المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وبعد فإن خير ما يتزين به اللبيب، ويتزر به كل - مسامرات الظريف بحسن التعريف

[محمد السنوسي]

فهرس الكتاب

- ‌1 المولى حسين باشا باي

- ‌[1080 1153]

- ‌2 المولى علي باشا باي

- ‌[1100 1169]

- ‌3 المولى محمد الرشيد باشا باي

- ‌4- المولى علي باشا باي

- ‌5 المولى حمودة باشا باي

- ‌6- المولى عثمان باشا باي

- ‌7- المولى محمود باشا باي

- ‌8 المولى حسين باشا باي

- ‌9ت المولى مصطفى باشا باي

- ‌10 المولى المشير أحمد باشا باي

- ‌11 المولى المشير محمد باشا باي

- ‌12 المولى المشير محمد الصادق باشا باي

- ‌القسم الأول

- ‌في التعريف بأئمة جامع الزيتونة

- ‌السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء

- ‌[ترجمة محمد الطيب الرياحي]

- ‌[وفاة الشيخ إبراهيم الرياحي]

- ‌[الشيخ علي الرياحي]

- ‌الشيخ محمود محسن

- ‌[الشيخ علي محسن]

- ‌الشيخ محمد محسن

- ‌الشيخ علي محسن

- ‌الشيخ صالح النفير

- ‌الشيخ محمد الشريف

- ‌[ترجمة والده]

- ‌[قراءة البخاري عند الأزمة]

- ‌الملاحق

- ‌ملحق (1)

- ‌مشيخة المدينة بتونس

- ‌13331915

- ‌13451926

- ‌13511932

- ‌13531934

- ‌13541945

- ‌13601941

- ‌13611942

- ‌13621943

- ‌13761956

- ‌13771967

- ‌13781958

- ‌13831963

- ‌1389،1969

- ‌13931973

- ‌13951975

- ‌1978

- ‌1980

- ‌12821865

- ‌12861869

- ‌12981880

- ‌13001882

- ‌13011883

- ‌ملحق (2)

- ‌عهد الأمان

- ‌استقالة الفقهاء من مجلس شرح قواعد عهد الأمان

- ‌لعل له عذراً وأنت تلوم

- ‌عالم الأدباء وقانون عهد الأمان

- ‌ملحق (3)

- ‌ثورة علي بن غذاهم

- ‌تحقيق حول ثورة ابن غذاهم وما دار حولها

- ‌كيف خمدت الثورة

- ‌الاتزان التاريخي

- ‌ملحق (4)

- ‌الكومسيون المالي

- ‌إبطال الكومسيون

- ‌ملحق (5)

- ‌المجلس الشوري

- ‌ملحق (6)

- ‌تتمة للمقدمة

- ‌ذيل في تسلط فرنسا على تونس

- ‌اللائحة العثمانية

- ‌ما بعد الحماية

- ‌قسم غير رسمي

- ‌ الأمير علي باي

- ‌ابنه الأمير محمد الهادي باي

- ‌الأمير محمد الناصر باي

- ‌الأمير محمد الحبيب باي

- ‌الأمير احمد باي

- ‌ الاستقلال التام

- ‌الأمير المنصف باي

- ‌الأمير محمد الأمين باي

- ‌نهضة الزيتونة

- ‌الاستقلال الداخلي

- ‌افتتاح المجلس التأسيسي

- ‌أول وزارة العهد الاستقلالي

- ‌إعلان الجمهورية

- ‌فحوى كلمة الشيخ محمد الشاذلي النيفر

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الوزارة التونسية

- ‌13501932م 1942 م

- ‌13621943 م

- ‌الوزارة التونسية في العهد الجمهوري

- ‌الملحق (7)

- ‌تاريخ تأسيس جاع الزيتونة

- ‌بناء جامع الزيتونة وتسميته

- ‌ابن الحبحاب والفكرة الاتساعية

- ‌تسمية المساجد

- ‌ 1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌7

- ‌6

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌12 الشيخ محمد الأرناؤوط

- ‌13 الشيخ محمد درغوث

- ‌14 الشيخ حسين البارودي

- ‌15 الشيخ محمد بيرم الأول

- ‌16 الشيخ محمد المحجوب

- ‌17 الشيخ محمد البارودي

- ‌18 الشيخ محمد بيرم الثاني

- ‌19 الشيخ مصطفى البارودي

- ‌20 الشيخ أحمد البارودي

- ‌21 الشيخ حسين برناز

- ‌22 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌23 الشيخ محمد بيرم الثالث

- ‌24 الشيخ حسن البارودي

- ‌26

- ‌الشيخ علي الدرويش

- ‌27

- ‌الشيخ محمد بن الخوجة

- ‌28

- ‌الشيخ أحمد الأبي

- ‌29

- ‌الشيخ محمود باكير

- ‌30

- ‌الشيخ محمد عباس

- ‌31

- ‌الشيخ محمد معاوية

- ‌32

- ‌الشيخ مصطفى بيرم

- ‌33

- ‌الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌34

- ‌الشيخ أحمد كريم

- ‌35

- ‌الشيخ حسن بن الخوجة

- ‌36

- ‌الشيخ محمد البارودي

- ‌37

- ‌الشيخ حسونة عباس

- ‌القسم الثالث

- ‌في التعريف بالمفاتي المالكية

- ‌8

- ‌1، 2

- ‌3، 4، 5، 6

- ‌7

- ‌ 10

- ‌9

- ‌11

- ‌12

- ‌الشيخ أبو الفضل المسراتي

- ‌13

- ‌الشيخ محمد فتاتة

- ‌15

- ‌14

- ‌الشيخ محمد العواني

- ‌الشيخ محمد بن موسى

- ‌16

- ‌الشيخ محمد بن الشيخ

- ‌17

- ‌الشيخ علي الرصاع

- ‌18

- ‌الشيخ علي الستاري

- ‌19

- ‌الشيخ محمد جعيط

- ‌20

- ‌الشيخ حمودة الرصاع

- ‌21

- ‌الشيخ محمد سعادة

- ‌22

- ‌الشيخ أحمد المكودي

- ‌23

- ‌الشيخ قاسم المحجوب

- ‌24

- ‌الشيخ أحمد البرانسي

- ‌25

- ‌الشيخ محمد المجحوب

- ‌26

- ‌الشيخ محمد الدرناوي

- ‌27

- ‌الشيخ أحمد سويسي

- ‌28

- ‌الشيخ حسن الشريف

- ‌29

- ‌الشيخ محمد المحجوب

- ‌30

- ‌الشيخ إسماعيل التميمي

- ‌31

- ‌الشيخ الشاذلي بن المؤدب

- ‌32

- ‌الشيخ إبراهيم الرياحي

- ‌33

- ‌الشيخ محمد الخضار

- ‌34

- ‌الشيخ محمد بن سلامة

- ‌35

- ‌الشيخ محمد البنا

- ‌36

- ‌الشيخ سليمان المحجوب

- ‌37

- ‌الشيخ أحمد بن حسين القمار

- ‌38

- ‌الشيخ محمد النيفر

- ‌القصيدة الأولى

- ‌القصيدة الثانية

- ‌القصيدة الثالثة

- ‌39 الشيخ محمد القبايلي

- ‌40 الشيخ محمد الطاهر بن عاشور

- ‌41 الشيخ الشاذلي بن صالح

- ‌43 الشيخ صالح النيفر

- ‌44 الشيخ محمد الشاهد

- ‌45 الشيخ محمود قابادو

- ‌ الحاشية الأولى

- ‌الحاشية الثانية

- ‌الحاشية الثالثة

- ‌استدراك

- ‌46 الشيخ محمد الشريف

- ‌47 الشيخ محمد النيفر

- ‌48 الشيخ صالح بن فرحات

- ‌49 الشيخ أحمد الشريف

- ‌القسم الرابع

- ‌في التعريف بالقضاة الحنفية

- ‌1 على أفندي

- ‌2 رمضان أفندي

- ‌3 كمال أحمد أفندي

- ‌4 محمد قارة خوجة

- ‌5 الشيخ محمد القصري

- ‌6 الشيخ عبد النبي أفندي

- ‌7 الشيخ محمد ولي الدين

- ‌8 والشيخ أحمد أفندي

- ‌9 الشيخ أحمد الطرودي

- ‌10 الشيخ يوسف القفال

- ‌11 الشيخ مصطفى الطرودي

- ‌12 الشيخ علي الجربي

- ‌13 الشيخ عمر بوشناق

- ‌14 الشيخ خليل خوجة

- ‌15 الشيخ مرادبو سيكة

- ‌16 الشيخ محمد قارة بطاق

- ‌17 الشيخ محمد بيرم الثاني

- ‌18 الشيخ حسونة الترجمان

- ‌19 الشيخ حسن برناز

- ‌20 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌21 الشيخ مصطفى دنقزلي

- ‌22 الشيخ علي الدرويش

- ‌23 الشيخ محمد بن الخوجة

- ‌24 الشيخ محمود بن باكير

- ‌25 الشيخ مصطفى بيرم

- ‌26 الشيخ أحمد بن الخوجة

- ‌27 الشيخ حسن بن الخوجة

- ‌28 الشيخ محمد البارودي

- ‌29 الشيخ محمد بيرم

- ‌1-أبو الجهم التنوخي

- ‌2- عبد الله بن المغيرة

- ‌3-أبو علقمة

- ‌4-أبو كريب المعافري

- ‌5 عبد الرحمن بن أنعم المعافري

- ‌6 عبد الله بن فرّوخ

- ‌7 عبد الله بن غانم

- ‌8 أبو محرز الكناني

- ‌9 أسد بن الفرات

- ‌10 أحمد بن أبي محرز

- ‌11 الشيخ الإمام سحنون التنوخي

- ‌12 سليمان بن عمران

- ‌13 عبد الله بن طالب

- ‌14 حمّاس بن مروان

- ‌15 محمد بن أبي منصور الأنصاري

- ‌16 عبد الله بن هاشم

- ‌17 محمد بن هاشم

- ‌18 عبد الرحمن بن هاشم

- ‌19 أحمد بن أبي زيد

- ‌الروض المونس* فيمن ولي قضاء إفريقية بتونس 1،2،3

- ‌4- وكان قاضي تونس يومئذ هو الشيخ علي بن أحمد الأبي وهو الذي أنشد

- ‌5-الشيخ محمد بن زيادة الله

- ‌6-الشيخ أبو القاسم المريش

- ‌7-الشيخ عبد الرحمن بن عمر بن نفيس

- ‌8-الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الصائغ التوزري

- ‌9-الشيخ أبو القاسم بن علي بن عبد العزيز بن المهدوي التنوخي

- ‌10-الشيخ عمران بن معمر الطرابلسي

- ‌الروض الذي عوابق أفنائه مذاعه فيمن ولي بتونس خطة قضاء الجماعة

- ‌1 الشيخ محمد بن الخباز

- ‌2 الشيخ أحمد بن الغماز

- ‌3 الشيخ أحمد المفسر

- ‌4 الشيخ إبراهيم الأصبحي

- ‌5 الشيخ عبد الحميد بن أبي الدنيا

- ‌6 الشيخ أبو القاسم بن زيتون

- ‌7 الشيخ زكرياء الغوري

- ‌8 الشيخ إبراهيم بن عبد الرفيع

- ‌9 الشيخ عبد الرحمن القطان

- ‌10 الشيخ محمد بن الغماز

- ‌11 الشيخ عمر بن قداح

- ‌12 الشيخ محمد بن عبد السلام

- ‌13 الشيخ محمد الآجمي

- ‌14 الشيخ عمر بن عبد الرفيع

- ‌15 الشيخ محمد بن خلف الله

- ‌16 الشيخ أحمد بن حيدرة

- ‌17 الشيخ حسن القسنطيني

- ‌18 الشيخ محمد القطان

- ‌19 الشيخ عبد الرحمن البرشكي العدناني

- ‌20-الشيخ عيسى الغبريني

- ‌21- الشيخ يعقوب بن يوسف الزغبي

- ‌22- الشيخ محمد الشريف

- ‌23-الشيخ أبو القاسم القسنطيني

- ‌24- الشيخ عمر القلشاني

- ‌25- الشيخ محمد بن عقاب

- ‌26- الشيخ أحمد القلشاني

- ‌27- الشيخ محمد القلشاني

- ‌28- الشيخ محمد الرصاع

- ‌29 الشيخ محمد الوشتلتي

- ‌30 الشيخ محمد البكي

- ‌الروضة المرضية، فيمن ولي نيابة القاضوية

- ‌4-الشيخ أحمد الرصاع

- ‌5-الشيخ قاسم الرصاع

- ‌6-الشيخ حمودة الرصاع

- ‌7-الشيخ إبراهيم النفاتي

- ‌8-الشيخ أحمد الشريف

- ‌1- أما قاضي باردو فإنما يقضي بباردو خاصة وأول من ولي هاته الخطة الشيخ علي شعيب

- ‌2-3- ووليها كثيرون لم يتجاوزوها إلى غيرها، منهم الشيخ نصر بن عثمان قضى بباردو

- ‌4-ومنهم الشيخ منصور المنزلي، وكان فقيهاً عارفاً بالنوازل

- ‌5-ومنهم الشيخ محمد العش وكان عالماً موثقاً

- ‌6-ومنهم الشيخ المختار بن أحمد بن علي المنكبي كان أبوه أحمد عدلاً، وتأخر سنة 1194

- ‌7-ومنهم الشريف الشيخ محمود الميلي وكان من أعلام الموثقين وخلف في العدالة ولديه

- ‌8-ومنهم الشيخ علي بن الباهي بن سلامة

- ‌9-ومنهم الشريف الشيخ محمد بن محمد بن علي بن محمد التميمي

- ‌10-ولما وليها الشريف الشيخ سالم المحجوب بعد قضاء بنزرت ارتقى عنها إلى قضاء

- ‌11-وهكذا وكان ارتقاء المولى الجد الشيخ محمد السنوسي من بعده وجرى ذلك ترتيباً بين

- ‌1-الشيخ علي شعيب فجمع له بين قضاء باردو والمحلة

- ‌2-وممن ولي قضاء المحلة في الدولة الحسينية الشيخ قاسم بن غانم

- ‌3-ومنهم الشريف الشيخ محمد الشافعي

- ‌4-وممن وليها في أواخر المائة الثانية عشرة الشريف الشيخ علي بن محمد التميمي كان

- ‌5-ومنهم الشيخ محمد العذاري وكان موثقاً يتعاطى الإشهاد في الثلاثة والثلاثين بعد

- ‌6-ومنهم الشيخ محمد البحري

- ‌7-ومنهم الشريف الشيخ أحمد زروق وجميع هؤلاء لم يتجاوزوا قضاء المحلة عدا الشيخ

- ‌8-ثم وليه الشيخ محمد الخضار وارتقى منها إلى الفتيا

- ‌9-ثم وليها الشيخ محمد بن سلامة وارتقى منها إلى قضاء باردو

- ‌10-ثم وليها الشيخ أحمد بن الطاهر

- ‌11-والشيخ محمد النيفر

- ‌12-والشيخ فرج التميمي على التوالي

- ‌1-منهم الشيخ أحمد الرصاع كان قاضي الفريضة عام 1146 أربعة وستين ومائة وألف

- ‌2-ومنهم الشريف الشيخ الحاج محمد الحشاشي وعزل في الالث والعشرين من المحرم سنة

- ‌3-والشيخ عثمان بن محمد بن كبير بن ابراهيم بن علي بن قاسم بن أحمد الرصاع بعد أن

- ‌4-ثم وليها ولده الشيخ الحاج محمد الرصاع

- ‌5-6-7

- ‌1-2-وحيث تمهد هذا المهاد في قضاة تونس بالدولة الحسينية إلى هذا اليوم تراجم أرباب

- ‌3- الشيخ محمد الوافي

- ‌4- الشيخ القاضي الكافي

- ‌5- الشيخ إبراهيم المزاج

- ‌6- الشيخ سعيد الشيبوقي

- ‌7- الشيخ محمد سويسي

- ‌8-الشيخ محمد الطويبي

- ‌9- الشيخ عمر المحجوب

- ‌10- الشيخ إسماعيل التميمي

- ‌11-الشيخ أحمد بو خريص

- ‌12- الشيخ سالم المحجوب

- ‌13-الشيخ الشاذلي بن المؤدب

- ‌14-الشيخ محمد البحري

- ‌15-الشيخ محمد السنوسي

- ‌16- الشيخ محمد بن سلامة

- ‌17- الشيخ محمد البنا

- ‌18 - الشيخ محمد النيفر

- ‌19-الشيخ الطاهر بن عاشور

- ‌20-الشيخ صالح النيفر

- ‌21-الشيخ محمد النيفر

- ‌22-الشيخ الطاهر النيفر

- ‌ملحق

- ‌ترجمة الشيخ‌‌ محمد الصادق النيفر

- ‌ محمد الصادق النيفر

- ‌ترجمة فقيد العلم الشيخ محمد الصادق النيفر

- ‌مولده ونشأته الأولى

- ‌دخول جامع الزيتونة وطور الاستفادة

- ‌طور الإفادة" التدريس والخطابة

- ‌صلته بعلماء المغرب

- ‌المناصب التي تقلدها

- ‌مؤلفاته

- ‌أخلاقه

- ‌مرضه وموته وموكب جنازته

- ‌مصاب تونس بوفاة عالم جليل

- ‌عمله الوطني

- ‌من مراثيه

- ‌الجزء الرابع من كتاب مسامرات الظريف بحسن التعريف

- ‌الخاتمة في التعريف بالآباء الكرام، والشيوخ والأعلام وما ألحق بذلك في هذا المقام

- ‌ المبدأ

- ‌السنوسيون

- ‌الزرقيّون

- ‌الشيخ أحمد زروق الكافافي

- ‌الشابيون

- ‌السقاطيون

- ‌الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقّاط

- ‌السوسيون

- ‌الفقيه أبو محمد الشيخ عبد الله السوسي

- ‌الجراديون

- ‌المحجوزيون

- ‌الحياصيون

- ‌المقصد

- ‌الشيخ الحاج عبد الله الدراجي

- ‌ الشيخ محمد بن محمود

- ‌الشيخ أحمد عاشور

- ‌الشيخ محمد بو عصيدة

- ‌الشيخ أحمد بن نصر

- ‌الشيخ محمد الأمين بن الخوجة

- ‌الشيخ عمر بن الشيخ

- ‌الشيخ سالم بو حاجب

- ‌صدارة محمود بها لله قد منَّا=على دولة الإسلام فهي بها تهنا

- ‌الشيخ محمد بيرم

- ‌الشيخ الطبيب السبعي

- ‌الشيخ محمد العربي المازوني

- ‌الشيخ عثمان الشامخ

- ‌الشيخ مصطفى رضوان

- ‌الشيخ محمد النجار

- ‌الشيخ أحمد الورتتاني

- ‌الشيخ محمد البناني

- ‌الشيخ محمد التواتي

- ‌الشيخ إبراهيم السنوسي

- ‌الشيخ أحمد بن الطاهر الكنجي

- ‌النتيجة

- ‌الأمير الناص باي

- ‌جمعية الأوقاف

- ‌الإجازة الأولى

- ‌الإجازة الثانية

- ‌الإجازة الثالثة

- ‌كرامه

- ‌الرائد التونسي

- ‌القليبيون

- ‌الجلازيون

- ‌الملحق

- ‌التشريع

- ‌[ترجمة محمد الطيب الرياحي]

- ‌[وفاة الشيخ إبراهيم الرياحي]

- ‌[الشيخ علي الرياحي]

- ‌الشيخ محمود محسن

- ‌[الشيخ علي محسن]

- ‌الشيخ محمد محسن

- ‌الشيخ علي محسن

- ‌الشيخ صالح النفير

- ‌في ضحوة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام افتقد هذا القطر

- ‌الشيخ محمد الشريف

- ‌[ترجمة والده]

- ‌[قراءة البخاري عند الأزمة]

- ‌الملاحق

- ‌ملحق (1)

- ‌مشيخة المدينة بتونس

- ‌13331915

- ‌13451926

- ‌13511932

- ‌13531934

- ‌13541945

- ‌13601941

- ‌13611942

- ‌13621943

- ‌13761956

- ‌13771967

- ‌13781958

- ‌13831963

- ‌1389،1969

- ‌13931973

- ‌13951975

- ‌1978

- ‌1980

- ‌12821865

- ‌12861869

- ‌12981880

- ‌13001882

- ‌13011883

- ‌ملحق (2)

- ‌عهد الأمان

- ‌استقالة الفقهاء من مجلس شرح قواعد عهد الأمان

- ‌لعل له عذراً وأنت تلوم

- ‌عالم الأدباء وقانون عهد الأمان

- ‌ملحق (3)

- ‌ثورة علي بن غذاهم

- ‌تحقيق حول ثورة ابن غذاهم وما دار حولها

- ‌كيف خمدت الثورة

- ‌الاتزان التاريخي

- ‌ملحق (4)

- ‌الكومسيون المالي

- ‌إبطال الكومسيون

- ‌ملحق (5)

- ‌المجلس الشوري

- ‌ملحق (6)

- ‌تتمة للمقدمة

- ‌ذيل في تسلط فرنسا على تونس

- ‌اللائحة العثمانية

- ‌ما بعد الحماية

- ‌قسم غير رسمي

- ‌ الأمير علي باي

- ‌ابنه الأمير محمد الهادي باي

- ‌الأمير محمد الناصر باي

- ‌الأمير محمد الحبيب باي

- ‌الأمير احمد باي

- ‌ الاستقلال التام

- ‌الأمير المنصف باي

- ‌الأمير محمد الأمين باي

- ‌نهضة الزيتونة

- ‌الاستقلال الداخلي

- ‌افتتاح المجلس التأسيسي

- ‌أول وزارة العهد الاستقلالي

- ‌إعلان الجمهورية

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الوزارة التونسية

- ‌13501932م 1942 م

- ‌13621943 م

- ‌الوزارة التونسية في العهد الجمهوري

- ‌الملحق (7)

- ‌تاريخ تأسيس جاع الزيتونة

- ‌بناء جامع الزيتونة وتسميته

- ‌ابن الحبحاب والفكرة الاتساعية

- ‌تسمية المساجد

الفصل: وبعد فإن خير ما يتزين به اللبيب، ويتزر به كل

وبعد فإن خير ما يتزين به اللبيب، ويتزر به كل ذي عقل مصيب، بذل العلوم النافعة، والمعارف الرافعة، إذ بها تحصل السعادة الكاملة، والرحمات الشاملة، هذا وإن ممن سعى في تحصيل المراتب الرفيعة، والفنون الوسيعه هو الجهبذ الفاضل، والحجة المناضل، النحرير الأكمل، والعمدة الأجمل أبو عبد الله محمد ابن السيد عثمان السنوسي طلب مني أن أجيزه في إقراء المختصر الجليل، المنسوب للشيخ خليل، رحمه الله تعالى ظناً منه أني من أهل هذا الشأن وفرسان هذا الميدان، وإني والله لست أهلاً لذلك، ولا ممن يسلك بهاتيك المسالك، لكن أجبته راجياً من الله تعالى أن يفيض علينا من أنواره الزاهرة، وأسراره السنية الفاخرة، وأن يمدنا بالمدد الرباني والفيض الصمداني، فأقول: إني أجزته في إقراء المختصر المذكور كما أجازني أشياخي رحمهم الله تعالى وقدس أسرارهم بشرطه قال ذلك أفقر الورى، خادم نعال الفقرأن عبد الصمد بن محمد بن عبد القادر بوراي المفتي بسوسة أخذ الله بيده آمين وكتب في صفر الخير سنة 1292 اثنتين وتسعين ومائتين وألف.

‌الإجازة الثالثة

إجازة الفقيه الورع المحدث النقادة المتفنن الشيخ صالح الجودي قاضي مدينة القيروان وهذا نصها: نحمدك يا من أجاز قاصده من سلسبيل آلائه، وجعل سندنا إليه خاتم رسله وسيد أنبيائه، ونصلي ونسلم على من نوعت له تلقي وحيك على أنواع، فمنها ما كان بغير واسطة وخصصته مع الرواية بالسماع، ومنها ما كان بواسطة روح القدس الأمين، عن اللوح عن القلم عن مكنون علمك المقدس المتين، وعلى آله الذين تركتهم بعده للتمسك بهم وبكتابك أماناً من الضلال، وجعلت مودتهم كفيلة من أهوال يوم الرجف والزلزال، وعلى أصحابه الذين حملوا إلينا منه شرعك المتين، وحموه من التحريف حتى بلغوه باللفظ الذي تلقوه منه على المنهج الواضح المستبين، وعلى حماته أعلام الأمة الذين سلكوا مسلكهم في الرواية، حتى تلقينا بمسلسل أسانيدهم على أتنم ضبط للغاية.

وبعد فإن العلم من الشرف بمكان، شهرته تغن عن الشرح والبيان، وإن درست ربوعه، وانقرضت آحاده وجموعه، وسحبت على أبوابه عناكب الخمول، وأذنت شمسه بعد إشراقها على جميع الآفاق بالأفول قد قيض الله له طائفة من أهل هذا العصر، شمروا في دروسه على ما كانت في سالف الدهر، وكابدوا فيه مكابدة من سلف حتى حصلوا على فك خفايا رموزه، وإصابة خفايا كنوزه، فكانوا من خير الخلف، وكان ممن انتظم في سلك أولئك الأكياس، الناهلين من أصفى موارده من أكبر كاس، أخونا في الله الذكي الألمعي، الزكي المسيدعي، الممتطي بجيد قريحته صهوات جماع المعاني، والمذلل براسخ ملكته أوابد رموز المباني، وإن نثر شف بدرر منثوره الأسماع، وإن نظم حرك سحر بيانه سليم الطباع، الودود الصافي، ذو العهد الوثيق الوافي، الشيخ السيد أبو عبد الله محمد السنوسي ابن العدل الفاضل الشيخ أبي عمرو السيد عثمان السنوسي ابن المنعم الفاضل سليل الأفاضل الشيخ أبي عبد الله السيد محمد ابن الشيخ الكبير، والعالم الشهير الثبت الحجة النحرير، من أشرقت أرجاء قطره بنور عدله، واتفق الثقات على كمال فضله، وأحيا من محررات الأحكام ما تنوسي، المرحوم المقدسي قاضي الجماعة المالكية الشيخ أبو عبد الله سيدي محمد السنوسي، وقد التمس مني حين قدم لمدينتنا من الحاضرة المحروسة، واجتمعت معه في أوقات مأنوسة، أن أجيزه الإجازة التي جرت بها العادة لتحصيل الاتصال، المحصل لعود بركة مشايخ سلسلتها على مستقيمها في الحال والمآل، وحمله على ذلك حسن الظن الذي هو وصف أهل التقوى والإيمان، وإلا فما أنا من فرسان هذا الشأن، وأين للهزيل الضليع، أن يدرك شأو القوي السريع، لكنني لما رأيت قوة رغبته وأنه لا يقبل لي عذراً في التخلف عن طلبه، أجبته بعد الاستخارة لما أراد رجاء أن أرى أثر بركة دعائه يوم التناد فأقول وبالله أستعين، وما توفيقي إلا بالله القوي المتين:

ص: 376

قد أجزت أخلي الملتمس المذكور، كان الله ولي وله في جميع الأمور، بمثل ما أجازني به أحد جلة مشايخي الذين عليهم اعتمادي، وإليهم فيما حصلت استنادي الشيخ العلامة الخير الثبت الفهامة نادرة وقته في الفروع والأصول وحيد عصره في المعقول والمنقول ذي النزاهة والزهادة والتبتل في العبادة الذي أرجو له من فضل الله الكريم أن يقدس سره ويهب له من الخيرات ما لا يتناهي، مولاي وأستاذي المفتي السيد الشريف أبي عبد الله سيدي محمد بوهاهأن قدس الله بروحه، ونور صريحه، وأسكنه من أعلى الجنان فسيحه، وسندي في صحيح البخاري عنه رحمه الله عن شيخه أربي المحاسن يوسف بدر الدين المدني عن شيخ المحدثين بالحرمين السيد زين باعلوي المدني الشهير بحمل الليل عن شيخه المعمر محمد بن سنة العمري الفلاني، عن العلامة أمد بن علي العباسي، عن السيد غضنفر النقشبندي، عن تاج الدين عبد الرحمن الكاروني، عن الحافظ أبي الفتوح أحمد الطاوسي عن المعمر بابا يوسف الهروي، تعن الشيخ المعمر محمد بن شاذبخت الفرغاني، عن الشيخ المعمر أبي لقمان يحيى الختلاني، عن الإمام محمد بن يوسف الفربري، عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، ورحمنا به. وعلى نحو ما أذن لي شيخي في إجازته لي أذنت، وشرطي له مثل ما شرط أستاذي علي، ووصيتي بمثل ما كان منه إلي، وأسأل من أخي المجاز الصفح والإغضأن وأن ينظر بعين الرضى، فإن مثله من الكرام ممن يستر الزلات، ويتجاوز عن الهفوات وإن شغل البال، وتكاثر الأشغال، وستحمل عن ألأثقال مما يقبل به الكريم المعذرة، ولا يكلفه فوق المقدرة.

وأسأله أن يدعو لي في خلواته، وعند أدبار دروسه وصلواته، وأقول قولي هذا وأستغفر الله من الخطأ والزلل، وأسأله أن يحمل أمورنا على السداد في القول والعمل، إنه لا يخيب من سأل كتبه العبد الفقير، ذو العجز والتقصير، محمد صالح بن قاسم ابن الحاج علي الجودي التميمي قاضي مدينة القيروان وعملها غفر الله له ولوالديه وسائر المسلمين آمين، وكتب في 28 محرم الحرام سنة 1292 اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبويه على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.

لخصت عوارض هاته الرحلة في عجالة سميتها (سموط الدرر في لطائف السفر) جمعت فيها آداب السفر المذكور وهذا نصها بما احتوت عليه: بسم الله الرحمن لرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم حي الله معالم السفر إلى البدو والحضر، وإن كان سبباً للاغتراب، والتنائي عن ألأهل والأتراب، إذ به يعلم الإنسان، عجائب ما أودع الله في هذا العمران، فيرى من اختلاف الألوان والألسن والأخلاق في جنس البشر ما يفيد العبر، ويحنكه بتجارب العادات التي يرتاح بمعرفتها من الشحناء والمعاداة، ولاسيما إن كان المسافر من الدهاة، الذين يتقبلون في ملابس السفر التحيل ليحصلوا على الخبرة والنجاة، فهذا لا محالة يحصل على مزية السفر دون عنا ويبلغ بأحبولاته إلى غاية المنى، هذا إن تخلق بأخلاق أولئك الأمم، وتباعد عن العادات التي كن في سلك الناس بهذا قد انتظم، أما إن داخلهم بأخلاقه التي لم تكن عندهم مقبوله، ولو كانت ترضي الله ورسوله، فلربما يقع فيما يتجنب، ولم تنفعه عادته التي كان فيها يتقلب، لا جرم أنه يحصل له بذلك مزيد تحقيق، لما لا يعود به إلى ولوج ذلك المضيق، فغاية الاستفادة تحصل لا محالة للمسافر، مهما سفر عن التقاعد تلك المسافر بيد أن الخبير يستسقي ذلك الضرب خالص الشراب، والمختبر يتجرعه مشرباً بنطة من للضباب، وإن كان لابد من أن يحصل من التربية والتجربة على أوفر النصاب، وينال بذلك معارف صالحه، أو تجارة رابحه:

إن تجد بين البراري طائفاً

فاحسبنه قد جنى لطائفا

يلتقي الأرباح في متجره

أو يرى يحوي به المعارفا

ص: 377

وبهذا السبب نرى المتمدنين من أمم هذا الجيل، المقتدمين في المعارف والصنائع ورواية الأناجيل يعملون الجد إلى الرحيل، ويرون أن الإقامة بالوطن كالمعنى المستحيل، فاتخذوا الأرض مغزاة وهم بتطوافها أحرى، ورأوا أن من العجز تفضيل دار على أخرى، وقد أعانهم على ذلك المساعدة بتسهيل الطرقات، التي بشرت لهم البلوغ إلى غاية الجهتين الجنوبية والشمالية في عامة الأوقات، فنسفوا أعقاب الأرض، وذللوا سبلها للمرور بالطول والعرض، واتخذوا البواخر البحرية وخرقوا سياج الجبال الشاهقة بمرور السكك الحديدية التي رأيناها قد امتدت فيما حول حاضرتنا نحوا من لعشرين ميلأن ونؤمل من الله زيادة امتدادها لتسهل لنا من الأرض، سبيلاً ثم إن هاته الوسائل التي يستعملونها لتيسر لهم الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها حملهم عليها ما علموه، مما خلق الله عليه نوع الإنسان، من غاية احتياجه إلى الاجتماع والتعاون اللذين هما السبب الوحيد في لعمران، وإلا فأي اجتماع مع استقرار كل واحد في مقره على خيره وشره، وأي تعاون مع انفراد اجتماع أصحاب الاختراع بمخترعاتهم، وتنائي القاضري عن رؤية ما أحكموه ببراعاتهم، وهل في ذلك إلا إضافة التقاصر إلى القصور، مع أن التعاون لا يحصل مع التباعد ولتقاصر، ولابد فيه من الاجتماع والتناصر، نعم قد أضر السفر ببعض أهل الممالك، الذين استغرقوا زمانهم في سلوك تلك المسالك، فهجروا أوطانهم التي كانوا يقصدون عمرانها وحملوا معارفهم إلى غير بلادهم وعمروا ديار الأجانب بتخريب بيوت آبائهم وأجدادهم كتعمير بلاد الروسيا بأمم جرمانيا الذين حملوا إليها معارفهم وصنائعهم، وأخلوا من محاسنهم مرابعهم، وكتقدم لندرة بأفراد أمم الفرنسيس، الذين سلموا إليها من مخترعاتهم وعلومهم الجديدة ما حصلوا به على الفخر انفيس، ولا شك أن السفر الذي بهاته المثابة، ليس لمستحسنه إصابة، فهما قصد المسافر نفع بلاده، لم تكن بلاد الغير غاي مراده، وإنما عليه أن يرغب في تحصيل تلك المعراف، ويجعل في بلاده منها أهم المصارف، ليكون هذا السفر نفع وما أضر وحيث تقررت عندي محاسن الأسفار، على الوجه المختار، وصبوت إلى رؤية مآثره، والتحلي بمفاخره، حتى ساقتني مقادير رب العالمين، إلى تفقد شعائر الدين فذلك الوزير الجديد أدام الله نجاح سعيه الحميد، إذ أمر أوقاف المشاعر فيما سلف أذاب كبود المهتدين، واشمت أعداء الملة المعتدين، حيث رميت من الإهمال بما كاد أن يفضي بها إلى الاضمحلال، ووضعت بيوت أذان الله أن ترفع، وأغتدي شأنها بمضيع وهدمت صوامع وبيع، وأكلت أموالها بالباطل دن قيام بآرابهأن (ومن ظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) إلى أن رأينا من مصانع الدولة الصادقية التي أعادت في هذا العصر شرخ شباب الملك التونسي، وخلعت عليه من محاسن دارة خير الدين ملابس الفخر السندسي، فنظرت خلد الله عزها إلى هذا المهم، وتداركت بحزمها ذلك الخطب الملم، ووضعت بجمع شمل الأوقاف محكم القوانين، وأناطت عهدة تنفيذها لرئاسة العمدة الأمين، العالم الفاضل الشيخ محمد بيرم أدام الله مجده، وقارن بالنجاح سعيه وجده، فقام لها قيام الزعيم، وهجر لتدبير مصالحها لذائد الراحة والتنعيم، مستقبلاً مرضاة ربه بهذا الخير العميم، معتضداً لذلك بجمعية جليلة، قد تخيرهم تاج المفاخر إكليله وكانت ولايته رعاه الله تعالى أوائل شهر صفر الخير من سنة 1291 إحدى وتسعين ومائتين وألف، وقد سرت البلاد باختيار أولئك الأنجاد، تحت رئاسة هذا العماد، وأملوا ما حقق الله لهم فيه الأمل، فرأوا عن أقرب وقت أعز البشائر، لاهجة في سائر الأندية بإحياء تلك الشعائر، ولذلك قلت أخاطبه:[الطويل]

بك الدين قام اليوم يجبر خلّه

وربُّه في حصن منيع أحلّه

فقمت إلى إحياء خير معالم

قياماً سواكم ليس بجهد قله

وأحسنت تدبيراً لذلك كل من

تملاه أثنى بالذي كنت أهله

بها تونس قامت لشكر رياسة

أرى تاجها ما إن سواكم أقلّه

رأت أنها ضاعت بأيدي برية

على حين لم تلف النصيح وفضله

فذكرت البيت الذي طالما أوت

إليه وعزت حين حلت محله

فنادت ببيت الشم من آل بيرم

زعيماً هماماً يحمد الناس فعله

ص: 378

أبياً زكياً ألمعياً علومه

معالمها تحكى علاه وأصله

له همة عليا تسامت على السما

فلم ترتض الجوزاء إذ ذاك نعله

وفي خلقه ما يزدري لالينه الصبا

وفضله كالأفق الذي صب وبله

فهيهات لا يولي الأمور محلها

إذا ما تولي عقد أمر وحله

فيهني بيوت الله والأولياء ما

يلاقون من جبر له الله دله

ويهينه ما يلقي من الله جزا

على صنعه المحمود حين أجله

فدم يا أبا عبد الإله مرفعاً

يزين بك الفخر العزيز محله

وقد كنت ممن أقيم للكتابة في تلك الجمعية، فوليت وظيفتها السنية، وبذلك هنأني صديقي الأعز الأكتب الفاضل الشيخ عمر بن أبي الضياف فقال:

راحُ السرور تدار للجلاس

بعطاء أكرم صاح ومواس

وتهز أردان الشهادة بالذي

أضحى لأمره كالطبيب الآسي

فهي الخليقة بالهناء لأنها

ظفرت بمالك أمرها القنعاس

ذاك الهمام الأحوذي المرتدي

ثوب الجلالة والعفاف الكاسي

بدر تصعد في سماء معارف

فغدا يلوح سناه كالنبراس

فرع سما من دوحة علمية

والفرع يتبع أصل كل غراس

أعني محمداً السنوسي الذي

قد خصه المولى بعقل إياس

وحباه فرط سياسة وكياسة

ألقت عليه محبة الناس

منة رام حصر صفاتكم فكأنما

قد رام حصر الرمل والأنفاس

لا زلت في درج المعالي رقاياً

ما هب ريح في رياض الآس

أما هاتيك الأوقاف، فقد فازت من عناية الرئيس بغاية الإسعاف، بعد الرمي بالإتلاف، وعم حسن إدارتها سائر بلدان المملكة، إذ قام فيها النواب كلهم سالكاً مسلكه، ومع ذلك فقد اقتضى حزم ذلك الرئيس، الجالس بكمال بصيرته من مراقبة أعمال سائر النواب محل الجليس، أن وجه متفقدين لسائر البلدان، زيادة في الاعتناء بهذا الشأن، وكنت ممن تعين لتفقد أوقاف وطن الساحل ومدينة القيروان، والإتيان على الوطن القبلي من غير توان، وحيث كانت هاته الرحلة بالنسبة إلي هي أولى الأسفار، أحببت أن ألخص هنا جملاً أبرهن فيها عما لاقيته في تلك الديار، مع ذكر ما عسى أن يكون جره السفر من المكاتيب الرائقة والأشعار، كل ذلك حرصاً على استبقاء هاته الآثار، وسميت هاته العجالة بسموط الدرر في لطائف السفر فأقول وبالله نستعين: كان مبدأ خروجي من الحاضرة صبية السبت رابع ذي القعدة الحرام من عام 1291 أحد وتسعين ومائتين وألف، إلا أنني حين أزمعت السفر إلى هذا الوطر أنشدت إخواني ليلة الرحيل، ما أنشدته قبل قصد السبيل، من قولي:[البسيط]

استودع الله إخواناً نباعدهم

لا عن قلى عندما الترحال قد عرضا

أسير عنهم وقلبي في مودتهم

رهين دين بأيديهم وما انقرضا

تقاسموه فما ابقوا لصاحبه

قسطاً ليرجو من تلقائهم عوضاً

وأنشدني من إنشائه الصديق الأصفى البارع الماجد العمدة النحرير أخونا الشيخ سيدي محمد بن الخوجة قوله: [البسيط]

صوحبت بالأمن في حل ومرتحل

ولا حللت سوى العلياء من نزل

يا راحلاً شايعته النفس لا جسد

وهل لمن باعدته النفس من حيل

فاسلم وعز ولا تلقى سوى ظفرٍ

تقر عينا به من مثل ذي النقل

ص: 379

فاعتمدت على الله في عمل المسير إلى بلد سوسة من وطن الساحل، واقتطعنا إليها تلك المراحل، فألفيناها بلدة طيبة المركز وهي عتيقة قبل الإسلام وكان فتحها في ولاية معاوية بن حديج على يد عبد اله بن الزبير بن العوام وهو حد بين القيروان والجزيرة القبلية، من الجهة الشرقية بالنسبة إلى الحاضرة المحمية، في عرض خمس وثلاثين درجة وإحدى وخمسين دقيقة وعشر ثوان من تونس على طول سبع وعشرين دقيقة وثمان وثلاثين، ثمانية منها على شواطئ البحر فهو يحدها من الجهة الشرقية وقد أحاط بها سورها الذي أقامه زيادة بن إبراهيم، بن الأغلب إحاطة تصون، حتى عدت حصونها لإفريقية من أضخم الحصون، وبها مضجع صاحب الأسرار، المعلن بالفخار، الشهير من كل الأقطار، وعماد الأولياء في ذلك لمحل، الولي الصالح الشيخ سيدي بوراوي الفحل، رضي الله تعالى وأرضاه وقد اجتمعت هنالك بأحد ذريته الفاضل الشيخ عبد الصمد بوراوي وهو يومئذٍ من أرباب الفتيا بها على جلالة وخيرية تامين، وكذا عماد بين الشرف الممنوحين بمزيد الرفعة والشرف السادة الذين حبهم فرض على أهل الدين وهو الفاضل الصفوة لشيخ سيدي أبو الحسن زين العابدين إلا أني وجدت أهالي هاتيك البلد، على حالة لم يتصف بها غيرهم من أحد بل وجدتهم على الحالة التي ورثوا فيها أجدادهم حيث ساقت المقادير الشيخ أبا الحسن علي الغراب فقال يصف بلادهم:[البسيط]

حللت سوسة لا حلَّ الرخاءُ بها

بالجهل ملآنة قفرا من الأدب

والساكنون بها خشب مسندة

تبالها أبداً من سوسة الخشب

أستغفر الله بل إن ربعهم في الأدب قد أعمره أحد مفاتيها عمارة بعد أن أجدب ممن لازمنا بالمسامرة لما عنده من الآمال، وكتبت إليه حين تخلف في بعض الليال:[البسيط]

يا مفتياً له من ذي الود إيثار

زرنا ولا تتناءى عنكم الدار

عجبت منك وقد أفرغت منزلنا

بالأمس من بدركم إذ أنت عمار

فكتب إلي ووافى، ولم بعد إخلافاً:[البسيط]

جاءت إلي من المفضال أشعار

فأشرقت من سماء الطرس أنوار

رامت من الود أن نسعى بمنزلة

وذاك فرض وإن شطت بنا الدار

فكيف والقرب قد أدنى منازلنا

وعبقت من شذا رياه أعطار

أما مدة إقامتي بهذا البلد التي بلغت لنحو الشهر فإنها كانت علي من أعظم الأكدار، التي لا يقر لصاحبها قرار، إذ كنت حذراً من كلابهم الذين ينبحون الأضياف ويعدن وكل يوم عندي كلن مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، وإذ لا يكاد نزيلهم راحه، ولا يبيت عزيزهم أو ذليلهم يرتجي نجاحه، فالمستريح عندهم من ذوي الشأن النبيه لا يأمن من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، وهذا الحلل لا زالوا منه في أوحال ولقد أعرب عن دخيلاتهم شاعر بلادهم، وأحد أجدادهم أبو عبد الله محمد المؤخر إذ قال في وصفهم وما تأخر:[مجزوء الرمل]

كل سوسي فهو سوسة

وله نفس خسيسة

بعضهم ينهش بعضاً

مثل كلب في فريسة

ثم إني أقول متوفياً طرائق الإنصاف: إنهم معورون فيما أودع في أصولهم من تلك الأوصاف لكنهم قد تخرقوا فخرقوا سائر السياجات أو كادوأن وبعد المحافظة على أصول آبائهم زادوأن إلا أن يقولوا إنه قد كان قائماً بآبائهم ذلك الألم، ومن يشابه ابه فما ظلم، فيتوجه حينئذٍ لهم الاعتذار، ونقول بعداً لهاتيك الديار ولقد صدق أحد جلة الشعراء يحذر من مكائدهم، بما تحققه من سوء عوائدهم، وهو الشيخ أبو عبد الله محمد بن يونس إذ قال مجيباً من سأل عنهم من أهل تونس:[الكامل]

بعداً لسوسة لا أراها منزلاً

لذوي النباهة من بني الآداب

بلدا إذا صب السحاب قطاه

صب الإله عليه سوط عذاب

ص: 380

أما أنا هنالك فلن أستريح إلا بما عسى أن يرد علي من مكاتيب أخواني، حيث تناءى عنهم مكاني، ولولا مخاطبتهم الرائقة، ما كنت لأجد هنالك راحة لائقة، إذ لم أتعود في حاضرة تونس بشهادة الزور، ولا بقول الفجور، فكنت اقتصر في معاملتهم على ما أوجبته الخدمات، قانعاً من الغنيمة بالسلامة والنجاة، ولم أستطب هنالك غير مخاطبات ساقتها لمقادير، وقعت بيني وبين أخلائي بتونس من الجهابذة النحارير، وقد انطوت على خفيات الرموز، ولولا السفر ما مدت تلك المخدرات أعناقها للبروز وأول ذلك ما أنشأته خطابا لجنبا من تفاخرت به تلك الرئاسة، عنواناً على ما كنت أعاني في ذلك البلد مراسه:[الطويل]

على كاهل الإجلال أهدي تحية

مضمخة في سجف ود مثمج

وأودعها مالي من الشوق كي به

تفوح على الدنيا بطيب تأرج

وأستحمل الركبان والعيس مالها

من الفخر والإجلال في كل منهج

عسى أن يطيقوا حملها لممجد

أعز بني الدنيا مقيم المعوج

له حسن تدبير وعز مهابةٍ

وفسحة علم فهو خير متوج

تراه على ما عنده من مكارم

بلاقيك بالوجه الأغر المبلج

حيا الله خير محيأن وأفخر العلماء محيأن سراج الهدى، وغيث الندى، القاصي المدى، الداني الجد أعلن مصاقع البيارم، محرز خير المكارم، شهاب الدين وكهف الملتجئين، مقيم شعائر الملة الإسلامية، ومديم المثابرة على الحزم بنفسه العصامية العظامية، سعد السعود، والمنهل العذب الورود، صاحب الصيت الشهير، المتصرف كيف شاء بإكسير التدبير، مالئ الأرض فخارأن ومبيد الدعاة استصغاراً عين أعيان السقع التونسي، الذي ألبسه ملابس العز السندسي أستاذنا الهمام النحرير الفاضل الشيخ سيدي محمد بيرم أدام الله رعايته وحفظه.

أما بعد إهداء الإسلام لائق بتلك المكارم مصحوباً بالإجلال الإعظام بما تستوجبه تلك المعالم، فلا يعزب عن شريف علمكم ما عندنا من الاشتياق، الذي لا يكاد أن يطفي بغير التلاق:[الطويل]

وفي النفس حاجات إليك كثيرة

أرى الشرح فيها والحديث يطول

وإنما أعلم سيدي بأني على ما تعلمون من بذل الوسع في جميع أطراف ما أنا بصدده مقتحماً شقة سياج لموانع القائمة بهاتيك البلاد، التي منعت تلك المصالح الجارية على القوانين الشرعية من النفاد، وذلك هو السبب الوحيد في صيرورة خدمة الأوقاف بهذا البلد مستأنفة من جميع جهاتها إذ لم تجد قبل قدومنا أحداً من حماتهأن حيث لم يكد أحد يخلوا من غرض في كل ما عرض نعوذ بالله تعالى ونسأله التأييد والإعانة والسلام.

وكاتبت إخواني أدام الله رعايتهم وحفظهم بما اقتضاه الحال لتراكم الأشغال بحيث إن ما كاتبهم به ليس يبلغ المرء الأمل، ولكن كما قلت لهم فيها جهد المقل خير من عذر المخل، وكاتبني عند ذلك جناب الأخ الودود والفهامة النحرير الفاضل الشيخ سيدي محمد جعيط بما نصه: كتبت وبعد سيدي لا زال محفوفاً باللطف يلقي علي ضراماً ووثوقي من الله باجتماعي بك واعتقادي عافيتك يقول لسان حالهما يا نار كوني برداً وسلاماً فها أنا أترقب صبح المسرة من أفق الرجأن لتطلع فيها شمس فضلك لأهل الفضل والحجأن وإذا ببشير العافية قد أقبل وعليه من حلل البلاغة برد فأثار مني كامن المجاراة في ميدان الإنشاء ولو كان يني وبينه عهد، كتاب قد استنشقت عرف المودة من مسك مداده واحتسبت راح العافية من منطوقه وفحوى خطابه، وسرحت النواظر في رياضه النواضر، وصرت من خلاه أحلي بحلي الفصاحة نفسي، وأسامره بذلك في مجالس أنسي، وأكرره كلما أصبح وأمسي، وأجعله في حانات المحاضرة نديمأن لما أعددتك لفض ختام رحيق المعاني أخاً زعيمأن وما احتوى عليه من خرائد المعاني، وكان أن يكون سبباً لإجحامي حتى أكون لبساط المكاتبة ثاني، فماذا يقول فيك المادح، وقد أسكتت بلاغتك كل صادح، ومن يباريك وقد ركبت غضنفراً ومن يجاريك في صفة فضل وكل الصيد في جوف الفرأن ولعمري هل يباري التوحيد بعمل، أو يجاري البراق بجمل، وهل يلحق شأو من ملك بسيف يراعه ملك الأدب، العارف بوضع الهناء موضع النقب المظهر من خدره فكره كل فتانة الطرف، عاطرة العرف، لو ضربت بيتها بالحجاز، لأقرت لها العرب العربة بالإعجاز حتى أني متى هطل من سماء فكرته صيب، تمثلت ببيت أبي الطيب:[الطويل]

ص: 381

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق

أراه غباراً ثم قال له الحق

لكن فقولك في جوابك جهد المقل خير من عذر المخل، جلت في هذا الميدان وإن لم يكن لي فيه وابل فطل، وعذراً فالعبارات في جمع أوصافك قاصره، والبراعة في أذيال الحجل متعاثرة:[الكامل] خرس اللسان وكلَّ عن أوصافكم=ماذا أقول وأنتم من أنتم؟ هذا ولما كشفت لثام الكتاب، لاح لي أن أوجه لك في طي سلامنا العتاب، فيما نسبتني إليه من البخل عن مكاتيبك وهو من التوبيخ قبل صدور الذنب من المجرم، لكن بعد قراني معك في المكاتبة لم يبق أن يقال إلا الفضل للمتقدم، ويبلغك السلام من جميع إخوانك الذين أمرتني بتبليغ السلام إليهم وكلهم يشكون مثل شكواك من فراقهم من ألم فراقك عليهم خصوصاً من على إرعاء مودتك قد نشأن وتأخيري له مع اعتقادي تقدمه في المودة تغطية لأمر قد فشأن ويبين عن تعيين قول الشاعر بحبي في الحشا والابتهال، إلى من تناخ بساحة فضله ركائب الآمال، أن تهب شمول إقبالك على أحسن حال، والسلام.

ثم اتبع هذا ببطاقة تتضمن الاعتذار عن كاتبه، الذي هو من نفائس آدابه، وإن كان الغرض منها مجرد إعادة المكاتبة التي هي أشهى إلى الأسماع، من لذة الوصل بعد الامتناع، وعند ذلك حاولت بضعفي إجابة جنابه عما ضمنه بطاقته وكتابه، فكاتبته بما نصه: جناب الأبرع الشهم، الرامي من كرته بصائب السهم، بدر دروس المطول والعضد والمواقف، المتلفع في جميعها بأفخر الأردية والمطارف، النحرير الذي تعنو له الإفهام، ومحرز السبق في ميادين الدروس مع إخوانه الأعلام، صاحب الرأي الوقاد، والمعد بالخنصر مع الجهابذة لنقاد، الحميد الأخلاق المزرية بالاصطباح والاغتباق ذا العهد الوفي، والود الصفي، شقيق روحي التي أسلمتها إليه تسليمأن ووهبت مع الثناء كليمأن لأجد دون مكاتيبه رحيمأن مخلص الوداد، في القرب والبعاد، أخي وسيدي وعماد دروس وعضدي، الفاضل الزكي، الشيخ سيدي محمد جعيط لا زالت كتبه نزهة الألباب، وفرائد إنشاءاته تتقلد بها جميع الرقاب.

أما بعد إهداء تحية تحيي رميم الوداد، الذي كاد أن يحشره البعاد، وتريك من تقلب الأحشاء، ما لا تجده من الحشاء، تحملها إليك غلمان صداقة هذا الصديق، يطوفون عليكم منها بأكواب وأباريق، فقد طلع علي برق كتابك الذي أمطرت له عيني، وتلافى ما كنت عليه من حيني، فورد كما شاء الوداد، وأوردني من موارد مودتك أعذب الإيراد، ويا الله ما ألذّ منه تلك المطارحة والعتاب، اللذين أفضي لهما تعاطي كؤوس الآداب، وحيث إن لإسهاب في وصف ما تضمنه غير محتاج إليه، رأيت أن أنازلكم في ذلك الميدان الذي عوت عليه فأقول: حفظك الله كيف عمدت إلى عتاب المودة، الذي كنت أعهدك تحكم بأنه يفوق الرضاب وبرده، فسميته باسم التوبيخ، الذي هو أمر على الأسماع من الحنظل الرضيخ، ولم يكفك ذلك حتى حكمت بالفضل للمتقدم، وما في ذلك منك إشارة إلى شيء من التندم، وما لبثت أن أتبعت ذلك ببطاقة علم الله أنها وقعت مني موقعاً لا أكاد أصفه حيث رأيت الود منها قبل فتح ختامها قد أشيدت غرفه، وإذا هي تتضمن الاعتذار في خطابك، عما نسبته لكتابك، مع براءته مما وصفت، وأي باعث لك على ذلك إذا كنت على يقين بأن موارد المودة بيننا قد عذبت وصفت، فهذه حجة قد أقمتها عليك، وفوضت الحكم فيها إليك، ويا حبذا ما وشحت به كتابك من سلام الإخوان الذين مودتهم في سويداء الجنان غير أني لم أجد دليلاً على ما ادعبت في وصف من أخرته، وزعمت هنالك في سبب التأخير أمراً ذكرته، وإلا فأين رعاية مودته التي ذكرت أنه عليها قد نشأن وأظنه بعد سفرنا رحل هو أيضاً عن تلك الرعاية ومشى، وإن كان يزعم أنه ما زال قاطناً على ذلك العهد فماله لم يسمح بقلم في قرطاس يوجه إلي من بعد اللهم إلا أن يكون يرى الود مقصوراً على أيام الاجتماع، وإن كانت منزلته كنار على يفاع، فحينئذٍ نعذره فيما يرى، ولا نعود بالسؤال عما عسى أن يكون وقع منه وجرى، والسلام.

وكاتبني جناب الأخ الودود الفهامة الأبرع، والنحرير اليلمع، الفاضل الشيخ سيدي محمد بن الخوجة بما نصه:

ص: 382

الجناب الذي بمثل أخوته تبتهج النفس، وبنظير محاضرته يتمكن الأنس، جناب أعز إخواني، ومحل سري وإعلاني، شقيق روحي ومن أجد بمخاطبته راحي وروحي، واحد الزمن ابداً ولطفأن و [من أصبحت] معاطير الأثياب من شمائله قرقفاً صرفاً الندس الذي نار فكر تتوقد، وأنفاس حساده لا زالت تتصعد، الفذ الذي بز على حداثته الكهول، والندس الذي برز على القوارح في حلبتي المعقول والمنقول، طلاع أنجد المعارف، المتحلي من الكمالات العلمية والأدبية بأبهى المطارف، نخبة الأقران، بل صفوة الأعيان، فرد دوحة الأخيار العلماء، الفضاء العظماء ذاك أخي بل صديقي بل سيدي بل ساعدي، يل صارمي، الذي تصول به يدي، الشيخ الذي أحيا من مآثر بيته ما طال عليه العهد ولا أقول تنوسي الماجد الشيخ سيدي محمد السنوسي، لا زالت العين تنافس فيه الجنان، فتارة في سوادها وتارة في سواد الجلجلان.

أما بعد تحيات عطيرة تحملها أكف الاشتياق، وأطيب من حديث تلاق في مسامع العشاق، تحاكي شمائلكم عذوبة وطيباً وتهز من أريحيتكم غصناً رطيبأن فقد ورد كتابكم الكريم، ذو المحيا الوسيم، المتلقى بغاية المسرة، المتحف بنهاية المبرة، المؤدي لحقوق الصداقة، المنبئ أن الوداد فاتح لرعاية الإخوان أحداقه، المبشر بغاية الأمينة، من استقامة تلك الذات السنية، والإقامة فيا له من وافد، بل عائد بقلوب أضناها طول التباعد، دأبها استنشاق نسمات أخباركم، في وردكم إصداركم، عسى أن ترقى به جنونهأن وتكشف به شجونهأن وبهذا أصف لك ما بها من الشوق، وقد شب عمره من الطوق، ودوائر العبارات إنما تحيط بالمقدورات وحسي أن أتمثل عن الحال، بقول من قال:[الوافر]

كتبت ولو كتبت بقدر شوقي

لأفنيت القراطس والمدادا

ولا غرو أن فر الاصطبار، لما شط المزار فإنه لم يجد أين يحل، والقلب معك يرتحل، ومن لي بمن يعيرني فؤاداً أكابد به النوى، ويكون زيارة لشخص الحبيب فأستريح من الجوى، وإن تعجبت مما فعل بنا البعد في أيام ليست بكثيرة لعدد، أقول منشداً البيت الشهير البراعة، أهذا ولم يمض للبين ساعة، فحجبتنا حينئذٍ قول المحب الصادق، وأنت بها الدري الحاذق.

[الطويل]

أأترك ليل ليس بيني وبينها

سوى ساعة إني إذا لصبور

وليس هذا تعريضاً ةأيم الله لعدم استيفائك لحال الشوق بالتعزير، الذي يزعمه يراعك المشهود به بالتبريز في حلية التعبير، وإني نحن الموقنون بكثرة أشغالك، في حلك وترحالك، ومثلك ممن أنيطت به عظائم الأعمال، لا يقابل واجب رعايتها بالإهمال، وعظيم اشتياقك بملاقاة خاصة الإخوان، أغنت فيها ما قرره حكيم الشعراء في بيته الشهير الفصيح، هذا وإني لست ممن ينتحي بالتأنق في الفقرات، ويعجز بالتنميق في العبارات، مع علمي بأنها مهداة لمثلك، ومسوقة قطيراتها إلى سبلك، وزمن يعجب بإهداء التمر إلى هجر، والنور إلى القمر، ألقى بنفسه إلى الاستهزاء، وكان أن يعد من الحمقاء، وما هو إلا جواد يرى هزته خيلاء، وكاتبك فركض كيف شاء في حلبة مخاطبتك تطيره رياح الاشتياق، فيجمح كيف يريد في ميدان الأوراق، فلا تخل إذا طولت تطاولت، إذا لم أف بالحال ولا قاربت، وأما تبليغ تحياتك العطيرة، الإخوان المنزلين منزلة العشيرة، فقد أقرت سروراً ورنحت أعطافهم طرباً وحبورأن لاسيما الشيخ الأكبر الذي ما زرناه منذ فارقناه، إلا صبيحة ورود كتابك لتبيلغ خطابك، فسر غاية السرور بتلك الكتابة، ودعا دعوة الشيخ مستجابة، بتعجيل الإياب على أحسن الأحوال، حتى تنظم لعقدنا وسطاه فيبتهج بالكمال، والسلام من أخيكم الغريق في نسب الصداقة محمد بن أمد بن محمد بن الخوجة أخذ الله بيده آمين.

وحين ورد إلي هذا الكتاب بما اشتمل عليه من المحاسن التي انهمرت منها المودة بماء غير آسين، بادرت جنابه مجيباً بما نصه:

ص: 383

العيلم الذي جواهر آدابه تبهر الألباب، والفصيح الذي عذوبة ألفاظه تزري بمعسول الرضاب، دراكة المعقول والمنقول، البارع في استنتاج الفروع من الأصول، خلاصة الأعلام وغرة جبهة الأيام، وقرة أعين الكرام، سلالة العلماء الأفاضل، المبرز في الدروس العلمية على كل مناضل، مالك أزمة البيان، وملك أيمة اللسان، فصيح القلم إن نثر أو نظم، والعالم العلم، القاصي الهمم، وشقيق روحي ونفسي، وعماد أهل مودتي وأنسي، سيدي وسندي، ووسط عقد أهل بلدي، الأخ الذي لا أجد عبارة تبرهن عن منزلته من ودادي وقصارى قصوري أن أقول: إنه عين فؤادي العمدة الشيخ سيدي محمد بن الخوجة، لا زالت مسالك السعادة له منهوجة.

أما بعد إهداء سلام ربما لا يفي بما ترومه وإن أطلت نجاد أوصافه، ولا يبرهن عما عندي من الاشتياق بذلك هزة أعطافه، وحسي أن أقول سلام خل تكاثرت أشجانه، من بعد مكانه، عمن أهواه من خاصة إخوانه، فإني وأيم الله كدت أن أذوب من الشوق، لولا تلاقي كتابك بما قلد به من الطوق فلم أفتح ختامه، إلا وقد نهلت العين مني ساكبة مثل الغمامة، حتى محيت سطوره قبل أن أستيقظ لتلقي سروره، وهذه الحال كنت أعدها في بيوت الشعراء من زخاريف المقال، ولا والله إني لعليم الآن بما يجدون، وأنهم لا يصفون ما عندهم ولو يجدون، ومثلك من يكفيه هذا العنون، عما أجده من بعد الإخوان، فماذا تحاول مني أن أستوفي تقرير الشوق بتعريضك، وكأني برفيع جنابك لا يجد، ما عندنا مما تصفه بنثرك وقريضك ولكن بين الوجدان والتوجد، ما بين من انتظم شمله بأخوتك والمتوجد، وإلا فكيف تجعل ايام البعد، ليستن بكثيرة العد، ومع تجاوزها للعشرين يوماً تطويها بما عندك من البراعة، وتستنشدني أهذا ولما يمض للبين ساعة، فأنا أحجك بمجرد وقو ذلك بخاطرك القويم، ولو أنك علقت تعجبنا من فعل البعد بالأداة التي تؤذن بما أنت به علم، ولكن قد تبين لي وأنا ممن لم ير عن الحق ميلاً أن ذلك كان منك وسيلة لإنشاد (أأترك ليلى) وهذه مطارحة حملني عليها ما تدريه من الود، والتلذذ بمفاكهتكم على البعد، وإلا فإنك أتحفتني لا زلن تحفة للإخوان بروض الدوح أريج، ذي منظر بهيج، ولم يحكه نشر أزهار، الرياض ولا غرغرة سلسبيل الحياض، كلا وأيم الله ولا تغازل الجفون المراض، ولقد اتخذت فصيح عباراته ولطائف إشاراته ورد الاغتباق والاصطباح، أغناني عن معاطاة الأقداح من أيدي، الملاح، وشنفت به آذان جلسائي من علماء هذا البلد، الشاهدين لك بكمال البراعة التي لم يبلغ إليها أحد، وقد استحسنوا تبليغ سلامنا إلى الشيخ ودعوته، مستجابة، وظنوه من الصالحين الذين لهم من الله الإنابة، وكلهم عاد يرغب أن تستمد لهم منه الدعأن فأبلغه ذلك وسيجزي من سعى، والسلام.

وكاتبني أدام الله رعايته وحفظه مجيباً عن ذلك بما نصه.

بعد إهداء أعز التحيات وأعطر التسليمات المحاكية أخلاق أخير النسيم لطفأن إلى معاطي الألباب من بدائعه قرقفاً صرفأن نخبة إخواني، وواسطة عقد أقراني، الفذ الوحيد في كمالاته، والمنقطع القرين في تدبيج محبراته، طلاع ثنايا العلوم، المشرق نير إدراكه بين نجوم الفهوم، مجلي غياهب المشكلات، إذا اضطرب الأقوام في حل المعضلات، متلقي راية المجد بيمينه، المفتون بأبكار المعجز وعونه، الساحر للأفهام ببراعة يراعه، المسترق للقلوب ببديع اصطناعه، المتولي على الغاية لافي حلبة الكمال، الأخ الصديق الذي لم يسمح له الدهر بمثال، من لقبته أندية الأدب برئيسي، عمدة خلاني وواسطة عقد إخواني الشيخ سيدي محمد السنوسي، عج الله أوبته، وأنس غربته، وحرس ساحته، مما يكدر ارتياحه هذا والذي في إيناس من صفوة الجلاس، المنشد لم لدفع الإيهام، الناشئ لكم من تابعنا والتآمنا بخاصة الإخوان الكرام، حتى عرض يراعك بالسلوان، وإيهامنا بالغفلة والشغل عنك بغيرك ن الإخوان فلتسمع ما أقول، وإن عد التنبيه على المعلوم من قبيل الفضول:

ولو صبا نحونا من أفق مطلعه

بدر الدجى لم يكن حاشاك يصيبنا

وكأني بلسان حالي ينشد للفتى المتردد: [الطويل]

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به

وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر

ص: 384

هذا وإن سيدي وأخي تتالى في مدحك المكتوب بما لا تصدقه في كل القلوب، حتى أدعي أني وصلت إلى حد، لم يبلغه أحد، وذلك الإفراط، أداه إليه الود المحكم الرباط، تجاوز الله لسيدي فيما قال، وفي اعتقاده فينا غاية لكمال، وفي قولك جلساؤنا مع علماء البلد نكت لا يخفى على كل أحد، وأما التماسك الدعاء إليكم من الشيخ الكبير وطلبك والسعي مني ودعاؤك لي بالجزاء على ذلك ففيه ما ترضاه لأخيك أيها الأستاذ النحرير والسلام.

وكاتبني جناب الودود الكاتب الأبرع الشيخ سيدي عمر بن أبي الضياف بما نصه: المقام الذي تقتبس الفضائل من أنواره، وتغترف الفوائد من تياره، مقام الفذ الذي بذ الأقران، والفرد الذي لم يسمح له الدهر بثان، واحد العصر، وضياء هذا المصر، ومن جلت مفاخره عن أن تحاط بحصر قطب رحى الآداب الآتي من بدائع أساليبه بالعجب العجاب، وجناب إنسان عين النبلاء وبحر المفاخر الذي لا تكدره الدلاء محل ودادي، ومن له المكانة الخالصة من فؤادي، الشيخ سيدي محمد السنوسي حرس الله ذكره، وأعلى على الأقدار قدره.

ما بعد إهداء سلام ألطف من الشمول وأحلى من الرضاب المعسول، وأصفى من الزلال وأضفى من سابغ الظلال يخص ذاتكم الكريمة، ومودتكم القديمة، هذا وإن الحقير ينهي إن وصف أشواقه بإطناب فقد أوجز، وإن نعت تلهفه على اللقاء واحتراقه بديع البيان وأعوز، وأني يبلغ اللسن من ذلك مغزاه، وهو لا يقف على حقيقة فحواه، غير أنه يكل ذلك إلى ما تشهد له القلوب لما يعلمه علام الغيوب:[الرمل]

لست عن ود صديقي سائلاً

غير قلبي فهو يدري ودّه

فكما أعلم ما عندي هـ

فكذا يعلم مالي عنده

وإلي هذا يا أخي لما فارقنا شخصك وزايلنا أنسك صرنا كدست غاب صدره، أو ليل تغيب بدره، والله المسؤول وهو المرجو المأمول أن يبلغ من اللقا السول، كتبه حليف ودكم على الدوام المهدي التحية والسلام.

وكاتبت جنابه مجيباً عن ذلك بما نصه: حرس الله بعين عنايته جناب النحرير الأبرع، والأكتب اليلمع خلاصة الأعيان، وغرة جبهة الأزمان، اللوذعي الأريب، والفهامة الأديب، المنشيء الفصيح، المعرب عما انطوى عليه من إخلاص المودة بالكناية والتصريح، أوحد الزمن لطافة وكياسة، وأعجوبة الدهر محاسن الأخلاق وسياسة، وعضد مودتي، وجناح عدتي أخينا الشيخ سيدي عمر بن أبي الشياق، حفه الله بخفي الألطاف، وأدام أجنة إنشاءاته دانية الاقتطاف.

أما بعد إهداء السلام يحكي محاسن أخلاقك، وعذوبة مفاكهة أذواقك وأني للشمول ما عندك من الشمائل، وقد قضينا بتفضيل جنة أخلاقك على أجنة الخمائل، فقد شرفني وشنفني كتابك الذي برقت أسره سطوره، بجواهر منثوة وتنفست عوابق، صداقتك الفائحة، من أجمته التي بدور إيناسها صارت في آفاق مجلسنا لائحة، ولعمر الله إنك لقد قلدتني ما لم يتأهل لها طوقي، غير أني ولك المنة قد وجدت بها إطفاء بعض شوقي وحيت وكلت إلى قلبك السؤال عن مودة الصديق، فحبذا ما يشهد به ذي الود العريق، سلوا عن مودات لرجال قلوبكم، فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا وفي بسط هذا البساط، ما لا يدخ تحت دائرة الاحتياط، إلا أنا نتوجه إلى المطلع على الضمائر، العالم بخفيات السرائر، ونرغب الله أن يجمع بعدنا وأن لا يكدر أحداً من أحبتنا بعدنأن والسلام.

وكاتبني الأخ اليلمعي، الفاضل الزكي، سيدي محمد القصار بما نصه:

ص: 385

الجناب الأكرم، والملاذ الأفخم، عمدة البلغاء والمتكلمين، وكنز النحاة والمعربين، والمتحلي كلامه بقلائد العقيان، ونظامه ببلاغة قيس وفصاحة سحبان، كيف ولا وهو البليغ الذي إن تكلم جزل وأسكت كل ذي لسان ببلاغة وإحسان بل البحر الذي جرت فيه سفن الأذهان، فلم تدرك قراره وعجز البلغاء أن يخوضوا تياره ما برز في مواطن بحث الإبراز على الأقران ولا أخبر عن فضله من رآه إلا وتمثل ب? (ليس الخبر كالعيان) ، كيف لا وهو البليغ الذي تلألأت بمعاني بيانه السطور والطروس، واهتزت ببديع براعته الأعطاف والرؤوس، الألمعي الأحظى، والأريب الأرضى أخونا الشيخ سيدي محمد السنوسي لا زال برهان فضله ساطعأن ودليل مجده قاطعأن ونجم سعده أبداً طالعأن ولا زالت أسفاره مقترنة بالسلامة والأرباح، متصلة بالغبطة والنجاح، وقضى بقرب رجعته، وجعل مسيره يزيد في رفعته، وسكن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبته، ولا زالت محاسنه مشكوره، ودراهم معمورة.

أما بعد إهداء تحيات تباري نسمات الصبا بلطفهأن وتزدري نشر خمائل لصبا بعزمهأن وأدعية ترفعها أكف الضراعة، وتبتهل بها إلى الله قلوب متجذبة مطواعة، فإنه لا يخفى على شريف علمكم، ولطيف فهمكم، ما بيننا من المحبة المعتيدة، والمودة الأكيدة، وإنا إليكم محافظون على الوفأن ولا نكدر من شراب المحبة ما راق صفأن والعبد منذ فارق جنابكم الرفيع المقدار، لم يذق جفنه لذيذ هجعة أو قرار، وأني يكون له قرار وهجوع، ولواعج أشواقه تتلهب بين الجوانح والضلوع، كم صبر فؤادي وهو يقسم بأنه لا يستطيع معه صبرأن ولا يخافكم من نصف قلبه ببلد ونصفه بأخرى، فنسأل الله أن يمن علينا بالتلاق، ويطوي شقة البين والفراق، والسلام.

وكاتبته مجيباً بما نصه: أدام الله حفظ الأنجب الأبرع، والفهامة اليلمع، اللوذعي اللبيب، والأوحد الأريب، الأنجد الأزكى، والأمجد الأذكى نجم الدروس، ومبيح خبيئات الطروس، المزرية من لطف أخلاقه بسلافة الكؤوس، نخبة أقرانه، وغرة جبهة زمانه، أخي وعشيري، وعماد مودتي وسميري، مشيد عالم الفخار الذي تطلعت محاسن كمالاته طلوع محاسن الأقمار أخينا الشيخ سيدي محمد القصار، لا زال يتحف إخوانه بنزهة الأبصار، ويجدد لهم حلي المودة بتجدد الأعصار، ما دام الليل والنهار.

أما بعد إهداء تحية تعرب عن ودادي، ولا أن أنها تقوم بواجبات ما قلدتنيه فقد تشرف العبد بمكتوبكم العزيز، الخالص خلوص مودتنا وأين منها خلوص الإبريز، قد سرني وأيم الله مضمونه وكادت أن تذهب على القلب شجونه، على أنني معترف بأني لست من التقصير في حقوق أودائي ببري ولكن إن مكان الواحد منهم مقسم القلب فأنا نه عري، وهذه غاية ما يقدم به الاعتذار حين شط المزار، وتناءت الديار، ولم يقر للحقير قرار، ومن تباعد الأسفار، نسأل الله تعالى أن ينظم الشمل بجنابكم، وأن لا يعدمنا التلذذ بعزيز خطابكم، والسلام.

وكاتبني حرسه الله مجيباً عن ذلك بما نصه: المقام الذي كل البيان له منقاد، والبديع يقتبس من ذهنه الوقاد، من صعد من سماء العلوم أعلى المنازل، وورد من مياه الآداب أعذب المناهل، وعلوم المعاني قد أطاعت له لفكر، وظفر منها بالثيب والبكر، فارس حلبة الإبداع والبراعة، حاوي قصبات السبق في ميادين اليراعة، حتى تعدى بالمفرد العلم، وفرسان البلاغة القولية السلم، الهمام الجليل، الراقي مراقي العز والتبجيل، أخينا الشيخ سيدي محمد السنوسي لا زال بحراً يقذف موجه الدرر، وعقداً في جيد الدهر يتلألأ بالغرر مخصوصاً بأنواع الكمالات، طالع البدر من أشرف الهالات.

أما بعد إهداؤ لسلام لأطيب من عرف النسيم، والأعذب من رحيق مختوم ختامه مسك ومزاجه من تنسيم، فإنه قد وصل كتابكم فكان وروده أشهى من الفلق لمن باب يكابد مكائد الغسق أو وصل حبيب أو مخالسة، رقيب، أو الماء العذب الزلال لمن أغواه من شدة الظمأ الآل، وليس يخفى ما يحصل للمحب عند رؤية آثار الأحبة من إثارة الأشواق، التي هي للمحبة من ثمرات الأوراق، ولقد كنا في وله وقلق أزاله كتابكم، ومحاه خطابكم.

أبقاكم الله سالمين، ووقاكم من كل أمر يشين، والسلام.

ثم إني لما أدركني عيد الأضحى، بادرت الإياب إلى الحاضرة ضارباً عن أهل الساحل صفحأن لأقضي العيد بين إخواني وأريح التجاني، باستنشاق ما تتضمخ به أرداني.

ص: 386

وبعد أن أقمت تلك المواسم بين الأهل والإخوان، عاودت الرحيل إلى مدينة القيروان واستعذبت لما وجدت في طريقها من المشقة، إذا هي مدينة وأي مدينة، جمعت مفاخر ثمينة، ناهيك بها مضجع البلوي صاحب الرسول مصحوباً بالشعرات النبوية التي هي أعز المأمول، مع ما ضم ذلك التراب من التابعين وتابعيهم، والأيمة المجتهدين من أعلام الأمة وصالحيهم وعنوان ذلك ما جمعه ابن ناجي في كتابه معالم الإيمان وما استدرك به عليه بعض المتأخرين ممن اجتمعت بهم في ذلك المكان، وما زالت البركات فيها عاكفة، والخيرات على أهلها واكفه إذ ما منهم أحد، إلا وله من لفضل وحسن المعاملة ما لم يقف عند حد، فتلقونا بالترحاب، وأنزلونا منازل الأحباب، حتى حملني حسن إكرامهم وفضل مقامهم على أن أنشأت في مديحهم قصيدة بديعة، ضمنتها ما لقيته في الطريق وما أصبته في تلك الرياض المريعة، وهي قولي:[الخفيف]

طاوي البيد مبسراً غير وإني

إن توجهت زورة القيروان

باكر السعي نحوها باجتهاد

لاقتياد المنى بذاك العنان

قد خرجنا لها على حين اضحت

واكفات الهتون مثل الجمان

نلتقي الريح عاصفاً مثل رعد

قاصف لم يدع ثبات الجنان

ومحيا غزالة الصبح ورار

هـ الحيا بالسحاب مثل المصان

فامتطينا عزائماً ذات صدق

واعتمدنا البعاد عن كل دان

واقتطعنا صعاب ذا اليوم سيرا

وانتجعنا المبيت عند الأوان

وارتحلنا بقطع ليل تبدى

بدره نافراً نفور الحسان

إذ يرى في الدجى دلالاً فنلقى

أعينا للنجوم لاحت دواني

أو يرى يزدهي بحسن فيبدو

في ميادينه بغير امتنان

يقصد القرب رائماً وصل شمس

قد توارت بحجيها عن عيان

وإذا ما ارتمى إليها تبدت

من علا الشرق لا تروم التداني

تقتدي تبهر العقول وتلقي

في البراري بساطها الخسرواني

فارتفقنا معاً إلى أن رأينا

من حلى القيروان من خير جاني

فاستنرنا بشمس هدي تبدت

من حلى ثراها وقال كل ذراني

حبذا حبذا بشمس هدى تبدت

من ثراها وقال كل ذراني

حبذا حبذا معالم دين الل

هـ لاحت مجلياً بالتهاني

هذه بلدة تأسسها أص

حاب خير العباد في كل آن

هذه مركز لولاية والع

لم ففيها تبدت الخصلتان

فهي مأوى أيمة الدين من أه

ل القرون الثلاث هل من مدان؟

أهلها قد تأثل الخير فيهم

فانجلى فضلهم بأقصى المكان

يتلقون وافديهم بيسر

ملء أجفانهم بملء الجفان

يؤنسون الغريب بالقرب حتى

يمتلي من ودادهم بالتفاني

إذا تحلوا من المعالي بفخر

عاد كل بحسنه في افتتان

إن تنادوا إلى صلاة سراعا

فتراهم في رغبة مع حنان

ورثوا الفضل عن جدود ومازا

لوا بهم يقتدي بني الثمان

فالصير ائتسى بمن قبله في

كل مجد فنال خير الأماني

هكذا هكذا المفاخر فيهم

لم تزل تبتني لهم في العيان

قد تجافوا عن الأناسي حتى

نزلوا القيروان في صحصحان

أحسنوا الصنع للإله فأضحى

رزقهم ساعياً لهم كل آن

أرسل الله كل خير إليهم

مع تنائهم عن البلدان

وكفاهم شرَّاً جوارٌ وهذا

أعجب الشيء بين أهل الزمان

لن ترى في بلادهم من يهود

ي ولا الغير من أهيل الهوان

لا ولا تلتقي بها حان خمر

ما لهم واستقاء بنت الدنان؟

إنما بينهم مشاهد صحب

وزوايا للأوليا في أمان

أو رجال الهدى فإن رمتهم سل

عن علاهم معالم الإيمان

مثل سحنون والعبدلي المر

ضي وحنشر وغيرهم كالعواني

بينهم جامع أقيم على تق

وى من الله نير الأركان

شاده عقبة الصحابي من قد

قام للدين ناصراً بالسنان

فاغتدى أول المحاريب في المغ

رب محرابه فهل من يداني؟

حبذا بينهم مقام المعلّى

صاحب المصطفى الرفيع الشان

ذا أبو زمعة الذي صحبته

شعرات الرسول لفي ذا المكان

بلوي أتى المغازي مع الأص

حاب ذا رام نصرة الإيمان

ص: 387

قام للدين ثمك أضحى يجوب ال

أرض في جوبه خليع العنان

كم روى عنه سادة فاستناروا

من أحاديثه الصحاح الحسان

واجتناها غنائماً ليست تحصى

من جميع البلاد قاص ودان

يقتدي ف الحروب دفاع إن ما

ت بحزم فكان ثبت الجنان

ما تولى الزحاف في يوم حرب

لا ولا كان للعزائم ثانِ

ولذا وفر الإله له الغن

م وأولاه مسعدات الجنان

فاقتنى الحسنين فضلاً من الل

هـ فماذا لواصف باللسان

شاهد المصطفى وتلك المغازي

واغتدى بعده شهيد الطعان

لن ترى في مقامه غير سر

باهر من جلاله المستبان

يملأ العين والفؤاد اجتلاء

لا يفي وصفه وضوح البيان

من يوافيه مستجيراً يرى ما

يرتجي من مناه لا عن توان

هكذا هكذا به قد رأينا

إذا دخلناه راجين الأماني

آملين السداد ولنجح فيما

قد قصدنا على مرور الزمان

نرتجي من رضاه فوزاً بما أن

نالنا لم نرع من الحدثان

علّه أن يمدنا بالأماني

ل وللوالدين والإخوان

والألى بالعلوم قد أرضعونا

خير ذي به أعز اللبان

يشمل الكلَّ جاهه عند ربي

كي نرى منه في نعيم الأمان

وقرظ هاته القصيدة شاعر القيروان السيد محمد عيسى الكناني بقوله: [الخفيف]

أيها الفاضل الزكي المعلّى

من له في القريض خير المباني

وأيادٍ عجيبة ما لمثلي

أن يرى آتيا بها أو يداني

أطربتنا حسناء جاءت بودٍّ

وخلوص بذي المعاني الحسان

بنت فكر قد ازدهت في حلي

ما حواها البديع في همذان

فلك الله يا خليل ممدّا

بمراجيك من بلوغ الأماني

حيث تم في صحب خير البرايا

ورجال الهدى بكل مكان

مثل باب الرفيع ثم الجناح الأخ

ضر المحتوم على الأعيان

ولك النفع بزيارة سحنو

ن المسجى بباب نفع المداني

وعطاء من الجناب المعلّى

من تسامي ببيعة الرضوان

طالع السعد قد حباك بما قد

نلته سيدي فكن في أمان

يا سليل الأفاضل الحائزين ال

مجد بالسبق من قديم الزمان

جدك الخير السنوسي إمام

بعلوم زكا على الأقران

فأتيتم من بعده في انتساق

يقتدي بعلاكم النيران

فجزاك الإله خير جزاء

ووقيت العدى وشر الهوان

ثم لا زلت لابساً ثوب عز

وافتخار سما به الملوان

ثم إني أول: إنني بمجر وصولي إلى تلك المدينة، طلبت الاجتماع بقية صالح سلفها من ذوي المفاخر الثمينة، فاجتمعت بكبير أهل الشورى بها عماد بيته الأثيل، العالم الجليل والقدوة الذي ليس له مثيل، الدراكة الهمام، النحرير الشيخ سيدي محمد صدام، أدام الله بركته للأنام، ووجدته يومئذٍ قد أخذ منه الكبر، وله صداع يؤلمه في غالب السمر، أما ضخامة شأنه، وجلالة مكانه، فقد رأيت من ذلك مفاخر جليلة ومحاسن جميلة، مع ثبات وأناة، وخبرة بالسياسات، وكانت قراءته بالحاضرة على جلة شيوخها في ذلك العصر كشيخي الإسلام البيرمي والرياحي، وقد حصل منه بفضل الله على إجازة مطلقة أجد ببركتها سدادي وصلاحي، بعد أن فزت بمجالسته في مجالس عديدة، وأدركت خلفه صلاة الجمعة في تلك المدة المديدة، واجتمعت بتلميذه قاضيها العمدة العفيف، صاحب الفضل المنيف، الفقيه الورع الشيخ أبو الفلاح سيدي صالح الجودي رعاه اله تعالى وهو رجل غيور على الحقوق، قاك بالعدل واللسان الصدوق، يحي الليل في الدروس والنوازل، وهو الكفيل بعمران تلك المنازل، وحضرت بدروسه في الفقه والحديث، وأخذت عنه سنداً في صحيح البخاري لم نجد مثله في القديم والحديث، بحيث أه بينه وبين الإمام البخاري اثنا عشر رجلاً من رجال السند، وكتب في ذلك إجازة رائقة أعذب من الثلج والبرد، وقد رأيت أن أنظم سندها تيمناً برجاله، فقلت مصلياً على الرسول المصطفى وآله:[الرجز]

حمداً لمن أجاز من قصده

وأبلغ الراجي بذاك قصده

وصل يا رب على من اتصل

سنده إليك من تلك الرسل

خصوصاً المختار عز الدين

حامله عن روحك الأمين

والآل والأصحاب والأتباع

وتابع الكل بلا انقطاع

ص: 388

وغب ذا بالقاصر المأسور

محمد السنوسي المقرور

يقول: إني من حديث المصطفى

قد اشتملت خير كاس قد صفا

ولاسيما بما روى البخاري

من الأحاديث عن المختار

فهو صحيح مسند مرفوع

والدين فيما قد حوى مجموع

وقد تنعمت به دراية

عن الشيوخ طوراً أو رواية

فنلت من إسنادهم إيصالاً

وقد بلغت منهم الآمالا

حيث أجازوني تفضلاً بما

هولهم من الأسانيد انتمى

وأقرب الطرق ما أنبأتي

به أبو الفلاح فخر الزمن

قاضي مدينة العلوم الجودي

القيرواني ذي العلى المحمود

عن شيخه مفتيها محمد

كنز العوم والصلاح الأمجد

أعني أباهاها جميل الدين

عن يوسف الإمام بدر الدين

ذاك المجاز من شيوخ جمة

نحواً من المائة فخر الأمة

إذا طاف بالمشرق في الأعجام

فنال منهم غاية المرام

عن زين باعلوي إمام الحرمين

ذا جمل الليل اغتدى في الثقلين

عن شيخه محمد بن سنة

العمري الفاني محيي السنة

عن أحمد العباس عن غضنفر

النقشبندي في سائر الفنون

عن الإمام الحافظ الطاوسي

أبي الفتوح مهدي النفوس

عن بابا يوسف الإمام الهروي

من اغتدى بكل فضل أحروي

عن ابن شاذبخت الفرغاني

محمد الشيخ حلى الأعيان

عن ذلك الشيخ أبي لقمان

يحيى أبي المفاخر الختلاني

عن أبي يوسف الزكي الفربري

عن ذلك الحجة فخر الدهر

محمد المعظم البخاري

محيي معاني سنة المختار

فأبصر ترى رجال هذا السند

ثلاث عشر اغتدى في العدد

وفي الثلاثينات سبعة عشر

بيني وبين المصطفى خير البشر

فالحمد لله على اقترابي

في صلتي من ذلك الجناب

صلى الله والأصحاب

ومن روى عنهم مدى الأحقاب

يقول العبد الفقير إلى ربه محمد السنوسي: أنبأني الشيخ أبو الفلاح سيدي صالح الجودي، عن شيخه سيدي محمد باهاهأن عن الشيخ سيدي يوسف بدر الدين، عن الشيخ سيدي زين باعلوي عن الشيخ سيدي محمد بن سنة الفلاني، عن الشيخ سيدي أحمد العباسي، عن الشيخ سيدي غضنفر النقشبندي، عن الشيخ سيدي تاج الدين عبد الرحمن الكازروني، عن الشيخ الحافظ أبي الفتوح سيدي الطاوسي، عن الشيخ بابا يوسف الهروي، عن الشيخ سيدي أحمد بن شاذ بخت الفرغاني عن الشيخ أبي لقمان سيدي يحيى الختلاني، عن الشيخ ابن يوسف الفربري، عن الشيخ الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثم الجعفي رحمه الله تعالى ورضي عنه قال: بابا كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ..

وكنت قبل خروجي من الحاضرة كلفني صدقي بنازلة مع الشيخ المذكور، وحيث قضيتها على الوجه المبرور، أرسى عليه الحال، وأدمجت مع ذلك شيئاً من دعابة المقال، وهذا صورة ما كاتبته به: جناب الأخ الذي تاقت النفوس إلى محاضراته، وبدائع مسامراته، لهمام الذي أحرز لواء الكمالات، التي ظهرت ظهور الشمس بالآيات البينات، فصيح اللسانين، ودراكة المعقولين، النقادة النحرير، والفهامة الولوع بتحبير أردية التحرير العالم الجليل، صاحب الخلق الجميل، عمدتي وودودي، ومن بمناهل ملاطفته استعذب ورودي، الشيخ سيدي محمد بن الخوجه، لا زالت حبال المودة بيننا موشوجه.

أما بعد إهداء تحية تسفر عن محيا الاشتياق، وتريك محاسن المودة التي لو كانت غادة لذبل منها كل من الطرف والأحداق، فإني والمنة لله على ما يسركم من العافية والسلامة، والمسؤول من الله أن يديمها على الجميع في الظعن والإقامة، لولا ما كان بيننا من البعاد، الذي لم نستنشق معه روائح أخباركم من أثر المداد، وغاية الآمال، بأن جنابكم على حالة الكمال، وما كنت أحسب أن تتناءى بنا الفروق، حتى يمون حديثكم أبعد علي من بيض الأنوق، ولولا وثوق الأسباب وطيب ما لاقيته بهذا البلد من العلماء الجلة والسادة الأقطاب، ما حظينا به ولله المنة من التنعم بمقام من ضمت إليه شعرات المصطفى من الأصحاب، إلى غير ذلك من التابعين الثاوين بهذا التراب:[البسيط]

لولا مفارقة الأحباب ما وجدت

لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

ص: 389

هذا وأما المراسلة ورسم الدين، اللذان حملاني عظيم الأين، فقد أبلغتهما إلى الشيخ الجليل، قاضي القضاة الذي ليس له مثيل، فقام في إقامة حق ربك لتلك الحقوق، التي ظعن عنها ذلك الزوج وكلفها العقوق، فما لبث أن أحضره بأحد أعوانه، وجرعه إلزام القضاة قبل النهوض من مكانه، حتى احتار مما ألزم به ذلك المسكين، وخشي لزوم النفقة على تلك السنين، فأبدى الرأفة بعياله، وزعم أنه غير راضٍ بطلاقها في حاله ومآله، وصفها بمدائح زعم أنه كان في انتعاش، حتى كاد أن يمدح فيها حسن الفراش، وذكر أنها لم تناشزه النشوز الذي أوجب به الطلاق، وأن أهلها الذين هم كلفوه الفراق، كل ذلك إظهاراً منه للتعطف، وإبداءً للمسئلة بغاية التلطف، خشية أن يظهر ما بينها من الشقاق فيشد عليه الوثاق، إلا أن جميع ما أبداه من أنواع التملق، وإظهار أنه لم فيها مع فوات بثها مزيد الرغبة والتعلق، لم يكد ذلك يجد له نفعأن ولا يقرع من آذان ذلك العمدة سمعأن وما كانت له ذلك إلا وسيلة للاعتراف بدارهم أخر كتبناها عليه، زيادة على القدر الذي دعي إليه، وألزم بإحضار رسم الطلاق الذي اعترف بإيقاعه على الوجه الموصوف، حيث لم يمسك بمعروف، (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) ، وقطعه بجوده وعدله. أما قضاء الدين، فيرى دونه احتمال الحين، ولذلك جنح به الشيخ إلى ما هو خير، بعد أن علم أن لا طاقة له على الإلزام بما فوق السير، فاقتضى منه خمسين، وجعل عليه ماب قي مشاجرة بعد أن أخذنا عليه الكفيل الأمين، فالتزم بدفع ما بقي عن سبعة عشر شهرأن في كل شهر منها عشرأن فإن أرضتها هاته المعاملات فلتعط توصيلاً قيما يبلغكم صحبة الحامل، وتوكيلاً لمن ترضاه يتولى استخلاص البقية في الأشهر القابلة يبلغها على الوجه الكامل. وهذه غاية النتيجة بعد أن تسعرت نيران الخصام الأجيجة وها هو يصلك رسم الطلاق، عسى الله أن يبدلها زوجاً خيراً منه فتحظى بالانعتاق، والسلام. أواخر المحرم سنة 1292 اثنتين وتسعين ومائتين وألف.

واجتمعت هنالك بالشريف الفاضل، والقدوة بين الأفاضل، صاحب الفضل الذي لا يتناهى، سيدي حمودة بوهاهأن وكان يومئذٍ شيخ دروس المقام البلوي، أدام الله بيت مجده العلوي، والشيخ المفتي أبي محمد سيدي حمودة صدام. ووجدت عماد بيت الشريف الأثيل، والفضل الذي ليس له مثيل، صفوة الكرام البرره، ونخبة الخيره، الشيخ سيدي حمدة العواني، وهو نقيب الأشراف الذين فضلهم ليس بخاف وهو من العفة والهمة العالية بمكان عظيم وجدته ولوعاً بالسيرة الحلبية، وحصلت منه على دعوات نرجو بها كل أمنيه. إلى غير ذلك من الأعيان الذين ضمهم ذلك المكان كالفاضل الزكي المدرس الشيخ سيدي حمدة بوراس وهو ممن أنسنا في تلك الإقامة، جزاه الله بكل خير وكرامة.

وكان عامل المدينة المذكورة يومئذٍ الهمام الأفخم أمير الأمراء محمد المرابط، إلا أنه استخلف عليها عند ذلك أخاه العمدة الأكمل الأبر الموقر المحترم الحاج محمد فوجدنا له من حسن السيرة في معاملته أولئك الأعيان، ما لم يتمالكوا به يثنوا عليه بكل لسان، على أن فخر العامل المذكور، قد اشتهر منذ دهور، إذ هو في نسبه ينتمي إلى دفين تلك المدينة صاحب الزاوية المكينه الشيخ سيدي عبيد الغرياني رضي الله عنه ومكانته من عهد المشير الأول لا تكاد تخفى في تلك الدولة الأحمدية، حين قاد جيوش المحمدية.

أما مآثر السلف التي في ذلك البلد، فإنها لم تعقف عند حد وناهيك لجامعها الذي هو من أعظم المفاخر الإسلامية، ومحرابه أول قبلة رسمت في إفريقيه، برسم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ووجدنا بمستودعه من مآثر الصحابة قطعة من درع تبركنا بها مع آثار قوس وبعض ملابس آخر من واقيات الحروب وبقايا مصاحف كوفية على الرسم الأول قبل النقط المتعارف الآن والشكل، إلا أنا ألفينا الجامع المذكور قد تداعى، وكاد المسلمون أن يعدموا به انتفاعأن فبادرنا إلى شرح حاله لجناب ذلك الرئيس، وقد نجح بحمد الله في ذلك سعيه إلى الوجه النفيس، وكاتبه في ذلك كبير أهل الشورى، بمكتوب يملأ الأفئدة سرورأن غير أني لم آخذ منه بنظير، لأحلي منه هذا النزر اليسير، نعم وكاتبه في ذلك الشيخ القاضي بمكتوب، أتى به على أحسن أسلوب نصه:

ص: 390

حرس الله مجد جناب الهمام الكامل، الثقة العمدة النزيه الفاضل، رضيع لباني المجد والعلم من أيمة كانوا غرة في جبهة الدهر وسليل مشايخ أعلام كانوا أيمة فقهاء عصراً بعد عصر، ألا وهو القدوة النحرير، والعلم الشهير، كريم السجايأن وحميد المزايأن الشهم الأحزم والسري الأفخم، الحبر الشيخ محمد بيرم، رئيس جمعية الأوقاف بالحاضرة المحمية، والمكلف بإدارتها وتعميرها فيها وفي سائر البلاد الإفريقية، وصل الله مجده بمجد من مضى من أسلافه، وبلغه أمانيه بخفايا ألطافه، آمين.

أما بعد إهداء التحية المرضية، المناسبة لكمالاتكم السنية، فمن المقرر المعلوم، أن جامع مدينتنا الأعظم، له فضل السبق على سائر الجوامع الإفريقية والتقدم، فقبلته أول قبلة وضعت للناس بالبلاد الإفريقية، عن الاجتهاد الصحيح بالأدلة الكشفية واليقينيه، اختطه من فضلاء الصحابة الأعيان، أكابر ممن شاهد بدراً وبايع بيعة الرضوان، وعمروه بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن وطافوا بأرجائه متضرعين مبتهلين، بالدعاء لمن يعمره من سائر الناس في كل حين، وبسبب ذلك تنافس في تعميره من سلف من الولاة فما منهم من أحد إلا وترك فيه من مآثر كمال اعتنائه به علامات، حتى أكملوه على فخامة أبدعيه، وضخامة لم يعهد مثلها في البلاد الإفريقية، أصلوا دائرة جدرانه على أكمل بناء متين، ودعموا سقوفه بعمد رفيعة جلبوها من أقاصي مصانع القياصرة الأقدمين، يرجون أن يدوم لهم أجر من عبد الله فيه ويجري عليهم ذلك بعد الممات، وأن تعود عليهم بركة دعاء من دعا لمن يعمره من أولئك السادات، وإنه وقع الآن بسقوفه خلل إذ مضى عليها ما يفوق المائة والألف من السنين، حتى خشي سقوط بعض الأماكن منها على المصلين، فاقتضى النظر أن جعل عليه حاجز يحجر من عسى أن يمر أو يصلي تحته من الغافلين، ولم يكن في ريع أوقافه ما يقوم بتجديد بعض سقوفه على ما يليق، لضعف أوقافه عن أن تكون بمثل هذا تطيق، وقد امتلأت المسامع والآذان، وتقرر في الأذهان، حسن إدارتكم بمثل هذا الأمر، وسعيكم فيما يبقي لكم به الدعاء والذكر، ومثابرتكم على تعمير بيوت أذن الله أن ترفع، وتجديد ما دثر منها على الوجه الأرفع، ومثلكم يرجى أن يصرف وجهته إليه، حتى يعمل في ضخامته ومكانته على ما كان عليه، وعن صرف فواضل الأحباس في بعضها بعضاً قيل به حيث لا مندوحة عنه واقتضاه الحال، لا سيم إذا أقيم من صرفه في مثل هذا الجامع العديم المثال.

هذا وإن همة مولانا الوزير الأكبر، ووجهته إلى أعزاز هذا القطر وإحياء ما دثر من معالمه في سالف العصر، ومحبته لاقتفاء آثار السلف الماضين، والجري على منهاج طريقهم الواضح المبين، تقتضي أنكم إذا عرفتموه بما آل إليه أمر هذا الجامع وشرح حاله باللفظ الوجيز الجامع، توجهت وجهته إليه، وصرف قصد اعتنائه بحزمه الذي نشر راية الصيت عليه، أبقاه الله جارياً في أموره على السداد، معانا على التوفيق في كل الآماد ببقاء مجد مولانا السيد المشير، العديم المثال والنظير، محروساً جنابهما ببركة من اختلط هذه البلاد، من الصحابة والتابعين والعلماء والصلحاء والأوتاد.

هذا وإن الفاضل الزكي، اللبيب السميدعي، الحائز من قصبات كمال الأدب أعلاهأن ومن أحاسن الأخلاق أسناهأن الشيخ أبو عبد الله سيدي محمد السنوسي لما اجتمعت به أطلعته على ما شرحته لكم من حال هذا الجامع، وأريته ما ببعض سقوفه من الخلل الواقع، واطلع على أوقافه واستقصاهأن وعلم ما تحصل من فواضل ريعه وأحصاهأن فظهر له ما لي ظهر حيث تطابق الخبر والمخبر وهو الآن عندنا مشتغل بمأموراته، دائب ليله ونهاره فيما كلف به من مشغولاته، وقد دلتنا أعماله على صنائعكم المحموده، التي أحيت بها الدولة معالم الدين المشهودة، نسأل الله أن يكون في عونه، وهو ولي رعايته وصونه. وحين يرد عليكم ما شرح لكم إن شاء الله في الحال على الوجه الأتم، إذ لا يفي بالشرح في مثل هذا المنزل العلم، ومثلكم من يكتفي به لذلك والله ولي عونكم. والسلام من الفقير إلى ربه تعالى عبده محمد صالح الجودي التميمي خادم العلم الشريف والقضايا الشرعية بمدينة القيروان أحسن الله عاقبة الجميع في صفر الخير من سنة 1292 اثنتين وتسعين ومائتين وألف.

ص: 391

وقد زرنا هنالك رياض الصالحين كأيمة باب نافع والجناح الأخضر وغيرهم لا سيما ضريح حفيدة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة سيدي عبد الله التي أتى بها من ابنة جرجير ملك إفريقية حين قتله وأخذها رضي الله عنهم أجمعين وعند زيارتي للجناح المذكور قلت: [الكامل]

القيروان أعز طير أفخرِ

في أرض إفريقية فكنِ الدَّري

إذ كان رأسَ فخاره (البلويُّ) من

قد ضم شعراً للرسول الأكبر

وفؤاده سحنون ثاويها الذي

أحيا مدارك مالك بتدبر

وأوى جناحاه مضاجع سادة

بالعلم والأسرار مثل الأبحر

وإذا أراد الله خيراً بامرئ

أبداه من ريش الجناح الأخضر

وقد أنعم الله علينا هنالك بالتلذذ بزيارة صاحب الفضل العلوي الصحابي المقرب سيدي عبد الله بن آدم البلوي وعندما دخلت لمقامه أول يوم أنشدت بين يديه قولي: [الكامل] ?حياك ربي أيها البلوي من=قد حاز شعر المصطفى في مضجعه

قد كنتَ من أصحابه الأنصار في ال?

غزوات مثل الليث حلّ بمربعه

هذا نزيلك نفسه ملآنة

بمآمل ترجى بكم في مرجعه

فاملأ حقيبته بما يقضيه جا

هك إنه لا يكتفي من منجعه

وزيادة على الزيادة اليومية التزمت المبيت عنده في كل ليلة جمعة حتى اتفق لي أن اشتد المطرفي بعض الجمع فخرجت إليه ليلاً على حاله اشتداد الوحل، وأنشدت بين يدي ضريحه قولي:[الطويل]

أبا زمعةٍ جئناك في حالكِ الدجى

وقد حالت الأوحال دون زيارتكْ

فحاشاك أن لا تمنحنّي مؤلا

وهذا مفاز الأمن في قرب ساحتك

وقد ألهمني الله أن أقرئ عند ضريحه شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك المدة فأقرأت صحيح الترمذي دراية إلى أن أدركني الرحيل وقد كدت أن أبلغ إلى النصف أتممتها رواية وأنشأت يوم الختم دعوات تلوتها في ذلك المقام لعله مما يحسن بنا أن نورده في هذا النظام، وقد كان أحد جلة العلماء هنالك كاتبني بتذكرة بها يستدعيه بعد أن سمعه في الختم على الوجه الذي يرتضيه وصورة ما كاتبني به ذلك الفاضل.

الحمد لله السلام على جليل مقامكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالمطلوب من فضلكم إرسال الدعاء الذي ختمتم به أريد نسخه بقصد التبرك ويرجع لكم إن شاء الله ختم الله لنا ولكم بالسعادة. والسلام كاتبه حمودة بوهاها.

وهذه صورة الدعاء المذكور، بما تضمنه من المنثور حيث كان آخر ما تضمنه ذلك الصحيح المشهور.

إن هذا الحديث دين فانظروا على من تأخذون دينكم فقلت: سبحانك اللهم بك التوثيق في أخذ هذا الدين، عن الأيمة المهتدين، من الصحابة والتابعين، وعليك التوكل في القيام بأعبائه، وإليك الالتجاء في التأهل لنشر لوائه، الذي أنت الإله المنفرد بالألوهية في عالم الملكوت، المتقدس بما له من الجبروت واللاهوت، تقدست صفاتك وأسماؤك، وتعاليت عن أن تأويك أرضك وسماؤك، حيث كنت أنت الملك الجليل، ولم تزل أنت حيث كنت في أزلك ليس لك شبيه ولا مثيل، تنزهت بوصفك أنت الرحيم وعظمت آلاؤك فلا يوفي حق شكرها كل عليم، لا إله إلا أنت الرب المنعم بجلائل النعم ودقائقهن ضلت الأفهام في مفاوز شكرك وطرائقهن فنحمدك اللهم حمداً يوافي نعمك ويكافي المزيد، ونستمد من فضلك على نبيك صلاة دائمة لا تنقطع أبداً ولا تبيد، فهو الرسول الذي خصصته بالخلق الكريم والخلق العظيم، وهديت به إلى الصراط المستقيم، أبرزته لعالم الوجود، وإن لم تزل روحه الزكية في عالم القرب والشهود، وأكرمته بشمائل أعجزت الوصاف، فحاوروا في مهامه إدراكها واحتسبوا الإذعان والاعتراف، فهو درة العالم التي ليس لها ثاني، وخيرة بنيء آدم الذي أنزلت عليه سبعاً من الثماني، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 392