الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهاته المرة أيضاً فرنسا عارضت في ذلك وعوضاً عن الفرمان السلطاني فالباي ومستشاره التزموا بالرضا بمكتوب وزيري متضمن لما في الفرمان، ثم اغتنموا الفرصة وقت مصيبتنا في سنة 1871 وتمموا ما كانوا ممنوعين منه سواء كان في مدة الوي فليب الذي كان غالباً أسطوله يمنع الأسطول التركي من القدوم إلى تونس أو في مدة الإمبراطور الذي لم يقلل من العزم المشار غليه، وفرمان 15 تشرين أول سنة 1871 الذي اتخذوه تحت ظل مصيبتنا اشتهر في 17 تشرين ثاني في باردو وأعلن به خير الدين باسم السلطان وقبله الباي الذي كان طلبه له مع شيء من الغضب، وفرنسا على حال سجلت بقوة، وحسب الفرمان باطلاً أو كأنه لم يقع ومن مدة عشر سنين لم تبطل شيئاً من عملها عندما يقتضي الحال ومع نجاح الباب هو بنفسه له شك في إجراء حق فرمانه بتاريخ سنة 1871 الذي ضرب استقلال مملكة تونس المتقادم وهذا الفرمان انتشر قليلاً إلا أنه عند الغالب لا يعرف ما عدا بعض الدول التي لها فوائد في ترتيب الفرمان المذكور أن تكون تونس جزءاً تحت الباب مع أن حكم باي تونس باق كما كان يعرف منذ مائتي سنة غير أن باي تونس صار والياً أي والياً عاماً على إيالة تونس وعلى موجب فالوراثة في الحقيقة لم تكن مستمرة في العائلة الحسينية خلافاً لما ذكره الفرمان بل الوالي يعزل بإرادة السلطان ومن الممكن أن يعرف الباي ضرره وضرر ملكه وحريته وحياته التي هي غلطته الكبيرة حسبما أشاروا عليه بهأن ومحمد الصادق ليس له خوف من جهة فرنسا ولو مع عمل من الشر معها ومع هذا فهي ليست بضده لا لذريته ولا لذاته ولا لدولته وأما من جهة الباب فهو بالعكس وله الخوف الكبير منه لنه يمكن أن يبدله بحسب الحال".
انتهت لائحة وزير فرنسا وإذا تأملها المتبصر وتدبر معانيها يجدها مخالفة للواقع في كثير من الأمور سيما بعض الأحوال التاريخية كما تبين من مقابلة كلامه بما ذكرناه في تاريخ تونس وسياستها وصلتها مع الدولة مع المكتيب الرسمية التي نلقاها حرفياً حتى من متوظفي فرنسأن ويؤكد ذلك ما تراه في لوائح الباب العالي الآتي بيانها فإن الحال لما بلغت إلى درجة هجوم العسكر على الحدود تظاهر والي تونس بأن أرسل إذ ذاك إلى الباب العالي مكاتيب في التشكي من فعل فرنسا وأرسل إلى نواب الدول تسجيلاً على ذلك أيضاً ولما تحقق الباب العالي الأحوال الرسمية أرسل عدة لوائح إلى سفرائه مستنجداً بالدول لمحافظتهم على معاهدة باريس التي أشرنا إليها سابقاً وعلى معاهدة برلين، ومما يفصح عن مقاصد الباب وحقوقه اللائحة التي أرسلها وزير الخارجية بالدولة العثمانية إلى سفراء الدولة ونص تعريبها:
اللائحة العثمانية
"القسطنطينية في 10 ماي سنة 1881 إن إعلاماتي المختلفة عرفت فطانتكم الوقائع التي صارت في المسألة التونسية وقد نسبت بهجوم بعض القبائل البدويين جهة الجزائر وهذا الهجوم الحكام التونسيون أعلنوا بأنهم حاضرون ليضبطوه من غير تراخ فالدولة الفرنساوية حكمت بأنه يلزمها إرسال عدد وافر من العساكر الذين استولوا على جزء كبير من الولاية ولم يبعدوا عن المركز إلا بعض فراسخ، فمن غير التفات إلى ما كنا أكدنا به على حضرة الباشا ل] اخذ التدابير اللازمة لتمهد الراحة في المواضع الثائرة فدولة الجمهورية لا تريد أن تنظر للمخاطبة الاقترانية بتونس مع السلطنة العثمانية التي هي محسوبة جزءاً مهماً للسلطة المذكورة وأظهرت بأنها لا تقبل قولنا للاتفاق الودادي معها لقطع الاختلاف الذي وقع وترتيب حقوق الباب العالي مع منافع فرنسا في ذلك المحل وترتيب الأشياء الموجودة من زمن قديم ولا نقدر أن نزيد في إيضاحها كما يلزم وهي سيادة السلطان التي ليس فيها اختلاف على هاته الولاية وهي سيادة لا تنكرها ولا ولاية عموماً وهذا الحق بقي إلى الآن صحياً ولم ينقطع من زمن فتحها وهو إذ ذاك سنة 1534 بخير الدين باشا وفي سنة 1574 وتقليج علي باشا وسنان باشا وكانت الدولة العلية أرسلت إلى تلك المواضع قوة عظيمة براً وبحراً ومن زمن ذلك الفتح فالتأسيسات التي فعلها الباب العالي هي أن جميع ولاة تونس يتوارثون الولاية من ذرية الوالي الأول المسمى من السلطان ويتقلدون غلى الآن المنصب منه وفرمانات الولاية تبقى في خزانة الديوان وكذلك جميع المكتيب التي تأتي منهم لبا العالي فإنها تارة تكون في شان مخالطتهم مع الدول الأورباوية وتارة تكون في شأن أحوالهم الداخلية والتي لهاته المدة الأخيرة فإن الباب العالي من استحفاظه على حقوقه زيادة على كونه يسمي الوالي العام فإنه يرسل من القسطنطينية إلى تونس قاضياً وباش كاتب الولاية ولم يمكن إلا من ترحم الدولة العلية أن منحت الوالي أن يسمي هو بنفسه هذين المتوظفين وأيضاً فاتباعاً للمذهب وخصوصية سيادة السلطان فإن الخطب يذكر فيها اسم جلالته ويضرب على السكة أيضأن وفي وقت الحرب ترسل تونس الإعانة إلى التخت وعلى حسب العادة القديمة يأتي إلى القسطنطينية دائماً أناس رسميون ليقدموا تعظيمات الوالي وخضوعه لأعتاب السلطنة وليقبلوا أيضاً الأذن اللازم من الباب العالي لأمور عظيمة في الولاية ثم إن الباشا الموجود الآن والأهالي التونسيين طلبوا زيادة في التفضل وأعطى ذلك لحضرته السامية بالفرمان المؤرخ في 1871 وتعرف به جميع الدول، والآن قد استغاث الوالي بجهد سيده الحقي ليعينه على الحالة الرديئة التي وقعت فيها تونس الآن، وهاته الأشياء التحقيقية لا ينكرها أحد فل تريدون أن تعرفوا الآن تقريرها بالتاريخ وبالمكاتبات الرسمية هو سهل لكن نقتصر على المهم منها لئلا يطول الكلام في هذا التلغراف ففي المعاهدات القديمة التي بين تركيا وفرنسا تعدد ألقاب الحضرة السلطانية ويكون منها لقب سلطان تونس) فانظر مثلاُ) معاهدة 10 صفر سنة 1084 هـ? سنة 1668 م وفي هذه المعاهدات أيضاً يوجد بأن كل المعاهدات التي بين الدولتين تجري أيضاً في تونس وفي نصف القرن السابع عشر أي في 14 صفر سنة 1166 أرسل السلطان فرماناً للباي والحاكم الكبير بالولاية في رضا الباب العالي بأن قنصل فرنسا يجمع خدمات قناصل الدول الذين لم يكن لهم ذاك نواب القسطنطينية كالبرتغال وكتالوني وإسبانيا وفينسيا وفرنسا وغيرهم، والقنصل وكالته هي حماية السفن تحت الراية الفرنساوية في المراسي المشهورة بالولاية والفرمان يمنع تداخل الإنكليز والهولانديز وغيرهم من التداخل في خدمة نائب فرنسا وذلك سند منع التعدي بين الباب العالي والنمسا المؤرخ في 9 رمضان سنة 1197 هـ? المتقرر بمعاهدة ستوفا في 12 ربيع الآخر سنة 1295 فإنه يأذن حكام الجزائر وتونس وطرابلس الغرب بأن يحملوا باسم السلطان السفن التجارية لسلطنة الرومان الفخيمة وأيضاً فإن الاتفاق الذي تقدم هذا السند وتمم في 15 شوال سنة 1161 هـ? بالإذن من السلطان وكان هذا الاتفاق وقع بين الحكام المذكورين والسلطنة المذكورة فغن الوالي العام بتونس وهو غذ ذاك في رتبة بكلربيك ونال اسم علي باشا يذكر في مقدمة كل مكتوب ممضى عليه منه هاته الكلمات بعينها وهي (مولانا
السلطان الغازي محمود) وعلى ذكر واقعات ذاك الزمان أستطرد لكم الإذن الصادر من الباب الغالي في 15 ربيع الأول سنة 1245 هـ? سنة 1827 م لحكام الجزائر وتونس وطرابلس الغرب فإنه يأمرهم أن لا يتداخلوا في الخلاف الواقع بين سلطنة النمسا ومملكة المغرب، وكذلك الإذن الصادر من القسطنطينية لوالي تونس في 14 صفر سنة 1247 هـ? سنة 1830 م فإنه يأمر بترتيب العسكر النظامي بالولاية على نمط الترتيب العسكري النظامي العثماني، وأيضاً قد أتى مكتوب معين بالطاعة من الباشا التونسي لجلالة السلطان في سنة 1860 وذلك الباشا هو الذي سماه السلطان والياً عامأن وقد اشتهر هذا المكتوب في جميع صحف أوربا من غير أن يعارض ولا من جهة واحدة ونزيدكم شيئاً آخر وهو انه في سنة 1863 في واقعة القرض التونسي الذي وقع في باريس من غير رضا الباب العالي كان مسيو دواراون دولويس وزير خارجية الإمبراطور نابليون الثالث قد أعلن رأيه بنأن على شكايات الدولة العثمانية وقال إنه يلزم غما الباشا بتونس أو الصراف الذي يريد عقد القرض معه أن يطلب رضا الباب العالي ليصبح هذا القرض للمدافعة عن حقوق الباب العالي فغن الوزير الفرنساوي أرسل يقول هذا الكلام والحق الذي للدول الممضين على معاهدة برلين وإنا لمحققون بأن فكر الدول محيط بدلائل كثيرة في الواجبات العمومية التي يقتضيها المؤتمر المحترم وانهم يريدون أن يفصلوا بالعدل قولنا الذي قدمناه وأنهم يتحفظون على حقوق الباب العالي الأخرى المحفوظة بالمعاهدة المذكورة ويصلحون الحال بين الدولتين المتممة للسلطة العثمانية والمرغوب من جنابكم أن تتكلم مع وزير الخارجية في مضمون هذا التلغراف وتشرح له ما تراه نافعاً ولكم الإذن بأن تعطوا نسخة من هذا لجناب الوزير إذا طلبكم (الإمضاء مصطفى عاصم) .
ومن تأمل هذه اللائحة مع ما قررناه في سياسة تونس الخارجية ومقاصد فرنسا فيها لا يشك في أن فرنسا لم تكن تنازع قط في أن تونس من ممالك الدولة العثمانية، وإنما غاية دعواها هو أن تلك الإيالة لها امتيازات جارية تحافظ هي عليها لجل منافعها ويصدق ذلك تصريح وزير فرنسا دواروان دولويس في مجمع فيينا إثر حرب القريم لما سأل الوزير الروسي عن تعيين الممالك العثمانية للجهل ببعضها ومثل بتونس وأنه يتراءى فيها نزاع فأجابه الوزير الفرنساوي بأن لاشك ولا نزاع في كون تونس من الممالك الغعثمانية وإن كانت لها امتيازات تخصها وكذلك المعاهدات المعقودة بين فرنسا وتونس حتى التي وقعت بعد الاستيلاء على الجزائر بمدة طويلة يصرح فيها بأن سائر المعاهدات المعقودة مع الدولة العثمانية تكون مرعية الإجراء في تونس ولا يعزب عن عاقل أن ذلك التصريح لاتحاد تونس بالممالك العثمانية، ومع هذا كله لم يفد استصراخ الدول لأن فرنسا لم تعلن بعملها إلا بعد أن لمست أفكار الدول الكبيرة فوجدتهم غير معارضين لها لأن دولة إنكلترا متولي زمامها حزب الإطلاق الذي لا يرى نفع دولته في المحافظة على الدولة العثمانية بعد أن طال تجريبهم لها في الحث على الجريان على مقتضى نصائحهم ولكنهم لم يروا العمل دونك ما نشر في الكتاب الأزرق من المخاطبات التي وقعت من الحضرة السلطانية ورئيس وزرائها ومع سفير إنكلترا في الآستانة حسبما أهبر بها وزيره بعدة تلغرافات تنبئ بما تقدم فمنها تلغراف من مسيو غوشين (سفير إنكلترا) إلى وزير خارجيتها بتاريخ 19 نيسان سنة 1881 هاته ترجمته إني وجدت جلالته (أي السلطان) مشغول الفكر بهذه الأفعال وبناء على ما عندي من الإذن أعلنت له بأن الدولة الإنكليزية تريد بقاء الحالة الموجودة بتونس والنائب الإنكليزي له الإذن ليرشد الباي إذا استشاره بأن يعين فرنسا في تقرير راحة الحدود وغني أرجو أن جلالته يشير على الباي أيضاً بذلك فالسلطان سكت بعض دقائق ثم ظهر على وجهه الغضب وقال إنه فهم من كلامي أن الدولة البريطانية تريد إبقاء الحالة على ما هي عليه في تونس ولها نفع في ذلك وفهم أيضاً أنا أشرنا على محمد الصادق بأن يعين العساكر الفرنساوية فنبهت عظمته بأن قلت إن الدولة الإنكليزية تنتفع بإبقاء الحالة الموجودة ولكنها تظهر تمني ذلك فقط على هذه الكيفية ونحن نتأسف كثيراً من فتح مسألة جديدة في الشرق، وإنا لا نفتكر أنه توجد فوائد خصوصية لإنكلترا مربوطة بأي كيفية كانت في أحوال تونس، فعند هذا أجاب السلطان بأنه لم ير كيف يجمع بين رجائنا في إبقاء حالة تونس على ما هي عليه ومع ذلك نشير على الباي بأن يعين العساكر الفرنساوية فهذان الشيئان لا يتوافقان لنه على رأيه يكون دخول العساكر الفرنساوية إلى تونس ناقضاً للحالة الموجودة.
وفي تلغراف آخر من مسيو غوشن أيضاً يقول فيه إن المحادثة التي وقعت بيني وبين باش وكيل كان يطلب فيها صحبة إنكلترا وقال إن الدولة الإنكليزية تقدر أن تعمل مع الدولة العثمانية المعروف وأن الباب العثماني يكون ممنوناً إذا كانت إنكلترا تريد أن تفعل معه ذلك، فقلت له إن ما كنت قلته لكم قد وقع، والذي كنت تقوله دائماً هو انه يأتي زمن تكون فيه تركيا متذكرة بأن صحبة إنكلترا لها لازمة وقد تكلم على الحاجة الأكيدة الآن وتلكم أيضاً على مودة إنكلترا فتبعته وقلت له ما هو دليل المودة الذي أظهرته تركيا لإنكلترا منذ بعض سنين وفي أي وقت اتبعتم إشارتنأن وفي أي وقت قبلت استشارتنا النافعة للسلطة التركية نعم إن الترك قد علموا غاية جهدهم ليتركوا المودة التي في رأي العموم في إنكلترا ورجوعها الآن ليس بسهل فحضرته العلية أجابت بان جميع الأشياء واستمر في طلب الإعانة وأنا شرحت له بأن نازلة تونس مثل النوازل الأخرى الشرقية ولا تقدر إنكلترا على إتمامها وحدها ومع هذا فليس لنا فائدة خصوصية وسياستنا متمسكة بالموافقة الأروباوية ولا دولة تريد قيام عسر جديد قبل أن تتم الإعسار القديمة وكل دولة تكون حازمة إذا كانت تفتش كل واسطة لحصر النازلة التونسية في حدود ضيقة لأقل ما يمكن لئلا تقوم نازلة تدخل فيها الدول برأي مختلف فجنابه يقدر أن يفهم من جملة كلامي بأن ليس لي إذن لتقرر الرجاء بأن تكون الدول العظام الأروباوية يظهرون أنفسهم مختلفين على نازلة مخلبطة بين الباب العثماني وتونس والطلب الخصوصي من إنكلترا ليس بموافق لحالة الباب العثماني منذ بعض سنين مع الدولة المشار إليها.
فهذا الخطاب كاف في بيان الحال مع إنكلترا وهي وإن أظهر بعض أهل الشورى التنديد على سياستها وطلب المحافظة على تونس وإبقائها للدولة العثمانية وبين ما نشا لإنكلترا من المضرة عند استيلاء فرنسا على مرسى ابن زرت وعلى قربها من خليج السويس ورجحان كفتها في البحر الأبيض لكنه لم ينفذ كلامه حيث كان حزب المحافظين الذي هو مغلوب حينئذ واحتجت عليه الوزارة بأن حزبه الذي فتح الباب لفرنسا فإن اللورد ملسبري الذي كان وزير الخارجية عند عقد مؤتمر برلين كما باحثه وزير فرنسا على استيلاء إنكلترا على قبرص أجابه بأنه لا يعارض فرنسا إذا أرادت الاستيلاء على تونس.
فإذا يكون استناد فرنسا على وعد إنكلترا وقد غفل المستند لذلك عن كون الوعد من ملسبري كان في سياق أن ترضى بذلك الدولة العثمانية صاحبة الملك مع الرضا العام لا اغتيالاً ومع ذلك فلإنكلترا مقاصد على تونس مخفية في مصر فرأت أن مساعدة فرنسا على تونس تلائمها في مقصدها هي في مصر عند الحاجة إذا ساعدتها فرنسا ولهذا لم تعترف بالمعاهدة الجددية مع تونس رسمياً حتى أن وزير فرنسا الأول أعلن في مجلس النواب بأن إنكلترا وافقت على معاهدة وزير فرنسا الأول أعلن في مجلس النواب بأن إنكلترا وافقت على معاهدة مايه استناداً منها لما دار بينهم من الكلام فيها فأعلن وزير خارجية إنكلترا حالاً بتكذيب ذلك الإدعاء وما ذاك إلا تحفظاً على ما يريد لدولته حتى إذا لم تساعفه فرنسا في مصر وآل بينهم الأمر إلى المشاحنة الحقيقية كان لإنكلترا وجه في نقض ما حل بتونس.
وأما دولة الروسي فلا إشكال أنه يسرها كل ما يضعف الدولة العثمانية ولا فائدة لها في مشاحنة فرنسا وذلك كان جوابها يمثل محصول جواب سابقتها.
وأما دولة ألمانيا خصوصاً بأن الأولى للدولة العثمانية الإضراب هن هاته النازلة وأنها هي لا تتعرض لفرنسا بشيء والباعث لها على ذلك وجوه (أولها) إظهار عدم التجافي عن فرنسا التي لها عليها حقد أخذ الثأر (وثانيها) جذب أعداء ومضادين لفرنسا كالدولة العثمانية وإيطاليا حتى إذا أعلنت الحرب يوماً ما بين ألمانيا تجد ألمانيا الظهير على قوتها بما لذلك من الباعث الذاتي (وثالثها) أشغال فرنسا بفتوحات جديدة في أراض فسيحة وخلق كثير في أفريقيا ربما طال اشتغالها بهم حتى يبرد لهيب اخذ الثأر (ورابعها) إضعاف قوة فرنسا وقت الحرب إذ الأمم الذين تريد التسلط عليهم وإن لم يكونوا كفؤا لمحاربة فرنسا لخلوهم عن آلات الحرب والاستعداد لها لكنهم لما كانوا مسلمين واهل نجدة وشجاعة ومثافنة للحرب لا يلبثون دائماً أن يحدثوا عليها ثورات سيما إذا علموا بوقوع حرب بينها وبين أجنبي فتضطر فرنسا في وقت الحرب إلى أن تبقى قسماً عظيماً من جيشها محافظاً على ذلك المستعمر وذلك يفيد ألمانيا بنقصان قوة جيش خصمها في حربها (وخامساً) تمهيد السبيل إليها فيما تريد التعارض به بينها وبين النمسا لأن ألمانيا ليس لها مرسى على البحر الأبيض، وقد بقي من جنس الألمان تحت النمسا عدة ملايين حول الجهات التي قرب مرسى ترست فلو أخذت ألمانيا ذلك الباقي من الألمان مع تلك المرسى يكون ذلك غاية أمانيها ولكن ذلك لا يحصل إلا بحرب مع النمسا وقهرها أو بمعارضة ذلك لها بشيء يرضيها من ممالك الدولة العثمانية مثل أخذها ولايات مقدونيا ومرسى سلانيك الموازي ذلك لمت يؤخذ منها حسبما أشيع مراراً ولذلك كانت ألمانيا أول من بادر لأمر نائبها بتونس باتباع سياسة فرنسا فيهأن وتبعتها على ذلك أيضاً النمسا لأنها ليست لها سياسة تخصها في تونس وهي لها مع ألمانيا عقد محالفة اتحاد على الذب والإقدام، ثم إنها لما مطامح في جهة بحر الجزر لتتمكن فيه بمواقع مهمة لكي تسلم في مرسي ترست إلى ألمانيا حليفتها حيث لم يكن لها مرسى في البحر الأبيض كما تقدم ذكره فلا تعارضها فرنسا عند العمل.
وأما إيطاليا فإنها تجرعت من لك الغصص وطوت على الضغائن التي لا تزال ولكنها لما كانت غير كفء بانفرادها لمعارضة فرنسأن واتحادها مع الدولة العثمانية أيضاً لا يجدي لاحتياج كل إلى المال مع ما فيه الدولة العثمانية من الحالة الداخلية والخارجية التي أعقبتها الحرب الأخيرة، فلم يسعها إلا السكوت وتحمل عرق القربة مع عظم الضغينة في عموم الأهالي والدولة إذ هي حريصة على إبقاء ما كان في تونس وكانت عند ملاحظتها مبادي الشر عرضت بالسعي السياسي مع الدولة العلية فلم يكن من المقدر قبول الانتباه لما أراده حتى أنكر الوزير العثماني على المأمور الطلياني التكلم معه في تونس وقال له إنها تابعة لنا دخل فيها لحد وعند هجوم فرنسا صار يتملق إلى ذلك المأمور لكي يمد إيطاليا اليد فقالت له مصداق المثل "الصيف ضيعت اللبن".
وبما تمهد عبرت عساكر فرنسا حدود تونس معلنة بأنها تريد تأديب قبيلة خمير من أعراب الجبال الشمالية عند حدود الجزائر ولم يتعرض لها أحد بالمصادمة لن حكومة تونس قد تقدمت حالتها الباطنية من التوافق مع فرنسا ومع ذلك فليس عندها تحت السلاح ألفا عسكري ولا اقتدار لها على معارضة فرنسا بالقوة واستندت ظاهراً إلى أمر الدولة العلية بارتكابها سبيل الملاينة واظهر الوزير التونسي إذ ذاك التزام العمل برأي مجلس الشوري حيث فات الإبان مع أن جميع ما يتفاوض فيه يقرره لتابعه علي بالزي ليلاً وهو يقرره إلى نائب فرنسا فكلما غزل المجلس غزلاً نقصه من هو بالمرصاد منهم حتى تعجبوا من اطلاعه على جميع احوالهم، وتمكنت عساكر فرنسا من بلد الكاف وباجة وبنزرت، وفي أثناء تلك المدة كانت الحكومة التونسية لا تزال تسجل وتتشكى وأنها مستعدة لتربية قبائلها الذين هم في نفس الأمر غنما اتخذوا وسيلة فقط، ومع ذلك فقد أوعز الوزير بواسطة تابعه المشار إليه إلى نائب فرنسا بأن لا واسطة مفيدة في الدخول تحت فرنسا إلا قدوم شرذمة من العساكر إلى قصر الوالي والإحاطة به إذ النسوة لما ترى ذلك تصعق بالخوف فيضطر الوالي إلى الإمضاء على الشروط ويجد العذر عند الأهالي، ومع ذلك أرسل خبراً بالسلك الكهربائي إلى الباب العالي يقول أنه قد علم أن فرنسا تطلب عقد شروط ولا يعلم ما هي فماذا يفعل فأجيب من الباب بأن يحيل كلما يطلب منه الباب العالي ولا يمضي شيئاً وقبل ذلك أشاع أصحاب الأخبار أن في عزم الدولة إرسال خير الدين باشا إلى تونس معتمداً في حسم النازلة لمعرفته بأحوالها وسياسة الأهالي والأجانب ولكن يكون عوناً على إبقاء الحالة المعروفة فأرسل الوالي تلغرافاً إلى الباب العالي يطلب أن يكون المرسل غير المشار إليه وتعجب كل غافل عن المقاصد الخفية من ذلك الطلب إذ تلك الحالة لا تدع مجالاً للشخصيات سيما وقد سبقت من خير الدين إلى الوالي المشار إليه المجاملة وعدم الأكتراث بما فعل معه عند حلوله بالأستانة وترقيه فيهأن لكن المطلع على الباطن زاده ذلك تيقناً في التواطؤ على تلك الأعمال لأن وجود مثل خير الدين في تونس لا يروج عليه ما يروج على غيره ممن لم يثافن طبائع الشقين، ومع مجاراة الباب العالي وتقليله لمواقع النزاع قدر الإمكان لتأمين الوالي حيث أظهر الميل إلى الدولة فإنه أي الوالي أسرع إلى إمضاء الشروط مع فرنسا والحال أن مداد الحبر من الباب العالي ينهاه عن الإمضاء لم يجف ولم يجبر الباب بعد ذلك بشيء حتى سأله عما شاع من إمضائه فأجابه بأنه مكره عليه وكل ما ورد بعد ذلك من الباب سلمه غلى نائب فرنسا مدعياً أن الشروط قاضية بلك (وهذا نص تعريب المعاهدة) : إن دولة جمهورية فرنسا ودولة باي تونس أرادوا أن يقطعوا بالمرة التحيير المخرب الذي وقع قريباً في حدود الدولتين وفي شطوط تونس، وأرادوا أن يرابطوا مخالطتهم القديمة التي هي مخالطة مودة وجوار حسن، فاعتمدوا على ذلك وعقدوا معاهدة في نفع الجهتين المهمتين فعلى موجب ذلك رئيس الجمهورية الفرنساوية سمى وكيله مسيو الجنرال برياد الذي يتفق مع حضرة الباي السامية على الشروط الآتية: أولاً: المعاهدات الصلحية والودادية والتجارية وغيرها الموجودة الآن بين الجمهورية الفرنساوية وحضرة الباي يتحتم تقريرها واستمرارها.
ثانياً: ليسهل لدولة الجمهورية إتمام الطرق للتوصل إلى المقصود الذي يعني الجهتين العظيمتين بحضرة الباي ترضى بأن الحكم العسكري الفرنساوي يضع العساكر في المواضع التي يراها لازمة لتقرر وترجع الراحة والأمان في الحدود والشطوط وخروج العساكر يكون عندما يتوافق الحكم العسكري الفرنساوي والتونسي على أن الدولة التونسية تقدر على إقرار الراحة.
ثالثاً: دولة الجمهورية تتعهد لحضرة الباي بان يستند عليها دائماً وهي تدافع عن جميع ما يتخوف منه لضرر ما في نفسه أو في عائلته أو فيما يحير دولته.
رابعاً: دولة الجمهورية الفرنساوية في إجراء المعاهدات الموجودة الآن بين دولة تونس والدول المختلفة الأروباوية.
خامساً: دولة الجمهورية الفرنساوية تحضر نحو حضرة الباي وزيراً مقيماً لينظر في إجراء هاته وهو يكون واسطة فيما يتعلق بالدولة الفرنساوية وذوي المر والنهي التونسيين وفي كل الأمور المشتركة بين المملكتين.
سادساً: أن النواب السياسيين والقناصل الفرنساويين في الممالك الخارجية يتوكلون ليحموا أشغال تونس وأشغال رعيتها في مقابلة هذا فحضرة الباي تتعهد بأن لا تعقد معاهدة عمومية من غير أن تعلم بها دولة الجمهورية ومن غير أن يحصل على موافقتها من قبل.
سابعاً: دولة الجمهورية الفرنساوية ودولة حضرة الباي أبقوا لأنفسهم الحق في أن يؤسسوا ترتيباً في المالية التونسية ليمكن لهما دفع ما يلزم الدين التونسي العام وهذا الترتيب يضمن في حقوق أصحاب الدين التونسي.
ثامناً: إن غرامة الحرب يغضب عليها القبائل العصاة بالحدود والشطوط وتفعل دولة الجمهورية مع حضرة الباي فيما شروطاً على كميتها وكيفية دفعها ودولة حضرة الباي تضمن في ذلك.
تاسعاً: للمدافعة على منع إدخال السلاح والالات الحربية للملكة الجزائرية الفرنساوية فدولة باي تونس تتعهد بأن تمنع دخول الأشياء المشار لها من جزيرة جربة ومرسى قابس وسائر المراسي الجنوبية في المملكة.
عاشراً: إن هاته المعاهدة توضع لدى رضا الدولة الجمهورية الفرنساوية وترجع في أقرب وقت ممكن لحضرة الباي السامية.
حرر في 12 ماي 1881 بالقصر السعيد الإمضاء محمد الصادق باي والجنرال برياد.
والذي يؤكد صدق التواطؤ من قبل أن الوالي طلب ظاهراً من نواب فرنسا وهما أمير العساكر والقنصل أن يمهلاه مدة للتأمل من حالة الشروط فأجابه القنصل بأنه لا داعي إلى ذلك حيث أن الشروط عند وزيرك من مدة وتأملتها أنت وهو لم يبق إلا لإمضاء ويؤيده أيضاً أن رئيس المجلس البلدي السيد محمد العربي زروق أحد أعضاء مجلس الشورى أصر على عدم الموافقة على إمضاء الشروط وألح على الوالي بذلك عند جمعه للمجلس وأمير عسكر فرنسا منتظر لانبرامها ونصحه بأن ما يخشى منه بعدم الإمضاء سيقع لا محالة بعيد الإمضاء فالتمسك بالبراءة الأصلية أسلم وأشرف وعورض بأنه قد علم أن الوالي إذا لم يصحح يولي الفرنسيس عوضه أخاه الثالث (محمد الطيب باي) لأنهم أكدوا أن له اتفاقاً مع الفرنسيس فأجابه بأن جميع الأهالي لا تطيع الوجه المذكور وعلى فرض قهرهم يكون الوالي على شرفه وربما اضطرت الدول إلى التداخل بوجه يحسن الحال، فلم يلتفت لكلامه وعزل إثر ذلك من جميع وظائفه وجعلت عليه مراقبة في داره وحجر عليه مخالطة الناس وتحقق مزيد الإضرار به إلى أن احتمى بقنصلية إنكلترا وسافر عن وطنه وأقام بالأستانة.
ويشهد صراحة للتواطؤ ما صرح به البارون بيانك الفرنساوي في تشرين الأول سنة 1881 بما وقع في هاته المسألة وأنه كانت أرسلته دولته حيث كان أحد مأموري الوزارة الخارجية لاستقراء أمر تونس وذلك في كانون الثاني سنة 1881 وأن الوالي أجاب إذ ذاك فرنسا بأنه يقبل الشروط إذا كان الواسطة فيها هو فرديناند لسبس لأنه كان يؤمل بواسطة المذكور الحصول على شروط أوفق له وأن الشروط إذ ذاك كانت غير التي قررت الآن ومع ذلك كله لم تعلم الدولة العلية بشيء وبه يعلم صدق الكلام في إضمار الوزير التونسي الشر للبلاد ولي بالخصوص أعمال النائب لفرنسا عند إمضاء المعاهدة أن طلب من الوالي نفي علي بالزي حالاً لكي لا يبيح بما وقع من الأسرار التي أطلع عليها فنفي إلى حصن قابس ثم توجه الوزير ابن إسماعيل إلى باريس في سفينة فرنساوية حربية شاكراً لإنعام فرنسا بتلك المعاهدة ومعلناً لها بأنه يصدق في خدمتها أزيد مما كان يبذله سابقاً كذا في عبارته الرسمية عند ملاقاته رئيس الجمهورية المنشورة في الصحيفة الرسمية فقلدته فرنسا بأكبر نيشان لها مع الشريط الأكبر ورجع إلى تونس ولم يلبث بضع أشهر حتى ورد المر على الوالي من وزير فرنسا بعزل وزيره ابن إسماعيل لأن نائب فرنسا بتونس توجه غلى باريس وتفاوض مع دولته فيما يسلكونه في تونس حيث غن الأعراب والجهات الجنوبية أعلنوا بأن الوالي لما بغى على الدولة العثمانية بدخوله تحت حماية فرنسا فهم لا يطيعونه لنهم بايعوا أمير المؤمنين سلطان الدولة العثمانية قديماً وحديثاً فلا يحل لهم الخروج عليه، وهرب على الوالي جميع عساكره فاضطرت فرنسا لتعبية الجيوش لتطويع الأعراب، وكان من جملة التدبير عزل ذلك الوزير الذي توقعوا منه أن يفعل معهم مثل ما فعل مع البلد الذي وصل فيها إلى تلك الدرجة وتحقق الوزير ما ضرب من المثل بوزارة العلقمي وغن كان هذا أي ابن إسماعيل قد امتاز بجميع خزائن أمراء تونس حتى كان آخر ما بقي للوالي من مفاخر الجواهر عقد لؤلؤ منظم سبحة بها مائة حبة مع حلية زمرد محاط بها الياقوت الأبي، فأعطاهما إليه عند سفره لباريس بعد العزل المذكور ورام بسفره إرضاء فرنسا عليه وإرجاعه إلى الوزارة وبقيت البلاد إلى الآن في حيرة واضطراب ودخلت العساكر الفرنساوية إلى قصبة الحاضرة وإلى منازل العساكر في المدينة وأمام قنصلية فرنسا وسكن رئيس العساكر الفرنساوية بدار المملكة في بطحاء القصبة وصارت الحكومة لا تتصرف في شيء إلا بأمر الوزير الفرنساوي سواء كان في الداخلية أو في الخارجية، وتفاقم الضرر بولايات غير الأهل في الوظائف بوسائل غير مرضية، وعظم الكرب على القبائل والبلدان بما حصل فيها من العساكر الذين أقاموا بالقيروان وسوسة وهدموا صفاقس وخرجوا من قابس بعد دخولها وعادوا غليهأن ونسأل الله تعالى أن يتداركنا بألطافه وبحسن العاقبة.