الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنيت به نجل السنوسيّ من غدا
…
يفوق على الدر النظيم فريده
له نشأة في الجود والبأس قد سمت
…
يذاب به صم الثرى بل حديده
شبيه أباه في الفخار وجدّه
…
فيا لقديم قد قفاه جديده
سيعلي مباني المجد مثل جدوده
…
فيا به من فخر يعود معيده
سقى الله مثوى جده كل مزنة
…
تضوع به ضوع الرياض لحوده
وأبقى أباه للسيادة والعلا
…
تزاد عطاياه ونحن عبيده
لقد ظهرت علياه مظهر شارق
…
وهل ينكر المحسوس إلا حسوده
إذا كان علم فهو وضّاح أصله
…
وغن كان رأي غامض فرشيده
فلو أننا في يوم خطب نؤمه
…
سألناه شرخ العمر كاد يعيده
ولو أن أقمار السماء تحجبت
…
لأغنى سري الفخر عنها وجوده
لأزكى الورى نفساً وأكرم معشراً
…
وأمكنهم من مورد يستفيده
ليهنك نجل سعده لاح مشرقاً
…
تسرُّ به آباؤه وجدوده
وتلك يد من نعمة الله فز بها
…
وأرخ (يد نجل تبدت سعوده)
غير أن الله سبحانه اختار الآخرة والأمل في الفضل أن يكون فرطاً وذخرأن وحسنة وأجرأن إذ أنه على عقب وجودي من حج بيت الله الحرام مرض بالحصبة وتوفي بعد الزوال بنصف ساعة من يوم الأحد غرة جمادى الأولى سنة 1300 ثلاث عشرة مائة.
إلى هنا كان موقف جواد القلم، وغاية الجمع الذي في سلك الإبداع قد انتظم، فبرز إلى الوجود من العدم، فجاء نزهة المسافر، وتحفة السامع والناظر، غذ توشح من تعريف الرجال، بما يبلغ به مطالعه غاية الآمال، على حسب ما في مقدرتي من الاطلاع، لا على حسب أولئك الأعلام الذين لاحت فضائلهم كنار على يفاع، وإني وإن كتب تعاطيت في جميع مآثرهم ونشر مفاخرهم ما يتعاطاه الغيور على بلاده، المتصدي لجمع شمل مفاخر علمائها من شيوخه وأجداده، لكن قصر الباع، وحداثة السن وعدم الاطلاع، كلها أعذار أقدمها لما وقع مني من الإخلال، في التعريف بأولئك الرجال، إذ أني فاتحت بهذا التعريف من عمري مكمل الثلاثين، وأني لابنها واستقصاء غايات الشم العرانين، فهيهات هيهات الوصول إلى الغايات لكن حسن ظني بكرام العشيرة، سهل علي التجاسر على المواقع الخطيرة، فأدلجت مع اعترافي، بأني لست من ذوي القوادم أو الخوافي، راجياً رضى السادة الذين أعملت قلمي في خدمة مجدهم، فعسى الله أن يوليني أيمن رفدهم، برضاهم علي في هذا الصنيع، الذي اعملت فيه جهد المستطيع، آملاً منه سبحانه تعالى أن يحشرني في زمرة هؤلاء الأعلام، الذين تتباهى بهم الأيام، بجاه نبيه عليه الصلاة والسلام.
اللهم يا من ليس لكماله غاية، نسألك بجاه رسولك أن تحسن لنا في كل عمل البداية والنهاية، وأن تديم علينا ما عودتنا به من خفي الألطاف، التي نرجو أن تصاحبنا إلى يوم المخاف، وأن تؤمن عاقبتنا في جميع الأمور، وتحمينا من كل ذي جور وفجور، وأن ترزقنا بفضلك العلم والعمل، وتجعل فينا وفي ذريتنا من الخير ما يبلغ به الراجي إلى غاية الأمل، اللهم احفظ منا اللسان واليد والقدم، واحمنا بلطفك وحفظك من مزالق القلم، يا ذا الجود والكرم. اللهم اجمع لنا بين سعادة الدارين مع الأمن والعافية، وأسبل علينا من سرادق فضلك البرود الضافية، يا من ليس لفضله حد، ولا يعجزه مطلب أحد، واغفر لنا ولوالدينا ولمشائخنا ولمن أحسن غلينا ولإخواننا بجاه رسولك الكريم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وقد أنجزته بعون الله فيما دون الشهرين وذلك بفضل الله الذي لا يخيب من توكل عليه سبحانه وتعالى. ووافق الفراغ من جمعه الأول ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من المحرم وتم بإعانة الله تبيضه أواخر جمادى الثانية كل ذلك سنة 1297 سبع وتسعين ومائتين وألف.
الملحق
التشريع
أنشأ الأستاذ السنوسي قصيدة طويلة مبنية على التشريع مدح بها الإمام العلامة المرحوم الشيخ محمد الطاهر النيفر قاضي الجماعة من سنة (1290 إلى 1311) لما ختم كتاب الشنشوري على الرحبية في الفرائض.
وكان درسه للشنشوري درساً حافلاً غص بالطلبة فأراد الأستاذ السنوسي تخليد هذا الختم بقصيدته ملتزماً فيها هذا النوع من البديع.
أعني التشريع وهو نوع من أنواع البديع يبني فيه الشاعر ما ينظمه على وزنين من أوزان القريض وقافيتين فإذا أسقط من أوزان البيت شيء يخرج شعر مغاير في الوزن والقافية.
وهو نوع معروف في كلام العرب ومنه قوله: [الكامل]
وإذا الرياح مع العشي تناوحت
…
هوج الرمال بكثبهن شمالاً
ألفيتنا نفري الغبيط لضيفنا
…
قبل القتال ونقتل الأبطال
ومن بليغ التشريع ما جاء عن الحريري في مقامته الثالثة والعشرين الشعرية:
يا خاطب الدنيا إنها
…
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
…
أبكت غداً بعداً لها من دار
وهي قصيدة في تسعة أبيات من الكامل تخرج منها قصيدة أخرى من: [مجزوء الكامل]
يا خاطب الدنيا الدن?
…
?ية إنها شرك الردى
دار متى أضحكت
…
في يومها أبكت غدا
وقد اقتفى السنوسي الحريري في قصيدته المذكورة بقوله:
مسك الختام برحب روض قد هفا
…
بتعطر وبه النسيم تلطفا
فإذا أسقطنا قوله (ولبه النسيم تلطفا) تستخرج قصيدة أخرى بغير قافية القصيدة، ومن مجزوء الكامل:
مسك الختام برحب رو
…
ضٍ قد هفا بتعطر
ولبيان القصيدة المستخرجة من القصيدة الأصلية أعدت في هذا الملحق نشرها مع بيان القصيدة المستخرجة بالنقط في كل بيت وكذلك في قصيدتي التقريظ ثم أتبعت ذلك بنشر القصائد المستخرجة من القصيدة الأصلية وتقريظها.
جاء في (ص131) من هذا الجزء الرابع: أنشأت في ذلك الختم قصيدة من التشريع لما وقع في الكتاب المذكور من الازدحام وهي قولي: [الكامل]
مسك الختام برحب رو
…
ض قد هفا
بتعطر
وبه النسيم تلطفا
أحسنْ به إذ فاح في
…
روض العلو
م الأخضر
وبكل زهر عرّفا
فغدت به الأزهار ما
…
ئسة بنو
رٍ أنور
كالريم حين تعطفا
وغصونها زينت بور
…
د للمنى
والعبهري
والكل فيه تالفاً
ودنا قطوفة بعدما
…
شاكى الحمى
عنْ مبسر
وبدا لدنيا مشرفا
وغدا به نهر البشا
…
ئر هاملاً
كالكوثر
وبه الجنان تزخرفاً
وترنحت أطياره
…
فوق الربى
بالمزهر
وبه الحزين قد اشتفى
وبه الظبا بين الربى
…
كلٌّ سبا
بتبختر
فربا الحبا بعد الجفا
ماست وقد رفعت ذوا
…
ئب فاحم
عن مقمر
فبدا الجمان وما اختفى
فبدا الندى من فوق ور
…
د تحت خال
عنبري
كالليل عن شفق ضفا
وبثغرها ثلج على
…
خمر تح
?ل بسكر
فلقد تسامت مرشفا
فشفى الضما ضربُ اللمى
…
مذ قد همى
من جوهر
ظلم نما منه الشفا
وافت تهز معاطفا
…
مثل الكثي?
?ب الأعفر
والقد بان مهفهفاً
ورمت قلوب العاشقي?
…
?ين بسهم لح?
?ظ أحور
وبه الفؤاد تحترفا
فرأيت ما قد فات في
…
شرخ الشبا
ب بمحجر
لا القصد منه تخلفا
فداع الملام ومن أتا
…
ك يشي لجا
كالمنذر
ودع العذول معنفا
واحضر نديمي لي بوج?
…
?هـ ضاحك
مستبشر
ولدي كنْ كنْ مسعفا
وأدرْ على روح المع?
…
?نى راحة
إذ يجتري
عماله قد كلفا
فاقرع لنا ثغر الكؤو
…
س وأملها
بالمسكر
وأدر عليذ القرقفا
وامزج بها راح امتدا
…
ح الأطهر اب?
?ن الأطهر
الفذ الإمام أبي الصفا
الطاهر الحبر الهما
…
م ابن الهما
م النيفري
نجل الرسول المصطفى
هو عالم الدنيا ومؤ
…
نس تونسٍ
بتصدر
مذ كلنا قد سرهفا
ذا وارث المختار خي?
…
?ير الخلق خي?
?ر مبشر
مذ قد علا واستشرفا
بالفرض والتعصيب حا
…
ز مفاخرا
وبها حري
من فخر والده اقتفى
فعلاه من حسب ومن
…
نسب نق?
?يّ أطهر
فلذا بدا مستطرفا
فلأنه طود العل?
…
?وم وعلمه
كالطيسر
من سحبه قد أوكفا
ذو نجدة وصيانة
…
وديانة
لم تنكر
حاشاه يوماً طففا
ذو همة ومروءة
…
طابت بطي?
?ب العنصر
وبها غدا متعففا
ذو نجدة وكياسة
…
تكسو الحلي
للمشتري
والبدر منه قد اختفى
فلأنه شهم خض?
…
?م أروع
ذو مفخر
وبه الكمال تعرفاً
بدر سناه بشمس وا
…
لده الإمام
م الأشهر
من فضله قد كفكفا
فلكم هدى من ضل في
…
ديجور عل?
?م أكبر
فأضاءه حين ازدفا
ولكم بكف بكف من
…
ولي بعدو
ة قسور
فأباد عنه مزيفا
فهو الذي قد حاز خص?
…
?ل السبق غي?
?ر مقصر
لا للفخار تكلفا
فبدا بتاج جلالة
…
ومهابة
في المنظر
والقلب من ذا أرجفا
ولقد تطلع غرة
…
في وجه هـ?
?ذي الأعصر
والدهر منه تشرّفا
فاحضر بفيض دروسه
…
تلقاه بح?
?ر الجوهر
وترى به ذا الغينفا
فتراه في اشبال جا
…
مته إذا
كغضنفر
بزئير علم قد هفا
يحظي الذين أتوه من
…
فيض العطا
ء الأوفر
كم من خلائق أتحفا
ومتى تأمل في العوي?
…
?ص يحله
بالزمجر
ويريك عضبا مرهفا
ويريك من تحريره
…
عذب السلا
ف المسكر
وبكأسه كم أرشفا
بفصاحة قسية
…
قد زانها
بتدبر
وبدا بها متصرفا
فقد امتطى من علمه
…
متن الجيا
د الضمر
وبذاك أمره زهلفا
وغدا يجول بحزمه
…
في رحب رو
ض مثمر
بفوائد وبها شفى
وبدا لنا في طلعة
…
مثل الصبا
ح المسفر
فغدا لدينا شندفا
هذا الفخار
…
ر بغيره
للمخبر
فبه العلا ما استحشفا
يا من فخاره عنه قد
…
قصرت دعا
ثم قيصر
فغدا به مستشرفا
فمتى يعد ذوو العلا
…
أنت المع?
?د بخنصر
مذ قد سموت تشرفا
ماذا يقول شويعر
…
في مدحكم
إذ يجتري
لو كلَّ ليله أتلفا
وبفضلكم صار الخطي?
…
?ب يجول قو
ق المنبر
مذ قام يتلو المصحفا
لكنني نقّحت ما
…
لم يشتبه
بالمفتري
در المديح وقد صفا
قد فزت منك بمحض و
…
د للفؤا
د وبدا فخارك نفنفا
فأقبل إليك فريدة
…
ما حاكها
من معشر
لو في المدائح أسرفا
حيتك من نجل ف?
…
?يّ فاق شع?
?ر البحتري
مذ مدح علياك اقتفى
خلّصتها مما انتخب?
…
?ت بدرسكم
من جوهر
فأتى لديك مؤلفا
ولقد سحرتُ بها النهي
…
فافخر بها
في المعشر
فالأصل منكم أتحفا
وكسوتها بمديحكم
…
حسناً ببر
د عبقري
ووشاحها قد أوصفا
فتطاولت وغدت تج?
…
?ر بكم ذيو
ل المفخر
تيهاً لديك بلا خفا
وأتتك رغماً للحسو
…
د وقرة
للمذكر
من أهل ود ما جفا
كيما تهنيكم بخت?
…
م مثل مس?
?ك أذفر
في القطر ضاع معرفا
فاهنأْ وفز وامنح ودم
…
وابقى بقا
ء الأدهر
تسدي حياء أو طفا
لازلت بحراً والمدي?
…
?ح كما السحا
ب الممطر
وثناك يملأ كل فا
ما قام يلهج مادح
…
صلى على
ذي المغفر
خير البرايا المصطفى
صلى الإله عليه ما
…
تم المرا
د
بمحشر
حتى يؤم الموقفا
وقرظ هاته القصيدة أخونا الشيخ محمد جعيط على شاكلتها بقوله: [الكامل]
برزتْ فتيمتِ المع?
…
?نَّى المدنفا
بالمنظر
وبحوزها حاز الشِّفا
رفعت قناع جمالها
…
فبدت لنا
كالمشتري
أو بدر تمٍّ قد صفا
فخرت بطلعتها فصا
…
رت غرة
للأعصر
ولحسنها البدر اختفى
سحرت بلب القول ل?
…
?ب ذوي النهي
من معشر
وبها تبدي مدنفا
أهدت سلاف النظم في
…
لفظ لها
كالجوهر
تحكي النسيم تلطُّفا
حملت لواء بلاغةٍ
…
وفصاحةٍ
بالأسطر
فكمالها لن يوصفا
طابت ثنا لا بالتص?
…
?نع بل بطي?
?ب العنصر
فنفى بذاك تكلفا
سمحت بكحل مدادها
…
مذ قد حكى
للعنبر
لوناً وريحاناً قد هفا
وسقت كؤوس رحيقها
…
فأبيح شر
ب المسكر
ناديت هات القرقفا
أزرت بكل فريدة
…
أعظم بها
أن تزدري
وبلفظها كن منصفا
فضت ختام رحيقها
…
تناديت فاش?
?مم وانظر
واقطف وطب مما وفا
مسك الختام برحب رو
…
ض قد هفا
بتعطر
وبه النسيم تلطفا
فتكت محاسنها بنا
…
لما أتت
في عسكر
وأتت بقلبي مهدفا
سيف العيون وحاجب
…
وفم همي
بالكوثر
تزداد منه تزخرفا
ماست لفتكي فاستجر
…
ت بربها
في المعشر
فلأن شيمته الوفا
أعني أبا عبد الإله?
…
?هـ ومن سما
في الأعصر
ولعنصر المجد اقتفى
من صار سحر القول من?
…
?هـ سجية
وبها حري
والطبع لن يتخلفا
سحر البيان مع البدي?
…
?ع يبثه
بالأسطر
ويزيد فيه تألفا
يأتي بسحر القول دو
…
ن توقف
وتفكر
ويصوغ درا قد صفا
فهو المقدم بالقري?
…
?ض وعده
بالخنصر
وبه لعمري صنِّفا
خذها إليك فريدة
…
جاءت لكم
بتبختر
وبها الجمال تكلفا
رويتْ فنون السحر ع?
…
?ما صغته
من جوهر
ينفي عليه تعسفا
فلذا سمت بجمال قو
…
ل عن مقا
ل البحتري
وبفضلها قد أنصفا
قد صغتها تاجاً لها
…
مةِ خودكم
في الأدهر
فلحسنها البدر اختفى
فأقبل إليك من المق?
…
?ل قليل هـ?
?ذي الأسطر
واصفح على ما زيّفا
لازلت ترفل في السعا
…
دة والمقا
م الأكبر
وتصوغ درا أتحفا
وقرظها أيضاً على شاكلتها الشيخ أحمد جمال الدين بقوله: [الكامل]
نبه جفونك قد وفا
…
ساقي السلا
فة بكِّر
مترشفا لترى الشفا
وامزج بها ماء اللَّمى
…
ما فاق طع?
?م السكر
واسق النديم المسعفا
ما بين أزهار الربى
…
والعود طو?
ع منقّر
وبه المحب تعطفا
والغيد ترفل في بدي
…
?ع شمائل
بتبختر
كل البدور لها اختفى
ترنو بطرف فاتك
…
من تحت قو
س موتر
ولها الحشاشة مهدفا
وردت ورود خدودها
…
من تحت آ
س عبهر
والصبر مني قد عفا
يا صاح ذا زمن الخلا
…
عة والنزا
هة فاحضر
ومن المعنف قد صفا
فاخلع عذراك واغتنم
…
فرص اللذا
ذة وانثر
متغنياً
ما شنفا
مسك الختام برحب ر و
…
ض قد هفا
بتعطر وبه النسيم تلطفا
طلعت تتيه تطاولاً
…
في خير نش?
?ر عنبري
تذر المعنَّى منصفا
وتجر ذيل مطارف
…
من سندس?
?يّ عبقري
تلقي المحب من الشفا
سحرت عقول ذوي النهي
…
فغدت حلي?
?ف تفكر
بسلاسة لن توصفا
كالراح معنى غذ تفي?
…
?ضُ جواهرا
كالممطر
أو كالعقود تالفا
وبدت تدير مدائحاً
…
في ذي الإما
م الأطهر
نسل الرسول المصطفى
ما صاغها ذو نهية
…
ولو الحري?
?ريّ
بل لو غدا متكلفا
ما هو إلا من سما
…
وبكل شه?
?م يزدري
وأبان فضله كل فا
بحر من الآداب يب?
…
?دو أنه
كالسكر
يبري السقيم المدنفا
من قد تسمى بالسنوسي
…
كالسنوس?
?ي المزهر
بل مثله لن يعرفا
أبدعت في نظم نضي?
…
?د مثل سل?
?ك الجوهر
أو كالرياض تزخرفا
يشدو فيفعل بالنهي
…
فعل الشرا
ب المسكر
لكنه لن ينزفا
وبك الأواخر قد تفاخ?
…
?ر أين ذك?
?ر البحتري
وبك الصفاء قد اختفى
وبكل فن قد بدا
…
متفايضا
كالأبحر
وغدا ذكاؤه مرهفا
قد نلت كل حميدة
…
من ذا الجنا
ب الأطهر
ولك الفخار بلا خفا
دم مثل ما ترضى فأن?
…
?ت أديب ك?
?ل الأعصر
وغدا زمانك مسعفا
وبقيت غيثاً واكفا
…
ولك الفدا
ء بمعشر
ثدي المفاخر مرشفا
مبتسماً ثغر السعا
…
دة فائحاً
كالعنبر
أو مسك ختم قد هفا
وهذه القصيدة المستخرجة من قصيدة المدح: [مجزوء الكامل]
مسك الختام برحب رو
…
ض قد هفا بتعطرِ
أحسن به إذ فاح في
…
روض العلوم الأخضر
فغدت به الأزهار ما
…
ئسةً بنور أنور
وغصونها زينت بور
…
د للمنى والعبهري
ودنا قطوفه بعدما
…
شاكى الحمى عن مبسر
وغدا به نهر البشا
…
ئر هاملاً كالكوثر
وترنحت أطياره
…
فوق الرُّبى بالمزهر
وبه الظبا بين الربى
…
كلٌّ سبا بتبختر
ماست وقد رفعت ذوا
…
ئب فاحم عن مقمر
فبدا الندى من فوق ور
…
د تحت خال عنبري
وبثغرها ثلج على
…
خمر تحلُّ بسكر
فشفى الضما ضربُ اللمى
…
مذ قد همى من جوهر
وافت تهز معاطفا
…
مثل الكثيب الأعفر
ورمت قلوب العاشقي?
…
?ين بسهم لحظ أحور
فرأيت ما قد فات في
…
شرخ الشباب بمحجر
فداع الملام ومن أتا
…
ك يشي لجاً كالمنذر
واحضر نديمي لي بوج?
…
?هـ ضاحك مستبشر
وأدر على روح المع?
…
?نى راحة إذ يجتري
فاقرع لنا ثغر الكؤو
…
س وأملها بالمسكر
وامزج بها راح امتدا
…
ح الأطهر ابن الأطهر
الطاهر الحبر الهما
…
م ابن الهمام النيفري
هو عالم الدنيا ومؤ
…
نس تونسٍ بتصدر
ذا وارث المختار خي?
…
ر الخلق خير مبشر
بالفرض والتعصيب حا
…
ز مفاخرا وبها حري
فعلاه من حسب ومن
…
نسب نقيٍّ أطهر
فلأنه طود العل?
…
?وم وعلمه كالطيسر
ذو نجدة وصيانة
…
وديانة لم تنكر
ذو همة ومروءة
…
طابت بطيب العنصر
ذو نجدة وكياسة
…
تكسو الحلي للمشتري
فلأنه شهم خض?
…
?مّ أروعٌ ذو مفخر
بدرٌ سناه بشمس وا
…
لده الإمام الأشهر
فلكم هدى من ضل في
…
ديجور علم أكبر
ولكم بكفه بكفّ من
…
ولَّى بعدوة قسور
فهو الذي قد حاز خص?
…
?ل السبق غي?ر مقصر
فبدا بتاج جلالة
…
ومهابة في المنظر
ولقد تطلع غر
…
ةً في وجه هـ?ذي الأعصر
فاحضر بفيض دروسه
…
تلقاه بح?ر الجوهر
فتراه في أشبال جا
…
مته إذاً كغضنفر
يحظي الذين أتوه من
…
فيض العطاء الأوفر
ومتى تأمل في العوي?
…
?ص يحله بالزمجر
ويريك من تحريره
…
عذب السُّلاف المسكر
بفصاحة قسية
…
قد زانها بتدبر
فقد امتطى من علمه
…
متن الجياد الضمَّر
وغدا يجول بحزمه
…
في رحب روض مثمر
وبدا لنا في طلعة
…
مثل الصباح المسفر
هذا الفخار فلا فخا
…
ر بغيره للمخبر
يا من فخاره عنه قد
…
قصرت دعاثم قيصر
فمتى يعد ذوو العلا
…
أنت المعد بخنصر
ماذا يقول شويعر
…
في مدحكم إذ يجتري
وبفضلكم صار الخطي?
…
?ب يجول فوق المنبر
لكنني نقَّحت ما
…
لم يشتبه بالمفتري
قد فزت منك بمحض و
…
دٍّ للفؤاد موفّر
فأقبل إليك فريدة
…
ما حاكها من معشر
حيتك من نجل فت
…
?يّ فاق شعر البحتري
خلَّصتها مما انتخب?
…
?ت بدرسكم من جوهر
ولقد سحرتُ بها النهي
…
فافخر بها في المعشر
وكسوتها بمديحكم
…
حسناً ببرد عبقري
فتطاولت وغدت تج?
…
?ر بكم ذيول المفخر
وأتتك رغماً للحسو
…
د وقرة للمذكر
كيما تهنيكم بخت?
…
م مثل مسك أذفر
فاهنأْ وفز وامنح ودم
…
وابقى بقاء الأدهر
لازلت بحرأن والمدي?
…
?ح كما السحاب الممطر
ما قام يلهج مادح
…
صلى على ذي المغفر
صلى الإله عليه ما
…
تم المراد بمحشر
وهذه القصيدة المستخرجة من تقريظ الشيخ محمد جعيط: [مجزوء الكامل]
برزت فتيمتِ المع?
…
?نَّى المدنفا بالمنظر
رفعت قناع جمالها
…
فبدت لنا كالمشتري
فخرت بطلعتها فصا
…
رت غرة للأعصر
سحرت بلب القول ل?
…
?ب ذوي النهي من معشر
أهدت سلاف النظم في
…
لفظ لها كالجوهر
حملت لواء بلاغة
…
وفصاحة بالأسطر
طابت ثنا لا بالتص?
…
?نع بل بطيب العنصر
سمحت بكحل مدادها
…
مذ قد حكى للعنبر
وسقت كؤوس رحيقها
…
فأبيح شرب المسكر
أزرت بكل فريدة
…
أعظم بها أن تزدري
فضت ختام رحيقها
…
تناديت فاشمم وانظر
مسك الختام برحب رو
…
ضٍ قد هفا بتعطر
فتكت محاسنها بنا
…
لما أتت في عسكر
سيف العيون وحاجبٌ
…
وفم همي بالكوثر
ماست لفتكي فاستجر
…
ت بربها في المعشر
أعني أبا عبد الإل?
…
?هـ ومن سما في الأعصر
من صار سحر القول من?
…
?هـ سجية وبها حري
سحر البيان مع البدي?
…
?ع يبثه بالأسطر
يأتي بسحر القول دو
…
ن توقف وتفكر
فهو المقدِّم بالقري?
…
?ض وعده بالخنصر
خذها إليك فريدةً
…
جاءت لكم بتبختر
رويتْ فنون السحر ع?
…
?ما صغته من جوهر
فلذا سمت بجمال قو
…
لٍ عن مقال البحتري
قد صغتها تاجاً لها
…
مةِ خودكم في الأدهر
فاقبل إليك من المق?
…
?ل قليل هذي الأسطر
لازلت ترفل في السعا
…
دة والمقام الأكبر
وهذه القصيدة مستخرجة من تقريظ الشيخ أحمد جمال الدين: [مجزوء الكامل]
نبه جفونك قد وفا
…
ساقي السلافة بكِّرِ
وامزج بها ماء اللَّمى
…
ما فاق طعمَ السكر
ما بين أزهار الربى
…
والعود طو?ع منقّر
والغيد ترفل في بدي
…
?ع شمائل بتبختر
ترنو بطرف فاتك
…
من تحت قوس موتر
وردت ورود خدودها
…
من تحت آس عبهر
يا صاح ذا زمنُ الخلا
…
عة والنزاهة فاحضر
فاخلع عذراك واغتنم
…
فرص اللذاذة وانثر
مسك الختام برحب ر و
…
ضٍ قد هفا
طلعت تتيه تطاولاً
…
في خير نشر عنبري
وتجر ذيل مطارف
…
من سندسي عبقري
سحرت عقول ذوي النهي
…
فغدت حليف تفكر
كالراح معنى إذ تفي?
…
?ضُ جواهرا كالممطر
وبدت تدير مدائحاً
…
في ذي الإمام الأطهر
ما صاغها ذو نهية
…
ولو الحريريُّ الحري
ما هو إلا من سما
…
وبكل شهم يزدري
بحر من الآداب يب?
…
?دو أنه كالسكر
من قد تسمى بالسنوسي
…
كالسنوسي المزهر
أبدعت في نظم نضي?
…
?د مثل سلك الجوهر
يشدو فيفعل بالنهي
…
فعل الشراب المسكر
وبك الأواخر قد تفاخ?
…
?ر أين ذكرُ البحتري
وبكل فن قد بدا
…
متفايضا كالأبحر
قد نلت كل حميدة
…
من ذا الجناب الأطهر
دم مثل ما ترضى فأن?
…
?ت أديب كل الأعصر
وبقيت غيثاً واكفاً
…
ولك الفداء بمعشر
مبتسماً ثغر السعا
…
دة فائحاً كالعنبر
وانبرت للمدى أماني نفوس
…
كن أسرى حوادث الأيام
منن لم يجلن في الفكر لولا
…
بركات المولى الجليل الهمام
ذلك السيد الإمام المرجَّى
…
بسنا وجهه انسجام الغمام
صدر أعيان زمرة المجد حقاً
…
وإمام الأيمة الأعلام
مالك العصر عالم المصر بالقص
…
ر وشيخ الشيوخ بين الأنام
حائز السبق في مدى الفضل حاو
…
في اقتسام العلى معلَّى السهام
عضد الدين (سعده) (ناصر الم
…
لة) بالحق (حجة الإسلام)
نور عين الزمان علماً وحلماً
…
وتقى في جلالة واحترام
حافظ السنة الزكية مبدٍ
…
نورَ أسرارها بغير اكتتام
عمدة الفقه غاية السؤل فيه
…
وشفاء الصدور في الأحكام
وتقاريره الرياض ولكن
…
تثمر الدُّرَّ في يد الأفهام
تتسامى درى المنابر منه
…
ومحاريبها
بخير إمام
ليس إلا بذهنه تسمع الص
…
م وتحيا بصائرُ الأغتام
ليس إلاّ بذهنه تتجلَّى
…
نكتُ العلم في دجى الأوهام
ليس إلا بلفظه العذب تتلى
…
سورُ الذكر في دياجي الظلام
ليس إلا به اقتناء المزايا
…
واقتباس الهدى وبرءُ السقام
عالةً أصبح الأنام عليه
…
طاعة النقض منه والإبرام
خضعت عنده الرقاب بما قد
…
طوقتها يداه بالإنعام
منةٌ لا تزال تدري وتروى
…
لولاة الطروس والأقلام
لا ترى غير مهتدٍ بهداه
…
أو محبَّ أو لائذ بذمام
يا إماماً حواه بردُ المعالي
…
وردا الفضل قبل عهد الفطام
يا سميَّ الخليل يا وارث الرأفة
…
والحلم من حلاه العظام
قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ
…
دد والفضل والندى من مسام
ففداء لشسع نعلبيك قوم
…
ولدوا في العلى لغير تمام
وهنيئاً لك المفاز يختم
…
للبخاري حديث طه التهامي
جاء بشرى لكم بإقبال فتح
…
ووصول إلى قصيّ المرام
ولنا منه والبرية طراً
…
أي رحمى ونعمة واغتنام
ولعمري ليست بأول نعمى
…
كنت مولي ظهورها للأنام
فجزاك الإله خير جزاء
…
مشرق بدؤه بحسن الختام
وابق يا بدر في سماء المعالي
…
مستدام السنا مصون التمام
والقصيدة الثانية من إنشاء الشاعر الماجد الفصيح الأكتب الشيخ محمد الباجي المسعودي، وهي قوله:[الكامل]
وجه التهاني اليومَ أصبحَ مسفراً
…
والكونُ أشرقَ والفضاءُ تعطرا
والسعدُ حيا والمسَّرة أقبلت
…
والأفق كلَّله السرورُ كما ترى
وبتونسَ الإيناسُ أسفرَ صبحه
…
واهتزَّ روض الصالحات ونوَّرا
وبدا بإبراهيمَ برءُ همومنا
…
شيخِ الشيوخ القطب مصباحِ الورى
ركن الشريعة فخر ملة أحمدٍ
…
صدر الثقاب الكمَّل الشمَّ الذُّرى
علم الألى بثُّوا العلوم وخير من
…
قدْ أمَّ محراباً ونوَّرَ منبرا
يجلو دجى الإشكال ثاقب فهمه
…
فتراه بعد اليأس أصبح نيرا
ويجيلُ في النكت العويصة ذهنه
…
فيشقُّ كوكبه العجاجَ الأكدرا
ويبينُ أسراراً تكاد لحسنها
…
حقاً تباع بها النفوس وتشترى
أشهى على الأسماع من نيل المنى
…
وألذُّ في الأجفان من سنة الكرى
كم قد لبسنا من مصوغ عقودها
…
درَّا نفيساً في الرقاب وجوهرا
وكم اقتطفنا من أزاهرِ روضها
…
حتى لبسنا العيش ثوباً أخضرا
وبدرستك (الجعفيَّ) كم أوضحت من
…
نكتٍ تدقُّ عن العيان فما ترى
وسلكت منه مهامهاً وتنائفاً
…
يضحى الخبيرُ لبعضها متحَّيرا
وسريت ذا جدَّ لحل رموزه
…
والآن حان بختمه حمدُ السُّرى
فلك الهناءُ مقدماً ولنا بكم
…
ولمن يخصُّك بالوداد وللورى
وجزاك ربك خير ما جازى به
…
وأطال عمرك كيف شئت وأكثرا
وإليك من جهد المقلَّ محوكة
…
من خاطر منع العنا أن يخطرا
وقريحة خمدت ودهر غالني
…
من غوله ما صد عن أن نبصرا
بلغ الزّبى تياره فاسمح بما
…
ينجي الغريق وكن أجلَّ من اشترى
فإذا مددت ودودكم بادعائكم
…
أعددت منه إلى المعاند عسكرا
وبلغت آمالي لصدقِ طويتي
…
فيكم، وعشتُ مملئاً لن أحذرا
لا زلت في أفق السعادة نيراً
…
تجلو بهمتك المهم الأكبرا
والقصيدة الثالثة من إنشاء ولده العالم الأديب المدرس الشيخ علي الرياحي وهي قوله: [الطويل]
تبلَّج في أفق الهدى طالع السعد
…
كسي حللُ الإسعاد واليمن والرشدِ
وفاح شذا مسك يفوق ختامه
…
نسيم الصبا بالعطرِ أو فوحة الندَّ
أو الروض إذ يزهو بحسن ابتسامة
…
فيحيا بريحان الأزاهر والرند
وأسفرتِ الأيام عن وجه بشرها
…
كما أسفر المحبوبُ عن وردة الخد
ذكرتُ بذا عهد الصَّبا وغرامه
…
وما قد رشفنا في الثغور من الشهَّد
رعى الله تلك الغانيات ولا أرى
…
سوى أنهنَّ الحورُ من جنةِ الخلد
لهن جبينٌ كالصباح بياضه
…
يلوح سناه تحت فاحمِ مسودَّ
وحاجبهن السيفُ لكن إذا جنى
…
فليس قصاص يلزمُ الحرَّ في العبد
وقد نثر الخيلان من حبر عنبرٍ
…
بديع جمال لك يكنْ خطّ بالأيدي
لك الله ما أحلى التغزل في الهوى
…
وأحسن منه مدحة العلمِ الفرد
إمام أغر الوجه كالشمس في الضحى
…
وكالزهرة الحسناء في دوحة المجد
إمام إذا ما كنت في روض درسه
…
رأيت نفيس الدرَّ ينظم في العقد
إمام لوَ أن الله يهدي بنوره
…
لكن جميعُ الناس من نوره مهدي
ترى رأيه كالسيف في كل حادثٍ
…
ورأى سواه لا يعيد ولا يبدي
له رتبة لو حاول البدر نيلها
…
لكانت عن الإدراك في حيَّز البعد
غدا مثلاً بالحلم والعلم والتُّقى
…
كمالك والبصريَّ كالأحنف السعدي
ألا يا أبا إسحاق والفاضل الذي
…
مزاياه قد جلَّت عن الحصر والعدَّ
إليك من السحر الحلال قصيدةً
…
تأنق في إتقان صنعتها جهدي
خدمت بها يوم الختام لعلني
…
أقابلُ بالرضوان منك وبالودَّ
ودمت مناراً في الشريعة هادياً
…
تبلَّغُ من كل المنى منتهى القصد
وقرظ هاته القصيدة الداركة النحرير، وعلم الفتيا الشهير، المؤلف المشكور، الشريف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بقوله:[الطويل]
أحنُّ وأصبو كلما هبَّ من نجد
…
نسيم برياه يفوق شذا النَّدِ
يمثل لي تلك الأباطح والربى
…
وعهداً مضى يا حبذا ذاك من عهد
فهاج لي الشوق الأثيل ولم اكن
…
سلوت ولكن زاد وجداً على وجد
سقى الغيث هاتيك الخيام وأهلها
…
وإن أضمروا هجري ومرُّوا على الصَّدَّ
لهمْ مني الحب الصدوق ومنهمُ
…
على مرّ أيام النوى كاذبُ الوعد
أيا حادياً يحدو المطيَّ مرنما
…
ترفق إذا ما جئت حيَّ بني سعد
بلغت المنى بلَّغ إلى غاية المنى
…
تحية صبَّ في لهيب من الصد
وناد إلى ليلى وقل صادق الهوى
…
مقيم على ما تعهدين من الود
زريه ولو بالطيف في سنة الكرى
…
نعم ما الكرى يستام مقلة ذي سهد
بكمتُ لساني يوم حمّ فراقها
…
فلم يجر في مضمار مهل ولا عقد
وأصممتُ سمعي بعد طيب حديثها
…
وليس استماعي فير ذاك من الرشد
فاسمعني بالقهر قول مبشَّرٍ
…
تبلَّج في أفق العلا طالع السَّعد
تطلَّبتُ ما تحت البشارة فانجلت
…
لوامعُ درَّ في بهيَّ من العقد
كؤوسٌ من الراح الحلال ياديرها
…
على حانة الأسماع "نابغة الجعدي"
تضوَّع منها المسك لمّا تضمنت
…
أحاديث فخرٍ عمّ من غير ما حدَّ
ختامٌ به الخضراء فازت وهكذا
…
بفضل أبي إسحاق تسمو إلى الخلد
فخار بني الدنيا وذخر ذوي التقى
…
وأعلمِ من تحت السماء بلا جحد
مآثره سارت سرى الشمس في الملا
…
مفاخره من دونها منتهى العدّ
له الله من ختم وددت لو أنني
…
بذلت له ما كان عندي من جهد
وإن فاتني ذاك الفخار فإنني
…
علقت من العلياء بالجوهر الفرد
أبا الحسن الأسنى إليك خريدةً
…
من السحر إلا أنها خالص النقد
خدمت بها علياك دامت بجودها
…
وذلك عند الألمعي غايةُ القصد
ولما ختم شرح السعد التفتازاني على تلخيص القزويني، هنأه أحد تلامذة الدرس، وهو شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله:[الكامل]
جسمي بأشواق المحبة صالِ
…
متفرَّق الأعضاء والأوصالِ
والنفسُ مني قد غدت مشتاقةً
…
ترجو لذيذَ مودةٍ ووصال
والوجد زاد لبارق قد بان من حي الحبة منتهى الآمال
والدمع جاد بوابلٍ من مقلة
…
ليست تحل بكثرة الإرسال
يا عاذلي هوَّنْ عليَّ فإنني
…
لا عذل ينفعني بكل مقال
إني شغفتُ بحب ذات فواترٍ
…
تعني بما تبدي عن الجريال
فالقد غصنُ البان غار لحسنه
…
والوجه فيه بديع كل جمال
رامت تضاهي حسنها شمسُ الضحى
…
فتداركت ما قدج جرى في الحال
تلك التي قد أشعلت نار الهوى
…
بفؤاد صب للقا محتال
وهي التي تركت ميتم حسنها
…
في حبها متراكم الأهوال
وسبتهُ نفساً ما لها ذنب سوى
…
تأميلها لتآلف ووصال
عجباً لها أتسوءه ولقد غدا
…
متشبثاً بحواشي الأذيال
أذيال إبراهيم من قد أعلنت
…
بمديحه كل الورى بكمال
ذاك الإمام العالم العلمُ الذي
…
لم يأتنا دهر له بمثال
فبه لتونس مفخرٌ ولنا به
…
فخرٌ عظيم لا يقاس بحال
وبمثله الأقطار تفخر إذ غدا
…
يجبني لعزٍ صالحَ الأمال
وله محال ترتجي مثلاً له
…
قمر السما في العز والإجلال
كشَّاف ما خفيتْ مسالك نيله
…
مغني الأنام ومعدنُ الإفضال
يلقى بثغر باسم كلَّ الورى
…
وتحية تأتي بكلِ مقال
إن رمت وصف مجالس لإمامنا
…
غيث العلوم ومبلغ الآمال
فأقول فيه وإنني لمقصر
…
كالليث حف بمعظم الأشبال
يا سيداً قد حلّ كل عويصة
…
بذكائه وبذهنه السيال
هذا الختام لقد أتاك مبشَّراً
…
بدوام سعدٍ مشرقٍ متلالِ
فلقد سررت بمجلس لقدومه
…
ولقد شرفت به على الأمثال
وأروم يا مولاي تجديد المنى
…
تكسوه لي من حلةٍ الإفصال
وإذا القضيةُ بّينُ إنتاجها
…
فلتطوها في منتج الأشكال
وإليك بكراً قد أتت لا تبتغي
…
إلا الدعاءَ لنا بحسن الحال
وبقيت ترقى أوجَ آفاق العلى
…
متلبَّساً بالعز والإقبال
وهناه ولده الخطيب المدرَّس الشيخ محمد الطيب الرياحي، بقوله:[الطويل]
ألا حدَّثنْ عمن به القلب مولع
…
كفى طرباً ذاك الحديثُ المسجَّعُ
على ذاك حبَّست المسامع صبوة
…
ولا لسواهم في فؤادي موضع
لقد ظعنوا والقلبُ يزعم كتمهم
…
ولي أدمعٌ كالنهر تجري وتدفع
فلله يومٌ بان إشراق نوره
…
ولله يومٌ فاض بالدمعِ مدمعُ
وأمسى كئيبَ الصدر بالبعد موحشاً
…
وبات على جمر الهوى يتضجَّع
ويا نسمة سارت إلينا عشية
…
مقلَّة عرف منهمُ يتضوعُ
فبالله إلا ما حملت إليهمُ
…
تحية مشتاق يذلُّ ويخضع
لقد خلفوني في الوداد متيماً
…
كئيباً سقيماً باكياً أتضرع
أبيتُ وأفكاري تؤمّل شخصهم
…
فأصبح لهافناً وما لي مرجع
ومهما بدا ركب أبادرُ قائلاً:
…
أحن إليهم بالفؤاد وأخضع
فيا عاذلي دعني فإنّ مرمكم
…
هراءٌ يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع
ففي مذهبي السلوان جاء محرماً
…
فلم يبق للعذَّالِ عنديَ مطمع
وهل تختفي شمسٌ وفي الكون نورها
…
وهل يختفي برق وفي الجوّ يلمع
وهل يختفي علم الهمام الذي غدا
…
له موضع فوق الكواكب أرفعُ
هو الأبُ عز الله أصلي أنا به
…
فطوبى لأجدادٍ أقرُّا وفرَّعوا
إمامٌ همامٌ فاضل متعفف
…
شريف جليل للفواضلِ أجمع
تقيٌّ نقيُّ زاهد ذو سياسة
…
حليمٌ كريمٌ للمكارم منبع
هو البحر في أيَّ العلوم أردتها
…
حجاه إلى نيل الدقائق مسرع
مشارق أنوار بطلعته انجلت
…
وصار لها نور يضيء ويسطع
وفي أبحر التدقيق حاز دقائقاً
…
يضلُّ بها عقل سديد وألمع
فيا خير ممدوحٍ، ولست مبالغاً=بل المرءُ باللذ قد تقفاه أجمع
رعى الله طوداً جئته بمقالة
…
وليس لها رد ولا فيك تمنع
ألا كل سمع غيرك باطلٌ
…
وكل مديح في سواك مضيع
وهذا دليل بالسعادة ناطق
…
وأنك تحت العرش تحظى وترفع
وأفضل خير قد يكون غدا به
…
كتابك مختوماً وأنت مشفع
ولما ختم تدريس شرح المحلي على جمع الجوامع الأصولي هنأه بالختم المذكور أيضاً تلميذه شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع، بقوله:[الوافر]
مديحك لا يحيط به النظامُ
…
وجودك لا يقاومه الغمامُ
وعلمك منهل للناس طرًّا
…
ومجلسك الأعزُّ له احترام
بك الآفاق قد زادت سروراً
…
كأنك في فم الدنيا ابتسام
فأنت لأوج أفق الدهر بدر
…
منير لا يفارقه التمام
وأنت لعز هذا الدين تاج
…
وأنتَ لنصره أبداً حسام
وأنت لكل معضلةٍ ترجَّى
…
وأنت لكل مشكلة غمام
جمعت من المحاسن كلَّ وصف
…
وكل الناس عن هذا نيام
وآيات الفصاحة عنك تروى
…
وفي كفَّ لكم منها زمام
فلو قسٌّ وسبحانٌ جميعاً
…
كذا أيضاً أو الفتح الإمام
صغوا يوماً لمنطقكم لقالوا:
…
يفوق الدرَّ حقاً ذا الكلام
أبا إسحاق أنت فريدُ دهر
…
وأنت لقطرك العلمُ الهمام
هنيئاً يا إمام العصر يا من
…
له فوق السما الأعلى مقام
بختم قد شرحتَ به علوماً
…
وسرَّتْ من ضخامته الأنام
ختام قد جلا عنا ظلاماً
…
وما أدراك ما هذا الختام
وهاك خريدةَ الأفكار جاءت
…
يصاحبها سرورٌ وابتسام
تؤملَ حسن صفحٍ منك عما
…
يقصر في مديحكمُ النظام
ويطلب ربُّها منكم دعاء
…
يقيه من الحوادث إذ الحمام
ولا زالت لك العلياء داراً
…
اردّد مدحكم فيها الحمام
وهنأه بالختم المذكور ابنه الشيخ محمد الطيب الرياحي، بقوله:[الوافر]
فؤاد لا يفيق من الغرامِ
…
وجسم لا يبين من السقامِ
وشوق ألَّف الأشجان حولي
…
وفرَّقَ بين جفني والمنامِ
ودمعٌ لا نفاد له، كأني
…
أروم به مساجلة الغمامِ
وصبرٌ حاول الأسواء حتى
…
علاهأن فاستعاذت، بانهزام
ألا لله نفس جشمتها
…
مخامرةُ العلى همم سوامِ
وفي كف الحضائر أسلمتها
…
عزائم تنبري مثل السهام
تقول أفيك للتقصير عذر
…
وأنت ابن المفدَّى بالأنام
أبي إسحاق فائدة الليالي
…
وبهجتها وواسطة النظام
همام أغربت فيه المعالي
…
تقدّمه المعارفُ كالإمام
أغر الوجه وضاح السجايا
…
بريء العرض من عيب ودام
ولو قسمت مكارمه البرايا
…
فقدنا في الورى صنف اللئام
إذا استبق الكرام مدى رهان
…
بدا وهو المجلّى في الكرام
أو اقتسموا على خطط المزايا
…
يكون له المعلّى في السهام
غدا المثلَ الشرود تقى وعلماً
…
وحلماً في وقار واحترام
تناسينا به ذكر ابن قيس
…
ومعروفٍ ومالك الإمام
تسامى للعلا طفلاً معنّى
…
بكسب العلم لا كسب الحطام
فأحرز في الكمالِ مقامَ صدق
…
تضاءلَ دونه بدرُ التمام
وأصبحَ منه هذا الدين يسمُو
…
بعزَّ حمى تاجٍ فوقَ هام
وسيفٍ بالهدى أمسى محلَّى
…
وبالعرفان أضحى ذا اتسام
بهمته تزول ذرى الرواسي
…
وتنهلُّ الغمائمُ في انسجام
عذيري من أعاديه إذا لم
…
يهابوا سطوة اللَّيث المحامي
ألمَّا يذعنوا لما تحدَّى
…
يوازون الشوامخ بالإكام
وراموا أن يدانوه فكانوا
…
مكان المنسمين من السَّنام
أمولى نعمتي وعماد مجدي
…
ويا سندي ويا كلَّ المرام
إليك عقود أمداح جلاها
…
صناع الفكر في حسن انتظام
خدمت بها مقامك يوم ختم
…
يفوقُ عبيرهُ مسكَ الختام
أدرتَ به علينا كأسَ علم
…
دهاقاً جزجه سحرُ الكلام
وحلَّيت النفوس بحلي فضلٍ
…
به تزدان ما بين الأنام
ألا إنّ "المحلَّي" لو رآه
…
لأعجب من فوائدك الجسام
ونال كتابه عنكم وأمسى
…
يفاخر منك بالشيخ الهمام
فملَّئت الهنا فيه وفيما
…
يليه، وما يليه إلى القيام
تسر بما تروح به الأعادي
…
وتغدو في مساورة الحمام
ودمت وأنمت في شرفٍ وأمن
…
دوام الركن فينا والمقام
وقرظ هاته القصيدة أخوه الشيخ علي الرياحي، بقوله:[الوافر]
أهذا الفجرُ أم بدرُ التمام
…
أم المشمسُ العديمة للغمامِ؟
أم الوجه المهلل من فتاة
…
تراءت في محاسنها العظامِ؟
إذا ما أعرضت يوماً بصدَّ
…
تجر العالمين إلى الحمام
إذا ما أتحفتك بريق ثغر
…
يخال الريق من رشف المدام
تحاكي البان قدَّا إذ تبدت
…
وتحكي السحرَ في لطف الكلام
لعمرك ما وجدت لها سلوَّا
…
سوى جمع الجواهر من إمام
سراج العلم والتقوى تناهت
…
إليه المكرمات بلا اكتتام
إذا ما فكرهُ أبدى مقالاً
…
فإن القول ما قالت حذام
إليك الفكر قد اهدى مديحاً
…
يقابل بالقبول لدى الكرام
ويرعى الله مجدك كل حين
…
دوامَ الدّهرِ من غير انفصام
وأجابه عن هذا التقريظ أخوه الممدوح الشيخ الطيب الرياحي، بقوله:[الوافر]
أناطتْ إذ أماطت باللثامِ
…
بأقمار الدُّجى سمةَ احتشام
عقيلةُ فتنةِ الألباب أزرت
…
بدائعها بأزهار الكمام
أعيذ جمالها من كل شوب
…
معاذ كمالها من كل ذام
شهدت بأنّ منجبها عليٌّ
…
عزيزُ المثل ما بين الأنام
وكيف يكون مذموم المساعي
…
فتى ينميه قطبُ رحى الكرام
أدام الله طود علاه فينا
…
وصانك يا هلالُ إلى التمام
وقد كتب رضي الله عنه في علم النحو حاشية على شرح الفاكهي لقطر ابن هشام، ترزي مباحثها بحسن الابتسام، في ثغور الأيام، وقد سلك فيها أغواراً دقيقة، وأبدع فيها تحقيقه، مع سهولة مأخذها الذي سهل به صعاب المسائل أي تسهيل، وأغنى بالتصريح فيها عن ارتكاب التأويل، فكان بها كشاف أسرار العربية، ورافع أستار المشكلات النحوية، تدل بما أودع فيها على ماله في العلوم من اليد الطولى، والغايات التي نال إليها وصولاً.
وشرح أيضاً الخزرجية في علم العروض، شرحاً قام لذلك بالقدر المفروض، فكان شرحاً وجيزاً بسيطأن بجميع شروح الفن محيطأن مع سهولة تقرير، ولطافة تحرير.
وأما نظمه لمتن ابن آجروم النحوي فهو وغن جمع جميع ما احتوى عليه الأصل من المسائل، وسهل حفظها لكل طالب وسائل، غير أنه فيما أظن من مبادئ نظامه، كما لا يخفى على مطالع كلامه، وإلا فإنه كان آية الله في حسن الإنشاء، يتصرف في النظم والنثر كيف يشأن قد أبدع الآداب، وسبق في حلبتها على الشعراء والكتاب، وشعره أدل دليل على قوة عارضته، التي توقف فرسان اليراعة دون الوصول إلى معارضته.
وقد تحلت ترجمته هنا بعض ببعض ما له من البدائع، المزرية بالكواعب الروائع، التي أخصب بها ربع الأدب، وتجملت بخيرنها صفحات حدود الكتب، وحسبه ما خلده بجمع ولده في ديوان الخطب، الذي يبلغ البليغ به إلى غاية الأرب.
وأما شعره الرائق، ونظامه الفائق، فأحسب أني أول من تصدى لجمعه في كتابي مجمع الدواوين التونسية، فأحصيت منه نحو خمسة كراريس تزري بالحلل السندسية، حوت نحو الألفين من أبياته الفاخرة، التي طمت بها تلك البحور الزاخرة، وهو مبلغ يصلح لأن ينفرد به ديوان شعره، الفائق في سعره، وفي ضمنه من محاضراته ما ترتاح له النفوس، ويقول مطالعه لا عطر بعد عروس.
فمن محاضراته أنه اجتمع في بعض الليالي بشاعر بلد سليمان العالم الشيخ محمد ماضور الأندلسي في بيت صديقه الكاتب محمد المسعودي واتفق في مسامرة تلك الليلية أن أدار القهوة على ذلك الجمع، وسيم لطيف الصنع، وحين دخوله يحمل فناجينها بأنامله، وطلوعه عليهم ببدر أشرق فيه بكامله، أصاب شمعة المجلس الموقودة، فانحنت انحناء من يروم سجوده، إذ رأت منه شمعة الجيد التي لا تقط، ولا تطفأ قط، وأنشد الشيخ محمد ماضور في وصف الحال من لطائف المسامرات فقال:[الرمل]
ليلةٌ قد عظمت بين الليالْ
…
فهي في جيد المنى عقد الآلْ
وأرتنا عجباً إذ جمعت
…
بين شمس ثم بدر وهلالْ
سعدت إذ أنزلتنا منزل المس
…
عودي الشهم المفدى ذي الكمال
وبإبرهيم أبدت منظراً
…
هام فيه القلب إذ عز المثال
فارتياحي بالرياحيَّ غدا
…
وكذاك السعد بالمسعود (ي) طالْ
ليلة جد بنا الأنسُ بها
…
طرباً بين يمين وشمالْ
وأديرت قهوة البنَّ على
…
جمعنا يسعى بها بدرُ الكمال
فانحنى الشمع منيباً ساجداً
…
سجدة الشكر لهاتيك الخلال
فهو والقهوة والفنجانُ في
…
كفه يبدي غريباً في المثال
قمراً قد عصرَ اللّيل على
…
صفحةِ الفجرِ ف مَّتْ باحتفال
مزج الحلوَ بمرَّ فكأنْ
…
قد أرانا القرب والبعد المطال
يا لها من ليلة قد جمعتْ
…
كل أنسٍ وبهاءٍ وكمال
وأنشد الشيخ إبراهيم الرياحي في ذلك من شعره قوله: [الطويل]
تلقيت من أخباركم كلَّ طرفة
…
أنظَّمها في جيد أسمارنا عقدا
وكنتُ بتشنيف المسامع أكتفي
…
واكبر بشاراً بما قاله جهدا
ولما نما شوقي وزاد تولهي
…
سريت لكم ليلاً أبثكمُ وجدا
وما كان لي هاد سوى نور حسنكم
…
إليكم، فلم أعدم بقولكمُ رشدا
وحيث إلى المسعود (ي) كان انتهاؤنا
…
زجرت فكان الزجر يستنتج السعدا
فبت وما ليلي سوى لمح بارق
…
وإن طال من دهري تنفسه الصعدا
ومن لطائفه أنه استجار به العدل الشيخ منصور الورغمي في لبس الملوسة حين ألزمها الأمير حسين باشا باي لكافة العدول على نظر الشيخ محمد بيرم الثالث وكان دميمأن فاستهجن لبسها وخاف أن يتعاطاه الناس بسببهأن فكتب الشيخ في ذلك إلى شيخ الإسلام البيرمي الثالث مستشفعاً بقوله: [الكامل]
كبرت عليهم إنها لكبيرة
…
منصوبة علما على التمييزِ
فتفرقوا أيدي سبا في فضلها
…
والخلف بين الناس غير عزيز
فعلى فريق منهم هي مثلةٌ
…
ولبعضهم زلفى إلى التبريز
أما "بنو ورغمة" ففقيههم
…
لهم يجر مذهبه على التجويز
فلذاك رام حماك علماً أن من
…
يأتيه في حرز هناك حريز
فأجره من همزٍ ومن لمزٍ بها
…
ما حالة المهموز والملموز
لا زلتم كهفاً يلاذ بعزَّه
…
فينال فوق القصد كل عزيز
وقد أجابه عن ذلك شيخ الإسلام المذكور بقوله:
يا أيها العلمُ الذي حسناته
…
شرفتْ بطلعتها على الإبريز
وجَّهت لي درراً يقرُّ بحسنها
…
أهلُ الصياغة من أولي التبريز
فعرفت مطلبهأن ونيل مرامها
…
سهل يمين الله غير عزيز
فعليه تأخير العمامة برهةً
…
حتى يكون القولُ في التمييز
ثم إن شيخ الإسلام المذكور اطلع المولى الجد الشيخ محمد السنوسي قاضي باردو يومئذ على الطلب والجواب، واستجلى منه في النازلة عين الصواب، فكتب إليه بقوله:[الكامل]
قل للفقيه المستجاه بجاههِ
…
في رفعِ نصب حقَّ للتمييز
إنّ النحاة الَّنصب أوجبوا
…
في بابه وأبوا من التجويز
واستهجن الدؤلي لحناً ساقه
…
نقلاً من الأمثال للتبريز
وكذأن العموم إذا تخصص بعضه
…
ضعت دلالته بنصَّ الجيز
والظن فيمن يستجرك أنه
…
منصور دمت تفوق كالإبريز
واتفق أن شاع خبر فناء الخلق في هذا القرن ونسبه أهل الأهواء إلى العالم الرباني، الأستاذ المربي الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه مع أن ذلك مما ينبو عنه مقام أدبه وسلوكه في الشريعة التي صينت من كل نقص، وكملها الله على يد خير خلقه بمحكم النص، وقد جاء في الآيات المتلوة في القرآن الذي أتم الله إبداعه، "وعنده علم الساعة" وهكذا الاعتقاد فيه وفي كل من ماثله لا يجري واحد منهم في جميع الأقوال والعمال، إلا على ما وردت به شريعة خاتم الإرسال، ولذلك لا يجوز لنا أن نأخذ مما ينقل عنهم غير ما جرى على سنن الشرع القويم، إذ ذلك دليل صحة نسبته إليهم في حالة الصحو بالنظر لمقامهم العظيم، فهم أحفظ الناس لسياج الشريعة التي جمعت ما كان ويكون، ولا يتمسك بسواها إلا الجاهلون، وعند شيوغ ذلك الخبر سنة 1241 كتب الشيخ محمد بيرم الرابع يسأله عن صحة ذلك بقوله:[الطويل]
أيا من رقى أوج المعالي وقد غدت
…
إليه مقاليدُ العلوم تسلَّمُ
لقد ظهرت رؤيا لها نسبةٌ إلى
…
إمام له بين الأنام تقدُّمُ
همام على دست المعالي وقد علا
…
مراتبهُ من موقع النجم أعظم
ملخَّصها أن الأنام جميعهم
…
لذا القرن تفنى دون ريبٍ وتعدم
أهل هو مما صحّ عندك نقله
…
عن الشيخ أم للمين فيه توسم؟
أجبنا رعاك الله عن كنه أمرها
…
فأنت لها من غيرك اليوم أعلمُ
لأنك ممن خاض لجَّةَ بحرها
…
وأضحى بتحقيق لها يترنَّم
بقيت لنا كهفاً وللحق ناصراً
…
وللصعب من دأب البغاية تحسمُ
ويطلب رب النظم حسن دعائكم
…
ألا وهو الداعي "محمد بيرم"
فأجابه الشيخ إبراهيم الرياحي مكذباً ذلك بقوله:
أيا من سبى الألباب لطف كلامه
…
كما أنه في الأذكياء المقدَّم
أتتني منْ سحر البيان قصيدةٌ
…
وما هي عقدُ درذًَ منظمُ
تسائل عما شاع في الناس ذكرهُ
…
أهل لهُ أصلٌ في الثبوت مسلم؟
نعم هو ريبٌ دون مكين وما له
…
ثبوتُ وأمرُ الشيخ أعلى وأعظم
جزى الله خزياً مفتريه وذلةً
…
ومأواه إن لم يعف عنه جهنم
فهذا جواب للذي هو طالبٌ
…
حقيقة هذا الأمر والله أعلم
ويسأل إبراهيم من فضل ربه
…
لك الأمن في الدارين وهم يسَّلم
وكانت له معرفة بأسرار تليق بمثله من العلماء الأخيار، قدم غليه أحد الأفاضل وقد أضغطه غريمه، واشتكى إليه ما يلاقي من شر الأفتضاح، فأذن له بذكر اسم من أسماء الله تعالى في خلوة، وانه عند نهاية الذكر يجد مقدار دينه تحت بساطه، فوجده قطعاً غير مسكوكة، ولما أعلم الشيخ سأله عن كيفية ذكره، فوجد فيه خللاً وأذن له في تداركه، فتم له المراد، ونهاه عن العود لمثل ذلك.
وأتته امرأة تشكو إصابة ولدها بالجنون، وتلظت لديه، فأسعفها ببطاقة تبلغها إلى ضريح الشيخ فتح الله العجمي، ولعلها تتضمن توسلات له، فعوفي ولدها بعد حين، وذلك من أدلة حسن اتصال علاقته بأولياء الله رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت له سانية في سفح جبل المنار تحت زاوية الشيخ الظريف رضي الله عنه يسكنها مدة المصيف، فاتخذ منها مسكاً للزيارة ليلأن وقد نقل لي عن صهره أنه سمع له حديثاً عند الضريح، يدل على ما له من الود الصريح.
أما وصلته مع العارف بالله العالم المربي الشيخ مصطفى بن عزوز النفطي أستاذ الطريقة الرحمانية، رضى الله عنه فكان يتجاذب معه أطراف الأسرار الربانية، وله فيه مدائح شعرية، ومكاتيب نثرية، وقفت على بعضهأن وهي تدل على كمال تعلقه بأهل الله في كل ما يرجوه، وغنما يعرف الفضل من الناس ذووه، ومن لطائفها أبيات جعلها في طالعة جواب له مؤرخ بسنة خمس وستين ومائتين وألف وهي قوله:[الكامل]
جاء الكتاب من الحبيب مبشرَّاً
…
بقدومه يا مرحباً يا مرحيا
قد رد لي عهدَ المسرة مثل ما
…
بقميص يوسفَ ردَّ ما قد أذهبا
أهدي إليك تحيةً مسكيةً
…
يا مصطفى يا منتقى يا مجتبى
مستودعاً منك الدعاء وأنت في
…
حالٍ تراها للإجابة أقربا
ورأيت من مكاتبتهما كتاباً سرباً بخط الشيخ إبراهيم الرياحي يخاطب به الشيخ المذكور آثرت إثباته لما فيه من الإلماع بحال كل منهما وهذا نصه:
الحمد لله والصلاة على من صلى عليه الرحمن.
يا ليت سيدنا وحبيب الله ورسوله صرح لنا بما أشار به إلينا مرتين من قرب الأجل، المرة الأولى ونحن معك على البنك في محل الحكم والصلاة في دريبتنا من قولك لي: رأيتك كأنك مت ولم توجد وأن روحك كالذبابة، والمرة الثانية ما ذكرت لنا في جوابك المبرور من قولك: إن الجنة مشتاقة إليك، ولولا ما خفت أن يعثر على جوابي غيرك لكتبت لك كلاماً آخر فيا ليت سيدنا رضى اله عنك رحمتني بالتصريح بما تريد أن تصرح لي به، فلعل في ذلك تحريضاً على ترك المهلة، وبعثاً على التشمير لدار النقلة، أو غير ذلك مما يوجب الإعراض عن الفانية، والإقبال على الباقية، فإن المواعظ والنصائح إذا خرجت من أهلها كانت كالسهام لا تخطئ، هذا وما بشرتنا به من الحشر مع أولئك السادات أسأل الله أن لا يخيبنا ولا يدر كرمك فينا وإلا فالعبد الذليل لا تحدثه نفسه بما هو أدنى من ذلك، فضلاً عن الكون مع أولئك، بل الإنسان على نفسه بصيرة، وليست لنا طماعية في ذلك الشأن، إنما لنا طماعية في الغفران.
وإذا كان خليل الرحمن يقول: "والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" فأين جاء طمع مثلي، فإنا لله وغنما غليه راجعون، نعم سيدي وقد غمني غماً عظيماً إرسالك لي السبولة العطرية.