الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
همْ في عِزٍّ ثابتِ الأوتادِ، وملكٍ ثابتِ الأوتادِ. يريدونَ أنه دائمٌ شديدٌ
…
» (1).
أثر المعتقد على التَّفسير اللُّغويِّ عند ابن قتيبة:
لا يخفى على من يقرأ تراثَ ابنِ قتيبة (ت:276) إتباعُه للسُّنَّةِ، والتزامُه بما ورد عن السَّلفِ في المعتقدِ، فقد كتبَ في ذلك كتابَه (اختلاف اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة)، وكتاب (تأويل مشكل القرآن)، وكتاب (تأويل مشكل الحديث).
ولقد كان يواجه موجةَ التَّأويل الفاسدِ التي كانت تقومُ بها زمرةٌ من المعتزلةِ والملاحدةِ فردَّ عليهم، وبين الصَّواب من المعتقد في ذلك، سواءٌ أكانَ ذلك في الأسماءِ والصِّفاتِ (2)، أم كان في الغيبيَّاتِ؛ كالكرسيِّ والعرشِ، أم كانَ في عصمةِ الأنبياءِ، وغيرها من مسائلِ الاعتقادِ (3).
(1) تفسير غريب القرآن (ص:377).
(2)
ينظر شرحه لبعض أسماءِ الله وصفاته في تفسيرِ غريب القرآنِ (ص:6 - 20)، تحت عنوان (اشتقاق أسماء الله وصفاته وإظهار معانيها).
(3)
ينظر أمثلة في اعتماده دلالة الألفاظ إثبات العقيدة الصحيحة أو الرد على المخالفين:
1 -
رده على تأويل: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 27]: ينسبهم إلى الضلال. الاختلاف في اللفظ، تحقيق: عمر بن محمود (ص:24).
2 -
رده على تأويل: {إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]: إلَاّ بعلم الله، الاختلاف في اللفظ (ص:25).
3 -
الرد على تأويل: {وَلَقَدْ ذَرَانَا} [الأعراف: 179]: دفعنا وألقينا. الاختلاف في اللفظ (ص:27)، وتأويل مختلف الحديث، تحقيق: عبد القادر عطا (ص:82).
4 -
الرد على تأويل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً} [الزخرف: 3]: خلقناه. الاختلاف في اللفظ (ص:38).
5 -
الرد على تأويل صفة اليد بالنعمة. الاختلاف في اللفظ (ص:40)، وتأويل مختلف الحديث (ص:83)، وقد جوَّز في قوله تعالى:{خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] بأن تكون اليد القدرة (غريب القرآن، ص:368)، وهو مخالف للتفسير الصحيح، ولكنه لا يخرج بهذا عن مذهب السُّنَة؛ لأنه يثبت صفة اليد، لكنه في هذا =
وسأذكر بعضَ الأمثلة المتعلقة بدلالة الألفاظ.
1 -
تفسيرُ الصُّورِ، قال: «{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [النمل: 87]، قال أبو عبيدة (1): هو جمع صورة، يقال: صُورَة وصُوَر وصُوْر. قال: ومثله: سُورَةُ البناءِ وسُورُه. وأنشدَ (2):
.......
…
سُرْتُ إلَيهِ في أعَالِي السُّورِ
وقال غيره: الصُّورُ: القرنُ بلغةِ قومٍ من أهل اليمنِ (3)، وأنشدَ (4):
= المثال وقع له الوهم بجواز أن يراد بها القوة على سبيل المجاز.
6 -
الرد على تأويل: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] أنه الأمر. الاختلاف في اللفظ (ص:43).
7 -
الردُّ على تأويل النظر إلى وجه الله، بأنه الانتظار. الاختلاف في اللفظ (ص:44)، وتأويل مختلف الحديث (ص:185 - 189).
8 -
الرد على تأويل: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 119] بأنه: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك. الاختلاف في اللفظ (ص:46).
9 -
الرد على تأويل العرش. الاختلاف في اللفظ (ص:47).
10 -
الرد على تأويل الكرسي. اختلاف اللفظ (ص:48)، وتأويل مختلف الحديث (ص:81).
11 -
الرد على من نفى الاستواء. اختلاف اللفظ (ص:50).
12 -
الرد على تأويل: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] بأنه فقيراً. الاختلاف في اللفظ (ص:49)، وتأويل مختلف الحديث (ص:83).
13 -
مفهوم عصمة الأنبياء، والرد على المخالفين في تأويلاتهم في قوله تعالى:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] تأويل مشكل القرآن (ص:402 - 404)، تأويل مختلف الحديث (ص:81 - 82)، وفيه غير هذه الأمثلة مما هو في الدفاع عن عقيدة السلف وأهل الحديث.
(1)
ينظر تفسيره للصور في مجاز القرآن: (1:196، 416)، (2:162 - 163).
(2)
البيت للعجاج في ديوانه، رواية الأصمعي، تحقيق: عزة حسن (ص:230).
(3)
نقل ابن دريد هذا القول، ولم ينسبه، ينظر: جمهرة اللغة (2:745).
(4)
الرجز بلا نسبة في ديوان الأدب، للفارابي (3:315)، والصحاح، مادة (صور).
نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الجَمْعَينِ
بالضَّابِحَاتِ في غُبارِ النَّقْعَينِ
نَطْحاً شَديداً لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ
وهذا أعجبُ إليَّ من القولِ الأولِ؛ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله: كيف أنعم؟! وصاحب القرن قد التقمه، وحنى جبهته، ينتظرُ متى يُؤمرُ، فينفُخ» (1).
في هذا المثالِ حملَ معنى الصُّورِ على الواردِ في الأحاديثِ، وترك المعنى اللُّغويَّ الذي رواه عن أبي عبيدة (ت:210).
2 -
وقال: «ومن صفاتِه المؤمنُ. وأصلُ الإيمانِ: التصديقُ، قال:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17]، أي: وما أنت بمصدِّق ولو كنا صادقين. ويقال في الكلام: ما أومِنُ بشيءٍ مما تقولُ؛ أي: ما أصدِّقُ بذلكَ.
فإيمان العبدِ باللهِ: تصديقه قولاً وعملاً وعقداً، وقد سمَّى اللهُ الصلاةَ في كتابهِ إيماناً، فقال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ أي: صلاتَكم إلى بيتِ المقدسِ.
فالعبدُ مؤمنٌ؛ أي: مصدقٌ محقِّقٌ. واللهُ مؤمنٌ؛ أي: مصدِّقٌ ما وعده ومحقِّقُهُ، أو قابلٌ إيمانَه.
وقدْ يكونُ المؤمنُ من الأمانِ؛ أي: لا يأمنُ إلَاّ من أمَّنه اللهُ. وقد
(1) تفسير غريب القرآن (ص:25 - 26)، الحديث أخرجه الترمذي في سننه (5:372)، وسعيد بن منصور في سننه (3:118)، وأحمد في مسنده (1:326)، والحميدي في مسنده (2:332)، والطبري في تفسيره، ط: الحلبي (29:150 - 151)، والطبراني في معجمه الكبير (12:128)، وغيرهم، وقال ابن كثير معلقاً على رواية الإمام أحمد:«وقد رويَ هذا من غير وجهٍ، وهو حديث جيِّدٌ» . تفسير ابن كثير، تحقيق: السلامة (2:171).
ذكرتُ الإيمانَ ووجوهه في كتابِ تأويل مشكل القرآن (1).
وهذه الصفةُ من صفاتِ اللهِ جلَّ وعزَّ لا تتصرَّفُ تصرُّفَ غيرها، لا يقال: أمِنَ اللهُ؛ كما يقالُ: تقدَّسَ اللهُ، ولا يقالُ: يؤمنُ الله، كما يقالُ: يتقدَّسُ اللهُ.
وكذلك يقال: تعالى اللهُ، وهو تفاعُلٌ من العلو. وتباركَ اللهُ، هو تفاعلٌ من البركةِ، واللهُ متعالٍ، ولا يقالُ: متباركٌ، لمْ نسمعْهُ.
وإنما ننتهي في صفاتِهِ إلى حيثُ انتهى، فإنْ كانَ قد جاءَ من هذا شيءٌ عن الرسولِ صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ، أو عن الأئمَّةِ (2): جازَ أنْ يُطلقَ كما أُطلِقَ غيره» (3).
في هذا المثالِ بينَ المعنى اللغويَّ للإيمان، وبيَّنَ المعنى الشرعيَ له، وذكر دليلاً على ذلك، ولم يعتمد على المعنى اللغوي فقط في إثبات المرادِ بالإيمانِ، كما هو حال المرجئةِ الذين يجعلونه مجردَ التصديقِ، ولا يدخلون الأعمالَ في مسمى الإيمانِ.
(1) تأويل مشكل القرآن (ص:481 - 482).
(2)
الأصل أنْ نأخذ بما ثبت من صفات الله في القرآن والسنة، وقوله:«أو عن الأئمة» يحمل على أنهم يبينون الصفات الواردة، لا أنهم يطلقون على الله من عند أنفسهم، والله أعلم.
(3)
تفسير غريب القرآن (ص:9 - 10).
ثالثاً غريب القرآن، لأبي بكر محمد بن عُزَيز السجستاني
لقي كتابُ ابنِ عُزَيزٍ (على زِنَةِ: زُبَير)(1) شهرةً واسعةً، وحَظِيَ بقبولِه الحسنِ عندَ العلماءِ (2). وكان ابن عُزَيز (ت:330) قد قرأ جزءاً من كتابِه على شيخِه أبي بكرٍ محمدِ بنِ القاسمِ بنِ بشارٍ الأنباري (ت:328)(3).
ولقدْ كانَ من قبلَه ممن كتبَ في (غريبِ القرآنِ) يتَتَبَّعُ ألفاظَ كُلِّ سورةٍ منَ القرآنِ على ترتيبِ المصحفِ. أمَّا ابنُ عُزَيزٍ (ت:330)، فيتمثَّلُ منهجُه فيما يأتي:
1 -
أنه رتَبه على حروفِ المعجمِ ألفبائياً، ويعتبرُ أوَّلَ من فعلَ ذلك من كتبِ غريبِ القرآنِ؛ لأنَّ غالبَ من سبقهُ يُرتِّبُه على سورِ القرآنِ، ويذكرُ تحت كلِّ سورةٍ الألفاظَ التي سيفسِّرها حسب ترتيبها في السُّورةِ (4).
2 -
أنه جعلَ كُلَّ حرفٍ على ثلاثةِ أقسامٍ، فبدأ بالمفتوحِ، ثُمَّ المضمومِ، ثُمَّ المكسورِ.
(1) ينظر في نسبته هذه: مقدمة محقق كتابه: أحمد عبد القادر صلاحية (ص:19 وما بعدها).
(2)
ينظر: مقدمة أحمد صلاحية في تحقيقه لغريب القرآن (ص:73).
(3)
ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص:232).
(4)
على هذا سارتْ الكتب المطبوعة: مجاز القرآن لأبي عبيدة، وغريب القرآن لابن قتيبة، وغريب القرآن المنسوب لزيد بن علي، وغريب القرآن المنسوب لليزيدي.