الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاعمل لنفسك صالحاً تلقاه إذ
…
يصحو الورى من سكرهم بمنام
وانفض يداً من هاته الدار التي
…
سحرت بأحلام ذوي الأحلام
وهي التي وعظت، وحسبك واعظاً
…
موت العلوم ونقلة الأعلام
انظر إلى هذا الضريح وما حوى
…
من عالمٍ علمٍ وبحرٍ طامي
بحر من التحقيق قلّد درّه
…
نحرَ الطروس أنامل الأقلام
كنز من التدقيق كم حلى به
…
درراً من الإفتاء والأحكام
هذا الإمام حسين العلم الذي
…
نظم التقى والعلم أيّ نظام
يا (مجمع البحرين) يا (برناز) من
…
أبقيت نوراً في دجى الإظلام
قد كنت مصباح الهدى وصباحه
…
وجمال وجهِ محافلِ الأيام
إن غبت عن نظر العيون فلم تزل
…
بين الجوانح في أعزّ مقام
يهنيك ما خلفت من شكر وما
…
قدمت من ذكر لنيل مرام
لا غرو أن يحوي المنى فضلاً وفي
…
تاريخه: (حصل الهنا بختام)
22 الشيخ أحمد بن الخوجة
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن حمودة بن محمد بن علي خوجة، جده علي من بلاد الترك بوظيفة خوجة حج بيت الله الحرام وامتحن بفقده ولده محمد بفتح أوله غير أنه تسلى بحفيده حمودة المذكور، فتبناه واجتهد في التعليم، فقرأ العلم الشريف وكانت له في العسكرية وظيفة أولظاش على عهد الباشا علي وسافر بالأمحال مع ولده الأمير يونس باي، وكان في المحلة لا يتخلى عن إقراء الفقه لعوام العسكر الحنفية بعد صلاة العصر حتى اتفق أن يونس في بعض الأيام افتقد كثرة دوران من العسكر فسأل عن سبب انزوائهم فقيل له إنهم يقرؤون الدرس المذكور، فتعجب من أمر الأولظاش وطلبه للحضور ليختبره بمحضر إمام المحلة ولما حضر ورام اختباره أذنه بالمحاورة مع إمامه بمحضره ليتبين حاله وكان اليوم يوم جمعة فبادر الشيخ لسؤال الإمام وقال له إن هذا اليوم يوم صلاة جمعة فهل هي رخيصة أو عزيمة، فلم يجد الإمام جواباً وإنما قال للأمير إنه عالم يستحق أن لا يبقى على الخدمة العسكرية فأرسل الأمير لوالده بخبره وطلب سراحه فقبل غيره عوضاً عنه وأخرجه من العسكرية فلازم خدمة العلم الشريف إلى أن تقلد خطة التدريس بجامع يوسف داي، وفي أمر ولايته أنه يقري ما شاء.
وهذا دليل واضح على سعة علمه وذلك على عهد الأمير علي باي في أوائل رجب من عام ثلاثة وثمانين ومائة وألف وخطب بالنيابة وكان كثير الخشوع عند الخطبة يغلبه البكاء وله في الدرس تحقيقات عقلية ونقلية، وصفه بذلك رضية، وقد كانت وفاته سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف، ورثاه الشيخ محمد بن سعيد النجم بقوله:
كل امرئ نحو الممات سبيله
…
سيان فيه عزيزه وذليله
يفني الذي حرم القضاء ومن له
…
تاج يعض جبينه إكليله
لم يبق إلا ما قضت كل النهى
…
ببقائه وأتى به تنزيله
فليحذر الإنسان أن يغترّه
…
من زخرف الدهر الخئون جميله
وليعتظ بمصاب كل مسجّدٍ
…
قد كان للصنع الجميل يطيله
لا سيّما حمودة بن الخوجة الأ
…
سمى الذي ما ريء قط مثيله
قمر الدروس ومن إذا وقف الورى
…
في مشكل لم يعيه تأويله
يبدي المسائل مثل غصن ناضر
…
والبحثُ في مثل النسيم يميله
كم لاح فوق ذرى المنابرِ وعظه
…
وانهلَّ في محرابه ترتيلهُ
وجرى على ثوب الدجى من جفنه
…
دمع لخوف الله كان يزيله
حتى أجاب إلى ضيافة ربه
…
جمّ الرجاءِ أمامه تهليله
فاغفر له ربيّ وزده وأعطه
…
ما لا يجول بفكره تأميله
وأجب دعاه إذ يقول مؤرخاً:
…
(هب لي قري من لا يخيب نزيله)
ونشأ ولده صاحب الترجمة بين يديه، وقرأ المبادئ عليه، ثم على أعلام عصره كالشيخ أبي الفلاح صالح الكواش قرأ عليه المطول وصدر الشريعة والمغني وغيرها، وقرأ على الشيخ حسونة بن خليل الحنفي والشيخ محمد بن سعيد النجم ومن لطائف أستاذه معه أنه عند وفاة والده استدعاه ليلة الأربعين وكانت ليلة مطر فكتب إليه معتذراً بقوله:
أبا العباس لا تعتب فإني
…
بعيدٌ عن مزلاّتِ العتابِ
أن نجم وهل أبصرت نجماً
…
تبدى نوره ليل السحابِ
وتفقه عن شيخي الإسلام البيرمي الثاني والشيخ قاسم المحجوب وغيرهما من علماء جامع الزيتونة وتصدى للتدريس بعد التحصيل، فبنى تعليمه على أصل أصيل، ونهض للتحقيق والتحرير، وسلك مسلك النحارير، فكان لدرسه فخر يذكر، وتدقيق على بساط المعارف ينشر.
وتقدم لإمامة جامع محمد باي المرادي خطيباً وإماماً ومدرساً بعد وفاة الشيخ محمد الترجمان فولّي يوم الثلاثاء تاسع ربيع الثاني سنة 1211 إحدى عشرة ومائتين وألف ولازم به التدريس، وقلّد لبة الألباء در علومه النفيس، وولي مشيخة المدرسة الشماعية عوضاً عن الشيخ محمد البارودي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة 1219 تسع عشرة ومائتين وألف، وأقرأ بها علومه الشرعية.
وقدمه الباشا حمودة لخطة القضاء صبيحة الاثنين يوم عيد النحر من عام 1219 تسعة عشر ومائتين وألف فأحيا رسومها، وداوى كلومها، وأقام لها بتثبت ودين وفضل، وحكم فصل، ولازمها نحو العشر سنين.
ولما توفي الشيخ أحمد البارودي تقدم للفتيا عوضه في ثاني ذي القعدة الحرام عام 1229 تسع وعشرين ومائتين وألف وأفاد السائل، بتحقيق المسائل، وتصدى لبث العلم بالتدريس والتأليف، وقد شرح منظومة المحبي في المذهب الحنفي شرحاً بديعاً.
وهو أول من سن الاجتماع على ختم البخاري بالجامع في شهر رمضان والكتابة على الختم، واستدعى لذلك أمير عصره حمودة باشا، وكان لا يتخلف عن ختمه، وتحضره جميع العلماء وتجري بينهم المباحثة إلى نهاية الدرس وقد وقفت له على ختم بديع ختم به سنة 1225 خمس وعشرين ومائتين وألف كتب فيه على باب مشروعية التهجد بالليل أطال فيه البحث مع شيخ الإسلام أبي السعود في تفسيره وحرر فيه مباحث يعز تحريرها على غيره واستدرك التحارير على نجم الأيمة ابن سعيد ما حرر به مبحثاً هاماً من حواشيه على الأشموني. ولمكان نفاسة هذا الختم قرظه العالم الشيخ محمد بن قاسم المحجوب بتقريظ لم نر له غيره من الشعر وهو قوله:[البسيط]
لله هذا الذي قد راق وابتهجا
…
ومنهج الحقّ والتحقيق قد نهجا
محكّم النسج لا يخشى معارضة
…
لأنه بيد الإتقان قد نسجا
نزهت فكري في أفنان ما غرست
…
يد الذكاء [به] مستنشقاً أرجا
لمْ لا وواضعه فردُ الزمان ومن
…
بعدله منصبُ الأحكام قد لهجا
قاضي القضاة وفخر العصر منصبه
…
من التقدم معروف لكل حجا
أوضحت فيه أبا العباس مجتهدا
…
وجه التهجد حتى قام مبتهجا
لا أغمد الله سيفاً أنت مصلته
…
من العلوم وفي صدر الحسود شجى
ولا برحت كذا في كل قابلةٍ
…
تقلد الختم من أنظاركم حججا
وقد أخبر الشيخ أحمد بن حسين باش مفتي المالكية أنه كان يقرأ عليه مختصر السعد فأورد عليه بعض الحاضرين كلام المطول في ذلك البحث وتوقف فيه، فأخذ الشيخ من يده كراس المطول وتأمل المبحث ملياً ثم قرره وقرر كلام السيد وعبد الحكيم عليه هنالك وزاد تقارير أخر من عنده كأنما كان ذلك هو موضوع الدرس وذلك من غاية تحصيله. وناهيك به من عالم ما شئت من علم ودين وفضل وإنسانية وقناعة وأناة وكرم نفس وتواضع مع علو همة وعدم تصنع، له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية، وقد نفع بها كثيراً من علماء الحاضرة. وقد تنوقل خبر شرف أصله عن غير واحد من معاصريه في تلك الأيام حتى تواتر ذلك عند نقيب الأشراف في ذلك العصر وكتب كتابة تتضمن ثبوت شرفه لديه وقفت عليها مؤرخة في التاسع والعشرين من المحرم سنة 1257 سبع وخمسين ومائتين وألف. ولم أر له من الشعر غير بيتين أجاب بهما أحد أحبته وذلك أنه زار منزل الشيخ محمد المولا فأنشد في ذلك قوله:[الخفيف]
أيها الحبرُ من سما أوج عز
…
مثل بدر التمام حل بروجه
زرتني من مودة ذاتِ صدق
…
بدم القلب بقد بدت ممزوجة
قلت إذ زرتني: وإنك في تا
…
ريخنا: (أنت أحمد بن الخوجة)
فأجاب الشيخ عن ذلك بقوله: [الوافر]
مقام نشرُ عنبره عظيمٌ
…
ومنه البدر حسناً مستعيرُ
وأشرق نوره فلذاك قلنا
…
وأرّخنا [مقامك مستنير]
ولم يزل صاحب الترجمة بين إمامة وخطابة وتدريس، وفتوى تدير على أسماع رواتها كؤوس الخندريس، إلى أن أتاه محتوم الأجل، ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان الأكرم سنة 1241 إحدى وأربعين ومائتين وألف، ورثاه الشيخ محمد بن سلامة بقوله:[الطويل]
هو الموت حتم لا محالةَ صائرُ
…
ومن ورده كل ابن آدم صادرُ
وهذا سبيل الناس طرّاً فما ترى
…
سوى سائر يقفوه بالإثر سائرُ
وما الناس إلا كالركاب إلى الرّدى
…
يسير بهم من سابق الغمر ضامر
يغر الفتى غض الزمان وما درى
…
بأن جفون الحادثات سواهر
وتخدعه الأيام حيناً فسلمها
…
وأسيافها عند التمام بواتر
تمرُّ به كفُّ التناول حيثما
…
تبسّم عن روض الحياة أزاهر
فطوبى لمن قد كان فيها مصاحباً
…
إلى طرق الخيرات، وهو مبادر
كهذا الإمام الفاضل الحبر من له
…
خصالٌ سمت عن عدها ومآثرُ
وذاك أبو العباس من جمع الهدى
…
ولكنه بين البرية نادر
عنيت به ابن الخوجة العلم الذي
…
على موته جفن المكارم هامرُ
تردى بهذا العلم صرح وركنه
…
ومات بهذا الفقه والنحو حاسر
تنكرت الدنيا عليه فأصبحت
…
يعرّفها عنه الثنا المتكاثر
فلهفي على علم الأصول معطلاً
…
ودرس المعاني بعده اليوم حاشر
ولهفي على كنز العلوم تحولت
…
خبايا له الأرماس فهي ذخائر
فيا قبر طب قد حلَّ فيك مكرم
…
وزارك [من] بحر الحقائق زاخر
غدوت لبث العلم فذاً ومن يكن
…
إذا ثار من صعب المسائل ثائر
فمن شاء يبقى بعدك اليوم فليمت
…
فأنت الذي كنا عليه نحاذر
حقيق بأن تكبي البرية منبراً
…
ودرساً ثوى لما طوتك المقابر
لذاك الورى ناحت عليك وأرخت:
…
(لنعيك درس مثل در ومنبر)
ورثاه الشيخ الحاج أحمد الكيلاني بقوله: [الطويل]
ألا حكم ربي نافذٌ في العوالم
…
به كانت الأقدار ضربة لازم
وما منحُ الأيّام إلاّ زخارفاً
…
وطيب جناها زائل غير دائم
فيا فوز من لم يكترث بنعيمها
…
كصاحب هذا الرمس فخر المكارم
إمام الورى ابن الخوجة الفذّ أحمدٍ
…
همامٍ حوى مجداً رفيع الدعائم
فطوبى لقبر ضم أعظمه التي
…
سقاها مدى الأيام فيض الغمائم
وفوزاً لأرماس به قد تأسست
…
ويا فوز من فيها بمحو الجرائم
لقد كان في دنياه (صدرَ شريعة)
…
أبان رسوماً مبهماتِ المعالمِ
وقد كان للدين الحنفيّ صارماً
…
وفي الحق لم تأخذه لومة لائم
فما خالف المشهور مذ كان حاكماً
…
ولا همّ بالمرجوح ميلاً لظالم
وفي مذهب النعمان كان هدايةً
…
به يهتدى في معضلات المعاظم
أيا ابن همامٍ قد نعتكم طروسكم
…
ويبكى على تحريرها في المآتم
لقد راح من بالفتح يهجي ويهتدي
…
محلّ عويص ضلّ عن عرضِ واهم
فمن (لمنار) الدين من بعد سيد
…
لإيقاف تيار انتشار المظالم
وأين الذي يلفى (لتوضيح) مشكل
…
إذا اصطكت الأبحاث في فهم عالم
على فقده تبكي المنابر دهرها
…
وتبقى بحزن دائم متراكم
فراح وما راحت مناقب فضلهِ
…
وقد زفَّ للحورِ الحسانِ النواعم
فيا رب قد وافاك يبغي رضاكم
…
فقابله بالرضوان يا خير راحم
وحقّق بفضل منك قول مؤرخ:
…
(فقد نال الفردوس طيب المكارم)
وأرخ وفاته الشيخ محمد السقاط بأبيات رسمت على قبره وهي قوله: [الكامل]
لذْ بالتّقى زاداً لربك واجهدِ
…
في حسنِ أعمالٍ قلب أزهدِ
إذ للمنيةِ فيك سهمٌ صائب
…
إن لم يصبك اليوم فاجا في غد
ولئنْ تكنْ أبداً زكياً ماجداً
…
ما أنتَ من هذا الإمام الأوحد
هو أحمدُ بنُ الخوجة العلم الذي
…
بالرمس أضحى كالحسام المعمد
حبرٌ ذكيٌّ فاضل متورع
…
سند الهدى مأوى سباقِ السؤدد
ذو المذهب الحنفي الذكيّ إمامه
…
مفتي الورى حاوي علوم محمد
حكمُ البرية ذو النهى من عدله
…
يلفى لدى المظلوم أعظمَ منجد