المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مخالفة تفسير السلف: - التفسير اللغوي للقرآن الكريم

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتفسير اللغوي: مكانته ونشأته

- ‌الفصل الأولالتفسير اللغوي ومكانته

- ‌المبحث الأولتعريفُ التَّفسير اللُّغويِّ

- ‌أولاً: تعريف التفسير:

- ‌التفسير لغةً:

- ‌التفسير اصطلاحاً:

- ‌تحليل هذه التعريفات:

- ‌ثانياً: تعريف اللغة:

- ‌اللغة اصطلاحاً:

- ‌مصطلحُ اللُّغةِ في كلامِ السَّلفِ:

- ‌المعاني المرادفةِ للفظِ اللُّغةِ في القرآن وكلامِ السَّلفِ:

- ‌ثالثاً: تعريف التفسير اللغوي:

- ‌المبحث الثانيمكانة التَّفسير اللُّغويِّ

- ‌الفصل الثانينشأةُ التَّفسيرِ اللُّغويِّ

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: التَّفْسِيرُ اللُّغَوِيُّ عِنْدَ السَّلفِ

- ‌طريقة السَّلفِ في التَّفسير اللُّغويِّ:

- ‌أسلوبُ الوجوه والنَّظائر

- ‌الأشباهُ والنَّظائرُ في اللُّغةِ:

- ‌الوجوهِ والنَّظائر في الاصطلاح:

- ‌بداية الكتابة في هذا العلم:

- ‌علاقةُ الوجوهِ والنَّظائر بالتَّفسير اللُّغويِّ:

- ‌كُلِّيَّات الألفاظِ القرآنيَّة:

- ‌ثانياً: التَّفسيرُ اللُّغويُّ عند اللُّغوِيين

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: التفسيرُ اللغويُ في كتبِ الموضوعات:

- ‌ثانياً: التفسير اللغوي في معاجم الحروف:

- ‌القسمُ الثانيالمشاركة المباشرة في تفسير القرآن

- ‌طريقةُ التَّفسير اللُّغويِّ في هذه الكتبِ:

- ‌أولاً: كثرةُ مباحثِ الصَّرفِ والاشتقاقِ:

- ‌ثانياً: كثرة المباحث النحوية:

- ‌ثالثاً: كثرةُ الاستشهادِ منْ لغةِ العربِ:

- ‌رابعاً: بيانُ الأساليبِ العربيَّةِ الواردةِ في القرآنِ:

- ‌ التَّفسيرُ على المعنى

- ‌ علم الوجوه والنَّظائر عند اللُّغويِّين:

- ‌ أسلوبُ التَّفسير اللَّفظيِّ عند اللُّغويِّين:

- ‌الفصل الثالثمسائل في نشأة التفسير اللغوي

- ‌المسألة الأولىفي سَبْقِ السَّلفِ في علمِ التَّفسيرِ

- ‌المسألة الثانيةشمولُ التَّفسيرِ بين السَّلفِ واللُّغويِّين

- ‌المسألة الثالثةفي الاعتمادِ على اللُّغةِ

- ‌المسألة الرابعةفي الشَّاهِد الشِّعريّ

- ‌المسألة الخامسةفي علمِ الوجوهِ والنَّظائرِ

- ‌المسألة السادسةالتَّفسيرُ اللُّغويُّ بين البصرةِ والكوفةِ

- ‌المصدرُ الأولكتب التفسير

- ‌ وجوهِ تأويلِ القرآنِ

- ‌الأولى: الاستشهادُ بأقوالِ السَّلفِ في التَّفسير اللُّغويِّ:

- ‌الثَّانية: قَبُولُ المحتملاتِ اللُّغويةِ الواردةِ عنِ السَّلفِ:

- ‌الثالثةُ: استعمالُ اللُّغةِ في التَّرجيحِ:

- ‌ كثرةُ استخدامِه لأسلوبِ السؤالِ والجوابِ

- ‌ كثرةُ ذكرِه للفروقِ اللُّغويَّةِ بين الألفاظِ

- ‌ الشَّواهد الشِّعريَّةِ:

- ‌ الأساليبُ العربيَّةُ:

- ‌أثر المعتقد في التَّفسير اللُّغويِّ عند الرُّمَّانيِّ:

- ‌أوَّلاً: مفردات ألفاظ القرآن:

- ‌ثالثاً: الترجيح باللغة:

- ‌المصدر الثانيكتب معاني القرآن

- ‌أوَّلاً المراد بمعاني القرآن

- ‌ثانياً لِمَاذَا كَتَبَ اللُّغَوِيُّونَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ

- ‌أولاً معاني القرآن، للفراء

- ‌أثرُ الاهتمامِ بعلومِ العربيَّةِ في تفسيراتِه:

- ‌صُوَر التَّفْسِير اللُّغويِ في كِتابِ مَعَاني القُرْآنِ:

- ‌أثرُ المعتقدِ في التفسير اللُّغويِّ عند الفرَّاءِ:

- ‌ثانياً مَعَانِي القُرْآنِ لِلاخْفَشِ

- ‌أثرُ المعتقدِ على التَّفسير اللُّغويِّ عند الأخفشِ:

- ‌ثالثاً مَعَانِي القُرْآنِ وَإعْرَابُهُ للزَّجَّاجِ

- ‌أثر المعتقد على التفسير اللُّغوي عند الزَّجَّاج:

- ‌المصدر الثالثكتب غريب القرآن

- ‌أوَّلُ كُتُبِ غَرِيبِ القُرْآنِ:

- ‌أولاً مَجَازُ القُرْآنِ لأبِي عُبَيْدَةَ

- ‌مفهومُ المجازِ عند أبي عبيدة:

- ‌أثر المعتقد على دلالة الألفاظ عند أبي عبيدة:

- ‌ثانياً تَفْسِيرُ غَريبِ القُرآنِ، لابن قُتَيْبَةَ

- ‌ بيان الأصلِ اللغويِّ للَّفظِ:

- ‌ كثرةُ الشَّواهدِ الشِّعريَّةِ:

- ‌أثر المعتقد على التَّفسير اللُّغويِّ عند ابن قتيبة:

- ‌ اهتمامِه بالوجوه والنَّظائر

- ‌المصدرُ الرابعكتب معاجم اللغة

- ‌تَحَرُّزُ ابنِ دريدٍ في التفسير:

- ‌ كثرةُ موادِّهِ اللُّغويَّةِ

- ‌ أنَّه أوسعُ مِمَّنْ تقدمه في عَرْضِ التَّفسيرِ

- ‌المصدرُ الخامسكتب أخرى لها علاقة بالتَّفسيرِ اللُّغويِّ

- ‌أولاً كتب غريب الحديث

- ‌ثانياً كتب الاحتجاج للقراءات

- ‌ثالثاً شروح دواوين الشعر

- ‌رابعاً كُتُبُ الأدَبِ

- ‌الباب الثالثآثار التفسير اللغوي وقواعده

- ‌الفصل الأولأثرُ التَّفسيرِ اللُّغويِّ في اختلافِ المفسرينَ

- ‌أوَّلاً الاختلافُ بسببِ الاشتراكِ اللُّغويِّ في اللَّفظِ

- ‌ثانياً الاختلافُ بسببِ التَّضادِّ في دلالةِ اللَّفظِ

- ‌ثالثاً الاختلافُ بسببِ مخالفةِ المعنى الأشهر في اللَّفظ

- ‌الفصل الثانيأثر التفسير اللغوي في انحراف المفسرين

- ‌الصنف الثاني: أهل البدع:

- ‌الفصل الثالثقواعد في التفسير اللغوي

- ‌أولاً كلُّ تفسيرٍ لغويٍّ واردٍ عن السَّلفِ يُحكمُ بعربيَّته وهو مقدَّمٌ على قولِ اللُّغويين

- ‌تطبيقُ طريقةِ التَّعاملِ مع أقوالِ السَّلف التَّفسيريَّة:

- ‌ أنواع الاختلافِ

- ‌القسمُ الأول: المحتملات اللغوية الواردة عن السلف:

- ‌القسم الثاني: المحتملات اللغوية الواردة عن غير السلف:

- ‌الضابط الثالث: أن تحتمل الآية المعاني في السياق:

- ‌الضابط الرابع: أن لا يُقصَرَ معنى الآية عليها:

- ‌ثالثاً لا يصحُّ اعتمادُ اللغةِ دونَ غيرهَا من المصادرِ التفسيريَةِ

- ‌ منْ أهمِّ مصادرِ التَّفسيرِ

- ‌ مخالفة المصطلحات الشرعيَّة:

- ‌ مخالفة أسباب النُّزول:

- ‌ مخالفة تفسير السَّلف:

- ‌رابعاً لا تعارض بين التفسير اللَّفظي والتفسير على المعنى

- ‌ التفسيرُ على القياسِ والإشَارةِ:

- ‌ التَّفسيرُ على اللَّفظِ:

- ‌ التَّفسيرُ على المعنى:

- ‌ هل يمكنُ معرفةُ التفسيرِ اللَّفظيِّ بواسطةِ التَّفسيرِ على المعنى

- ‌ كيف نُفرِّقُ بين التَّفسيرِ على اللَّفظِ والتَّفسيرِ على المعنى

- ‌ لا بدَّ من وجودِ ارتباط بين التَّفسيرِ على المعنى والتَّفسيرِ اللَّفظي

- ‌أمثلةُ التَّفسير على المعنى:

- ‌الأول: التفسيرُ باللاّزمِ:

- ‌الثاني: التفسيرُ بالمثالِ:

- ‌الثالث: ذكر النُّزول:

- ‌خاتمة البحث

- ‌فهرس القواعد العلمية

- ‌فهرس مسائل الكتاب العلمية

- ‌المراجع والمصادر

الفصل: ‌ مخالفة تفسير السلف:

البصرةِ، أنَّ مجازَ قوله:{وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} : ويُفْرِغ عليهم الصَّبَر، ويُنْزِلُه عليهم، فيثبتونَ لعدوِّهم. وذلكَ قَولٌ خِلَافٌ لِقَولِ جميعِ أهلِ التَّأويلِ منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وحَسْبُ قولٍ خطأً أنْ يكونَ خلافاً لقولِ منْ ذَكَرْنَا. وقدْ بيَّنَّا أقوالَهم فيه، وأنَّ معناه: ويُثَبِتَ أقدامَ المؤمنينَ بتلبيدِ المطرِ الرَّمْلَ حتَّى لا تَسُوخَ فيه أقدامُهم وحوافرُ دوابِّهم» (1).

3 -

‌ مخالفة تفسير السَّلف:

لقدْ كانَ الاعتمادُ على اللُّغةِ، وإهمالُ الواردِ عن السَّلفِ من التَّفسيرِ اللُّغويِّ أحدَ أسبابِ مخالفةِ تفسيرِ السَّلفِ، وقدْ يكونُ القولُ مما لا تحتملُه الآيةُ مع قولِ السَّلفِ (2)، ومن ذلك:

ما وردَ في تفسيرِ السَّلوى من قولِهِ تعالى: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البقرة:57]، فالسَّلوى: طَيرٌ، بإجماعٍ منْ مفسري السَّلفِ، وإن اختلفوا في صفته (3).

(1) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (13:427 - 428).

(2)

من الأمثلة في هذا: تفسير أبي عبيدة لقوله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف: 31]، مجاز القرآن (1:308 - 309)، وقد ردَّ عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (16:71).

وتفسيره لقوله تعالى: {وَفِيهِ يُعْصِرُونَ} [يوسف: 49]، مجاز القرآن (1:313 - 314)، وينظر تفسير الطبري، ط: الحلبي (16:131 - 132)، فقد ردَّ عليه.

وتفسيره لقوله: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَسْحُورًا} [الإسراء: 47]، مجاز القرآن (1:381 - 382)، وقد ردَّ ابن قتيبة عليه في كتابه غريب القرآن (ص:255 - 257).

وتفسير قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] على ما حكاه قطرب في الأضداد (ص:177)، وينظر الردَّ على هذا المعنى المحكي في أضداد ابن الأنباري (ص:323)، وقد سبق نقاش بعض هذه الأمثلة في هذا البحث.

(3)

ينظر: المحرر الوجيز (1:305). وقد وردت الرواية عن: ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة، من رواية السدي، وعن الشعبي، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، ووهب، والسدي، وابن زيد. تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (2:96 - 97)، =

ص: 640

ونُقِلَ عنْ مُؤَرِّجٍ (ت:195)، أحدِ علماءِ اللُّغةِ: أنَّه العَسَلُ، واستدلَّ له بقولِ الهُذَلِيِّ (1):

وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْداً لأنْتُمُ

ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذا مَا نَشُورُهَا

وذكرَ أنَّه كذلكَ بِلُغَةِ كِنَانَةَ (2)، وسُمِّيَ العسلُ بالسَّلوى؛ لأنه يُسْلَى به (3).

وكَونُ السلوى في لغةِ العربِ: العَسَلُ، لا يلزمُ منه صحَّةُ حملِه على معنى السَّلْوَى في الآية، قالَ ابنُ الأعرابيِّ (ت:231): «والسَّلوى: طائرٌ، وهو ـ في غيرِ القرآنِ ـ العَسَلُ» (4).

وهذا هو الحقُّ. ولو أردتَ أن تحملَ الآيةَ على المعنيينِ، فإنَّ الآيةَ لا تحتملُهما معاً، ولذا يتعيَّنُ حملُها على أحدِهما، ولا شكَّ أنَّ الأولى حملُها على الواردِ عنِ السَّلفِ.

ومنْ هذا المثالِ يتَّضِحُ أنَّ بعضَ المحتملاتِ اللُّغويَّةِ لا يمكنُ أنْ يحتملَها المعنى في الآيةِ، كما سبقَ بيانُه في القاعدةِ السابقةِ، واللهُ أعلمُ.

وبعدَ هذه الأمثلةِ أرجعُ إلى مناقشةِ بعضِ من زعم الاكتفاءَ بلغةِ العربِ في فهم التَّفسيرِ، فأقول: قال أبو حيَّان (ت:745): «ومن أحاط بمعرفةِ مدلول الكلمةِ وأحكامِها قبلَ التَّركيبِ، وعَلِمَ كيفيَّةَ تركيبِها في تلكَ اللُّغةِ، وارتقى إلى تمييزِ حُسنِ تركيبها وقُبحِه، فلن يحتاجَ في فَهمِ ما تركَّبَ من تلكَ الألفاظِ

= وزاد ابن أبي حاتم ذِكْرَ الروايةِ عن الضحاك، والحسن، وعكرمة. ينظر تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أحمد الزهراني (ص:178 - 179).

(1)

البيتُ لخالد بن زهير الهُذلي في قصيدة له في ديوان الهذليين (1:158).

(2)

ذكره الثعلبي بسنده في تفسيرِه الكشف والبيان، مخطوط، نسخة المكتبة المحمودية، بمكتبة المدينة المنورة العامة (لوحة:69).

(3)

ينظر: تفسير القرطبي (1:407).

(4)

تهذيب اللغة (13:68).

ص: 641

إلى مُفهِّمٍ ولا معلِّمٍ، وإنَّما تفاوتَ النَّاسُ في إدراكِ هذا الذي ذكرناه، فلذلكَ اختلفتْ أفهامُهم، وتباينتْ أقوالُهم.

وقد جرينَا الكلامَ يوماً مع بعضِ من عاصَرَنا، فكانَ يزعمُ أنَّ علمَ التَّفسيرِ مضطرٌّ إلى النَّقلِ في فهم معاني تراكيبِه بالإسناد إلى مجاهد وطاووس وعكرمة وأضرابِهم، وأنَّ فَهْمَ الآياتِ متوقِّفٌ على ذلكَ.

والعجبُ له أنَّه يرى أقوالَ هؤلاءِ كثيرةُ الاختلافِ، متباينةُ الأوصافِ، متعارضةٌ، ينقضُ بعضُها بعضاً

وكان هذا المعاصرُ يزعمُ أن كل آيةٍ نقل فيها التَّفسير خلف عن سلف بالسند إلى أن وصل إلى الصحابة، ومن كلامه أنَّ الصحابةَ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسيرها هذا (1)

» (2).

(1) هذا المذهبُ الذي يحكيه قريبٌ من رأي معاصره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد طرحه في المقدمة المسماة مقدمة في أصول التفسير، وبغية المرتاد (ص:330 - 332)، وغيرها.

(2)

البحر المحيط، بعناية الشيخ عرفات العشا حسونة (1:13).

أمَّا اضطرارُ فهم القرآنِ بالرجوعِ إلى تفسيرِ هؤلاء السلفِ، وجعله حجة يُحتكمُ إليه، فهذا هو الصحيحُ، وإلَاّ لأطلقَ كل عالمٍ باللغةِ، أو متعالمٍ عنانه في تأويل القرآنِ دونَ قيدٍ أو ضابطٍ، سوى فهم العربيَّةِ، وهذا غيرُ صحيحٍ البتَّةَ.

أمَّا قولُه بأنَّ أقوالَهم متعارضةُ، فلو كان غيرُ أبي حيَّانَ قالها!

إنَّه بعلمِه بالعربيَّة يُمكنُ أنْ يؤلِّف بين أقوالِهم ويجمع بينها، ويظهر له اتِّفاقها، لا تباينها وافتراقَها، ومن عِلم أسباب الاختلافِ وتنوُّعه، وتمرَّسَ فيهما، هان عليه ما يرى من اختلافِ السلف، وسَهُلَ عليه معرفةُ التَّفسيرِ.

ثُمَّ يُقالُ له: هل هؤلاءِ المختلفونَ يعلمونَ العربيَّةَ ويفسِّرونَ بها؟

فإن كانوا لا يعلمونها ـ وهذا غير صحيحٍ ـ فقد فسَّروا القرآنَ بآرائهم من دونِ علمٍ.

وإن كانوا يعلمونها، وهذا هو الحقُّ، فإنَّ المفسِّرَ محتاجٌ إلى معرفة أقوالهم، وقد أشار إلى معرفتهم باللسانِ (1:25 - 26) بقوله: «ومن المتكلمين في التفسير من التابعين: الحسن بن أبي الحسن، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعلقمة، والضحاك بن مزاحم، والسُّدِّيُّ، وأبو صالح

وكانت تآليفُ المتقدمين أكثرها، إنما هو شرح لغة، ونقل سبب، ونسخ، وقصص؛ لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب وبلسان العرب. فلما فسد اللسان، وكثرت العجم، ودخل في دين الإسلام أنواع =

ص: 642

ويظهر أنَّ تخصُّصَ أبي حيَّانَ (ت:745) العلميَّ قد أثَّرَ عليه في هذه النَّظريَّةِ التي تبنَّاها، وهي، وإن كانَ فيها جانبٌ من الصِّحَّةِ (1)، أنَّها ليستْ على هذا الإطلاقِ الَّذي ذكرَه، بل الصوابُ أنَّ اللُّغةَ مصدرٌ من مصادرِ التَّفسيرِ، وهي وإن كانت من أكبرِ مصادرِه إلَاّ أنَّها لا يُمكن أن تستقِلَّ بفَهمِ القرآنِ، قال القرطبيٌّ (ت:671) (2) مشيراً إلى ذلك: «

فمن لم يُحكِمْ ظاهرَ التَّفسيرِ، وبادرَ إلى استنباط المعاني بمجردِ فهمِ العربيَّةِ، كَثُرَ غلطُه، ودخلَ في زمرة من فسَّرَ القرآنَ بالرَّأي.

والنَّقلُ والسَّماعُ لا بدَّ له منه في ظاهرِ التَّفسيرِ أوَّلاً؛ لِيَتَّقِيَ به مواضعَ الغلطِ، ثُمَّ بعدَ ذلك يتسعُ الفهمُ والاستنباطُ.

والغرائبُ التي لا تفهمُ إلا بالسَّماعِ كثيرةٌ، ولا مطمعَ في الوصولِ إلى الباطنِ قبلَ إحكامِ الظَّاهرِ؛ ألَا تَرَى أنَّ قولَه تعالى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 50] معناه: آيةً مبصرةً، فظلموا أنفسَهم بقتلِها؛ فالنَّاظرُ إلى ظاهرِ

= الأمم المختلفو الألسنة، والناقصو الإدراك، احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله تعالى، من غرائب التركيب، وانتزاع المعاني، وإبراز النكات البيانية، حتى يُدركَ ذلك من لم تكن في طبعه، ويكتسبها من لم تكن نشأته عليها، ولا عنصره يحرِّكه إليها، بخلاف الصحابة والتابعين من العرب، فإنَّ ذلك كان مركوزاً في طباعهم، يدركون تلك المعاني كلَّها، من غير موقِّفٍ ولا معلِّمٍ؛ لأنَّ ذلك هو لسانهم وخطتهم وبيانهم

».

فَمن كان هذا وَصْفَهُم عنده، ألا يحتاجُ إلى أقوالِهم من أرادَ معرفةَ التَّفسيرِ؟!

بلى، هو محتاجٌ إليهم أشدَّ الاحتياجِ، وإن كان مُتقِناً علمَ العربيَّةِ كأبي حيان.

(1)

إن مناقشة ما ذكره أبو حيان عن معاصره وما نقده فيه يحتاج إلى مكان أوسع من هذا، وإنما ذكرتُ ما يتعلق بالبحثِ، والله الموفقُ.

(2)

محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري، أبو عبد الله القرطبي، الفقيه المفسر، الزاهد، له في التفسير: الجامع لأحكام القرآن، وهو من أجلِّ كتب التفسير، توفي القرطبي سنة (671) بمصر. ينظر: الديباج المذهب (ص:317 - 318)، ومعجم المفسرين (2:479).

ص: 643

العربيَّةِ يظنُّ أنَّ المرادَ به: أنَّ النَّاقَةَ كانت مبصرةً، ولا يدري بماذا ظلموا، وأنَّهم ظلموا غيرَهم وأنفسِهم، فهذا من الحذفِ والإضمارِ» (1).

ولهذا عدَّ شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة (ت:728) الاعتمادَ على اللُّغةِ وحدها أحد أسباب الخطأ (2)، وهذه ظاهرٌ في الأمثلةِ السَّابقةِ، واللهُ أعلمُ.

دعوةٌ معاصرة:

يقربُ من الزَّعمِ باكتفاءِ علمِ العربيَّةِ عن غيرِه في فهمِ القرآنِ، وما نادى به أمين الخولي فيما سمَّاه: التَّفسيرَ الأدبيَّ للقرآنِ، الذي أهملَ فيه مصادرَ التَّفسيرِ، ورأى دراسةَ القرآنِ على أنَّه نصٌّ عربيٌ، يحقُّ لأيِّ عربيٍّ كائناً من كانَ في معتقدِه، يحقُّ له أنْ يدرسَه درساً أدبيًّا، ومما قالَه بهذا الصَّدَدِ تحت عنوانِ (القرآنُ كتابُ العربيَّةِ الأكبرُ) ما يأتي:

قال: «

فالعربيُّ القُحُّ، أو من ربطته بالعربيَّةِ تلك الروابطُ، يقرأ هذا الكتابَ الجليلَ، ويدرسُه أدبياً، كما تدرسُ الأممُ المختلفةُ عيونَ آدابِ اللُّغاتِ المختلفةِ، وتلكَ الدِّراساتُ الأدبيَّةُ لأثرٍ عظيمٍ كهذا القرآنِ هي ما يجبُ أن يقومَ به الدارسونَ أوَّلاً وفاءً بحقِّ هذا الكتابِ، ولو لم يقصدوا الاهتداءَ به، أو الانتفاعَ بما حوى وشمل، بل هي ما يجبُ أن يقومَ به الدارسونَ أوَّلاً، ولو لم تنطو صدورهم على عقيدةِ ما فيه، أو انطوتْ على نقيضِ ما يردِّدُه المسلمونَ الذين يعدُّونَه كتابَهم المقدَّسَ، فالقرآنُ كتابُ الفنِّ العربيِّ الأقدسِ، سواءٌ أنظرَ إليه الناظِرُ على أنَّه كذلك في الدِّينِ أم لا.

وهذا الدرسُ الأدبيُّ للقرآنِ في ذلك المستوى الفنِّي، دون النظر إلى أيِّ اعتبارٍ دينيٍّ، هو ما نعتدُّه وتعتدُّه معنا الأممُ العربيَّةُ أصلاً، العربيَّةُ اختلاطاً؛ مقصداً أوَّلَ، وغرضاً أبعد، يجبُ أن يسبقِ كلَّ غرضٍ، ويتقدَّمُ كلَّ مقصدٍ.

(1) تفسير القرطبي، ط: دار الكتب المصرية (1:34).

(2)

ينظر: مقدمة في أصول التَّفسير، تحقيق: عدنان زرزور (ص:79 - 81).

ص: 644

ثمَّ لكلِّ ذي غرضٍ أو صاحبِ مقصدٍ ـ بعد الوفاء بهذا الدرسِ الأدبيِّ ـ أن يعمدَ إلى ذلكَ الكتابِ، فيأخذَ منه ما يشاءُ، ويقتبسَ منه ما يريدُ، ويرجع إليه فيما أحبَّ من تشريعٍ، أو اعتقادٍ أو أخلاقٍ، أو إصلاحٍ اجتماعيٍّ، أو غير ذلك.

وليسَ شيءٌ من هذه الأغراضِ يتحقَّقُ على وجهه إلا حينَ يعتمدُ على تلك الدراسةِ الأدبيَّةِ لكتابِ العربيَّةِ الأوحدِ، دراسةً صحيحةً مفهمةً له (1)، وهذه الدراسةُ هي ما نُسمِّيه اليوم تفسيراً؛ لأنَّه لا يمكنُ بيانُ غرضِ القرآنِ ولا فهم معناه إلَاّ بها

» (2).

وقد طرح نظريَّتَه في التَّطبيقِ لهذا المنهجِ، وتتلخَّصُ فيما يأتي:

1 -

دراسة المفردات دراسةً لغويَّةً.

2 -

دراسة استعمال القرآن للمفردة، بتتبع مواردها فيه، واستنباطِ معناها منه.

3 -

دراسة المركَّبات ـ أي: الجمل ـ ويستعينُ في ذلك بالعلوم الأدبيَّةِ من نحو وبلاغة

4 -

مراعاة التفسير النفسي؛ لأنَّ الفنونَ ـ ومن بينها الأدبُ ـ ليست إلَاّ ترجمة لما تجده النفس (3).

وإذا ما تأمَّلتَ في هذه النَّظريَّةِ الجديدةِ التي يظهرُ على مُحيَّاها صعوبةُ التَّطبيقِ، وجدتَها تخلو من الاعتمادِ على مصادرِ التَّفسيرِ الأصيلةِ، سوى اللُّغةِ التي لم تسلمْ كُتُبها من نقدِه أيضاً (4).

(1) هل يعني هذا أنَّ ما استفاده المسلمونَ منه منذ فجر النبوةِ إلى عصره من أخلاق وعقائد وغيرها، غير كاملٍ، فهم لم يدرسوه على هذه النظرية الخولية!

(2)

التفسير: نشأته ـ تدرجه ـ تطوره، لأمين الخولي (ص:77 - 79).

(3)

ينظر: التفسير: نشأته ـ تدرجه ـ تطوره، لأمين الخولي (ص:84 - 100).

(4)

ينظر: التفسير: نشأته ـ تدرجه ـ تطوره، لأمين الخولي (ص:93 - 94).

ص: 645

ولقد حاولتْ تلميذتُه في هذا المنهجِ الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المعروفة ببنت الشاطئ، حاولت أن تُطبِّقَ هذا المنهج، فظهرَ جليًّا ازدراءُ هذا المنهجِ للمصادرِ الأخرى في التَّفسيرِ، وإليكَ هذا المثالُ الذي يوضِّحُ ذلك:

وفي تفسير سورة الضُّحى، تقول بنتُ الشَّاطئ ـ بعد أن ساقت الرِّواياتِ في سبب النُّزولِ ـ «ولا نقفُ عند ما اختلفوا فيه، فأسبابُ النُّزولِ لا تعدو أن تكونَ قرائنُ مما حولَ النَّصِّ، وهي باعترافِ الأقدَمينَ أنفسهم لا تخلو من وهمٍ، والاختلافُ فيها قديمٌ، وخلاصةُ ما انتهى إليه قولهم في أسباب النُّزولِ: أنها ما نزلت إلَاّ أيَّامَ وقوعهِ، وليسَ السَّببُ فيها بمعنى السببيَّةِ الحُكميَّةِ العلِّيَّةِ» (1).

فانظرْ عدمَ اعتدادِها بما يحفُّ النَّصَّ من ملابساتٍ، وعدمَ تحريرها في أسبابِ النُّزولِ، وعدمَ فهمِها لها، ويظهر ذلك بهذه النتيجةِ التي وصلتْ إليها في الحكم على ما توصَّل إليه الأقدمونَ بزعمِها.

وإذا قرأتَ في ما كتبته في التَّفسيرِ الأدبيِّ، ظهرَ لك جليًّاً أنَّ هذه الدِّراسةَ لا تعتدُّ إلَاّ بما تتوصَّلُ إليه هي، معتمدةً على اللُّغةِ في تحليلِ ألفاظِ الآيِ، غير آبِهةٍ بمصادر التَّفسيرِ الأخرى، فلا تجد عندها إلَاّ الإزراء بتفاسيرِ السَّلفِ ونقدها، ومن ذلك أنها ذكرت ما ورد في تفسيرِ قوله تعالى:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 2]، ثُمَّ قالتْ:«واستعمالُ الزِّيارةِ بهذا المعنى صريح الإيحاءِ بأنَّ الإقامةَ في القبر ليست دائمةً، وإنما نحن فيها زائرون، والزائرُ غيرُ مقيمٍ، وسوف تنتهي الزِّيارةُ حتماً إلى بعثٍ وحسابٍ وجزاءٍ، وهذا الإيحاءُ ينفردُ به لفظُ «زرتُم» دونَ غيرِه، فلا يُمكنُ أن يؤدِّيه لفظٌ آخرُ؛ كأن يقال: صرتم، أو رجعتم، أو انتهيتم، أو أُبتم، أو أُلتم.

وليس القبرُ المصيرَ والمرجعَ والمآبَ والمآل، كما لا يقال: سكنتم

(1) التفسير البياني للقرآن الكريم (1:23).

ص: 646

المقابر، أو أقمتم بها إلى غير ذلك من ألفاظ تشتركُ كلُّها في الدلالةِ على ضجعةِ القبرِ، ولكن يعوزها سرُّ التَّعبيرِ الدَّالِّ على أنها زيارةٌ؛ أي: إقامةٌ عابرةٌ مؤقَّتةٌ، يعقبها بعث ونشورٌ.

وليسَ بعجيبٍ أن يفوتَ هذا السِّرُ البيانيُّ مفسِّرينَ كان جهدُهم أن يجمعوا كل ما يُمكنُ أن تحتملَه الدلالاتُ المعجميَّةُ لزيارةِ المقابرِ، وشتَّى المرويَّاتِ في تأويلها.

حتَّى الذين فسَّروا الزيارة بالموت هنا، لم يلتفتوا إلى سرِّه البيانيِّ، وهو ما لم يَفُتْ أعرابياً سمع الآيةَ، فقال: بُعِثَ القومُ للقيامةِ وربِّ الكعبةِ، فإنَّ الزائرَ منصرفٌ لا مقيمٌ، ورُوِيَ كذلك عن عمر بن عبد العزيز نحوٌ من قول الأعرابيِّ

» (1).

إنَّ المطالبةَ بدراسةِ القرآنِ على أنَّه نصٌّ عربيٌّ، وتفريغَه من المحتوى الشرعيِّ الذي يُحيطُ به = دعوةٌ باطلةٌ زائفةٌ مغرضةٌ، ليس قصدُ أصحابِها إلَاّ الهدمَ والنَّخرَ في جسمِ هذه الأمَّةِ، ومحاولةَ النيلِ من تراثِها الفكريِّ الذي يُمثِّلُ لها ثباتاً في القيمِ والأخلاقِ والعقائدِ (2)، وهذه الدَّعوى تحتاجُ إلى بسطٍ أكبرَ من هذا المبحثِ، وإنما ذكرتُها للتَّنبيهِ عليها.

قاعدةُ ناشئةٌ على القاعدةِ السابقةِ:

وينشأ عن هذه القاعدة قاعدةٌ أخرى، وهي: ليس كلُّ ما وردَ في اللُّغةِ يلزمُ أن يكونَ وارداً في القرآنِ.

ويمكن القول: كلُّ ما في القرآنِ، فهو عربيٌّ، وليسَ كلُّ استعمالٍ عربيٍّ

(1) التفسير البياني للقرآن الكريم (1:200).

(2)

ينظر ـ مثلاً لذلك ـ ما كتبه الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد ذكر نظريَّة أمين الخولي وأشاد بها واعتمدها، ينظر (ص:22).

ص: 647

في القرآنِ، وأغلبُ ما يقعُ ذلك في الأساليبِ الكلاميَّةِ العربيَّةِ، ومن أمثلةِ ما نصَّ عليه علماءُ العربيَّةِ في ذلك:

* قال ابن قتيبةَ (ت:286): «ومن المقلوبِ ما قُلبَ على الغلطِ؛ كقولِ خِداش بن زُهيرٍ (1):

وتُرْكَبُ خَيلٌ لا هَوَادَةَ بَينَهَا

وَتَعصِي الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ

أي: تعصي الضيَّاطِرةُ بالرِّماحِ، وهذا ما لا يقعُ فيه التَّأويلُ؛ لأنَّ الرِّماحَ لا تعصي الضَّياطرةَ، وإنما يعصي الرِّجالُ بها؛ أي: يطعنون

وكانَ بعضُ أصحابِ اللُّغةِ يذهبُ في قولِ اللهِ تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: 171] إلى مثلِ هذا في القلبِ، ويقولُ: وقعَ التَّشبيهُ بالرَّاعي في ظاهرِ الكلامِ، والمعنى للمنعوقِ به، وهو الغنم.

وكذلكَ قولِ اللهِ تبارك وتعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]؛ أي تنهضُ بها وهي مُثقَلةٌ.

وقالَ آخرُ في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]؛ أي: وإنَّ حبَّه للخيرِ لشديدٌ.

وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]؛ أي: اجعل المتَّقينَ إماماً لنا في الخيرِ.

(1) خداش بن زهير بن ربيعة، من هوازن، شاعر مشهور من شعراء قيس المجيدين، شَهِدَ حرب الفجارِ، وسجَّل كثيراً من أحداثها في شعره، ينظر: معجم الشعراء الجاهليين (ص:121)، ومعجم الشعراء (ص:81 - 82).

والبيت في مجاز القرآن (2:110)، والكامل في الأدب، تحقيق: الدالي (2:580)، وجمهرة أشعار العرب (2:519)، وغيرها من المصادر.

والهوادة: الموادعة. والضياطرة: جمع ضيطر، وهو الضخم اللَّئيم.

ص: 648

وهذا ما لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَحكُمَ به على كتابِ اللهِ عز وجل لو لم يجد له مذهباً؛ لأنَّ الشَّعراءَ تقلبُ اللَّفظَ، وتُزيلُ الكلامَ على الغلطِ، أو على طريقِ الضَّرورةِ للقافيةِ، أو لاستقامةِ وزنِ البيتِ، فمن ذلك قولُ لبيد (1):

نَحْنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأرْبَعة

......

قال ابن الكلبي (2): هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة

» (3).

* وفي قوله تعالى: {إِنْ نَشَا نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] قال الزَّجَّاج (ت:311): «وذكر بعضهم وجهاً آخرَ، قالوا: فظلَّتْ أعناقُهم لها خاضعينَ هم، وأضمر «هم» ، وأنشدَ (4):

تَرَى أرْبَاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهَا

إذَا صَدِئَ الحَدِيدُ عَلَى الحُمَاةِ

وهذا لا يجوزُ في القرآنِ، وهو على بدلِ الغلطِ يجوزُ في الشِّعرِ؛ كأنَّه قالَ: يرى أرباقَهم يرى متقلديها؛ كأنَّه قال: يرى قوماً متقلِّدينَ أرباقَهم، فلو كان على حذفِ «هم» ، لكانَ مما يجوزُ في الشِّعرِ أيضاً» (5).

والواجبُ في حملِ القرآنِ على أساليب العرب = أخذُ الحيطةِ، وعدمُ العجلةِ في ذلكَ؛ لأنَّه قد يَحْمِلُ البلاغيُّ ما جاءَ في القرآنِ على الأساليبِ

(1) البيت في ديوانه بشرح الطوسي، تحقيق: حنا نصر (ص:109). وقد سبق ذكر هذا البيت عند الحديث عن معاني القرآن للفراء في مصادر التفسير اللغوي.

(2)

هشام بن محمد بن السائب، أبو المنذر الكلبي، النَّسَّابة، أخذ عن أبيه المفسِّرِ، وعن غيرِه، وحدَّث عنه محمد بن سعد صاحب الطبقات وغيره، كان صاحب نسبٍ وسَمَرٍ، ليس بثقةٍ في الحديثِ، له كتابُ في أنساب العربِ، مات سنة (204). ينظر: تاريخ بغداد (14:45 - 46)، ولسان الميزان (4:304 - 305).

(3)

تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر (ص:198 - 205) بتصرف، وقد أجاب عن كلِّ آيةٍ ذكرها، بما لا يصلح معه ادعاءُ القلبِ.

(4)

البيت للفرزدق، وقد مضى تخريجه، ينظر (ص:343)، وفيه «الكماة» بدل «الحماة» .

(5)

معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (4:83).

ص: 649

العربيَّةِ في الخطابِ، والأمرُ ليسَ كما ذهبَ إليه (1)، بل قد يتعدَّى الأمرُ إلى الاستشهادِ به في المحسِّناتِ اللَّفظيَّةِ المذكورةِ في علمِ البديعِ، وهذا فيه مزلَّةٌ وقولٌ بالرَّأي على كتابِ اللهِ.

وقد انتقدَ الشَّاطبيُّ (ت:790) هذا المسلكَ، فقال: «

وإنما المنكرُ الخروجُ في ذلك إلى حدِّ الإفراطِ الذي يُشكُّ في كونِه مرادَ المتكلِّمِ، أو يُظَنُّ أنَّه غيرُ مرادٍ، أو يُقطعُ به فيه؛ لأنَّ العربَ لم يُفهمْ منها قصدُ مثلِه في كلامِها، ولم يشتغل بالتَّفقُّه فيها سلفُ هذه الأمَّةِ، فما يُؤمننا من سؤالِ اللهِ تعالى لنا يومَ القيامةِ: من أينَ فهمتمْ عنِّي أنِّي قصدتُ التَّجنيسَ الفلانيَّ بما أنزلتُ من قولي: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، أو قولي:{إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168]، فإنَّ في دعوى مثل هذا على القرآنِ، وأنَّه مقصودٌ للمتكلِّمِ به خطراً، بل هو راجعٌ إلى معنى قوله تعالى:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وإلى أنَّه قولٌ في كتابِ اللهِ بالرَّأي.

وذلكَ بخلافِ الكنايةِ في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43، المائدة: 6]، وقوله:{كَانَا يَاكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75]، وما أشبَه ذلك، فإنَّه شائعٌ في كلامِ العربِ، مفهومٌ في مساقِ الكلامِ، معلومٌ اعتبارُه عندَ أهلِ اللَّسانِ ضرورةً. والتَّجنيسُ ونحوهُ ليسَ كذلكَ، وفرقُ ما بينهما خدمةُ المعنى المرادِ وعدَمُه، إذ ليسَ في التَّجنيسِ ذلك.

والشَّاهدُ على ذلكَ ندورهُ عن العربِ الأجلاف البوَّالينَ على أعقابِهم ـ كما يقولُ أبو عبيدةَ ـ (2)، ومن كان نحوَهم، وشهرةُ الكنايةِ وغيرِها، ولا تكادُ

(1) ينظر مثالاً تطبيقيًّا في ردِّ وجود التوريةِ في القرآنِ في كتاب «التورية وخلو القرآن الكريم منها» ، للدكتور: محمد جابر فياض.

(2)

يقصد عبارة: «الأعراب البوَّالين على أعقابهم» ، فقد قالها أبو عبيدة للجرمي، ينظر: طبقات النحويين واللغويين (ص:176).

ص: 650

تجدُ ما هو نحو التَّجنيسِ إلَاّ في كلامِ المولَّدينَ ومن لا يُحتجُّ به» (1).

والمقصود من ذلك أنَّه لا يلزمُ من كونِ هذا الأسلوب وارداً عند العربِ في مخاطباتِها وكلامِها، أنْ يُحملَ عليه شيءٌ من آيات القرآنِ، بل لو صحَّ حملُ آيةٍ على أسلوبٍ، فإنَّه لا يلزمُ منه صحَّةُ حملِ هذا الأسلوبِ في آيةٍ قرآنيَّةٍ أخرى، كأسلوبِ المشاكلةِ (2) في قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، فسمَّى الثَّانية سيئةً لأجل مشاكلةِ الأولى باللَّفظِ لا المعنى.

وصِحَّةُ هذا الأسلوبِ هنا، لا تكونُ دليلاً على صحَّتِه في مثلِ قوله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أو غيرِها من صفاتِ الله التي لم ترد ابتداءً، بل هي مقابل عملٍ من أعمال الكفار، كالمكر والخداعِ، فإنها تُحملُ على الحقيقةِ، ولا يصحُّ تأويلُها، والله أعلمُ.

(1) الموافقات، تحقيق محيي الدين عبد الحميد (3:277 - 278).

(2)

ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير. ينظر: التبيان في علم المعاني والبديع والبيان، للطيبي (ص:347)، ومعجم البلاغة العربية، لبدوي طبانة (ص:312).

ص: 651