الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عسى روضة تهدي إليّ أنيقة
…
تدبج أسطاراً على ظهر مهرق
أحلي بها علاء وسؤددا
…
وأجعلها تاجاً بهياً بمفرقي
فكتب إليّ مراجعاً: [الطويل]
أتتني على شخص العلاء تحية
…
كَرَأد الضحى في رونق وتأنّقِ
أتمِ من الريحان ينضح بالندى
…
وأطرب من سجع المطوق
سُطيرَان في مغزاهما أمن خائف
…
وسلوة مشغوف وأنس مشوق
نَصرْتَ أبا بها همم العُلى
…
وأطلقت من آمالها كل مُوثق
وحملنا الوزير القاضي أبو الحسن بن أضحى إلى إحدى ضياعه بخارج غرناطة ومعنا الوزير أبو محمد بن مالك، وجماعة من أعيان تلك المسالك، فحللنا بضيعة لم ينحت المحل أثلهأن ولم ترمق العيون مثلهأن وجلنا بها في أكناف جنات ألفاف فما شئت من دوحة لفّاء، وغصن يميس كعطفي هيفاء، وماء ينساب في جداوله وزهر يضمخ بالمسك راحة متناوله، ولما قضينا من تلك الحدائق أَرَبأن وافتضضنا منها أتراباً عُرُبأن ملنا إلى موضع المقيل، وزلنا عن منازه تزري بمنازه جذيمة مع ملك وعقيل، وعند وصولنا بدا لي من أحد الأصحاب تقصير في المبره، عرض لي منه تكدير لتلك العين الثره، فاظهرت التثاقل أكثر ذلك اليوم، ثم عدلت عنهم إلى الاضطجاع والنوم، فما استيقظت إلا والسماء قد نسخ صحوهأن والغمام منهمل، والثرى من سُقياه ثمِل، فبسطني بتحفّيه، وأبهجني ببر لم يزل يتممه ويوفيه، وأنشدني:[البسيط]
يوم تجهم فيه الأفق وانتشرت
…
مدامع الغيث في خد الثرى هَمَلا
رأى وجومك فارتدت طلاقته
…
مضاهياً لك في الأخلاق ممتثلا
وكتب يستدعي إلى مجلس أنس: يومنا اعزك الله يوم قد نقبت شمشه بقناع الغمام، وذهبت كاسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسميّ، في رداء هديّ، ومن نظير النوار، على نظائر النضار، ومن بواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان، بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقاة الكؤوس ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس وعواطي الأرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافحة الأنوار، واجتلاء غرر الضباء الجوازي، وانتقاء درر الغناء الحجازي، موفقاً إن شاء الله تعالى.
السوسيون
جدتي للأم وهي والدة والدتي فاطمة بنت أبي الثناء محمود بن محمد الشاذلي بن محمد الأوسط بن عبد الله بن محمد بن علي بن سعيد بن حمّ السكتاني السوسي المغربي المكسالي رضي الله تعالى عنه. ولدت سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف، وتوفيت في السابع والعشرين من شعبان سنة اثنتين وثلاثمائة وألف ودفنت في مقبرة والدها. وقد أدركت أخاها الشيخ الحاج محمد السنوسي منتصباً للإشهاد بالطيبين مع جليسه المدرس الشيخ محمد القرطبي وهو شيخ في حزب الأسبوع والأذان بجامع الزيتونة يلازم العمامة الخضراء علامة على شرفه، وتوفي في شعبان سنة 1288 ثمان وثمانين ومائتين وألف وكان والده أبو الثناء محمود حاملاً لكتاب الله خيراً ذاكراً توفي سنة 1239 تسع وثلاثين ومائتين وألف وهو في حدود الستين سنة وكان والده من ثقاة عدول تونس وأما والده الشيخ محمد الأوسط فكان عالماً فقيهاً متصوفاً أقرأ التفسير وأمهات الفقه والتصوف بجامع الزيتونة وولي مشيخة مدرسة حوانيت عاشور بعد وفاة والده وأقرأ بها. وفي آخر أمره لازم بيته وانقطع لربه وذهب الناس في انعزاله عنهم كل مذهب حتى قال في ذلك من شعره:[الوافر]
ولما أن رأوني ذا خمول
…
طريحاً في زوايا الاجتنابِ
أجالوا فكرهم في حصر أمري
…
رأوه وما هُدُوا سبل الصواب
فبعضهمُ يقول غدا ملياً
…
غنيّاً لا يميل إلى اكتساب
وبعضهمُ يقول به احتراق
…
أمال مزاجه نحو اكتئاب
ففي طلب المكاسب كل شر
…
من أنواع التصارف والسباب
وفي وصف القناعة كل خير
…
يَبِين لكم غداً يوم الحساب
كان ظهوره كالشمس يبدو
…
فعنّا قد توارى بالحجاب
فقلت لهم كذبتم إن ماقد
…
نسبتم لا يصح له انتسابي
ولو ملتم إلى الإنصاف قلتم
…
رأى المآل إلى ذهاب
وأن مطالب الدنيا جميعاً
…
تبين لذي البصيرة كالسّراب
إذا ما ظنها الظمآن ماءً
…
ويممه تبين كالسحاب
فأقدم راجياً ربّا وولّى
…
على عقبيه في فرط التهاب
فأقبر نفسه لما رآها
…
وزخرَفَها أفلّ من الذباب
وأصبح آخذاً بذناب عيش
…
وأبرمها الشهيّ من اللباب
وكانت قبل مضجعها سرير
…
فأضجعها لذاك على إهاب
وكان قرانها أبداً وطيئاً
…
فوطنها على حب التراب
وأصبح بالتلاوة ذا ولوع
…
يطالع بين دفات الكتاب
إذا أنهى التلاوة قال ربي
…
أجرني من عقابك والعذاب
فقابلني إذا ما أبْتُ ميتاً
…
بفضلٍ يقتضي حسن المآب
فهذا إن سألتم عن خمولي
…
وطول تحجبي عينُ الصواب
ولكن أنتم ذا قوم دهيتم
…
بدنياكم فصرتم في التهاب
وكان شاعراً صوفياً حجّ بيت الله الحرام ونفع الناس بعلمه وهو ثاني أخوته وأكبرهم الشيخ محمد السنوسي وقد قرأ مع أخويه على والدهم وعلى الشيخ محمد الغرياني ومن قد عاصهما وتضلّع كلهم بالمعقول والمنقول وكان الشيخ محمد السنوسي أجود شعراً من أخيه الأوسط ومن لطيف شعره قوله: [الكامل]
قد قلت لما أن رأيت بكفه
…
منقالة والشوق حلّ بأضلعي
ذي قبة الفلك التي هي في السما
…
هبطت إليك من المحل الأرفع
ومن بدائع شعره قصيدته التي هنا بها الشيخ محمد بن علي بن سعيد النجم محشي الأشموني حين ختم الشمائل تدريساً وهي قوله: [الطويل]
أرى ربع نت أهواه غير بعيدِ
…
فهاهو مني مثل حبل وريدِ
فعوجا قليلاً بي لعليَ اشتفي
…
بسكب دموع فوق صحن خدودِ
حكى صوبُها صوبَ الغمام إذا هـ
…
مى وصوت زفير القلب صوت رعود
على أنه لم يجدني سكب عبرتي
…
على طلل عاف بطول عهود
وفي كبدي نار يشب لهيبها
…
لبينهمُ لم تتصف بخمود
يرى الشوقَ جثماني فصار من الضن
…
ى دقاق عظام ضمنت بجلود
ولم يبقَ في جسمي سوى شبح ير
…
ى دليل حياة مؤذن بوجود
ولم يثنني عن حبهم طول نأيهم
…
ولم أسلهم طول الحياة بغيد
فحبهم وصفي ولي قام لازماً
…
كما قام وصف العلم بابن سعيد
هو العلم السامي الإمام محمد
…
سليل علي ذي الوفا بعهود
أسعد الراجين نيل علومه
…
بفهم ورأي صائب وسديد
وقد قيد العمر المديد حياته
…
بحل عويص أو بقيد شرود
فلا جدة أغنته عن حب نائلٍ
…
ولكن لزهد في دناه شديد
ومن جغل العلم المشرف بازياً
…
لصيد العطايا كان غير رشيد
وما هو إلا للنفوس مكمل
…
وليس سبيل الانتقام تزيد
فمن شاء وصف العلم فَليكُ شاكراً
…
وإلا فمنه الذم غير بعيد
حويت ابا عبد الإله شمائلاً
…
صعدت بها العلياء خير صعود
فغادرت كل الحاسدين كأنهم
…
بقايا ثمود في ديار ثمود
كختمك في يوم شمائل أحمدٍ
…
فكنت بذاك الختم خير حميد
فدم ذا فخار ماشياً تحت راية
…
تخفّق في دار الدنا وبنود
وتحت لواء المصطفى يوم محشر
…
جزاءً لما أرضيته بمزيد
لأني بمرأى منك حقاً ومسمع
…
بآونة تلقي لسمع مريد
حديثاً بإسناد صحيح رويته
…
فأنت لما ترويه خير مجيد
وإنك ذو لفظ شهيّ مهذب
…
إلى كل من يُصغي إليه معيد
يحاكيه لحن الموصلي ومعبد
…
إذا غنيا يوماً بشعر لبيد
فكيف إذا تروي الحديث مرتلاً
…
ببيت عتيق للإله مشيد
ولولا وداد منك صح مصاحباً
…
لحسن وفاء بالعهود مديد
لما ملت يوماً للثناء على امرئ
…
وقمت إلى الإنشاد بعد قعود
وشعريَ ذو ودٍّ لأهل مودتي
…
وليس لمن لم يَهوني بودود
وودي إلى طول المدى ليس ينقضي
…
وحقك إلا بانتهاء وجودي
وقد أجابه عن ذلك الشيخ محمد بن سعيد النجم بقوله: [الطويل]
لمن ظبيات في محاجر سود
…
تركن أسود الحي غير أسود
وغير بعيد أن يكنّ أوانسا
…
أتين إلينا من جِنَانِ خلودِ
هززن قدودا ثم قلن إلى القنا:
…
تأخرن ما فيكن مثل قدودي
وأسفرن عن در يقول ابتسامته
…
عقود النجوم الزهر دون عقودي
وأبرزن رايات الخدود وقلن لي
…
أيا عمُّ هل في الروض مثل خدودي
خليلي لا أخفيكما الحال إنني
…
اُصبت بها في أعظمي وجلودي
وإلا فما بالي كأنَّ محاجري
…
بمُرْتَمَيات الدمع واد زرود
ولم أر نيراناً عوالي تلتظي
…
وفي القلب مني حر ذات وقود
على أنها لم تلقني بقطيعة
…
ولا اعترضتني بُنَيّات صدود
سقى بَانَتَيها عاديات يسوقها
…
تبسم برق لا بكاء رعود
وإلا دموعي الساريات كأنّها
…
إذا ما أذيلت خافقات بنود
وإلا براعات تسيل مياهها
…
فتنشئ روضي نرجس وورود
براعة مولانا الرئيس الذي علا
…
جميع الملا من سيد ومسود
خليلي الذي لولا ضياء وجوده
…
لما طاب لي بين الأنام وجودي
وحافظ عهدي حين أحجمتِ الورى
…
ونادوا جميعاً لات حين عهود
محمد السوسي السنوسي الذي به
…
عرفنا لسلني جرهم وثمود
أخو اللفظ أحلى من عتيق مدامة
…
وأبهج من ريا الخلخل رود
إذا قال ألقى فيه شعلة قابس
…
وإن قال ألقى فيه نفحة عود
من القوم لا يلقاهم زائر لهم
…
سوى فرقة من ركع وسجود
على أنهم في العلم والحلم والحجا
…
وبذل العطايا نيراتن سعود
أبوه الذي الحمّى تخاف لجوده
…
وهل عُرفت حمّى تخاف بجود
وأغلب فخراً من يكون مفاخراً
…
لديك بآباء له وجدود
أيا سيداً أدركت في خلواته
…
جنود جُنيد في جنيد جنود
ويا فاضلاً شاهدت في جلواته
…
صعود سعيد في سعيد صعود
تأنّى فقد غادرت من كان لاحقاً
…
كأنّك قد قيدته بقيود
وصل من العليا قليلاً فإنّها
…
غدت عن جميع الناس ذات برود
وقم لنقود من حبيب عهدته
…
على وفق ما ترضى بخير نقود
ودود الثنى ناهى عليك تقربي
…
فإنك لا تأتي لها بردود
أتبعث لي بالشمس والبدر ثم لا
…
تلُقُّهما في سابغات برود؟
وترسل لي بالشهب لماعة ولا
…
تُوصّي رسولاً جاءني بجحود
فَهَبْنيَ قد أنكرت فيما بعثته
…
أَيُعْوِزُهم فيها قيام شهود؟
وكثرة حسّادي على أنني امرؤ
…
أسَالِي حسود فوق كل حسود
على أننّي لا أستطيع لك الجزا
…
وإن جئت من غير الثنا بوفود
نعم سوف نجزي من شمائل أح
…
مدٍ جزاءً جليلاً في جنان خلود
فدم أنت والأحباب في خير رفعة
…
وكل الأعادي في أذّل ركود
ومن شعره ما كتبه على شرح الشيخ لطف الله الأعجمي لأسماء الله الحسنى وذلك قوله: [الكامل]
بك زبدة التوحيد لاذت واحتمت
…
تبغي النجاة من الحسود اللاهي
قالت وقد بسطت أكفّ تضرع:
…
يارب أدركني بلطف الله
وقد وقف الشيخ علي الغراب على قطعة من شعره فقال: [مخلّع البسيط]
وقطعة حاكها أديب
…
أشهى من القوت للنفوس
أعني السنوسيّ من تواطت
…
لنظمه سائر الرؤوس
إنشاؤه للقريض أنشى
…
عندي من خمرة الكؤوس
لها براهين منه دلّت
…
على البلاغات كالشموس
ولا عجيب إذا نسبتم
…
ذات البراهين للسنوسيّ
وكان أخوهما الشيخ أحمد يلقب الشهاب. وهو إمام العربية في عصره يسكن قرب حمّام الديوان ودارهم هي التي صارت زاوية القادرية هنالك، وأكثر جلوسه في سقيف داره وهنالك يجتمع بقاصديه. وأخذ عنه أعلام منهم شيخ الإسلام الشيخ محمد البارودي. وكان الشهاب أوحد أهل زمانه جلالة وعلو همّة مع الحظ الوافر من العلم والعمل، وقد رزق القبول التام، والبس حلّة المحبة فكان كثيراً ما يراسله ملوك المغرب الأقصى والأدنى ويستجيزه علماء تلك النواحي وصلحاؤها ويصله ملوكها بالصلات العظيمة ويهدون إليه الكتب المعتبرة لما يعلمونه من شغفه بهأن وقد رأيت بخط حافظ تاريخ البلاد التونسية شيخ الإسلام البيرمي الرابع أنّه وقف على نحو مائتي رسالة ما بين مطول ووجيز ونظم ونثر غالبها من ملوك فاس ووهران والجزائر وغيرهأن ومن كتاب تلك النواحي وعلمائهأن كلّها مشحونة بالتنويه بشأنه والتملّق له والتماس الدعاء الصالح منه وطلب الانخراط في سلك أهل محبته نفعنا الله ببركاته. وفي أثنائها رسائل العالم الجليل الشيخ محمد المرتضى الحسيني الواسطي الحنفي نزيل مصر شارح إحياء علوم الدين للغزالي.
ثمّ وقفت على تاريخ الجبرتي المصري فإذا هو قد ذكره في وفيّات سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وأطلققلمه في ذلك وقد قال في ترجمته: إنّ والده كان يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في في أثناء درسه ويقول أخبرني أحمد بكذا وقال لي كذأن وقد بلغ من الصلاح والتقوى إلى الغاية، واشتهر أمره في بلاد إفريقية اشتهاراً كلّياص حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفرداً عن الناس منقبضاً على مجالسهم فلا يخرج عن محله إلاّ لزيارة ولي أو وفي العيدين لزيارة والده، وكان للمرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مراراً فلم يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف نفسه على مذكرة العلوم مع خواص اصحابه ومطالعة الكتب الغربية واجتمع عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كلّ سنة قائمة إلى شيخنا السيّد محمد مرتضى فيشتري له مطلوب وكان يكاتبه ويراسله كثيراً 1هـ.
قلت وقد وقفت على ما يقرب من ثلاثين رسالة منهأن كلّها في غاية حسن البلاغة والابتداع تدّل على كمال تحابّهما رضي الله عنه مع ما تتضمنه من تحلية الشهاب المذكور بأوصافه التي كان عليها ولذلك رأيت أن أثبت هنا بعضها فمن ذلك رسالة نصّها: بسم الله الرحمن الرحيم صلّى الله على سيّدنا محمد وآله وسلّم استمد الفيض والموّدة وشعشعان أنوار الأزل بدوام انسجام غمام الفضل الأعلى، وارتسام أرقام أقلام الفرقان الأجلى، في أدواح وألواح سيّدنا الجامع للكمال شملأن عارف وقته وإمام عصره ومقام الإمام العارف لا ينكر أصلأن ألف ألفة الحب الفائق، حاء حقيقة الحقائق ميم مرؤة الأصل الرائق، دال دوام الشهود في حضرة أم الطرائق، وهو سوسي الأصل لكن على باب مولاه الغني ساسي، حكيم الوقت ولجراح القلوب آسي، رئيس بحر الحقيقة مستاسي الأواسي ومرير المراسي، لا زالت صحائف أرقامه بأنوار البديع مرسومه، ولطائفه بزواهر جواهر الحكم مرقومه، مترقيّاً إلى ما يؤمله، والله يرعاه في كل ذلك ويكفله مهدياً إليه أنفس تحيات تفوق على النبات المصري بحلاوتها الشهيذة، وأنفاس تسليمات يمانية تنافست في توجيه هاته القضية، مخبراً أنّه وصلني وصلك الله فيمن وصله وجعل أشكال محبيك منتجة، كما أن أشكال أعاديك عقيمة مهملة كتابك الذي فضفضت ختامه، وانتشقت كمامه ووجدته على علاك علامه، فكان أكرم وافد، وأحسن وارد، وسرني مضمونه، وأبهجني مكنونه، ومددت إلى الله تعالى في الحال أيادي التضرع والابتهال بحصول الشفا لكم على أطيب أحوال، على أن العارفين بالله تعالى سرورهم ممزوج بالأكدار، ومن آياتهم النحول والاصفرار والصبر على ضيق الدار، وعدم التفاتهم إلى ما رزق غيرهم من السعة والإكثار هذا والسيل يحمل القذا وما ثم سدى:[الطويل]
ومن سرّهُ أن لا يرى ما يسوؤه
…
فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً
وإن توجّه الخاطر الشريف بالسؤال عن أحوال هذا العبد الضعيف، الذي أقامه مولاه في مقام الجمال وربما يعتريه في بعض أوانه الجلال، فالحمد على كل حال جلوتي في خلوتي، وآفتي معرفتي وليتني لم أكن لأعرف فالظهور يقصم الظهور، والشهرة آفة العارف، وربما عجلت له طيبات المعارف، وإذا كان الواهب المنعم بالفيض هو الذي أراد من عبده ما أراد فلا ضير أن يجمع لمن شاء في لذّة النشأتين على المراد نعم يا مولانا أدام الله فضلك وعين غيث برك ثرّة فض لك قد عاد محبكم الحاج سيدي محمد بن كوجك علي وأخوه سيدي محمود القاضي أبو العباس صادرين من أرض الحجاز الناهلين من مكارم القبول العابرين على قنطرة الحقيقة ومجاز المجاز وقد ظهرت عليهم إمارات الإقبال، وعلامات الاتصال، وسكنوا بمصرنا ريثما قضوا مصالحهم وفرغوا من أشغالهم وقد صار لهم نبأ عظيم ارتباط، وحبّ خالص تعلق بالنياط ولا برحوا يترددون إلينا ويعولون في المذاكرة علينأن إلى أن إمتلأ لهم الوطاب وجنوا الثمار المعلومة من تلك الأغصن الرطاب، وعادت حقائبهم مملّوه وركائبهم مجلوه وحصل سيدي محمد المشار إليه في رعاه الله تعالى بعض آثارانا وإن كان بمنزلة الياسمين لا يساوي جمعة فمنها شرح حزب الشاذلي والجزء الأوّل من اآمالي الشيخونية من تجزئة عشرة التي فيها الوسائل ومن اعظمها الجواهر المنيفة في أصول أدلّة مذهب أبي حنيفة وفي الحقيقة كان هو الباعث الأعظم على تأليفه وتهذيبه على هذا النمط القريب فكان إتمامه في مدّة أربعة أشهر وهو غريب في بابه، عقيلة تتبرج للخطّاب في أعتابه فتحت فيه باب الجتهاد، وعلوت بذروة الحفّاظ والنقاد، ولا بأس أن يطلع سيدنا عليه وعلى غيره فما منكم شيء يخبأ وأنتم أهل الفضل تسترون عن محبكم العوار، وتقيلون له العثار، ومثلي معذور، وفي قريحتي القصور، وحالي عليكم غير مستور، وربّما أخبرتم عن عبض ما كنت عليه في المبادي، حين قدمت مصر وأنا أشبه الناس بأهل البوادي، وجررت لسان الغفلات، وجريت طلقاً مع الشهوات، إلى أن كان ما كان وحصلت عناية المنان، وجذبت يدي من العنان، فانتبهت من السكرة، وقد علتني الفكرة، فلم أجد معي إلاّ ما كنت حصلته سابقاً في أيام التحصيل، ولم ألحق ان ألحق بذلك السابق شيئاً من اللواحق، على حسب التتميم والتكميل فهذه قصتي وأنت طبيبي وقد أبرزت لك حالي يا حبيبي، فإن وجدتم شيئاً في شرح الإحياء أو غيره من مؤلفاتنا فاقبلوا عذري واستروا عواري، ومن أخبره عن مخبأ حاله فما قصّر، ومن تجليلات الجلال ما أفصح عنه هذا البيت:[الخفيف]
كنت مستأنساً إلى كل شخص
…
لفأنا اليوم نافر من خيالي
فأرجو من فضلكم أن لا تنسوني من الدعوات في الخلوات، وعقيب الصلوات، فإني في غاية الفتقار إلى ذلك، ولا يسع القلم أن يفصح بأكثر مما هنالك. وهذا الكتب تخصص بحمله سيد الأحباب، وفرد الأفراد من الأنجاب، والأمل أن يكون هو وأخوه مشمولين بحسن أنظاركم العلية، عائدين إلى الوطن بجبر الخاطر من طرفكم وبلوغ أقصى الأمنيه، وقد ذكرتم لي أنهم خرجوا من تونس متوسلين بسيدي محرز بن خلف قُدِّسَ سره ونفع به وهم الآن كذلك من المحرز الخلف إلى سيدي محرز بن خلف، سالمين غانمين محرزين رابحين فائقين، سهل الله عليهم الأمور الصعاب، وحاطهم بعين عنايته ورزقهم ريح الطياب. ومنا إبلاغ شريف السلام والتحية والإكرام إلى حضرات أحبابكم الكرام سيدنا العلامة مولانا الشيخ صالح بن الحسين الكواشي أدام الله النفع به وإلى أولاد شيخنا المرحوم سيدي محمد الغرياني، ومحبنا الفقيه سيدي حسونة بن خليل وكذلك سيدي حسونة بن عمر القصري، وشيخ بني رياح أصحاب الرماح، والقلانس من البيض الملاح، الحاج أبو النور وولده الحاج محمد وأولاد الخوجة، وسيدي إبراهيم بن الكاهية وسيدي محمد بن هارون، وسيدي محمد البخاري، وسيدي يونس العطار، والحاج سيدي أحمد الكافي، وسيدي علي دانة، ومن ضمتهم سقيفة بني ساعدة الأنصار، من المحبين الأخيار، والمجهز إلى حضرته الشريفة ما هو مسطور في القائمة داخل الكتاب يكون إن شاء الله تعالى مقبولاً عند لثم الأعتاب وما فيها من الرسائل فقد اتفق تصيلها على حسب الاستعجال ولم يمكن أن أنظر إليها ثانياً أو أقابلها على أصولها المنقولة إليها لما أنا عليه كم ازدحام الواردين وتحويم الحايمين على هذا المنهل الذي أكاد أن أقول هو عذب حتى يكون سبباً لهذا الازدحام فإني أدرى بما عندي من البضاعة، ولا عليّ في مدح من لم يطلع على خبيئة حالي ولكن أصبر وأقول: لولا الملهم ألقى في روعهم لما حاموا وأحبابنا القادمون سيخبرونكم عن بعض ما شاهدوه ومن منن الله عز وجل عليّ أن في يوم واحد من شهر شعبان الماضي ورد عليّ كتاب أكبر علماء بغداد ومن مفتي مدينة دمشق ومن مفتي مدينة الحلة ومن ابن مفتي الموصل ومن طالب من الحديثة ومن سلطان مدينة كوكبان، ومن أرض اليمن ومطلةب الكل الدخول في هذه الزمرة، ولولا قوله عز وجل:(وأما بنعمة ربك فحدث) لَمَا تكلمتُ وأنتم أعلم بفحوى نطقي وأعرف بما في فؤادي ولما كان لسان القلم في إدلال وطول وصورة الوقت في طول أحببت أن أختم الكلام بالحمد لله على الدوام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الأعلام ما هطل ركام، وسبح الرعد في الغمام. من داعيكم المكنى عند أهل الظاهر بأبي الفيض وعند أهل الباطن بأبي الوقت والملقب بالمرتضى محمد بن محمد بن محمد الحسيني الواسطي العراقي الاصل ثم المصري، غفر الله زلله وأصلح حاله، آمين في ليلة الاثنين 17 جمادى الثانية سنة 1117.
ومن ذلك رسالة هذا نصها: من عبد الله الفقير إليه سبحانه الراجي عفوه وغفرانه محمّد مرتضى أبي الفيض أصلح الله بالتوفيق حاله وزان بالتسديد ما شانه وصانه -آمين- إلى شيخه الولي العارف، صاحب الفضائل والعوارف، ومحط رحال الكاملين، نتيجة العلماء الصالحين، الشاكر لما أولاه ربه في كل وقت وحين، فريد وقته ونسيج دهره، قطب عصره، الشيخ سيدي أحمد السوسي.
[الخفيف]
مقتدى السير درة الفضل بحرٌ
…
زاخر فاض لجه بالنفيس
خصه الله بالكمالات طرا
…
فعلى بابهم طرحت طروسي
لا بقرح قدوة لمن اقتدى، وسراجاً لمن استرشد واهتدى، يشار إليه في العلوم وفي التقى، ويومأ إلى تفضيله في المحافل، وبعد فأهدي إليه سلاماً مثل أنفاس الصبأن وولاء مثل أيام الصبأن وثناء عرفه على المسك رباً وأعرفه بوصول خطابه العالي، الفائق على حبات اللآلي، ولما قرأته حن قلبي، وازداد قلقي وكربي، وكلما تنسمت عبير القرب أراح إلى اللقاء لبي، فها أنا بين شوق منضج وتوق مزعج، ولوعة وبلبال، وألم وأوجال، والله المسؤول أن يهيْ لي مقدمات أسباب تكون منتجة للقاء الأحباب، هذا وإن متحملي هذه البطاقة إلخ، والسلام الذي يتضوع عرفاً ويوالي عرفأن وتتضاعف منحه وهباته، عليكم ورحمة الله وبركاته في 10 ربيع الأول سنة 1203.
ومن ذلك رسالة هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على من لا نبيْ بعده وسلم تسليماً (قل الله ثم ذرهم) اللهم اجعلنا ممن أقمته في مقام، فأقام وأستقام، وانقاد بحسن الاستسلام من عبد الله سبحنه الراجي عفوه وغفرانه محمد مرتضى الحسيني، رزقه الله الشهود العيني، إلى شيخه الإمام العارف معدن اللطائف وملجأ كل خائف قدوة الأيّمة، وكاشف كل غمة، الفرد الرباني والهيكل الصمداني، قطب عصره، ونسيج وحده في مصره، سيدنا ومولانا أحمدى ابن سيدنا شيخ الشيوخ المرحوم سيدي عبد الله السوسي فتح الله إليه سفراً عن كل محجوب، وكشف لبصر بصيرته مخبآت الغيوب، واستعبد له أحرار أسرار القلوب، وملكه قياد كل فرض ومندوب، حتى يرقى لدرجات المقربين، ويتضح له نهج الحق واليقين، فخالص توحيد الرب عبارة عن رضاه بما أقامه مولاه، والتسليم لما أراده منه بلا انزعاج ولا قلق وهذا هو منتهى منازل السائرين.
وبعد، حيث لا قبل ولا بعد، فإني أحمد الله عز وجل بما أنعم، وبما ألهم، وأشكره اعترافاً بما أكرم، وأصلي وأسلم على حبيبه الأعظم، واستغفره لي ولكم وللمسلمين واستنجده لرفع ما بكم بحيث لو كانت على جبل رضوى لاندكت وتلاشت، وأسأله لي ولكم الأستقامة، فإنها فوق كل كرامة، ومع هذا فمقام الاخلاص، ينادي تثبت ولاة حين مناص، ثم أني أهدي لكم سلاماً لو تمثل كان دراً وياقوتاً يقلب في اليدين، وحُبّاً خالصاً لم يمازجه دنس الرين، فمن رآني ورآكم واحداً فهو بعينين، ومن رآنا اثنين فهو بعين، هذا وإن كتابكم الكريم في أبرك الساعات وصل، وبه أنس الشهود حصل، وقوبل حامله السيد الشريف محمد الشعشعاني بالإكرام، وعومل معاملة الكرام، واستفدت من هذا الكتاب، صحة الانتساب، والرجوع إلى الحق بكمال الرضى والاستصحاب، وأنه سبحانه هو المطعم وهو الساقي وهو الشافي، ومن الغريب ما بين الساقي والشافي من الجناس الرافع للالتباس، والدخول في هذا الباب من لوامح خالص التوحيد، ويتضح لكم سر ذلك إذا تصفحتم كتابنا الذي ومصل إليكم مما يتعلق بحلّ كلام الإمام أبي حامد قدس الله سره وفي الإشارات ما يغني، وفي التلويحات ما يقني، وقد التقينا بأكبر أحبابكم إلخ والسلام الذي طابت نفحاته عليكم ورحمة الله وبركاتهِ حرر في شهر ربيع المكرم سنة 1203.
ومن ذلك رسالة هذا نصها: من العبد الفقير البائس الكسير أبي الفيض محمد مرتضى الحسيني بصره الله بعيوي نفسه، وجعل يومه خيراً من أمسه، إلى حبيبه في الله ورسوله الإمام العارف منبع العوارف مظهر أنواع اللطائف الأستاذ الأكرم الملاذ الأفخم سيدنا ومولانا شهاب الملة والدين أبي الإخلاص سيدي أحمد السوسي أمده الله بروح اليقين، ومكنه في مراتب التمكين.
أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأصلي وأسلم على حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين يُحيط علمه الكريم، بعد إهداء أشرف تحية وأكرم تسليم، أن الفقير لم يزل يتزايد فيه حبكم ويتعمر بودكم قلبه، ويستضيء بأنوار صَدَاقتكم لبه، وقد وصل مثاله العالي صحبة الجناب الأكمل سيدي مصطفى ابن قاضي تاستور فقوبل بالرعاية على ما يليق بامثاله ووجهناه إلى بندر السويس ثم وصل المثال الثاني صحبة أكمل الأحباب سيدي محمد بن اسماعيل من أهل قصر سليمان مع أخيه سيدي أحمد فقوبل بالرعاية مما يليق بأمثالهما ولازمانا مدة خمسة عشر يوماً كل يوم عندنا من الصباح إلى العشي حتى توجها مع الركب المصري والله يحملهم بالسلامة ويردهم سالمين. وقبل هذا التاريخ حررنا لكم جملة مكاتبات وفي كل منها ما يغني عن الإعادة هنا فإن في كل منها من المقاصد والإشارات ما ليس في الآخر لعل جملتها أو بعضها وصل إليكم وإلى الآن ما ظهر لنا خبر عن وصول الأمانات التي أرسلتها إليكم وهذا التعويق كله بإرادة الله وقدرته وليس لنا إلا التسليم مع كمال إخلاصنا في محبتكم وصدقنا فيها وكأنّ تاخير الجوابات هو الحامل الأكبر لحضرتكم على نسبة القصور إلينا في محبتكم، والحمد لله فقد برّأنا الله من ذلك، وجواباتنا قد تتابعت كالمطر، وتراسلت على الأثر، وتوالت مع كل متوجه إلى الجناب، قاصدٍ للرحاب، والموصل هو الله تعالى. هذا مع وفور أشغالي وتلون أحوالي مع الأجناس المختلفة والانواع المتكثرة بحيث أكون مع كلٍّ مخاطباً مجالسأن وبلسانه مؤانسأن وقد أوردت بعض أحوالي في هذه الأبيات لا بأس بالتأمل فيها: [الطويلي
لقد حمّلتي فكرتي كلّ شاغل
…
تحملته في كاهليَّ ثقيلُ
كمجلس إملاء ودرس يعوده
…
تواددتعليل له ودليل
وطال إسماع وحاجة نفسه
…
وطال علم في البحوث سؤول
وكلّهمُ يرجو نجازَ أموره
…
ويصخب إن أرجأته ويصول
وكتب جوابات إلى الروم كلّها
…
بتزكية مني عليّ ثقيل
لعمرك أبناء الرسائل كلهم
…
إذا عُوّقُوا نحو العقوق يميل
وشرح لإحياء ونوم وراحة
…
وأكل وشرب يعتليه ذهول
وفي نَفَس ترويح نفس أجمتها
…
وتأنيس أهل هزلهن هزيل
وأمر مَعادي رحت فيه مفرطاً
…
وأمر معاشي قد حواه وكيل
وأما مداراة الأنام وشرح ما
…
ألاقيه منها فالكلام يطول
فهل لامرئ في ذا تفاصيل أمره
…
فراغ لتحرير الجواب يقول
فعذراً فما أخرت عنكم جوابكم
…
لبخل ولكن ما إليه سبيل
ووقع النظر في كتابكم استدعاء الإجازة من الفقير فقدمت رجلي وأخرت أخرى وغلبتْ عليّ الهيبة واستشعرت تغير مزاجكم اللطيف إن لم أكتب فبرز الغذن الإلهي بكتابة كلمتين في أوراق في طيّ هذا الكتاب على وجه الاختصار من غير ذكر إسناد ولا تعيين كتاب وأنّى لمثلي أن أجيز لمثلكم ولكنّ المحبة تستر كل عيب فإن تشوقت الأنفس إلى معرفة بعض الأسانيد للفقير فحامل الكتاب قد كتبت له إجازة فيها بعض المقصود فلا بأس أن يطلع عليها مولانا إن تعلق غرضه بنقل نسخة وإلا فالستر على العوار هو المطلوب، وولدي السيد عبد الله أبو الفضل يرمق بطرف عينه مترقباً لورود مبشرة حجاب، يكون حرزاً له وهو يقبل الأيدي الكريمة ويطلب منكم الإجازة وممن ترون فيه الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.
ومن ذلك رسالة هذا نصها: إن أشرف ما يهدى وألطف ما يسدى سلام أطيب من نسمات الصبا حركت الأفنان وأطرب من تغاريد الأطيار أمالت الأغصان، وأحلى من عتاب حبيب مواصل، وأعطر من ربى أزهار الخمائل، إلى حضرة مولانا وسيدنا وشيخنا كعبة الآمال مطلع شمس الإقبال، حبيب أرباب القلوب وأهل الأحوال، نعمة الله على الخاص والعام، ومنته سبحانه على كافة الأنام، الإمام العارف، والهمام الواصف، خلاصة أهل الله الشيخ سيدي أحمد بن عبد الله مهديّ الزمان، المشار إليه بالبنان:[الخفيف]
للمعالي بقيت في خير حال
…
بلآلي الكمال والمجد حالي
أنت والله قدوة وإمام
…
عمدة في مآله والفعال
نستمد من فيوضات الحق سبحانه لجنابكم الكريم، مزيد الفضل العميم، وامتداد آمالكم، وانتفاع المسلمين بطول حياتكم، وانسداد أبواب السوء عن حوزتكم وجهاتكم، أما أحوالي فهذه المدة التي مضت كلها وأنا مشغول باتمام شرح الأحياء وقد وصلت الآن في شرح كتاب المحبة والباقي أأربعة كتب وهانَ الأمر بمنة الله تعالى وبركة أنفاسكم الطاهرة، فهذا هو الذي يمنعني من مشاركة الناس في أحوالهم وأخبارهم، ولولا الخلوة ما كانت الجلوة، وقد فرحت بما أشرتم في كتابكم لشيْ مما يتعلق بسيدنا القطب سيدنا محرز بن خلف- قدس الله سره- فإني أعرف أنه من أكابر الأولياء المتصرفين في عالم الغيب وكنت مشتاقاً لسماع شيْ من سيرته الحسنة وإنني من المعتقدين فيه والمعترفين بفضله، حشرنا الله في زمرة محبيه، وما نقله أبو عمران الفاسي عن القاضي أبي بكر الباقلاني فإنَّه صحيح لاشكّ فيه وهو يشير إلى مقام الصديقية العظمى وله خلافة الحق المعنوية، وكمال رتبة الإنسانية التي بها تمت لهالصورة المعنوية بعد النفخ والتسوية فرضي الله عنه، وأرضاه عنا.
ثم إن المولى الشهاب الشيخ أحمد السةسي أتى عليه في آخر أمره مرض اعتكف به على العبادة في داره إلى أن أدركته المنية فتوفي في شهر رمضان المعظم سنة 1208 ثمان ومائتين وألف.
وأما والدهم العالم الشيخ عبد الله السوسي فقد ولد بمكسال من سوس المغرب الأقصى، وقرأ هنالك، وخرج منها لحج بيت الله الحرام سنة 1127 سبع وعشرين ومائة وألف، وأخذ الحديث بمكة عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي الذي كانت وفاته يوم الاثنين رابع رجب سنة 1134 أربع وثلاثين ومائة وألف وقد جمع ثَبت أسانيده ولده المحدث الشيخ سالم بن عبد الله البصري في كتاب سماه "الإمداد بمعرفة علو الإسناد" رضي الله عنهم أجمعين.
ثم إن صاحب الترجمة السوسي ارتحل إلى تونس وأخذ عن العالم الرباني الشيخ إبراهيم الجمني والشيخ علي بن أحمد بن الحق اليمني التميمي الأنصاري وأقام مدة بالقيروان إلى أن حاصرها الباشا علي بن محمد فقدم إلى تونس وتصدى لبث العلم. ولما أتم الباشا بناء مدرسة حوانيت عاشور عرض مشيختها على الشيخ علي سويسي فامتنع من قبولها وأشار على الباشا بتولية الشيخ عبد الله السوسي، فأولاه إياهأن فكان أول شيوخها وقد ذكر الشيخ محمد مقديش الصفاقسي في تاريخه نزهة الأنظار في عجائب التواريخوالأخبار أنه مرض مدة فأوتي براتب مشيخة المدرسة فامتنع من قبوله مدة حتى بلغ خبره إلى الباشا فأرسل إليه يقول له: إني لم نجعل لك الراتب في مقابلة الإقراء وإنما جعلته لك إعانة عليه وبمقتضى ذلك يلزم أن تقبضه فقبله رضي الله عنه.
قيل: إن الشيخ لطف الله الأعجمي لما قدم إلى تونس حضر بالمدرسة المذكورة وحين علم أن شيخها هو صاحب الترجمة أخرج تقييداً من جيبه فنظره ثم قال: إن هذا الشيخ قد أُمرنا بزيارته وعند ذلك طلب الاجتماع به فجلس بين يديه جلوس التلميذ، وإنّما يعرف الفضل ذووه.
ولما ذكَرَ الحاج حمودة بن عبد العزيز في تاريخه علماء دولة المقدس حسين باي بن علي قال وواحد المغرب علماً وديناً وورعاً أي محمد عبد الله السوسي الوافد عليها من المغرب الأقصى 1هـ. وذكره المولى حسين خوجة في تاريخه بشائر أهل الإيمان فقال فيه ما نصه: منهم العالم العلامة المحقق المدقق الشيخ سيدي عبد الله بن محمد أصله من بلاد سوس المغرب وقرا في أحواز مراكش وفاس النحو والصرف والفقه، ثم انتقل ورحل إلى مصر ومكث بالأزهر مدة وأخذ عن أجلاء الوقت وعلمائه وفي عوده مكث في جزيرة جربة واستقر بمدرستها وأخذ عن الشيخ الفاضل البركة العالم الزاهد سيدي إبراهيم الجمني ثم قدم إلى القيروان واستقر بها وتصدى للتدريس أولاً بزاوية صاحب المناقب الظاهرة والإشارات الباهرة الشيخ الولي الصالح سيدي سعيد الوحيشي نفعنا اللهبه وأقرأ بها مدة واشتهر بالعلم ' فاستدعاه الأمير حسين باي ورتبه في مدرسته بالقيروان وهو الآن شيخها ومدرسها عالم بالفقه والنحو والمنطق والبيان والأصول والفقه والحديث، فأقاد منها وأجاد، وله درس عظيم ومدحه الخاص والعام وهو رجل أسمر اللون حسن القامة مليح الوجه صاحب سكينة ووقار عفيف دين ذو مهابة وله ميل إلى الخمول اه.