استبى روح العلا الفذَّ الذي
…
كل لعزته يذل ويخضع
واسترجع الدهر الضنين ذخيرة
…
في الدين والدنيا إليها المرجع
هو ذلك الفذُّ الإمام المرتقي
…
رتباً بأدناها الأحازم تقنع
الجهبذُ الحبر الوفي المرتضى
…
اللذوعي الألمعي المصقع
البيرمي محمد بن محمد ب?
…
ن محمد بن محمد والأربعُ
أعلامُ علم، تاجُ تونسَ لم يزل
…
منهم بمحمود الخصال يرصّع
يا أيها النحريرُ دعوةُ آسف
…
تخذ التلهفَ ديدناً لو ينفع
إن غاب بدرك من سما الدنيا ففي
…
أوج الجنان لديه نور يسطع
لكن لحتفك عبرة بين الورى
…
ولأهل ودك عبرة لا تقلع
ولفقد عدلك في القضاء فظاعة
…
وعلى المعارف فقد فهمك أفظع
وأرى لسعر الشعر بعدك حطة
…
وأساءُ إذ سعر الجهالة يرفع
لهفي على الكهف الذي كنا له
…
نأوي فيحنو مثل أمٍّ ترضع
لا يبخسُ الفضلاءَ من أقدارهم
…
شيئاً ولا وضيع منه يرفع
وشعاره الإعراض عن أغراضه
…
ولديه إرجاف الوشاة مضيع